4-ليتني أنساه
بعد اسبوع من ذاك اليوم التقت شانا شارلز شقيق سندي الذي
كان صدفة مارآ حين تعطلت سيارة الطالبين المقبلين من كلية
الزراعة الى غريت سليف ... فاصطحبهما معه الى مزرعته
((انياسكا)) حيث بقيا ليلة ثم أوصلهما الى غريت سليف واعدآ
بإرسال من يصلح لهما السيارة .
قال له باتريك , الشاب البالغ من العمر الحادية والعشرين
وعيناه تومضان إعجابآ بشانا :
- نحن شاكران لك جدآ .
كانت شانا تقصد الشرفة حين كان الرجال الاربعة يقفون فيها
فقدمها بيري إليهم . لم تنتبه كثيرآ لاهتمام باتريك ولكنها دون شك
لاحظت اهتمام تشارلز بها كما لاحظه بيري الذي ضاقت عيناه وهو
يرى أن شقيق سندي قد اطال مصافحة شانا وأبقى يدها في يده
أطول مما يلزم . قال بصوت ضاحك :
- لم تقل لنا إنها ساحرة الجمال ! وإنها تحمًر خجلآ , بل لم
تذكر لنا أنها الفتنة والبراءة بعينها . يجب ان نتعرف إلى بعضنا
بعضآ شانا !
عندئذ قال لها بيري بلهجته الباردة غير المكترثة :
- ستكتشفين قريبآ أن تشارلز اكبر عابث في المنطقة .
-53-
اطلق تشارلز ضحكة أخرى ثم ترك يد شانا ولكنه أبقى نظرة
الاعجاب مثبتة على وجهها . قالت شانا :
- لا أظن أن هناك فتيات جميلات كثيرات ليغازلهن هنا .
نظرت نحو بيري فازدادت حمرة الخجل من جراء نظرته التي
ذكرتها بالكلام الذي قالته سندي عن لسانها . ورد تشارلز:
- هناك عدد لا بأس به . ستقابلين بعضآ منهن حين نقيم حفلتنا
الراقصة الأسبوع القادم .
نظر اليه بيري مستغربآ :
- الاسبوع القادم ؟ لم تذكر أمامي سندي شيئآ عنها .
- لقد اتخذت أمي قرارها هذا الصباح , أنت تعرفها .. تتردد
اسابيع عدة وحين تقرر ,علينا التنفيذ فورآ . لقد دعوت باتريك
وجايمس كذلك . وها قد نقلت الخبر اليك . نتوقع قدومكم بعد
أسبوع يا بيري وحذار أن تنسى شانا وعمتها .
- شكرآ تشارلز ... هل أنت ذاهب الآن ؟
- أود الوصول قبل حلول الظلام .
نظر بيري الى السيارة القوية الواقفة امام المنزل .
- لن تستغرق الرحلة معك أكثر من ساعتين . فبعد أن تجتاز
الطرقات السيئة وصولآ إلى الطريق العام ستسير بسرعة تسعين ميلآ
في الساعة .
- اجل .. انت على حق .
- مارأيك لو تحتسي معنا الشاي قبل ذهابك .
فوافق تشارلز .
نظر بيري إلى الشابين قائلآ :
- سترشدكما لونا الى غرفتيكما . وضعت لكما طاولتين
صغيرتين للكاتبة .
-54-
واستدار جايمس فلحق بالخادمة , بينما وقف باتريك يحدق
مذهولآ في وجه شانا .. فقال له بيري ببعض السخرية :
- أتريد شيئآ ايها الشاب ؟
احمر وجه باتريك ثم سارع دون تردد يلحق زميله . فقطب
تشارلز :
- يسرني أنك وضعت ذلك الشاب عند حده .. إنه مهتم جدآ
بشانا .. وهذا ما لا يعجبني .
نقل بيري نظره من تشارلز الى شانا التي احمر وجهها حرجآ ..
