كاتب الموضوع :
doode al 7aloo
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
7-في قلب الأدغال
كان من الطبيعي أن يترك ما جرى بينهما أثرآ عميقآ في نفسها .
فحينما وقفت أمام النافذة بعد نصف ساعاة كانت مضطربة من جراء
المواجهة . لماذا بعث بيري الماضي حيآ هكذا ؟ إنها لم تتوقع منه
ذلك أبدآ , فهو ممن يحافظ على مشاعره مكبوحة وبحزم . ولكن
تصرفاته الهادئة تزعزعت واضطربت وغدت غضبآ عنيفآ يشبه غضبه
الذي شهدته قبل أربع سنوات ولكنه في ذلك الوقت لم يكن مخيفآ
كما الآن ذلك إنه كان يومذاك يدافع عن مستقبله , ليجعلها ترى
بوضوح ما تفعله بهما معآ .منتديات ليلاس
لم تذهب في أفكارها بعيدآ حين بدأت تسأل نفسها ما إذا كان
عليها العودة الى الاسفل , فلا بد أن عمتها وبيري سيتساءلان عن
سبب تاخرها عن موعد الشاي . ولكن التفكير بالطعام كاد يصيبها
بالغثيان , فقالت لنفسها : سأفعل ما يحلو لي ! لماذا أضطر دائمآ
إلى أن اخضع تصرفاتي لحاجات ومرضاة الآخرين ؟ لن أفعل ذلك
بعد الآن ! لانني حرة .. في أن أفعل ما أريد .
جعلها مزاجها هذا ترغب في عزلة لن تجدها إلا خارجآ في
البرية .. حيث لا حاجة لكلام .. أو لادعاء سرور ليس في قلبها
منه أثر ولا حاجة إلى تكبح دموعها مستعيضة عنها بابتسامة
مصطنعة , ولا حاجة إلى أن تجبر نفسها على الطعام إرضاء
-98-
لشخصين يراقبانها . لا .. لن اجلس هنا لافعل ما يريده الاخرون
مني .. ! لا أريد أن آكل أو أشرب كما لا أريد أن أشترك في
حديث ! ولماذا اضطر إلى الضحك وأنا بأمس الحاجة إلى البكاء ؟
لماذا لا أستطيع أن أفعل ما يحلو لي ؟
و تدفقت الدموع , فتركتها على غاربها .. دون أن تسعى إلى
منديل ... سارت نحو الهدوء والسكينة .. ما أروع الابتعاد عن
الناس إلى أحضان الطبيعه . ابتسمت عندما رأت سربآ من أسراب
الطيور ... هذه هي الطبيعة . . وهذه هي مخلوقاتها التي لا تؤذي
أبدآ .. لقد خرج بيري عن طوره وآلمها .. نبش الماضي دون اي
سبب . لم يعد يهمه ما حدث .. لانه رجل مستقبله مستقر امامه ..
مع زوجة يعود اليها بعد يوم عمل مرهق .. وأطفال سيأتون قريبآ,
اطفال سينمون أمام عينيه الراضيتين السعيدتين . أما هي فستفقد كل
سعادة . فلماذا ينبش الماضي ؟ أليؤلمها فقط ؟
كانت الشمس قد أذنت بالمغيب حين اكتشفت فجاة انها قد
سارت أميالآ عديدة .. نظرت الى ساعتها فقفز قلبها فزعآ لأنها
أدركت أنها ما زالت تسير منذ ساعة ونصف تقريبآ . فالظلام يوشك
أن يحل وعندها ستجد صعوبة في إيجاد طريق العودة ... طريق
العودة . خفق قلبها خفقة أخرى قوية لظهور حقيقة اخرى امامها .
إنها لا تعرف أي اتجاه سلكته ولن تتذكر الاتجاه في الأدغال
التي سارت فيها .. فالتفتت حولها ! ربما تستطيع رؤية أنوار
المنزل . بعد قليل حين تضاء ..
ارتدت على الفور تعود أدراجها على الطريق الذي كانت تسير
عليه . ولكن لم تكد تقطع مئة يارد حتى وقفت جامدة , مرتبكة لا
تعرف أي اتجاه تسلك . لقد سارت معمية القلب لا تنشد إلا العزلة
فلم تتوقف لحظة للتفكير في الرجوع .
