هزت لورا رأسها , وابتسمت لتخفي الهاجس المنذر الذي تملكها :
- لا ....الحب لا يمكن ان يكون حبا الا إذا كان متبادلا ؟ سايمون باركلي لم يحب في حياته ,وأنا واثقة من هذا فلدية قوة السحر لا القلب الدافئ ..
- أي انه رجل ...يحس به !
- اووه ...اجل ومن يدري قد تتجسد تجربتي في عمل روائي له عمل يتعلق بفتاة مجهولة ..
- يافتاتي العزيزة لست مجهولة ....حتى وأن لم تعد اليك ذاكرتك فكري جيدا قبل أن تشجعيه .. وسامحيني على ما سأقول : أنتي لاتبدين خبيرة في أمور الحياة , وان كانت ذاكرتي جيده بالنسبة لشائعات, فسايمون براكلي ليس بالرجل الذي قد ارغب بأن تتورط ابنتي معه .. فمن يتورط معه يسخر !.
بعد عدة ايام من هذا القاء لم تندهش لورا حين خرجت من المحل الساعة الخامسة ووجدته ينتظرها وهو يتكئ على السيارة , حين شاهدها استوى في وقفته وتقدم نحوها ,فقالت وهي تحس بنظرته تثبتها في مكانة لتمعن النظر فيها :
- مرحبا !
- مرحبا .....اقبلي دعوتي للعشاء .
عضت على شفتها ساخطة :
- أنت لا تعطي انذرا مسبقا !
- نعم أم لا ...قرري حالا .
أحست بسخطها يتزايد ...ماذا يحسب نفسه بأن يعاملها وكأن عليها ان تشعر بالامتنان لدعوته ؟!.....اهتزت عضلات فكها وقالت بحده :
- لا...شكرا لك .
فرد ساخرا :
- آه ...ها ... هناك اذن مخالب حادة تحت هذا القناع اللطيف ادخلي إلى السيارة لأوصلك إلى المنزل .
ترددت لورا لحظات ,فمهما كان تصرفه مريبا , فمن الغباء ان ترفض توصيلها للمنزل , لكنها سألت ببرود :
- اهاذه عملية اختطاف ؟
- اجل فاليوم عيد ميلاد روزماري التي تريدك معنا على العشاء .
- التفتت إليه وهي تلف حزام الأمان في السيارة :
- لماذا لم تذكر هذا أولا ؟ حقا انك أكثر الرجال إثارة للغيظ ! لن استطيع الذهاب بملابس العمل .
- كان بأمكاني مرافقتك للمنزل لتبديل ثيابك
- اوصلني اليه الان اذن
- لا
- اووه انت تثير الجنون !
- الدرس الثاني : انا شديد الدقة حين يتعلق الامر بتنفيذ ما أريد .
- ولمذا النخفيف من حدة الوصف ؟ لماذا لاتقول انك كثير الوسوسة في دقتك هذه ؟
اضحكه كلامها هذا . لكن ترى امرحه هذا حقيقي ام لا ؟ شعرت بالاحاسيس المخيفة في قوتها تجتاح كيانها كله وابعدت وجهها باتجاه النافذه لئلا يرى تأثيره .. بعد لحضات استرخت , فلا حظت انه يتجه غربا نحو الخط الساحلي كان الريف هناك شديد الرقة كثير الاخضرار , فالأشجار بدأت تزهر وأوراقها راحت ترتدي ثوبها الاخضر من جديد اما العشب بين المراعي فأخضر كثيف .
قال سايمون لها بدون تركيز :
- صهري مزارع ...يربي الخراف والابقار .
- وكيف التقى بأختك ؟
- كانت في ساوثمبتون في رحلة عمل لم اسألها قط عن لقائهما , لكن مما قالته اعرف إنهما كرها بعضها بعضا بالبداية ...لكن الجميع تعجب مما انتهت به علاقتهما ..
- لاكن شقيقتك لاتبدو عاصفة المشاعر .!
- المظاهر قد تكون خداعة ..فقد تبدو لك لعبة لاكنها قادرة على افتعال عاصفة متى أرادت .وهي بحاجة الى يد ثابتة قويه ولن تجد اثبت من يد دان .
- انك تظهره شخص سيء الطباع .!
- فالنقل مثلا اني لو وقعت في مشكلة فلن افكر في اللجوء الى احد سواه .
- تبين لها ان دان دالتون رجل قاس كما وصفه سايمون تماما وقد يماثله في القساوة .فهما يشبهان بعضهما بطريقه مذهله ! فكلاهما يمتلك تلك الثقة الشديده بالنفس , النابعه من معرفتها الباردة عن قوة أو ضعف من يواجهان .. انهما مخلوقان فائقا القوة .. عندما كانت تصاف دان وجدته رجلا مرحا , وذالك رغم برودة عينية السوادوين اللتين بدتا دافئتين حين حطتا على زوجته
التي ابتسمت و قالت للورا بتفهم :
- إنهما يطغيان على كل من بجانبهما , تعالي الى غرفة الاستقبال أضرمت النار مع ان الأمسية دافئة .