فتمتمت :
- انت تخطئ سيد جيلبرت . إنه لا يعدو أن يكون ولدآ .
- اسمي تشارلز . لم يسبق أن دعاني أحد بالسيد جيلبرت منذ
سنوات .
فضحكت شانا ضحكة بعثت الى نفسها بعض الراحة .
- لست أدري إذا كان من الائق مناداتك تشارلز فأنا لم أتعرف
إليك إلا منذ مدة وجيزة .
ما أشد اختلاف طباعه عن طباع شقيقته . أيعقل أن يكون
ودودآ إلى هذا الحد فيما أخته عدوانية إلى تلك الدرجة ؟ وسأل
تشارلز بيري :
- إنها لطيفة .. أليست كذلك ؟
لم يرد بيري على سؤاله بل قال :
- ربما تود غسل يديك وتنظيف نفسك . تعرف الغرفة
المخصصة لك . فلا لزوم إلى أن ترشدك لونا إليها .
- لا .. بالطبع . أراكما لاحقآ .
بقيت شانا وحدها مع بيري . كان بينهما برودة , حافظ عليها
منذ سماعه كلمات خطيبته الشريرة غير أنه حافظ على تصرفه
-55-
المهذب كمضيف . فحينما كان يظهر عليها أي تردد او عدم قابلية
للأكل , كان يسارع إلى السؤال أو إلى تقديم النصيحة . كانا يقفان
الان على الشرفة , ينظر اليها من علو بينهما هي تضع ابتسامة على
شفتيها عله بذلك يصبح أقل جفاء معها . لولا كلمات سندي
الحقود , لخرج معها ثانية في نزهة ولزال الشعور بأنها شخص
غير مرغوب فيه في المزرعة .
قال لها معلقآ :
- لقد تركت على ما يظهر تأثيرآ بينآ في مشاعر تشارلز .
- ألم تقل إنه عابث ؟ يستطيع المرء بسهولة معرفة النوع الذي
ينتمي إليه .
- إذن أنت لست ممن يستجبن للعبث ؟
- انا لا استجيب لأمثال تشارلز الذي تنقص نواياه الصدق .
ووقف هناك وقد ران عليهما صمت غريب تحدق بهما الحديقة
الدافئة التي تظلل فيها اشجار النخيل المروج المنبسطة كسجادة
ناعمة والتي تحدها أزهار مختلفة الألوان . كانت الأشجار تتمايل
مع الهواء الرقيق فيعبق الجو بأريجها العطر واريج الأزهار الغريبة .
قطع بيري عليها أفكارها .
- ستجدين صعوبة في ابقاء تشارلز بعيدآ عنك متى وضع نصب
عينيه مغازلتك .
رفعت رأسها فنظرت إليه , دون ان تدرك الصورة الجميلة التي
تمثلها ... فقد كان شعرها الذهبي يتطاير بدلال , أمام جدران
المنزل القاتمة , كالفتنة بعينها .
ردت شانا بثقة :
- سأعرف كيف أتعامل معه . فأنا لست صغيرة أو حمقاء , حتى
يدير رأسي كلامه المعسول .
-56-
إنه حديث غريب جعلها تتذكر أيامآ خلت , كان فيها بيري يغار
عليها غيرة عمياء . وقتذاك . لم يكن يطيق ان تكلم تود , الذي كان
خطيبها ثلاث سنوات . وها هو الآن يا للغرابة ! يتحدث إليها عن
امكانية تودد تشارلز إليها , وكأن حبهما لم يكن ...
- فيم تفكرين الآن ؟ إنه دون شك مؤلم .
جعل سؤاله وجهها يحمر بطريقة جذابة جدآ .
- لم يكن أمرآ مهمآ بيري .. إنها مجرد ذكريات ...
