الجزء الثالث
سافري يا لذتي !,
سهرت خديجه وأطفالها الليل بأكمله بين دموع وصمت رهيب بين الفينة والاخرى يتبعُها نحيب يمزق أحشاء القلب, . تكفل عبدالرحمن بإجراءات المستشفى ., " ألو ., السلام عليكم ., ام مازن يرقد الان محمد بسلام داخل ثلاجة المستشفى بانتظار صلاة الظهر ليتم الدفن ., نحتاج الى وقت لنخبر الاهل والاصدقاء حتى يتواجدوا في المقبره".,
لم تستطع خديجه تمالك نفسها ,إنها ترى موتها امام عينيها تمنت ألف مره ان تكون هي لا هو ., تأتيها الهواجيس تاره حتى تترك المجال لعينيها بجمع مزيد من الدموع فتفكر بحبها وابنائها ., ثم تفكر بكونها وحيده هنا فلا اهل لديها ., صمتت مشاعرها لوهله .," عليّ الاتصال باهل محمد !" خديجه تنظر الى ساعتها التي تشير الى الثانيه بعد منتصف الليل , "كيف اخبرهم في هذا الوقت !" ., انتظرت حتى أذن الفجر ورفعت الهاتف " ألو كيف حالك ياخاله" ., "الحمدالله خير ان شاء الله !!" علامات التعجب تحلق فوق رأس ام سليمان ., ام سليمان والدة محمد لديها خمس شُبان وثلاث فتيات ., جميعهم مرتبط إلا شاب وفتاة ., كل أهل محمد يقطنون في أبها ., الا محمد طلباً للرزق
" هل عمي بجانبك ؟"
"نعم , لكن خير الوقت متأخر ., كيف حال محمد والاطفال !" أوجست في نفسها خيفه
"ممكن اتحدث الى عمي" تحبس دموعها بقوه , وتتوالى الشهقات على صدرها المكسور
"اهلا خديجه ., مابالك !؟ شغلتي بالنا !؟" ابو سليمان
"عمي احتاجكم بجانبي ., محمد مريض بالمستشفى ., اتمنى حضوركم .. ارجــ .ـو. كــ ..م" قفلت الخط
كانت خديجه تتحدث وتتحرك بطريقه لا إراديه ., فكانت تفكر بدون وعي كامل ., صدمتها كبيره ., وبعدها عن اهلها اكبر ., في هذه الحاله تحتاج الى من يساندها ., كانت ام معاذ تتصل بين الفينه واختها للإطمئنان عليها ., فهي الاخرى حديثة ولاده.
بحلول الصباح كان ابو سليمان وام سليمان وعبدالعزيز اخو سليمان متواجدين في بيت محمد ., انهارت ام سليمان وتمالك نفسه عبدالعزيز عندما سمعوا بفقدان ولدهم محمد ., الابن البار المكافح الذي لم يطلب من احد اي مساعده رغم قساوة الأيام معه ., قرروا نقل محمد الى أبها لدفنه مع عائلته هناك ., فأهلهم كُثر هناك
تمت إجراءات النقل وسافرت خديجه مع اطفالها الى أبها حتى يتم دفن أبيهم هناك عند مسقط رأسه ., وتكفل عبدالرحمن بالشقه لحين عودتهم .,
ريانه واخيها لم يتعرفوا على اهلهم بالصوره المطلوبه ., فقد ذهبت ريانه الى ابها مرتين احدهما وهي بالثالثه من العمر والاخرى بالثامنه وقد كان مازن وقتها بالخامسه ., فقد كانت تسمع عنهم عن طريق أبيها رحمه الله ., وفي بعض الأحيان يأتي جدها ابو سليمان وجدتها الى الرياض للاطمئنان والسياحه., كانت تلك نقطه سوداء في ملف محمد الأبيض فهو المُلام في عدم تعريف أطفاله بأعمامهم وعماتهم ., كذلك خديجه فقد أخذتهم الحياه بأمواجها بعيداً عن شواطئ صلة الرحم .,
قررت خديجه ان تقضى عدة الحداد في بيت عمها ابو سليمان نظراً لعدم وجود اهلها بالجوار وكذلك صعوبه بقائها في الرياض ., كان الجو العام للمنزل العامر بالعمومه جميل بالنسبه لريانه ومازن فقد كان البيت مليئ بالاشخاص الداخله والخارجه .,
أحبت ريانه عمتها الصغيره فرح مع انها تراها غريبه في بعض الاحيان لكن تطفو على ملامحها نظره جذابه ., كانت فرح جميله جداً ومغروره بذاك الجمال وبها من الدلع الشئ الكثير., تجلس بغرفتها ساعات بدون ملل او كلل فقد كانت في كل يوم تقيس خزانتها كلها وتسرح شعرها ولها مع مرآتها علاقه حميمه ., ريانه اعجبت بها كونها تدخل معها في جوها الخاص وتقضي الساعات معها واحيان تدلي بدلوها في زينة عمتها الصغيره .,
