لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-04-09, 03:17 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
افتراضي

 

نجوى وعبد المنعم وانا

نمت متعباً وجه الصبح. طلعت الشمس وارتفعت درجة الحرارة. ولما لسعت حرارة الشمس قدمي ، سمعت طرقاً على زجاج نافذتي. كأنه حلم. نهضت لأرى صديقي (عبد المنعم) يقف في الشارع ويطلب مني الخروج. لكنني أدخلته ينتظر حتى أتهيأ.
دخل. خرجت ورشقت وجهي بقليل من الماء وحوقلت "لا حول ولا قوة إلا بالله". ظننت أنه جاء لي بأخبار جديدة عن أخيه المعتقل. لقد ضرب (ليث) أروع صورة في الصمود والعناد. نزل إلى (سجن المحطة) في عمان بعد تعذيب شديد، احتفل السجناء به كالأبطال. قدموا له عصير برتقال وأطعموه. زارته وفود من كل التنظيمات. وهنأوه وقبـّـلوه وتبادلوا دعوته إلى العنابر. أعرفه أنا أيضاً. إنه عنيد وصلب كأنه قـُدَّ من صخر.
أحضرت أمي لنا طبقاً من البيض المقلي مع الزهرة وصحن زيتون. أكلنا وشربنا الشاي بالنعناع. لبستُ وخرجنا. لم يضف (عبد المنعم) شيئاً جديداً إلى وضع أخيه في السجن، وحدثني هذه المرة عن صديقته (نجوى). إنها فتاة قصيرة القامة. مكتنزة الصدر. تبتسم باستمرار وتغمض عينيها عندما تنفرج شفتاها عن ابتسامة. متنوّرة ومتفتحة الذهن ودون عُـقد.
ـ تغيرت نجوى ولم تعد تودّني كالسابق. قال (عبد المنعم).
لم أنطق بكلمة، ولم أخبره بأن نجوى تنام معي، ولا أدري إذا كانت تحبني. ربما، والله أعلم. ابتسمت، وقلت له بشكل موارب:
ـ هكذا هي الأيام، يوم لك ويوم عليك.
عرفني (عبد المنعم) على صديقته في أحد المراكز الثقافية قائلاً لها:
ـ هذا صديقي (فرج الله) من أعز الأصدقاء.
تفحصتني فتاته جيداً. قدمت يدها لي وابتسمت ابتسامة ذكية. أخفيت شهوانيتي. طويت شبقي وتصرفت بشكل لائق حيال فتاة صديقي. لا أستطيع إلا أن أكون نموذجاً، كالمسؤول الحزبي.
(عبد المنعم) عرّفني بها رغبة منه في أن أؤثر عليها بأفكاري. كيف ألعب دور المفكر، وهل أنا مفكر فعلاً؟ ماذا أصنع معها وهي تحمل الأفكار الماركسية. أفكاري وطنية تقترب من الشوفينية وهي فوق القوميات تحلِّق. هي طليعية و أنا تقليدي، وهي أولاً وأخيراً صديقة صديقي.
تحدث (عبد المنعم) عن (نجوى) هذه المرة بحزن، وكأنها تنوي الإفلات من قبضته. أو من فلكه. وأخذت على عاتقي حل الخلاف وإعادة المياه إلى مجاريها. زرتها مرة في الجامعة حيث تدرس. استقبلتني بحماسة وود كبيرين. قبلتني على خدّي قبلة ارتعشت لها أوصالي. لعنت شيطاني الذي دفعني كي أخطو خطوة أخرى جريئة. ولكن ليس من أجل هذا حضرت إليها. ومن يدري. ربما كنت بحاجة إلى امرأة جريئة ومقدامة مثل نجوى. لم يفهمها (عبد المنعم) جيداً. كان أنيقاً ولطيفاً أكثر من اللازم. تعامل معها بطهارة الفتى الرضيع. كان شهماً وكانت امرأة أو أنثى.
قال لي (عبد المنعم) إنها بدأت تهتم بلاعب كرة قدم. لم أصدق. يبدو أن صديقي لم يقدم على أية خطوة تشعرها بأنه يحتاجها. لم يقل لها إلا كلاماً معسولاً ككلام الشعراء. وهي كانت مكتنزة بالمغامرات والحكايات.
عندما كنت أزورها كانت تتأبط ذراعي وتميل برأسها على كتفي وتأخذني إلى (الميلك بار). كنت أخجل من ملابسي ومكانتي لديها. أي دور ألعب. دور العاشق الولهان أم دور الأخ الحريص على أخته أم ماذا؟
هي لم تفسح لي مجالاً للتفكير الكثير. كانت جريئة وسريعة جداً. تسير بسرعة وأنا كالسلحفاة. عندما أحاول فتح ملف (عبد المنعم) تغلقه بجذب جسدي نحوها. تعاملت مطلع الأمر مع ملامستها لي ببساطة وكأنها تلاطفني كصديق صديقها. لم لا ألاطفها بالمثل. سؤال حيرني ثم تجاوزته. كانت تترك محاضراتها وتأخذني بعيداً، تتجول معي تحت الشجر وتمسك بيدي. وتجذبني نحوها تارة وتتركني تارة أخرى. وذات مرة في تجوال طال تبادلنا القبل. لا أعرف كيف تم ذلك بسرعة دون أن أحتسب. بعد ذلك احتضنتها بكل ما لدي من قوة. بكت. لعنت الأبالسة وكل شياطين الأرض. ماذا أفعل لها كي أُسعدها. حسبت أن (عبد المنعم) لم يؤد الواجب. ولكن الأمر غير ذلك.
طلبت نجوى أن أكتم سرها. وعدتها. أخبرتني أن لها علاقة جنسية مع أخ (عبد المنعم) المتزوج. قالت لي أيضاً إنها تنوي إنهاء هذه العلاقة، وإنها لا تجد مستقبلاً للعلاقة مع (عبد المنعم). اقشعر بدني. كيف حدث ذلك؟!
ماذا سيفعل (عبد المنعم) لو عرف بالأمر. سيجن حتماً. نجوى مقدسة بالنسبة إليه. ولكن أين هي والقداسة؟ إنها أنثى تائهة باختصار. صغيرة ويتلاعب بها الكبار. تحتاج إلى شاب من عمرها لديه نفس الإمكانيات ولديه القدرة على احتضانها والاستماع إليها.
جاءت من منطقة بعيدة لكي تدرس. سجّلت في الجامعة. وعبر قنوات حزبية تكفل بها أخ (عبد المنعم) الكبير. صارت مطلع الأمر تنام في بيته مع زوجته وأولاده. وتطوّرت الأوضاع فاقتطفها مرة دون علم زوجته وصارت عشيقته. تعرف (عبد المنعم) على نجوى في بيت أخيه وتربّت بينهما صداقة عميقة. تخللها قبل والله أعلم. ولكنها لم تستطيع التوفيق بين الاثنين. حاولت الهرب وترك اللعب على الحبال بين الأخوين. مرة هنا ومرة هناك. فارتمت في حضني. ماذا أفعل بها؟! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. هل أتركها للريح. وماذا أقول لصديقي. هل أرفض التركة؟ وهل أتراجع؟ وهل أهرب ، أم أتحمل المسؤولية؟!
نظرت إلى صديقي (عبد المنعم) هذا الصباح القائظ وقلت له باختصار:
ـ دعك منها، فأنا سأتكفل بأمرها وسأخبرك فيما بعد بما يجري.
لكن عبد المنعم ظل يصطلي بحبها. استمعت إليه ولأحزانه. تركته في منتصف الطريق متحججاً بموعد طارئ وذهبت لرؤيتها إلى الجامعة ووعدتني بلقاء بعد أيام.
ماذا أفعل. إنني الشيطان بعينه. كيف أخون صديقي؟! ماذا يحصل لو عرف الحقيقة. سأقول له فيما بعد. سأكون صادقاً معه. متى؟ لا أعرف، أحتاج لوقت وأحتاج إليها. إنها شيطانة. أما أنا فغدار لئيم.

