الفصل السادس ^.^
كان مطعم لوسيو منزلاً قائماً على مرتفع ، وقد جدد لكي يناسب احتياجات المطعم ، كان فيه قاعتا طعام ، وأثناء فصل الصيف تصبح ثلاثاً ، وذلك باستعمال الحديقة الخلفية ، أما الديكور فكان متواضعاً ، وكان اللون الوردي مسبغاً على الجدران واغطية الموائد وستائر النوافذ المشرفة على الشارع . كانت الأنغام الموسيقية تتجاوب في انحاء المكان ، وكان الندل ودودين ، بالغي العناية . والخدمة ممتازة ، وكذلك الطعام ، وكان المكان بجملته ساراً للغاية .
غستقبل النادل كين وليزا عند الباب ثم رافقهما إلى المائدة الوحيدة الخالية في القاعة الأمامية ز وعندما جلسا ،توقفت الأحاديث التي كانت تدور بين الزبائن ، فقد كان كين معروفاً في هذه المنطقة حيث انه كان قد اقام منشآت عديدة لمشاريع عامة ، وكان دوماً يجتذب انظار النساء ، بينما كان الرجال ينظرون إليه بفضول مزيج بالحسد والاحترام .
لم يبد على كين أنه تأثر بكل هذا ، اما ليزا فقد كانت تعي دوماً نظرات النساء اليه ، كان ذلك في البداية يجعلها تشعر بعدم الاطمئنان وكان هذا يساهم في جعلها تخضع لقواعد كين ، لأنها كانت تخاف دوماً من انها إذا لم يكن راضياً عنها ، فهناك نساء أخريات يتلهفن إلى احتلال مكانها ، وهكذا كما ادركت ليزا ، كان هذا هو السبب في مشكلاتها مع كين ن والتي كانت تختزنها في اعماقها إلى أن طفح منها الكيل هذه العطلة الأسبوعية .
منتديات ليلاس
كان ذلك قد سبب عدة مواجهات بينهما ، ولكنها كانت دوماً هي التي تتراجع ، متنازلة عن مطالبها بدلاً من فرضها بالقوة . ذلك انها اذا أرادت استمرار علاقتهما ، لم يكن امامها خيار آخر ، اذ ان كين ماريوت لم يكن يعرف الإنحناء ، ولا كان من الممكن إقناعه ، فقد قرر وانتهى الأمر .
حتى هذا النهار . كان ثمة شيء مختلف ، انها تشعر به في دمها ، لم يكن هذا يعني ان كين كان أقل حزماً وقساوة وإنما كان ببساطة يقرر أموراً لم تكن تنتظرها منه مطلقاً ، ذلك انه اليوم ، فقط وبوضح تام ، اخبرها بأن ليس ثمة امرأة اخرى في حياته ن وقد اثبت ذلك لها بطريقته الخاصة ، ما جعل ليزا تعترف أخيراً انه ليس صياد نساء ، وفي الواقع حسب ما تتذكره، لم ينظر غلى امرأة أخرى منذ تعرف إليها.
حتى الآن بالنسبة إليه، كانت ليزا هي المرأة الوحيدة في المطعم ، كان جالساً امامها ، وعدا عن نقاشه مع النادل في انواع الطعام ن كان كل اهتمامه منصرفاً اليها ، كانت عيناه دائمة التحديق في وجهها ، وفمه على استعداد للابتسام لكل ما تقوله ، وكان السرور مرتسماً على ملامحه لجلوسه معها ن وكانت هي تشعر بوجهها يتوهج سعادة .
كان الطعام لذيذاً كالعادة ، دهشت ليزا وهي ترى شهيتها كبيرة للغاية ن وقد مضى وقت طويل منذ تناولت الغداء ، لكنها لم تكن تشعر بالجوع على الاطلاق ، واخيراً قررت ان ذلك نتيجة استهلاك طاقتها هذا النهار .
سالته :" كيف تجد الطعام في فيكتوريا ؟"
" لم انتبه ، كان طعاماً ، وهذا كل شيء ."
يعني انه كان وقوداً يساعده على الاستمرار حياً ن فقد كان العمل هو همه الوحيد ، وبإمكان ليزا ان تتصوره غير منتبه إلى أي شيء آخر .
" هل انتهت المشاكل الرئيسية الآن في ناحية البناء ؟"
" لقد انتهى الأسوأ ، واجتياز الزمة سيستغرق بعض الوقت ن ثمة كثير من الناس يريدون تسوية الأمور ، وهذه ليست هي الطريقة لإنجاز الأشياء ."
كانت تعلم انها ليست طريقة كين ، ولكنها أيضاً ليست طريقة احد ، إذ كان يبغي النجاح ، وكانت ليزا تقدر ذلك من خلال اتصالها اليومي بجاك كونواي .
المشكلة مع كين كانت في نقل هموم عمله غلى حياته الخاصة ، ومن ناحية اخرى ، كما رأت ليزا ، ربما ذلك النوع من هذه المقدرة جاءت فقط من رجل قد تأصل هذا في طبيعته .
اخذت تتساءل كيف يسير جاك كونواي في حياته الخاصة ، كل ماكنت تعرفه هو انه استمر مع نفس المرأة ثلاثين عاماً ، ولكنها كانت واثقة على كل حال من أنه إذا كان يعبث مع النساء ، فهو لم يكن ليغامر بما له من الأولوية عنده ، وقد سمعته مرة في جدال يقول ان الطلاق هو غباء ، وتصورت ليزا ان كين ربما يفكر بنفس الطريقة ، فالإعتبارات المالية تحكم دوماً عالم كين .
لكن ليزا عادت تذكر نفسها بسرعة بان هذا ليس الاعتبار الوحيد لدى كين ماريوت ، فثمة اسباب كثيرة لديه للاحتفاظ بمسيرة الحياة الزوجية ، عدا عن مجرد الرغبة في صيانة ماله ، فقد كان كين انتاج زواج محطم ، فهو يكره الطلاق بمرارة ، وما اصبح عليه الآن لم يكن سوى نتيجة لما حصل بينه وبين والديه ، وكانت ليزا واثقة من ذلك .
ومع انه لم يأت قط على سيرة حياته بالتفصيل، إلا ان تعليقاته اللاذعة التي كانت تصدر عنه من حين لآخر ، جعلتها تتكهن بالمأساة التي سارت بها حياته ، وحياة شقيقته ، ولا شك ان كين ما كان ليفرض ذلك النوع من العذاب العقلي والعاطفي على أولاده عندما يتزوج ، ذلك ان التزامه هو بقساوة الصخر.
وتمنت لو يتحدث بوضوح عن حياته ، سألها كين فجأة والفضول يظهر من عينيه :" بماذا تفكرين ؟"
قالت متأملة :" ان بعض الرجال اكثر جاذبية من غيرهم ، ولكنني اتفق معك ، لكن ... ليس هذا ما يجعل الرجل يتشيث بالمرأة ."
سألها برقة :" ما الذي يجعلك تتشبثين بي يا ليزا ؟"
فأجفلت لهذا السؤال المباشر ، ليس من عادة كين ان يجس مشاعر الآخرين ، رغم انه قد قام بذلك هذه الليلوةة عندما تطرق إلى موضوع الحب ، وفكرت في الأمر عدة لحظات ، ثم سألته :" أتريد الحقيقة ؟"
" نعم ."
فتنهدت ، وبسطت يديها وكأنه تعتذر عن عدم تمكنها من ابداء الأسباب :"اظن اقرب تفسير يمكنني اعطاؤه هو انني اشعر بكل ما حولي يتوقد ، عندما اكون معك ، فالحياة اكثر إشراقاً وتألقاً ، وبهجة ..." لوت شفتيها وهي تتابع :" وعندما تكون بعيداً عني اشعر بأنني شبه حية ."
قطب جبينه وهو يومئ برأسه مفكراً ، ثم القى عليها نظرة تفهم :" هذا إذن ، السبب في انك تريدينني ان اتصل بك هاتفياً ، لكي تستمري في الشعور بانك مازلت على قيد الحياة ، أليس كذلك ؟"
" هذا أحد الأسباب ."
فقال :" سأفعل ذلك في المستقبل يا ليزا ."
حركت رأسها غير مصدقة . هل يقرر ذلك بهذه السهولة ؟ ثم عادت فأدركت ان كين قد غير رأيه في ما تحتاج إليه ، ولم يعد يظن انها تريده العوبة بين يديها .
سألته وهي تتساءل عما إذا كان بسبب آخر غير ما سبق وقاله (بأنهما متلائمان) سألته قائلة :" وما الذي يجعلك تتشبث بي ؟" منحها ابتسامته الملتوية :" اظن الأمر مشابهاً ." ثم تلاشت ابتسامته ، وازدحمت المشاعر في عينيه ، ثم قال برقة :" انني اريدك ان تبقي معي ، يا ليزا ، فماهو رأيك؟"
تبقى معه لمجرد التسلية اثناء العطلات الأسبوعية ؟ هذا بالاضافة غلى المكالمات الهاتفية التي وعدها بها ؟ وامتلأ قلبها بمزيج من الأمل واليأس . كانت تريد من كين أكثر مما اعطاها بكثير ، ولكنه قد ابتدأ يعطي . ومع مزيد من الوقت والتفهم بينهما ، ربما يصبح بإمكانها ان يصلا إلى نوع من المشاركة التي تعني استجابة كل منهما لطالب الآخر .