الجزء السابع
يتنازل عن رِفقَتِي بِسهُولَة !,
بَات الليلُ طويلاً على خديجة ., لا مُؤنِس لها إلا دمعها فالكُل في تلك اللحظه يتصافح مع سلام النوم ., تَرَى مازن كيف يغفو ثم يفيق يراها ويبتسم وينام وهذه حَالُه حين عزموا السفر ., وترى ريانه تكتسيها راحَه ملائِكيه طاهره تلك الفتاه وبرغم الظروف دائماً ما تكون صامده هادئه ., الظلام يخيم على الغرفه الا من مصباح صغير بجانب الباب ومن بريق عيني خديجة ., الحقائب محزومه وكأنها تنتظر يد لتُحلِق بها ., ومن زاويه اخرى للغرفه نجد ملابس خديجة وريانه ومازن مُعَلَقَه بِعنايه على طرف دولاب الملابس ., تختنق خديجة وتشهق بأنفاسها ., ااااه دمعي ينسكب من ديَم الشوق المحترقة كأنما خلق من نار.!
"الله أكبر ., الله أكبر " صوت الآذان يسري الى خديجة وكأنها ترتيلة أخيره يسمعها من حُكِم عليه بالاعدام ., ذهبت لِتَتَوضَأ فرأت نفسها بالمرآه ياااه اين تلك المرأه الجميله اختفت خلال اشهر لِتَحِل محلها عجوز اِرتوت منها خطوط رفيعه اسفل عينيها وعلى جبينها وماتلك الهالات السوداء حول عينيها ., علمت خديجة حينها انها ودعت الشابه الى غيرعوده ., بَسَطت سجادتها واستقبلت القبله وصَلّت ., " يالله كُنت وتكون حياً لاتموت، تنام العيون، وتنكدر النجوم، وأنت حي قيوم ، ولاتأخذك سنة ولانوم، ياحي ياقيوم ., يالله يافارج الهم فرج ماابتليت به من لي سواك لهذا الغم ., اللهم يامُجلي العظائم من الأمور، وياكاشف صعاب الهموم، ويامفرج الكرب العظيم، ويامن اذا أراد شيئا فحسبه أن يقول كن فيكون، رباه رباه أحاطت بعبدك الضعيف غوائل الذنوب وأنت المُدخر لها ولكل شدة، لااله الا أنت، صل على عبدك ونبيك سيدنا محمد وآله والطف بي وبأطفالي في أمورنا كلها " .,
يالله كيف ان الوقت يمضي سريعاً الساعه تشير الى السادسه ., توقظ مازن ليتوضأ ويصلي ويغير ملابسه ., وحملت الحقائب الى خارج الغرفه ., الهدوء يعم ارجاء المنزل مما أراحها نوعاً ما فهي لا تحب لحظات الوداع ., " الله يسهل اموركم ., تَصِلون بالسلامه " ام سليمان كانت عند باب الصاله بانتظارِهما
"آمين ., أشكر لكم حسن الضيافه " خديجة
"عبدالعزيز وامرأته سيصلون بعد قليل ., هاتفني قبل قليل" ام سليمان
"حسناً " خديجة وهي تسحب الحقائب الى فناء المنزل
تدخل خديجة الغرفه وقد تركت حقيبه فيها ., بل تركت جزء منها هناك يرقد كالملائكه ., تنحني على ريانه وتُقَبِلها فقد تكون اخر قبله تُطبَع على خدها الناعم ., دمعتان تنحدر من خديجة على ريانه تتركها للذكرى فللدموع رائحة لا يُدركها الا من يفقد عزيز ., تنقلب ريانه على الشق الاخر لِتَتَدحرج الدمعه وتسقط على الوساده إذاناً بالرحيل ., سأعود يا ريانه إن لم يخذلني العمر...لا تنتظرِيني..ربما يخذلني... .,
يدخل مازن ويهمس "ماما ., ماما !"
تلتفت خديجة بوجه شاحب ودموع خرساء
"لما لا نوقظ ريانه !" علامات تعجب من مازن
تخرج خديجة وتلتفت قبل ان تغلق الباب وتَتكِأ عليه :"سندعها هنا لفتره ثم نأتي لِنَأخذها"
"ولما !" مازن ولم يُفَسَر تَسَائُله بعد
تضمه خديجة وتمشي في الممر الى الفناء الخارجي ., تلتفت لترى فرح عند باب غرفتها التي هرولت لتضم خديجة ومازن :"سنشتاق لكم"
خديجة وألمها أكبر من الشوق :"انتبهي لريانهـ .. " بكاء ونحيب يهز الممر
"اسرعي خديجة ستستيقظ ريانه" ام سليمان وقد لبست عباءتها لِتُقِل خديجة ومازن مع العم عبدالعزيز للمطار
المشهد تراجيدي حد الانصهار ., فالكل لديه عزيز سيفتقده الا خديجة فستفقد حياة قلبها ., كيف لقلب الأم ان يعيش بدون ضناه!
