رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
اخذ يراقب سارة عن بعد ويفحصها وكأنها قطعة فنية ويحاول ان يخترق المعنى السري لتعبير وجهها ووضعها وهي جالسة . كانت ممددة فوق الأريكة الوردية وهي تحتضن كتاباً بين ذراعيها وكأنها طفل يحتضن دباً من الفرو وعيناها منخفضتان من التركيز .
كانت فاتنة بسيطة وساحرة . من اربعة ايام وهو يراقبها كان يتعجب من هذا الخليط من البراءة والنار الخفية ومن تلك العينين البراقتين من الفضول والابتسامة الحلوة , كل شيء فيها يجعله غير جدير بلمسها وإن كان يتحرق شوقاً لأن يفعل ذلك . كم ود لو لمسها وهي في هذا الوضع حتى تزيل طهارتها ما علق بروحه من أثام , إنه ببساطة يرغبها , وهو كرجل تعود تحقيق رغباته فقد استسلم للإغراء , قال وهو يدخل الحجرة : - إذن نحن نقرأ قليلاً ؟ انقطعت تأملاتها واخذت سارة تنظر اليه بعيني واسعتين مدهوشتين , إنه يراها لا تقاوم ورغم مظهرها المشعث وهو ايضاً في نظرها يصعب مقاومته وهو يرتدي بنطلون الجري بلون رمادي وجوربه الصوفي الذي تهدل على عقبيه وهو يتأمل في تسلية عشرات المؤلفات من كل الأنواع تحيط بها ومبعثرة فوق الأرضية والمقعد وعلى مسند الأريكة , قالت معلقة : - كان من الواجب ان تكون نائماً ! كان مات معتاداً على هذا النوع من سرعة البديهة ولم يجب عليها وإنما ذهب ليجلس بجوراها على الأريكة . اخذ منها المعجم ونظر إلى الصفحة التي كانت قد توقفت عندها ثم قال : - انت على حق , إن المرء لن يعرف كثيراً من مدرج الكريات وبالنسبة لي اخشى ان معلوماتي عن هذا المجال غير كافية .ريحانة اخذت سارة الكتاب من بين يديه واغلقته ثم نظرت إليه في ابتسامة مسرورة : - اخيراً ابتسامة ! هل يعني هذا انك لم تعودي غاضبة مني ؟ اجابته : - ولكني لم اغضب منك ابداً , ولماذا اغضب؟ هز مات كتفيه : - لقد قلت لنفسي إن المرأة تصعقني بنظراتها وترفض تقريباً الحديث معي مدة يومين وتكون خارج نطاق حجرتي عند أول مبرر يطرأ ببالها , لابد انها تحمل ضدي شيئاً , ربما نقص السحر عندي؟ دافعت سارة عن نفسها : - انت مخطئ . - آه , إذن انت تعتبرينني ساحراً ؟ احست سارة بعدم الارتياح واخذت تشد ثوبها .ريحانة - أنا اعتبرك .. لا شيء على الإطلاق , انت شقيق انجريد وضيفنا . قال وهو يهز رأسه وهو يتطلع للمؤلفات حيث شاهد بينها رواية لمارك توين وكتاباً عن الفراشات وتاريخ قبائل السيو الهندية . - آه , فهمت ! على اية حال هل تحبين القراءة ؟ ربتت سارة الكتاب الموضوع على ركبتيها وكأنها تربت قطة . ثم قالت معترفة : - إنني اعشق القراءة والتعليم , أنا أقرأ كل ما يقع في يدي . اخذ مات يفكر فيما يمكن ان تكون عليه سارة لو اتيحت لها إمكانية الاستفادة من التعليم الحقيقي مثلما يفعل ابناء المدينة . |
رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
سألها :
