لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-04-09, 03:29 PM   المشاركة رقم: 11
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
افتراضي

 

نعمة..حليمة..وام فكري
الله أنعم بها عليّ. ليست بعيدة ولا تحتاج إلى الخروج من البيت للوصول إليها. بدأنا مطلع الأمر نتبادل الرسائل الغرامية. قلمها سيّال وقلمي أيضاً. لها أربعة أخوة يلحقونها أينما ذهبت باستمرار، أصغرهما كان الرسول بيننا. يحضر الرسائل وفي نفس اللحظة أو بعد دقائق يحضر إلي ليأخذ الرد.
هذا الصغير عفريت صغير. في عينيه حوَل ولا يرى جيداً. يخلط السكر بالملح. مرة أعطى الرسالة لأخي بدلاً مني. لم يفرق بيننا. رجوت أخي على ركبي أن يعيدها لي. قرأها. فأشفق وأعطاني إياها بمشقة.
(حكيمة) الجنية كانت أكثر جرأة. أميّة ولا تفقه لغة الرسائل. رسائلها بالشفاه وتغيير ألوان الفساتين. تسريحة الشعر تعني بالنسبة لنا أشياء كثيرة. تكتب الرسائل بجسدها وبحركاتها الإيمائية, صدقوني أنني أحب هذه اللغة السرية. كانت (حكيمة) تلوّن شفتيها كأنها تشتهي القبل. وتشد شعرها إلى الخلف بيديها كأنها تقول تعال إليّ، وإذا رفعت خصلة شعرها من فوق جبينها كانت تقول مرحباً. وإذا ما غيّرت ملابسها باستمرار فكأنها تسأل هل أعجبك. وإذا وضعت يديها على خاصرتها فكأنها تعاتبك، وإذا دقت بقبضتها المضمومة على حافة الشباك فهي غاضبة.
(نعمة) لا تفهم هذه اللغة السرية. ظلت متخلفة طويلاً. استمرت علاقتنا فترة طويلة. كنت أقول لها في رسائلي: ما لحبنا الذي أورق لا يثمر. أو، ما لهوانا الذي أزهر (أو أينع) لا يثمر. وظل الأمر هكذا حتى بدأت ألف وأحوّم حول فتاة أخرى.
لست حوّاماً مثل (أبو حكيمة). لم أعرف في حياتي حوّاماً أشطر منه. لما كنت أسهر في غرفتي دون نور المصباح. كنت أراقبه. يصعد على سطح غرفة ابنته (حكيمة) الواطئ من الشارع مباشرة ويرفع قامته لكي يتطلع على (أم فكري) جارتنا من جهة اليسار. زوج (أم فكري) عجوز منحني الظهر. وأولادها كبار، تزوج معظمهم. (بشار) ابنها الأصغر تزوج من أجنبية. و(فكري) من قردة اسمها (فريدة). عذراً لأنني أقول عنها قردة. فهي بشعة وأمي سمّتها بهذا الاسم. ربما تشبهها بالشيطان. عند أمي القرد والعفريت واحد. فريدة تشبه حماتها ولكن (أم فكري) وجهها مدوّر وفيها مسحة جمال. هي سمراء وفريدة سمراء أيضاً شعرها مجعد وعندما تصحو من نومها تظهر مثل جنية يخاف منها ضعاف القلوب. أما البنت الصغرى (سلوى) فكانت جميلة جداً. شقراء على عكس أمها وأبيها. وهناك من يضع في ذمته أنها بنت حرام. وخاصة أن أمها تعمل خادمة عند واحد من رجال الحكومة. أخو (أم فكري) سكيّر عقد حلفاً مع الشيطان ولا يصحو إطلاقاً. أخته تصرف عليه. أمي كانت تخشى عليّ من السير على طريقه. أمي تقرأ الكف أيضاً وقرأت كفي ذات صباح. قالت لي ذلك. أخشى عليك من الشر والطريق التي يسير عليها أخ جارتنا. وللأسف مات بعد أن أكثر من الشراب. لم يمش أحد في جنازته، وتمت مواراته بالتراب بسرعة. حوله شاعت حكايات وطرائف كثيرة. قيل عنه إنه كان يحدث نفسه ويخاطب الفراغ. ولما كنت أصادفه في طريق المقبرة حيث كان يقضّي معظم أوقاته، كان يدعوني لشرب الكحول معه. ربعيّة براندي كان يخفيها دائماً في صدره. كان كالفنانين والشعراء. دائم التحليق في الهواء لا يقعد أبداً. لا يهدأ. لا يطأ بقدميه الأرض.
والحوّام (أبو حكيمة) كان يحوّم حول (أم فكري). كان يشتهيها. لم أر زوجته قطعياً، ربما ماتت أو أنها مريضة. لا أعرف ملامحها. أين هي يا ترى. لا أدري. كنت أخاف (أبو حكيمة). كنت أظنه من الرجال المهمين الذين يتجسسون ويتلصصون على بيوت الناس. كنت أظنه يراقب بيتنا. ولكن عيونه كانت نحو (أم فكري) التي كانت تعود في أوقات متأخرة من الليل. لا أدري إن كان يعرف أنني أراقبه. وربما تجاهل تطفّل الولد الصغير الذي هو أنا.

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
قديم 07-04-09, 03:32 PM   المشاركة رقم: 12
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
افتراضي

 