اما مازن فقد كان لصيق امه إلا في احيان نادره عندما تناديه فرح لتُلبَسه بعض من زينتها ., فقد كانت ملامحه الجذابه ادعى ان تكون على فتاه وليس صبي ., وفي احيان اخرى يأخذه عمه الصغير اسامه الى البِقَاله المجاوره او معرض السيارات ., اسامه شاب يافع حديث التخرج ., مرح جدا ولامُبالي يعيش اللحظه ولا يفكر بغداً ., يرى في عيني مازن الشي الكثير ., خلال هذه المده احبت العائله الطفلان ., فقد احسوا بروح محمد فيهم ., حاولوا بشتى الطرق إسعادهم ولملمت شتات احزانهم وإيوائهم داخل ارواحهم.,
أما خديجه فكانت تعتصر ألماً على فراقه ., وعتباً على الأيام كيف انها اخذتها ومحمد بعيداً عن اهله واهلها ., وقلقاً من المستقبل ., كانت ترى ان الدنيا صغيره تجمع بالبعيد ., وموحشه تُبعِدُ الحبيب .,
خُصِص لخديجه وأطفالها غرفه صغيره تقبع في الدور الأرضي من المنزل قُبالة مجلس الضيوف ., بعد مُكوث عائلة محمد رحمه الله في المنزل قرابةَ الثلاث اسابيع لاحظت خديجه تردد أحمد على المنزل ومحاوله سرقة النظرات إليها., أحمد الاخ الاصغر المُباشر لمحمد ., متزوج وله صبي بعمر ريانه يدعى ايمن ., تزوج قبل محمد وانتظر سنتان حتى رزقه الله بصبي واحد ., واستمرت علاجات زوجته للحصول على اخ او اخت لأيمن لكن بدون جدوى .,
" خديجه ., هل انتي مستيقظه؟" ام سليمان
"نعم تفضلي " خديجه وهي ترتب السرير حتى تجلس عليه خالتها
"خديجه اسابيع وتنتهي عدة الحداد على محمد رحمه الله"
خديجه يغلبها الأسى :"يرحمه الله"
"وكما تعلمين اننا احببنا الاطفال ونرى في اعينهم وميض محمد"
ثم اردفت:" لا نريد فراقهم ., لذا ارى لو .." سكتت ام سليمان برهه وكأنها تستحث الكلمات
"لو ماذا .,!" علمت خديجه المُراد وتمنت ان يخيب ظنها
"أحمد لديه صبي واحد وهو يسعى منذ مده ان يتزوج اخرى كي يسعد بأخٍ لأيمن ., وها قد جاءت الفرصه كي نظفر بامرأءه مثلك ونجعل اطفال محمد يعيشوا معنا وحولنا"
لو جُمِعت كل عبارات العالم ما أوفت حق حسرة خديجه تلك اللحظه:" لا أظن ان هذا خيار مناسب لي!"
"لما ! فهُناك زوج يشتري بقائك مع أطفالك ., وأحمد رجل يشابه اخاه محمد كثيراً"
استغربت خديجه طلب اهل محمد ولم تجف تربة قبره حتى ! كيف لهم ان يفرضوا شيئاً من هذا القبيل ويتوقعوا منها ان ترضى بسهوله كونه يشابهه اخاه ! لو اصطف رجال الدنيا ليعوِضوا خديجه عن محمد مااستطاعوا
"لا ., " كلمة صدمت اصدائُها جدران المنزل المتواضع " ألفُ لا ., ولا تتوقعوا ابداً ان اضحي بذكريات محمد"
"والاطفال ؟" تتكلم ام سليمان وكأنها ملكت مفتاح الرضا\ الضغط على خديجه
"مابهم ., الاطفال اطفالي وسأربيهم على ذكرى ابيهم وسأسير على نهجه"
"فكري مليًاً بمستقبلك ومستقبلهم" ذهبت الى الباب ام سليمان وهي تُتَمتِم بكلمات غير مفهومه او قد تكون مفهومه لكن الدوار المتزاحم في رأس ديجه حال دون فهمها وسماعها
ارتمت خديجه على فراشها المنفرد ,تحسسته وكأنها تريد ان تمس طرف ثوب محمد وكأنها تريد مسك يده تلك اليد التي طالما ازاحت عن كاهلها ثقل الجبال , " أينك يا حُبي , احتاجك كما الارض لقطرات المطر , كما الطفل لصدر امه, والله لن ارضى برجال الدنيا , طاب الخاطر يا ابا مازن " تستنجد عينيها بها فقد اعياها البكاء
يدخل مازن وبيده كيس مليئ بالحلى من عمه اسامه ,احس مازن بامه وتلك طريقه طفل لمواساة امه " ماما اتريدين حلوى؟" , حضنت خديجه طفلها بقوه ليترك كيس الحلوى ويطبق يديه على عنقها كمستغيث يتشبث بطوق النجاة
سافري يا لذتي ! وكوني في حقائبه, فلا حاجة لكِ بدونه ., وأُعيد مرور أصابع روحي على الوجع ..
المس ماتبقى .. وأحن الى ماغاب .. الاحق بعيني الطفلة الصغيرة التى هي انا ., أشتاق لك