في السياره الى المطار هدوء تام إلا من نحيب مازن على اخته ., لم يتوقع انه سيرحل بدونها ولم يخطر بباله انه سيفارق اخته التي طالما تشاغب معها ., يمر شريط الحياه امام عينيه ., كيف كانت تتسامح معه عندما يريد شيئاً ., كيف كانت تتنازل عن ألعابها من أجله ., وكم دافعت عنه أمام الاخرين ., يتذكر عندما سَكب العصير على فستانها يوم العيد وقد تملكه الخوف فقالت له : لا عليك سأغسله فوراً ., لون الفستان داكن فلن يظهر عليه العصير " ., كيف كانت تساعه في حل فروضه ففي احد المرات عندما تأخر الوقت وعاقبه والده على عدم كتابته الفرض باكراً بعدم مساعدته ,دخلت عليه ريانه بدون شعور والده محمد وساعدته بل وكتبت له بعضها خفيه مقلدةً خطه حتى يسرع لينام .,
"متى سنأتي لريانه" يتكلم مازن بعبرات
"الله اعلم " خديجة بتأَثُر
"كيف تتركينها هنا" مازن معاتب والدته
"مازن ., الظروف هناك مريبه ., اذهب انت وامك ., وفي حال رأيتم الاوضاع مستَتِبه ., سأحضر انا ريانه بنفسي" عبدالعزيز يتحدث
كان كلام العم مُطَمئِناً نوعاً ما لكن مازن لا يستطيع اخفاء صوره ريانه من مخيلته
خديجة كانت تَتَألم فهي أُم لكن أرتأت ان ترى الحياه بمنظار اخر., رأت انها تُحقِق طلب محمد لها في الحلم عندما أمرها ان تذهب الى مكان ما ., قد يكون العراق ماكان يرمي اليه محمد ., كانت تُمَني نفسها ان تطلب ريانه بعد اسبوعين على الاكثر لِتَأتي الى العراق ., قرارها صعب جداً لكنها فعلته ., كانت الرحله من جنوب المملكه الى الأردن بالطائره ومن ثم تنتقل بحافله نقل جماعي الى العراق ., رحله متعبه نوعا ما خصوصا مرحلة الانتقال براً فعليها ان تحجز لها ولمازن باحد الحافلات., و هناك وحدات بريه للتفتيش ., كُل ذلك لم يشغل بال خديجه فقد كانت كمن يمر بحلم لا يستطيع تجاوزه ., كانت مخدره تماماً لا تعي ماتفعل ., سلمت على ام سليمان والعم عبدالعزيز ., وضمت ام سليمان الصغير مازن الذي اراد ان يبقى في المملكه مع اخته ., وركِبوا الطائره
رَكِبتُ الطائره وفي قلبي غصه, وفي عيني ألف دمعه , وددت لو انكِ قربي ,أمسكُ يدكِ حيناً , اتلمس خصلات شعركِ حيناً اخر, لكن دوماً تنجح الأقدار صرفكِ عني, أشتاقُ لكِ
تُحَلِق الطائره وتحُلق معها اخر أمآل ريانه بالذهاب مع عائلتها الى العراق ., تغادر أطياف خديجه ومازن بعيداً تَارِكه خلفها أشلاء من خيال ريانه ., مسكينه ريانه ومسكينه خديجة كيف ان الرياح تُجبر الطير فراق فراخه
تفتح عينيها ريانه ., تصارع النعاس تاره وتاره تستسلم بغفوه ., تُدير بصرها في سقف الغرفه ., ترى ساعتها :"ماما ., تأخرنا !" تقفز مسرعه
لا حقائب لا أغراض لا ملابس ولا ماما ومازن ., تذهب الى دورة المياه ., تغسل وجهها وتتوضأ ., غريب لم يوقظها احد لصلاة الفجر ., تستقبل القبله وتُكبر ., تخرج من الغرفه الى الصاله ., سكون مخيم ., تسمع صوت تلفاز من غرفه الجد ابا سليمان .,
"السلام عليكم " ريانه تقبل رأس جدها
"اهلا بريانه ., شيخة البنات" ابو سليمان
"اين ماما ؟!" ريانه تتحدث
"سافرت" ابو سليمان مُحاولاً ان يجعل الموضوع طبيعي
"ماذا!؟ ., سافرت ., اتكلم بجديه ., جدي اين ماما ومازن ., اين جدتي هي سافرت ايضاً" ضحكه بين شفتي ريانه
"ريانه ., حبيبتي ., أمك رحلت لترى الأوضاع في العراق ., وستأتي قريباً لاصطحابك" يتكلم ابو سليمان
ريانه مسرعه الى الغرفه ., فعلاً لايوجد حقائب سوى حقيبتها ., ولايوجد ملابس معلقه الا ملابسها ., ولايوجد احد هنا الا هي ., ! تتساقط دموع على خديها ., مسرعه الى الصاله ., لا أحد ., الى غرفه فرح ., أيضا لا احد ,. غرفه اسامه ., نائم ., "عمي اسامه " ريانه تبكي ., "عمي .,"
يستيقظ اسامه فَزِع :" ماذا ريانه ., مابك !"
