الجزء السادس
نوبات الحُلم !,
تَحزِم خديجة حقائِبَها وحقائب طفليها استعداداً للسفر, فلا يفصلهم الا أيام عن العراق ., خديجة فَرِحه ومُتَشَوِقه لِرؤية أهلها اللذين طلما اشتاقت لهم لكنها خائِفه جداً على طفليها من الحياه هناك فلا أمن ولا حياه رغيده ., تدخل ريانه من المدرسه وتساعد اُمها على الترتيب .,
"ماما متشوقه لرؤية جدتي ياترى هل تغيرت ملامحها عن الصوره " ريانه تتحدث عن صوره ام خديجة التي بحوزتها
"طالما كانت امي جميله وانيقه" تتكلم خديجه ثم تضحك مع ابنتها
يدخل مازن " ماذا تفعلون الى اين سنذهب"
"الى اخوة ماما , خوالنا" تتكلم ريانه بشوق
"لن اذهب معكم., ماما انا سعيد هنا ., لِمَ نرحل؟" ريان طاب له المقام عند بيت جده ., وقد كَوّنَ صداقات في المدرسه ., وهو سعيد بتعامل فرح واسامه معه
"سنأتي للزياه هُنا كلما سمحت الظروف., هيا مازن ضع حاجياتك في الحقيبه" خديجة تعطي مازن حقيبه خاليه
"حسناً" يوافق على مَضَض
عندما عَلِمَ أفراد أُسرة محمد بقُرب فراق أبناء اِبنِهم اتشح المنزل بالسواد ., ترى الوجوه حزينه ., كيف لا وقد اعتادوا صوت ريانه يرن كل يوم وليله في اذانِهم ,. كيف لا ومازن يضحك فيضحك أركان المنزل معه ., فرح في غرفتها لم تذهب الى الجامعه فقد كانت صفراء شاحبه تُفكر ملِياً بِبُعدِهم ., أسامه ينظر الى مازن بين الفينة والاخرى وفي كل مره يسأله اِن كان يريد ان يذهب للدكان لجلب بعض الأغراض ., ام سليمان يرق قلبها فجاءه فهي في النهاية أم ,. تنظر الى خديجة بنظرات توسل وكأنها تسألها المكوث قليلاً ., ابو سليمان الشيخ الكبير يقبع في ركن الصاله بيده منديل صغير يمسح ما يُبَاغِتُه من دموع ., خديجة الزوجه المكلومه والأم الخائفه أيضا لها النصيب من هذا الحزن ., صحيح كان يوجد الكثير من المشاحنات والنقاشات بينها وبين ام سليمان خصوصاً ., لكن الفراق يُنسِي الانسان كل سيئ ويُرِيَه الحسَن فقط وكأنه يقول احزن احزن .,
كانت خديجة تُلاحظ مدى صعوبه اخفاء خوف ما في وجهه ام سليمان ., كذلك كانت تراقب حركات ام سليمان عندما تستقبل هاتف من مجهول ., تخفي صوتها فتكاد تهمس او تنقل الهاتف للغرفة المجاوره ., واستغربت خديجه من هدوء المنزل وخَشت ان يكون هدوء ماقبل العاصفه ., فلا احد يدخل للمنزل من ضيوف او اخوة! وفي احد المرات دق الهاتف مراراً ولم ترفعه ام سليمان ., فما كان من فرح الا أن قفزت من مكانها لِتستعلم فنهرتها ام سليمان ان اتركيه ., استغرب الجميع فعلتها فتعذرت وهي تنظر الى خديجه ان هناك كُثر يُزعجونهم في هذه الايام .,
