كاتب الموضوع :
doode al 7aloo
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
المزرعة . وكان بيري يعرف الارض كظاهر يده ولكن المكان كان
بالنسبة لشانا غريبآ مخيفآ فقد ارتجفت حين فكرت في أن تجد
نفسها ضائعه في مثل هذا القفر المتوحش .
سألها بيري بأدب عندما نظر إليها وهما يسيران جنبآ الى جنب
فوق صهوتي جواديهما .منتديات ليلاس
- كيف تبدو لك بلادنا ؟ أم لعل الوقت مبكر على اتخاذك
انطباعآ .
ردت شانا على الفور :
- إنها بلاد مخيفة .
- مخيفة ؟
- أعتقد أن إحساسي هذا مرده إلى المساحات الامحدودة
والعزلة التي تجعلني أشعر بالرهبة .. فالمكان هنا غير مأهول ..
أعني هذه الاراضي الواسعة ..
- اذن أنت لم تتأثري أيجابيآ ؟
- أوه ... بلى ! أجد أن كل ما يحيط بي جذاب وجميل حتى
غدوت متناغمة مع .. الألوان المتعددة التي تطبع جزءآ من الارض
حين تسطع عليها الشمس . هناك تباين كبير حتى في المناطق
القريبة من المنزل .. فهناك تباين بين ألوان الأشجار والأزهار وبين
لون المنزل نفسه , الذي تلونت المناخات جدرانه وطبعت حجارته
بطابعها الفريد .
كانت تتحدث مندفعة , وقد نسيت كل شيء , إلا الاحساس
الذي كان يتفاقم مع كل لحظة من لحظات مسيرها على أرض
نيوزيلندا .
- إنني أتمتع بهذا التغيير الذي كاد يكون كاملآ . بيري إن كل
شيء حتى الطيور مختلفة .
-40-
- اسمعت صياح الببغاء الأخضر فجرآ ؟ إنه يقترب عادة من
المنزل ليلتقط الفتات الذي تركته له لونا .
- أجل سمعته .. وتساءلت عندما عندما سمعت صوته عما إذا كان
ضحكآ .
شاهدت للمرة الأولى المرح يغمر قسماته .
- اتعلمين أنه قد يتعلم الكلام ؟ وأن ضحكاته أحيانآ قد تصيب
الانسان بعدوى الضحك ؟ هل أضحكك ؟
- نعم .. فعلآ !
احست فجأة بسعادة مردها اللطف الذي يظهره لها وإحساسها
بأنه ماعاد يعتبرها ضيفة ثقيلة عليه بل صديقة قديمة لم ينسها
بعد .
اقترح عليها بيري بعد نصف ساعة ان يستريحا وذلك حين
وصلا إلى بحيرة صغيرة ينمو حولها صنف من أصناف شجر الآس
الصمغي الاصلي . . وبعض انواع الصمغ الأحمر .
- أهذا بحيرة متفرعة من النهر ؟
- هذا صحيح أتعرفين شيئآ عن الجغرافيا الفيزيائية ؟ حسنآ لا
بأس .
وصمت .. كانا يجلسان على حافة البحيرة والجياد تشرب
منها . مد هو ساقيه إلى الأمام واستند الى جذع الشجرة .
- لماذا توقفت ؟ أما كنت ستشرح لي شيئآ عن هذه البحيرات ؟
حينما ادار رأسه إليها نظرت إليه وابتسامة مشرقة تتراقص على
شفتيها .. فانخفض جفنا بيري .. ثم قال بعد صمت غريب :
- يصعب شرح أمر كهذا لمن لا يعرف عنه شيئآ . إن هذه
البحيرة تتكون وتتجمع من تسرب مياه النهر حين يصل جدول ما
إلى طريق مسدود . وهذا يحدث عادة وقت الفياضانات , حين ترتفع
-41-
مياة النهر وتندفع عن أطرافه في جداول وسواق حتى تتجمع في
بركة كهذه , ونحن نسمي هذه البحيرات ((عتق الثور)) لانها تشبه ما
يطوق به عنق الثور لدى الفلاحة , انها تحدث في الواقع جرَاء
تسرب مياه النهر وقد يحدث أن تكون أكبر من هذه بكثير أو أصغر
منها , وهذا يعتمد على حجم الجداول المتفرعة هي عنها .
كان وهو يتكلم يرسم بأصبعه دون وعي على التراب رسمآ
بيانيآ لما يقول .. فرفعت نظرها ونظرت الى ((غريت سليف)) التي
بدأ الجفاف يطرق أبوابها , قالت :
- هذا يعني أن هذه البحيرات تكون عادة قريبة من النهر ؟
- في الأساس أجل . إنما هناك استثناءات تعود أسبابها الى
مسار النهر .. وهذه هي عملية تقنية . لن تهمك على اية حال .
عادت شانا للتحديق في مياه البركة وتمتعت :
- تبدو كأنها موجودة هنا منذ الازل .
حاولت جاهدة تصور ما كان عليه مجرى النهر قبل ان يحدث
هذا السد الطبيعي .
- إنها هنا منذ مئات السنين . نحن نعرف ذلك من بعدها عن
النهر فثمة مسافة ارضية شاسعة بينهما حاليآ .
نظر الى ساعته وهو يتكلم , فأحست باكتئاب لأن أوان العودة
قد أزف . ولكن ما أدهشها أنه لم يظهر حركة تدل على العجلة . بل
العكس ألقى أكثر فأكثر بثقله على جذع الشجرة , فسألته وهي تقول
ما يجول في أفكارها :
- هل تستريح بعض الوقت من العمل ؟
- في بعض الأحايين القليلة .
قالت , ليس لأنها تريد ان تقول , بل لانها أحست بأنها مدفوعة
بقوة غريبة للتحدث عن الفتاة التي سيتزوجها .
-42-
-أتبيت عادة عند أهل سندي ؟
- حينآ أقصدهم أنا وأحيانآ يقصدوني .
- أعتقد أنك بعد الزواج لن تعمل جاهدآ كما يحدث حاليآ ؟
- ربما سأستريح أكثر . إذ يحق للزوجة أن ترى زوجها في
المنزل , بين الحين والآخر .
بين الحين والآخر ... هناك شيء بارد وغير عاطفي في طريقة
كلماته لذا تساءلت كيف هي سندي هذه , فلربما كانت هي كذلك
هادئة باردة فيليقان عندئذ ببعضهما بعضآ .
- لقد تغيرت ...
خرجت الكلمات منها لا إراديآ , فأدار رأسه اليها متعجبآ :
- تغيرت ؟ كيف ؟
- اصبحت قاسيآ .. يا بيري , وساخرآ قليلآ ... قاسيآ.
وفكر في الكلمة لحظات وعيناه الرماديتان ضيقتان وحاجباه
معقودتان :
- أجل إن الزمن كفيل بجعل المرء قاسيآ وساخرآ أيضآ . اليس
كذلك ؟ أم أنك لست واثقة ؟
أطرقت برأسها تنظر الى يديها المنقبضتين معآ بشدة :
- انت مختلف .. مختلف جدآ .
- تقدمت في العمر .
فجاة لاح لها منه وجهآ زاجرآ أصابها بصدمة كبيرة . كان
الحديث الآن ينتقل الى منطقة كان عليها تجنبها لأن للماضي يدآ
مريرة فيها , فسارعت إلى الموضوع :
- أخبرني عن عملك بيري .. لديك مكان ضخم مذهل هنا ..
لم يكن لدي فكرة عن مدى اتساعه وتراميه . إن ادارته دون ريب
مسؤولية ضخمة .. ألديك عدد كبير من الموظفين الذين يساعدونك
-43-
في اعمالك المكتبيه ؟
رد عليها دون أن يظهر أقل تأثير لتغييرها دفة الحديث :
- هناك رجل واحد يساعدني في أعمالي المكتبية , وهو لانس
كالدر , الذي ستقابلينه هذا المساء . إنه يعيش في أحد أكواخ القرية
ولكنه يتناول العشاء معي مرتين في الاسبوع , حين نناقش أمور
العمل . إنما طبعآ ليس حين يكون لدي ضيوف .
- أهو أعزب ؟
- جاء إلى هنا ذات يوم في العام الماضي إثر عطلة أخذها من
عمله المكتبي في كريستشرش . ويبدو أن عمله في المدينة كان
يضجره , فلما لمست منه ملله ذاك عرضت عليه الوظيفة لأنني
وجدت فيه مؤهلات تفيدني . فكان أن عاد إلى كريستشرش ليقدم
استقالته ولم يلبث أن عاد الى غريت سليف بعد شهر فسلمته بعض
المهام التي تقع على كاهلي فسهل علي وجوده الحياة . وماذا
تريدين معرفته ايضآ عن المزرعة ؟ إذا كنت ستمكثين عندنا مدة
طويلة , فستكتشفين كل شيء بنفسك .
- لست أدري ما هي المدة التي قد نمكثها بيري . ولكن أعرف
أنه يجب ألا نمكث عندك إلى وقت نصبح فيه مصدر ازعاج لك .
فكر قليلآ في ما قالت :
- يجب ان تبقيا الوقت الذي تشاءانه شانا . فلا أرى أن أيآ
منكما قد تصبح مصدر إزعاج .
ابتسمت له بفتنة :
- شكرآ لك بيري .. إن قولك هذا لمنتهى اللطافة .
رفع حاجبيه متسائلآ :
- لطافة ؟ أذكر أنك قلت لي إنني أصبحت قاسيآ .
- قد يظهر القساة أحيانآ لطفاء .
-44-
|