الجزء التاسع
شطيرة التفاح !,
بين الأردن والعراق الكثير من نقاط السيطره ., وفي كل مره كان كل من بالحافله يترجل بغرض التفتيش فتكون اعين الركاب على حقائبهم عسى ان لا يراها الجنود ., والكثير من الأمتعه تُؤخذ من المسافرين بعذر او بدون بالاضافه الى العموله التي تعطى فوق كل جواز كعربون لتسهيل الأمور ومن لم يجد السيوله لديه فسَيُأخذ من امتعته الشخصيه مايحلو لهم ., وفي اِحداها ذهب احد الضباط الى حقيبة خديجة وفتحها بدون اي استأذان واخذ يفتش بلا ادني احترام ., فوجد ثوب صلاه صغير ., التفت الضابط وتحدث بلهجه حاده:"لِمن الحقيبه!" .,
ردت خديجة :"لي ., انا" .,
تكلم وهو يأمر جنوده ان يغلقوا الحقيبه :"سأخذ الثوب لدي فتاه صغيره ., سينولك ثواب " بتهكم
لحقته خديجه:"ارجوك هي لابنتي"
يرد الضابط:" لا اجد الا صبي ., اين ابنتك!؟"
تخرج عبرات:"انها عند جدها في السعوديه ., واخذت ثوبها لاتذكرها., ارجوك" تتوسل
الضابط:"الذكرى في العقل وليست في الملابس "
يسحب مازن امه:"اتركيه ياخذها ., سنتذكر ريانه مع او بدون ثوبها"
تتزاحم دموعهما وهما يلملمان ماتبقى من شتات حقيبة خديجه ., قد لا تعني قطعة قماش شيئاً يذكر لأي انسان لكن الرائحه المتبقيه فيه والصوره الملتصقه هي التي تجعل تلك القطعه ثمينه معنوياً
الكثير من التعب والألم والوقات المتكرره سواءاً للتفتيش او للاستراحه ففي الحافله يوجد اكثر من ثلاثين شخص كلٌ لديه حاجته
استقبل خديجه ومازن اخوتها ., وحضنوهما بالأشواق والدموع ., تغيرت خديجه على مناظرهم وكذلك هم تغيروا ., اما مازن فقد كان العضو الجديد فلم يروه الا في رسائل نادره هو وريانه واخرها كان قبل سنتان او اكثر بقليل ., تتجول عينا خديجه في بغداد فقد تغيرت كثيراً ., كانت تحفظ الشوارع واللافتات اما الان بالكاد تتذكر تبعاً للتخريب من جهة الحرب او النسيان من جهة ذاكرة خديجة فقد مضت مده طويله لم ترى شمس بغداد .,
الساعه تشير الى الثانيه ظهراً ., وعند وصول خديجة الى منزل طفولتها وجدت اختلافاً كثيراً ., فالمزرعه الخضراء باتت مقفهره دباء ., والآلات التي كانت متراميه هنا وهناك لم يتبقى منها الى واحده مركونه للصدأ ., اما المنزل الذي كات تراه قصراً مترامي الأطراف اصبح موحش الا من بعض نباتات الزينه على مدخله .,
"خديجة ., ياغاليه ., تعالي ., تعالي .," ام خديجه
نظرت خديجه لأمها بالكاد عرفتها لولا نبرتها وعينيها الرماديتين ., كانت ترتدي جلابيه زرقاء وتلف على رأسها وشاح ابيض طويل وخفيف احد اطرافه يكاد يصل الى ركبتها ., معوجة الظهر والتجاعيد اخذت من وجهها الرائع الكثير ., لكن لا تزال براءة الطفوله تشع من عينيها .,
"أمااااه .," خديجة تضم امها بقوه وكأنها تريد استعاده السنين الماضيه
كان الموقف تراجيدي لبعد الحدود ., لقاء ام وابنتها بعد فراق دام سنين طوال., كلتاهما غير بها الزمن فاختلفت الاوجه والقوام وحتى الابتسامه اصبحت تميل للحزن ., القاسم المشترك بينهما ان الآلام لعبت دورها ., فقد ودعت ام خديجه ابنتها باكراً لعش الزوجيه البعيد عنها ., وحالت الحروب بينهما ., وتغربت خديجه بافراحها واتراحها وحتى بانجابها طفليها ., فسند الأم وسند الابنه لم يكن موجود ., والتفت الأزمنه وعادت لتجمع الأحبه .,
مازالت خديجة تضم والدتها التي خارت قواها من الفرح وكأن خديجه تريد ان ترمم ماافسده الدهر بأمها ., تمسك بكتيفيها :"امي تغيريتي كثيراً لكن براءتك مازالت متشبثه فيك"
ام خديجه:"على الأقل يوجد شئ من الماضي" تبتسم
مازن يقف بعيداً مع الحقائب عند باب المزرعه ., فالجميع هنا غريبون بالنسبه اليه ., لم يتعرف بعد على احد ., بعد ان بدأت الأشواق الملتهبه بالهدوء التفتت خديجه الى مازن ., "تعال ., حبيبي"
اتى مازن بهدوء ., كان مهندم بالرغم من ارهاق الرحله ., وصافح جدته بيده ., :" هذا مازن اخر العنقود " تعرف والدتها
اخذته جدته بالاحضان فتقوس ظهرها اكثر من السابق حتى ترتوي من احفادها ., كانت يدا مازن مستقيمه بجانبه ., نظرت ام خديجه الى ابنتها وهي مازالت مقوسه على مازن :"وريانه متر سأراها" دموع الفرح او الحزن على مُحيا ام خديجه
حينها فقط تشبث مازن بجدته وكأنه يقول للحياه قفي هنا ., امسكها بقوه هل هي الحراره التي احسها في صدر جدته او اسم ريانه المدوي في روحه المعذبه لفراقها ., واخذ يبكي كفتاه بل كرجل فقد اخته – فالبكاء ليس حِكراً على الفتيات-
كان الجميع بانتظارهم لكن خديجه لم تتعرف الا على اخوتها هشام ,عصام, أنور, عادل, وماجد جميعهم كونوا أُسر كبيره الا ماجد اصغرهم فمازال مضرباً عن الزواج ., يسكن بمنزل الأسره هشام وعائلته وام خديجة وماجد ., سلمت خديجه على أُسر اخوتها بتعريف من اخوتها ورأت كم كبرت العائلة بوجود الأحفاد ., حضنتهم بحراره وكأنها عاشت معهم تلك السنوات ., فتيان وفتيات العائلة الكبار سلموا على مازن ,
"لديك ياعمه صبي رائع., ترى هل ريانه بجماله" يردف عمار وهو الابن الثاني لهشام
تضحك خديجه ويغمز هشام لابنه مشيراً له ان يقول قولاً من ذهب او يصمت ., يسكت وتتغامز عليه اختاه .,
دخلوا الى المنزل كان مرتباً وجميلاً ., تفوح منه رائحة شطيرة التفاح التي تحبها خديجة من يدي والدتها .,:"اشم رائحة التفاح" خديجة تبتسم
"التفاح للتفاح" ام خديجة التي طالما انتظرت قدومها لتصنع الشطيره بنفسها
وجود خديجة هناك اثار الكثير من ذكريات طفولتها ., فالشطيره التي تحب والمِلاءات التي كانت تحيكها مع والدتها ., الكرسي بجانب المدفأه ., طاولة الطعام وعليها زجاجة الورد لكنها بدون ورد ., لم يتغير شي بداخل المنزل هو كما تركته .,
تجمعوا على الطاوله لأكل شطيره التفاح وهم مابين مازح ومبتسم فقد تناسوا ألام الحرب ليقضوا ساعه رائعه مع العمه المتغربه ., الأحاديث متزاحمه كلن يريد ان يدلي بدلوه ويخبر العمه عن تجاربه ومامر به وحتى مقالبه ونكاته ., تتكلم الجده عن الجيران والأحبه فمنهم من رحل عن الحياه في العراق ومنهم من رحل عن الحياة الأوليه ومنهم من مرض او كَهِل ., الجو كان حميمي عائلي لذيذ ., ترى الوجوه تُعَبر بحركات سريعه ومنفعله الا مازن كان الضيف الصامت ., لم يسلم من همسات الفتيات عليه حتى اللاتي يكبرنه سناً ., ولم يُخفى هو ابتسامته عنهن .,
سَهِر الأحبه لسهات الليل الأولى ثم ذهب كلٌ الى منزله ., كانت الأوضاع حينها ليست مستقره فكل اخ لديه سلاح تحت بنطاله حتى الصبيه الكبار ., فخروج النساء والفتيات في الساعات المتأخره يشكل خطر ., وذهبت خديجه مع والدتها التي امسكت بيد ابنتها لتضمن بقاءها وعدم رحيلها ومشت بتقوس ظهرها الى غرفة النوم ., :"خديجه ستنامين معي على السرير" ام خديجه
خديجه تنظر الى الغرفه من الجدار الى الجدار :"لكن لايوجد سوى سرير واحد"
"سأنام على الأرض., انا معتاده على ذلك" ام خديجه بحروف حنينه
"لا يااماه ., سأنام على الأرض ., قبلة على جبينها
"مازن سينام مع ماجد فهناك سريران في الغرفه" ام خديجه
مازن ينظر لأمه:"هل استطيع النوم معك "
مازن لايريد ان تتركه امه كما فعلت مع ريانه فمازالت الرهبه تسيطر على روحه
اسدل الليل ظلمته ., وكل حبيب يفكر بحبيبه., وخديجه لا تنفك عن التفكير بابنتها ., ليتها كانت معي لترى كم نحن سعداء ولم ينقصنا سواها ., عندما تأتين كثرثرةٍ على كتف الليل ., تسرقين النوم من جفوني ., وتتسللين الى افكاري ., وتفكين قيود الشياطين لترقص على أنين مخيلتي ., حفظك الرب من كل مكروه ., وأَمّنَ مَهجعِك .,