ولكنها سرعان ماندمت على ما قالته إذ أساء فهم قصدها ,
وقال بقسوة خالية من المرارة والندم :
- تتعلق بزوجك ؟
لقد مات بالنسبة له الماضي , وهو الآن لا يسأل هذا السؤال
إلا لأنه السؤال الوحيد الذي برز الى ذهنه . إذ يعتقد أن شيئآ لا
يؤلمها غير ذكرى زوجها . لم يكن مقدرآ لها ان تجيب عن سؤاله ,
فقد خرجت عمتها في تلك اللحظة من المنزل , فاستدارا معآ
ليشاهداها تبتسم لنفسها ابتسامة رضى , قد توصف بالغموض
كذلك :
- ها أنتما ! ما أجمل صورتكما معآ . بيري ..أنا معجبة حقآ
ببلادكم ! أتظن أن بامكاني شراء مزرعة صغيرة في مكان ما هنا ..
بالمال الذي أملك ؟
اندرثر التوتر في لحظة فضحك بيري وشانا معآ .
- بما انني لا اعرف المبلغ الذي تملكينه سيدة جيليس , فلا
استطيع الرد . إلا انني أستطيع التأكد بان هناك مزارع صغيرة ولكن
عليك أن تعلمي أن هذه المناطق غير غنية زراعيآ كبلادكم . . قد
تتمكنين من شراء مزرعة مواشي صغيرة اذا كان يرغب أحدهم في
البيع .منتديات ليلاس
-57-
- لا تبحث في هذا الموضوع ايها الشاب .. ! فانا لا أملك
المال ولا النية لشراء مزرعة مواشي ! فماذا يمكن أن أشتري إذن ؟
اليس في بلادكم مكاتب سمسرة ؟
- عمتي . . لا تتصرفي ببـلاهة . . فأنت لا تريدين حقآ
الاستقرار في نيوزيلندا إذ سرعان ما ستشعرين بالحنين الى الوطن
وما ذلك الا بعد شهر واحد !
- شهر ؟ وكم مضى على وجودنا هنا ؟
- اسبوعين فقط .
- اسبوعين .. تمتعت فيهما بكل لحظة . وقد سبق أن قلت لك
إنني معجبة ببلادكم !
التفتت عيناه الى شانا وهو يرد على العجوز :
- ما أروع أن أسمع منك هذا سيدة جيليس .. مع أن ابنة
اخيك ليست متحمسة مثلـك . إذ تجد البلد ممـلآ وغير مثير
للاهتمام .
عبست العجوز , ونظرت حائرة الى ابنة اخيها :
- لست افهم ؟ أقلت هذا لبيري .. وأنت ضيفة في منزله ؟ لقد
قلت لي إنك أحببت الاقامة هنا وإنك تحسين بالشاعرية في الصمت
والهدوء . وانك مبتهجة الى حد النشوى بشروق الشمس و مغيبها
وبالوان الارض في تلك اللحظات .
ثم هزت رأسها بشدة , وأردفت :
- لا اصدق أنك قلت شيئآ كهذا لبيري !
نظر بيري اليها , وعيناه الرماديتان تضيقان من الحيرة :
- هل قالت شانا أمامك أنها تحب هذا الجزء من البلاد ؟
عبست العمة بصمت لحظات ثم ردت بحزم :
- هذا ما قلته , كما أنه لا يمكن لشانا أن تقول إنها لا تحب
-58-
المكان لأن ذلك بكل بساطة غير صحيح .
- قالت , ليس أمامي إنما أمام خطيبتي , إنها تجد المكان مملآ
غير مثير للاهتمام أليس ذلك قولك شانا لماذا أسمع انك اعطيت
عمتك وجهة نظر مختلفة ؟
فكرت شانا في كيفية التعاطي مع هذه الوضع الذي سيزج
خطيبته في موقف سيء قد يؤثر في بيري نفسه ويسبب له الاحراج
حين يعلم أن خطيبته حرفت كلامها , لسبب غير معروف :
- لقد كان ذلك سوء تفاهم .
- سوء تفاهم !
كانت رغبته في الحصول على تفسير كامل واضحة .. فحاولت
بلباقة الانسحاب انهاء للجدال . فأجبرت شفتيها على الابتسام .
- ليس الأمر مهمآ بيري .. لقد أساءت الآنسة جيلبرت تفسير
كلامي .. هذا كل شيء . الأمر كما قلت لك غير مهم ..
التفتت إلى عمتها مردفة :
- نحن مدعوون الى حفلة راقصة في منزل آل جيلبرت ..
أليس هذا مثيرآ ؟
غير أن عمتها التي تجاهلت محاولتها هذه لتخطي الموضوع
سألت :
- كيف أساءت الانسة جيلبرت تفسير كلامك .. شانا ؟
وقبل ان ترد عليها استدارت الى بيري :
- لعلك لا تمانع إن ألححت في الطلب ؟ فأنا اكره الغموض ..
شانا .. عزيزتي .. اشرحي الامر .. ارجوك !
هزت شانا رأسها غير قادرة على ايجاد سبب لرفض عمتها ترك
الموضوع . وتدخل بيري بلهجة حازمة :
- وانا كذلك اكره الغموض .. لقد سبق أن قلت أمامي إنك
-59-
تحبين المكان .. وقلت أمام عمتك إنك تجدينه مكانآ شاعريآ ثم لم
تلبثي أن ذكرت شيئآ مختلفآ أمام سندي . فهل لي أن أعرف لماذا ؟
لوحت شانا يديها بنفاذ صبر ثم قالت متوسلة تنظر إليهما
عابسة :
- ألا يمكننا نسيان الموضوع ؟ قلت إنه غير مهم ..
قال بيري بصوت خفيض :
- الغموض يزداد عمقآ .. شانا .. أطلب تفسيرآ منك ... لو
سمحت .
هزت كتفيها باستسلام لأنها تعلم أنه سينتزع الرد منها انتزاعآ
فشرعت تسرد ما حدث تحاول جاهدة أن تحمي سندي .. ولكنها
عرفت , من تشدد فم بيري أنه غضب ... أما عمتها فسارعت تقول
قبل أن يتكلم بيري :
- إذن انت لم تذكري شيئآ من ذاك القبيل . فلست من قال إن
الإقامة في المدينة والمنتجعات أروع وامتع ؟ هذا يعني بكلمات
أخرى أن الآنسة جيلبرت اخترعت الكلام كله ؟
صاحت شانا لا إراديآ وقد ازعجها ما قالته عمتها التي لم تبال
بمشاعر بيري .
- عمتي !
فقاطعهما بيري ساخطآ :
- أظن .. أن بإمكاننا الآن ترك الأمر جانبآ . والآن أرجو أن
تعذراني لأن لدي عملآ اقوم به ..
ثم ذهب دون أن يضيف كلمة أخرى .
- عمتي .. لقد كنت قاسية ! فهل نسيت أن الآنسة جيلبرت
خطيبته .. كان من المزعج ان يعلم أنها كذلك , هذا دون أن
تركزي على تأكيد الكذب .
-60-
- لقد قصدت ان أركز عليه ! فمنذ رأيت تلك الفتاة نفرت
منها . إنها ليست امرأة صالحة لرجل رائع كبيري .
- المهم أنه يعتبرها مناسبة .
- إذن هو غبي أو أعمى ! لا أستطيع فهمه ابدآ .
- فهم ماذا ؟
- كيف اتخذها خطيبته أصلآ ؟ إن أي إنسان قادر على رؤية ما
هي عليه من الزيف والتصنع هذا عدا التكبر ! وها أنا الآن أصدم
أكثر بعد أن وجدتها كاذبة تستخدم كذبها لتحدث شرخآ بينك وبين
بيري الذي كان باردآ معك منذ تلك الليلة , أتظنين أنني لم ألاحظ
بروده ؟ ما أصررت على حديثي منذ قليل إلا لأفضح كذبها علنآ .
لماذا يجب أن تنجو بفعلتها على حسابك !
- لم يكن الأمر مهما عمتي .. كنت افضل ترك الامر على ما
هو ..
لقد تألم بيري لهذا وأصيب بجرح فانسحب ليلعق جرحه ..
فهي تعرف تمامآ معنى أن يجد المرء نفسه مخدوعآ بمن يحب .
- أكنت تفضلين هذا ؟ لماذا ؟
- أنني لا أريد أن يتألم بيري .
- مع أنك لا تحبينه ! أليس هذا ما اعترفته أمامي ؟
- أنا لا أحبه .. لكن هذا لا يعني أنني أريد له الألم أو
الأحراج . أحسب أنه كان من الأجدى تركه جاهلآ بما حدث.
- أنا حائرة . ترى لماذا تريد سندي تلك أن توهم بيري بكرهك
لموطنه .
ومطت العمة شفتيها بعبوس , بينما هزت شانا رأسها متمتمة :
- لست أدري .. لست ادري !
إن غضب بيري من سندي على كذبها ولُى على ما يبدو من
-61-
نفسه حين رآها ثانية , كان هذا ما لا حظته يوم الحفلة الراقصة فقد
تألقت سندي هناك كالعادة تبتسم وترمش بأهدابها ببراعة خبيرة إلا
أن ابتسامتها سرعان ما تلاشت عن وجهها حالما وقعت أنظارها
على شانا فهزت رأسها بفتور تحييها , ارتدت سريعآ إلى الطالبين
اللذين قدمهما بيري إليها . كانت العمة قد لاحظت نظرة سندي
تلك فاشتعل فيها الغضب , وقالت لشانا حين كانتا تتناولان الدجاج
المشوي تحت الاشجار :
- يا لها من مخلوقة كريهة ..! إن بيري فقد عقله دون ريب !
- إنه يعرف ما يفعل عمتي .
فغاصت العمة في احد أمزجتها المفكرة , تاركة الطعام يبرد في
طبقها .
- لا يمكنني فهم الرجال , إن المرأة لا تعرف ما ينوون الإقدام
عليه .
عبست شانا بحيرة وسألت :
- ماذا تعنين عمتي ؟
- ألم تلاحظي أن سندي جيلبرت هي نقيضك تمامآ ؟
- تعنين في ألوانها ؟ طبعآ
- إنه على ما يبدو لا يريد زوجة تذكره بالفتاة التي أحبها
يومآ ..
كانت العمة ماتزال غارقة في أفكارها تتمتم شيئآ ما لنفسها ..
حين نظرت شانا إلى بيري فرأته وسندي يضحكان امام الطاولة
الطويلة المليئة بالحلوى , تتكئ ذراعها على ذراعه , ويقبع خدها
على كتفه تألمت المآ شديدآ حتى تمنت معه العودة الى الوطن .
ولكن العمة بدت قانعة هنا فهي لم تذكر الرحيل البتة . صاحت
العمة فجأة وقد أبعدت اهتمامها عن بيري .
-62-
- آه .. تشارلز . اجلس هنا يا ولدي العزيز .. تحركي قليلآ شانا
ودعيه يجلس بيننا .
التفت الى شانا دون أن يخفي إعجابه :
- أتتسلين ؟ هل لي أن اتحين الفرصة لأعلق على جمال
فستانك ؟
ضحكت شانا , وقد تذكرت كيف أن بسمة خبيثة لا حت على
فم عمتها دون سبب ظاهر يوم تعرفتا إلى تشارلز .. ردت عليه :
- الجواب نعم .. على كلا السؤالين .
- فستانك أجمل فستان في الحفلة الليلة وشعرك أروع شعر
رأيته قط .
كان لغزله تأثير كبير فيها فقد ضحكت ضحكة دوى صداها
أكثر مما أرادت . الا أن ما أحرجها أن بيري نظر وشريكته إليها ,
فاخفضت عينيها إنما ليس قبل أن تلاحظ التعبير على وجه
عمتها ...وأن العجوز تضمر امرآ ما .
لم تستطع شانا منع نفسها من التساؤل :
- لماذا أرى أنك راضية عن نفسك هكذا عمتي ؟
ردت العمة بنبرة تعمدت أن تمزجها بالاستهجان :
- راضية عزيزتي ؟ لا أفهمك ؟
- كنت تبدين راضية عن أمر ما .
لماذا تشعر العمة بالامتنان لمجرد أن بيري التفت الى شانا
حين ضحكت ؟ لكن العمة ردت بحزم :
- واهمة أنت عزيزتي .
تنهدت . ثم تركت المسألة .. فتشارلز عاد الى حديثه الان
ليقول إن عليها أل تضحك على تعليقاته الصادقة .
- هيا الان تشارلز .. انت تعرف انك أكبر عابث في المنطقة .
-63-
رد بازدراء :
- هذا اتهام بيري .. إنه يغار مني لأن لدي طريقة مع النساء لا
يعرفها !
ولكن بعد أن أرجعت الزمن قليلآ إلى الوراء تذكرت أن بيري
قد يكون أكثر من فاتن .
- لا يعرفها ؟ لا يبدو أن شقيقتك توافقك الرأي .
التفت تشارلز إلى حيث يقف الاثنان اللذان انضم اليهما
زوجان هما مايدن وايربي ويتش , اشهر عضوين في المجتمع
الارستقراطي في المنطقة , وصاحبا أكبر مزرعة في المنطقة
المعروفة منذ اكثر من ثلاثمئة عام باسم ((بروكن لانس)). قال معلقآ
على كلام شانا :
- من الواضح أنها لن توافقني الرأي .
ثم التفت الى العمة يستأذنها لمرافقة شانا ليراقصها فوافقت
العجوز بحبور ثم راحت تلوح لهما . دس تشارلز ذراعه حول
خصرها أثناء توجههما إلى الخيمة الكبيرة المشعة بالاضواء حيث
باحة الرقص . قال تشارلز حين سمع الموسيقى الريفية :
- إنها رقصة ريفية .. عنيفة جدآ .. أتفضلين التنزه ؟
- لا ادري تشارلز .. ربما من الأفضل ان نعود إلى الرقص .
فهي واقعآ كانت تأمل ان تحظى برقصة مع بيري فإن غابت عن
باحة الرقص فاتتها هذه الفرصة . فأضافت :
- إن انسحابنا سيظهر أمام الأنظار غير مناسب .
- ولماذا يبدو غير مناسب ؟ إن تفكيرك شرير يا طفلتي ..أؤكد
لـك انني قادر علـى أن اقف عند حدي وقت الضرورة . فلا
تتحججي بالسخافات لرفض طلبي ! إن الجميع يسعون إلى التنزه
في سهرات كهذه .. انظري .. هاك بيري وشقيقتي يذهبان في الظلام
-64-
وحدهما . إنهما ينويان تبادل االعناق والغزل أما نحن فسنتمشى
فقط .
لحقت عينا شانا بالشبحين الملتصقين ببعضهما بعضآ المبتعدين
في الظلام .. عناق وغزل .. أغمضت عينيها بشدة .. تعض شفتها
من الداخل لمنع دموعها .. لماذا اتت الى هنا ؟ لم تكن تحس بمثل
هذا الالم في الوطن .. هناك كان يمكنها ان تحلم بانه لا يزال
لها .. اما الآن فقد انتهى كل شيء . فمن الآن فصاعدآ لا ذكريات
من الماضي بل من الحاضر المرير .
احست أن من الواجب إبعاد تفكيرهـا الى قنـوات اخرى
فسارعت تقول :
- اجل .. أفضل ان اتمشى .
اذا تمشت وتحدثت إلى تشارلز , قد تنسى ولو مؤقتآ .. فقد
ينتزع منها الضحك ويجبرها عليه .. وهذا صحيح .. لانها واثقة أن
قلبها المحطم لن يضحك ابدآ .
************
-65-