الجزء الخامس
حَد النَبض !,
ستة أيام وتنتهي خديجة من الحداد على المرحوم محمد ., وفي مساء ذلك اليوم كانت تجلس خديجة قُبالة النافذه المطله على بيت الحمام المتواجد خارج المنزل ., " أيا حمام ., ليتني أنت وليتك أنا ., لأُحلق بعيداً مع فراخي الى المجهول ., الى اللانهايه" ., تتحدث خديجة مع قلبها ., وهي تعلم ان لااحد يستطيع الوقوف بطريق خروجها لكن ماذا عن أطفالها ., مازن مازال صغيراً على بُعد امه ., أما ريانه فهي في مرحله تكون بها الفتاة في امس الحاجه الى من يفهمها ., من سيعتني بهم ., أم سليمان الانسانه الكبيرة في السن المشغوله في المنزل وان سَمَح لها الوقت خرجت للجيران ., او فرح الجامعيه اللامُباليه., او اخوات محمد المتزوجات في بيوتِهِن ., التفكير يقتُلها فهي على عِلم بالحجج المتوقعه لأخذهِما .,
"اُم مازن ." صوت يقطع افكار خديجه .,
"نـ .. نعـ .. ـم" خديجه مُخاطِبة ام سليمان .,
"لم يتبقى على حدادك الا ايام ., ماهي خططك؟!" سؤال مُبهم من ام سليمان
"سأذهب الى العراق ., " ثم تُردف :" أنتم أناس طيبون ., تعاملتم معي ومع الاطفال بشكل رائع ., لكن عليّ الرحيل فلا يجوز المكوث عندكم اكثر من ذلك"
تُكمل خديجه وكأنها أمام جَلادها :" لكن أعِدُك سنزورُكم مع الأطفال كلما سمحت الظروف"
ترد ام سليمان بشئٍ من البرود:" أرى انكِ تمانعين وبشده زواجك من احمد! مع انها فرصه مناسبه للأطفال العيش حيث نشأوا في وطنهم ., ومع عمهم وعائلة أبيهم"
نظرات من وجل تعتلي خديجه فالقادم من الكلمات يُحدد المصير
"لكني لا أستطيع اِجبارك بزواج لا تريدِيه" ., "ألم تُفكري بالأطفال كيف لهم ان يعيشوا في بلد مُزَعزَع الأمن ., بلد لا يعرفوا منه الا اسمه ., وحالة أهلك ليست بالميسوره ., فكري يا خديجه وسَنُفَكِر أيضاً"
انتهى الحوار وخرجت ام سليمان من الغرفه
تُمسك خديجه الهاتف لتخبر أهلها بمستجدات الأمور ., خديجة الأخت الوحيدة ولها ستة أشقاء احدهم متوفي في حرب ايران مع ابيه وهو الأكبر ., الثاني هشام متزوج وله ابنتان وخمسه ابناء وتسكن عنده ام خديجة ., الحاله الماديه للعائله قبل حرب العراق كانت فوق الممتازه ., لديهم مصنع لبيع الكعك ومزرعتان احدهما لتربية الماشيه و الاخرى للنخيل ., وكانوا اِنذاك يعيشون في قصر مُرَفَّه ., وبحكم ان خديجة البنت الوحيده فقد كانت محط دلال من قِبل والِديها واخوتها السته ., عندما توفي ابو خديجه اصبح جميع اخوتِها اب لها ., الى ان جاء نصيبها مع محمد صديق اخيها الثالث ويدعى عصام ., كان محمد يمتلك شاحنه وينقل بها ماتيسر من والى العراق ويأخذ ثمن الحموله ., وبحكم مزارع عائله خديجة فقد كان يتردد عليهم كثيرا ., وقد رأها عدة مرات فقد كانت الفتاه المدللـه الصغيره واعجب بها لكن يعلم فرق المستوى بينه وبينها ., كيف لرجل لايملك من الدنيا الا شاحنه ان يرتبط بفتاة لديها مزارع وقصر وأخوه كُثُر! ., اُعجِب عصام بمحمد وبتفانيه وعصاميته ورأى الحب يشتعل من عيني اخته التي تصغره عندما يجتمعان ., تقدم لخديجة في تلك الفتره شُبَان كُثُر لكنها كانت ترفض بدون تفكير مما أدى الى استياء ولدتها ., فأخبرتها انها متعلقه بمحمد ولاترى نفسها الا معه ., عائله خديجة راقيه ومتفهمه لأبعد الحدود ., استشارت الام عصام كونه يحتك بمحمد كثيراً فأخبرها انه نِعم الرجل الا ان حالته الماديه جدا متواضعه ., عندها فُتِح موضوع خديجة على الطاوله مع اخوتها الخمسه وامها ., اشاد عصام به لكن اخبرها اِن كانت تريده ان تصبر على حاله فهو فوق حد الفقر بنقطه! وافقت وتنازلت خديجه فقد كانت تعلم انه يمتلك قلباً كبيراً ., لقد رأته بقلبها وليس بعقلها ., وتقدم محمد للخطبه وتم الزواج بمراسم فارهه بالقصر ., ترتكت خديجة اهلها وقصرها وعراقها من اجل محمد وكانت والى اخر يوم من حياته ترى انه يستحق كل تلك التضحيات .,
انهت خديجة المكالمه مع اخيها هشام بدموع مُتلاحقه ., اخبرها ان الحال جدا مترديه وان ابنته ألاء هاجرت مع زوجها الى الاردن وتشكي الحال هناك ., ألاء دكتوره عامه ولم تجد وظيفه الا في صالون نسائي! وزوجها لم يجد وظيفه ., حتى الدواء اصبح عزيز المنال ., لكن تلك الحاله مع الامن افضل من وطنها المسلوب الأمن .,
" يااه ! اين كنا وكيف صرنا ! دوام الحال من المحال ., " تتحدث خديجة الى نفسها ., كيف لِأُسره عريقه غنية ان تفتقر الى الدواء و الى حتى اقل الأشياء ., سبحان الله يا مقلب الأحوال!