جارتنا المنحوسة رفسها عفريت
ابن الجيران (نوري) مصاب بمس. نراه يلوّح بيديه ويهز برأسه، كأنه يخاطب أحداً بجواره. يلعن الدين. أي دين لا أعرف. كأنه منخوز. يحرّك يديه ورجليه في حركة متواصلة. لا يهدأ. زوج أمه يضربه باستمرار على رأسه.
مرّة رافقت نوري بعد أن صادفته في طريق. ولما اقتربنا من باب مفتوح، ابتسم ودخل دون إذن. سرق صينية من الألمنيوم وهرب بها فلحقت به هارباً. أمسك بنا صاحب البيت. اعترفت مباشرة أن (نوري) هو الذي فعل ذلك. ولما وصلنا المخفر، الشرطي كتب أقوالي وأخذوا (نوري) إلى النظارة.
لم أرافقه بعد ذلك. عرفت أنه معتوه. لا تحمد مصاحبته. كنت أراه دائماً يتطلع في الأرض، لا يرفع رأسه إلى الأعلى. اشتغل (نوري) مرة عتالاً لأكياس الطحين. عاد بعد ذلك كشبح أبيض يثير الرعب في القلوب. كنت أخافه.
مرة أخرى اشتغل نوري في تنزيل حمولة سيارة بطيخ فعاد بأجر يعادل بطيختين. عاد يحمل بطيختيه فرحاً.
لما فاضت المياه الشتوية وملأت الحارة تنازعت أم نوري وأمي على المياه التي أغرقتنا وعطلت إمكانية سيرنا. أم نوري طلبت من ابنها المعتوه أن يحفر مجرى للماء فتكومت المياه أمام بيتنا. كنا لا نستطيع الدخول أو الخروج ولما احتجت والدتي حاول نوري الهجوم عليها بالفأس. فجأة توقف المعتوه وتهاوت يده بطريقة لا إرادية. قالوا إن الله حمى أمي من الشرور.
لم ينته الأمر على هذا. خرجت أمه تصرخ وتعاركت مع أمي فقلعت لها خصلة من شعرها وفك الناس بينهن بعد أن امتلأت الحارة بالنساء والرجال والأطفال. المطر أيضا ساعد على فك التشابك بالأيدي وشد الشعر. منذ ذلك الوقت والخصام والعداوة تملأ قلبي المرأتين .
لم تفكر أمي في مساعدة نوري الممسوس. اعرف انه كذلك لأنه يثور وقت الطعام، يرمي بالصحون والطعام إلى الشارع. يعربد ويزمر. وأحيانا تراه يطبل على الطناجر وعلب الصفيح بملاعق معدنية وخشبية وأشياء أخرى، والله أعلم . كثيرا ما سمعته يعوي ويزأر. كنت أقول في داخلي: الله يستر علينا وعليه. الله يحفظنا من شروره. ماذا لو فلت وبدا بتحطيم الأشياء حوله. الناس يخشون المرور من جانبه إذا كان منفعلا متخبطا، تخبطه الشيطان من المس. ينتظرون حتى يهدأ.
لو كان محمد ص على قيد الحياة لأعاده إلى صحته. ولحل عقدته. محمد عليه السلام يخاطب الشيطان هكذا: " اخرج عدو الله " وإذا عرف رسول الله أن نوري قد مس من الشيطان ـ بما يطلعه الله عليه ـ فربما يضربه على ظهره ضربا غير موجع، فمحمد لا يضرب ضربا يفضي إلى الضرر الشديد. وان ضرب فبطرف ردائه. والضرب للمصروع غير متعين كعلاج وحيد. الرسول يمسح بيده الشريفة على وجه المصروع ويرش وجهه بالماء. والرسول قد لا يضربه بل ينفث فيه ثلاثا في فمه ويقول كلاما طيبا كالتالي: بسم الله أن عبد الله، اخسأ عدو الله. وقد يقول نافثا في فمه ثلاثا: اخرج عدو الله أنا رسول الله.
وفي رواية عن ابن عباس، أن امرأة جاءت إلى رسول الله ص فقالت : يا رسول الله إن به لمسا ـ أي جنونا ـ وأنه يأخذه عند طعامنا ، قال : فمسح رسول الله ص صدره ودعا له فتع تعة. وفي رواية أخرى قيل (فثع ثعة)، أي سعل، فخرج من فيه مثل الجرو الأسود فشفي.
والجرو هو ولد الكلب والسباع، أو الصغير من كل شيء، وفي "الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد" للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي : والذي يظهر أنه خرج من فيه دم متجمد أسود والله اعلم.
مما ورد نستطيع أن نقول إن دخول الجن جسد الإنس أمر محتمل ولا يجوز الجزم به، وعدم دخول الشيطان ـ بمعنى دخوله الجسد ـ أمر وارد بعد انتفاء القطع بالمعنى الأول. فلم يدل شيء بعد ـ وفيما نعلم ـ على دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة على دخول الجن وولوجه داخل الجسد.
الله يسترنا من الجن، شيطانا، إبليسا أو عفريتا كانوا. وليبعد عنا شرورهم وليحمنا من وسوستهم.
نبيا يكون من يرى شيطانا. ومحمد ص رأى الشيطان وتحدث معه وكاد ذات مرة يسجنه أو يأسره. ومن ادعى انه رأى شيطانا أو يرى الشياطين فهو كاذب إلا أن يكون من الأنبياء عليهم السلام.
والنبي عليه السلام تمكن من الإمساك بالشيطان، ففي كتاب"اللؤلؤة والمرجان"، فيما اتفق عليه الشيخان، ورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ص قال: إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع عليّ الصلاة، فأمكنني الله منه، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان: "رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي" فرده خاسئا "، وفي رواية أخرى أن من تفلت عليه كان شيطانا وليس عفريتا كما قال أبو هريرة. كالتالي " أنه تفلت عليه الشيطان ليقطع عليه صلاته، قال: قال فأخذته فذكرت دعوة أخي سليمان، ولولا ذلك لأصبح موثوقا يراه أهل المدينة " أو كما قال، عليه السلام.
والدي لما كان يصلي، وهو كثير الصلاة، كان يطلق لصوته العنان بآيات الله عندما تناوشه الشياطين أو تنخزه العفاريت. فكنا حينئذ نقعد في أركان الغرفة هادئين. نرتعد ونرقب أبانا الذي كان يتجهم ويغلظ من طبقات صوته، يرمش ويبحلق بعيونه في الأرض والسماء. نفهم كل شيء. إذا كان إبريق ماء على النار نطفئ النار. نتلفت حولنا. وإذا نزل من الحنفية ماء نحكم إغلاقها. وإذا كنا نتكلم نسكت حتى يختم تعبده.
وكنت أتساءل في صغري: لماذا يسلط الله شياطينه على المؤمنين من الناس بالمس والمشاغبة! أظل أبسمل وأقرأ الفاتحة والإخلاص وسورة الكافرون، وآخر سورة الحشر حتى ينصرف الآثم من الجن عني وعن أمي وأبي. هل نجحت. الله أعلم. وكنت أتعوذ بقوله تعالى: "رب أعوذ بك من همزات الشياطين. وأعوذ بك أن يحضرون".
الناس تخشى الجن وترتعب. من الناس من لديه (طاسة الرعبة) الوعاء المزنر بالآيات القرآنية والأدعية والتعاويذ المختلفة. لا أدري إن شربت من هذا الوعاء عندما ناوشتني العفاريت في زقاق المخيم بالمس واللمس والخطم والنخس والوخز حتى عدت إلى البيت ملووثا ومصعوقا أو مصروعا ومتلبسا (الشخص الذي تلبسه شيطان).
لما قام نوري بتسخيم وجهه بالسخام وخرج ليلا يعربد ويصرخ، دخل الناس إلى بيوتهم وأغلقوا الأبواب والنوافذ. لم يبق شيء في الحارة إلا ولمسه نوري. كسر العيدان. طبل. زمر. زعق. نفخ وشخر ولطم جسده بالحيطان والأبواب والعربات الواقفة في الشارع. أثار رعبا هائلا في الحي لم ينسه أحد حتى الآن. كأنه كان يناجي الأرواح بالقرع والطرق. يحاكي روح والده.
هذه حادثة متعلقة بغيري. وهناك حادثة تتعلق بي. لما قفزت بعد طول غياب من النافذة إلى بيتنا، وأمي كانت لتوها قد نهضت من نومها لأداء فريضة الفجر، ارتعبت لما شاهدتني، فانعقد لسانها لفترة ظننت أنها ستتحول إلى خرساء من بعدها. لكن الله أفرجها عنها فحل عقدة اللسان فأخذت تبكي من الرعب توحد الخالق وتلعن الجان.
طالما مجتمعاتنا مليئة بالخوف والرعب والشرور، وحياتنا مليئة بالمخلوقات غير المرئية والمرئية. ماذا نفعل ؟ المؤمنون والعقائديون يحملون في طيات أرديتهم نسخا مصغرة جدا من القرآن الكريم. واصبح المصحف حجابا أفضل من غيره في مواجهة الفتنة. فيه سور وآيات صالحة لمحاربة الشرور والتعاسة. بعض الآيات والسور له أهمية كبرى في مواجهة الشرور والقضاء على الأوهام والأمراض. فالفاتحة مثلا كما آية الكرسي تقرأ قبل أي عمل سحري أو تعبدي.
ماذا نفعل بالفتن التي تحيط بنا؟ جلست في الأريكة القديمة، التي اشتراها لنا الوالد ذات يوم عيد، شارد الذهن أفكر بأن كل امرئ أصبح يشك في نفسه.
هناك عالم سحري مليء بالخيال والأشباح والأرواح ومئات الأصناف من الجن، شياطين وعفاريت وأبالسة، أناس تقمصتهم المخلوقات الشريرة، وهناك ملائكة عصت الله وتعلمت السحر وفن الفتن كهاروت وماروت.
يظهر الجان لنا على هيئة شيخ أو متسول أو امرأة فاتنة أو صبي ولا ندري أيقول الصدق أم الكذب ويغوي. عالم مثير ينحبس في عقولنا وقلوبنا وأعيننا كالدموع. لا حول لنا ولا طائل لنا على المجابهة غير القرآن وأسماء الله.
السحر
في غمرة التأمل دخل علي صديقي(عارف) الذي أشك في أمره وسعة معرفته واطلاعه. لكني دون علمه لا أحرك ساكنا. احسبه من الجان. أظنه مرة عفريتا ومرة أخرى شيطانا بقالب إنسان ومرة أرى فيه شبحا أو ملاكا يحرسني ويخبرني اليقين. إنه موسوعة معرفية متنقلة. واسع الثقافة. مرات أشك في أنه شيوعي ولكنه لم يظهر الإلحاد أمامي ولم يحاول تأطيري في حزب أو جمعية .
"الشيوعيون شياطين أيضا" قال لي ذلك شيخ جامعنا. كونهم يدعون الناس للكفر بالله ويحرضون على الرسل والأنبياء. أعوذ بالله من الشيوعيين وأمثالهم. ابتسم صديقي لي كالعادة وسألني لماذا التجهم. طلب مني الابتسام:
ـ ابتسم، إن التجهم في السماء
رحبت به وأحضرت له إبريقا من الشاي، قلت له:
ـ سأستنزفك اليوم.
ـ ماذا تقصد ؟
ـ أريد الخبر اليقين.
ـ أي يقين تريد؟
ـ حدثني ما تعرف عن السحر والسحرة.
ـ رغبت اليوم وإياك في زيارة المكان الذي جلست فيه آخر مرة أنت و(عبد المنعم).
ـ لا أستطيع، تعبت. سمعت أن السحرة يعيدون الحياة للأموات.
ـ وأنا كذلك. لكني أعتبر السحر نوعا من الشعوذة.
ـ وكيف ينظر الإسلام للسحر والسحرة؟
ـ سأقول لك كل ما أعرف عن هذا الموضوع. لكن دعنا نشرب الشاي أولا.
أحضرت فنجانين من البورسلان مزينين بالزهور. صببت لي وله شايا ساخنا بالنعناع، وإذا بلسانه ينطلق بالحديث:
ـ السحر اقترن بالشر. وبما أن السحر كان منتشرا في شبه الجزيرة العربية نجد أن موضوعه وجد في القرآن الكريم أيضا. السحر ارتبط بالوثنية. بالأفعال والأعمال السحرية تم تفسير الظواهر الغربية والتجأ الناس إليه لدفع اللصوص والأمراض والشرور والظواهر الطبيعية كالزلازل والأعاصير والجفاف.
تصور يا صديقي أنني في طفولتي كنت أخاف من المرآة وما زلت. عندما انظر فيها لا أتعرف على نفسي فأتحاشاها حتى أيامنا هذه . لكل إنسان منطقة مبهمة وأشياء لا يستطيع تفسيرها، سرية، معقدة، أو مقدسة. الكلب أيضا أخشاه وابتعد عنه لأنه يضايقني في تحركي في الليل. عندما أعود إلى البيت ليلا أتحاشى المناطق التي تكثر فيها الكلاب. ولا أحب الحراس ومضايقاتهم فابتعد عنهم والكلاب.
يا (فرج الله) يا صديقي كل شيء نسبي في اعتقادي. وتتماهى الحقيقة والواقع مع اللاواقعي والخيال. فان ما تراه وتعتقد انه حقيقة أنا لا أراه واعتبره من طور الخيال . الأشياء والأحداث توجد لأنها في عقولنا فقط، فهل هي موجودة فعلا؟ الله أعلم. الفيلسوف شيللر مثالي جدا حتى أنه شكك في وجود الشجرة خارج عقله. نفى المادة تماما،ً وهذا شبيه بالاعتقاد القائل بأن الحقيقة كلها روحية. لست مثله ولكن حتى مثل هذه الأفكار تعطيك نموذجا للتصورات التي تنتابنا والأشياء التي تحيط بنا ويفسرها كل منا كما يهوى.
هذا يحدث في عصر المعلومات وفي مجتمعات مدنية مفتوحة ومجتمعات إعلامية، فكيف تتصور الوضع في الجاهلية؟ أنت مثلا تفكر في أن (عبد المنعم) مات ودفن وانتهى وجوده على الأرض في حين أنني أراه ويعيش معي وفي عقلي. أي لا يكفي فناؤه المادي لكي يفنى في عقولنا وفي الواقع. الخيال ـ أحيانا ـ أقوى من الواقع. ومن هنا أقول لك أن السحر والسحرة يستطيعون فعل المعجزات التي لا يتخيلها العقل. بهذا ينتصر الخيال على الواقع ويغلب الكذب الحقيقة.
قلت: استغفر الله العظيم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وتابع صديقي يقول:
ـ النبي محمد ص ومن عاصره لم يتصوروا الجزيرة العربية دون السحر. السحر كان جزءا من الواقع. حاول محمد و أصحابه أن يقضوا على الخرافة والسحر ولكن جزءا من هذه الخزعبلات بقي ولم يمّح. قد تستغرب أن بعض الروايات تقول إن محمدا نفسه استفاد من علم العرافات.
ـ استغفر الله العظيم.
ـ وأنا استغفره معك لأنني لا أود الوقوع في المحظور. تخيل يا صديقي أن بعض الأحاديث تقول إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة. أنا مثلاً أكره التصوير الفوتوغرافي ولا أحب الكلاب. لا ادري من أين لي هذا. الله وحده يعرف. بقي أن أقول لك إن القرآن تعامل مع قضية السحر متناولاً قضايا كثيرة. المنع كان فقط يتوقف على الشعوذة الشريرة. ولو حرم الإسلام السحر لما أصبحت السور والآيات القرآنية في وقت لاحق مادة هامة وصالحة في محاربة الشرور والأمراض واللصوص والجن. القرآن يحفظ من كل الشرور. أليس كذلك؟
ـ هكذا أرى أنا أيضا.
ـ القرآن هو الذي عرفنا على أخبار السحر والسحرة وما قام به الشيطان والملكان هاروت وماروت في نشر السحر والشعوذة. وهذا ما قاله الله في كتابه:" واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان.
وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا
يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت
وما يعلمان من أحد حتى يقولا
إنما نحن فتنة فلا تكفر
فيتعلمون منها ما يفرقون به بين المرء وزوجه
وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله
ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم
ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاف
ولبئس ما شروا به أنفسهم
لو كانوا يعلمون"(البقرة 102)
هذه الآية تطرقت أكثر من غيرها لأفعال الشياطين والملكين هاروت وماروت. وتطرقت للسحر. السحر مرتبط إذن بالجن والملائكة. ولا يمكن فصل طرف عن الأخر. اعترف لك أن هذه الآية معقدة. ودون الرجوع إلى تفسير الطبري (كاتب ومؤرخ من القرون الوسطى) سيكون من الصعب عليك فهم فحواها.
الآية تقول لنا إن السحرة مرتبطون بتعاليم شيطانية وملائكية (من الملكين هاروت وماروت) وسرهم جاء مما جمعه سليمان الحكيم ـ العالم بلغة الحيوانات والطيورـ في أسفار وكتب وشعوذة وسحر.
قلت: وما كفر سليمان، ولكن الشياطين كفروا، هكذا تقول الآية.
تابع عارف: العالم الإسلامي وغيره يعرف بمعرفة النبي سليمان الحكيم وحكمته وإلمامه بلغة الطيور والحيوانات. عاش في الفترة الواقعة بين 986-932ق.م تقريبا وهو ابن الملك داوود وخليفته وعرف بـ "سليمان الحكيم". عرف أيضا بطيبته ورحابة صدره . أثناء حكمه انتشر السحر والإيمان بالخيال والشعوذة بين الرعية. اكتشف سليمان أن الشياطين نسخت الكتب السحرية، لاحظ معي، الشياطين تكتب أيضا، ونشرتها بين الناس.
إذن الشياطين لعبت دور " دور النشر" السرية حتى تسيء للخالق العلي القدير. لما عرف سليمان بالأمر طلب من أعوانه جمع كل تلك الكتب ودفنها تحت عرشه. أراد بذلك أن يبقيها أمام ناظريه وحتى لا يسمح بانتشارها، وظلت تحت عرشه إلى أن مات ـ لو لا يموت الأنبياء ـ وأخذه الله إلى جواره، فقامت الشياطين بالحفر و إخراج تلك الكتب من تحت العرش.
إذن الشياطين تسرق. وتصل إلى أي مكان تريد، تحفر في الصخر والتراب فكيف لا تصل إلى داخل الإنس. استولت الشياطين على الكتب السحرية وقامت من جديد بنشرها بين الناس.
سألت: هل تعتقد أنت بأن الشياطين بحاجة إلى كتب لتعلم الناس السحر؟ وكيف يعقل أن تأخذ الشياطين كتبا لتوزعها بين الناس؟ وبما أن الشياطين غير منظورة، كان بإمكانها أن تصل إلى تلك الكتب في ظل حكم سليمان. كان بإمكانهم أن يفعلوا ذلك أثناء نومه.
ـ لا أدري. أنا أروي لك القصة وأنت تحرَّ الحقيقة!
ـ أي حقيقة ؟
ـ القصة التي تجدها مناسبة لك ولعقلك وقلبك. أنا لا أستطيع إلا أن أسرد لك صيغة من الصياغات المتنوعة. أيها أقرب إلى الحقيقة لا أدري. وهل هناك حقيقة غير حقيقة الله. هذا ما لا أعرفه.
المهم في الأمر أن الشياطين بدأت تروج دعاية مغرضة تقول: إن سليمان ليس نبيا ولا رسولا ولكنه واحد من كبار السحرة والمشعوذين. وان الكتب السحرية التي وجدت تحت عرشه تكشف ذلك، وتبين أن كل الحكمة والمعرفة التي كان يمتاز بها جاءت من تلك الكتب. فيها توجد كل حكمته ومعرفته التي أخفاها عن أعين الناس لأنه أراد أن يحتكر المعرفة وحده حتى يظل يمتلك مفاتيح السلطة ومقاليد الحكم. احتكر المعرفة حتى تكون له سلطة علينا.
وهناك قصة أو صيغة أخرى للحكاية تقول إن الشياطين نفسها هي التي أخفت الكتب السحرية تحت عرش سليمان بعد موته، وان لسليمان علاقة بالسحرة والشياطين، وان الناس بعد موته حفروا تحت عرشه ووجدوا الكتب التي اعتقدوا أنها تحتوي حكمته.
القرآن يقول إن سليمان لم تكن له علاقة بالسحر على الإطلاق، وان كل ما حدث هو من فعل الشياطين " .

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
قديم 07-04-09, 03:40 PM   المشاركة رقم: 13
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
افتراضي

 

قصة عائشة

ومن القصص التي روتها عائشة أصغر نساء محمد ص قالت:
ـ أحد الأيام، جاءتني امرأة. رغبت في مقابلة النبي محمد، ولكنه لم يكن على قيد الحياة. أرادت أن تستشيره في أمور السحر التي تعرفت عليها دون أن تستخدمها. رأيت كيف تبكي وتهدر دموعها مدرارا ـ تابعت عائشة ـ وعندما اكتشفت أنها لا تستطيع أن تتحدث مع رسول الله، الذي بإمكانه أن يعالجها ويشفيها، أشفقت عليها، وهي قالت:
ـ لا أخشى الموت، لكني كان لي زوج قد مات، وأنا غرقت في الحزن، حينئذ جاءت إلي امرأة عجوز فشكوت إليها أمري، فقالت لي:
ـ إذا فعلت ما آمرك به يعود زوجك إليك.
وعندما عتمت الدنيا وجاء الليل حضرت عندي بصحبة كلبين كبيرين أسودين. هي ركبت واحدا وأنا ركبت الآخر. وسرنا في الطريق حتى وصلنا بابل العراق إلى أن وصلنا إلى رجلين معلقين من أرجلهما.
- ـ ما جاء بكما؟ سألا
- ـ أردت تعلم السحر، قالت واحدة من النساء
- ـ نحن فتانان، صرح أحدهما. احذري الكفر يا امرأة، واذهبي من حيث جئت.
ولكنهما رفضتا العودة، حسب ما قالت عائشة
فقالا لها:
ـ اذهبي إلى ذلك الفرن وبولي فيه.
ذهبت إلى هناك. ولكن شيئا منعني من التبول ولم افعل شيئا. وعندما عدت إليهما سألاني:
ـ هل فعلت ما رجوناك أن تفعلينه
ـ نعم، قلت
ـ وماذا رأيت
ـ لا شيء
ـ أنت تكذبين .اذهبي هناك مرة أخرى وافعلي ذلك.
تكرر الأمر أكثر من مرة حتى استطعت أخيرا التبول في المكان. عندما فعلت ذلك شاهدت فارسا يخرج من جسدي ويصعد إلى السماء حتى فقدته عيناي. عدت إليهما وأخبرتهما بالذي رأيته.
ـ الآن صدقت ـ قالا ـ إيمانك خرج منك. تستطيعين أن تذهبي الآن.
عدت إلى تلك المرأة، وقلت لها ما رأيت، وإنني لم أتعلم شيئا.
لا بأس ـ قالت ـ الآن جاء دوري. خذي حبيبات القمح وازرعيها. فعلت ذلك. وبعد لحظات نما الزرع. وعندما طلع الزرع اعتنيت به. وجمعته حصدا ثم طحنته دقيقا. والدقيق صنعت خبزا. عندما فعلت ذلك كله توصلت إلى نتيجة هي أنني لا أريد شيئا من السحر ولم استخدم السحر قط. بكيت وأجهشت في البكاء نادمة على خطاياي، والآن ارغب في التخلص من هذا الحمل الثقيل.

************
قدرة العفاريت والسحرة....
لم ينس صديقي (عارف) تعداد بعض القدرات الهائلة أو الإلهية للسحرة وحلفائهم من الجن. الأصوليون والمتعمقون في الدين يرفضون ذلك وينكرون على السحرة والجن هذه القدرات ويعتبرون ذلك تعديا على القدرة الإلهية والذات الإلهية نفسها. لكن المعطيات التي وصلتنا عن حدود القدرات التي يمتلكها السحرة، تشير إلى أنهم يقدرون على تحويل الإنسان إلى حمار أو حيوان، ولهم قدرة على تغيير مسار الأشياء وطبيعتها، أن يغيروا اتجاه الريح مثلا. لهم قدرة على بعث الجسد أو بنائه، وإحياء الموتى.
ـ لو كان ذلك كله معقولا لاختفت الحدود بين ما هو واقعي وبين ما هو كذب وشر.
صرخت بعصبية في وجه صديقي الذي احتفظ بهدوئه. وأجاب:
-نعم هذه هي الحقيقة. ليس هناك حدود بين ما هو حقيقي وما هو كذب. لقد تماهت الحدود. هل هذا يعني انتصار الشيطان؟ ربما. بكل أسف، هذه طبيعة السحر، إذا كان السحر موجودا فعلا. لكن القصص التي وصلتنا عن الساحرات اللواتي يطرن على ظهور الكلاب السوداء كثيرة، في الشرق وفي أوروبا. وكن يجتمعن في الأعالي على قمم معروفة يدرسن ويحكمن ويخططن ويمارسن طقوسهن بحرية. مثل هذه المناطق معروفة في إيران وجنوب الجزيرة العربية. جبل ديما وند في إيران مثلا. قيل انه يمكن للناس مزاولة السحر هناك. وحتى يتم الأمر كان على الشخص أن يقوم بذبح عنزة سوداء وتقطيع لحمها إلى سبعة أجزاء وحمل ذلك إلى المغارة المحددة، وبدم العنزة يتم طلاء داخل المغارة ووضع اللحم هناك وتغطيته بفرائها والعودة مساءً إلى المغارة. شرط ذلك أن يكون الراغب في معرفة التعاليم السحرية يتيما. عليه أن ينبطح في المغارة وينام لكي يؤكد في روحه قراره ذلك. وإذا أفاق من نومه وقد تحقق له أن تتبناه الشياطين، وأن ثيابه نظيفة، فهذا يعني أن التجربة نجحت. وإذا استطاع الإنسان أن يصمت بعد ذلك ثلاث ليال، فهذا يعني انه أصبح ساحراً.
لاحظ صديقي انفعالاتي وتأملي وترقبي وحذري، فأراد أن يكف عن الكلام المباح وكأنه أدى الأمانة وبين لي كل الطرق التي يمكن سلوكها لأصبح ساحرا، علما بأنني لم اجرؤ على القيام بمثل هذه الخطوة. كل ما أردت أن اعرفه هو مصير صديقي (عبد المنعم) الذي اختفى مخلفا بقعة كبيرة من الدم.
واختفى صديقي(عارف) فعلا. في غمرة تأملي تسلل مبتعدا عني وتركني في حيرة من أمري ومن كل شيء من حولي. أمي كثيرا ما سردت حكايات كالتي أوردها صديقي. أمي ذكرت لي أن جبال الخليل وتلالها وهضابها مليئة بالمغاور والقلاع الصغيرة المؤهلة لتعلم السحر بالأخص قرية (طاواس) التي يعتقد بعض الناس أنها كانت مسكونة.
حكت لي عن خربة (طاواس) التي كانت في اعتقادها مسكونة بالجن. من هناك كانت تنطلق الساحرات والسحرة على ظهور أكوام الحطب، وليس الكلاب السوداء كما ورد في حكايات صديقي، وكان هؤلاء السحرة يحلقون في أجواء الخربة ليلا ونهارا. من بعيد كان البوم ينعق ليسمعه كل من سار في الوديان، يقول:"يا قيس قم صل ونم".
لا ادري من هو قيس. اعرف أن زوجته تآمرت مع السحرة فقتلته بمعاونتهم ودفنت جثته تحت شجرة خروب. ولما كان الطير شاهدا على هذه الجريمة ظلت البوم (مفردها بومة) تحلق فوق الشجرة تناديه باسمه أن قم يا قيس أد صلاتك المفروضة عليك ونم هادئا قرير العين بعد ذلك. هذه العبارة ظلت شاهدا على بشاعة الجريمة المقترفة. ولما زرت الأرض الفلسطينية المحتلة بعد أيلول1998 بقيت في(طاواس) أصيخ السمع لذلك الصوت الذي كان يجيء من بعيد.
كنت ارتعب من الخوف عندما أكون وحدي في الكروم فأعود أدراجي إلى بيت خالي بسرعة هائلة قبل مغيب الشمس. كل مصابيح (طاواس) تضاء بالنفط. المعمرون كانوا يصعدون إلى أسطح منازلهم، ويحملون في جيوبهم مصاحف صغيرة. يدخنون الهيشة ويسبحون بأسماء الله الحسنى حتى يخطفهم النعاس. تراهم يكثرون من قراءة "آية الكرسي" وغيرها مما تيسر من قصار السور. أما نحن الأطفال فكنا نتجنبهم، فهم كثيرو الصمت والتسبيح.
نندمل في فراشنا الميسر لنا ونستعيذ من الجن ونذكر الله بين الفينة والفينة. ننطرح متأملين ومندهشين مما مر بنا من مصادفات طوال النهار. أنا كنت اكتفي بقراءة الفاتحة والصمدية فقد قال النبي ص : "إذا وضعت جنبك على الفراش وقرأت بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت "(رواه البزاز عن انس رضي الله عنه).
لما كانت أمي تنزل من (طاواس) إلى الخليل حيث أجدادها وتعود منشرحة الصدر مما لقيت هناك، كانت تذبح فدية، عنزة أو خروفا وتقسمه إربا إربا في العراء وتوزع سبع قطع خالية ومنظفة من الدم على الجيران حتى سابع جار، وتطلب من البنات الصغيرات أن يرشقن الماء ويشطفن الدم الذي سال في البرية وان يذكرن اسم الله قبل البدء بعملهن.
في الإسلام معروف أن الدم نجس، وهو أيضا غير مقدس، لذلك ربما هو الذي يدفع السحرة لاستخدامه في طقوسهم، أمي حاولت إعادة الروح لهذه الخربة المسكونة. لكن عبثا. الناس في طاواس سئموا من سير الشياطين والعفاريت والسحرة والمشعوذين حتى انهم دون ذلك قد يشعرون بأنهم غرباء عن أنفسهم وعن خربتهم. أصبح الأمر جزءاً من حياتهم اليومية وسطرا من دفتر سلوكهم .
الناس في (طاواس) يسخرون من أنفسهم كأنهم بذلك يواجهون أعداءهم، ويسخرون من كل شيء حتى أن حياتهم أصبحت غريبة وملونة ذات طابع خاص تحتاج لدراسة متفحصة ومتأملة من علماء الإنسان (الأنثروبولوجي).
الناس البسطاء والبلهاء اصبحوا حكماء ينطقون الشعر ويتكلمون فلسفة وحكمة، والمثل على ألسنتهم يجر خلفه أمثالا طاواسية (من طاواس) أخرى. أمي كانت تؤدي الصلاة من اجل (طاواس).
**************
"صلاة خاصة من اجل طاواس"...
في عيد " الأرواح"
طالما الموت تابو، إذن (فهو) مخيف
وطالما هو مخيف، إذن هو تابو
لا أحد يريد الاقتراب منه
الملحدون هم من يهملونه. يهملون الطقوس المتعلقة به
القريبون من الله يتذكرون الموت كثيرا
الناس الذين يحترمون ذاكرتهم يعتنون بقبورهم
الحياة تدور والموت قادم. إما أن نستعجله أو ننتظره
أما القبور فتهترئ، وتمتلئ وتجهز نفسها للقادمين
ما معنى الموت. معناه انه قادم
لكن الحياة حاضرة ونحتاج لها ونعمل من أجلها.
*************
شيطان يسكن معي...
اسكن مع شيطان أو شياطين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وضعت ركوة القهوة على النار. عندما غلت صارت تقول لي:
ـ تعال
القهوة تقول تعال واشربني.
ـ كيف افعل ذلك وأنت ساخنة جدا؟
تنهض من نارها وتعلن أن على طالب القهوة أن يحضر فورا. تنهض وتندحر جانبا محدثة ضجة مرعبة. تعلن أنها اندلقت. ولما تندلق انهض. أصبها في كاسي الذي احب. وانصرف من غرفتي إلى جاري لأشرب عنده قهوة أخرى بالهيل.
***************
كيف نتعرف على الجن..

