الجزء الرابع عشر
سُلَمَ قلبي الطَاهر !,
تستمر الحكايا وتحاول ريانه الاستمرار في العيش من اجل العيش فقط فلا اُمنيات ولا احلام تراود روحها ., تلك هي النفس عندما تزهد الحياه وتمضي مع دقائِق الساعات بِرُوحٍ خفيه تتوارى عن الصعوبات التي دائِما ماتجد المنفذ لتُلاقي ريانه وجهاً لوجه .,
تَبعاً لحالة العم عبدالعزيز قررت سحر الذهاب الى بيت اهلها حتى ترجع الأنصبه مكانها ., ومن الطبيعي رجوع ريانه من جديد الى بيت الجد ., ريانه اصبحت تسكن في اللابيت فالانسان مع كثرة تنقلاته يُحِسُ بعدم الاستقرار كريانه ., لملمت حاجياتها وبنات عمها ايضاً وسحر وكلن له وجهته الخاصه ., اُغلِقت أنوار المنزل وأبوابه فاصبح يأكله السواد بعد ان كان عامراً فسبحان مقلب الأمور ., في السياره اعطت سهى الحقيبه لريانه :" لا اريد ان يغضب ابي مني "
ريانه لم تجادل كثيراً فمعاناتها كبيره فقط نبست :" شكرا"
اشاحت سحر بنظرها الى النافذه ورأت انوار الشارع والسيارات كوميض خاطف ينزل على هيئة دموع ., ودعت ريانه بنات عمها وسحر :" اتمنى ان اراكن قريباً برفقه عمي"
دخلت الى بيت الجد وكان اسامه اول المرحبين بها ., هناك حب أُسري ربط اسامه مع ابنة اخيه فهو يجد فيها مثالاً رائعاً لفتاة في مثل عمرها ., "اهلا اهلا بالانسه ريانه "
"اهلا عمي " ممسكه الحقيبه بيدها
اسامه :" احببت هذه الحقيبه فبها الوان عجيبه"
لم تتكلم ريانه فقط ارتمت في احضان اسامه الذي بادلها بدوره نفس الارتماءه ., احس بضعفها رغم القوه المرتسمه في عينيها واحس بانهزاميتها رغم جَلَدِها الواضح ., فالفتاه مهما اظهرت قوتها فهي ضعيفه وهشه من الداخل وتحتاج ظهر ذكوري تحتمي خلفه .,
عادت الى غرفتها او بالاحرى غرفة فرح وفي تلك الليلة لم تستطع ان تنام فتغيير المكان كفيل بابقاء الاجفان مفتوحه .,
" ريانه هيا استيقظي " الجده
ريانه بالكاد تفتح عينيها:" لا استطيع الذهاب الى المدرسه فأنا جدامتعبه"
وافقت الجده وتركتها في اعماق نومها ., قد يكون فارق السن والثقافه بين الاجداد والاباء يخلق تربيه مختلفه ., فبوجود ام ريانه او ابيها لن تُترَك دون ذهاب الى المدرسه بدون عذر قاهر لكن عدم الاهتمام واللامبااله بالتعليم من قبل الاجداد يُشكل فرقاً ., وقد يكون بنية الجده ان ترتاح ريانه من عناء يومين ., عندما استيقظت وكانت الساعه تشير الى الواحده ظهراً قررت النزول لتناول الغداء مع الجد والجده ., فقابلت فرح وقد أتت من الجامعه للتو "اهلا عمه فرح"
" اهلا ريانه " وارتمت فرح على سريرها
خرجت ريانه واغلقت فرح الباب خلفها :" اهلا مساء الخير "
" مساء السكر والورد" منصور
"عذرا لم استطع اجراء المكالمه البارحه لوجود ريانه عندي"
منصور يبتسم:" اه ريانه متى عادت "
اخبرته فرح بقصه اخيها عبدالعزيز وكيف ان ريانه ستمكث لديهم
"دعيني اراك اليوم" منصور يخطط للقاء
فرح:" لا استطيع قد يتدخل اسامه ويطلب من ريانه مرافقتي"
منصور:" دعيها تأتي "
فرح بعصبيه :" تأتي ! وماذا تريد بها"
منصور :" لا اريدها ولن استبدلك بفتاه صغيره ., لكن اسامه يحبها واهلك يثقون بها ., فمجيئها معك سيجعلني اراك كثيرا "
سكتت فرح تُرى هل هو على حق واستدركت:" وماذا اُخبرها عنك فهي لا تعلم شيئاً"
منصور:" لديها شكوك حولنا ., فاخبريها بعلاقتي معك واني سارتبط بك قريبا جدا"
انتهى الحوار بينهما وقد اكل الفأر من رأس فرح ., ماذا لو اخبرت ريانه بموضوع منصور فهي تعرف عنه فقد تكون هي السبيل الوحيد لخروجي ., وان خرجنا ساجعلها الرقيب معي وانا متأكده انها لن تخبر احدا., اسئلة وطروحات كثيره فكرت بها فرح ., لكن لم يخطر ببالها كيف ان منصور ذئب بشري وقد يقضي على سمعتيهما ., الثقه العمياء والحب المُحَرم شكلا غشاشه سوداء على قلبها وعقلها ., اصبحت تفكر بقلب سقيم وتركت الدين والعادات والمنطق على رف الغرفه ونزلت الى غرفة الجلوس لتكون الحاضر الغائب.,
كان رمضان على الابواب والجميع مستعد لهذا الضيف المِعطاء ., والكل ينتظر قدومه بشوق فهو شهر الرحمه والمغفره ., والمحيط كله يتغير في السعوديه والعراق الا حالة العم عبدالعزيز لم تتغير بعد .,
"اهلا خالة سحر ., كل عام وانتِ بخير " ريانه اتصلت على سحر لتبارك لها بقدوم الشهر
سحر : "شكرا ريانه ., نسأل الله ان يتقبل منا صيامه وقيامه "
مكالمات التهنئه والمباركات لا تتوقف على بيت الجد ابو سليمان ., كيف لا وقد بلغهم الله رمضان وسلَمَه اليهم كما سلَمَهُم اليه بصحه وعافيه ., في تلك الأثناء كانت محاولات خديجه كثيره لالتقاط خط سعودي يصلها لريانه .,
" اهلا ام سليمان كل عام وانتم بخير " خديجه بوله بالغ
"وانتِ بخير ام مازن ., كيف حالكم اتمنى ان تكونوا على اتم استعداد للصيام" ام سليمان
خديجه بعجل : "ان شاء الله ., هل لي ان اُحادث ريانه! "
ام سليمان تمسك السماعه بيدها وتضعها على صدرها وتهمس :" ريانه تريد محادثتك ., هيا"
ريانه تحادث نفسها ., لا استطيع كتمانك يا وله ., ينسكب في روحي البارده حنينُ اِسمِهَا بمجرد سماعه ., احتاج تلك الروح تلك اليد لتمُدَنِي بطيوف العائلة .,
"ريانه هيا ., باركي لها برمضان " ام سليمان تقطع سرحان ريانه وترددها الواضح
ريانه :" الو "
خديجه : " اهلا حبيبتي ., كيف حالك ؟ كل عام وانتِ بخير "
ريانه : "وانتِ بخير ., مبارك عليكِ الشهر ., اين مازن "
خديجه :" ابلغني مازن التحايا ., لكن لا استطيع جلبه معي فالطريق طويله "
ريانه " .... "
خديجه :" ريانه ., الخطوط رديئة هنا ., والمحطه مزدحمه ., لكن تيقني انني افكر فيكِ كل دقيقه في كل نَفَس يخرج منـ ..ـي .. "
انقطع الخط وانقطعت انفاس خديجه وتحركت شجون ريانه ., هي لم ولن تنسى عائلتها لكن البعد وقلة الاتصال تلهيها او هكذا تُقنِع نفسها ., وهذه الاتصالات المتباعده المصحوبه بنسيج الامومه يُفقدُها توازنها لوهله ., هل ياتُرى مِن داعٍ لتجديد مواجعي بين الفينه والاخرى !
اما خديجه فبقدر تعبها اراتحت عند سماع صوت ابنتها الوحيده ., وهي على علم تام بمدى امانها بوجودها بين اهلها في المملكه ., كانت الطرق تَلُم الكثير من المعسكرات ونقاط التفتيش ., والمسافه بعيده من منزل خديجه الى محطه الهاتف ., وخوفها على ابنها كلها اسباب منعتها من احضاره معها مع علمها بسعادة ريانه عند سماع صوته ., وهناك حقيقة مُره وهي ان مازن شارف على السن القانونيه للتجنيد بالعراق ولانه سعودي الجنسيه فليس لهم الحق في تجنيده لكن بعض الطرق الملتويه قد تأخذه من احضان امه الى المقاومه او احد الطوائف المقاتله ., ففي هذه الفتره حرصت خديجه على ان لا تُخرِج مازن معها وجعلته حبيس المنزل في اوقات عده .,
مع اختلاف الجروح في العالم ., نُيقِن ان فرح لديها جرح كبير في عقلها الطائش يجعلها لا تميز الصواب من عدمه ., اخبرت والدتها انها تريد ان تذهب الى السوق برفقة ريانه لتشتري لها ولريانه بعض الملابس ., وافقت الجده كالعاده وبدون تَمَنُع ., ذهبت فرح الى ريانه :" هيا ريانه استعدي سنخرج "
ريانه :" الى اين ؟"
فرح :" الى السوق ., بسرعه "
ريانه :" لا حاجة لي بالسوق ., شكرا عمتي "
فرح :"ريانه هذا امر لا طلب ., اريد ان ترافقيني فأمي لا تُحَبِذ ذهابي لوحدي"
ريانه بامتعاض :"حسناً"
اوصل السائق فرح وريانه الى السوق المركزي وانتظرهن بالخارج ., كانت مشية فرح زهواً اما ريانه فكانت تُضفِى طبيعتها عليها انوثه على انوثه ., فقد شبت ريانه بسرعه لدرجه لم يلحظها من حولها ., تفتحت شرايين عروقها ونبض بهم الدم بسيوله ., ولون عينيها يضفي على وجهها سحراً ., مازال بها الكثير من بقايا الطفوله وهذا الشئ كفيل بجعلها سيدة صغيره ., وكانت نعومه الريش تكسو جسمها الذي بدأ بتحجيم مفاتنه ., بالرغم من الفرق الشاسع بين عباءة فرح المخصره الفاضحه والكثير من الأساور والخواتم المتزاحمه في يديها والحقيبه الكبيره التي حارت بأي يد تُمسِكَها وطلاء الأظافر الذي يتطاير امام اعين الماره ورائحه العطر المتراميه على جوانبها كل ذلك صَوَر فرح بالفتاة الرخيصه ., وبين ريانه الفتاه الجذابه بدون بهرجه بعبائتها المتواضعه بخط اسود على اطراف اكمام يديها وطريقة لفها للطرحه باتقان جعل وجهها بحجم البدر الوردي ., حركات فرح كانت لجذب الانتباه ام ريانه فكانت خطوات خجوله .,
فرح :" دعينا نذهب لشرب القهوه "
ريانه :" لكن انا لا احبذ هذه الاماكن فهي مكتضه بالغالي والرخيص من الأنفس "
فرح :" يووه ريانه ., عيشي حياتك بدون تحفظ"
ذهبتا الى مكان لصنع القهوه وجلستنا على زاويه ., كانت رائحه الشوكولا وهي تعانق القهوه تُشَكل حبيبين التقيا بعناق حميم ., وتمتمات الحضور كأنه تصالح ذاتي مع ماكينه القهوه التي تقبع على الركن الاخر من طاولة الفتاتان .,
" فرح اهلاً ., اوه ريانه أيضاً كيف حالكن !" منصور وكأنها من تلك الصدف النادره
فرح :" اه منصور اهلا ., ماذا تفعل هنا"
منصور :" اود شرب القهوه مثلكن " يرمق ريانه بجموح واضح
وجلس على الطاوله خلف الفتاتان .,واصبحت رؤيته لفرح ممتازه اما ريانه فهو يدقق بتفاصيلها من الخلف .,
ريانه بصوت منخفض وقد وضعت مرفقيها على الطاوله حتى يتسنى لها التقرب من العمه التي لم تُكَلف نفسها بالانحناء اليها :" لا اصدق انها صدفه !"
فرح :" مااحبه فيك انك ذكيه مثل عمتك فرح " واردفت بعد احتساء كوبها بغنج "حبيبتي كل فتاه في هذا العصر لديها شخص يحبها ويسعى الى رضاها ., وانا لدي ام واب وكأنهما جده وجد ., وبقية اخوتي واخواتي مع عوائلهم ينعمون ., وكنت ارى نظرات منصور إلىّ كلما اجتمعنا انا وهو صدفه بالشارع عند تواجدي بالسياره مع اسامه ., وازدادت علاقتنا عندما قررنا نقلها الى الهاتف ثم هذه المقابلات السريعه .."
ريانه مقاطعه :"لكن عمتي ألا تخافي من الفضيحه ! هذا شئ لا يقبله الدين ولا العقل"
فرح :" اوه ياريانه ., هل تَري اي شئ مُخل خلال لقاءاتنا القصيره ., لا شئ مجرد نظرات عابره والسلام ., ثم هو وعدني بالزواج حالما ينتهي هو وانا من الجامعه ., ونحن الان في عصر العولمه بالتالي زواج الاهل وَلَى اما نحن الجيل الجديد نريد ان نعرف اكثر عن شريك الحياه"
كانت فرح تتكلم مع الكثير من الدلع والاشارات التي لا ضرورة لها الا لِلَفت نظرات منصور المتلاحقه .,الذي كان بدوره يرمقها بابتسامات مطليه بحب تافه ., اما ريانه فقد تركت ثرثرة فرح وذهبت بها الافكار الى حيث لا تدري .,
انتهى اللقاء وسلمت فرح على منصور ., فقام من مكانه مُعلِناً هو الاخر الرحيل ., وانتظر حتى مرت الفتاتان امام عينيه واصبح خفلهن لِيُطلق "ريانه" ناعمه خفيفه لكنها ادت الى استرعاء انتباه ريانه التي استدارت بكل عفويه فتلاقت عينيها اللامعتان بعينيه ثم قال :" لقد تغيرتي كثيراً على ناظريّ" فغمز لها وابتسم ثم استدار ليخرج من الباب الاخر ., اصابت ريانه قشعريره مخيفه وما إن ذهبت حتى احست بحلاوه تسري بجسدها ., ياترى لِم هو معجب بي لا بفرح وهي الفتاة الرائعه المُتَكلفه الجمال وهي أيضاً بمثل سنه ., وطوال الطريق كان السكون يخيم على السياره ففرح هامت بمنصور وريانه ايضاً مع اختلاف المذاهب ., وعند الوصول الى المنزل ., " ريانه هذا سر صغير بيني وبينك " فرح
توالت اللقاءات وكانت ريانه الشخص الثالث ., ونظرات منصور مازالت مجنونه تجاهها ., فماهو السر الخفى الذي جعله يترك فرح الفتاه الأخآذه هل هي علاقات عابره كالبالون ام هو حب التغيير او قد يكون الحب الحقيقي دق قلبه فجاءه ! وفي جميع الأحوال كانت ريانه راضيه بما يدور حولها ., احبت تلك الحنيه التي تكسو صوته الأجش – او هكذا خُيلَ لها ., واحبت ايضا سؤالاته المتكرره حول اهلها ودراستها ., لكنها كانت بصراع دائم بين تلك النزوات والشهوات وبين علمها اليقيني بأن ماتفعله مع عمتها فرح أكبر خطأ قد ترتكبه الفتاه ., ومع الايام اصبح عقلها يجد العُذُر لفرح بمكالمته فهناك شئ خفي جميل احسته وبالتأكيد كانت فرح تُحِسُه !
على السرير وكالعاده عندما تتوالى الأفكار إلى مخيلتنا ., توالت اسئلة عديده في رأس ريانه ., ياترى ءأكون تافهه كعمتي وتغريني غمزه ولمزه! ., لكن شعور الاهتمام من شخص خارج نطاق العائلة كفيل باِسراء تلك الرعشه من جديد على اطرافي ., منصور ما الذي اتى بك إلىّ فقد كُنتُ قنوعه بدون هذا الاهتمام والتَحولُق حول قلبي ., لن اُخفيك لقد ارتقيت سُلم قلبي الطاهِر .,