- ألم تفكري في الالتحاق بالجامعة ؟ لم تكف سارة عن ان تحلم بذلك ولكن دون أمل طوال فترة مراهقتها . اكتفت بالاجابة : - إنه امر مستحيل . - ألا يشجع الآميشيون شبابهم الموهوبين ؟ احست بالجرح من هذه الفكرة ونظرت اليه في غضب .منتديات ليلاس - إن مكاني في المزرعة , نحن زارعون ونجارون وزوجات لزراعين وزوجات لنجارين , فما فائدة ان ننفق المال على مدراس راقية ؟ اجاب في شبه همس: - فعلاً , لا شيء على ما اظن ! لقد بدت امامه كأنها تلقي على مسامعه رد محفوظاً من كتاب عن الفلسفة الآميشية . كان مات مؤمناً بأن أي شخص لديه نهم نحو المعرفة مثلها لا يمكن ان يكون هذا رأيه , ولكنه مرر الموضوع دون تعليق.منتديات ليلاس تناول قبعتها التي وضعتها على الأريكة واخذ يفحصها , نظرت إليه سارة في رعب كأنه شاهدها شبه عارية , رفعت يدها إلى شعرها في حركة ارتباك ودون ان يشعر مات غطى يدها بيده والتي لمست جمجمتها والتي تراجعت وكأنها تتمنى لو ان الأريكة ابتلعتها . همس : - إن لك شعراً جميلاً جداً. كانت الكتل المتشابكة الحريرية قد جمعتها في ضفيرة ثبتتها على رقبتها من الخلف بمشابك شعر كبيرة . اصاب مات الجنون وهو يفكر في هذا الشعر وهو مفرود ومنسدل , سألها : - لماذا تخفينه ؟ - إنها عادتنا , إن الشعر هو مجد المرأة ولا يجب ان يراه احد سوى زوجها . وإلا دل ذلك على الغرور والكبرياء والخطيئة .ريحانة - أما أنا فأجد من الخطيئة ان تخفي هذا الشعر او أي شيء جميل . من زمن بعيد وسارة تتمنى ان ترى شعرها مفروداً ومتطايراً مع الريح واقتنعت بأن هذا الشعور هو المرادف لحرية الروح. ولكن يضايقها ان يشاطرها هذا الرأي رجل غريب والذي يشكل خطراً عليها فاستعارت أحد هذه الردود المحفوظة التي يرددها والدها : - هذه عادتنا ولا تحتاج للنقاش سواء كنت متفقاً معنا أم لا . رد مات دون ان يغضب عندما ضربت يده الموضوعة فوق رأسها : - حسناً , هذا ليس رأياً. ترك ذراعه تسقط فوق مسند الأريكة وقال : - ولدي إحساس بأنه ايضاً ليس رأي بطلة تسلق الأشجار . إن السهولة التي يقرأ بها افكارها جعلتها ترتجف. - لقد كنت بنتاً صغيرة والآن أنا امرأة . - لقد لاحظت ذلك رغم كل جهودك لإخفاء ذلك. نهضت سارة واخذت تذرع الحجرة وتسقط صفاً من الكتب في طريقها . - هل من الضروري ان تسخر مني دائماً ؟ احتج مات : - ولكن لا ... نهض بدوره رغم الدوار الذي يحسه في رأسه . - أنت تتصور انه يمكنك ان تقبل الخادمة الصغيرة الأميشية وتسخر منها ... امسكها مات من كتفها . - انتظري دقيقة .منتديات ليلاس - ليس لأنني ارتدي ملابس بسيطة واعيش حياة بسيطة معنى ذلك انني بسيطة الروح يا سيد ثورن .ريحانة |
رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
- ولكني لم أقل إنك معقدة , وإنك لم تكوني معقدة , اسمعي يا سارة لم نعد في العصر الفيكتوري ولست رجلاً مما يغازلون الخادمات في الأركان .
- اذن ماذا تريد مني ؟ ندمت سارة في الحال على سؤالها . لو كان يريد شيئاً فإنها لن تستطيع ان تعطيه إياه وتواجه اسرتها . وإذا لم يكن يريد شيئاً فإنها تفضل ألا تفكر فيما سيحدث لها من إحباط , قال : - لنبدأ بقليل من الصداقة يا سارة . ماذا تفعل ؟ إن الاقتراح مغر جداً . استأنف : - أنا آسف لأنك فهمتني خطأ , أنا امازحك , هذا هو كل مافي الأمر . ولم تكن لدي نية جرحك . احست بالضياع امام رقته , إنها لم تعد تتحمل فكرة ان تجرحه , قالت وهي تنظر إلى حذاء مات الذي لم يحكم رباطه .منتديات ليلاس - اعذرني , لم يكن من الواجب ان اغضب , إنني مضيفة سيئة . رد مات وهو يقاوم رغبته الجامحة : - لا داعي للأسف . اكتفى بأن رفع ذقنها بأصبعه كي يغوص في اعماق عينيها , خشيت سارة في آن واحد ان يضبط او لا يضبط العاطفة التي تشغلها , خشيت ان يتمادى ولكنه اكتفى بالابتسام في حنان . - لقد مررت بيوم عصيب وانت متوترة واعرف كيف أعالج ذلك .ريحانة سألته وذهنها مليء بالصور والخيالات : - كيف ؟ توجه مات ناحية المجموعة الصوتية الخاصة بجون وود والتي كانت سارة تخشى دائماً ان تلمسها , وبلمسة من إصبعه على احد الأزرار كانت كافية لملء الحجرة بالموسيقى الناعمة حيث سحرها وجمالها انتزعا الرجفة من سارة , لقد تربت في بيت مليء بالموسيقى ولكن الاغاني الأميشية تحض كلها على الفضيلة وحب الواجب وقبول العذاب ودخول الفردوس بعد معاناة طويلة في حين ان الموسيقى الخاصة بالامريكيين تحض على إقامة علاقة بين الناس . بدا لها ان تلك الموسيقى والأغاني تتكلم عن الحب والسعادة وانتصار الحب. والمطرب الذي يشدو للحب كان صوته عميقاً ومؤثراً , قال مات معلقاً : - إنه بول يونج إنها موسيقى ترفق المشاعر , هيا قومي بعمليات الشهيق والزفير ببطء. اتبعت سارة تعليماته ولكنها احست بالاختناق عندما وضع يده على كتفها , زجرها مات بعينيه فاسترخت . لقد اربكها تماماً. ودت لو جرت مسرعة إلى حجرتها ولكنه كان يحيرها ويجتدبها. قال : - اخشى انني تحولت إلى عاجز فلا مجال إذن للرقص مثل باتريك سوايز .ريحانة - من باتريك سوايز هذا ؟ احد اصدقائك؟ قهقه مات : - ليس بالضبط. في وسط مات الاجتماعي فإن النساء كن على استعداد للتنازل عن أي شيء في سبيل مراقصة باتريك سوايز وسارة لا تعرف من هو . من المحتمل انها لم تشاهد فيلماً سينمائياً وإلا لعرفت نجم الرقص الشهير . فكر في مدى سعادته لو صحبها إلى السينما لأول مرة . وبالنسبة له سيكون ذلك بمثابة إعادة اكتشاف نفسه في عينيها . إنه خلال براءة سارة سيرى العالم بعينين جديدتين وبالنسبة لرجل رأى الكثير من النواحي السيئة فإن الإغراء لرؤية العالم الجديد كان كبيراً . |
رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
- على اية حال هذا الاسم غير مهم , هيا استرخي .
- انا مسترخية .منتديات ليلاس - كاذبة ! اخذ يدلك كتفيها ثم قال : - اغلقي عينيك واسترخي مع نغمات الموسيقى . اطاعته سارة وسادها إحساس غريب . احبت كأنها تحت الماء تبتعد عن الشاطئ وسط محيط أصم وتحس بحالة من الثقل بينما يدا مات هما اللتان تصلانها بالواقع , همس : - ها نحن قد وصلنا . كان صوت الرجل الدافئ والناعم قد حمل سارة فوقة موجة موسيقية . كان بول يونج يغني الآن اغنية جديدة اكثر بطئاً وتاثيراً , دعاء للحب مزق نياط قلبها .ريحانة تأثر مات بهذا الجو الهادئ المليء بالعواطف واحس بأنه على بعد آلاف الأميال عن المدينة وعن قاعة الاستقبال في المستشفى والضجة والعنف واحس بالسعادة . لم يبق في العالم سواهما . هما الاثنان تلفهما عاطفة رقيقة وهشة . تساءل : إلى اين سيقوده كل هذا ؟ كان يتمنى ان يعرف الإجابة , عندما توقفت الموسيقى ابتعدت سارة عنه خطوة للخلف وغرقت في عينيه اللتين اصبحتا بلا عمق. كان وجهها خالياً من التعبيرات وهي مثبتة عينيها امام عينيه , كل ما ستطاع قوله هو : - سارة ..! همست وهي تبتعد عنه كحيوان مفزوع : - من الأفضل ... ان أقول لك تصبح على خير. راقبها مات وهي تبتعد دون ان ينطق كلمة وعندما وصلت سارة إلى الظلام الآمن قاومت رغبتها في ان تجري لتتعلق بعنقه . توجهت ببطء إلى عتبة الدرج حيث امسكت بالدرابزين وكأنه حلقة النجاة , همست في اضطراب : - يا إلهي ! امنعني من ان أقع في حبك . ولكنها عندما وصلت إلى حجرتها كانت العاطفة التي لم يعد هناك فائدة من مقاومتها قد خنقتها . نهاية الفصل |
رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
الفصل الخامس
بعد ليلة اخرى طويلة بلا نوم قررت سارة ان الأفضل ان تظل بعيدة قدر المستطاع عن مات ولو تماسكت حتى رحيله فإن عذابها سيقل.منتديات ليلاس كانت افكارها تعود بلا انقطاع إلى اللحظات الحلوة التي قضتها معه يستمعان إلى الموسيقى الهادئة وكلمات شخص مجهول يغني معبراً عن كل تطلعاتها الكامنة . ومع ذلك لابد ان تظل عاقلة . ان تقع في حب هذا الرجل فإن ذلك يمثل خطراً شديداً وسعادة من جانب واحد . هذا الحب لا مستقبل له رغم ان مات رجل طيب , ومن الأفضل ان تشبع شوقها للمغامرة بطريقة اخرى كان تحاول مثلاً ان تستخدم فرن الميكروويف او تشغل جهاز التسجيل الخاص بجون الذي يطرد الشرائط في عناد عندما تدسها فيه . إن الاجهزة المنزلية لديها تعرض الكثير من المغامرات الاكثر عاطفية , ببساطة مات يجب ان يفهمها . دست بعض كلمات في ورقة وسط شرائح التوست التي صعدت بها إليه ضمن طعام الإفطار تخبره انها ذاهبة الى المدينة . ولو حالفها الحظ لوجدته لا يزال نائماً واكتفت بوضع الصينية على المائدة والهروب في الحال .منتديات ليلاس صعدت الدرج وبلوسوم في اعقابها وهي حريصة على الا تسكب عصير البرتقال او تجعل اغطية الآنية تصدر صوتاً بينما تصاعدت رائحة القهوة من الصينية واخترقت انفها . تجنبت في حرص البلاطة المخلخلة عند عتبة السلم وألصقت الصينية في صدرها ثم حررت إحدى يديها لتفتح الباب والذي لم يحدث ضجة . دفع بلوسوم الباب بمؤخرته ثم قفز داخل الحجرة وهو ينبح ليجلس بعد ذلك تحت قدمي مات ثورن الذي كان واقفاً وسط الحجرة وهو شبه عار . صاحت في رعب: - يا إلهي ! شلت اصابعها فجأة وافلتت الصينية التي سقطت على الارض وانتشر عصير البرتقال فوق الباركيه وتناثرت الفطائر في كل مكان واخذ بلوسوم يلعب بها وكأنها كرات . لم يتحرك مات من مكانه وهو يمنع نفسه وهو يرى امرأة بالغة يصبح لونها بنفسجياً من الخجل. هبطت سارة إلى الأرض وعيناها متجهتان لأسفل واخذت تجمع بقايا ومكونات الإفطار من كل مكان .منتديات ليلاس قالت وهي تتلعثم : - ارجو , المعذرة . كان عليّ ان أطرق الباب قبل الدخول ولكني ظننت انك لا تزال نائماً, ولم أكن اظن انك ... على هذا الحال ... أكمل لها مات العبارة وهو يبتسم : - شبه عار . - اوه , يا إلهي ! |
الساعة الآن 03:26 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية