المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
عضو راقي |
|
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
كاتب الموضوع :
doode al 7aloo
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
6- القلب يبكي
كان على العديد من الضيوف , إمضاء ليلتهم في مزرعة
جيلبرت ولكن بيري قرر العودة الى مزرعته مخيبآ أمل خطيبته التي
طلبت منه البقاء .
- آسف سندي ... ولكننا مشغولون جدآ في المزرعة هذه
الأيام ... لدينا آلاف من الماشية لم تدمغ بعد , علينا البدء بدمغها
في أسرع وقت .منتديات ليلاس
- لا حاجة بك إلى العمل وأنت تملك ذاك العدد الهائل من
العمال والرعاة الذين يستطيعون القيام بكافة الأعباء عوضآ عنك .
هز رأسه بحزم . كانت شانا تقف غير بعيدة عنه فدهشت لأن
سندي ألحت على بيري الذي تعرف شانا أنه لا يقبل جدالآ فلو أنها
كانت مكانها لتراجعت عن اية محاولة لجعله يغير رأيه .
- أنا أحب أن أشرف على العمل سندي .
- ليس هذا ضروريآ حبيبي .. أرجوك ابق . فنحن لا نلتقي إلا
قليلآ لذا لن أدعك تذهب الى المزرعة قبل الغد !
همس صوت تشارلز في اذن شانا :
- ماذا دهى شقيقتي ؟ ألا ترى أنها تخوض معركة خاسرة ؟ اذا
قال بيري إنه ذاهب فهو ذاهب , شاءت أم أبت .
اصبح فجأة صوت بيري الناعم باردآ كالثلج :
-79-
- لن تدعيني أذهب سندي ؟ اهذا ما قلتيه ؟
احمر وجه خطيبته واشتدت قبضة يدها ثم ردت بتكشيرة
قصدت منها أن تكون مزاحآ .
-أنت لست لطيفآ ابدآ في عدم الانقياد لي بيري !
ولكن لم يكن لقوله أقل تأثير في بيري .. فقد تجاهلها تمامآ ,
وقال بببرود قاطع :
- سأراك الخميس المقبل في حفلة الشواء .. والآن سندي
يجب أن اذهب لأننا لن نصل الى المنزل قبل الثالثة .
عبست ثانية سندي , وقالت بطريقة مشاكسة :
- لدينا غرف كثيرة تضمكم جميعآ , فلماذا تقود سيارتك ما
يزيد عن مئة ميل في مثل هذا الوقت من الليل ؟ أنا واثقة أن
الآخرين لا يريدون العودة في مثل هذه الساعة المتأخرة .
همس تشارلز ثانية مبتسمآ :
- إنها لا تتعلم ابدآ . ولكنه سيعلمها جيدآ متى تزوجى !
شاهدهما بيري .. فترك سندي وتقدم منهما .
- شانا .. اعتقد أن عمتك جاهزة .. أنا مغادر في الحال .
- اجل ..
وابتسمت لتشارلز .
- عم مساء أم أقول عم صباحآ ؟ هل ستأتي الى حفلة الشواء
التي سقيمها بيري ؟
- بكل تأكيد . فانا لن أقوى صبرآ حتى أراك مجددآ احسبني
أجيء يوم الاثنين لأراك فقط .
كان بيري يقطب بشدة , فرد عليه بهدوء :
- سنذهب الى كوينس تاون يوم الاثنين , فلن يجديك نفعآ
مجيئك .
-80-
- الى البلدة ؟
كانت صيحة سندي فحيحآ أكثر منه سؤالآ . فقد تبعته
وأمسكت بكم قميصه :
- هل ستصطحب السيدة بلايث وعمتها معك ؟
- هذا صحيح ... فأنا سأقصد المصرف .
ونظر الى ساعته , فضغطت سندي شفتيها دليل الغضب . لكن
الرد الوحيد الذي تجرأت على الاتيان به هو أن تهز كتفيها ببرود .
- تصبح على خير .. إلى اللقاء في حفل الشواء .
بقي بيري في طريق العودة الى المزرعة صامتآ صمتآ لم يكن
يقطعه إلا ليرد على أسئلة العمة فقط . أما شانا , فقد طرق نعاس
شديد أجفانها لم تصح منه إلا عندما كبح بيري السيارة متجنبآ ابن
آوى الذي كان يجتاز الطريق , وجدت رأسها يستريح على كتفه ..