بينما كانت تتحدث رافقتها الى غرفة كبيرة فرشت بذوق رفيع , ففيها تحف اثرية واثاث عصري وهي جميعا تناسب عائلة دالتون التي قطنت في هذه المنطة منذ اجيال بعيده , فأنما روزماري تزوجت احد ابناء الطبقة الارستقراطية .
مرت الامسية بشكل مستساغ , كانت روزماري مناكثر النساء فتنة وكياسة ..امازوجها فقد احتفظ بأفكاره لنفسه , ولم يتحدث كثيرا ,, احست لورا بالتوتر من جراء تحديق سامون المستمر اليها , فهو لم يبعد بصره عنها حتى وهو يحدث شقيقته ... بدا العشاء بشكل اجمالي ناجحا فثمة ضحك كثير وحديث مرح ,فقد تمتعت لورا به رغم اضطرابها , وما جعلها تطمئن انهم عاملها حسا وكأنهم لا يعرفون شيئا عن فقدانها لذاكرة .
تنهدت روزماري وقالت :
- لن أتعود على الربيع في هذا المكان أبدا ....فأنا أحب ان يأتي مع الربيع ضجة صاخبة وسماء زرقاء وأزهار صفراء وبيضاء ونرجس ..فالنرجس ينمو خلال الشتاء في هامبشاير والخراف والأبقار تلد في نيسان ! وحدها الأشجار تزهر في أوائل الربيع .... ألا تفضلين ربيع الشمال لورا ؟
ابتسمت لورا وردت بهدوء :
- لست اذكر ....لاكن الربيع هنا رائع ,إذ تبدو الأيام فجأة أطول والأشجار تصبح مورقة والهواء رقيقا منعشا ...وانا أحب الطقس هكذا .
فتدخل سايمون :
- لورا ليست قلقة أبدا لأنها فقدت الذاكرة .
ابدت روزماري الارتجاف :
- لن أكون هادئة لو كنت مكانك ! .....وأنت دان ؟
- انه واقف على نوع الذكريات .
قادهم قوله ذاك الى فصص كثيرة تتناول فقدان الذاكرة ثم تفرع الحديث الى أشياء عامة عن الثقافة في العالم .علمت لورا انها أدهشتهم بسعة إطلاعها على الإعمال الروائية والأدبية العالمية وبعد قليل من النقاش تقبلوا معرفتها هذه ..http://www.liilas.com/vb3
ومع ذالك أحست بالسعادة لانتهاء الأمسية ,فللمرة الأولى تختلط مع أناس خارج أيطار المستشفى ممن يعرفون حالتها , ولا يعلقون عليها فهذا يجعل الحياة أيسر لها .
قالت ماري روز :
- يجب ان تزورينا ثانية لورا .
- شكرا لك .
- لكنها لم تلتزم بتكرار الزيارة .
قال لها سايمون في السيارة وكأنه يقرأ افكارها :
- دان معجب بك ...اذن انا السبب .
- ماذا يعني ؟
- ألا ..تعلمين تعجبك فيل , ودان معجب بك , وهذا يعني انك لاتثقين بي , ولهذا لم تلتزمي بدعوة شقيقتي ؟
- وهل كان الامر واضحا ؟
- وهل أنتي قلقه ان كان واضحا أم لا ؟
فتنهدت :
- لا أحب أن أكون فضة فقط كانت لطيفة جدا معي .
- انها روح لطيفة , بل انها من فئة نادرة من الناس لن تتكرر , فلقد أسرت اهتمامها كما أسرت اهتمامي .
انكمشت بشرة وجهها حول فكيها متوترة ,لكنها تمكنت من وضع بعض المرح في صوتها حين قالت :
- أسرت اهتمامك المهني كما أرجو .
- ولماذا هل أخيفك ؟
- قد اكون فاقده لذاكره ,لكن غرائزي مازالت حية وكل غريزة املكها تحذرني منك .
فضحك :
- قلتي لي هذا من قبل ..وضحيه أكثر .
- أنت تعرف جيدا ما اعني , فأنت قاس كجلد السوط ,وقاطع كحده ومؤذ مثله .
- لا أوافقك الرأي على هذا الخليط الوصفي ..فالجلد لاحد له ولا شك انك اكتسبت بعض الخبرة في الحياة بعد فقدان الذاكرة لتتعرفي على نوعي بسرعة .
كانت السخرية في صوته مؤلمة ,وهذا ما جردها من الثقة بالنفس . راحت تتسأل بذعر كيف تحسبه مهتما بها وهو على هذا القدر من الشر .
أبتلعت ريقها تحس بأنها تكاد تتقيأ ,وبأنها غبية ,ثم تأوهت بخشونة :
- ماذا بك ؟ هل أنت مريضة ؟
أوقف الأنوار بسرعة ودون ان يطفئ الأضواء الأمامية استدار ليضيء المصباح الداخلي كي يشاهد قسمات وجهها المتقلصة ضيقا :
- لورا ..........ما الأمر ؟.
كانت لحظة الوهن قد طفقت تتلاشى ,فسألته بخشونة :
- هل طنت أعرفك ؟!.
لم يغير شيء لم تتحرك عضلة واحده من ذالك الوجه القاسي الأسمر , لاكنها أحست بارتداده , وكأنه دفعها عنه حتى أحست بالألم .
- لا ...لا ,لا تعرفين شيئا عني , لاشيء أبدا ... ولم السؤال ؟
كان التنفس العميق يساعدها دائما .لذا أغمضت عينيها وراحت تتنشق الهواء برتابة ,حتى ارتد عنها الخوف والألم معا .
بعد دقائق ردت :
- آسفة لما حدث ....أخاف كثيرا حين أصاب بهذا الغثيان الذي يبعثه الخوف .
حرك السيارة من جديد , وقال بهدوء :
- ولماذا الخوف ؟يجب ان تكوني سعيدة باستعادة ذاكرتك .
مسحت بحذر وجهها بمنديل , وجففت راحتي يدها الناضجتين عرقا .
- لا أنني أخاف ان تذكرت شيئا , أن أجد نفسي في لجة سحيقة من الجحيم لا أستطيع الخلاص منها . اشعر وكأنني أعيش على حافة لجة عميقة , تضيئها أشعة شمس براقة , آمنة دافئة وجميلة بصحبة أناس لطيفين ,.وإذا فقدت توازني أشعر بأنني سأقع فوق الحافة إلى أعماق الجحيم ..
- وهل أنتي واثقة بأن ما في أعماق عقلك الباطني بغيض ؟قد تكون حياتك الماضية عادية سعيدة , فيها عائلة , وأصدقاء , وأحبة . وربما لم تفقدي الذاكرة إلا لحادث ما وقع ..
أطبق جمال المناظر حولهما على خناق لورا , فقالت بصوت أجش :
- قد تكون على حق ...لكن من الظاهر أن آيا من هذه العائلة , أو الأصدقاء أو الأحبة لم يهتم ليعرف ماذا حل بي .
- وهذا ما يؤلمك .
- كثيرا !
- وهذا يعني انه يجب أن يكون هناك شخصا ما ,في مكان ما...شخص تأملين أن يأتي يوما للبحث عنك .
دهشت لسهولة الحديث معه ودهشت لرقته , لكن الإحساس لم يكن مستساغا
, فالكشف هكذا عن أفكارها أمامه , أشبه بمن يكشف نفسه أمام خطر لا يعرفه تماما . فردت متشنجة :
- ربما...لكن يبدو أنني أخفيت آثاري بحذر حتى أن الشرطة لم تكتشف شيئا ..وعلى هذا لابد أن عقلي الباطني منشطر إلى اتجاهين بالنسبة لهذا الشخص المفترض وجوده .
فابتسم متحديا :
- كما هو منشطر اتجاهي . أنت لا تثقين بي , ومع ذالك تحديثين معي ..فلماذا ؟
- ربما لأنك لا تظهر الشفقة علي , بل ولا تعاملني وكأنني إنسان غير سوي . فأنت تحرضني على التفكير , وثمة اهتمام شخصي في اهتمامك بي أيضا .
أضحكة كلامها ثم لم يلبث أن قاد السيارة إلى شجرة سنديان ضخمة وارفة الضلال ...وقبل ان تفكر ..كان قد أوقف السيارة وفك حزام الأمان ملتفتا إليها ليفك حزام مقعدها قائلا بنعومة :
- أنت ساذجة جدا ياعزيزتي .. أخلتني احتاج إلى تشجيع ؟
خفق قلبها خوفا من هذه المشاعر التي بدأت تخفق في داخلها , ستتركها أية حركة منه الآن ضحية , مسلوبة الإدارة ,عارية المشاعر أمام ناظريه .
سألته ببطء :
- ا هذا ما تظن أنني كنت أقوم به ؟ تشجيعك , أنا لا أكاد أعرفك , أو معجب بك
- آووه ...لكنك لا تعرفين أن لا علاقة لهذا بالإعجاب ..أو بالحب ..وان كنت لا تعرفين لورا , فقد أن لكي ان تتعلمين .
كان لكلماته وقع الصاعقه عليها ..في اعماقها بدأت تستعر نار لم تكد تميزها
brbhttp://www.liilas.com/vb3