هل إبليس بريء؟ الله أعلم . صديقي (عارف) دافع عن إبليس البريء.
"إبليس عبارة عن استعاره مجازيه لشيء نخشاه ونعلق عليه كمشجب أخطائنا وخطايانا"
أهو كذلك فعلا. لا أحد يعرف وعلمه عند الله. لم يسجد إبليس لآدم. الله شاء له ألا يسجد. هل يعني ذلك أن إبليس كان مقهورا على عدم السجود. وهل كان إبليس حرا. هذا بعض ما التقطته من تحفظات (عارف).
مخالف له من أصدقائي، قال:
" إن إبليس مخلوق مكلف من الجن، وهو كالبشر في التكليف سواء بسواء . وهو يملك عقلا ويملك إرادة ولديه حريته ".
وتفجرت الأسئلة في العقول:
ـ هل هذا يعني أن الله اجبر إبليس " المخلوق" على أمر ثم عاقبه عليه.
يجيب أحد الواقفين في الجلسة المعتبرة:
ـ إبليس حر ولكن إرادته عصت. وهو مسؤول عن الذنب الذي ارتكبه.
ـ وهل سيغفر الله لإبليس إذا ما تاب وسجد للإنسان.
سأل صديقي.
ـ مذهب الجبر يعني أن الإنسان مسيّر مثل ريشة في مهب الريح ولا حول ولا قوة
أضاف آخر.
ـ قرأت مرة عن عفريت وهو من الجن. لا ادري أين. اعتقد في مقالة للكاتب الفلسطيني أميل حبيبي. ومن العفاريت أنواع: العفريت الجهنمي، والعفريت أبو رجل مسلوخة، العفريت أبو ثلاث عيون مشقوقة بالطول، والعفريت أبو جلد معزى سوداء.أما العفريت الجهنمي ـ تابع ذلك المطلع ـ فهو يقدر على شق الحائط في وضح النهار والخرق منه لتأديب الأطفال المشاغبين. وهناك عفريت بنت السلطان. ولكل واحد منّا عفريت. أعوذ بالله من العفاريت وما شابهها.
أما أنا فقلت:
ـ لكن هناك من يقول إن الإنسان حر فيما يكلفه الله به، الله اعدل العادلين. ولا يعاقب الإنس والجن إلا إذا كانوا أحرارا ومسؤولين. وتابعت لما أيقنت أن لا أحد نطق: سجد الملائكة لآدم ووحدوا الله. سجود الملائكة لآدم كان سجود تحية ولم يكن سجود عبادة. كان سجودا لإعجاز الخالق وإبداعه في آدم. الله لا يأمر أحدا بعبادة غيره.
قفز احد المشايخ قائلا: لقد قارن إبليس ـ وهو مخلوق من النارـ بين النار والطين واعتبر النار افضل من الطين .احتج إبليس على الله وقال أنا خير من آدم، خلقتني من نار وخلقته من طين .
ضحك أحد الأصدقاء قائلا:
ـ إبليس كان مغرورا، وكان أول من استخدم القياس وضل به.
وقبل ان يتفرق الجمع تساءل أحد الأصدقاء:
ٍـ هل كان إبليس من الملائكة؟
وظل هذا السؤال معلقا في الهواء دون إجابة. لم يجب أحد. وانصرف الجمع بهدوء.
*****************
استراحة مع الشياطين الأبالسة..
في الطريق إلى البيت صادفت صديقي(سرحان). يكبرني سنا ولكنه رجل يقدر المعرفة وحب الاطلاع. استفسر عن صحتي في هذا الصيف القائظ. قلت:" لا بأس. أقضي معظم وقتي في الظل. أقرأ وأكتب".
ـ ماذا تكتب ؟ سألني .
ـ اكتب شيئا عن الشياطين والأبالسة !
ـ أليس من الأفضل أن تمضي وقتك على شط البحر، أو تذهب في رحلة إلى الغابة
ـ أفضل الاستراحة المثمرة. لا أستطيع أن استلقي هكذا دون شيء. لهذا اخترت الشياطين لكي امضي الوقت بمعييتهم. استغفر الله وأعوذ بالله منهم.
وابتسمت.
ـ أنا سأسافر إلى ألمانيا لقضاء الإجازة، سأبعث لك من هناك برسالة أحدثك فيها عن إبليس وصنائعه.
وفعلا ، بعد شهر وصلتني رسالة طويلة مليئة بالتحيات والتمنيات وطيها كتب (سرحان) ما يلي:
"صديقي، في المعتقد الشعبي ابن آدم يطوي بين جناحيه الكثير من الشر. يعود ذلك للإرث الأسطوري لبني البشر، إلى ذلك اليوم السحيق الذي كان فيه آدم يعمل في الحقل وكانت حواء تقوم بواجباتها المنزلية.
كانت حواء قد سمعت ولولة طفل. وعندما انتبهت وجدت ولدا مليح الشكل. أخذت حواء الولد، وضعته في البيت واعتنت به. وعندما عاد آدم وأبصره غضب، أخذه و ألقاه في النهر لأنه كان يعرف أن هذا الولد ليس إلا ابن إبليس .
وفي اليوم التالي عاد إبليس ونادي ابنه فخرج حيا من النهر، وعاد آدم ليجد الطفل فازداد غضبه وألقى الطفل في النار حتى أصبح رمادا. وفي الصباح التالي عاد إبليس ونادى ابنه فخرج حيا من بقايا الرماد. وعاد آدم من العمل ليجد الطفل مرة أخرى وهو على قيد الحياة. ولم يجد طريقة للقضاء على ابن إبليس غير أن يقتله ويأكله. ونفذ آدم خطته.
وفي اليوم التالي جاء إبليس ونادى ابنه فخرج صوتان في وقت واحد من جسد آدم وحواء يقولان بنبرة واحدة:
ـ نعم.. أنا.. مرتاح.
ورد إبليس:
ـ هذا ما قصدت .
وهكذا استقر جزء من الشر في النفس البشرية"
*******************

الله وإبليس علما البشر..
في أساطير أخرى يلاحظ المرء أن الله وعدوه إبليس اشتركا في الشكل وتناقضا في الفحوى في تدريس البشر ماذا يفعلون. كل على طريقته. إبليس علم الإنسان ما لم يعلم باتجاه الشر، والله علم الإنسان ما لم يعلم باتجاه الخير. وانظروا هذه المقاطع من رسالة أخي سرحان الواصلة من ألمانيا:
" وفي أسطورة أخرى تشرح مسألة اغتيال قابيل لأخيه هابيل. نرى آدم طلب من ابنيه أن يقدما (شيئا ما) لله فقدم قابيل ضمة من أسوأ ما لديه من القمح بينما قدم هابيل حملا من افضل الحملان في ماشيته. وقد قبل الله تقدمة هابيل ولم يقبل تقدمة قابيل.
وغضب قابيل فقتل أخاه. وتقول المرويات إن قابيل لم يكن يعرف الطريقة التي ينفذ بها جريمته، فتبرع إبليس بالمهمة حين ظهر لقابيل بشكل بشري وأراه كيف يسحق رأسا بين حجرين. وبعد ذلك ارتكب قابيل جريمته ثم حمل قابيل أخاه القتيل على ظهره وسار دون أن يدري ماذا يفعل بالجثة. وبعث الله غرابين اثنين قتل أحدهما الآخر ودفنه بعد أن حفر له حفرة في التراب. وقلد قابيل العملية".
طويت رسالة صديقي بعد أن قرأتها اكثر من مرة، وصرت اصدق أن العالم منقسم إلى قسمين: قسم يسمع كلام الشيطان وينحرف نحو الشر والجريمة. وقسم يسمع الله ويتوجه منحرفا نحو الخير والإحسان. ولكن لماذا وضع الشيطان في مصاف إله الشر. استغفر الله. استغفر الله.
الأنبياء والرسل من عند الله والى الله والجنة. أما السحرة فهم أنبياء الشر والشيطان. ويمكن القول إن: السحرة أنبياء، والعكس غير صحيح.
*******************
من ينتصر
الصراع مع القوى الظلامية بدأ منذ الطفولة. عندما كانت السمكة تصير أفعى، ثم تطير. والشيطان يتلون ويتشقلب كالبهلوان. أما صحن الطعام فينقلب ولا ينقلب. وأواني الطبخ تحرك آذانها والحسك يصير فجأة سمكا.لا مناص من مقارعة الظلمة والتظاهر بالشجاعة أمام شرور الطبيعة.
كان عليّ أن أقرر وبسرعة: هل أبقى مع جدتي تحت الاحتلال في بيتي وفي وطني، أم أرحل إلى المنافي واللجوء. اخترت اللجوء.
لما طلبت مني جدتي أن أبقى شعرت بأن الآلاف من الأيدي المليئة بخواتم غليظة تمتد نحوي لتخطفني من الحافلة التي أقلتنا مبتعدين نحو مخيمات اللجوء. لم ينفعني البكاء والدموع المراقة في التعبير عما أريد، على الرغم من أن البكاء كان وسيلة التعبير الوحيدة من قبل، هذه المرة لم يلتفت أحد إلى بكاء صبي في غمرة رحلة العذاب نحو المنفى.
إنني أبحث عنك يا الله في هذا الكم الهائل من الشرور في العالم. هل هذا يعني أننا في عصر شيطاني؟ الإنسان لا حول ولا قوة له إلا بك. نتساءل يا الله وندعوك أن لا تترك رعيتك في كنف الشيطان والخطيئة. نحن نطلب الآخرة يا الله ولكن لا شيء يشير إلى مجيئها سوى الأسلحة النووية أو الكيماوية. حتى هذه الأسلحة غير كفيلة ببعث الناس وحشرهم. انه حديث معك يا رب. أين نجد الحدود بين ما هو سر وما هو دجل يا الله؟!
الدجالون صاروا أنبياء والأنبياء صاروا وقودا لنار. والدجال هو الشخص عديم الثقافة ويعتمد كل الاعتماد على الخبرة العملية. لا حدود فاصلة بين اللامعقول وما هو معقول وغير مرئي. قد تتهمني بالسذاجة يا الله والجبن والخوف من القادم غير المعلوم. أنا جبان وتافه يا ألله. ولكني أناجيك بقليل من الحقيقية. لا اطلب سراً من أسرارك ولا حفنة من بحر علمك. ولكن إلى متى أظل ضائعا بين فتح المقص وإغلاقه لكي ابعد الشر عن نفسي. لماذا الجأ إلى قراءة الكف والسحر وطقوس وثنية أخرى كي أصل الحقيقة وأنت الحقيقية. لماذا أخشى كل سواد واعتبر الليل مرتعا لأعدائك وأنت ملك الليل والنهار. وهل التعاطي مع الحيوانات والصور يبعد عنا ملائكتك يا الله.
**************
بتر زهرة الآلام
عندما عدنا لزيارة البلاد فلسطين تحت الاحتلال مطلع السبعينات كان عمري عشر سنوات. لم تعتقنا الأقدار، لا أنا ولا أمي من إجراءات الحدود على الجسر. كانت حرارة الجو تطرق رأسي كالقدوم أو المهدة أو المطرقة، وفي حلقي نبتت صحراء، وكنت أتفرج على المجندة الإسرائيلية ذات التنورة القصيرة والشعر المنفوش تتعب أمي في التفتيش والأسئلة. لم تنفع قرصتي لها في فخذها. كنت غير مؤدب في التعامل مع الجنس اللطيف. مطلوب من الفلسطيني أن يتألم إلى متى؟ هل نحن المعنيون الوحيدين بدفع ثمن الخطايا التي يقترفها الحكام العرب حيال بلدانهم وشعوبهم ودينهم وربهم؟ أيصح ذلك يا الله؟!
ولما وصلنا إلى عاصمة جبل الخليل (دورا)، مركز القيسية الفوقا، عرجنا عن يطا والسموع والظاهرية. وقبر اكبر الأولياء الصالحين " عبد الرحمن " جد جد أمي، كان محظوظا بأول زيارة لأمي. بكت وتنهدت وقبلت القبر وطلبت مني أن ابتعد قليلا. ناجته وطلبت منه أشياء كثيرة. سمعت أصواتا مختلفة ولغطا. لم استرق السمع وتركت أمي تؤدي طقوسها بحرية، قامت وصلت على القبر ركعتين وابتعدنا مسرعين. لم تطل إقامتنا في بيتنا سوى يومين. أصابنا نكد كبير. اكتشفت أمي أن ابن عمي قام بمنشار صغير بقص شجرة "زهرة الآلام " (زهرة الساعة الفلسطينية )التي كانت تعرش على سور بيتنا. قطعها من ساقها. انه الجنون بعينه. كنا نسميها زهرة الساعة، ربما لأن زهورها تحمل عقارب زمن كالساعة. زهرة هذه النبتة كبيرة نسبيا بيضاء أو أرجوانية.
زهرة الآلام مشهورة في فلسطين. تحب الشمس طويلا وتحب الماء. غمرتها الشمس والى جانب ساقها كانت حنفية ماء تمدها طوال اليوم بماء عذب. كنا نقطع زهرتها ونمتص رحيقها من الأسفل كالنحل تماما. أي دابة هو ابن عمي الذي حرمنا من شجرة هائلة خضراء غطت كل سور بيتنا. أصابت أمي غصة في قلبها بعد أن شاهدت المنظر الهائل، وفي اليوم التالي غادرنا إلى( طاواس).
شعرت أمي في طاواس بأنها بين أهلها. أنا كنت افضل أجواء عاصمة جبل الخليل ولكن أجواء طاواس السحرية جعلتني أغض النظر عن الإلحاح من أجل العودة إلى البلدة.
خربة طاواس كبيرة جدا
تطالب بان تكون اكثر من خربة
إنها موجودة فعلا في مكان ما على الخريطة
طاواس معتمة ولكنها تغالب النعاس
أهم سكانها ( أبو احمد الأعوج )
تنهض القرية مبكرا
إنها مليئة بالحكايات
منها حكاية كيس القطين
يختلط الواقع بالحلم في هذه الخربة الغريبة.
*****************
أسطورة طاواس
حكاية طاواس أسطورة فريدة وغريبة. هكذا بدأت: دق الشيخ (عبد الرحمن) وتداً من خشب الزيتون وسط خربة طاواس فاعتبر هذا الوتد مركزاً لها. كان ذلك أواسط القرن التاسع عشر. هناك من يعتقد أن لها خريطة تعود إلى الربع الثاني من القرن التاسع عشر. ويقال إنها فقدت أو تم تهريبها إلى القاهرة أو عمان مع علم أو شعار للخربة. لا أحد ممن سألناهم استطاع تحديد معالم هذا العلم أو ألوانه.
الراية كانت ترفع على الوتد الزيتوني، في المناسبات المهمة. رفع العلم مرة ثانية ـ هكذا قيل ـ أواسط القرن العشرين في احتفال رمزي. دبك الناس حوله وأيديهم على الأكتاف. ذبحوا ديكا بالمناسبة وسلقوا البيض وشربوا المرق.
ـ أين علم طاواس ووتدها؟
غير معروف حتى الآن مصيرهما. هناك من يدعي أن ريحا زمهريراً أخذت العلم والسارية معاً لما رفع في المرة الثانية. العلم أخذته الريح بعيداً دون أن يمسه أحد.
هناك من يحاول إفساد هذه الحكاية فيقول، إن عربة من جنود عرب، جنود إنقاذ العلم، دخلوا الخربة بصمت واقتلعوا العلم والسارية ثم رحلوا تحت جنح الظلام.
جدتي (آمنة) تقول إن جنودا فضائيين، بأضواء مختلفة، حضروا على ظهر ناقلة غريبة وأنجزوا سرقتهم على عجل ورحلوا. لا أحد صدق. أمي ظلت تقول إن سارية العلم ستكون لعنة على غير أصحابها.
طاواس تفكر كقارة
أصدر المختار قراراً، يحكم بأن يقضي الناس حاجتهم (أن يتبولوا) في أماكن محددة، وبإزالة كل البراز المتفرق في عدة نواح من الخربة، وبالخصوص عند مداخلها وأطراف الطريق الترابي الموصل إليها.
لا أحد يعرف كم مرسوماً اصدر مختار طاواس. هناك من يعتقد أن الوثائق والأختام ورموز الخربة جميعها موجودة في الخربة عند أحد سكانها، ويتوارثونها جيلاً بعد جيل.
ومن طرائف طاواس عدم رغبتها في استخدام عملة أخرى غير الجنيه الفلسطيني. وظلت الخربة تتعامل بالنقود الفضية الذهبية ولم تستخدم الشيكل الإسرائيلي إلا في السنوات الأخيرة بعد أن فك الأردن ارتباطه بالضفة الغربية عام 1988. وحسب رواية شهود عيان، قالوا، إن جنوداً عربا حملوا مئات الجرار الذهبية من هذه الخربة ، بعد سقوط فلسطين.