فأبقت نفسها صاحية عمدآ حتى وصلوا المنزل .
في الصباح التالي , أيقظها كالعادة صياح الببغاء الاخضر الذي
سرعان ما ظهرت وليفته معه , فراقبتهما شانا بسعادة وهما يتمتعان
بالفطور الذي كانت تضعهما لهما وللطيور لونا كل صباح . راحت
عيناها تتجولان في السهول فلاحظت أن الشمس تلقي أشعتها على
أجزاء منها بينما تبقى الأخرى مظللة أو حمراء قرمزية ثم لا تلبث
أن تمتزج ألوان السهول حتى تصبح لونآ واحدآ ذهبيآ . تنهدت شانا
لأنها ستفتقد هذا الجمال كله حين يحين أوان المغادرة إلى الأبد
هذه المرة . لقد اعتادت على السير صباحآ في عالمسحر أضوائه
يغير منظر كل ما يحيط بالجبال والأكواخ والمنزل , سحر يترامى مع
هذه السهول اللامتناهية ذات التلألؤ المرجاني والأرجواني العجيب
وهناك في البعيد تموج المواشي السوداء المنتعشة تحت الأشعة
الذهبية .
-81-
لم تكن عمتها قد صحت بعد لتناول الفطور .. هذا ما عرفته
لدى دخولها إلى غرفة الطعام الملحقة بالمطبخ الذي انبعث منها
رائحة الخبز الطازج واللحم والبيض والقهوة . قال لها بيري :
- لم اتوقع نزولك لتناول الفطور . ألم تشعري برغبة في البقاء
نائمة ؟
- لقد أيقظني الببغاء الأخضر .. لقد بت أعشق رؤية شوق
الشمس .
جذب لها بيري كرسيآ لتجلس إليه :
- يبدو أن عمتك اخذت تتمتع بتناول فطورها في السرير . أهي
عادة قديمة أم جديدة اعتادتها منذ قدومها الى غريت سليف ؟
- لم تفعل هذا من قبل .. على الأقل .. ليس منذ أن سكنت
معها . إنها تصر دائمآ على الاستيقاظ لتعد الفطور بنفسها , مع أن
هذا غير ضروري .
كانت شانا مع مرور الأيام حائرة من تصرفات عمتها في بعض
الأحيان . جلس بيري قبالتها وعلى وجهه سيماء التفكير .
- انت محظوظة بعمتك التي لجات اليها حين مات .. زوجك .
بدا التردد البسيط في ذكر زوجها وكأنه نتيجة تحفظ ما .. ترى
أما زال يذكر الجرح الذي أنزلته به ؟ لا بالتأكيد ليس بعد هذا
الوقت الطويل .
- أجل .. كنت محظوظة .
اخذ بيري يطرح على قطعة الخبز الزبدة وقال :
- أخبرتني عمتك بأنك طردت من منزلك ؟
هزت شانا رأسها .. فسقطت اشعة الشمس المتسللة من النافذة
على شعرها الذهبي , فابتلع بيري ريقه بصعوبة مقطبآ , ثم أخفض
رأسه الى صحنه :
-82-
- كان المنزل لشقيق زوجي وقد أراد بيعه طبعآ .
- طبعآ ! إن تصرفه مجحف فكيف يطردك من المنزل ؟
أهي شفقة ما تشعر بها في نبرته ؟ إن للكلمة تأثيرآ جارحآ ..
فالشفقة آخر ما قد تطلبه منه . فلن تستطيع رؤيته يشفق عليها بينما
تحظى فتاة أخرى بحبه !
أجبرت نفسها على ابتسامة مشرقة :
- أنا سعيدة بالعيش مع عمتي , فنحن رفيقتان رائعتان . لقد
تبين لي أن تركي ذاك المنزل كان خطوة إلى الأمام , فلو أصاب
عمتي المرض تجدني أمامها إن أتى عليها وقت عجزت معه عن
العناية بنفسها وجدتني قربها أرعاها .
اشتد خط فمه .. ومد طبقآ فضيآ بصمت الى شانا فتناولت
حصتها من البيض واللحم . ثم قال بعد صمت طويل كان أثناءه
غرقآ في افكاره :
- انت قانعة بقضاء حياتك على هذا النحو .
- اجل .. اجل .. انا قانعة .
بعد أن تناولت ماتريد صمت صمتآ غريبآ ولكنه سرعان ما
فاجأها بقوله إثر انتهائه من الفطور :
- سأمتطي حصاني متفقدآ خزانآ يشرب منه القطيع . أتودين
مرافقتي ؟ فليس من المستساغ بقاؤك وحيدة ولا أحسب عمتك
تستيقظ قبل عودتنا .
قفزت كلمة شفقة إلى ذهنها ... واحست فجأة بذراع واق
يلفها إلا إن إغراء مرافقته للتنزه على صهوة جواد كان أقوى منها
فلم تتردد .
- ساحب ان أرافقك بيري .
- هيا بنا إذن .. سأطلب تسريج ((اونو)) لك .
-83-
كان جواده جاهزآ , فأخذ اللجام من ريك , الذي عاد فورآ
لتحضير الفرس ((اونو)) التي اصبحت معتادة على شانا الآن . صهلت
الفرس عندما رأتها فاكتسى وجه شانا بابتسامة ترحيب . قالت
بسعادة :
- باتت تعرفني ..
قال ريك :
- ستفتقدك حين تسافرين , فالجياد تتعلق بفرسانها . اليس
كذلك يا ريس ؟
هز بيري رأسه دون ان يتكلم , ثم أعطى شانا يده ليساعدها
على اعتلاء صهوة الفرس , فشكرته بابتسامة . أضفت الشمس على
المراعي الجميلة المستوحشة ألوانا اخرى منها البنفسجي والذهبي
والأخضر النضر . كانت رؤوس العشب المتموج تمتد إلى ما لا
نهاية على هذه التربة القديمة قدم الزمن الذي دمغها العدوانية
والوحشة غير المحدودة .
فيما الجوادان يسيران جنبآ إلى جنب , استرقت شانا النظر الى
الرجل الصامت , الجهم الوجه , المستقيم الجسد , الذي لا يحمل
ذرة غير ضرورية من الوزن , فبدا لها مع حصانه وكانه جزء واحد
لا يتجزأ . لقد قررت أن تعتبره رجلآ عرفته في الماضي ولكنها رغم
عزمها ذاك لم تستطع ان تكبح خفقات قلبها المدوية حبآ لرجل
تعلم علم اليقين انه لن يغفر لها الجرح الذي مُني به بسببها .وهذا
يعني أنه وإن لم يكن مرتبطآ لن يرغب في البدء من جديد مع فتاة
رفضته وطردته من حياتها غير مبالية بقلبه الذي تحطم بزواجها
برجل آخر .
- هل تعبت ؟
أتى سؤاله بعدما تسارعت خطوات الجوادين :
-84-
- لا .. بل أنا أتمتع متعة عارمة !
وصمتت .. فبدا أن بيري متفاجئ . شد لجام جواده سهوآ ,
فتراجع قليلآ بدهشة فمال بيري الى الأمام ليربت عنقه معتذرآ
بصمت ولكن الجواد فهم ما يعنيه سيده . نظر بيري إليها فعلمت
شانا أنه مثلها , قد صدمته ذكرى .. ذكرى بعثتها جملتها هذه حية
حية.
منذ زمن بعيد , كان يضمها اليه بشدة حتى كاد يمنع عنها
التنفس يومذاك أحست بالالم فسألها :
- حبيبتي .. هل آلمتك ؟
فأجابت بلهفة تماثل لهفتها الحالية :
- لا بل أنا أتمتع متعة عارمة .
لقد تذكر تلك الحادثة بعد هذه المدة كلها . قال لها بشيء من
الفظاظة :
- سنصل في الوقت المناسب لننضم الى بعض الرجال . أظنك
بحاجة إلى شراب ؟
- سيروي ظمئي شراب بارد .
تركها وحول اهتمامه إلى مرأى القطعان وهي ترعى في أسفل
السفوح الخضراء.
تفقد خزان المياه اةلآ ثم علت وجهه تقطيبة بسبب حالة المياه
ومستواه قال لرئيس رعته برويل :
- سأرسل من يصلحه .. عليك في هذه الأثناء أن تبعد القطيع
عنه .
- لقد أعطيت الأوامر بهذا .. هل نقدم لك شرابآ
- طبعآ ..
ترجل عن ((فايتر)) بينما ربطت شانا ((اونو ))..
-85-
قال لها مشيرآ الى صخرة مسطحة صغيرة :
- تفضلي بالجلوس .
- شكرآ لك .
أجالت نظرها في المكان الذي أشرف على بعض الرعاة
والناس في هذه المساحة الواسعة .. وفكرت في المدينة حيث جمع
غفير من النساء والرجال يتجولون كجيش من النمل .. إنما الى
اين ؟ ولا وقت لديهم لتبادل الحديث , لا وقت لديهم للتطلع إلى ما
حولهم , ولا وقت لديهم للتفتيش عن الجمال الذي ما زالت
الاشجار تطلقه , أو للنظر إلى فوق للإعجاب بنافذة قام احدهم
بزرعها بالنباتات والأزهار الملونة . في الواقع كل هذا النمل البشري
قد ربط حياته في سباق نحو هدف محدد لن يصله ابدآ .. لذلك ,
فلا وقت لديه للوقوف والنظر إلى ما حوله .
هنا الحياة أقل سرعة , والصحبة أقوى والمساحات أوسع
مجالآ والهواء أرق نسمات .
تناهى إليها صوت بيري من حيث يقف :
- ماهي هذه الأفكار التي تشغل بالك إلى هذا الحد فتجعلك
تعبسين تارة وتبتسمين أخرى ؟
كان يق مستندآ الى شجرة باسترخاء تام , احدى يديه في
حزامه , والاخرى تدلك وجهه .. نظرت اليه , والبسمة ما زالت
على شفتيها , والقبعة متراجعة الى الوراء وياقة قميصها مفتوحة
على عنقها :
- كنت أفكر في الفرق الكبير الشاسع بين محيط حياتي ومحيط
حياتك . فبلادنا تكتظ بكل شيء فترانا نعيش في علب صغيرة .
ربما هي مصممة أحدث تصميم , إلا أنها لا تحل محل هذا
الجمال .
-86-
ولاذت بالصمت من جديد . أما بيري فرفع حاجبيه بطريقة
دفعت الدماء حارة إلى وجنتيها فارتجف فمها استعدادآ للتجاوب
مع اهتمام بيري .
- انت.. تفضلين .. الحياة هنا ؟
كان صوته خشنآ أجشآ قليلآ فاطبقت الغربة على نفس شانا وما
عادت تستطيع تفسير احاسيسها المرتجفة , او عواطفها المتصاعدة .
ردت مفكرة :
- أجل .. افضلها . فأنا احب الهدوء , والمساحات ..
صمتت فجأة وقد تذكرت أنها قالت له هذا في مناسبة اخرى
عندما كانا يتنزهان في الدغل , كما تذكرت كذلك كلمات سندي
الخبيثة . كلمات صدقها بيري في البداية , ولكنه عرف فيما بعد أنها
اكاذيب .
سمعت برويل يقول لها وهو يقدم لها عصيرآ باردآ :
- اذن .. يجب أن تبقي هنا , ولا تخشي شيئآ فالرئيس سيجد
لك عملآ فنحن بحاجة دؤوب إلى اليد العاملة . أيمكنك الطبخ ؟
فضحكت ثم ضحك سائر الرجال المصغين الى حديثه ,
فنظرت اليهم شانا مجددآ . إنهم رجال ضخام قساة ذوو شهية
مفتوحة للطعام , يتناولون كما ذكرت لونا كميات هائلة من اللحم
حتى في الصباح . فردت ضاحكة :
- لن اتمكن أبدآ من طهو وجبات تشبع هؤلاء الرجال
الجائعين , فأنا لا أطبخ إلا لعمتي ولنفسي في نهاية الاسبوع فقط .
كان بيري لا يزال يرقبها .. فجاهدت حتى تبدو هادئة متزنة .
غير أن طريقته في الكلام معها منذ هنيهه ما زالت مؤثرة فيها ..
ففي علامة ذاك ما هو أعمق من سؤال عابر .
قال لها :
-87-
- وكأنك بحق معجبة بجمال بلدنا .
لمست في صوته مرة أخرى إيماءة إلى تيار أعمق .. فأحست
معها بحاجة إلى تبني الحذر , مع أنها لا تعلم السبب ..ردت بعد
تفكير :
- إنها بلاد تفوق أحلامي . فأنا أحب فكرة العيش ملتصقة بأديم
الأرض .
كان صوتها خفيفآ , وعواطفها جياشة . قال برويل :
- نحن فعلآ نعيش ملتصقين بأديم الأرض هنا .. وماذا عن
الأضواء والمرح .. ؟ ألا تشتاقين إليها قليلآ ؟
هزت شانا رأسها :
- هناك ما يعوضنا عنها , كالتنزه على الأقدام في الأمسيات
واللجوء الى الهدوء بدل صخب الرقص .
- ولكنك تمتعت بحفلة الرقص تحت الخيمة ؟
- طبعآ إلا أن هذا المكان يبعث الى النفس إثارة لا تبعثها
قاعات الرقص .
ضحك بضعة رجال وهم يسمعون كلامها , وقال أصغرهم
سنآ :
- لن أمانع أبدآ بزيارة قاعة رقص بين حين وآخر . ومع ذلك لا
أفضلها على موطني .. فأنا لم أعتد يومآ على حياة المدينة , ولا
أظنني سأعتاد عليها .
- وهل عشت دائمآ عى هذه الأرض ؟
- صحيح .. فقد ولدت فيها فوالدي استوطن فيها منذ أن كان
شابآ يعمل لدى والد السيد لونج . إنها عيشة ممتعة ومحببة إلى
النفس .
ارتشف ما في كوبه ثم مد يده إلى إبريق العصير ليملأه من
-88-
جديد .
- مستعدة ؟ ( قال بيري بعد أن انهى كوبه ) .
فشربت ما تبقى بسرعة , وأعطت الكوب لبرويل ثم لم تكن
غير لحظات حتى انطلقت وبيري فوق صهوة جواديهما باتجاه
المنزل , المختبئ خلف حزام من أشجار المطاط والصمغ الباسقة
الضخمة .
كانت العمة غلوريا على الشرفة حين وصلا , فراقبت تقدمهما
بعينين ضيقتين .
قالت العمة لشانا بعد أن ذهب بيري :
- أكنت تتنزهين مع بيري ؟
- كانت نزهة جميلة .. لقد تنزهنا ما يقرب من الثلاث ساعات
ثم استرحنا مع الرجال لاحتساء شراب بارد .
كانت شانا تحس بأن سعادتها هذه ستمكنها من مواجهة
المستقبل الوحيد القادم إليها بسهولة . قبل مجيئها إلى هذه الأرض
كانت تتساءل أحيانآ عما إذا كانت ستتزوج في وقت ما . أما الآن
فباتت مقتنعة بأن هذا مستحيل .
سألتها العمة بعد تفكير :
- ما الذي جعل بيري يقرر التنزه معك ثانية ؟ إنه مشغول دائمآ
خاصة في الصباح الباكر , حين يكون الطقس باردآ منعشآ .
- كنت نائمة فظن أنني سأشعر بالوحدة إن بقيت وحيدة .
اتسعت عينا العمة , وبدأت تهز رأسها كعادتها حين تغرق في
أفكارها . كان بيري الآن قد اختفى نهائيآ عن الأنظار فأدارت العمة
غلوريا عينيها الى وجهه ابنة اخيها .
- ما ألطفه !
- كان ذاهبآ لتفقد خزان مياه .. فقال إن بإمكاني مرافقته .
-89-
تمتمت ثانية وهي لا تزال تهز رأسها :
- لقد كان لطيفآ بتصفه ذاك .
- تتصرفين بطريقة غريبة .. مذا تضمرين يا عمتي ؟
انتفضت العمة عندما سمعت هذا السؤال ولكنها قالت بقوة :
- ليس لدي ما أضمره .. مالذي دفعك إلى هذا السؤال ؟
- الحالة التي أنت عليها لا أستطيع تفسيرها , لكنك لست على
طبيعتك .
عبست عمتها في وجهها ولكن شانا نظرت اليها بريبة وهي
متأكدة من أن هذا التظاهر بالحيرة زائف . قالت العمة :
- أنت تتخيلين الأشياء عزيزتي , فانا في شوق إلى زيارة
كوينس تاون ألا تشعرين بالشوق ؟
- أجل .. قال بيري إنه قد يجد بعض الوقت ليصحبنا الى
البحيرات .
- صحيح ؟ كنت أظنه كثير المشاغل على القيام برحلة ترفيهية
كهذه .
صمتت شانا لحظات ثم :
- متى تفكرين في العودة الى الوطن عمتي ؟
- أو تريدين العودة ؟
- ليس في الواقع ...
صعب عليها ان تشرح , فصمتت تفكر .
- ما زلت تحبينه .. أليس كذلك شانا ؟ (سألتها العمة)
- لا .. قلت لك إنني ما عدت أحبه . لقد اختلفت أحاسيسي
بعد أن التقيته ثانية .
وصمتت .. فلو علمت العمة الحقيقة لتألمت كثيرآ لأنها من
اقنعت ابنة أخيها على المجئ الى نيوزيلندا .
-90-
كان اليوم التالي أحدآ اتصل فيه تشارلز بالمزرعة عبر الراديو
طالبآ التحدث إلى شانا التي بلغت الرسالة من قبل بيري نفسه .
- يريدني ؟
- أجل .
أسرعت إلى المنزل .
- مرحبآ ! كيف حال شقرائنا اليوم ؟ (حياها تشارلز)
- بخير , ولكن لماذا تريد التحدث اليَ ؟
- أيجب ان يكون هناك سبب ؟
- لا .. إنما لا أرى ...
- أردت تبادل الحديث معك فقط .. ماذا كنت تفعلين ؟
- أتشمس .
- بم ؟
- بم ؟ اوه .. تعني أين .. فوق المرجة !
- أيتها الخبيثة ... أعني ماقلته .. بم ؟ أبثوب سباحة مؤلفة
من قطعتين .
احمر وجهها ولكنها تمكنت من الرد عليه باللهجة العابثة
نفسها :
- أجل .. كنت أرتدي قطعتين .
- كنت ؟
- ومازلت .. إلا أنني سترت معظمه , بروب .
- آه ليتني كنت هناك قبل أن نضعي الروب !
- أنت تعبث تشارلز .. لقد حذرني بيري منك . أتذكر ؟
- اوه .. هو ... ! أتصدقين كل ما يقوله لك ؟
- إنه مضيفي .
- آه ليتك ضيفتي !
-91-
- وهل سأكون آمنة ؟
- اجل .. إذا أردت هذا ... شانا أنا مسافر الى كريستشرس
بعد حوالي الاسبوع .. أترافقيني ؟ سأزور جدتي التي يعيش معها
ابنا عمي . ليتك ترافقيني .
بحثت عن حجة للرفض دبلوماسية .
- سأستشير عمتي أولآ ..
- ولكنني لا أدعو عمتك , بل أدعوك انت . سنقيم مع أقاربي
يومين او ثلاثة , نزور خلالها معالم المدينة ونقصد المراقص
ونشاهد المسرحيات والاستعراضات ونسبح على الشاطئ الدافئ .
فكري في دعوتي شانا .. أتعدينني ؟
- لست أدري تشارلز .
- ستكونين آمنة كما لو كنت مع بيري .
- انا واثقة من هذا تشارلز , فلا تعد إلى ذكر هذه العبارة ثانية .
المسألة كل المسألة أنني لا أستطيع ترك عمتي .
- ستعجبك الرحلة .
- لا .. لا أظن .
لم يكن هناك مجال للباقة مع تشارلز , فهو لن يتراجع
بسهولة .
- أشكرك على دعوتك ولكنني آسفة لن أستطيع .
سمعت الآن تنهيدة :
- وهل أنتم ذاهبون في الغد الى كوينس تاون .
- هذا صحيح .
- أتتوقين إلى الرحلة ؟
- طبعآ .
صمت صمتآ غريبآ لم يلبث أن قطعه بصوت خفيض دفع شانا
-92-
إلى ان تصغي جبدآ لتفهم كلماته :
- قد يهمك .. أو لا يهمك .. أن تعرفي . أن شقيقتي تغار
منك .
ارتجف صوتها :
- تغار ؟ ماذا تعني ياتشارلز بحق الله ؟
- اوه .. تعرفين النساء .. إنها لا تحب أن تعيش فتاة أخرى
جميلة بل خلابة في منزل خطيبها , وأعتقد أن هذا أمر طبيعي .
إن سندي تعرف انها هي الفتاة التي أحبها بيري يومآ بينما
تشارلز يجهل هذا الواقع , ويجهل حساسية الموقف . قالت :
- وهل ذكرت سندي أمامك شيئآ عن الموضوع ؟
- ليس بكلمات كثيرة . ولكن لا يصعب علي قراءة أفكارها ,
لقد تدربت على فهمها منذ سنوات .. للتسلية فقط .. إنها تكره
فكرة نزهاته معك كما انها تكره ذهابك معه إلى البلدة .. اسمعي ..
لا تبوحي بهذا ابدآ .. إنه سر بيننا .. فكرت أن أذكره لك , دون أن
أدري السبب .
- لن اقول شيئآ تشارلز .
- أين بيري الآن ؟
- لا أعرف . كان في الحديقة منذ لحظات .
- وهل أعد العدة لحفلة الشواء ؟
- أظن هذا .. ريك مشغول بتعليق المصابيح على الشجر,
ولونا كانت تتشاجر مع مساعدتيها بسبب العمل الإضافي .
- لا ادري لماذا يتشاجران ما دمن سيحطنني بمساعدة كافية .
انا أعرف بيري , ما من احد منا يفكر في عماله كما يفعل هو . لا
ادري كيف ستتصرف هؤلاء الخادمات حين تصبح سندي سيدتهن ,
فهي تتمتع بعرض سلطتها وتفوقها على خادماتنا .
-93-
قطبت شانا , فهي تكره منه التشهير بأخته ولكن يبدو وكأنه
يقول ما يقول عن غير تفكير .
- أظن من الأفضل أن أذهب الآن تشارلز . لقد حان وقت
تناول الشاي , وعلي أن أستحم وأغير ملابسي .
- حسنآ .. اراك في حفل الشواء .. باي يا حلوتي !
احست بالتوتر فجأة , فلما التفتت رأت بيري يقف خلفها
ونظرة ساخرة تعلو وجهه .
- وماذا يرغب كازانوفا أن يقول لك ؟
- كان يرغب في محادثتي ... أتمانع ؟
ارتفع حاجباه :
- أمانع ؟ ولم أمانع ؟
أحنت رأسها فرأت تعبيره المتألم .
- بدوت .. منزعجآ .
انسدل شعرها الاشقر مشكلآ ستارة حول وجهها تحميها
بطريقة ما , فتأملها بيري لحظات طويلة مفكرآ تفكيرآ عميقآ . قالت
أخيرآ تقطع الصمت المشبع بالتوتر بينهما :
- هل أنت غاضب مني .. بيري ؟
- ولماذا أغضب ؟ لـك أن تفعلي ما تريدين ... ولكنني
حذرتك من تشارلز .
وكأنما كلمات التحذير الجديدة كانت وليدة انفجار داخلي
يعتمل في نفسه .
فردت بهدوء :
- إنه يعرف حدوده معي .
- لماذا أراد أن يكلمك إذن ؟ أو أن هذا أمر شخصي ؟
- لقد سبق أن قلت لك إنه أراد محادثتي .
-94-
لم تشأ أن تخبره عن الدعوة التي وجهها تشارلز لها . ولكنها
حين نظرت الى وجه بيري , استنتجت أنه سمع على الأقل جزءآ من
حديثهما .. فتابعت :
- طلب مني مرافقته الى كريستشرش لزيارة جدته .
شاهدت فم بيري يشتد ويصبح خطآ رفيعآ .. لماذا هذا
الاهتمام الشديد ؟ فبعد ان عاملها بعدم اكتراث ظاهر في البداية ,
عاد الآن يظهر اهتمامآ جامحآ بها .
- وهل ستذهبين معه .
هزت رأسها نفيآ .
- لا .. قلت له إنني لا أستطيع ترك عمتي .
نظر اليها بقوة وقساوة .
- أراد منك أن ترافقيه وحدك ؟
بللت شانا شفتيها بطرف لسانها .. لم هذا الاحساس بالخوف ؟
إنها لم تخف من قبل .. من بيري .. ولكنه نوع غريب من الخوف
فهي تشعر بارتعاشة حقيقية بعثت خفقات قوية مؤلمة إلى قلبها .
- اجل .. لقد اقترح أن أذهب وحدي فرفضت طلبه .
صدمها موقفها الدفاعي هذا . كانت تريد أن تهدئ غضبه
وكأنما له سلطة ما عليها ! وقد نجحت إذ سرعان ما استرخت
اسارير وجهه , وبدا متأثرآ بلهفتها لتهدئة خاطره , وكأنما اراد ان
يريح لها بالها أيضآ فابتسم قائلآ :
- أنا مسرور شانا لأنك أظهرت هذا التعقل . كان على تشارلز
ان يكون أكثر حكمة فلا يطلب منك الذهاب معه وحدك .
استجابت شانا لبسمته , وعاد عالمها مشرقآ ورديآ , وقالت :
- لا أظنه فكر مليآ في الأمر . إنه دون شك اعتقد انني سأجد
متعة وإثارة هناك .
-95-
- وهذا صحيح ... اليس كذلك ؟
- لدي اشياء كثيرة أخرى تهمني عدا الاثارة . أنا على اية حال
لست معتادة على هذا النوع من الاثارة .. والمرء عادة لا يشتاق إلى
ما لا يملكه .
تمتم بيري مفكرآ , ينظر اليها :
- لم تعرفي الكثير من الاثارة .. هل كانت حياتك مملة شانا ؟
أيسألها ما اذا كانت نادمة ؟ اجل .. اوه .. اجل ! قلبها يجيب
عنها . فقد كانت وهي في الحادية والعشرين عمياء . أعماها الواجب
وجعلها تضحي بقلبها كما جعلها تجرح الانسان الوحيد الذي
احبته . اكتشفت منذ أن وطئت قدماها هذه الأرض ما جنته يداها
قبل اربع سنوات . أحبها بيري بشغف وعلم بأنها تحبه فتصور
مستقبلهما مزهرآ ومستقرآ حتى أتت هي فجأة وهشمت أحلامه
ودمرتها ولكنها لم تؤذه وحده بل أذت نفسها أيضآ . كانت تلك
الحادثة التي وقعت لتود مشؤومة جعلتها تختار الواجب على
الحب . عصر الالم .. والاحباط .. قلبها فبيري لن يغفر لها أبدآ .
ردت عليه , بعد ان أدركت أنه ينتظر ردها :
- في معظمها ... أجل .
- معظمها .. اي أنك حصلت على فترات أقل ضجرآ ؟
ماذا يسألها الآن بالضبط ؟
- بعد .. زواجي .. لم يكن هناك .. اي .. اي ...
وتدفقت الدموع دون توقع فخنقت تتمة الجملة . كانت تلك
اللحظة مشحونة بالتوتر وبالمشاعر , ولكنه كان قاسيآ دون رحمة في
اصراره .
- وقبل الزواج .. شانا ؟ قبل زواجك .. أكان هناك إثارة ؟
أعرفت معنى السعادة ...منتديات ليلاس
-96-
صاحت متألمة :
- توقف ... ارجوك ! لماذا تحاول ان تعذبني ؟ أعرف أنني
اتخذت القرار الخاطئ .. فلا داعي إلى تذكيري .
- ولكنك في ذلك الوقت , كنت ترينه القرار الأصوب .
نفرت شرايين زرقاء فوق صدغيه الاسمرين واحمرت عيناه
واشتعلتا غضبآ :
- قبل زواجك عرفت معنى الحب .. ومع ذلك رميت به
بعيدآ . وكأن لا قيمة له ! .. دموع .. ما أسهل ذرف الدموع .. وهل
بكيت ...
- لم استطع بيري ... بدا لي .. شلتني المأساة .. وفقدت
المشاعر أسابيع .. ماذا تحاول ان تفعل بي ؟ كان هذا كله في
الماضي ... أما الآن فلديك امرأة أخرى .
نظر اليها وقد انحسر الروب عن جسدها الفتي الجميل , ثم
ابتلع لعابه بصعوبة , وكأن شيئآ مؤلمآ عالق في حلقه ولكن الشفقة
كانت غائبة عن فمه الصارم . ثم قال أخيرآ وهو يرتد عنها :
- اجل .. اجل .. كان هذا كله في الماضي , أما الآن فلدي
امرأة أخرى .
استدار إليها ثانية فضاقت عيناه على جسدها قبل أن يعود
فيغادر الغرفة ..
* * * * *
-97-
التعديل الأخير تم بواسطة doode al 7aloo ; 04-01-09 الساعة 09:05 PM
|