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
قديم 07-04-09, 03:22 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
افتراضي

 

كفو فاديس
في الطريق إلى الجامعة شاهدت صديقي غير العادي(عارف) الذي لا يخلو فمه من حكايات شيطانية. كان يتأبط كتاباً قديماً اهترأت حوافه. سألني باللاتينية (كفو فاديس): "إلى أين أنت ذاهب؟" أردت أن أكذب وأقول له إنني أنوي الذهاب في الاتجاه المعاكس فلم أستطع. قطع عليّ ترددي وانتظاري، وقال لي إنه على موعد مع صديقة له في الجامعة. فرحت لأنه لن يغلّبني ولن يلتصق بي. قلت: "وأنا كذلك أرغب في الوصول ِإلى الجامعة للبحث عن صديقة لي هناك". استأنست به.
سرنا على عجل إلى موقف الباصات. لم نتكلم. كان يضم الكتاب إلى صدره ونحن نركض. ركبنا. سألني إن كنت أرغب في سماع فقرة من كتابه، فرحبت بالموضوع. قرأ وروى البخاري في صحيحه بسنده إلى محمد بن سيرين عن أبي هريرة أنه قال: وكلني رسول الله ص بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو (يسرق) من الطعام فأخذته، وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله ص، قال: إني محتاج وعلى عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه(أفرجت عنه) فأصبحت، فقال النبي: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً. فرحمته فخليت سبيله. قال: إما أنه قد كذبك وسيعود، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله ص أنه سيعود، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله. قال دعني فإني محتاج وعلى عيال لا أعود، فرحمته فخليت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟ قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله. قال: أما أنه قد كذبك وسيعود فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، وهذا آخر ثلاث مرات، إنك تزعم لا تعود، ثم تعود. قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها. قلت: ما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم)، حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله. فأصبحت، فقال لي رسول الله: ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله، قال: ما هي؟ قلت: قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وكانوا أحرص شيء على الخير، فقال النبي ص: إما أنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ قال: لا. قال: ذلك شيطان".
ـ لا أصدق، غير معقول. صرخت أمام صديقي عارف.
ـ صدق..صدق..كل شيء ممكن في عالم الإنسان.
ـ للشيطان قدرات هائلة على تغيير هيئته. ومن المحتمل أن يرتدي لباس شيخ جليل.
ـ جائز
ـ لم تخبرني ماذا حدث لصديقك (راجح)؟ سألته.
ـ راجح دلني على الطريق. أنا اقتفي أثره فقط. هو فيلسوف صغير. أما أنا فإنسان عادي وأقل. خطئي الوحيد أنني كثير الثرثرة. عبثي. في المدرسة جاءني الطالبان المتدينان مرة أخرى..طلبا مني أن أنزل معهما إلى أسفل الساحة. هناك كان ينتظرهما ثالث جاء من خارج المدرسة. قالا لي إنهما جاءا به إلى المدرسة لكي يهديني إلى الصراط المستقيم.
سألت ببراءة:
ـ هل أنتم من رجال الدعوة؟ لا أدري إن كانوا رجالاً أم لا، ولكن هكذا يقال عنهم. ابتسم أحدهم وقال: تقريباً. وأمسكا بي أحدهما لوى يدي اليمنى والثاني لوى اليسرى بشكل معاكس. أما الثالث الضيف المجهول فبدأ يضربني على معدتي بقبضة يده ويقول لي: قل لي: "لا إله إلا الله" قل "أشهد أن لا إله إلا الله". وظل يضربني إلى أن أغمي علي. عندما صحوت حاولت التسلق إلى مدير المدرسة. حاولت شرح الموضوع لمدرس كان هناك. وعدني بصنع شيء ما. بالطبع لم يفعل شيئاً يذكر. ألا تعتقد أنه هو الذي أرسلهم. هل هددوه. عرفت فيما بعد أنه رجل أمن. وانتهى الموضوع على هذا. ظلت لرجال الدعوة سيطرة وهيمنة. يضربون ويكفرون ويعاقبون ولا حسيب ولا رقيب. السلطة نائمة أو تغمض عينها. أما (راجح) فاختفى لفترة وعاد ملتحياً يدعو ويخرِّف ويقول إنه صار داعية. ولم يعد يتعرف علي.
وصلنا الجامعة. توجهنا إلى "الميلك بار". ذهبت إلى كلية العلوم أولاً. وهو سار باتجاه الكافتيريا. ودعته على أمل أن ألقاه فيما بعد في كلية العلوم، قال لي بعض المعارف أن نجوى ذهبت إلى "الميلك بار" لمقابلة صديق عزيز. انطلقت إلى هناك في الحال. ظننت أنه الرياضي الملعون. نار موقدة اشتعلت في قلبي. لم أكن مع نجوى على ميعاد، لكن لا ضير من لقاء طارئ. فأنا أرغب فيها. أود لو أفوز بجسدها. بلمسة من يدها. بقبلة. برائحة عطرها الذي يدغدغ الدماغ ويثير اللعاب. لم لا، فهي تريدني وأنا أريدها. سأتدبر أمر (عبد المنعم). أنا (فرج الله) ويحلها ألف الحلال. لن يطأها لا الرياضي ولا غيره. فأنا بحاجة إليها.
دخلت "الميلك بار" أبحث عن نجواي. كانت تجلس في الصالة في مقعد حول طاولة في الزاوية وصديقي (عارف) إلى جانبها. دهشت. حاولت إخفاء ذلك. قامت. ركضت واحتضنت ذراعي، قالت لصديقي: أعرفك بأعز الأصدقاء(فرج الله).
نهض صديقي مودعاً، وقال: إذن كما اتفقنا. مع السلامة وإلى اللقاء.
سلّم علي وشد على يدي .غمزني بطرف عينه وغادر الكافتيريا.
ـ من أين تعرفين هذا الشيطان؟ صرخت في الحال.
ـ تعرفت عليه قبل أيام..ثم صار يوصلني جريدة "الشعلة".
ـ "الشعلة" أو "الشرارة"، إنه شيطان تجدينه في كل مكان.
ـ إنه موسوعة متجولة ومثقف راق لكني لا أبدلك به. هل أنت غيور؟
ـ كلا، ولكني.....
ـ إنس الموضوع..هيا بنا نخرج..اشتقت إليك..عرّفني على أمك.
ـ هيا بنا إذن إلى بيتنا..
وانطلقنا إلى هناك في الحال.
ـ حدثني (عبد المنعم) كثيراً عن أمك وشجاعتها، كيف كانت تحضر لك الكرز في صدرها، وكيف قالت لك أمام المحقق "لا تعترف ولا توقع أولاد الناس في مشاكل" إنها جريئة تستحق وساماً.
ـ ستتعرفين عليها عن قرب. بيتنا متواضع وسترين غرفتي الصغيرة. لها شباك صغير يطل على زقاق ضيق. أمي امرأة طيبة وبسيطة ولكنها ذات شخصية قوية. هي التي تدير كل أمور البيت وأبي يتكلم أخيراً. عند أمي طيبة أجدها فيك.
ـ ولكنك لا تعرف كم أنا شريرة بعد.. (قالت نجوى وضحكت)
سرنا تحت ظلال الأشجار. أشجار قليلة ولكنها لا تبخل على من يلوذ بها. تحت الشجر تشعر بأنك في الجنة. جلسنا قليلاً واقتربت نجوى مني. استيقظت.. وانتصبت كل أعضائي. لمست قدمها من تحت الفستان. صرخت بي بدلع أنثوي.
ـ آه إنك تحترق..أنت دافئ جداً.
ـ أنا دافئ من أجلك فقط..
نظرت إليها، كانت متألقة كزهرة. وخصلات شعرها تتدلى على وجهها. شعرت من كلماتها أنها تستهدفني بدفء قادم، واشتعلت بيننا القبل..تأملتها وواصلت غزلي:
ـ أنت عذبة مثل نهير ورائعة كملاك..
ـ أتتقن السباحة.
ـ لا أعتقد
ـ وهل ترى فيّ ملاكاً حقاً..أنا شيطانة
ـ رأيت في حياتي شياطين كثيرة، لكن مثلك لم تر عيني قط..
ـ حقاً
ـ نعم، شياطين كثيرة طاردتني ككوابيس في صغري. كانت تلاحقني في الحلم والصحو. كنت أنهض من نومي صارخاً إنهم سيقتلونني. جاءتني هذه الأحلام مرات كثيرة. كنت في التاسعة من عمري. شعرت بأنهم يطاردونني. لكني تغلّبت عليهم وسحقتهم بقوة إرادتي. وتمردت على خوفي.
ـ وكيف حدث ذلك؟..
ـ هذه حكاية من طفولتي لا أعرف إن كنت ترغبين في سماعها الآن.
ـ لم لا ؟! أريد أن أعرف كل شيء عنك.
ـ كل شيء.. لا أظن أنك تستطيعين الوصول إلى كل شيء
ـ ولكني أرغب في الوصول إلى كل شيء!!
ـ ستصلين ولكن ليس دفعة واحدة..
ركبنا سيارة السرفيس على عجل بعد أن وقفت إلى جانبنا. كان السائق يعرف أننا نريد الوصول إلى المخيم حيث يرقد بيتنا المتواضع، فقال "إلى المخيم؟" فوافقت. أعرف أنه سائق أهوج يحمل روحه على كف عفريت. إنه دائم الاستعجال. دائم التجاوز. بسبب ودون سبب. يكره الإشارات الضوئية. يعرفه شرطي المرور. وسائقو الخط. عرفت فيما بعد أنه مات في حادث سير. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير.
"الإنسان يرى من له عنده ثأر فيضطرب وتتبدل أعراضه وصورته وأخلاقه وتثور أعصابه. ويرى العاشق الوله معشوقته فتثور له أعضاء أخرى ويبتهج ويدخل السرور إلى قلبه. ويرى من يخاف فتحدث له أعراض أخرى مختلفة. يصفر ويرتعش ويضعف نفسياً.." بذلك صرخت في أذن نجوى.
فالله الحي القيوم جعل للجن قوى يتوصلون بها إلى تغيير النفوس والأمزجة. وقدرة على قذف ما يشتهون في الأنفس كما يشتهون.
شعرت بأن للشيطان عليّ سيطرة. الشيطان يقف خلف كل الأمور السيئة. كيف نعرف أنها سيئة أم لا؟ ما هو المعيار الأخلاقي؟ نحن نصنعه. هل الاقتراب من نجوى والابتهاج والتوتر من فعل شيطاني؟ لا أصدق أنها شهوة عادية. أنا ذكر لي شهواتي وهي أنثى لها شهواتها، ليس إلا. لا سوء في ذلك وإنما لذة غامرة. اللذة. ما هي؟ قد يقول لنا الشيخ إنها فعل شيطاني. حتى لو كانت، فالله غفار رحيم.
"الإنسان يحتاج إلى قليل من الجنون. فدون ذلك لا يستطيع أن يقطع الحبال التي تقيده". هذا ما قاله نيكوس كازانتزاكيس. لكن أي جنون يكمن وراء دعوة امرأة للتعرف على والدتي. هذا يحدث للمرة الأولى في حياتي المحافظة. له طابع احتفالي. إنه أمر طارئ فوق العادة. طلبت من السائق أن يوصلنا إلى باب الدار. دفعت له ما تبقى في جيبي من نقود.
استقبلتنا الوالدة استقبالاً حافلاً. استغرب الجيران وكأن زفة لعروس قد تمت. أحضرت الوالدة في الحال طبقاً من الفطائر بالسبانخ. فطائر دافئة طازجة من الفرن. أكلنا فشبعنا. أمي كانت لطيفة جداً مضيافة. لم لا..


