10-عروس غريت سليف
كانت مرارته واضحة وندمه على خطوبته واضحآ أيضآ . وليس
لدى شانا أدنى شك في هذين الاستنتاجين .منتديات ليلاس
قالت حين ذكرت لها عمتها إن بيري تجاهلها أثناء الفطور
والغداء في اليوم التالي :
- ماكان يجب أن اعود الى حياته , فعودتي الى حياته أحدثت
شرخآ فظيعآ فيها . وهذا ما يكرهه .
- لقد تخاصمتما إذن ؟
- يمكنك تسمية ذلك بالخصام . لم يستطيع مسامحتي على ما
فعلته به .
- لم يستطع مسامحتك .. ما أغبى هؤلاء الرجال ! إنما ألم
تذكري بحزم أنك ما عدت تعبئين به ؟ أكان ذلك كذبآ ؟
هزت شانا رأسها بلا تردد :
- ما قلت ذلك إلا لأبعد عنك الإحساس بالذنب .. ولكنك
كنت تعرفين منذ البداية أنني كذبت , أليس كذلك ؟
حين هزت عمتها رأسها إيجابآ :
- عرفت ذلك يا عمتي من الملاحظات الوقحة التي كنت
توجهينها لي في مناسبات مختلفة .
- وهو أما زال يحبك ؟ طبعآ يحبك أعرف ذلك .
-136-
رفعت شانا رأسها .. بعد أن ظلت مستيقظة طوال الليل ,
فهمت من بين أشياء كثيرة أسباب تصرفات عمتها . فهمت أن كل
حركة قامت بها العمة وكل تصرف تصرفته يصب في غاية واحدة
وهو جمعهما من جديد .
- كنت تأملين منذ البداية أن تقنعي بيري بالتخلي عن سندي
والزواج بي .. تآمرت , وناورت , بكل الطرق .. تركتنا في الصباح
ساعة الفطور ومهدت لنا الطريق لنبقى معآ , وقلت لتشارلز إن قلبي
محطم بسبب موت تود , ليكون لطيفآ معي , فتثيرين بذلك غيرة
بيري . أعلم أنك كنت متفائلة , تحسين بالرضى على جهودك ذلك
أن بيري كان يبدو أحيانآ غيورآ من تشارلز ..
- كنت اعلم أنه يحبك .. ولما ذكرت شيئآ عن نبش الماضي
اضفت الى أدلتي دليلآ اضافيآ . اعلمي أنني حتى الآن موقنة انه لن
يتزوج سندي .
- سيتزوجها عمتي .. كنت تتآمرين ولم تفكري في أن اللطف
الذي يظهره لي ما هو إلا شفقة غير أنك لم تأخذي هذه الحالة
بعين الاعتبار .
- منذ متى تعرفين .. مؤا ... خططي ؟
- فكرت في كل شيء ليلة أمس .
- أكنت مستيقظة ؟
- لم أستطع النوم .
تمنت لو تتخلى العجوز عن الموضوع غير أن الأخيرة لم تكن
مستعدة بعد :
- بسبب خصامكما ؟
- أجل .. طبعآ بسبب خصامنا !
حركت العمة يديها بسرعة دليل الغضب :
-137-
- لماذايخرج الناس دائمآ عن طورهم فيؤلمون من يحبون ؟
أليس لديه عقل يمنعه من الزواج بتلك الفتاة الرهيبة ؟
- إنها مسألة شرف عمتي .. لن يتخلى عنها !
- شرف ! بل حماقة وعناد .. عناد لعين صرف .. هذه عادة
الرجال !
- لن يفسد حياته بسبب العناد . لا .. انها مسألة شرف . ألم
تفكري في ما سيكون عليه موقفه أمام الناس لو فسخ خطوبته
وتزوجني ؟ إنه عضو محترم في هذا المجتمع , وأهل سندي هم
اقرب جيران له . فكري في الإحراج الذي سيسببه فسخ الخطوبة
وفي الاحترام الذي سيخسره حين سيدينه جميع الناس على سوء
تصرفه .. لا يمكنه فسخ خطوبته ولو أراد .
حين لم ترد العمة طرقت شانا موضوع عودتهما بلادهما ,
فنظرت اليها العمة متفهمة :
- انت ترغبين في العودة في أسرع وقت , طبعآ . أنا مستعدة
للسفر متى شئت .. ولكنني يجب أن أقول إنني أكره الهزيمة . ما
هذا الموقف السخيف ! انت وبيري تحبان بعضكما بعضآ بجنون .
ومع ذلك يرفض الغبي فسخ خطوبته . انني حانقة عليكما كليكما .
لماذا تضعان الضمير والشرف , أو كائنآ ما تسمى تصرفات بيري ,
قبل السعادة ؟ انت يومآ رفضت الاصغاء الى نصيحة من كانوا
ينظرون الى وضعك بموضوعية وركبت رأسك الابله العنيد دون ان
تفكري في المعاناة التي تنزلينها بك وببيري .
- عمتي .. لقد تباحثنا هذا مرارآ من قبل , لذا أرجوك لا
تعودي إلى تذكيري بغلطتي .
تابعت العمة وكأنها لم تسمع مقاطعة شانا :
- والآن جاء دور بيري .. أيمكن لرجل في مثل سنه أن يكون
-138-
عديم التفكير أو التعقل فيرمي بسعادته عرض الحائط ؟ أرجو أن
يندم على هذا في كل لحظة من لحظات حياته !
- عمتي ! ما أفضع هذا القول ! انظري إلى الأمر من جهة
أخرى . إن بيري وسندي إن نحينا الحب جانبآ , متلائمان فهما
ينتميان الى الطبقة ذاتها ويشتركان في الاهتمامات نفسها .
- بالله عليك يا طفلة .. لا تستفزيني أكثر من هذا لم أر قط
شخصين أقل أنسجامآ وملاءمة من بيري وسندي ! أما بالنسبة للحب
فتكادين تخرسينني من الذهول .
ولكن من الواضح انها لن تخرس أبدآ .. اذ تابعت وتابعت ,
متجاهلة احتجاجات شانا تلوح بيديها ساخطة :
- الحب .. ! الحب ! تتكلمين وكأن لا اهمية له , تمرين به
مرور الكرام .. إن كنت تحسبين الحب غير مهم فأخطأت . إنه
السبب الرئيسي للزواج الذي يدوم طويلآ , وهو أي الحب كان منذ
الأزل وسيظل إلى الأبد السبب الرئيسي لزواج ناجح دائم .
أتعتقدين أنهما قد ينسجمان في حياتهما دون حب ؟
- إذا كان لهما اهتمامات أخرى ..
قاطعتها العمة ثانية :
- أتعلمين ما هو رأيي ؟ إن بيري قرر الزواج لينجب وريثآ .
وهذه رغبة طبيعية .. أجل .. هذا هو سبب خطوبته لتلك الفتاة .
وغاصت العمة في تفكيرها العميق , فسارعت شانا تقول بنفاذ
صبر .
- المهم يا عمتي أنه خطبها , وهو ينوي الزواج بها .
كانت شانا قد فكرت قبلآ , أن الرغبة في وريث , قد دفعت
بيري إلى اتخاذ خطوة الزواج . فقد انتظر وقتآ طويلآ لم ينظر خلاله
كما قال تشارلز الى فتاة أخرى بجدية حتى أشهر قليلة ماضية , راح
-139-
يلاحظ سندي غير ان استنتاجها هذا حفظته لنفسها . لأنها كانت
ترغب في وضع حد لهذا الجدال المؤلم , فقد بدت عمتها على
وشك أن تتفهم الموقف , وبدأت بالحديث عن حفلة الشواء ..
التي دعي اليها بعض عائلات المزارعين من مسافات بعيدة ..إضافة
الى رعاة بيري , وهذا يعني أنه سيكون هناك حشد كبير ..
التقت شانا ببيري وهي تبدو ساحرة خلابة رغم شحوب وجهها
حين كانت على وشك الخروج من المنزل . . تنحت عنه لأنها
تتوقع أن يرغب في الوحدة وأفسحت له المجال ليتقدمها بيد أنه
توقف , غير قادر على إخفاء بريق الاعجاب في عينيه اللتين طافتا
بها من رأسها حتى أخمص قدميها .
- يليق بك اللون الأزرق خاصة فيه هذا اللون بالذات ماذا
تسمينه ؟
ارتفعت حمرة لذيذة على خديها وقالت بخفر:
- عمتي اشترته لي .. تسميه زهرة العريشة الزرقاء .
هز رأسه , أما هي فاسترقت النظر اليه من تحت أهدابها ..
فلاحظت ملامح وجهه المتوترة المتشددة , وعرفت أنه يجبر نفسه
على أن يظهر بمظهر المسترخي .
- أجل .. هذا ما يجب ان يسمى .
وانتقلت عيناه الى شعرها الذهبي الذي يشكل هالة جميلة حول
وجهها المستدير ثم قال فجأة :
- تعالي فلنتمش معآ .
تقدمت سندي واهلها من بيري قبل ان تتمكن شانا من الابتعاد
عنه . فنظرت الفتاة اليها نظرة مهينة قبل أن تلتفت إلى وجه بيري
غير المبتسم , وتسأل بنعومة فائقة :
- أهناك خطب ما حبيبي ؟ تبدو متجهمآ بشكل مخيف .
-140-
هز رأسه ثم رسم ابتسامة ضعيفة على شفتيه نحو والدها :
- لا شيء سندي .. أين تشارلز ؟
- قادم أراد أن يأتي بسيارته .
قطب بيري .. وتوجه نظره الى السيارة الكبيرة التي لم
يستخدمها سوى ثلاثة.
- لماذا أراد المجيء وحده ؟
- أظنه سيطلب منك البقاء هنا الليلة .
رافق رد السيد جيلبرت نظرة إلى شانا فضحكت أفكاره وجعلت
فم بيري يشتد ويتصلب فجأة .
- انه على ما يبدو عازم على اصطحاب السيدة بلايث معه غدآ
الى البلدة .. ولكن ما كان يجب أن أذكر هذا .. فسيقدم هو على
هذا الطلب حالما يصل .
تدخلت سندي وعلى فمها ابتسامة زائفة تقول لشانا :
- هذا بسبب خيبة املك ذلك اليوم . هل استعدت عافيتك
تمامآ من مغامرتك سيدة بلايث ؟
برقت عينا شانا وردت بجفاء :
- أجل .. شكرآ لك آنسة جيلبرت .
ثم التفتت الى والد تلك الفتاة وقالت بصوت لطيف :
- أشكرك لأنك أرسلت رجالك بحثآ عني .. شكرآ لك . وأنا
آسفة لما أنزلته بكم من إزعاج .
هز رأسه اعترافآ بالكلمات المتواضعة , ولكن ابنته تدخلت مرة
اخرى .
- أستغرب فعلتك تلك . ألم تكوني على علم بالأخطار
المحدقة بالأحراج سيدة بلايت .. بيري حبيبي .. ألم تحذرها ؟
لمعت عيناه غضبآ يخبئه لها متى أصبحا منفردين . كان يبحث
-141-
عن كلمات ما فسارعت شانا بكرم اخلاق لإنقاذه:
- حذرني بيري بالفعل آنسة جيلبرت غير أنني كنت قد ابتعدت
كثيرآ حين تذكرت تحذيره أي بكلمات أخرى تهت قبل أن أتذكر .
اتسعت عينا سندي .
- أي أنك استخففت بالتحذير ؟
احمر وجه شانا .. ولكن قبل أن ترد قال بيري متوترآ :
- شرحت شانا الأمر سندي .. وقالت إنها نسيت تحذيري فلا
تتهميها بالاستخفاف . . فما من أحد يكون طائشآ بإرادته كما
تذكرين .
مرت دقيقة صمت متوتر تمنت شانا فيها أن تعتذر وتنسحب ..
ولكن عملآ كهذا سيكون أكثر من موجه وستعوزه اللياقة في هذه
المرحلة . قالت سندي بصوت حزين فيما نظرتها إلى شانا مشبعة
بالحقد :
- آسفة بيري .. لقد بدا لي ان السيدة بلايث تنظر الى المسألة
بخفة , وأنا واثقة أن ايآ منا لا يريد أن تتيه ثانية .
ردت شانا ببرود :
- اطمئني لن يتكرر هذا ثانية . فلست غبية لأقع في الغلطة
ذاتها مرتين .
احمر وجه سندي هذه المرة فرأت شانا أن لا بد من
الانسحاب . رفعت نظرها الى بيري وابتسمت له بعذوبة , لأنها
امرأة , ولانها تريد أن تشغل بال سندي . وتمتمت بنعومة:
- يجب أن أذهب لأبحث عن عمتي . أتسمح لي بيري ؟ وأشكر
لك لطفك وتفهمك .
وأبتسمت منحنية لوالدي , ثم ابتعدت .. ولكن وجهها
راح يتضرج عندما فكرت في ما قالته لبيري .. فسيعرف ما تعني ..
-142-
وفكرة معرفته هذه أحرجتها وجعلتها تبدو مضطربة حتى وجدت
عمتها , التي سألتها حالآ :
- مالخطب يا طفلتي وجهك أحمر .. لعلك مصابة ببوادر
انفلونزا ؟
- لا شيء من هذا القبيل .
وأخذت تروي لها ما حصل وانتهت :
- كنت لئيمة عمتي .. أليس كذلك ؟ لا ريب أن بيري يعرف
ذلك .
- ويعرف كذلك أن تلك الفتاة الكريهة تستحق كل شيء ..
بدت العمة عدوانية إلى أقصى حد وهي تردف :
- ليتني كنت معكم ! لأنني كنت سأجعلها تتمنى لو أنها لم
تفتح فمها بكلمة !
ومدت اصبعها قرب وجه شانا مهددة :
- ستكون هي سبب خراب نفسها .. تلك الفتاة .. تذكري
كلامي !
أدارت وجهها وقد تغيرت أساريرها بأعجوبة:
-آه .. تشارلز .. يا ولدي العزيز ! سأتركك مع شانا .. إذا
كنت لا تمانع .
ومالت اليه قليلآ وكأنها تسر اليه بشيء.
- أظن انني وجدت لي شابآ.
وحدق تشارلز مذهولآ إليها وهي تبتعد :
- حسنآ .. هل هذا صحيح ؟
ولكن صوتها كان حادآ , وهي تنظر بصمت محركة رأسها
وكأنها لا تصدق .
-143-
- الطبيب ... ؟
- جورج ؟ .. عمتك والطبيب ! يارب العالمين ! من كان يفكر
في هذا ! هل انت واثقة ؟
قطبت جبينها وراحت تمعن التفكير في هذه العلاقة .
- إنهما يجلسان دائمآ قرب بعضهما بعضآ , وكثيرآ ما يتحدثان
حين نخرج الى الشرفة عند المغيب .. وقد رقصا معآ طوال الوقت
تقريبآ في حفلتكم الراقصة . أتذكر ؟
هز تشارلز رأسه ورد بحبور :
- لم يكن لي عينان يومها إلا لك .
انطلقت من فمها ضحكة لا إراديآ , وسألت وأفكارها تتمدد في
كل اتجاه :
- أتظنه قد يتزوجها ؟
سيباع المنزل وعندئذ تضطر هي إلى البحث عن مسكن آخر
تعيش فيه وحدها فليس لها أحدى في انكلترا , لا احد أبدآ .
لقد اعتمدت على عمتها .. تستمد منها الراحة . خلال الايام
العصيبة التي مرت بها كانت عمتها تزورها رغم كرهها لتود وهي
عندما كانت تأتي كانت تحمل معها الهدوء والراحة حتى وإن كانت
أحيانآ غير قادرة على منع نفسها من تعنيف تود في محاولة منها
لدفعه الى التعقل .
كررت السؤال ثانية :
- أتظنهما سيتزوجان تشارلز ؟
- لا أستطيع الجزم شانا .. وكيف لي بحق الله أن أعرف .
- لا .. طبعآ .. لن تستطيع أن تعرف .. ولو بقيت هنا ..
كان وجهها قد كل ألونه ولكن في الضوء الخـافت في
الحديقة لم يستطع تشارلز رؤيته وكانت نظرتها على رجل يدنو من
-144-
عمتها التي راحت ما إن أصبحت على مقربة منه تحدثه ثم رأت
ذراع جورج تندس حول كتفي العمة غلوريا ليكملا طريقهما الى
حيث كان يجري تحضير الطعام .
قال تشارلز :
- فلنلحق بهما لنرى ما قد نجد .. عمتك والطبيب !
- حسنآ .. حسنآ ! هذا موضوع جديد للثرثرة سيدوم طويلآ ,
أؤكد لك . هل تعرفين أن كل امرأة متوسطة العمر تتصل بجورج
عله يحبها ولكن جورج كان منشغلآ عنهن جميعآ لذا لا استطيع
فهم الوضع الآن .
- قد نكون متسرعين في استنتاجنا .
- هذا صحيح .. تعالي ..
وضع تشارلز يده تحت مرفقها وقادها الى حشد من الناس
كانوا يتحدثون ثم لم تجد نفسها إلا خلف العمة وجورج الذي ما
زال يضع ذراعه حول كتفي العمة ويتحدث معها بصوت منخفض
عندما ارتدت شانا خطوة الى الخلف , همس تشارلز :
- ما بالك ؟ ألا تريدين الإصغاء ؟
همست ترد :
- بالطبع لا ... دعنا نحمل شيئآ نأكله .
هز كتفيه باعتذار .
- هل غضبت مني ؟
- لا .. إنما ليس من اللائق استراق السمع الى احاديث الناس .
- أنت محقة . . ظننتك أردت معرفة ما إذا كانت علاقتهما
حميمة , فإن كانت علاقة صادقة بقيت عمتك هنا طبعآ .
- طبعآ .. فلا أعتقد أن جورج قد يرغب في العيش في
انكلترا , فضلآ عن ذلك أن عمتي أحبت موطنك هذا بل لقد
-145-
تكلمت مازحة عن رغبتها في شراء مزرعة .
- وهل ستعيشين وحدك .. لو قررت عمتك البقاء ؟
هزت رأسها , تتمنى لو تتغير دفة الحديث .
- سأضطر عندئذ إلى العيش وحيدة .
- ألك منزل ؟
- قلت لك أعيش مع عمتي .
- أجل .. إنما .. ألم يكن عندك منزل حين كنت متزوجة ؟
توقفت لتتناول قطعة ضلع من لحم خروف .. تردد تشارلز
قليلآ ثم حذا حذوها .
- لقد تخليت عنه بعد وفاة زوجي .
واقترب من مقعد خشبي طويل يقبع تحت شجرة فجلست
عليه مختارة زاوية بعيدة عن اشخاص يحتلون منتصفه ويتحدثون
بصوت مرتفع . جلس تشارلز على مقربة منها وراحا يتناولان
الطعام .
- إذن .. لن يكون لك منزل حين تعودين إلى بلادك . هذا إذا
قررت عمتك البقاء هنا ؟
التفتت اليه عابسة , لتسأله :
- والى أين يقودنا حديثك هذا ؟
انتفض تشارلز قليلآ :
- لا أفهم قصدك شانا ؟
ردت بهدوء :
- بلى .. تعرف . فأنا متأكدة ان في رأسك فكرة ما تشارلز .
- تعرفين إذن ما أود الوصول إليه ؟ أنت تعجبينني كثيرآ .. لذا
أطلب يدك للزواج .
تسـاءلـت كيف تـرد علـى هذا , دون أن تجرح مشاعره أو
-146-
كبرياءه ؟ لن يحس بالجرح , لسبب بسيط هو أنه لا يحبها ..بل
يعتقد ذلك .. فبعد هذه المدة القصيرة باتت تعرفه أكثر مما يعرف
نفسه , فردت عليه بلهجة ناعمة :
- يشرفني هذا تشارلز ولكنني لا أستطيع الزواج بك .
- لماذا شانا ؟ أنا أعجبك دون شك ؟
-الإعجاب لا يكفي ..
- لكن .. لا يمكنك العيش وحيدة . فكري في طلبي .. أرجوك
عديني أن تفكري .
ردت بمرارة :
- أنت تحس بالاسـى علي وأنا أرفض شفقتك تشارلز أما
بالنسبة للعيش وحيدة , فالوقت ما زال مبكرآ على هذا التكهن .
فعمتي لم تلمح بعد إلى أن علاقتها بالطبيب علاقة جادة .
- إذن أنت لن تفكري حتى في الزواج بي ؟
بدا كئيبآ إلا أن شانا لم تشعر بالذنب ذلك أنه سيتغلب على
جرحه هذا في بحر أسبوع . قالت له :
- ليس الزواج جزءآ من مخططاتي المستقبلية .
ما إن ظهرت سندي مع بيري حتى توقف البحث في
الموضوع .
سألت سندي أخيها :
- هل رتبت امر رحلتك الى كريستشرش ؟
فقطب اخيها في وجهها , وقال لها بحدة :
- لا .. لن نذهب .
احتلت نظرة رضى وجه شقيقته بينما نظر بيري بحدة الى شانا ,
التي أخفضت رأسها امام نظرته ..
- ألم ترغبي في الذهاب الى البلدة ؟ ( سألها بيري بفضول )
-147-
- لم يطلب تشارلز مني ذلك .
اتجهت عينا بيري الى تشارلز :
- أو لم تفعل ؟
حبست شانا أنفاسها وهي تنظر الى وجه تشارلز المحتقن . كان
يسود الجو صمتآ متوترآ قبل أن ينفجر قائلآ :
- لا ! بل طلبت منها ان تتزوجني .. ورفضت !
وهب عن المقعد الذي كان يجلس عليه قرب شانا ثم ابتعد في
الظلام , فقالت سندي بلهجة متسلية وازدراء بارز :
- طلب منك الزواج ؟ ما أسعدني لأنك أظهرت بعض التعقل
ورفضت طلبه سيدة بلايث ..
صمتت فجأة , ليس بسبب البريق الغاضب الذي ظهر في عيني
شانا .. بل بسبب النظرة التي رمقها بها خطيبها . إنها تسعى دون
ريب للمتاعب .. ولا بد أن سندي فكرت في ما تقدم عليه فقد
سارعت تتابع , وكلماتها تتعثر الواحدة بالاخرى في محاولتها منها
للتراجع عن قلة تهذيبها التي أظهرتها أمام فتاة هي ضيفة بيري :
- ما أعنيه .. أن تشارلز يفكر حاليآ في وريث , ولا أحسبك
ترغبين في الزواج لهذا السبب فحسب .
تركت هذه المرة صوتها يتلاشى في نهاية الجملة ذلك أنها
أدركت أنها لم تنجح في تصحيح غلطتها إذ كان فم بيري المشدود
وعظام فكيه البارزين يعصفان بخفقات قلب شانا الى درجة
الجنون . ولكن سندي تستحق هذه النظرة لأنها السبب في ما يقع
عليها من توبيخ .
قال بيري بقسوة :
- فلنغير الموضوع . ماذا تريدين أن أحضر لك من طعام أم
تفضلين الاختيار بنفسك ؟ اتنصحيننا بما تأكلين شانا ؟
-148-
نظر الى وجهها , فهزت رأسها :
- إنه لذيذ .
غير أن الارتباك لم يمر بعد على الرغم من الحديث الطبيعي
المتعلق بالطعام . كانت سندي شاحبة شحوبآ أزرق , من جراء
غلطتها .. والنظرات التي وجهها اليها خطيبها , ولكنها تمكنت من
الابتسام :
- احضر لي ماتريد بيري.
حاولت بكلماتها هذه استرضاءه وعندما فشلت أضافت:
- سأتناول ضلعآ مشويآ وهمبرغر.
تحرك دون أن يتفوه بكلمة , إلا أنه أثناء توجهه إلى المقصف
تكلم مع بعض المدعوين , أما سندي فقالت بنبرتها الناعمة التي
يفوح منها الزيف :
- آسف سيدة بلايث , إن أغضبتك .. إنما كنت أحاول
المساعدة . أترين .. الحياة في هذه المنطقة مملة لمن عاش في
أماكن معدة للتسلية والمرح . صدقيني لن تتمكني من تكييف نفسك
في محيط مختلف تمامآ .
ردت شانا بهدوء دون أن تلتفت إليها .
- لن أقبل الزواج بأخيك أبدآ آنسه جيلبرت , فلا تقلقي . فأنا
لا أحبه .. وهو لا يحبني .
- حب ..
فكرت الفتاة قليلآ في الكلمة ثم أردفت ببطء وحقد:
- أنت دون شك تحبين شخصآ آخر .. سيدة بلايث ؟
رفعت شانا نظرها عن صحنها , وقد توترت اعصابها . ليت
بيري يعود .. قالت .
- لا اظنني أفهم قصدك .