"أين هم !؟" تبكي وترتمي على فراشه ., قواها تخور سريعاً فصدمتها كبيره
"ريانه من ., " اسامه يفتح عينيه منبهر
"ماما ., ماز..نـ .." و تبكي
"ريانه لا افهم !" اسامه لايعلم ماحدث في البيت ., يذهب الى الباب تاركاً خلفه كومه فتاة مُحطمه
"ابي ., ماذا هناك" اسامه يتحدث الى ابيه
"خديجة ومازن رحلوا الى العراق ., وتركوا ريانه هنا" ابو سليمان
"لِما يتركوها هنا ., ألا يعلمون انها صغيره على تحمل فراق اهلها .,, ياااالله !" اسامه بحنق
يرفع السماعه على فرح :" فرح ., اين انتي ؟"
"انـا .. في الجـ ..امعه " فرح بتذبذب
"في الجامعه ! الساعه السابعه والنصف صباحاً" اسامه باستغراب
"نعم لدي اختبار وأود مراجعته مع الفتيات" فرح بحذر شديد
"هل تعلمين ان خديجة ومازن ذهبوا وتركوا ريانه .," اسامه لا يعلم انه الوحيد الذي لا يعرف شئ عن الموضوع
اَخبرَته انها تعرف ., وان هذا الحدث مخطط له مسبقاً ., وانها رأي غالبيه الأعمام .,
ذهب اسامه الى غرفته ., رفع ريانه التي انهكها البكاء :" ريانه .. لا تبكي انتي معنا ., هنا أهلك أيضاً"
"اريد ماما .. كيف تتركني هنا ., لِم لَم تخبرني!"
"ستأتي يوماً لتَأخذك صدقيني" اسامه محاولاً اسكاتها
"حينها سأكون مِت" تشهق ريانه
ريانه تلك الفتاه مسكينه ., لم يخطر ببالها حتى ان تتركها امها وترحل ., وان كانت ستتركها لما لم تخبرها ., لم ذهبت بخلسه! أتراها مُجبره ., لكن لما تأخذ مازن وتتركها هي., أيعقل ان تكون بهذه القسوه ., لا فهي أطيب مخلوق على وجه الارض ., أيعقل ان ليس لديها تكاليف السفره ., لا هذا هراء والظرف تحت الباب كان به الكثير من النقود., دارت أفكار كثيره برأس ريانه واغلبها صبيانيه لا منطقيه ., في غيابهم انفجر صدرها من الهم وانفطرت من كثرة الدمع عينيها لم تستطع لملمت نفسها فغيابهم بعثرها كنرد بيد ثَمِل .,
تذهب ريانه الى الغرفه التي جمعتهم الثلاثه بعد غياب ابيها وتغلق الغرفه ., وهي لاتعلم ان كانت تحلم او انها الحقيقه المُره ., لا شئ يُذَكِرها بِهما سوى رائحتهم التي مازالت متشبثه بالأثاث وستذهب بعد أيام ., تتلفت ريانه تريد ضم شئ يحتويهم ., لاشئ ., تسقط ريانه والكثير من الدموع ., ترفع رأسها من على الثوب ., ثوب الصلاه والسجاده ., ياااه رائحة الماما هنا تَسكُن .,
تدخل ام سليمان بعباءتها مع اسامه واذا بريانه ترقد على ثوب الصلاه ., " ريانه ., ريانه" ام سليمان تهزها
لا مُجيب ! " ريانه استيقظي " لاحراك ! ., "اسامه هيا احملها الى المستشفى
أحتاج يداً تمسح دمعي وعيون تحدق بمحراب عيني بحنان أفتقده ., وصدر أتنهد في مساحاته كيف أشاء.!
لا أجد إلا الوحدة انتحب في حضنها وتزيدني احتراقا !