عند انتهاء حداد خديجة كان متبقى ثلاث اسابيع على انتهاء اختبارات ريانه ومازن ., فارتأت ان تُؤجل الرحيل حتى انتهائهما ., من الطبيعي في هذه الاسابيع كانت خديجة مشغوله بتدريس أبنائها والحرص على متابعتِهِم ., وكذلك كانت فرح وأسامه في انتظار الاختبارات في فتره المراجعه ., وقد يكون هذا الهدوء سببه الاختبارات فحتى أبناء الاخوه والاخوات كانوا منهكين في اختباراتهم بالتالي لا داخل ولا خارج من المنزل
في تلك الفتره توالت الأحلام على خديجة ., ففي كل ليله ترى فِلماً يمر أمامها كلما نامت ., من طبيعة احلامها انها صادقه وهذا الشئ يُخيفها ., كانت بالسابق ترى الكثير منها ويُصدقها بها محمد ولكن هذه المرات توالت و بِكَثره ., في احد المرات رأت محمد مُتشِح بالبياض وكان يشير باصبعه الى مكان ما وعندما حاولت المشي اليه منعها باصبعه ان قِفِي ثم اشار مره اخرى الى ما كان يشير اليه نظرت الى المكان لتستيقظ على صوت ريانه وهي تقفل باب دورة المياه ., ومره اخرى رأت مازن يأتي اليها وهو على هيئة ليس بهيئته كان مشوه الوجه وبالكاد عرفت انه هو واقبل وهو يبتسم لها ., خديجة في كل ليله ترتعب من احلامها وتحاول نسيانها وانها اضغاث احلام وان كل ذلك نتيجه خوفها على اطفالها وقُرب رحيلهم.,
انتهت الاختبارات ودقت ساعة الرحيل ., خديجة تتحدث الى ام سليمان:" اريد ان يكون حجزي غدا الى العراق او بعد غد "
"سَأُخبر الاولاد بترتيب حجزك" ام سليمان مُطَمئِته
الحمد لله الامور ستجري على مايرام تتحدث خديجة في نفسها
دخلت فرح الغرفه:" سنفتقدكم ., اعتدنا تواجدكم في البيت"
خديجة:"هي الايام تجمع وتفرق ثم تجمع"
فرح:"حاولي ارسال صور الاطفال متى تسنى لكِ ذلك"
خديجة:"سأرسِل صورهما وسَاُسمِعُكُم صوتهما ايضاً"
في منتصف الليل وعندما كانت خديجة تهم الى النوم مع طفليها دخلت ام سليمان:"خديجة اريد محادثتك في غرفتي"
خديجة:" خيرا ان شاء الله"
ذهبت خديجه خلف ام سليمان الى الغرفه., اغلقت ام سليمان الباب خلفهما:" اسمعي ياابنتي انا اُصِر وبقوه ذهابك مع الاطفال الى اهلك بالرغم من سوء الاوضاع., لكنـ .."
خديجه بترقُب:"لكن ماذا ؟!"
ام سليمان:" عمومة الاطفال يريدون ان تبقى ريانه في السعوديه!"