-99-
اتجهت يسارآ تسير بسرعة ولكنها بعد أن قطعت ربع ميل
التفتت فشاهدت الطريق خلفها فإذا بها ترى انها سلكت دون ريب
اتجاهآ خاطئآ . ولكن ما ان عادت الى التقاطع , حتى عادت الى
الحيرة: أظن أنني كنت اسير في خط مستقيم .. اجل إن أكملت
طريقي بشكل مستقيم فقد أكون في الاتجاه الصحيح ..
ولكن سرعان ما طالعها تقاطع آخر فآخر حتى أخذ الظلام
يخيم على الأدغال فعلمت أنها تاهت ..
كم من الوقت نامت ؟
جلست شانا فوق العشب المرتفع تنظر في العتمة إلى ما
حولها . ما من ضوء في أي مكان .. كم الساعة الآن ؟ لا تذكر إلا
أنها سارت وسارت حتى مات أملها برؤية أنوار المنزل . فجلست
تستريح تضع رأسها على ذراعها ولكنها بعد ذلك لا تذكر شيئآ .
جمدت صرخة ابن آوى الدم في عروقها فقد بدد ذاك العواء
الصمت الملموس حولها ولكن سرعان ما عاد مجددآ يطبق على كل
شيء ممتزجآ بالظلمة القاتمة مخلفآ عالمآ ضبابيآ من الفضاء
اللامتناهي . ليس حولها إلا فراغ وفراغ .. فارتجت واستوت
قاعدة . تدفع الى ذاكرتها الخفية كل تفكير بعمتها وبيري وبالقلق
الذي يعتمل وسيعتمل في نفسيهما حتى يجدوها .
سعت عوضآ عن التفكير فيهما إلى تأمل ما حولها في الظلام
فلم تر إلا جبالآ لا حدود لها . عندئذ قررت أن من العبث التحرك
لسلك سبيل ما فجلست ثانية . تحس بفمها جافآ وبأطرافها مجمدة
من جراء الجلوس ساعات في وضعية واحدة . احست بالرجفة
تغمرها حين سمعت من جديد عواء ابن آوى . فقد بددت تلك
الصيحة الفراغ الذي حولها وجعلها تعرف أنها ليست المخلوق
الوحيدفي ذلك الظلام . الصمت المخيف الذي تلا عواء ابن آوى
-100-
نزل عليها وكأنه غطاء من نوع ما منع عنها التنفس , حتى خافت ان
ينتهي ما حولها من مخزون الهواء .
عندما ازداد ارتباكها تركت لتفكيرها العنان .. فتصورت قلق
عمتها وقلق بيري , وشاهدت كل من في المزرعة مستنفر بحثآ
عنها .
- اوه ... يا الهي ! ... مالذي دفعني إلى هذا ؟
احست للحظات بالرعب .. إنها تفضل أن تموت هنا .. على
أن تواجه غضب بيري حين يجدها أحد أفراد فرقة التفتيش التي
بدأت دون شك في البحث عنها .
كان ظمؤها يتعاظم وفراغ معدتها يشتد وشعرها باهتياج هو
مقدمة للوهن الذي يسببه الجوع . كم من الوقت ستمكث هنا حتى
يجدها أحدهم ؟ كانت متأكدة من ان بيري سيشارك في التفتيش ..
وهذا يعني ان عمله في كوينس تاون سؤجل ولن يلبث أن يغضب
عليها غضبآ يشبه النار البيضاء .
اعترفت أنها تستحق غضبآ كهذا . مسكينة عمتي .. هي دون
شك لم تأو الى الفراش بل تجلس ساعات الليل الطويلة قلقة على
سلامة ابنة اخيها . آه ليتني أرى ساعتي فقط لأعرف الوقت .
انزلقت إلى مستوى العشب خشية ظان تجذب انتباه ثور بري
هائج أو بنات آوى . فكان أن رقدت مسمرة بهدوء تبدو لها
اللحظات ساعات , والساعة دهرآ ملؤه عذاب الضمير لما أنزلته
بنفسها وبالآخرين .
فلنفترض أنهم لم يجدوها .. ولكنهم سيجدونها !
وبدأ الرعب يأكل اعصابها فقد تصورت نفسها تضعف
وتضعف ...
* * * * *
-101-
فجأة سمعت صوت محرك فوق رأسها , فتمكنت من رفع
نفسها من الوضع الذي تكورت فيه بين العشب , ولوحت
بذراعها .. بضعف .. فقد مر على تركها المنزل أربعآ وعشرين
ساعة , أفقدتها خلالها الشمس كل قطرة ماء في جسدها وكل قوة
تملكها . فبعد أن سارت ساعات في الصباح , استسلمت للتعب
واستراحت تحت ظل شجرة صغيرة .. في تلك اللحظات سمعت
صوت الطائرة الصغيرة ولكن نعاسها ودوارها جعلاها لا تستعيد
وعيها إلا بعد وقت كانت فيه الطائرة قد ابتعدت ختى توارت عن
ناظريها . في تلك الساعة لوحت ذراعيها بقوة ثم لم تلبث أن
تدفقت دموع الإحباط بغزارة عظيمة .
بقيت في العراء فترة طويلة مرهفة تعاني من التعب ومن حروق
الشمس التي لذعت ذراعيها وساقيها . فسعت مرة اخرى الى
الاشجار .. واختار القدر مرة أخرى هذه اللحظات لمرور طائرة
التفتيش فصاحت وهي تركض خلفها :
- عودي الى هنا .. عودي !
وانهارت حيث كانت تقف .. ولم تتحرك من موضعها حتى
الآن .... وها هي في هذه اللحظة تسمع أزيز الطائرة للمرة
الثالثة .. فراحت تلوح وتلوح يساعدها الرعب .. في البدء لم
يرها .. فقد ابتعد ولكنها راحت تصرخ رغم معرفتها بعبث ما
تفعله .
- لا تذهب ! انظر الى الوراء ! ارجوك انظر الى الوراء !
نظرت الى الجسم الاسود في السماء .. كان جسدها مفصولآ
عن تفكيرها , فلم تكن تشعر بأطرافها . أما معدتها وفمها فماتا ولم
يبق إلا دماغها يصرخ بصمت حتى يرجع الطيار إليها .
-102-
استدارت الطائرة فجأة .. فاستعادت شانا الاحساس بجسدها ,
وخفق قلبها بقوة , وتوترت اعصابها الميتة .. فرفعت ذراعيها . لقد
شاهدها .. ما إن انبعث الأمل إلى قلبها حتى عاد إليها الإحساس
بالضياع إنما هذه المرة كان له تأثير على عقلها ودماغها قبل
جسدها . وفيما كانت ترى الطيار يدور ويدور بطائرته حتى يحط
أرضآ خرت الى الارض تحس بشلل مضيء يغمرها .. شلل نتج
عنه فقدان وعي كامل .
صحت على جدران بيضاء وعلى رائحة الادوية المطهرة ..
فأدركت أنها في غرفة مستشفى .. إنها تلك المستشفى الصغيرة
قرب المدرسة التي شاهدتها وعمتها اكثر من مرة وهما تتمشيان .
أغمضت عينيها ثانية .. تحس بأطرافها محترقة .. ثم راح
الضباب ينجلي بطيئآ أمام أشعة الشمس الدافئة فتذكرت كل ما
حدث لها منذ أن انطلقت إلى البرية انتهاء بالراحة التي تسللت إلى
نفسها بعد يأس .
ولكن .. ماذا جرى بعد ذلك ؟ وكم مضى عليها هنا ؟ ادارت
رأسها لأنها شعرت بحركة ما قرب السرير ... رفعت نظرها لتنظر
الى عيني صاحب مزرعة غريت سليف .. المتعبتين . لم يخرج من
بين شفتيها أي صوت رغم رغبتها في الاعتذار على ما سببته من
متاعب .
- كيف تشعرين الآن ..شانا ؟
نبراته هادئة نعم إنما قلقة أيضآ .. فانتفضت تتساءل كيف
استطاع كبح غضبه وماذا سيفعل لو قالت له إنها بخير .
- أنا بخير . ( قالت بوهن )
- لكنك محروقة .. تشعرين بالالم ؟
- اجل .. هناك ألم لاذع في قدمي وذراعي .. أنا آسفة جدآ
-103-
بيري .. لما سببته من متاعب للجميع .
وصمتت , بعدما رأت أن أي اعتذار أو تبرير سيكون سخيفآ ..
- هل انت من وجدني ؟ ( عادت تسأله )
- اجل .. بعد أن بدأت أفقد الامل . كنت أعلم أنك لم تبتعدي
كثيرآ , سيرآ على قدميك . ومع ذلك لم أستطع أن أراك .
- سمعت الطائرة مرتين . ولكنني كنت في كل مرة أفيء إلى
شجرة . وكنت في المرتين نائمة ولكنني حينما كنت أسمع الأزيز
كنت أركض إلى العراء فأرى الطائرة قد توارت بعيدآ . كنت انت
في الطائرة على الدوام ؟
- استرحت أكثر من مرة فقد شاركني بقيادة الطائرة لانس .
كان وجهه متجهما .. أكان قلقآ عليها يا ترى ؟ ولكن أجل ..
هذا طبيعي . سيقلق على أي إنسان يضيع في البرية . فلم تكن
بالنسبة له الفتاة التي أحبها يومآ بل فتاة تائهة في الأدغال .
- ما الذي دفعك الى الهيام على وجهك دون أن تقولي شيئآ
لأحد .
احمر وجهها حائرة من الرد . إنه السؤال الذي كانت تخشاه منذ
أن اكتشفت أمر ضياعها .
- كنت أحس برغبة في العزلة .
يا لهذه الحجة الواهية . كادت تندفع بتهور إلى البوح
بالحقيقة . كانت ستعترف أنها أحست بجرح عميق لما حدث بينهما
فشاءت أن تلوذ إلى الوحدة والصمت والهدوء لتذرف الدموع دون
خجل أو تردد .. ولكنها اخيرآ أردفت :
- ليس عندي عذر في الواقع .
كانت تعلم أنه غاضب غير انها أحست بتردد في إظهار غضبه
وهذا ما أكدته كلماته .
-104-
- أنت سالمة .. وهذا ما يهم الآن . ستبقين في المستشفى
يومين .
- يومين ؟
رد بحزم :
- نعم شانا .. ستبقين يومين تحت المراقبة .. وهذا امر طبيعي
أمر به الطبيب .
- وعمتي .. هل قلقت علي ؟
- طبعآ .. قلقنا عاليك جميعنا .
- آسفة ...
ولكنه قاطعها بخشونة :
- لا تهتمي بهذا ... عمتك نائمة الآن , ولذا لا تجدينها هنا .
جلست معك فترة بعد أن حملناك الى المستشفى غير أنني طلبت
منها أن تخلد الى النوم .
- أبقيت مستيقظة طوال الليل ؟
نظر مباشرة الى عينيها :
- لم يطبق لنا جميعآ جفن طوال الليل فالقرية كانت بأفرادها
جميعهم مستنفرة .
ثم لم يلبث ان وقف ليدير رأسه نحو الطبيب الذي دخل لتوه .
- لقد صحوت اذن ... عظيم !
وتجهم وجه الدكتور بورغلي .
- مالذي دفعك إلى هذا العمل بالله عليك ؟ ألم يحذرك أحد
من عاقبة مخالفة قوانين المنطقة !
- أجل لقد حذرني بيري منذ وصولي ...
وتحشرج صوتها فتدخل بيري :
- دع الامر حاليآ أيها الطبيب . سأذهب الآن , وستحضر عمتها
-105-
في المساء .
سألته شانا دون تفكير :
- وأنت بيري .. هل ستأتي معها ؟
كان رد بيري نظرة غريبة . ولكن الطبيب اجاب عنه :
- الرئيس بحاجة الى الراحة . بحث عنك أربعآ وعشرين ساعة
أو ما يزيد .
خجلت شانا من نفسها , فأدارت وجهها ولم تمض لحظات
حتى أصبحت وحيدة .منتديات ليلاس
أتت عمتها بعد العشاء مع بيتر دين الذي شارك هو أيضآ
بالبحث عنها وقد استسلم بعد الظهر للتعب فنام . جلست العمة
على كرسي في مواجهتها تبتسم :
- هل أنت أفضل حالآ الان عزيزتي ؟ لقد أوى بيري إلى فراشه
حالما وصل الى البيت , ولكنه ترك لي رسالة يخبرني فيها أنك
بخير استلمتها بعد استيقاظي .
- لا أدري ما أقول عمتي .. انا آسفة لما سببته لكما من قلق .
قاطعتها العمة بسرعة :
- لاتفكري في هذا الآن يا طفلتي .. لقد انتهى الامر ..
وعدت سالمة الى البيت .
- لا أدري لماذا أقدمت على تلك الفعلة غير أنني أحسست
بالحاجة إلى العزلة التامة .
نظرت اليها بجد :
- أشعرت بالتعاسة بسبب امر ما ؟
ترددت شانا .. ولكن عمتها التي تعرفها جيدآ لن تخدعها أية
كذبة قد تخترعها ابنة شقيقها . فاطرقت برأسها , تعترف بأن تعاستها
كانت سبب تيهها . سألتها عمتها بالطبع عن سبب التعاسة ,
-106-
فاعترفت ثانية :
- كان بيري قاسيآ معي .. ذكرني .. بالماضي ...
حل صمت ثقيل تلاشى فيه كل توتر العجوز التي ابتسمت في
الواقع .
- أو ذكرك به حقآ . غريب ؟ إنما لما تأثرت هذا التأثر كله ,
عزيزتي ؟ فأنت ما عدت تحبينه .
كان هناك بعض الخبث في كلامها , فحارت مرة أخرى من
تصرفات عمتها الغريبة .
- رغم ذلك تألمت ذلك أن نبش الماضي يؤلم دائمآ .
- أجل .. ربما .. أظنه يؤلم .. ماذا قال لك بالضبط عزيزتي ؟
- ذكرني بالقرار الذي اتخذته . ذكـ .. ذكرني .. بأنه قرار
خاطئ .. إنه .. إنه .. لقد بدا منزعجآ رغم ارتباطه بفتاة أخرى .
- منزعج ؟ أليس غريبآ انزعاجه ؟
- تذكر جرحآ قديمآ لذا من الطبيعي ان يبدي الانزعاج لما عاناه
في الماضي .
طافت ابتسامة غريبة على فم العجوز :
- أطنك على حق عزيزتي . إن المرء دون ريب ينزعج حين
يتذكر ألمآ قديمآ . كان بيري هنا حين استعدت وعيك .. فكيف
تصرف ؟ أعني .. أكان غاضبآ منك ؟
-لا .. أبدآ .. ولم أفهم السبب . لأنه دون شك كان غاضبآ
على الازعاج الذي سببته للجميع وعلى تأخير زيارته إلى كوينس
تاون , ولكنه لم يظهر غضبه . بل على العكس كان في غاية
اللطف .
ونسيت وجود عمتها لحظات وهي تستعيد صورة بيري وشريانه
ذاك الذي كان ينبض على فكيه حين كان يقول إنه كاد يفقد
-107-
الأمل .. أجل .. منذ أن فتحت عينيها , فرأته واقفآ قرب سريرها ,
أحست بلطفه ورقته لطف كان مألوفآ لديها في تلك الايام حين
كانت الفتاة الوحيدة في حياته . الفتاة التي كان يأمل في أن تكون
عروس مزرعة ((غريت سيلف )) الرابعة .
وبرقت عيناها للذكرى , فادارت رأسها لئلا تلاحظ عمتها
ذلك ..
- كان لطيفآ معك .. صحيح ؟
قالت العمة ذلك وكأنها تكلم نفسها ثم غاصت ثانية في
أفكارها إلا أن ما كان يشغل بالها أمر ملؤه الرضى لا علاقة له بما
جعل ابنة اخيها تكاد تجهش بالبكاء ...
* * * * * *
-108-
|