يقطع حديثها الصامت دخول مازن من المدرسه ., تحمل حقيبته وتتجاذب معه اطراف الحديث ., يرتدي ملابسه في حال انشغال امه بترتيب الغرفه .,
" ماما مارأيك !" يبتسم مازن
التفاته سريعه من خديجه كفيله لتصرعها:"يالله ! ماهذا مازن ., !"
كان مازن يرتدي بنطال ريانه وقميصها الوردي ويضع قلادتها وهو يبتسم :" من أجمل انا ام ريانه" يضحك بصوت عالي
خديجه كانت مدركه مدى جمال ابنها ونعومته ., لكن لم تتوقع ان تصل به الحال الى هكذا منظر :" مازن انت رجل الان وتقوم مقام ابيك ., هل رأيت ابيك في احد المرات اتشح بوشاحي او وضع قلاده!"
يرد مازن وكأنه يجد فارقا بينه وبين ابيه:" اتعلمين لدي احساس انني لو اصبحت فتاه وريانه الصبي لكان افضل"
خديجة:" مازن الله يكتب دائما الخيره في كل شئ ., انت رجل قوي لكن ريانه ضعيفه ., بإمكانك ان تحتوينا انا وريانه ., اما المظاهر تظل مظاهر ., المراءه دائماً تتزين لان الله جعل جمالها الطاغي خارجي ., اما الرجل رجولته داخليه ., وانا اعلم انك اعظم رجل" تتكلم خديجه وهي تعلم انها امام مُعضله ., تتكلم وهي لا تعي ماتقول ولا ترتب كلماتها ., كيف تقنعه ., آه يا محمد ليتك موجود ., أصبح كاهلي مُثقل بالهموم
"مازن البس لبس الرِجال وكفاك سخافه" تتكلم بقهر بليغ
على الغداء خديجة وطفليها وام سليمان وفرح ., يتكلم مازن:" اليوم قال لي احد الطلاب انني جميل., وانه يتمنى ان يكون لديه مالدي من مواهب"
تضحك فرح :" نعم انت جميل وجميل جدا ., والغير عاقل من يقول غير ذلك"
ينظر لها مازن وتحمر وجنتاه وينظر الى صحنه مع ابتسامه رضا
غصت خديجه وترد بحنق:"المواهب هي المواهب الداخليه التي يصنعها الرجال بأنفسهم لا الجمال الخارجي الذي ليس للفرد يدٌ فيه ., فالله يخلق الجميل والقبيح والرجل والفتاه"
عَلِم مازن مراد امه وواصل خفض رأسه
"مالك خديجة اتركي الصبي يُعَبِر!" تتدخل ام سليمان
تترك خديجه الغداء وتدخل غرفتها ., تلحقها ريانه :"ماما ماذا يحدث"
"لاشئ ريانه اريد ان اختلي بنفسي" تشيح بنظرها عن ابنتها
"انا اعلم ان مازن له حركات فتاه لكن عندما يكبر سينضج ., الحياه ستجعله رجلاً رضى أم أبى ., لا ترهقي نفسك بالتفكير" ترد ريانه وبحروفها حكمه
اندهشت خديجه من كلام ريانه ., فعلا الايام التي جعلت ريانه تنضج كفيلة بتربيه مازن
تخرج ريانه وقبل ان تغلق الباب :" لكن انتبهي لا تتركي مازن مع فرح كثيراً"
يدخل أحمد المنزل ويختلي بامه :" ماذا الان ! أمازالت مصممه؟"
"لا نستطيع اجبارها ., هي حره برأيها " ترد ام سليمان
"وهل سترجع للعراق مع الاولاد؟" يتكلم احمد وكأن الامر مُستغرب
"نعم" اجابه سريعه وبديهيه من ام سليمان
"مستحيل نترك الأطفال معها ., ألا تسمعي الاخبار عن اوضاع العراق! كيف نؤمنهم هناك"
"وماذا نفعل بهم لدينا., ليذهبوا مع امهم ., وكفانا مسؤوليات" ام سليمان
"أنا اتحمل مسؤوليتهم ., أبناء اخي ., ولن ارضى بتعذيبهم" يتكلم احمد وكأنه اصبح ولي امر شرعي :" سأتكلم مع اخوتي ونرى مالقرار" يخرج احمد ويغلق الباب
خديجه توجس في نفسها خيفه من تلك الزياره والاجتماع المغلق مع ام سليمان ., وتعلم انها لن تتنفس الصُعداء الا اذا تجاوزت حدود السعوديه الى العراق مع طفليها .,
خوفٌ يتملَكُني من ان افقد حرية روحى .. وان يستعبدها احد ما .. ايا كان ., خوفٌ ينتابُني من ان اترك اطفالي خلفي وارحل ., خوفٌ حَد النَبض ., !