تغرق عيون خديجة في بحر من القهر:"ولما ريانه! انا قادره على رعايتهما لوحدي ., وهناك اهلي سيحبونهما وسيسعون الى راحتهما"
ام سليمان تتجاوب مع دموع خديجه بدمعتين هي دموع الام :"ليس قراري والله"
خديجه:"لكن تستطيعين فعل شئ من اجلي ومن اجلِهِما"
ام سليمان:"في الاسابيع الفائته حاولت ولم افلح., صدقيني"
خديجه وهي تبكي:"اخبريهم اننا بخير بدونهم ., اخبريهم ان لايتعرضوا لنا ويتركوا الاقدار تحدد مصيرنا لا هم"
تكمل خديجه:" اذا لم يوافقوا بالطيب سآخذهما وارحل ولن اسأل احد ايٍ كان"
ام سليمان:"اذا اردتي نصيحتي اتركي ريانه ., فباستطاعتهم اخذها بالقوه استنادا إلى طبيعه سفرك والبلد وحاله اسرتك., يستطيعون اخذها بالقوه"
تبكي خديجة وكأن سحاب الدنيا في عينيها وكأن الشمس تحرق قلبها حرقاً
ام سليمان تختنق بالدموع وتربت على كتفها:"اذهبي ياابنتي وهيأي ريانه للمكوث هنا., صدقيني ساضعها بين عيني"
تريد ان تتكلم خديجه ان تجادل وتُبرر لكن الدموع ابلغ واقوى من اي كلمه ., خديجة انسانه ضعيفه نظراً لوضعها الحالي وهي تعلم ان الحق مع العمومه ., "لاحول ولاقوة الا بالله" ترددها خديجه وهي خارجه
في الصباح الباكر وصلت رسالة الى خديجه عن طريق الهاتف الخليوي"اذا كان بالامكان اريد ان اتصل ., عبدالعزيز" ., قرأتها خديجه وهي تشعر بالقهر والظلم والكره لهم جميعاً ., من الطبيعي لم يغمض لخديجه جفن في الليلة الفائته وحاولت عدم اخبار الاطفال لمنع التوتر فقد تستطيع ان تفعل شيئاً ما ., ذهبت الى دوره المياه لتجري الاتصال حتى لاتوقظ صغارها ., كان بين شفتيها مئه سؤال وبين عينيها مئة عَبرَه.,
"ألو " خديجة بحذر
"اهلا ام مازن., كيف احوالك والصغار" عبدالعزيز وهو اخ لمحمد
"الاحوال بعد قراركم كئيبه., لما لا تتركونا نعيش بأمان مجتمعين!" تختنق خديجه
"اسمعي يا ام مازن ., ذاك القرار ليس مني صدقيني "
"جميعكم يُبرأ نفسه ., مِمَن يكون اِذاً ً" خديجة تسأل
"تحديداً من احمد ., انا اعلم مدى جرحك بترك الصغيره هنا ., لكن سأضعها بداخل قلبي والله ., ان اردتِ سأربيها مع بناتي .."
تبكي خديجة وتحاول تهدئة صوتها لكي لا توقظ الصغار ., يااااه طفلتها ستتركها وتمضي الى غير رجعه ., قطعه من قلبها من جسدها سترحل وتبقيها هنا ., " انتم لا تعلمون مدى صعوبه الامر ., انتم تتكلمون فقط ., انتـ ..ـمـ .."
تبكي وتبكي دموع الكون لا توفي حق القهر والمعاناه ., موت ريانه اهون لخديجه من تركها .,
"خديجة انا حاربت كي اجمعكِ واطفالك ., وجاهدت لتأخذي مازن معك ., لكن ريانه لم استطع .,"
" تريدون ان تأخذوا مازن ايضا ., مازن الصغير! ., أَيُ قلوب متحجره أنتم ., " تحترق خديجه
"والله الموضوع ليس بيدي ., وانا على علم بما سيفعله احمد ., سيكلم المحامين ويُحرك رجالاته ., وان اردتِ الحق فهو معه ويستطيع اخذه"
"ايُ حق في ان تأخذ ابنتي من بين يدي !" تشهق خديجة وبين شهقاتها ألم وجرح غائر
"اسمعي ياام مازن ., رياانه فتاه ومن الصعوبه المجازفه بخروجها معك ., فكري بالعقل ., اذهبي ومازن وان كانت الامور جيده فأَعدك ان ارجعها لكِ بنفسي"
"آااه .," أنين مكلوم
"فكري بعقلك ., اقنعي ريانه بالمكوث هنا لو لبعض الوقت ., وعديها بانك سترجعي لِاصطحابها بالقريب العاجل ., لا تشغلي نفسك بكيف ستأخذيها حالياً ., فقط فكري بكيف ستخبريها" يتحدث عبدالعزيز بالكثير من الحكمه
سكوت وأنين من خديجة فلا كلمات تُطال في هذا الموقف
"ام مازن ., أنا مستعد لأي طلب ., لأي خدمه ., واذا كنتِ تحتاجين نقود لا تترددي بالاتصال بي"
انتهت المكالمه بشئٍ من حكمه وألم
جلست خديجة تحت المغسله على سجاد دورة المياه تأن كالطفل ., ريانه الفتاه الرائعه التي لم تعرف سوى امها وابيها في حياتها كيف تتركها بهذه السهوله وترحل ., وكيف ستعيش هنا بدون امها ., حديث عبدالعزيز الحكيم أخذ من لُب خديجة مأخذ ., كلامه عقلاني لاعاطفي ., أولاً يستطيع أي من عمومة ريانه ان يأخذها نظراً للظروف الحاليه والحق معه ., ثانياً الأوضاع لاتَسُر هناك فوجود ريانه بأمان هنا أمر مريح نوعاً ما ., ثالثاً موقف عبدالعزيز الحكيم في أن دافع لتأخذ الصغير الابن فهو لا يريد سلب أطفال محمد أو تشتيتهم او ارغام خديجه على عمل غير محبب من قِبَلِها بل هو يفكر بشكل سليم فقد ناضل لتأخذ مازن فهو صبي وليس الذكر كالأنثى خصوصا في بلد مُزعزع الأمن ., في هذه البرهه فكرت خديجة بعقلها وكأن الله سلب قلبها قلب الأم لفتره وجيزه حتى يتيح لها التفكير بعقلها ., ما المانع من ترك ريانه بضعه اسابيع ومن ثم الاتفاق مع عبدالعزيز باسترجاعها عندما يستَتِب الوضع هناك في العراق .,
ولكن ...
كيف للطير أن يصبر على فراق فراخه ! وكيف ساُخبرها ., ولما لا أَخُذها معي وإن رأيت الأمور سيئه رجعت معها ., انشل قلب خديجة من البُعد القريب وعقلها من التفكير ., وتركت النواح يأخذ مجراه .,
احد ما يدق الباب ., " من !" خديجة تتسائل
"ماما انا ريانه افتحي الباب ., هل انتهيتي من دورة المياه!"
تنبهت خديجه انها غفت على أرضية دورة المياه:" حسناً ., امهليني ثواني
سارعت لتغسل وجهها وعلى خدييها خطوط الأقدار
شاهدت خديجة رساله بهاتفها الخليوي من عبدالعزيز .," ستصلك اليوم تذكرتا سفر ومبلغ بسيط ., اضيفيه الى الملبغ الفائت ., واِن اردتي اي مساعده لاتترددي بالاتصال"
علمت الان خديجه ان مبلغ الخمسة آلاف كان من عبدالعزيز
عند خروجها من دورة المياه صادفت ريانه بوجهها:" أي فستان تختاريه حتى ألبسه في المطار"
لاجواب من خديجه
"اعتقد الارجواني جميل ., أليس كذلك؟ أحب ان اكون انيقه عند استقبال جدتي"
لم تقوى خديجة على الرد على براءة عيني ريانه :" ألبسي ماشئتِ"
رتب الجميع حقائبه استعداداً للسفر غداً في الصباح الباكر ., ووضعت الأغراض بجانب الباب ., "ماما من سَيُقلنا" تتساءل ريانه
"العم عبدالعزيز وزوجته" ترد خديجه
وتُعَقِب "هيا لنخلد الى النوم ., أمامنا يوم طويل مرهق"
عزمت خديجة على قرارها ولن تتراجع عنه ., فكرت ملياً وهي تعرف جيداً مصلحتها ومصلحة ابنائها .,
في ذاك اليوم تراءت عيون خديجه تلمع, وتَهَيَأ انها اكثرت من شرب الماء لدفع شي ما الى الداخل ومنعه من الخروج ., ! فهي امراءه يشتهيها الحزن
رائحتهم التي كانت تملؤ الأمكنة ..
كلها سـ تذهب