 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
قديم 07-04-09, 03:24 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
افتراضي

 

في بيتنا شيطان
هذا ما قالته أمي لجارتنا. أمسكت بزجاجات بيرة فارغة في خزانة الغرفة "لا أدري من أين جاءت هذه الزجاجات" قالت: "ابني عاقل ولا يشرب الخمور. من فعل ذلك؟ لا أحد غير الشيطان. لا أصدق أن ابني يشرب الخمر. ابني طاهر ولا يقرب المحرمات"..وصارت تبكي. وفي المساء، لما جاء أبي عائداً من عمله ورآها متجهمة، قالت له إنها حلمت بموت شخص ما من الأقارب. غطّت على القضية، وقيدت ضد مجهول، ضد شيطان.
لا تريد أمي قول الحقيقة كاملة فتدور حولها. بكل تأكيد هي تعرف "الفاعل" إنه شيطان. وهي لا تريد ذكر اسمه. لا أعتقد أن لديها رؤية. هي تراه، لا يتجول في البيت بل يعيش في جنباته معنا حيث لا ندرى. ما تقوله أمي أحياناً يحمل دلالات عميقة وألغازا وأحاجي لا يعرف سرها إلا الله ورسوله.
رحبت أمي بي وبنجوى. استقبالها لنا لم أكن أتوقعه. بعد طبق الفطائر بالسبانخ أحضرت لنا الشاي بالنعناع وتركتنا وحدنا. لم تبتعد كثيراً بكل تأكيد. ظلت متيقظة. وأطلت علينا أكثر من مرة مبتسمة. وكانت في كل مرة تتحجج بأشياء مختلفة في ثنايا البيت دون أن تنظر إلينا؟.
نجوى أعجبت بوالدتي وقالت لي إنها طيبة للغاية. قلت لها لا تستعجلي. وراء هذه الطيبة تختفي امرأة عنيدة ذات أعصاب فولاذية ولا تخلو من خبث نسوي. لم تصدقني نجوى.
في اليوم التالي، عندما اتفقت معها أن تحضر لنجرب أنفسنا في المساء. لم تتردد. دخلت غرفتي أثناء فترة نشرة الأخبار الرئيسية. لم نخبر أحداً. نامت في سريري حتى الصباح، احتضنتها واحتضنتني. لم نفعل شيئاً يذكر. لكني تذوقت طعم لحمها الطري المالح بجسدي ولساني. سريري الضيق كان كفيلاً بمساعدتنا على الالتصاق.
في الصباح الباكر ودّعتها على عجل. كان ذلك قبل صلاة الفجر، قبل نهوض الوالد والوالدة. كررنا هذه التجربة تسع مرات، ولم ننجح في التجربة العاشرة. طردتنا الوالدة من البيت في منتصف الليل. قالت لي بالحرف الواحد أنها لا تريد تنجيس البيت.

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
قديم 07-04-09, 03:27 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
افتراضي

 

اقنعة..اقنعة...
أطل قناع عليّ من النافذة. كدت أنفجر بالبكاء. كآبة وحزن وفراغ قاتل. ضجر وملل مزق العقل. هدوء رديء وحياة رتيبة. من خلف القناع ظهر صديقي الوفي (عارف). دخل، وفي الحال، قال:
ـ لا تخبرني ماذا حصل. أعرف كل شيء. لا تحزن وسأخبرك ماذا قال الفنان سلفادور دالي: "حين أموت ضعوا على وجهي قناعاً يساعدني على بث الرعب في قلب الشيطان" ولكنه تراجع قائلاً: "لا.. تفعلوا ذلك فوجهي يقوم بالمهمة على خير ما يرام.."
ضحكت من قلبي هذه المرة. وقلت لصديقي:
ـ ليت كل الشياطين مثلك يا صديقي، أنت تدخل الفرح لا الفزع في القلوب. سأخبرك بأشياء ما زالت عالقة بذهني لها علاقة بالأقنعة.
"كان ذلك في غمرة الرحيل المتواصل. أواخر الستينات. قبل وصولنا (المخيم) بعد دمار إربد، كانت القنابل الإسرائيلية قد سقطت فدمرت نصف مطبخنا. اقتلعت قنبلة شجرة مثمرة في الحديقة.
انهار الزجاج والتراب عليّ. كنت أرقد ملاصقاً للحائط الرقيق واختبأت تحت السرير الحديدي. وددت لو أصير دودة أو صرصاراً يمكنه أن يلوذ بالفرار بسهولة كما في قصة كافكا. لم يحدث ذلك.
والدي (العسكري أو الشرطي) دبر لنا أشياء كثيرة غير السرير من الوظيفة المهمة . وهذا الذي أجلس عليه الآن ربما يكون ذلك الذي كان هناك. أحضر والدي أسرّة زنبركيه تزعج صفاء الروح.
في الصباح بعد كل هذا الدمار كانت ناقلة جنود تنتظرنا. حملنا ما أنقذنا من أمتعة. والدي كان بالبزة العسكرية يستعجلنا. انطلقت بنا الحافلة إلى عمان. في الطريق تذكرت الطيور الرقيقة التي كانت تعشش في الشجرة. أين هي الآن؟. أين رحلت؟! وظلت الطلقة التنويرية تدل الطائرة المعادية على المواقع. فتخطئ القنابل لتهدم بيوت الناس وتقتلع الأشجار بما فيها من أعشاش طيور.
ابتعدنا قدر الإمكان. وظلت عالقة بالذاكرة قواعد الفدائيين والملابس المرقطة.
في الطريق إلى الجنوب، إلى عمان، كانت الكلمات تخالف قائلها. وتتضح الحقيقة في البكاء وفي الرمال. في الطريق إلى عمان تغيرت الملامح والطرقات. الأقنعة تبدلت على كل منعطف. والدوي ظل يصم الآذان. لم تخرس المدافع ولم تهدأ الطلقات. الدوي أعلن آية الصمم. عمري كان حينئذ ثماني سنوات من الرحيل والخوف والبحث عن الوالد الغائب دوماً.
القافلة قذفتنا على عجلة من أمرها في أحد جبال العاصمة. إنها تلة مرتفعة تطل على حي من الصفيح. بعد أيام هبطنا إلى غرفة من الزينكو. الأزقة المتشعبة دوّخت الرأس.
للوصول إلى البيت كان علي أن أتقن السير في المتاهة. إنه التيه بعينه. أين نحن وأي السبل توصلني إلى غرفة الصفيح البارد. كبير اخوتي بحث عني في متاهة الأزقة. اشتعلت بالبكاء. انهمرت الدموع غزيرة. في نهاية كل زقاق كنت ألمح وجهاً ينظر نحوي. وجوه وأقنعة كثيرة تغيرت. كل واحد يبحث بسرعة عن شيء خاص به. الأجواء ربما كانت متوترة وخطب قد يقع. الأقنعة ملونة.. سوداء حمراء بيضاء خضراء، وبألوان مختلفة. عبق من ألوان.
إنها لعبة الأقنعة والفزاعات ذات الرؤوس المخيفة. أدفعها عني بيدي وأجري نحوها. تلمسني وألمسها. ألمسها كي تلمسني فتمسني مساً ولا تنقذ مني شعرة. كدت أختنق. كنت كمن "يتخبطه الشيطان من المس" (البقرة 275) ولا حياة لمن تنادي.
غرق أخي الأكبر في متاهة الأزقة مبتعداً عن قلبي ويدي الممدودة إلى الأمام. ضعت. لا أحد أمسك بيد الولد ابن الثامنة. ضاعت مني الحياة والمدرسة والعائلة. أهون علي لو أخذتني قذيفة على أجنحتها إلى فيافي الجنة أو السماء. أهون عليّ لو طرت مع غصن الشجرة التي اقتلعتها القذيفة المعادية، من هذا الضياع القاتل. لم أسمع سوى صراخي الذي ملأ الكون ـ التيه. عتمة غمرت كل شيء. وأخيراً أمسك أخي بيدي وابتسم.
ذهبت مباشرة إلى النوم. صرخت في الحلم. أقنعة اقتربت مني وابتعدت. هاجمتني أيد ورؤوس من نار. عيون هائلة. حاولت الهرب، لكن إلى أين؟ وتسألني الأقنعة: أين ترحل؟ أين تبتعد؟ وأهرب مقترباً منها كل مرة. ابتعد ملامساً ضحكات من الأذن للأذن، والعيون واسعة فارغة وملامح هادئة بلا معنى. لا أحد يسألك ماذا تريد ومن أين أنت. تمر الأقنعة بصمت. تتجاوزك وتتجاوزك. استمرت أحلامي هذه حتى أيلول الأسود وبعده.
بالرصاص خزّقوا الملابس...
وفي غضون أيام قليلة وبأوامر من الوالدة حفر نفر من أبناء حارتنا في المخيم (حنيكين ـ هكذا كان اسمه قبل أن يتحول إلى حي الأمير حسن) ملجأ في وسط البيت. أمسكت أمي بالفأس وضربت الضربة الأولى. قالت كلمات غير مفهومة: "يا أهل العزم.. يا أبا عقاب هات يدك". من كان عقاب لا أعرف. كنا قلة. وإذا بفوّهة تطل على حفرة كبيرة، وما كانت سويعات إلا والملجأ صار جاهزاً..انحشر أهلي في الملجأ مطلع الأمر ووسعناه في الأيام اللاحقة.
كان ملجأنا أول ملجأ يقام في المخيم. عرفت أمي أن أموراً هائلة ستحدث بحدس أو بوحي من روح. أمي روحانية وتؤمن بالروحانيات. تناجي الأرواح لا بالقرع أو الطرق بل بالبكاء والتهليل والدق على الأرض. ربما بذلك تخرج الجن من تحت الأرض. الحقيقة بالنسبة للوالدة كلها روحية. لا أدري إن كانت لعبت بتحضير الأرواح، إلا أنها تؤمن بأن أرواح الموتى تتصل بالأحياء عبر وسيط ما.
كانت أمي دائماً تطلب منا أن نذكر الأموات بالخير مهما كانوا، أشراراً أم طيبين. كانت مزاجية جداً. تراهاً أحياناً طيبة جداً تعطيك ما لديها من نقود. وتراها أيضاً منقبضة النفس ومتجهمة أحياناً أخرى وكأنها تنوي على شر. لعنتها مؤلمة وكسب رضاها واجب وضرورة".
توقفت عن الكلام ونظرت إلى صديقي الذي حدق بي بعينين فارغتين، فانتبه لي وقال:
ـ أنا أذْن مصغية، تابع حديثك.
صمتُّ قليلاً عندما دخلت أختي لتقدم الشاي لنا. طرحت السلام. لم تنظر في وجهينا. انصرفت في الحال.
قلت لصديقي
-هذه أختي.
لم يجب وكأنه يعرفها أو أن الأمر بديهي، فهي ليست أمي. قال: وماذا بعد؟
" أردت أن أقول، إننا في غضون أيام وسعنا الملجأ. وعندما اندلعت (الحرب الأهلية-هكذا سماها الإعلام الغربي)، جاءنا إلى الملجأ عشرات الناس. تلك الوجوه والأجساد انحشرت في المكان الضيق. أربعون قناعاً تقريباً. هذا يبتسم والثاني يبكي والآخر يفكر والرابع يتألم وغير ذلك..
حُمّاي الداخلية انتقلت لتملأ المكان والدنيا. هل انتقم الرب لي؟ اللعنة عمّت البلاد. كدت أظن أن الحرب اندلعت بسببي. للانتقام لي. الوجوه تبادلت الأدوار في الملجأ. من بكى فكر ومن تألم ابتسم وهكذا بتواصل. الوجوه جامدة بلا معنى كالموت.
تصبب العرق كالدموع من الجميع في حر أيلول القائظ. تنفسنا جميعاً كالأموات. الموت خيّم لكنه ظل بعيداً. حمتنا بكل تأكيد روح أمي وأرواح أخرى وإيمانها الذي لا يفل."
نهض صديقي فجأة، وقال: أريني إياه.
ـ ماذا؟!
ـ الملجأ!
ـ حولناه إلى بئر ماء للشرب.
تنحنح صديقي، وبعد كل نحنحة ينطلق في حديث ما.
قال: لا أستطيع أن أجزم بانتصارك على الشيطان وحزبه. وإن كان بك مس فهو آنيّ بلا شك. فبيتك محروس بمائة من الجن الطيبين وأمك امرأة مؤمنة. وأقول لك أن لك حجاباً يحوي على تعويذة وآيات قرآنية. وقد قال الله عز وجل "ولا تقف ما ليس له به علم" (الإسراء الآية 36) لكن قوى فوقانية كانت بكل تأكيد تحميك وتحوم حول رأسك فلا نفعت ممارستهم معك ولا وسوستهم. ولست ممن يأكلون الربا أو يتعاملون به حتى يتخبطك الشيطان من المس كما "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" (البقرة-275).
وهنا ببراءة سألت: إذا صح أن الجن قبيل إبليس وإبليس كان من الجن: "وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه" (الكهف-50) "والجان خلقناه من قبل من نار السموم" (الحجر-27) وفي مكان آخر من مارج من نار والعفريت من الجن: "قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك" (النمل-39)، كأن للعفريت زنبركا يتحرك به، فأين موقع الشيطان من الجن، وكيف سيعاقبهم ربنا في المستقبل؟
ضحك صديقي، وقال: سألقنك درساً في أمور الجن.!
قال: الله خلق الجان من مارج من نار. وإن إبليس والجان مخلوق واحد. من قبيلة الجن تجد الكافر وتجد المؤمن. إلا أن إبليس والشيطان والعفريت اسم للعاتي المتمرد من الجن هل فهمت الآن؟
ـ أحاول.
تابع صديقي عارف: أما الملائكة فهم من المؤمنين. مخلوقات روحانية لا ترى بالعين المجردة، وهم قبيلة سجدت لآدم إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين. إذن، يمكن الاستنتاج أن إبليس كان ملاكاً. ولكن الملائكة من نور وإبليس كجان من مارج من نار. والشيطان كواحد من الجن عدو للإنسان المخلوق من طين ومن يتحزب في حزب الشيطان ويقف في صفه فسيكون يوم القيامة من أصحاب السعير. فلإبليس الشيطان جنود أعداء للإنسان يوسوسون له. وقال الله تعالى "ويا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين. فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين" (الأعراف -19، 20).
الشيطان يوسوس وينخس ويوخز ويخطم (يضع مقدم الأنف والفم) على القلب أو الأذن، ويمس ويخبط. فنقول تخبطه الشيطان، أي مسه بخبل أو جنون. وتسمى إصابة الشيطان خبطة والمس الجنون. فيقال مس الرجل فهو ممسوس وبه مس واصله من المس باليد، كأن الشيطان يمس الإنسان ليحمل له الجنون. ونقول كناية إن المس جنونً والمس يقال في كل ما ينال الإنسان من أذى. وتجد كل ما قلت لك في لسان العرب والصحاح تحت مادة (خبط) وكل ذلك مما صرح به القرآن الكريم ودل عليه من غير احتمال وأصبح معلوماً من الدين بالضرورة.
صرخت: هذا يكفي يا صاحبي.
صرخت وكأنني غير مصدق أن هناك عالماً غير مرئي يحكم ويرسم ويتناولنا بالزجر والخبط والنخس والوخز والخطم وما شابه ذلك. فهذا الوضع يعني أن كل شخص يلاحقه جن. وأننا عبيد للجن وليس لله. نحن مخيرون ولسنا مسيرين من الله ولكننا مقيدون ومدفوعون ومحرضون من قوى خارجية ذات مخالب وأظلاف وقرون وقدرات هائلة خارقة. لهم قدرة على التناسخ والولوج داخل جسد الإنسان، يغيرون صوته ولونه، ويحكمون في الليل، يغوون ويمسون ويدخلون من الأبواب ومن النوافذ يجلبهم الضوء يلتقمون القلوب يوسوسون وقلما يخنسون، هم وراء كل كارثة وبلوى ينشرون الفسق. يصرعون ويتمردون على الله وسلطانه لا يردعهم رادع. يرقبون البشر يرونهم عن قرب ولا نراهم. يحضر الجان إلينا مرة وأخرى تلو الأخرى نعرف أنه يغوينا ويغوينا ثم يبتعد عنا ضحكاً مستهزئاً. يمسك بنا ويسيرنا ولم يقدر أنبياء على الإمساك به، لهم أجسام رقاق صافية هوائية، لا لون لهم وعنصرهم النار كما عنصرنا التراب.
عندما نثور ونضطرب يكون الشيطان وراء ذلك وعندما نبتهج ونجذل إبليس خلف ذلك، وعندما ننرفز ونغضب يكون العفريت الدافع الأوحد. يجري الجن في الإنسان كما الدم في العروق والهواء في الصدر. لكل منا شيطانه يستلمنا من المهد إلى اللحد.
هم يزفوننا إلى القبور.. ما أكبر أمرهم وما أعظم شأنهم وما أخطر سلطانهم.. الله أكبر. الله أكبر العلي القدير واستغفره إنه غفور رحيم.

آية الكرسي

قفز صديقي(عارف) إلى رف المكتبة وسحب القرآن الكريم وفتح على آية الكرسي رقم 255 من سورة البقرة وبدأ يقرأ:
"بسم الله الرحمن الرحيم
الله لا إله إلا هو الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، له ما في السموات وما في الأرض، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء، وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم.
صدق الله العظيم"
ارتاحت أعصابي قليلاً وبت أحرص على كلماتي أكثر من الأول. عدت إلى الوعي الذي غاب وشكرت صديقي الذي أعاد السكينة إلى قلبي ولم أقل: ذلك شيطان... كما قال الرسول لأبي هريرة.
فرح صديقي واطمأن لصفحة وجهي التي اعتلاها الهدوء وأراد أن يكمل معروفه فقرأ لي "الفاتحة" و"الفلق" و"الناس" التي تقول:
"بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس، من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجِنة والناس.
صدق الله العظيم"
تابع صديقي قائلاً: للفاتحة والمعوذتين أهمية في ردع إبليس وحزبه، الله أعلم أي ردع. ولا أريد أن أقرأ لك سورة ياسين وفيها 88 آية، فهي أقرب إلى الصلاة على روح الأموات، ولا أعتقد أن أحداً قد مات، وإن رغبت فاقرأها وحدك في المستقبل، أو أدع أمك أن تصنع لك من هذه السور والآيات حجاباً على صيغة تعويذة تسترك به وتحميك من الأعين الشريرة والقوى الظلامية. وهناك سبع سور لا أعرفها بالضبط تعتبر معاً مضفورة سداً منيعاً يحميك وينصرك على أعدائك وهذه السور ـ والله أعلم ـ هي: الأنعام، الكهف، يس، فصلت، الرحمن، الملك، والنبأ.
بقي أن أقول لك يا صاحبي إن أسماء الله الحسنى هي أسماء مقدسة من يحفظها يدخل الجنة فاحفظها أنت أيضاً.

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
قديم 07-04-09, 03:28 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
افتراضي

 

اختفاء عبد المنعم اليساري
صديقي (عبد المنعم) تعرفت عليه في المدرسة وتماسكت علاقتنا في ندوة شعرية لـ(محمد لافي) اخترقت قلبينا تماماً. هذا الشاعر اشتغل في التدريس في مدرسة خاصة بعد أن وجد صعوبة في المدارس الحكومية. عارض الحكومة ففصل من المدرسة الحكومية.
أنا وصلت المدرسة الخاصة ليس بطيبة خاطر. كنت مجبراً. لم أقدم الامتحانات النهائية بسبب اعتقالي في حملة اعتقالات احترازية قامت بها السلطة لتمنع نشوب مظاهرات أو حوادث شغب. لا أعرف إن كانت الحكومة محقة في اعتقالاتها. لكن لها مبرراتها. أقول ذلك بعد مرور ردح من الزمن. الخطأ التي ارتكبته الحكومة برأيي كان التقييد على الحريات الديمقراطية ومنها: حرية الرأي والتعبير والتفكير والاعتقاد. هذه الحريات من أسس حقوق الإنسان والتعديلات على هذه الحريات تعني مخالفة للقوانين الدولية والشرائع الإنسانية. هناك خطأ آخر ارتكبته الحكومة وهو أنها لم تفتح مجالاً لحرية تكوين الأحزاب وظلت ترعى حركة دينية متخلفة أدت إلى انتشار ظاهرة التطرف فيما بعد. بلا شك أن الحكومة تعض أصابعها ندماً. لكن الآن الأمور اختلفت.
(عبد المنعم) صديقي اليساري لم يكن كافراً أو ملحداً. وإنما كان يسارياً من النشطاء ويمتاز بوطنيته التي تختلف عن غيرها بمميزات خاصة. يكره في الشيوعيين عقيديتهم.
فشل (عبد المنعم) في امتحانات الثانوية العامة. لا أدري إن كان ذلك إهمالاً منه أو كما ادعى أنه لم يعد يستسيغ المنهاج التعليمي أو المقرر. هل الإهمال والتقصير سبب الفشل أم العبثية واللامبالاة؟ تعبير الفشل قد لا يرضيه. لكن هذا هو الواقع.
نجوى حبيبته امرأة عملية تريد شيئاً ملموساً. نسجت علاقة جنسية مع أخيه، وضاجعت من تهوى.
بنت نجوى علاقة عشق معي استمرت عشرة أيام انتهت بحزن وأخطاء لم أدر لماذا. كنت أنا السبب. الشيطان يستحي أن يفعل ذلك.
لما التقيت (عبد المنعم) بعد صدور النتائج واقفاً في ناصية الشارع، كان ساهماً وحزيناً. سألني إن كنت أملك كمية من النقود. أحنيت رأسي بالإيجاب. فأخذ المبلغ الذي يريد وسحبني من يدي إلى دكان. اشترى نصف لتر من العرق. وقال تعال نحتفل. خجلت من نفسي. بماذا نحتفل. بنجاحي وبفوزي بصديقته؟! أم نحتفل برسوبه وبفشل علاقته معها؟ لمحت في عينيه رغبة في الانفلاش والنسيان والهرب. إلى أين يا صديقي؟ كفو فاديس..كفو فاديس..
اقتربنا من تل محاذ لكومة زبالة. مزبلة عشوائية ككل مزابل شرق الأردن.
أراد (عبد المنعم) أن يجلس هناك في ظل صخرة.
قال لي: هذا هو مكانه المفضل بعيداً عن الأرض المبسوطة والجافة حيث لا يمكن الاحتماء بشيء.
وقال: تعال أحدثك عن نجوى.
قلت في نفسي: من يحدث الآخر عن نجوى.
قال: تعال نتصارح.
قلت: تعال نتعاتب.
"لماذا يموت الأنبياء".
هكذا بدأ الحديث (عبد المنعم).
لم أصدق أذني؟ كنت أفكر في نفس الموضوع.
تابع عبد المنعم:" لو لم يمت سليمان الحكيم ـ مثلا ـ لعرفنا ما لم نعرف ولظل نبياً ولم يحيرنا في معضلة الكذب والصدق، ولو اصطفاه الله إلى جانبه بطريقة عادية غير الموت لكان إيماننا بما قيل عنه وبما قال أرسخ. المسيح الفلسطيني عيسى بن مريم لم يقتل وشبه لهم وانتقل إلى هناك بأسلوب غير مألوف. محمد ص كان آدمياً ، انتقل إلى جوار ربه وعاد على ظهر البراق ولكنه مات ميتة عادية.
ولكن أي موت نفتح صفحته الآن ونحن نبحث عن السلوى والنسيان".
بدا (عبد المنعم) بالشرب فقلت له " بصحتك!".
"الأنبياء المزيفون ذئاب في جلود خراف، والأنبياء غير المزيفين خراف بجلود ذئاب"
قلت لصديقي (عبد المنعم)
ابتسم وقال: هذا كلام يعجبني. أنا دائماً أشتاق لأحاديثك.
ـ وماذا تريد أن تسمع أيضاً.
ـ خبرني عن نجوى. اشتقت إليها.
ـ لا أظن أنني سأراها في الأيام القريبة، ولكن تناساها، هذا أفضل لك.
ـ ماذا تقول؟!.
ـ قلت لك ما سمعت. لا يجوز أن تستنزف نفسك في مشروع خاسر.
ـ وأين تكمن الخسارة!؟
ـ لا أعتقد أنها خسارة بالمعنى الصحيح، ولكني أراك متيّما وعاشقا في اتجاه خاطئ. هي لا تستحق إنسانا مثلك. أنت أكثر نظافة وطهارة. وعليك أن تجد طريقاً آخر غير الذي تسير عليه..
ـ نعم..هكذا أفكّر. أتطلع لإعادة الثانوية والاهتمام بنفسي قليلاً. لتذهب نجوى إلى الجحيم. لقد نسيتها. لم تعد تهمني. لكني شغف بسماع آخر أخبارها.
ـ هل ما زالت تمشي مع لاعب كرة القدم الوسيم.
ـ لا..لا أعتقد أن الخطر يأتي من طرفه..
ـ الحذر يأتي من مكمنه.
رد (عبد المنعم) وابتسم. وتابع:
ـ لم لا تحاول أنت معها، فهي امرأة.
تجهم وجهي قليلاً، ورأيت أنه يريد استدراجي، فدفعت الاتهام عن نفسي، وقلت له:
ـ يا صديقي، لا أريد أن أخفي عليك، حاولت أن أقنعها بالعودة إليك ولكنها أفصحت لي بسر جعلني أقدم على خطوة كنت أخشاها.
عدّل (المنعم) من جلسته وتفتّح وجهه استعداداً للاستماع فعلق:
ـ ملحت الجلسة يا صاح
ـ قلت لك إنها معذورة. وصارت الآن معي ولا أعرف إلى متى. والسبب هو أخوك.
ـ ماذا تقصد؟
ـ طلبت مني أن لا أفشي سرها لك. ولكن بحكم الصداقة التي تربطنا، أود أن أقول لك أن أخاك هو السبب. لقد نام معها أكثر من مرة دون أن تعرف زوجته بالأمر. كان ذلك قبل أن تصير بينكما علاقة حب. ولما نشأت بينكما تحيّرت بين أن تقول لك أو لا تقول. فهي لا تريد أن تجرحك. أنت طيب وقلبك غض. وهي تخشى عليك. فتراها تهرب منك وترتمي في أحضان الآخرين. وأنا من الناس الذين لمسوها.
ـ لا أصدق.
ـ إنني أقول الصدق.
ـ أصدقك..ولكني لا أصدّق
ـ لا تصدق ماذا..؟
ـ لا أصدق أن أخي يستطيع أن يفعل ذلك. لقد كان مثالاً يحتذى به. كان بالنسبة لي نموذجاَ للزوج الذي لا يخون. كان يريني أن علاقته الزوجية نموذجية. شيء مضحك. كان النموذج. علاقة نموذجية.. علاقة نموذجية. هكذا كنت أطمح. هكذا كنت أريد. أردت أن تكون العلاقة بيني ونجوى علاقة نموذجية. تركت الأمور تسير كما تشتهي.
كنت أقول دائماً: كل قادم جميل. القادم أجمل. أنا غير عاتب عليك. أن تنام معك أفضل من أن تنام مع غيرك.
ـ ولكنها طلبت مني أن لا أقول لك عن الموضوع..
شرب..وشرب، فأكثر.
"استغفر الله العظيم. إننا نرتكب المعاصي يومياً. ولكنه غفور رحيم. سنعقل يوماً. اليوم خمر وغداً أمر". قال.
ـ كيف الأوضاع عندك. هل من جديد. دعنا من نجوى وقصصها.
ـ لا جديد.
ـ لم لا تشرب معي..
ـ لا شكراً !
ـ ومن أين هذه الرسميات؟
ـ منذ اليوم.
ـ من تخشى؟
ـ أخشى نفسي.
"وعليك الآن أن تتصرف مع نجوى وكأن شيئاً لم يحدث. لديها قابلية جيدة وقدرة هائلة، وعليك أن تمتع نفسك بالطيبات. عليك أن تتعامل مع الموضوع ببساطة وأن تترك المثالية وأن تفكر بنفسك." تابعت.
ـ ...
ـ وأرجوك أن لا تخبرها بأنك عرفت عن علاقتها بأخيك مني. لقد وعدتها بكتمان السر.
بدأ صديقي يشعر بخدر في رجليه. حاول أن يقف فقعد. حاول أن يقف مرة أخرى فلم يستطع. لحسن الحظ أن بيته قريب. "هل تريد العودة إلى البيت"، سألت ولم يجب. بدأ يشرب بشكل متلاحق ويترنح يميناً وشمالاً في جلسته. شعرت أن لا فائدة من مواصلة الحديث معه. خاطبته ولكن عبثاً. رجوته أن يكف عن الشرب. لا حياة لمن تنادي. بقيت أنادمه حتى غابت الشمس وعتّمت الدنيا. لا يصح أن يعود إلى بيته في ضوء النهار. ماذا سيظن الجيران. (عبد المنعم اليساري) سكران. هذا الأمر يسيء إلى سمعته. وهذا ما لا أريده له. بقيت معه إلى أن امتلأت الدنيا بالعتمة. حملته على ظهري كصليب متهاو ، جرجرته إلى البيت. استقبلتنا أخته (سمر) بالباب. فتاة طويلة القامة. ذكية. منشغلة في أمورها الخاصة. قلما تحادثنا. طلبت منها أن تضع (عبد المنعم) في الفراش وتغلق الباب وأن تفتح النافذة وأن تقدم له إبريقاً من الماء لكي يشرب وأن تتكفل بإطعامه لمدة يومين متواصلين. هزت رأسها بالإيجاب. فابتعدت مسرعاً.
عدت إلى بيتي ماراً بصديق يعزف البيانو. يسكن في الجبل المحاذي للمخيّم. اسمه منحوت من لغة أجنبية. لكنه مسلم. وهو من عائلة غنية. تعرف المستوى الاجتماعي للفرد من اسمه. الفقراء يسمون أبناءهم هكذا: محمد، أحمد، محمود والأغنياء هكذا: روبين، فادي، شادي وغير ذلك. ليست هذه قاعدة ثابتة. فالملوك يسمون أبناءهم بـ "محمد".
صديقي (روبين -وأسميه ماهر) يعزف على آلات موسيقية متنوعة. البيانو يتصدر الغرفة. آرائك مثيرة جميلة يحلو للمرء التمدد عليها والغوص فيها. في الصالون يجلس مجموعة من الأصدقاء والزملاء. يتناقشون في أمور سياسية. وللمصادفة كان صديقي المهذار(عارف) يتصدر المجلس ويتحدث، لكن هذه المرة في السياسة. سلّمت على الجميع وجلست استمع وأفكر.
من أين جاء هذا الإبليس (عارف). أنا أحبه لحسن إطلاعه وسعة معرفته، ولكني بدأت أهابه وأخشاه. أراه في كل مكان، حيث لا أحتسب. قد يضحك الناس من أقوالي هذه فأنا لست مركزاً للكون بكل تأكيد.
قطع حبل أفكاري ما قاله صديقي عارف:
ـ العالم مليء بالتناقضات. صار قرية صغيرة. لكننا نفتقد الشروط الديمقراطية للعلاقات بين الأشخاص. نحتاج إلى قنوات أفضل من القنوات المعهودة في العلاقات بين الأشخاص للوصول إلى الناس. ويجب دمقرطة هذه القنوات...
وقال كلاماً مشابهاً كثيراً وأضاف:
ـ لا أعتقد أن مجتمعنا تحكمه قوى خفية. قوى ظلامية كما يفترض بعض الناس. الظلام إن وجد فهو داخلنا. نحن بحاجة إلى قليل من الضوء لنفتح أعيننا. لا أظن أن أحدا يتآمر علينا سوى سوء اطلاعنا وسوء فهمنا وقلة معرفتنا. لا أظن بوجود قوى خفية تلعب وراء ظهورنا في الظلام. أخطر عدو لنا هو الجهل.
ملأ قلبي طرباً بأقواله هذه. شعرت بانتشاء في فضاء الكلمات التنويرية لصديقي عارف. أي عصر تنوير نعيش! شعرت بفارق كبير بين أحاديثه عن الأرواح والشياطين والعفاريت وأقواله عن أهمية دمقرطة وسائل الاتصال وتنظيف قنوات التخاطب بين الأشخاص من المعوقات. امتلأت فخراً بصداقتي له.
استمعنا إلى عزف على البيانو. وظهر للجميع، أو لي أنا للمرة الأولى، أن صديقنا (ماهر) لا يعزف فحسب بل ويكتب النوت الموسيقية. عزف لنا مقطعاً من ألحانه، وألحق ذلك بمعزوفات مشهورة لموزارت وبيتهوفن وشوبان.
تركت المجلس. الوقت تأخر حتى قارب منتصف الليل. صديقي المهذار رمقني بعينين متوقدتين دون أن ينطق بكلمة.
وفي صباح اليوم التالي نهضت يبللني العرق. حلمت أحلاماً مزعجة. صداع كاد يفجر رأسي. لعله خير. حلمت أن كلاباً تنهش جسدي نهشاً. جاء الأقارب للتهنئة بالنجاح. هل لنجاحي كل هذه القيمة!؟.
والدي كان يستقبل المهنئين ويودع المغادرين، كان يتحدث عن المعاني المعنوية والاعتبارية للنجاح في التوجيهية. كنت غائباً تماماً عن الوعي. لا يعنيني هذا الاحتفال الشكلي. هناك قضايا أهم. أكثر معاصرة. أكثر مصيرية. الحياة صعبة. تحتاج إلى كفاح. لست أول ولا آخر من ينجح في هذه الدنيا.
وماذا بعد؟
ظهراً، وبعد أن هدأت الحركة في البيت، ذهبت إلى أقرب بدّالة تلفون. تبعد البدّالة عن البيت مسافة نصف ساعة مشياً على الأقدام وعشر دقائق بالسيارة. اتصلت بنجوى.
ـ من يتكلم؟!
ـ أنا يا نجوى
ـ من أنت؟
ـ صديقك فرج الله
ـ اسمع، أرجوك أن لا تتصل بي مرة أخرى
ـ ماذا حصل؟
ـ أنت لا تعرف؟!
ـ لا أعرف!!
ـ ماذا قلت لـ (عبد المنعم)
ـ يجب أن نلتقي وسأخبرك بكل شيء
ـ لقد تأخرت..(عبد المنعم) ودّعنا..اختفى!
ـ ماذا تقولين
ـ ...
ـ ماذا؟
ـ أنت السبب!!
ـ كيف حصل ذلك؟!
ـ أنت تعرف جيداً ماذا حصل. كل شيء بيننا انتهى. أنا لا أعرفك. ولا تحاول الاتصال بي مرة ثانية.
ـ ...
وسمعت إغلاق سماعة التلفون.
وقفت كالمخبول. درت حول نفسي مرة، مثنى وثلاث ورباع. لا أدري ماذا أفعل. تجوّلت في المدينة. كنت ساهماً كمن أصابه مس. صرت أحدث نفسي.
تذكرت مقولة لـ (توماس شاش) "إذا تحدّثت مع ربك فهذا يعني أنك تصلي. إما إذا تحدث ربك معك فهذا يعني أنك مصاب بالفصام". لكني لا أتحدث لا مع ربي ولا ربي معي. إنني كالمطرود. التائه، الملفوظ أو المنبوذ. مصاب بحالة من الإحباط. لا أقدر على صنع شيء يذكر. درت في المدينة دون هدف.
اهتديت إلى مقهى (السنترال). هناك يحتسي الشاي بعد العصر صديقي وظلّي عارف. وجدته. كأننا على ميعاد. وقف في الحال وأقعدني. قال لي إنه يعرف ما حصل مع نجوى. وقال لي كما نقول في الدارجة "تسلم روحك" كأنه بذلك يعزّيني بصديقي. كان لطيفاً جداً معي. نزّل لي القهوة المرّة وربّت طويلاً على كتفي.
ـ لا تظن أنك أنت السبب. إن حصل وأعطانا عمره، فهذا قضاء وقدر. وغير معروف أين هو. لا أعتقد أنه تبخر.
ـ لكن كيف حصل ذلك؟!
ـ لا تقلق. اهدأ. اشرب القهوة. خذ قسطاً من الراحة. تبدو عليك علامات إعياء وإرهاق. لم تنم الليل.
ـ قل لي بالله عليك كيف حصل ذلك. أوصلته إلى باب بيته ثملاً، هذا صحيح، ولكن أن يقدم على ذلك، فهذا مستحيل.
وبعد أن جففت عرقي المنسكب، قلت:
ـ بعد أن أوصلته مباشرة، حصلت مشاجرة بينه وبين أخيه (عاصم). صفعه أخوه على خده قائلاً: "ألا يكفي أنك رسبت وتعود سكران إلى البيت".
حاول (عبد المنعم) تجاهله وتجاهل أقواله. ولكنه بدأ يقدم لـه مواعظ أخلاقية. فصرخ فيه (عبد المنعم) أن يذهب إلى الجحيم وإلى معشوقته نجوى ليعلمها درساً في الأخلاق بدلاً منه. وطلب منه أن ينصرف وألا يزعجه. وفي الصباح فتحت أخته الباب. لم تجده. كان الباب مغلقاً بالمفتاح. والمفتاح ظل معها.والشباك مشبك بالحديد. وجدت بقعة صغيرة من الدم وفراشا منفوشا. هل قطع أوصال يده؟ غير معروف أبداً ،أين ذهب، غير معروف؟
سرَتْ قشعريرة في جسدي، فلم أطق الاحتمال، وانهارت الدموع من عيني. صرت أهذي:
ـ لا أصدق.. لا أصدق..
ـ هذه إرادة الله. أضاف صديقي.
وبقيت أعتقد أنني أنا الذي قتلته.
" إنني أنا السبب في اختفائه أو موته. قتلت صديقي." حدثت نفسي.
صار الحادث هاجسي اليومي طويلاً. وصرت أزور المكان الذي جلسنا فيه آخر مرّة. المزبلة احترقت وصارت رماداً، كنت أقرأ قصائدي له. وأمامي يقعي الرماد وكلب ضال.
كنت أقرأ شعري للرماد، لروحه، له، أناجيه، أطلب منه أن يعود. استحلفه أن يكف عن الرحيل:
لن أقول وداعاً يا صاح
أنا ما تقوله الريح للريح
سفر ومواسم
ألعن هذا الصمت
أوقد قنديلا
لتأتي حبات المطر
كل نساء الأرض
عرائس البحر
ترقص لك، تلفظ اسمك
وتغني:
تنثر الأغنيات لك
في الريح
كي تستريح
من عبث السفر والانتظار
كيف أنت الآن؟
كنت تعرف جيداً يا صاح
ألا وقت للانتحار
لن أقول وداعاً
إن ارتحلت
وارتحلت النوارس
وإن وزعتنا الحدود
مزقتنا الوعود
طاردتنا القيود
في دول الكلام
سلامي عليك..سلام

اصدقائي..

لا أعتقد أن (عبد المنعم) مات بضرب من الجن. إن حدث ذلك فعلاً فهو شهيد. فقد قال رسول الله ص "فناء أمتي بالطعن، والطاعون: وخز أعدائكم من الجن وفي كل شهادة" (رواه أحمد والطبراني) ومعناه: من أسباب هلاك الأمة: الطعن بالحراب في الجهاد، والطاعون: الذي هو ضرب الجن لبعض الناس، والميت بأحدهما شهيد.
لا أعتقد أنه مات، وإن اختفى فسيعود. هذا اعتقاد راسخ لدي. كان من أعز الأصدقاء.
وأصدقائي منذ الطفولة بعدد أصابع اليد الواحدة.
(منذر):
كان يسبقني بصف واحد في المدرسة. ومن أذكى الأصدقاء. أو هكذا كنت أعتقد، لأنه كان يقرأ لي قصص سوبرمان.
لم يقرأ لي أحد غيره قبل تعلمي القراءة والكتابة. لم يفارقني منذر لما أصابتني الحصبة. وأعطاني قصصاً كثيرة كي أتسلى. ولما كانت تأتيني الحمّى الملعونة. كان سوبرمان يطارد كل الأعداء. ينطلق كنفاثة. يطارد العفاريت والقرود. هي أيضاً مخيفة تشبه الجن. سوبرمان كان يدفع كل تلك الشرور عنّي. ينطلق من القصص المصورة يدفع بيده وجسده كل ما هو مخيف.
أنا ومنذر وبقية أولاد الحارة بزعامته كنا نرسم على الأرض مصائد للغاصبين الصهاينة الذين طردونا من بيوتنا وأرضنا.
المصائد كانت لليهود وكل ما هو مخيف من جن وغيره. وهذه المصائد عبارة عن حوض مسيّج بسور صغير من الحجارة والتراب. كنا نملأه ببولنا وبقطع الزجاج. إنها ألغام طبيعية كنا نضيف إليها روث الحمير.
لم تبق عائلتي تسكن في حظيرة (أبو سعد) طويلاً. كان بخيلاً يقطّر الماء علينا بالقطارة. أما أجرة البيت فكانت لا تطاق. سكنا عنده بعد خروجنا من فلسطين مباشرة. (أبو سعد) طويل القامة، أسود الملامح كالشبح. كان عدواً للأطفال يغلق باب الحوش قبل أن تغيب الشمس تماماً. يحشرنا كالدجاج.
ولما اشتعلت الاشتباكات أوائل 1969 بين عناصر مختلفة من مختلف الفصائل، وصارت الطلقات تمر من أمامنا بحكم قرب حوش أبو سعد من قواعد المقاتلين، قرّر والدي أن يـُرحلِّنا إلى مكان آخر. افترقت عن (منذر) صديق الطفولة.
بقي أن أقول أن منذر برغم حولِه كان ثاقب النظر. ينظر إلى جانبه لكنه يرمقك. كنت أتأمله وأتعجب من أمره. كنت أسأل نفسي كيف يتطلع إلى زميلنا الذي يقف معنا ويستمع إلي. شيطان حوله. لو كان الله حوله لا يفعل ذلك. بالإضافة إلى هذا، قلما استخدم منذر يده اليمنى. كان يضرب الحجارة باليسار ويأكل باليسار. كانت يده اليسرى أقوى من يدي وأيدي الآخرين. هذا التمايز عنا لم يقلقنا كثيراً، فمنذر منا وإلينا وعلى أعدائنا.
بماذا كنا نشغل أنفسنا في أيام الطفولة: بجمع النحاس، أسلاك الكهرباء وقطع الألمنيوم وأحذية البلاستيك نبيعها في سوق الخردة ونشتري بثمنها القشطة والحلوى والبلالين والقصص المصورة التي أذكر منها قصص سوبرمان.
أما السجائر ودخان (اللولو) فكان من الطقوس والرموز التي تثير الدهشة لدينا. من منا كان يظفر بعقب سيجارة مشتعلة، يسير بها مختالاً كالطاووس، لا تسعه الأرض كلها. يتبختر بها كالأبطال المنتصرين. كان الواحد منا ينقلب فجأة إلى رجل بعقب سيجارة لولو حتى لو كانت دون فلتر.
وبماذا كنا نتسلى أيضاً؟
كان موسم تسليم المؤن ـ الطحين ـ من وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين مناسبة هامة للعبث واللعب والعمل. كنا نبحث عن الحمير ونؤجرها بالتعاريف والقروش القليلة. وإذا لم نجد حماراً ضالاً جمعنا الخيوط البيضاء التي ينزعها العمال من أكياس الطحين وربطنا بعضها ببعض. استخدمناها فيما بعد في إطلاق الطائرات الورقية في السماء. حفنة طحين واحدة كافية لتلعب دور الصمغ والورق، أما الخوص أو البوص فموجود في الحقول. يبقى علينا ربط تلك الأشياء لتصير طيارة يقودها ميزان من الخيوط الدقيقة. دون الميزان لا طيارة تطير ولا طيران يسلينا.
(قاسم):
لي صديق آخر اسمه (قاسم) تعرفت عليه في المدينة بعد أن رحلنا من مخيم اربد. كان الأول في الصف ـ أي أشطر الطلاب ـ يحكي لغات مختلفة لا أعرفها ولم أعرفها. ويتكلم من بطنه.
كان أشطرنا في التخطيط والكتابة. هو الذي علمني على كتابة (ملح) على الحيطان على شكل غرافيتي. كان يربط ذنب الحاء باللام. يلف ذلك ليعود ويلتصق باللام. فملح يتحول إلى (وجه بقسمة جانبية).
للكتابة العربية إمكانات تصويرية هائلة. الخطاطون يجدون متعة في اللعب بالأحرف العربية وتحويلها إلى قطع فنية أو لوحات غرافيكية بديعة. كنت أحسدهم على ذلك.
كنت أعتقد أن لقاسم علاقة بالشياطين. تخبره بكل شيء وتفتح له الكتب والدفاتر. كان يعرف كل شيء. موسوعة صغيرة. كان يسير وأنا في ظله كالذنب.
تعلمت منه أشياء كثيرة. كان يضحك منا وعلينا. متكبّر للغاية حين ينفع التكبر. يرانا نرتجف في حصة الإملاء. نبسمل ونقرأ الفاتحة ونخاف وضع النقط فوق الحروف أو حذفها. هو كان يفعل ذلك بصورة أوتوماتيكية كالآلة. يتعامل مع اللغة كمعجون (الملتين). كنت أغار منه. فصرت أفعل مثله، ألف ذنب الحاء وألصقه برأس اللام. وصرت أنافسه. لما عرف المدرس أننا نقترب من بعضنا بعضا في المستوى، صار يقسم قلم الرصاص من وسطه بيننا. فصرنا نكتب من قلم واحد.
رحلنا من إربد بعد اشتداد القصف الإسرائيلي مطلع السبعينات.
في غضون ثلاث سنوات غيّرنا ثلاثة بيوت: بيتنا في فلسطين، بيت أبو سعد وبيتنا في المدينة. كل سنة بيت. هربنا من القصف الإسرائيلي لندخل أتون ما سمي بـالحرب الأهلية.
صديقتي الجنيّة (حكيمة)
كانت أكبر مني بعدة سنوات. منذ سكنا مقابل بيتها أظهرت ودها لنا. صارت تبتسم لي ولاخوتي. منذ البداية صارت تفتح شباك غرفتها على مصراعيه. تمشّط شعرها أحياناً وتغيّر ملابسها مرة أخرى وتحرك في كل مرة يديها إلى الأعلى في حركة إيمائية وكأنها تقول إنها تحترق، أو إن الطقس حار. لعبة تغيير الملابس أعجبتني كأنها نوع من تغيير الأقنعة. الملابس بحد ذاتها عبارة عن أقنعة لنا. الملابس لغة تعبيرية أو رمزية نعبّر فيها عن أنفسنا. كنت أقول لها بحركات تعبيرية إيمائية، أن اخلعي ملابسك إذا كان الطقس حاراً. كانت تبتسم وكأنها ممتنة من رغباتي. تختفي قليلاً وتعود بصدر مشرع للريح والضوء. لحمها أبيض تكشف لي عنه باستمرار. ولما كنت أرفع قامتي لأرى أكثر وأكثر من جسدها كانت تتراجع خطوة أو خطوتان إلى الخلف وتكشف تماماً عن صدرها. أنظر إليها وألتصق بالحائط، أما هي فكانت تبتسم شفتاها وتنفرج عن أسنان لؤلؤية جميلة وتلمع عيناها. من أين لها هذه العيون؟ لا أعرف. (حكيمة) تعودت علينا وتعودت على رؤيانا.
عندما تغلق شباكها. هذا يعني أنها غير موجودة أو مشغولة أو يعني أن أحداً في البيت. وعندما تختفي عدة أيام فهذا يعني أن الأوضاع سيئة ولا برامج مسائية للتعري تفرح بها قلوبنا.
اكتشفت بعد فترة أن (حكيمة) نسجت علاقة مع أخي الأكبر مني. كانت تلح عليّ أن أبحث عنه لأخبره أنها تسأل عنه. أما هو فكان يقول لي:
ـ انس موضوعها.
صارت حكيمة تقفز من النافذة وتحضر إلى باب دارنا وتسأل عن أكبرنا بجرأة. أمي أحبتها لأنها شقراء قليلاً وبعيون زرق. تمنّتها لأكبر أبنائها. أنا كنت أرى فيها جنيّة كاملة الأوصاف. أمي تعتبرها حورية ماء.
نشأت علاقة بين أمي وحكيمة. طنجرة ووجدت غطاءها. شربتا القهوة المرّة. ونجّمت لها أمي بالفنجان. قرأت لها فيه ماذا تقول لها النجوم. لا أدري من أين تعرف أمي ماذا تقول النجوم! ربما علاقتها بالأولياء الصالحين جعلت منها امرأة مقدسة لها صلات بالوحي والأرواح الطيبة أو الشريرة. سيناريو قراءة الفنجان عند أمي معروف. سمعته أكثر من مرة. قرأت فناجين كثيرة قبل ذلك لعشرات النساء. السيناريو كالتالي:
صلي على النبي محمد، وبعد أن تصلي. تقول لها أن تلعن الشيطان. فتلعن الشطيان وتذكر اسم الله. يجب أن يطهر المجلس. المرأة الحائض يفسد فنجانها. الدم الفاسد يعطل مهمة الوحي. ويخرّب قنوات الاتصال. إذا أرادت امرأة بإصرار أن تقرأ لها أمي بالفنجان فعليها أن تعود بعد انتهاء العادة الشهرية وبعد أن تغتسل. ليكون كل شيء نظيفا. فلا يجوز مقابلة روح الله على نجاسة.
وتضع المرأة إبهامها الأيمن على قاع الفنجان المقلوب. وتنظر قليلاً. لا يجوز استعمال فنجان آخر غير الذي شربته تلك المرأة. وتقول أمي:
طريق سالكة رزق وفير سفر ودموع ـ انظري نقطة تسيل ـ شيء يقلقك. الأمور ستوضح عما قريب.
(حكيمة) كانت تشرب القهوة في بيتنا مرة أو مرتين في الأسبوع.

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مشارقة, الآلام), تيسير, تيسير مشارقة, زهرة الآلام, طاواس, طاواس(زهرة, قصه طاواس زهره الالام للكاتب تيسير مشارقه
facebook




جديد مواضيع قسم القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 05:47 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية