الجزء الخامس عشر
مساء روحاني !,
أقبل رمضان شهر الخير والغفران ., أقبل بكل التفائُل والإيمان الروحي ., وعلى مائدة الإفطار مُتَحَلِقين حولها وكُلُّن يتخيل بأي صنف يبدأ ., " الله أكبر ., الله أكبر" ., في هذه اللحظات ولمدة عشر دقائق يسود الصمت في غرفة الطعام حتى تعطي المعده اشارات ببداية الشبع فتتحدث فرح :" سأذهب اليوم او غداً لِأشتري ملابس العيد "
الجد :" ملابس العيد ! بسم الله نحن في بداية الشهر "
اسامه :"رمضان وقت عباده لا تسوق "
فرح:" أسامه اتمنى ان لا تتدخل في خصوصياتي ., فأنا لم احاسبك على استراحاتك"
اسامه:" الاستراحه تختلف عن الدوران في الاسواق., والاحتكاك بالرخيص والرديء"
فرح:" اذن سأذهب الى خيريه ., فأنا اشعر بالتملل"
ريانه تعرف بالضبط مقصد عمتها ., فلا السوق ولا خيريه في بالها ., وبَيَتَت نيتها ان لا ترافق فرح الى ماتسعى ., الجده تقطع تفكير ريانه وفرح المتضاديين :" فرح اذا ذهبتي الى خيريه ضعي لها من هذه الحلويات"
فرح تبستم في وجه اسامه :" شكرا يا أحن أم"
فعلاً التربيه لها دور في توجيه تفكير الأبناء و أيضاً العمر وتباعده عن عمر الأبناء يشكل فارقاً عميقاً ., فلو كانت الجده اشدُ حزماً مع فرح لََانثَنَت فرح عن الكثير من حركاتها الشيطانيه ., ولو كان الجد اصغر قليلاً لاستطاع مسك زمام الأمور في المنزل ., ولو أن اخوة فرح الذين يكبروها سناً لم تلهِهِم حياتهم الأخرى او بالأحرى عائلاتهم لاستطاعوا معرفه حركات وسكنات اختهم ., عموماً نستخلص من هنا ان نعتني بشعرة معاويه فلا نشدها فتنقطع ولا نرخيها لتضيع .,
في غرفه فرح وهي تفتح دولاب الملابس لتنتقى ماتلبس وهذا كان مواكباً لأذان العشاء ., ريانه :"عمتي من الأن لن اذهب معك ., سأذهب للتراويح "
فرح :"ريانه صلي التراويح في المنزل ودعينا نذهب"
ريانه :" لن اذهب حتى لو صليت في المنزل"
ذهبت فرح مسرعه الى امها :"امي ريانه لا تريد الذهاب معي ., سأذهب لوحدي"
الجده :" اذهبي., لكن لن يوافق اسامه على ذهابك بدونها"
ذهبت فرح لاسامه واخبرته انها ستذهب الى خيريه ولم يضع شروط هذه المره ., خرجت فرح واذا بريانه تصلي .,فخاطبتها فرح بسعاده:" ساذهب بدونك ., ولن تتفضلي علي بجميل"
ريانه وهي تصلي " ياارب ., يارب السماء ., استرني فوق الارض ويوم العرض ., يارب" ., تعلم ريانه ان الشيطان قادر على اغوائِها فاستعانت بربها ., فأصبحت تدعو كلما تذكرت منصورعَلَّ الله ان يصرفه عنها ويستر عليها ., فالدنيا بها الكثير من المغريات واحدها ان يُعجب بكِ رجل وسيم ويريد دائماً محادثتك والنظر اليك ., ويغدق عليكِ بأطياب الكلام وارق الهمسات واعذب البسمات ., تلك هي اغراء لكنه اغراء شيطاني فلو كان ذاك الشاب يحب بالفعل فيجب ان يحافظ على سمعتي وان لا يكلمني او يغمز لي امام الخلق ., يجب ان يمنعني من الخروج كثيرا كي أُلاقيه ., لو كان حبه طاهر فليطرق الباب بدل ان يسترق النظرات من الشبابيك ., تلك هي الكلمات والجمل التي يتفوه بها عقل ريانه ., بالرغم من ان قلبها بدأ ينجرف لكن الوازع الديني والاخلاقي لديها عالي جداً ., ذاك غراس التربيه السليمه ودعاء الأم ., نعم دعاء خديجه كل يوم وليله ان يُسَلِم الله ابنتها اليها ويتسلمها منها بستر وصلاح .,
أسامه شاب لديه نمط معين للحياه لا يخرج من خَطِه الا ما ندر ., فمن الجامعه الى المنزل ثم يذهب الى استراحة الشباب ., فهو لا يحبذ التسكع في الشوارع او الاسواق ., رجعت فرح من منزل خيريه الى غرفتها فوراً دون المرور على والدتها او على الاقل اخبارها بوجودها ., بالمقابل لم تسأل الجده عن رجوع ابنتها فقد خلدت للنوم باكراً بعد صلاة التراويح ., لم يكن في انتظار العمه أحد سوى ريانه :" أهلا عمتي"
فرح :" مساء الخير " كانت هناك ابتسامه عريضه تعلو مُحياها
جلست فرح تخلع حذاءها وتكلم ريانه :"خيريه تلقي عليك السلام"
ريانه :" وعليها السلام ., ومنصور هل يلقي علي السلام"
فرح:" لا طبعا لكنه سأل عنك"
اخفت ريانه دهشه كما اخفت رأسها داخل بطانيتها واستشعرت كيف ان منصور كان مع فرح لكنه يتذكرها ., ومن انا ليتذكني في اوج سعادته ., هل من الممكن انني اخذت من قلبه قطعه ., يأتي هنا صراع الخير والشر داخل ريانه فعقلها يحدثها بالصحيح وقلبها يميل كل الميل للفساد ., يترك لنا الله في امورنا الكثير من الفسحه ليرى مانختار ., كانت ريانه تبحر في هذه الفسحه ., يااه مااجمل ان يكون لدينا صديق يتذكرنا ويعرف خفايا روحنا ويسعى لفرحنا ., تستلذ بتفكير منصور بها لكنها تخاف العاقبه وتخاف قبل كل شئ من الله ., فهو يرانا ويسمعنا ويعلم مايدور في خلدنا ., استحي من الله هنا ريانه استدركت ., رجعت لطريق العقل وجود الصديق الحقيقي لا يختلف إن كان شاب ام فتاه فأنا استطيع ان اُكَون صداقات جميله وصادقه مع فتيات في مثل سني ., فليس بالضروره ان يكون شاب فاخترق بعلاقته الحدود الاخلاقيه .,
هاتف فرح يُظهِر أزيز خفيف ., قامت فرح بعد ان بدأ النعاس يغالبها :" نعم"
منصور:" انا في الخارج تعالي "
فرح:" ماذا !!"
منصور:" اليوم عيد ميلادك ., أنسيتي !؟"
فرح:" حتما انت مجنون ., كيف تأتي للمنزل"
رفعت ريانه غطائها وجلست باعتدال تنظر الى فرح المذهوله والتي لا تقل ذهولاً عنها
منصور:" هيا اسرعي جلبت لك هديه "
فرح:" ضعها عند الباب او اي مكان وانا سآتي لاخذها"
منصور:" لا يمكن ان لا اقول لك كل عام وانتِ بخير"
فرح:" لا استطيع اسامه سيأتي قريباً"
منصور يُربِت على الهديه :" لن يأتي للتو تركته في الاستراحه واخبرني انه سيجلس حتى آذان الفجر"
ركضت فرح في ارجاء غرفتها لا تعرف ماذا تفعل او ماذا تلبس ., بالنهايه خرجت بملابس النوم وخُف المنزل ., وصلت لمنتصف السلم ثم رجعت مسرعه .,
فرح وهي تلهث :" ريانه هيا تعالي معي"
ريانه:" ..!!.."
فرح تشدها من يدها:" هيا ريانه فأنا اخاف من الظلام في حديقه المنزل"
نزلتا من السلم جرياً وكلتاهما لا تعي ماذا تفعل ., منزل الجد ذا تصميم قديم فهناك باب كبير جداً على زاويه المنزل دائماً مايكون مفتوح حتى في منتصف الليل ., وتوجد حديقه ضخمه مُهمَلَه في الوسط ., ويأتي المنزل على الجانب الاخر في النهايه ., ايضا توجد غرفه متوسطه تحوي مقاعد ارضيه ذات قماش مخملي بني تلك كانت لتجمعات اصحاب اسامه واخوانه من قََبله لكنها اُهمِلَت بعد ان تزوجوا واصبح لاسامه استراحه للشباب ., ودائماً مايكون خارج المنزل مظلم بعض الشئ ., وصلت الفتاتان الى الباب الكبير المفتوح ونظرت فرح من طرف الباب الى منصور الذي كان في الجهه المقابله من الشارع ., تلك كانت المره الاولى التي يرى فيها الفتاتان بدون العباءه ., فرح كانت سعيده لدرجه انها نسيت ان تلبس طرحتها ., اما ريانه فكانت من الذهول الذي افقدها وعيها لوهلات فقد كانت هي وعمتها تهرول الى اللاشئ ., شكل الفتاتان الغير منمق والطبيعي اكسَبَهُن جمال هادئ ., كانت فرح ترتدي ثياب نوم تتكون من قطعتين ذات لون ارجواني فاتح اما شعرها الطويل فكان يرتمي على اكتافها وينزل الى ظهرها بعفويه وترتدي ايضا خُف المنزل ., اما ريانه فكانت ثيابها عباره عن ثوب واحد طويل الى منتصف ساقها بلون ابيض ورمادي شعرها مربوط الى الخلف وكانت حافية القدمين ., اقترب منهما ببطئ فقد كان يستمتع برؤيتهن ., اقترب حتى اصبح بجانب فرح فاعطاها الهديه ., منصور :" كل عام وانتِ بخير يا حلوه"
فرح لم تتسع الوسيعه لفرحتها :" شكراً ... شكراً.."
استغل منصور انشغال فرح بفتح الهديه واخذ ينظر الى ريانه التي اخذت ترتعش خوفاً ., كلمها :" متى عيد ميلادك يا ريانه"
ريانه تلعثمت ونظرت الى فرح وجعلت تسحبها :" هيا ندخل"
فرح:" حسنا ..حسنا.. اوه منصور حبيبي اشكرك جدا"
منصور :" لا داعي حبيبتي " والتفت ثانيه الى ريانه "لكني لم اعلم متى عيد ميلادك"
قاطعته فرح:" حبيبي انتظر ساجلب لك شيئاً ., انتظرني"
ركضحت فرح كالبرق للداخل ووقفت ريانه متجمده فساقاها تسمرت في الارض ., وبعد بضع محاولات للركض خلفها امسكها منصور من يدها :" انتظري ستأتي الان"
قبل نصف ساعه ., شباب الاستراحه :" من يلعب الورق " " أنا" " أنا" " أنا"
اسامه "لكن أين الورق!"
بحثوا عن الحقيبه الصغيره التي يُوضع بها الورق لكن دون نتيجه ., "اسامه اذهب الى منزلك واحضر لنا ورقاً"
اسامه :" ولم انا فليذهب سعد فمنزله ايضا قريب"
سعد:" لنعمل قرعه ومن يكون عليه يذهب ويجلب الورق"
كتبوا اسمائهم ووضعوها في قدر الطبخ وغطوه بشماغ احدهم ونادوا غلام حارس الاستراحه ليسحب الورق .,
غلام :" اسامه"
اسامه :" يالله !! "
سعد :"لو ذهبت من المره الاولى بدون قرعه لعدت الان"
حرك اسامه سيارته منطلقا الى البيت ., وصوت المذياع يختلط مع هواء الشارع
ياليت ان الزمن يرجع ورى ولا الليالي تـدور
… ويرجع وقتنا الأول وننعم فـي بساطتنـا
زمان اول احس انه زمانًًًًٍٍ فيه صـدق شعـور
… نحب ونخلـص النيـه وتجمعنـا محبتنـا
زمن ما فيه لا غيبـه ولا حتـى نفـاق وزور
… ياليته بس لو يرجع ونسترجـع طفولتنـا
صغار قلوبنا بيضا نعيـش بعالـمٍ محصـور
… ولا نعرف ابد اغراب ما غير عيال حارتنا
كلما اقترب اسامه من منزله القابع في نهاية الشارع يرى سياره منصور تكبر وتكبر ., ثم لمح منصور عند منزلهم وتحديداً بجانب الباب الخارجي ., كَذَب اسامه عينيه وصدق صديقه الذي استأذن لانه يشعر بصداع في راسه وذهب ليرتاح ., المسافه التي يقطعها اسامه من بدايه الشارع الى نهايته تُعد بالثواني ., لكن في هذه اللحظه مع مزيج من التفكير ومحاوله معرفه سبب تواجده استغرقت الكثير وكأن الشارع لن ينتهي., كلما اقترب كلما حذف من مخيلته احد مواصفات الصديق الصدوق اسامه ., فالسياره هي ولونها ومنصور هو بطوله وهندامه ., لكن السؤال الذي لم يُحَل لِما هو هنا وهو على يقين تام انني لست بالمنزل وحتى لو كنت ليس من عادته الترجل من سيارته فكان يتصل من هاتفه ., اطفئ اسامه أنوار السياره الاماميه وبدأ بالمرور رويداًرويداً حتى انتهى به الطريق الى منزله الى منصور والى ريانه بملابس النوم ! أصبحت السياره تسرح واسامه ينظر من النافذه بدون تصديق للمنظر ., صديقي المقرب ., الذي تربيت معه في نفس الحاره في نفس المدرسه وفي نفس العائله ., الصديق الذي كنت اعتبره اخ وكنت اُدخِلُه منزلي وءأتمِنُه على محارمي ., مع من ! مع ريانه الطفله المهذبه التي تحمر خجلاً عندما انطق باسمها فقط ., تلك الفتاه الصالحه التي لا توافق على كثير من افعال وملابس عمتها ., لو كانت فرح كان اقرب للواقع لكن ريانه اقرب لحكايات الخيال .,
عندما لمحته ريانه سرى في دمها صعقات كهربائيه اودت بمخيلتها في تلك الثواني ساعات من شريط التبريرات والتفسيرات التي ستقدمها ., تسمرت في مكانها كما كانت فلا شئ جديد سوى تلك البروده التي تشعرها في اطرافها ., ماذا ستقول وهي هنا في مكان الجريمه فلا شهود الا العم اسامه الذي رأها بجانب منصور ., هل هي بريئه ام انها ايضاً مذنبه مع عمتها ., فكانت تستطيع ان ترفض نزولها لانها تعلم مدى حقارة العمل الذي كانت ستقوم به عمتها مع المدعو منصور ., لكنها لم تتوقع ان تصل الامور الى هنا ., كانت تتوقع ان تختبئ خلف شجره او باب الى ان تأخذ العمه الهديه ., يالله ماذا فعلت ! انا استحق ماسيحصل لي ! لما ياريانه ! دائماً اترك العذاب للعذاب ., فبعد هدوء الاوضاع النسبي ورجوعي لمدرستي وجدولي اليومي المعتاد اعود للمشاكل والتعب مره اخرى ., آه يا أمي ., احتاجك الآن !!
صوت مكابح السياره كأنه يدق في قلب اسامه ., اوقف السياره بدون شعور وفتح الباب بقوه ومسك ريانه من قميصها ورماها الى الداخل ., كان حينها يتلفظ بألفاظ غير مفهومه كانت ألفاظ القهر تخرج من عميق قهره وتلك الحركات اللااراديه التي انهالت على منصور كانت من أليم غيرته على ابنة اخيه ., تبادل الاثنان الصفعات مع اختلاف الحرقه فكانت يد اسامه اقوى لانها تنبع من حُرِ قلبه كانت تحمل مع كل صفعه خيانه الصداقه ومع كل ركله نهايه الايام الخوالي ., اما منصور فكان يريد الفرار فقط والهروب من واقع هو رسمه وحاكه باخلاقه الرديئه وبمساعده فرح الشيطان الانسان., ومازال صوت المسجل
تعبنا من بلاوينا احد ضايق وحد مقهور
... وكلن غارق بهمه وفي الاخر تشتتنا
وانا ما قول غير الا يا ليت ان الزمن يدور
... ويرجع للورا فترة نعدل وضع عيشتنا
هنا الكثير من رائحة الخيانه والأسى لكل الذكريات الجميله التي ستذهب دون عوده ., رائحة الألم الذي يختلط مع ظلمات الليل المتلهفه للنور فيُكَون مزيج يضاهي اكبر حرقه في الكون .