قال أحد سكان الخربة: توجد صكوك فخرية في الخربة لزوارها وحراسها والقائمين على بقائها والمحافظين على وثائقها(كأنها جمهورية مستقلة).وهناك من يروي أنها أعلنت استقلالها ذات يوم، وحضر حفل إعلان الاستقلال شخصان : واحد من السموع والثاني من دورا كتبا محضر الاجتماع كضيوف.
يختلف الناس حول عمق إيمان سكان طاواس. هناك من يعتقد أنهم قوم من الطاهرين وأولياء من أحفاد الشيخ عبد الرحمن،ومنهم من يرى في سكان طاواس مجموعة من السحرة والكفرة والشياطين، ولو كانت قرية مؤمنة حقاً لكان فيها جامع بمئذنة حقيقية أسوة بالقرى الأخرى.
قال إبراهيم، وهو من سكان طاواس ورحله الإسرائيليون إلى الأردن: أهل طاواس يتسمون فعلا بالطيبة. المختار هو الوحيد الذي يملك بابه مفتاحاً ولا أعتقد أن ارض طاواس نجسه كما يتوهم الحساد. والحساد يتهمون طاواس بأبشع الاتهامات كون سكانها يتخاطبون بلغة خاصة بهم هي اللغة الطاواسية وهي لغة قريبة من أصولها الكنعانية اكثر منها إلى العربية الحديثة.
قالت لي أمي من (آل عرقوب وسلالة عمر بن الخطاب عليه الصلاة والسلام) أكثر من مرة:
ـ يتهمونها بالنجاسة. الأنجاس. يقولون لو أنها طاهرة لما اختلف كلام أهلها عن كلام الله في كتابه العزيز. هم لا يعرفون أن النبي نوح زار طاواس أكثر من مرة، وأنها مقدسة وان مقاماً للنبي نوح يجب أن يقام فيها.
يزور السياح طاواس. و يؤمها الشعراء والفنانون. أحد بيوتها القديمة يوجد على قطعة قماش لفنان فرنسي من فناني القرن التاسع عشر. ويحج إليها يومياً عشرات الرجال والنساء والأطفال يتطيبون بهوائها ويشربون من مائها. يسترشدون برشاد شيوخها، يتطلعون للشفاء والصفاء ويتبركون بترابها وحجارتها، ويستخدمون أتربتها كاحجبة مع تعاويذ أحفاد الشيخ عبد الرحمن.
حاليا يكتنف السواد هذه القرية. يراها الزائر معتمة غارقة في السواد، ولكني لا اعتقد ذلك، يقول إبراهيم، ولكنها متشحة بسرية وبرهبة ووقار، نعم إنه الوقار والقدسية. وعلى مدخلها شجرة تين شوكي(صبير).
للغرباء رائحة أخرى تشتمها الأنوف الطاواسية، فيخرج أبناؤها لاستقبالهم بالابتسامات والترحاب. المؤتمنون يبقون حتى الصباح. يتحاشاها أهالي المدن والقرى الأخرى ليلاً. في الليل تصير طاواس ضيقة، تنحصر وتضيق كالخاتم. لا يغرب أهل طاواس بناتهم، إنهم يتزوجون من بعضهم بعضا. الإخوة يزوجون بناتهم وأولادهم من بعضهم بعضا، إما بدلا ( أي أعطيني ابنتك وخذ ابنتي ) أو يتزوج الفتى بنتاًً من بنات عمه أو خاله، وهكذا دواليك. وتبقى الدائرة مغلقة، وكأن أهالي طاواس يمارسون (أورغيا) عائلية متواصلة.
يموت الناس هناك. يعزى ذلك لفقدان المناعة أو لأسباب أخرى يعرفها أولو الأمر من المعنيين في طاواس. جدتي كشفت أوراقاً تشير بأصابع الاتهام إلى أجهزة عربية وإسرائيلية.
حجاب من طاواس
المثير في طاواس انك تستطيع فيها الحصول على الحجاب الذي تريد وهناك مئات الأنواع .فأهل طاواس يصنعون الخرز والمسابح والحرز والأحجار المقدسة والأحجبة والتعاويذ والتمائم التي تحفظ من كل الشرور وتخزي عين الشيطان وتبعد الأرواح الشريرة وتطرد إبليس وقومه وتصد السيئات وتحفظ من الأخطار.
لما تحدثت مع ( إبراهيم ) عن طاواس وأهلها، قال لي إنها غابة من السحر غير معروف رأسها من رجليها، إنها مصنع سري للأحجبة . هادئة طاواس ولكنها تشتعل في الداخل. وجوه الناس صافية ولكنها عميقة. يصعب قراءة الواقع من وجوه الناس. تخدعك ابتساماتهم وترحابهم. طيبون، نعم، ولكنهم حكماء، كلامهم مغمّس بالشعر والحكمة.
ـ كيف تصنع الحجب في طاواس؟
إنها مهنة لنا نرتزق منها, لولاها لماتت طاواس وهجرها أهلها ولما زارها زائر أو حاج - قال إبراهيم وتابع - الحجاب يصنع من القماش أو الفضة. وهو متعدد الأشكال ويعلق بسلسال من الفضة ويكون على شكل مثلث أو علبه أسطوانية أو مستطيلة، وداخل العلبة توضع مادة الحرز(الحجاب) وهي في الغالب كتابة يعدّها الشيخ، وأقول لك المشعوذ. وشعر إبراهيم بشغفي للاستماع فبدأ في وصف الحجاب وتعداد أنواعه كأنه يطرح برنامجاً دعائيا وسياحيا لقريته:
" الحجاب هو التميمة المحفوظة في قطعة مثلثة من القماش (على الأغلب) وتعلق على ملابس الطفل أو الشخص المعني لدرء الشر ومنعه، أي رد العين الشريرة أو الحسودة، وجلب الخير والبركة له. ويستعملون الحجب في التطريز بشكل خفي والثياب الفلسطينية مليئة بها، والحجاب في التطريز مثلث الشكل من الحرير أو القصب يشبه شكل التميمة، ويظهر بكثرة على القباب التي تزين صدر المرأة وبخاصة أسفل فتحة الصدر.
ـ ولكني شاهدت حجبا على شكل دائري، قلت.
توجد في القلادة التي يتدلى منها ذلك الوعاء الخفيف، مثلث الشكل أو المستطيل وربما الدائري، حسب ما تختار يد الصانع، الورقة (الحرز) التي يكتبها الشيخ أو كاتب الحرز(المشعوذ)، ومن ذلك الوعاء تتدلى قطع من العملة العثمانية. وإذا سألتني لماذا العثمانية لتضف هيبة على الذي يحمل الحجاب. ويضاف إلى العملة العثمانية الهلال.
وقال: أحياناً يختصر الصانع الحجاب بأن يصنعه على شكل هلال. والحجاب يكون عادة مكتوباً أو أداة من الحجر أو الخرز أو الفضة يحمله المريض أو المصاب بتأثيرات شريرة على أمل أن يحجب الأذى عن حامله. وكثيراً ما يكون الحرز (الحجاب) عبارة عن ورقة يكتبها شيخ أو درويش، وتكون مخطوطة بأسطر غامضة وآيات من القرآن ورموزً غريبة وأشكال فنية عجيبة. تؤخذ الورقة هذه فتوضع في غلاف من القماش، مثلثاً أو مربع الشكل. ويخاط الغلاف ثم يعلق الحجاب في ملابس الإنسان أو يـُدسّ في ثنايا هذه الملابس.
ـ وقد يكون الحجاب على شكل خرز أو حجارة كحجر الكهرمان، أضفت.
ـ قد يكون الحرز على شكل خرزة أو حجر كهرمان. حجر الكهرمان يحمي من الأمراض أو الروماتيزم. أما الخرز فيحمي من الشرور. وهناك مئات الأنواع من الخرز: خرزة الكبسة - وهي تحمي المرأة من الكبسة - أي الأذى الذي يسببه دخول امرأة غير طاهرة على الأخرى وهي في فراش الولادة، وتحمي المرأة من النجس والأم من العين. وهذه الخرزة لا تختلف عن خرزة النحس وخرزة الوكزة وخرزة البزل. وكلها ضد حزب الشياطين وأبناء الجن وقومهم.
وهناك حجر السمن والعسل وهو من الحجب ذات السمة الاجتماعية، وإذا حملته المرأة صارت علاقتها مع زوجها رائعة روعة السمن والعسل في البيت. وهناك حجر القبلة الذي يتوسل به المحبون ليجدوا تقبلاً (عند من) يحبون.
وهناك الخرز الأزرق ويضاف إليه حذو فرس وبيضة مفرغة تعلق مع الشبّة على باب الدار لتطرد الشياطين وتبعد الشرور عن أهل الدار، وكثيراً ما يستخدم الخرزة الزرقاء السائقون الذين يأملون أن تبعد عنهم شر الحوادث والاصطدام.
كان لا بد من درس الشيخ إبراهيم، لكي أتعرف على إمكانيات طاواس في صياغة الشر ومحاربته. واكتشفت مؤخراً أن الأولياء الصالحين هم من تنفع أحجبتهم. وعندما كانت أمي ترقد قرب قبر الشيخ (عبد الرحمن) كانت تخاطبه " يا سيدي، ويا حبيبي ويا أشرف الأولياء الصالحين". وعرفت أيضاً أنها تملك حجاباً (حرزاً) خاصاً يسمى حرز الشيخ (عبد الرحمن). يُمنح للأتقياء والمؤتمنين والصالحين والدراويش. ويفقد مفعوله كل خمس سنوات، وعلى المرء إعادة شحنه أو تبديله أو مباركته.
******************
البحث عن عبد المنعم
صارت روح (عبد المنعم) تزورني يومياً. كل مساء تأتي لتؤنبني تارة ولتخاطبني تارة أخرى. لا أعرف إن كان (عبد المنعم) على قيد الحياة أو انتحر أو اختفى اختفاء مدبّراً.
(نجوى) لم تعد تسأل عني. (عبد المنعم) غادرنا بشكل مباغت وبصمت القبور. أما صديقي (عارف) فختم رسالته تقريباً وكأنه أدى الأمانة. أحتاج إلى أحد منهما ليخلصني من حيرتي الموحلة. لا أستطيع القول إن اختفاء (عبد المنعم) كان بسببي. أتمنى لو أحييه لدقيقة واحدة ليشهد لي بذلك وأموت، حتى يرتاح ضميري أمام (نجوى) وغيرها.
هل اختفى (عبد المنعم) لأسباب أمنية؟ لا أعرف. لا أعرف إن كانت (نجوى) تحاول ابتزازي. هل تم تهريب (عبد المنعم) خارج البلاد؟
ـ متى أراك يا (عبد المنعم) مرة أخرى لتقول لي الحقيقة. ناجيته. وإن زيّف قبرك فلن يمزّق بصيرتي كل هذا الزيف. أعرف أنك لم تمت وما بدلوا تبديلاً. لا أدري أيضاً إن كان أهلك قد اشتركوا في عملية التزييف هذه وسفّروك إلى الخارج. ولكن لماذا كل هذه الطقوس. وهل هذا معقول؟!. لا أصدّق..!
****************
الوصول إليه

كان قراري النهائي أن أصل إليه بطريقة خاصة تعلمتها من أهل المعرفة. لبست نظارات سوداء شمسية وصرت أبحث بصمت. أمي وأخوتي ظنوا أنه أصابني مس أو لوثة من حرارة الشمس. لم ألتفت إلى أقوالهم. صحيح أن أشعة الشمس تضرب الرأس كمطرقة، لكن الأمر عندي مختلف.
بدأت أزور المكان المعهود الذي كنا نتقابل فيه. صرت أزور تلك الصخرة وحفافها المطلة على المزبلة المهملة. كانت تنتابني بين الفينة والفينة هواجس بأن سر اختفائه متعلق بأخيه السجين.
(عبد المنعم) لا يحتمل الاعتقال ولا التعذيب، فقرر الاختفاء أو الموت عن أعين المخبرين. وساعده في ذلك جيش من المزيَفيّن.
الصخرة كانت أشبه بقلعة من الحجارة تحترق. الدخان يتصاعد منها أو من حواليها. ومن بعيد تُشاهد انفجارات صغيرة كأنها عبوات ناسفة. لعل في الأمر انقلابا أو ثورة.
اقتربت بحذر من الصخرة. بدت هذه المرة هائلة وممتدة وعالية كأنها تصل السماء. أصابني ارتياب. بدأت كل حواسي تعمل برتابة غير عادية. المحيط كان هادئاً على غير العادة. كأنني في صحراء من الصمت الهائل. أشعة الشمس الحارقة تشوي الجلد. تلسع كعقرب.
تحترق في المزبلة أمتعة وأدوات خربة مختلفة. بلاستيك وأقمشة وإبر وضمادات وغير ذلك من أدوات تُستخدم في المستشفيات والمصحات والعيادات. ربما هي من القمامات المصدرة إلى هذه البلاد من الخارج. لا حول ولا قوة إلا بالله. كم هو متخلف هذا البلد حتى يعيش على فتات القمامة.
المزبلة تصعد بدخانها. لم تكن كبيرة بهذا القدر. ولكنها امتدت حتى بدأت بالاقتراب من المكان المقدس الذي كنا نتقابل فيه أنا و(عبد المنعم). أصبحت على مشارفه. صناديق بمختلف الأحجام ملقاة هكذا. ملأت المكان.
سقطت الشمس عمودية من وسط السماء. امتلأ المكان بدخان سيء الرائحة. وضعت جريدة على رأسي وبحلقت في الأفق البعيد. لاحت منه مئذنة لم تكتمل بعد. لما كنت من رجال "الدعوة" زرت ذلك الجامع أكثر من مرة على الرغم من الأثر السيء الذي تركه في نفسي مطلع السبعينات.
الجامع الذي أطلت مئذنته عليّ صار رمزاً للفرز والإذلال.كنت أرتاده، ولكني أفضل جوامع أخرى. بالإضافة إلى ذلك كله، الجامع مرتبط في ذاكرتي بوقائع غريبة، ذات معان مزدوجة، كانت تجري تحته، في قبو قيد البناء. هناك كان أولاد الحي يلاطفون ابن المؤذن. هؤلاء الأبالسة كانوا يستغلون وقت الأذان لفعل ذلك. ابن المؤذن كان يعي ذلك تماماً. فوالده مشغول بالدعوة إلى الصلاة. لم أنس ذلك.
اقترب الدخان من مجلسي، وانحرفت الشمس قليلاً إلى الغرب. (عبد المنعم) لم يطل بعد بهيئته السريالية. وقعت يدي على علبة مغلقة. شب منها عفريت وأشياء أخرى كانت مضغوطة. وفاحت منها روائح كريهة.
ألقيت العلبة مباشرة في النار التي التهمتها كجائع. ارتفعت النار وانطفأت، أما الدخان والغازات المنبعثة من المزبلة فقد فعلت فعلها في رأسي الصغير القابع تحت شمس الظهيرة. هل أذهب أم أغفو قليلاً؟ النعاس كان أشد. غفوت.
صحوت على أصوات وهمهمات. تحت الصخرة زُجّت قطعة من القماش. سحبتها. في داخلها شعر وأظافر وورقة طويت بعناية. فتحتها بحذر. آية الكرسي مروّسة بالبسملة ومختومة بصدق الله العظيم. هناك أشخاص يؤمنون بالتعاويذ والتمائم والأحجبة. كيف لا، وقد فقدوا ثقتهم بكل شيء، بالحكومات والجوامع وبالعلماء والسياسيين والمستشارين والخبراء، وفقد بعض الناس ثقتهم بالناس، بمحيطهم، بعائلاتهم وبالروابط القومية أيضاً، وبدأوا يبحثون عن منقذ. أصبحوا يؤمنون بصنّاع المعجزات والسحرة والمنجمين وحكماء عصرهم.
قمت متثاقلاً. وللحظة شبّت من النار الخامدة تحت الرماد صاعقة. ارتميت مرتعداً مرتعباً. أهي رؤيا أم حقيقة؟! لا أدري. رأيته بين الوعي واللاوعي واقفاً. إنه(عبد المنعم) يقف فوق رأسي، مبتسماً:
ـ ماذا تفعل هنا؟ .. سألني
ـ أبحث عنك.. أجبته
ـ وأنا كذلك. منذ فترة طويلة وأنا أحاول اصطيادك. لم أرغب في المجيء إلى بيتك خشية أن تكون مراقبا.
ـ ومن يراقب؟ سألت ببلاهة.
ـ اعتقلوا أخي (ليث) وأنا مهدد. وربما أنت أيضاً. لا أحد يعرف أين أنا. الأهل زيّفوا قصة موتي وينوون ترحيلي إلى خارج البلاد. المثير للضحك أن السلطة لا تقوم بحملتها هذه للانقضاض على الشيوعيين فحسب، وإنما شملت كل القوى الوطنية.
ـ ولكن ما دخلي أنا؟ لا أنتمي لأي حزب.
ـ هذا الأمر لا يعنيهم. يكفي أنك تحتك بكافة القوى وأفكارك وطنية ونهضوية أو تنويرية، وهذا يكفي كي تكون أنت مستهدفاً أيضاً. السلطة لا تحتاج إلى أشخاص غير منخرطين في دعمها.
ـ ولكن من نكون نحن؟ إننا حفنة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
ـ السلطة تخشى أية بؤرة.
ـ هذا مضحك، ويثير الإعياء.
ـ هذا عالم من المتناقضات. عالم صفيق مثير للاشمئزاز والبكاء لا الضحك.
ـ لم تعد (نجوى) متيّمة. هجرتني ولا تريد رؤية وجهي. هي تفكر أنني سبب موتك أو اختفائك. سأقول لها الحقيقة.
ـ أي حقيقة تريد أن تقول؟! دعك من ذلك. هذه الفتاة غريبة الأطوار. هي كثيرة الحركة وتثير الشبهة. كالدجاجة تحمل برازها بقدميها. دعك منها.
وعاتبني معاتبة الصديق للصديق. انتعشت روحي قليلاً. ولم أعد أشعر بالإثم يعتصر قلبي.
وتابع (عبد المنعم):
ـ لو عرفت (نجوى) بوضعي لحاولت الاتصال بي، وهذا ما لا أريده. قد تُعتقل بشكل احترازي وتعترف بكل شيء. قصة موتي أصبحت حقيقية، ويستطيع كل الناس زيارة قبري.
ضحكت وبكيت في الوقت نفسه. شعرت بزيف العالم والواقع. كيف تموت ولا تفارق الحياة. إن المسألة تحتاج إلى بعد نظر ونوع من الفانتازيا.
ـ وأين تعيش الآن؟ سألت
ـ في إحدى مدن البلاد. أعمل وأطالع وأعيش كبقية الناس باسم مغاير لشخص هاجر وترك وثائقه كلها.
ـ كأنني أحلم أو أعيش فصول رواية خيالية. كيف أراك مرة أخرى؟
ـ أنا أحضر إليك وأتيك إذا دعوتني. تعال هنا قبل غروب الشمس بدقائق متى تشاء، وستجدني في انتظارك، أو أجيء إليك في الحال.
رحل (عبد المنعم) مبتعداً في عين الشمس. نظرت إليه وهو يبتعد. غطّت الشمس عيني. جلست كالمصعوق. ضغطت رأسي غير مصدق. إنه سحر ما رأيت. دققت على صدري لأتأكد من أنني لا أحلم، وقرصت عيني فتوجعت.
بقيت مكاني كجثة هامدة إلى أن اختفت الشمس وهدأت النار المشتعلة في القمامة واختفى الدخان واقترب المساء. نهضت متثاقلاً. قدماي كانتا كالحجارة. جرجرتهما كمن يريد الانتحار في نهر.
حركة الشوارع تسير بانتظام. هدوء مشبوه. لا اكتراث شامل. بلادة تعم كل الأشياء. إعياء عام. وصلت إلى البيت. ولجت إلى الداخل دون سؤال أو جواب. لم يصفعني أبي بلطف كعادته ولم يتفحص وجهي بسبب تأخري كعادته. الوالدة في صحن الدار دعتني بحنان نحوها وسألتني عن سبب الاصفرار والشحوب اللذين ظهرا على وجهي. لم أجب. أحضرت أمي طعام العشاء وكأنه العشاء الأخير. أكلنا جميعاً بصمت. كأن مكروهاً مترقباً سيحدث. أمي حدسها شفاف وعميق. تحاشت النظر في عيني كأن خطبا سيلم بي. طلبت من أخي أن يحضر عنقوداً من العنب الأسود من الشجرة التي تعرّش علينا. لما هم أخي بالصعود إلى قطف تدلى، فر من هناك (خفاش) كان قد تدلى. حلق فارتطم بحائط الزينكو فأصدر زعيقاً وأصواتاً مثيرة دبت الرعب في قلبي.
ذهبت إلى النوم منقاداً من يدي. كان عليّ أن أحضّر دروس اللغة الإنجليزية. كنت أدرس في المعهد البريطاني دروساً خصوصية. ارتميت على سريري الذي صرّ بإزعاج وبدأت أكرر مقطعاً لشكسبير كان مطلوباً مني إتقانه. نظرت أمي إلي من الكوة في أعلى الجدار وطلبت مني أن أنام.
ـ تعوذ من الشيطان الرجيم وارتح قليلاً، فالصباح رباح يا ولدي. لا تصفر فالصفير يحضر الشياطين.
غفوت بعد أن قرأت المعوذتين، ولم أكمل آية الكرسي حتى النهاية. في المعهد كنت منقبض النفس كالمتلبس. الكلمات زاغت وتداخلت. خواء شامل إلا من الشعر. ما أجمل الشعر في واحة من الطمأنينة والأمان. وما أجمل الشعر في مواجهة المحن والصعاب. قطعة لـ (ت.س. إليوت) أو (شكسبير) قد تفك طلاسم الروح، أما شعر توفيق زياد وسميح القاسم ومحمود درويش فيبعث الروح بعد موتها.
تعالوا أيها الشعراء، تعالوا أنقذوا أرواحنا العليلة. جميل أن يؤمن المرء بالشعر عندما تموت الثقة بكل المحسوسات والقيم. الشعر ينقذ أحياناً. الشعر ملجأ لنا إذا ما هاجمتنا الهواجس وقدم الظلام. الشعر ضميرنا.
غفوت كمن لم ينم في حياته. بحثت عن عارف وعبد المنعم وبحثت عن الذين عرفتهم. جاءتني صور الأصدقاء والرفاق تباعاً. اختلط الواقع بالحلم، كأن لا فاصل بين الأشياء. لا فرق بين الحرية وطعم القيد، لا فرق بين الحياة والموت، بين الشر والخير، بين المع وبين الضد..الخ.
*********************
أبجد هوّز
نهضت في المساء في الزنزانة المعتمة بعد أن قرع الحارس العبيط على الباب الحديدي بعصاه الغليظة،وفتح طاقة الزنزانة ليمد بالبيض المسلوق وقطع الخبز الناشف.هذه الضيافة اليابسة في العمارة الزرقاء لم ترق لي منذ اليوم الأول.
الأبجدية هي الحل!.صعدت هذه العبارة إلى رأسي بسرعة هائلة وأثارت في قلبي النشوة. الطرق بالقبضة والأصابع آلية سرية للتواصل. هناك سبعة مقاطع من أبجد هوز، والدق بالقبضة يعني المقطع والطرق بالأصابع يعني الحرف. وإذا طرقت بكثرة وبتواصل يعني أنك تسأل الشخص المقابل إن كان يفهمك أم لا. وإذا فهمك الآخر فيدق لك مرة وإذا لم يفهمك فيطرق لك بأصابعه بسرعة كما طرقت له وهكذا.
أيام وليال استمرت من القرع والطرق اللذيذ. وبنشوة المنتصر على القيود والحواجز، كنا نتسامر ونضحك ونسخر من هؤلاء الذين قيدونا بالأغلال. كنا نحتفل بالطرق والقرع في حفلة كلام راقص. وفي الحال ، باشرت البحث عن عارف، صديقي المهذار وعارف الأسرار . احتجت إليه في هذا الضيق المطبق. إنه يملك الحل، فهو فارس الحلول. فلا عقدة عنده إلا ولها حل.
بادرت أنا بالطرق:
- عارف (دقيت بالقرع والطرق)
- نعم (رد صديقي بالطريقة نفسها)
- كيف أنت.
- لا بأس وأنت.
- حسناً. أنا (فرج الله).
- كيف اعتقلت.
- هكذا. وأنت؟ (أجبت وسألت)
- من الشارع.
- أنا من المدرسة.
- كيف المعنويات.
- حديد.
- واصل.
- سأواصل.
- أنا دائماً معك
- أشكرك.
- أتعرف كيف تدعو ربك؟ سألني.
- لا..(وضحكت، فقد عادت حليمة لعادتها القديمة)
- بالدعاء
- نعم
- والذكر
- نعم
- والتسبيح
- نعم
- والاستغفار
- نعم
- والحمد لله
- نعم
- والتوبة
- نعم
- والاستعاذة
- نعم
- والتقوى
- نعم
- والعبودية المطلقة
- نعم
- والقسم
- نعم
- وطاعة الله
- نعم
- والربانية
- نعم
- والتوكل على الله
- نعم
- والتضرع
- نعم
- وقراءة القرآن
- نعم
- سأكمل لك ذلك عندما نخرج من السجن ونلتقي في الهواء الطلق.
- نعم
- أتعرف كيف تنتصر على نفسك وعدوك؟
- لا
- بالشعر
- بالشعر
- بالشعر
- بالشعر
- بالشعر
- ...
- ....
وانفجرنا معاً في ضحك متواصل. وتعالت القهقهات التي قطعها السجان بفتح طاقة الزنزانة طالباً منّا الصمت والنوم. لكننا صحونا للتو . نعم، نهضنا من غفوتنا العميقة ، بعد أن تمزقت حبا ل الأحلام.تعالت القهقهات: هاه هاه هاه ...

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مشارقة, الآلام), تيسير, تيسير مشارقة, زهرة الآلام, طاواس, طاواس(زهرة, قصه طاواس زهره الالام للكاتب تيسير مشارقه
facebook




جديد مواضيع قسم القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 05:34 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية