كانت ديانا ترتجف و عاجزة عن تحرير يدها من قبضة يده و من نظراته. فأجابها:
” لم اقصد ذلك. الظاهر انك لست من هذه البلاد. من اي بلد انت اذن؟”
“ترعرعت و درست في تكساس. هل انت راضية الآن؟”
في تلك اللحظة وصلت اونيس مع اخيها بول. كانا يعرفان جايسون من قبل, فانضما إلى الحديث. و خلا السهرة كانت ديانا تؤدي واجباتها كمضيفة, لكنها ظلت تعي وجود جايسون الذي لفت أنتباهها اكثر من سائر الضيوف.
بعد العشاء شعرت ديانا بيد توضع على ذراعاه. فالتفتت إلى الوراء و رأت جايسون قربها. فقال لها:
“ألست محظوظاً, هذه السهرة هي الأخيرة امضيها في العاصمة الانكليزية, لمدة يمكن ان تطول. هل من مكان يمكن ان نكون وحدنا فيه. اريد ان اقول لك شيئاً في السر”.
فوجئت ديانا و قالت بصوت منخفض:
“لا… أني لا أعرف أي مكان”.
فك ربطة عنقه و وضعها في جيبه ثم حل ياقة قميصه. و أمام عيني ديانا الممتلئتين هلعاً, راح يبتسم كأنه يسخر من نفسه. ثم قال:
” لم أتعود أن أكون متنكراَ هكذا”.
“و لماذا جئت أذاً؟”
“دعاني والدك إلى هذه السهرة. و لبيت الدعوة لأنه يعجبني. لنتوقف عن الكلام الفارغ. و تعالي نتمشى قليلاً”.
عرفت ديانا في الحال انها على وشك خسارة حريتها و استقلالها.
“دعني أخبر والدي بذلك…”
“سأتولى أنا الأمر. أذهبي و أبحثي عن معطفك”.
تنازلت عن فكرة المقاومة. و ذهبت تبحث عن معطفها المخملي الأسود. وضعته على كتفيها و خرجت مع جايسون يتمشيان, يدها بيده. إلى أين؟ كانت تجهل ذلك و لم يكن يهمها الأمر, فهي معه و هذا يكفي.
فجأة قطع جايسون حبل الصمت قائلاً:
“تأخرنا, و حان الوقت لأن اودعك. و لكن بعد ان اوصلك إلى البيت”.
اوقف جايسون سيارة تاكسي, التفت نحوها و سألها:
“هل منزلك بعيد؟”
و قبل ان يسمع الجواب, وضع يديه حول كتفيها. فرفعت رأسها هامسة:
“حوال ربع الساعة”.
عانقها طويلاً إلى أن وصل التاكسي إلى الشارع الذي تسكن فيه ديانا, فهمس:
“اريدك يا صيادتي الصغيرة, اريد ان اتزوجك. هل هذا ممكن؟”
و من دون وعي قالت:
“لكن لم نتعرف إلى بعضنا إلا منذ قليل. و انا اعرف القليل عنك. كما أني لا أحبك”.
قال ساخراً:
“هل هذا صحيح؟”
ابتعد عنها و أضاف:
“أريد ان اتزوجك يا ديانا. هل تقبلين ان تكوني زوجتي؟”
و من دون تردد اجابت:
“نعم”
و في الحال شعرت بفرح عميق يجتاحها و فهمت انها وقعت في غرامه.
“سنتزوج بعد ثلاثة اسابيع, اي خلال زيارتي المقبلة إلى لندن”.
“نعم لكن… انت غير جدي… سوف تنسى”.
“أتعتقدين ذلك؟ معرفتك بي خاطئة. عندما اريد شيئاً, أفعل المستحيل لأحصل عليه. سنتزوج اذن بعد ثلاثة اسابيع”.
فتح باب السيارة و نزل منها. ثم ساعدها على النزول. و على الرصيف كان يمسك بها و يتفحص وجهها المرفوع صوبه. ثم قبلها في جبينها و قال:
“إلى اللقاء القريب, يا ساحرتي الصغيرة. كوني جاهزة للوقت المحدد”.
انتظر حتى فتحت باب المدخل و قبل ان تدخل إلى البيت, تطلعت إلى الوراء. أشار اليها بتحية قصيرة و صعد إلى سيارة التاكسي. و ظلت ديانا واقفة حتى اختفت السيارة عن الأنظار.
في اليوم التالي, تناولت ديانا فطور الصباح مع والدها كالعادة.
سألها:
“أمل أن يكون جايسون كلارك قد تصرف معك التصرف اللائق”.
كانت ديانا تجهز لنفسها ساندويشاً من المربى. فلم ترد على سؤال والدها في الحال. و بعد ان انتهت من تحضير الساندويش, رفعت رأسها و راحت تتأمل وجه والدها, و قالت:
“يريد أن يتزوجني”.
رفع كريستوفر فارلي حاجبيه, و قال:
“يا الهي! لماذا؟”
و كعادتها, و خاصة بعد وفاة والدتها, كانت ديانا تتحدث عن مشاكلها مع والدها. و غالباً ما كان يقدم لها النصائح التي كانت تعمل لها باخلاص. لكن, هذه المرة بالذات, كانت تشعر برغبة في ان تحتفظ لنفسها بكل ما حدث معها تلك الليلة. قالت”
“أعتقد, أني أعجبه”.
“يبدو لي أنها طريقة مستعجلة للخوض في مغامرة الزواج. فهمت من طريقة حديثك أنك موافقة على عرضه”.
“نعم”.
“و متى ستتم حفلة الزواج؟ اعتقد انكما تنويان عقد زواج مدني, اليس كذلك؟ لأني لا اعتقد ان جايسون من نوع الرجال الذين يخضعون للطقوس الدينية”.
“قال اننا سنتزوج بعد ثلاثة اسابيع, بعد ان يعود من لندن. يا ابي, هل عندك شيئ ضد هذا الزواج؟ ارجوك ان تقول ما رأيك؟”
اجابها و هو يبتسم:
“رأيي لن يغير شيئاً, على ما أظن. و بما أنه سيقوم بالمعاملات القانونية لاتمام هذا الزواج, فلا خوف عليك اذن. لكن هذا لا يمنعني من التفكير بأنك ما زلت غير مستعدة للزواج يا عزيزتي”.
اجابت ديانا و هي مستعدة للدفاع عن نفسها:
“عمري واحد و عشرون عاماً”.
“لك أكن أفكر بعمرك, بل بنظرتك إلى الحياة. لقد عشت حياة سهلة, و كلارك مغامر خطير, و لم يكن دائماً في المجتمعات الفضلى. اعتقد انك لست في مستواه و من الصعب عليك ان تنسجمي معه. ربما بعد سنة أو سنتين…”.
“لا أعتقد أن في وسعنا أن ننتظر سنة… أو أكثر”.
و لاحظ والدها أحمرار خديها فقال:
” هكذا أذن؟ ما علي ألا أن أبارك زواجك. هل تريديني أن استعلم عنه؟ لقد قمت بأعمال للمؤسسة التي يعمل فيها حالياً. و اعتقد انهم لن يمانعوا بتزويدي بالمعلومات اللازمة عنه”.
“نعم, اريد منك ذلك, و ارجوك, يا ابي. ألا تكلم أحداً في هذا الموضوع… أعني ليس الأن ربما… من الممكن أن…”
توقفت عن الكلام, فلم تكن تريد ان تظهر مخاوفها, أو أن تبدو منها أية شكوك في حقيقة مشاعر جايسون نحوها.
” تخافين ألا يحقق جايسون ما وعدك به؟ يبدو أنك غير واثق منه تماماً. و هذه ليست نقطة انطلاق حسنة, يا ابنتي”.
“ليس هذا ما اعنيه. لكنني لا اريد أن يعتبرني الجميع انانية حمقاء اذا لم يتم هذا الزواج. انت تفهم قصدي, أليس كذلك؟”
طوى والدها جريدته, وضعها تحت ابطه و نهض. ثم قال لها و هو يداعب خدها:
“اعتقد انك على حق. انت تحرصين على كبريائك. لا تخافي سأحتفظ بالسر. و ما عليك إلا أن تطلعيني باستمرار على كل ما يتم معك”.
لم تعش ديانا من قبل ثلاثة اسابيع بطيئة مثل هذه الأسابيع.
ولى شهر نيسان “ابريل” و جاء شهر ايار “مايو”. كانت الشمس ساطعة و الهواء منعشاً. عبقت الحدائق بأزهار النرجس. براعم الكستناء بدأت تتفتح و بعضها يزهر أوراقاً صغيرة. العشب الذي يكسو ارض الحدائق يخضر و ينمو. و في معهد الفنون الجميلة حيث تتابع ديانا دروسها, أوشك الفصل على الأنتهاء. يبقى فصل واحد و تحصل ديانا على شهادتها و تتخرج.
براً بوعوده, حصل كريستوفر فارلي على بعض المعلومات حول شخصية جايسون: رجل أعزب, في الثانية و الثلاثين من عمره. درس في هيوستن و هو يعمل لدى الشركة نفسها منذ ان انهى دراسته الجامعية. كلها معلومات معروفة إلا واحدة تقول: جده والد أمه, يدعى وليم د. رامو و هو نائب رئيس الشركة نفسها.
قال لها كريستوفر:
“على الأقل, تعرفين الأن أنه لم يكن متزوجاً, كما أن رجل ذو مكانة”.
لكن الشيء الوحيد الذي كان يهمها هو ان جايسون اخبرها الحقيقة. و هي الأن تعد الأيام التي تمر. عشرون يوماً مضت حتى الأن. و في الغد سيكون هنا.
و في اليوم التالي جائت العمة. جرتورد فارلي لتمضية اسبوعين مع العائلة قبل سفرها إلى امريكا لزيارة بعض الأصدقاء. انها امرأة طويلة القامة, ذات وجه بارز التقاطيع, لا يزال يحافظ على بعض من جماله. كانت راقصة في شبابها. في العادة كانت ديانا تفرح عندما تزورها عمتها التي تعيش في كورنويل, في غرب انكلترا, حيث تملك بيتاً قرب البحر, كانت تزوره ديانا في عطلة الصيف عندما كانت صغيرة السن. لكن هذه المرة, شعرت بأنها عاجزة عن استيعاب حكايات عمتها و قصصها الطريفة. لقد استولى جايسون على تفكيرها كله.
مضت ثلاثة اسابيع و خمسة ايام, من دون ورود خبر واحد من جايسون. لقد كذب عليها. و هو لم يكن ينوى ان يتزوجها. لا بد انه وجد امرأة غيرها, مستعدة ان تمنحه ما يريده, دون ان يتزوجها.
قبل بومين من عيد الفصح, كانت ديانا تتناول فطور الصباح مع عمتها جرتورد عندما سمعت جرس الباب. انه جايسون يحمل ازهار النرجس و على شفتيه ابتسامة عريضو.
“صباح الخير”.
دخل من دون ان ينتظر منها ان تدعوه إلى الدخول. و ضع الورد بين ذراعيها و قبلها على وجنتيها و قال:
“أني أراهن انك كنت تعتقدين انني نسيتك؟”
كان يرتدي بذلة غير رسمية, كحلية اللون, فوق قميص زرقاء فاتحة. همست ديانا قائلة:
“نعم, تقريباً”.
عانقها من جديد بينما كانت العمة جرتورد تهمهم غير مصدقة ما يجري أمامها. ذلك ان ديانا لم تخبرها عن شيء. سالت العمة بلهجة متعالية و هي تنظر إلى ديانا:
“من أنت, أيها الرجل؟”
اجابها بلطف:
“جايسون كلارك, سيدتي”.
توجه صوب العمة, و مد يده ليصافحها قائلاً:
” أنت من تكونين؟”
“جرتورد فارلي, عمة ديانا”.
و راح جايسون ينتقل في نظره بين ديانا و عمتها و يقول:
“أني ألاحظ الشبه. و إذا ظلت ديانا تشبهك عندما تصبح في عمرك, فلن أكون نادماً على أني أتخذتها زوجة لي”.
و صرخت جرتورد:
” زوجتك؟ هل تنويان الزواج فعلاً؟”
“نعم, بالطبع, و اليوم بالذات, الساعة الثانية بعد الظهر. أحتجت إلى بعض الوقت لأدبر الأمور. لم أكن أريد أن…”
التفت جايسون نحو ديانا و عيناه تبتسمان, و همس قائلاً:
“لم أجرؤ أن أراك قبل أن أكون رتبت كل شيء”
“اليوم, بعد الظهر؟ لكنني يا جايسون, لا أقدر…”
“بلى, بلى, الزواج سيكون بعد ظهر اليوم…”
و سألتها العمة:
“ديانا, لماذا لم تخبريني؟”
تدخل جايسون وقال:
“لأنها لم تكن متأكدة مني. لقد تأخرت خمسة أيام و لابد أنها فكرت أني لم أكن صادقاً”.
” هل والدك على علم يا ديانا؟”
“نعم, أخبرته, في اليوم نفسه, عندما عرض علي جايسون الزواج”.
” ومنذ متى يعرف أحدكما الأخر؟”
اجبا جايسون و هو يغمز ديانا:
“منذ سنوات, لكن التقينا فقط منذ أربعة أسابيع, أمل أن تحضري حفلة زواجنا, أيتها العمة جرتورد”.
“أني… أه…”
شعرت أنها عاجزة عن الكلام. لكن سرعان ما أستعادت شجاعتها لتقول بلهجة قاسية:
“أعتقد أنك مجنون حقاًُ لتقرر الزواج بهذه السرعة”
“هذا معقول جداً. عاجلاً أم أجلاص يصبح الأنسان مجنوناً بسبب الحب”.
“يجب أن تعلم أن ديانا ليست مستعدة للزواج. فهي ما زالت صغيرة و ساذجة. لا تعرف ما معنى الحب. و هي تحتاج إلى مزيد من التجارب”.
و فوجئت ديانا عندما رأت جايسون يهز رأسه قائلاً برصانة:
“أني أقدر مدى أهتمامك. لكن لا تخافي سأغازلها بعد الزواج”.
تفرست العمة جرتورد بشيء من المودة و قالت:
“اذن, سأحضر زواجكما بعد الظهر. هل ستقومان برحلة شهر العسل؟”
“لم أفكر في هذا الأمر, لأن الوقت لم يسمح”.
“لماذا لا تذهبان اذن إلى كورنويل. حيث يمكنكما أن تسكنا في منزلي خلال غيابي”.
“لكنو يا عمتي, جايسون…”
شعرت ديانا بذعر مفاجئ. فالتفت جايسون نحوها قائلاً:
“ألا تريدين أذن ان تتزوجيني؟”
رآت ديانا عيني جايسون الزرقاوين يلمعان بالرغبة, فهمست بعد أن استعادت وعيها:
“نعم”.
“أذن, كل ما عليك فعله, هو ان تضعي يدك بيدي, اليوم بعد الظهر, و نذهب معاً إلى مكتب الزواج و نعقد قراننا”.
كان شهر العسل حلماً تحقق بالنسبة إلى ديانا. كان الطقس جميلاً و دافئاً, مما اتاح لهما قضاء معظم الوقت خارج المنزل. راحا يتنزهان على طول الشاطء أو يتسلقان الشواطئ الصخرية حيث ينبت العشب الأخضر. كانا يركضان ثي يسقطان أرضاً, و هما يضحكنا و يلهثان فرحاً.
بعد أسبوع, تبين لديانا أنها تعرف جايسون أقل مما هو يعرف عنها. كانت هي دائماً التي تتكلم, و عندما كان يأتي دوره, كان يفضل العناق على الكلمات, و هي منغنسة في حبها, كانت تنسى ما سألته. و تبقى الأسئلة من دون جواب.
قالت له يوماً عندما كانا ممددين على العشب يأخذان حمام شمس:
“لابد أن لكأهلاً مقربين”.
أجابها بكسل:
“هل هذا ضروري؟”
“كل انسان له أب و أم و أخ…”
“نعم, كان لي أب أنكليزي ولد في منطقة لانكشاير. كما أن لي أبناء عمومة, هناك في الشمال”.
بقيت ديانا جاملدة لا تتحرك. واضعة يديها على ذقنها. كانت تحبس أنفاسها. فقد قرر أخيراً أن يحدثها عن عائلته. أستأنف جايسون الكلام و قال:
” توفي والدي في السهل الأكوادوري. كان عالماً في الفيزياء, متخصصاً في الأراضي. و كان ينقب عن البترول للشركة التي أعمل فيها الأن. و هناك تعرف إلى والدتي. كانت تقوم بزيارة للبلاد. و كان لوادلها مركز مهم في الشركة نفسها. أحبها والدي و تزوجا في كيتو و عاشا هناك فترة من الزمن. و أنا ولدت في الأكوادور. لهذا السبب, عندما سألتني من أي بلاد أنا, لم اعرف بماذا أجيب. كان والدي انكليزياً و أمي أميركية و أنا أكوادوري بالولادة”.
“كمبقيت في الأكوادور؟”
“إلى أن اصبح عمري ثمان سنوات. ثم قررت والدتي, التي كانت تشرف على تربيتي أن تدخلني المدرسة في هيوستن. و لذلك انتقلت وظيفة والدي إلى هيوستن. لكنه لم يكن قادراً على الثبان في مكان واحد. كلما سنحت له الفرصة كان يذهب للتنقيب في بلاد أخرى, و في أحدى المرات, عاد إلى الأكوادور ليشرف على الحفريات هناك, و قد قتل في حادث حريق اصاب أحد المناجم النفطية”.
“و كم كان عمرك حينئذ؟”
“12 سنة… و توفيت والدتي بعد سنتين بمرض السرطان”.
” ومن أهتم بك بعد ذلك, أجدادك؟”
“كلا, سكنت عند بيل, شقيق والدتي. و هو الأن نائب رئيس الشركة التي أعمل فيها. لك أكن سهلاً و خاصة عندما كنت في سن المراهقة. و عندما قررت أن أغادر المدرسة لكي ألتحق بالعمل في مؤسسة بترولية, تنفس خالي الصعداء.
اني أشبه والدي, لا أثبت في مكان واحد”.
وضعت ديانا رأسها على كتف جايسون, و شعرت بسعادة غامرة بقرب هذا الرجل المتشرد الذي قرر التخلي عن حريته ليزوجها.
قال جايسون بهدوء:
“يجب أن نعود غداً”.
“لماذا؟”
استدار نحوها, و قال:
“يجب أن أعود إلى عملي, في الشمال”ز
لم تتوقع ديانا أبداً ماذا سيحدث بعد نهاية شهر العسل. كانت تظن أنهما سيستقران في أحدى ضواحي لندن, كغيرهما من المتزوجين.
و لم تتوقع أبداً. أن تجد نفسها وحيدة بهذه السرعة.
“هل يمكنني مرافقتك؟”
اجابها بلهجة حازمة:
“كلا”.
“لماذا؟”
“لأن ذلك مستحيل”.
“لكن, ماذا علي أن أفعل؟”
“ما كنت تفعلينه قبل زواجنا. استمري في القيام بأعمالك الخاصة التي ليس لها علاقة بنا. أستأنفي الذهاب إلى الجامعة و احصلي على شهادتك.ثم أبحثي عن العمل الذي تحبينه و الذي حدثتني عنه مرة.
ان زواجك مني لا يمنعك من ان تفعلي ما تحبين…”
“لكن, يا جايسون, اريد أن أكون حيثما تكون أنت. أريد أن أكون في انتظارك كل مساء عندما تعود من العمل. و ليس فقط مرة كل ثلاث أسابيع”.
شعر جايسون بشيء ما في داخله انعكس في عينيه. راح يداعب وجنتي ديانا, ثم شعرها, بنعومة فائقة. و همس قائلاً:
“أنت انسانة لكن لا أستطيع ان اخذك معي إلى منطقة التنقيب عن النفط خصوصاً الذي أعمل فيه الأن, أنه في وسط البحر”.
“يمكنني أن أبقى على الساحل. أني أعرف فتاة متزوجة من عامل حفريات, و هما يسكنان في منزل في بيترهيد, القريب من عملك”.
“كلا, لن أبقى هناك مدة طويلة. فلا داعي لأن تتركي مدرستك من أجل هذا. عليك أن تبقي هنا في لندن و تعثري على شقة, و سأوافيك إلى هناك كلما سنحت لي الظروف”.
خاب أمل ديانا. البحث عن شقة ليس سهلاً. ثم أنها لا تعرف كيف تفرشها و هي التي تجهل تماماً أي نوع من الأثاث يحب.
“أه, يا جايسون, لا أريدك أن تذهب. ألا يمكنك الحصول على عمل في مكان ثابت؟”
نهض جايسون فجأة و دار لها ظهره و قال:
“ليس الأن. لأنني لست مستعداً لذلك. قد يحصل ذلك يوماً. و لكن ليس في هذه البلاد… لا تحاولي احتجازي, أيتها الصيادة, فلن تنجحي”.
صرخت ديانا في كآبة:
“لماذا تزوجتني أذن, اذا كنت لا تريد أن تبقى معي”.
ادار وجهه و حدق بها. ثم انحنى صوبها و شعرت به يلتصق بها و سمعته يهمس قائلاً:
“أنت تعرفين لماذا, على ما أعتقد. لم يكن بوسعي أن أفعل شيئاً أخر”.
كان صدى كلمات زوجها و لمسات يده على شعرها و رائحة جلده, كلها تتفاعل في داخلها. هي أيضاً لم يكن في وسعها أن تفعل شيئاً أخر.
و في اليوم التالي, عادا إلى لندن و أمضيا الليلة في منزل والدها. و في الصباح التالي, سافر جايسون إلى شمال انكلترا و بدأت ديانا تبحث عن شقة تستأجرها.
و بمساعدة صديقتها اونيس, استأجرت شقة صغيرة في الطابق الثاني من بناية قديمة تطل على نهر التايمس. و كانت ديانا مُدينة لصديقتها على هذه المساعدة برغم معرفتها ان اونيس و بول ازعجهما زواجها المفاجئ فلم يعلقا عليه و لم يهنئاها أيضاً.
كتبت ديانا رسالة إلى جايسون ابلغته فيها عنوان الشقة ثم راحت تهتم بشراء المفروشات اللازمة لفرشها. و خلال اسبوعين, كانت قد اشترت سريراً عريضاً و خزانتين, و طاولة و كرسيين و وسادات عدة وضعتها في قاعة الأستقبال.
و في أحد الأيام, كانت عائدة من الجامعة, دخلت إلى غرفة النوم ففوجئت بجايسون نائماً في السرير. استيقظ لدى سماعه خطواتها و صرختها. و تعانقا بحرارة. بقي جايسون مع ديانا ثمانية أيام, ثم سافر إلى الشمال عائداً إلى عمله. و خلال الأشهر التالية, كانا يفترقان للمدة اسبوعين أو ثلاثة, ليلتقيا أسبوعاً واحدً. و لما كان يذهب كانت ديانا تشعر بالملل, لكنها سرعان ما كانت تستأنف حياتها العادية, في الجامعة, لنيل الشهادة المطلوبة, و في العمل في مؤسسة صغيرة كرسامة تبتكر النماذج لأزياء الثياب النسائية. كل ذلك يساعدها على تحمل العيش وحدها حتى عودة جايسون.
و كلما كانا يلتقيان, يشعران بسعادة كبرى ولم يتشاجرا إلا نادراً جداً. و خلال أقامته في لندن, كانت ديانا تتعرف إلى جايسون أكثر فأكثر. كان يحب الموسيقى الرقيقة و يحب حضور الحفلات الموسيقية الكلاسيكية التي تقام في الصالات الكبرى في لندن. كان يحب الأستفادة من أمواله و يصرف من دون حساب, و يشتري الأثاث الثمين ليزين شقته, كما كان يغدق على ديانا الهدايا الفاخرة.
و عندما تكون ديانا وحيدة, كانت تمضي معظم وقتها مع صديقتها اونيس التي كانت تسكن في جوارها. و غالباً ما يكون شقيقها بول موجوداً معهما. لكن عندما يعود جايسون, تعدل ديانا عن رؤية احد. فقط تقوم بزيارة لوالدها بطلب من جايسون نفسه.
في أحد الأيام, بعد أن سافر جايسون, سألتها أونيس قائلة:
“ألا تسألين أبداً ماذا يفعل جايسون عندما يكون بعيداً عنكِ؟”
“يمضي الوقت في عمله”
“ليس هذا ما أريد أن أقوله. اقصد عندما لا يعمل, أي في وقت الفراغ. مثلاً في عطلة نهاية الأسبوع, عندما لا يكون قادراً المجيء إلى لندن. ماذا يفعل, يا ترى؟”
أجابتها ديانا بلهجة خفيفة:
“أنه ينتظر أن يراني بفارغ االصبر”.
عند عودته وجد جايسون زوجته ديانا متغيرة, تريد أمتلاكه.
قال لها:
” لا تكوني مثل النساء اللواتي يحببن أمتلاك ازواجهن, ايتها الصيادة, و ألا فلن أعود أليك في المرة المقبلة”.
و أمضت ديانا الأسابيع التالية و هي تتسائل ما أذا كان جايسون سينفذ ما هددها به. و لكي ترفع من معنوياتها دعتها اونيس إلى العشاء و قالت لها:
“زوجك يفعل كل ما يريد, أليس كذلك؟ أنه يتمتع بك كزوجة و لا يتحمل أي مسؤولية. و أنت تدعينه يفعل ما يريد من دون اعتراض!”
أجابتها ديانا: