المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
عضو راقي |
|
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
كاتب الموضوع :
doode al 7aloo
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
8-لا أطلب شفقة
تلقت شانا في يومها الأول في المستشفى زيارة سيدتين أو
ثلاث من زوجات الرعاة ممن تعرفت عليهن وعمتها أثناء تنزهاتهما
اليومية وقد حملن معهن الزهور والفاكهة والكتب , لتتسلى بها أثناء
وحدتها . أما بيري فجاء قبل الغداء ليوصل عمتها ولكنه بعد الظهر
عاد وحده فقال لشانا إن العمة تستريح الآن , وهي ستقصد
المستشفى في السادسة .منتديات ليلاس
قالت شانا له بوهن عزيمة , لاحساسها العميق بالذنب:
- إنها متعبة . أليس كذلك ؟
كان بيري عندما زارها في الصباح متحفظآ غير أنها علمت أن
عليها قريبآ مواجهة غضبه وأسئلته المتعلقة بأسباب عصيان أوامره
والذهاب إلى الغابة وحدها . ستعود غدآ إلى الدار وعندها سيبدأ
بطرح الاسئلة , وبالتأنيب المناسب ..
- أعتقد أن الجميع متعب . (أجاب باقتضاب)
وقف يشرف عليها وهي مستلقية على السرير . كان شعرها
الجميل كهالة ذهبية حول وجهها المستلقي على الوسادة وكانت
عيناها النجلاوان البنفسجيتان ملبدتين وشفتاها مرتعشتين حين
قالت :
- أنا مذنبة أستحق اللوم بيري ... أريد العودة .. الى انكلترا !
-109-
لا تدري كيف انسلت منها هذه الكلمات فهي لم تشأ قول اي
شيء من هذا القبيل غير أن رغبتها المفاجئة في السفر وترك الرجل
الذي يثير وجوده فيها جيشانآ من المشاعر , دفعت هذه الكلمات
إلى الانسلال قبل أن تستطيع كبحها أو لجمها .
- أتودين مغادرتنا ؟
هزت رأسها .. كانت تشيح وجهها عنه , فغاب عنها رؤية
الخطوط الرمادية المرتسمة على وجهه ... ولأنها لم تجد سبيلآ
إلى التراجع أجابت :
- أجل بيري .. أريد الرحيل . لقد تمتعت بإقامتي هنا , أشكر
لك حسن استقبالنا . إلا انني أشعر بوجوب التفكير في الرحيل
قريبآ .
أعقب عبارتها تلك صمت مطبق طويل .
-هل تحدثت إلى عمتك ؟
حين هزت رأسها نفيآ .. أضاف :
- أنها مسرورة بوجودها في المزرعة لذا أعتقد أن من الخير لها
ألا تصر على الرحيل قبل ان تستعد هي . فربما تكون عطلتها هذه
آخر عطلة تحظى بها , فهي ليست صحيحة الجسم دائمآ . لذلك .
لن يكون مستساغآ قطع العطلة عليها .
أدارت وجهها اليه متفحصة , فكانه لا يرغب حقآ ان يغادرا
بيته بعد .. تعسر على شانا ان تصدق ما قاله , فعندما وصلتا ذكر
أنه لا يرحب بوجود شانا ولكنه عاد فتبدل فتغيرت تصرفاته بشكل
واضح دون أن تفهم لذلك سببآ . تنهدت تنهيدة عميقة :
- أعتقد انك علة حق . ربما يجب أن أكتم عنها شعوري هذا .
- لقد جعلتني أؤمن أنك احببت الاقامة عندنا ؟
جر كرسيآ فجلس عليه ... كان مظهره أكثر رسمية وهويرتدي
-110-
سترة رمادية قاتمة وربطة عنق فوق قميص ابيض ناصع كالثلج .
- لماذا غيرت فجأة رأيك ؟
هزت كتفيها بعجز :
- إن مرد قولي ذاك شعوري الحالي . فمن الخطأ الفادح هيامي
على وجهي في البرية . أشعر أنني الحقت الخزي والعار بنفسي .
ابتسم فدهشت .
- أيكون مرد ما أسمعه منك خوفك مما سأقوله لك حينما
تستعيدين عافيتك ؟
اخفضت جفنيها استحياء :
- انت شديد الملاحظة بيري .
- لا تصعب قراءة أفكارك شانا .
عكس صوتها دهشتها حين ردت :
- لا أفهم لماذا لست غاضبآ مني .
- غضبت في البدء غضبآ شديدآ , ولو وجدناك في الليلة الاولى
لصببت عليك جام غضبي كله . ولكنك بقيت تائهة فلما مرت
الساعات وحل الظلام عليك ..
وصمت .. وظل صامتآ فترة طويلة وكأن الكلام تعسر عليه
فجأة .. فلما أردف خرجت منه الكلمات بصعوبة .
- لقد تغلل القلق إلى نفوسنا واستولى علينا , لأننا كنا نعرف
انك تضعفين وتضعفين طوال الوقت . وسيأتي عليك وقت تعجزين
فيه عن التحرك وعندئذ تستلقين بين العشب المرتفع ويصبح من
المستحيل علينا إيجادك .
صمتت شانا تحدق إليه مذهولة .. بعد لحظات أضاف :
- لا تشغلي بالك شانا .. فلن أوبخك على ما حدث قلت
لعمتك إن حاجتك إلى العزلة التامة دفعتك إلى الخروج كما
-111-
فعلت . وأحسبني أفهم ما شعرت به شانا . ولأنني فهمتك لن أسبب
لك المزيد من الانزعاج .
وأمسك يدها فوق الغطاء , فغطاها بيده التي شعرت بها دافئة
وقوية تؤكد لها بشكل حاسم أنه صادق . لقد قال إنه فهم .. إذن
فهو يعرف انه آلمها ألمآ شديدآ عندما ذكرها بالماضي .. وهو يتفهم
ألمها ويعتبر الذكريات السبب في عصيانها أوامره , فابتسمت له ,
ورد عليها بابتسامة مماثلة . وسألها بلطف :
- أما زلت راغبة في العودة الى وطنك ؟
ردت بخجل :
- ليس الآن بيري .. أشكرك لأنك لست غاضبآ مع أنني
أستحق غضبك .
حلت ابتسامة خبيثة مكان الاخرى :
- ألذلك أقلقت نفسك حتى المرض ؟ هل انا مخيف الى هذه
الدرجة شانا ؟
إن محادثتهما الحميمة هذه غريبة .
- لا أشعر بالخوف عندما تكون على هذهى الحالة .
زال تحفظه تمامآ .. كان ينظر اليها والرقة في عينيه . يده تضم
يدها بنعومة . لقد أصبح سهل المنال فجاة , فتذكرت أملها بأن
يسامحها قبل أن تغادر منزله الى الأبد . فظلل وجهها سحابة الم ,
وارتجف فمها , فقال لها باهتمام مفاجئ :
- مابك ؟ أتعبة انت ؟
هزت رأسها , لا تريد ازعاجه او اقلاقه :
- لا .. لست متعبة .
وقعت اشعة الشمس على شعرها فزادت من نظارة لونه
الذهبي , ولامس الضوء عينها ليغير لونهما فتغيرت سيماء وجهها
-112-
وأصبحت الشرايين الزرقاء أكثر شفافية حول صدغيها .. فابتلع
بيري ريقه بصعوبة , ثم أشاح بصره عن صورتها الرائعة . قال
بطريقة مباغتة أذهلتها :
- يجب أن أذهب . وكما قلت .. ستحضر عمتك لقضاء ساعة
معك قبل العشاء .
نظرت اليه .. ما أشد وسامته وما أروع طوله وما أبهى استقامة
كتفيه العريضتين .
- شكرآ لمجيئك .. هذا لطف منك لأنك كثير الانشغال هذه
الأيام .
بقي قرب السرير فترة , يحدق في وجهها .. وكأنه يكره ان
يتركها . ثم وعدها مبتسمآ :
- سأعود صباح الغد .. أما في المساء فستعودين معي .
- ما أسعدني حين أعود إلى البيت !
قطعت كلامها فجأة وقد أدركت أنها تسرعت في الكلام من
غير تفكير . ارتفع اللون الوردي الى وجهها , فأسدلت ستارة
أهدابها على عينيها لتمنعه من رؤية الانفعال فيهما . ظل يتفرس فيها
بصمت وجمود , وكأنه يفكر في كلامها . عرفت انه مثلها , يسمع ما
قاله لها منذ زمن بعيد : ستكونين عروس (( غريت سليف )) الرابعة
وأجملهن وجهآ وأحبهن إلى القلوب .
أخيرآ , تمكنت من التطلع إليه . كانت عيناه كئيبتين واحدى
يديه مشدودة .. ودعها بسرعة ثم غادر الغرفة .
جاء الطبيب بعد برهة قصيرة , وعبر عن رضاه عن حالتها ثم
ذهب فورآ ..
كانت شانا تقرأ كتابآ حين ظهرت الممرضة الشابة تعلن وصول
زائر .
-113-
-تشارلز !
حيته شانا بحماس , ثم وضعت كتابها على غطاء السرير .
- ما أسعدني برؤيتك .. اكنت مع بيري ؟
تقدم منها ليجلس على الكرسي الذي تركه بيري منذ قليل ..
- لا .. جئت خصيصآ لأراك .
- أوَ اجتزت تلك المسافة كلها لتراني فقط ؟
ارتد في كرسيه , ناظرآ الى وجهها :
- ولم الدهشة ؟ ألا تذكرين أنني قلت لك إنني قادم يوم أمس ,
ولكن بيري ذكر أنكم ذاهبون الى البلدة .
صمت لأنه لاحظ انه بملاحظته تلك أحرج شانا . ثم لم يلبث
أن تنهد , ناقلآ حديثه إلى مسألة ضياعها.
- إن بيري دون شك حذرك مسبقآ من مغبة التوغل بعيدآ ,
فنحن نحذر الزائرين دائمآ من المخاطر التي تشكلها الأحراج هنا .
- اجل .. حذرني .. ولكنني نسيت تحذيره .
- نسيت ؟ وكيف تنسين بحق الله ؟
- يصعب علي شرح الوضع لك تشارلز . فأرجوك لا تطرح
المزيد من الأسئلة . كيف عرفت أنني تهت ؟ هل اتصل بيري بكم ؟
- طلب منا المساعدة.
- طلب مساعدتكم ؟ أتعني ان رعاتكم بحثوا عني أيضآ ؟
- لم يبلغ بيري أبي قبل صباح الامس . إذ وجد انه في ذلك
الوقت بحاجة الى كل رجل قادر على المساعدة . لم يكن يشك في
البدء في قدرته على العثور عليك قبل الغروب . ولما أغربت
الشمس رأى أن لا بد من طلب المساعدة .. فأرسلنا له الرجال ..
طبعآ .
- كلهم ؟
-114-
- معظمهم .
- ما أفظع ما قمت به لقد انزعجت المنطقة بأسرها ! وكيف
وصلوا ؟
- بل قولي بما سافروا .. لقد أتوا بالسيارات والشاحنات
والفانات والسيارات الخاصة ... لا تشغلي بالك بهذا الأمر شانا
فلست أول من يتيه في المنطقة .
- لن أسامح نفسي إذ كان على التفكير في ما سأكبدكم من
متاعب وإزعاج قبل أن أهيم على وجهي . لن أنسى ذلك أبدآ ..
أبدآ .
- بل ستنسينه بكل تأكيد .. لقد انتهى الأمر بسلام .. كيف
تشعرين الآن ؟
- بخير إلا من الحروق طبعآ .
هز رأسه متفهمآ :
- حروق الشمس كالجحيم أما العطش فهو الجحيم عينه .
ارتجفت للذكرى .. مع أنها ما زالت متكدرة لما كبدتهم من
مشاق .
- اجل إنه الجحيم .
وغير تشارلز الموضوع .
- كان علي المجيء لأراك شانا . بيري لا يعلم أنني هنا .
ولكنني سأزوره قبل عودتي .. طبعآ .
في نبرته ما أحرجها من جديد .. آه ليت تشارلز لا يعقد إقامتها
فتمتمت عازمة على تجنب الموضوع .
- هذا لطف كبير منك .. هل انزعج أهلك حين أرسلوا
رجالهم للبحث عني ؟
كانت بسؤالها تفكر في سندي التي تخشى عندما تلقاها أن
-115-
تواجهها بتعليق لئيم يتعلق بمن لا يحترمون القوانين . سمعت
تشارلز يرد :
- انزعجوا ! .. أبدآ .. فليست المرة الاولى التي نُطلب فيها
لمساعدة احد . لقد تاه في السنة الماضية جماعة من السواح كانوا
قد تركوا سياراتهم بعد تعطلها وقد حدث أن شاهد أحد رجالنا هذه
السيارة فعاد ليبلغنا . وقد أسرع عندها رجالنا ورجال بيري للبحث
عنهم .. كانوا جماعة من الاغبياء ! لا بد انهم تلقو تحذيرآ بأن
افضل وسيلة للنجاة هي البقاء قرب سياراتهم .. ولو فعلوا هذا لما
عانوا شيئآ .. لقد لزمنا حتى وجدناهم يومين من التفتيش . وعندما
عثرنا عليهم حملناهم إلى المستشفى حيث مكثوا فيها أربعة أيام .
دخلت الممرضة الى الغرفة تسأل :
- أتتناول الشاي مع شانا سيد جيلبرت ؟
- لا .. شربة ماء فقط .. ارجوك .
ثم التفت الى شانا ليتابع الحديث .
- أفضل انتظار العشاء , لأتناول وجبة كاملة .
ظل عندها نصف ساعة اخرى , ثم خرج قائلآ :
- سأراك في الحفلة .
ابتسمت له شانا . ثم برقت عيناها وهي ترى عمتها غلوريا في
الباب تبتسم لتشارلز , الذي تنحى جانبآ ليتركها تمر :
- تشارلز ... يا للطفك ! أيعلم بيري أنك تزور شانا ؟
جعل انتقال حديث عمتها من الترحيب الى السؤال شانا
تشهق .. لقد قاد تشارلز سيارته ما يزيد عن مئة ميل في حر الظهيرة
- لما يعرف بعد ...
إذن يجب أن تزور المنزل .منتديات ليلاس
-116-
نظر اليها تشارلز مستغربآ , ثم تبادل النظرات مع شانا :
- كنت على وشك أن أقول إنني سأزوره .
احمر وجه العمة بشدة .. وتمتمت :
- عذرآ على تطفلي . كان علي أن أدرك انك لا بد زائرآ
المزرعة قبل عودتك .
- إلا أنك بدوت ملهوفة حتى أقوم بهذه الزيارة سيدة جيليس ؟
لقد حيرته بالحاحها كما اذهلت شانا . ولكن العمة هزت
كتفيها بعدم اكتراث مفتعل :
- ملهوفة ؟ ولمَ أكون ملهوفة إن زرته أم لم تزره ؟ لا .. لقد
ذكرت تلك الكلمات عرضيآ ليس إلا . هذا ما يحدث للمرء عادة
حين يكون فكره مشغولآ بأمور اخرى .
نظرت شانا الى وجهه عمتها ممعنة وأجابت :
- وما هي الأمور التي تشغل بالك عمتي ؟
- انت بكل تأكيد ...! لا أقوى على عدم التفكير في المحنة
الفظيعة التي مررت بها . إنها وحدها تكاد تميتني رعبآ .
نظرت شانا اليها بارتياب , تتذكر كيف تجاوزت العمة الأمر
بسهولة . ولكنها لم تقل شيئآ . بل ودعت تشارلز الذي لوح بيده
قبل ان يغادر الغرفة .
- اجلسي عمتي .. كيف جئت ؟ أوصلك بيتر ثانية ؟
- اجل .. أليس هذا لطفآ منه ؟ أنا لن اتعب إن جئت سيرآ
ولكن بيري يرفض ذلك . ذلك الشاب عطوف حقآ لقد قال بصوته
الصارم : لا .. ستتعبين كثيرآ .. فكان أن ارسل بيتر ليوصلني ...
والآن عزيزتي .. كيف حالك اليوم ؟ تبدين بصحة جيدة , وأنت
على فراشك مستلقية .
-أنا في أتم عافية فكل شيء حتى الحروق أفضل حالآ .
-117-
لاح لها أن أفكار عمتها بعيدة جدآ . فبعد أن سألتها ذلك
السؤال فقدت الاهتمام بردها وراحت تتمتم وكأنها تحدث نفسها :
- اتساءل ماذا سيعتقد بيري حين يعرف ان تشارلز قطع تلك
المسافة ليراك . أنا نفسي ما كنت لأصدق أنه سيفعل ذلك .
هزت شانا رأسها مرتبكة فهي ما عادت تفهم عمتها هذه
الايام . فقررت أن من الأجدى لها ترك العمة وشأنها فلتفعل ما
تشاء .
غير أن العمة لم تلبث أن انتقلت إلى الحديث عن أمور أخرى
بعفوية حتى حان وقت رحيلها .. فانحنت تقبل ابنة اخيها :
- عمت مساء عزيزتي .. وانا سعيدة لأنك لم تتلقي اللوم على
ما قمت به .
ولكن لماذا تهتم العمة بأثر زيارة تشارلز على بيري ؟
والسؤال هل سيبدي بيري أية ردة فعل ؟ طبعآ لن يفعل . ولكن
شانا كانت مخطئة في ما تيقنت منه ذلك أن بيري حين وصل إلى
المستشفى صباح اليوم التالي كان أول ما قال باقتضاب ووجوم :
- يبدو تشارلز مهتمآ بك اهتمامآ عليه أن يشعرك بالفخر , فلقد
قطع هذه المسافة ليراك فقط .
نظرت شانا اليه بسرعة , كانت جالسة الى الوسائد ..
تبدو جميلة خلابة ترتدي سترة نوم وردية جميلة , فردت عليه:
- هذا ما أدهشني ايضآ . فلو كان قلقآ علي لسأل عن حالي
بواسطة جهاز الإرسال .
جلس بيري ساخطآ :
- كان قلقآ عليك بالتأكيد . ما من شك في هذا !
وازدات حيرة شانا فسألته متوترة :
- هل أنت منزعج لأنه زارني ؟
-118-
ارتفع رأسه بتعجرف فجأة .
- منزعج ؟ ولماذا أنزعج ؟
- لا سبب أبدآ .. لكنك لا تبدو راضيآ .
ارتجفت شفتها , فقطب جبينه ثم غدا أرق وألطف .
- لست غاضبآ ولكن زيارته فاجأتني وهو إلى ذلك لم يعلمني
بها . إنه لا يتمادى عادة ولا يتجاوز غزله حدود معينة .
- لكن تشارلز لم يغازلني قط ولم يتمادا
- أثق بكلامك ولكن هذا لا يعني أنه لن يتمادى .. فهو مهتم
بك حقآ .
جعله هذا التفكير يعبس عبوسآ شديدآ .. لكن وجهه كان
يرتدي قناعآ باردآ لم تفهمه . فقالت شانا بهدوء:
- هو يهدر وقته إذن . لأنني لست مهتمة به أبدآ .
- ألا تجدينه جذابآ ؟
- إنه جذاب دون شك ؟ فمظهره جميل وجسده رائع وأخلاقه
عظيمة لذا أحسب أن امرأة ما ستقع في حبه رأسآ على عقب يومآ .
ابتسم بيري ابتسامة خالية من المرح . كان متباعدآ منطويآ على
نفسه , فعيناه كئيبتان وأفكاره بعيدةكل البعد عن السعادة .
- اذن .. تجدينه جذابآ ؟
هزت رأسها وقد اربكتها تصرفاته :
- قلت لك إنه جذاب . إما أنك أسأت فهمي وإما أنك حرفت
معنى قولي .
فكان رده غير المتوقع :
- أنا آسف .. أفهم من هذا أنه رغم طلته البهية لم يفتنك ؟
- لست في مزاج يقدر فيه أي إنسان على أن يفتنني بيري . أقوم
وعمتي بعطلة ستنتهي وشيكآ لذا من الغباء أن اتورط مع احد .
-119-
هز رأسه وقال :
- لن تسافرا قريبآ . فعمتك تحس بالاستقرار والرضى .
نظرت اليه بدهشة :
- ألا تهمك المدة التي سنمكثها عندك ؟
- نحن نحب الزائرين , فالزيارة تضفي تغييرآ مستساغآ على
حياتنا .
- لدى عمتي منزل وحديقة ..
- ومن يرعاهما لها ؟
- جاران غير أننا لن نستطيع الابتعاد طويلآ .
- أخبريني ... ماذا ستفعلين حين تعودين ؟
- سأعود الى وظيفتي التي أرجو أن تكون شاغرة .
- وماذا تفعلين في العطلات الأسبوعية ؟
- اقوم بأعمال منزلية , أو أخبز إلا أنني أمضي معظم أوقات
فراغي برعاية الحديقة فعمتي لم تعد قوية الجسم . ورعاية الحديقة
تتطلب قوة وقدرة .
بدت عيناه مستقرتين في عمق عينيها بشكل غريب فاحمرَ
وجهها وحل الاحمرار محل الشحوب , وارتفعت ابتسامة الى
شفتيها , أما هو فلم تتزحزح نظرته عن وجهها حتى هز رأيه أخيرآ
وقال بصوت تغمرة الشفقة :
- ليس لديك خيارات كثيرة .
أهذه شفقة ؟ ثارت أعصابها .. شفقة ! ونظرت الى الوراء تتذكر
مناسبات أظهر فيها الشفقة ولكن وجهه حاليآ مطبوع بالشفقة .. انه
يفكر في حياتها ورتابتها . . ربما يحس رغم شفقته أن اللوم يقع
عليها وحدها . فحياتها كان يمكن ان تكون مختلفة كل الاختلاف
لو اتبعت قرار قلبها بدل قرار ضميرها . أحست بالبرود فامسكت
-120-
آليآ بالاغطية تشدها ثم لم يلبث أن عاد الشحوب إلى وجهه فتغيرت
ملامح وجهه وهو يرى هذا التغيير المباغت .
قالت بجفاء :
- حياتي هادئة مستقرة وعامرة . ربما ليس فيها إثارة . نعم
ولكنني قانعة بها .
اتضح أن تصرفاتها وكلماتها جعلته ينتفض فمال الى الامام في
كرسيه ... واقترب منها كثيرآ , تلمع عيناه غضبآ . حتى بدا اكثر من
مخيف .. ورغم ذلك .. تحبه ! ألا تتمكن من مد يدها إليه فهذا
عذاب أليم . آه ليته يمسك يدها أو يضمها ضمآ شديدآ قويآ كما
كان يفعل في الماضي . يالبؤسها وضعفها ! أيجلس حبيبها قربها
وهي عاجزة عن الابتسام ابتسامة مشرقة أو عن الاستناد إلى كتفه
بتملك ؟ تجمع ثقل كبير في عينيها ومات قلبها فعوضآ عن القيام بما
تتوق إليه كان عليها ادعاء الهدوء والبرود , ووضع قناع غير
عاطفي .. كان عليها أن تحافظ على رأسها شامخآ لتظهر أن
كبرياءها ما تزال محفوظة .
ووقف بيري فجأة .. وكأنه أحس أن وجوده لم يعد مرغوبآ ..
فودعها بكلمات متوترة ككلماتها وتركها .. تركها تعض بقوة على
شفتها , وتبتلع بصعوبة الشفقة ...!
إنها ذل لن تقوى على احتماله أبدآ !
أن يتصرف بلا مبالاة خير لها من الشفقة .
* * * * *
-121-
التعديل الأخير تم بواسطة doode al 7aloo ; 12-01-09 الساعة 03:09 PM
|