الفصل الرابع
لم يكن الطريق الخاص الذي يقود إلى بيت كين ماريوت ، طويلاً فهو لم يكن فقط بجانب المطار ، ولكن يمكن الوصول اليه خلال الطرق الجانبية ، تجنباً لازدحام الطرق العامة الرئيسية . ولم يكن هذا شقة في مبنى كبير ، وإنما منزلاً ذا شرفات وفناء خلفي وكاراج .
فتح كين البوابة غلى الفناء الخلفي لكي تمر ليزا منها بسيارتها لتوقفعا على الأرض المرصوفة بالحجارة شأن معظم المنطقة ، وكانت وفرة النباتات الإستوائية التي تغطي ناحيتي السياج تؤمن عزلة المكان ، كان لاختيار كين لمسكنه هذا يمثل شخصيته . فهو منزل راقٍ في منطقة راقية ، كما انه ملائم وقريب من كل شيء ، من أماكن العمل واللهو والمتاجر وغير ذلك...
منتديات ليلاس
سار كين وليزا خلال الباب الزجاجي المنزلق إلى حيث المطبخ الحديث الطراز . والذي كل مافيه كان أبيض اللون ومن المعدن غير القابل للصدأ .
كان
ديكور الشقة آخر صيحة في الحداثة ، فهو بالغ الرفاهية والإثارة . كانت غرفتا الجلوس والطعام في الطابق الأسفل مؤثثتين بالجلد ومعدن الكروم والزجاج بالألوان الأبيض والأسود والأحمر ، بلمسات قليلة من الأخضر والأرجواني ، ما جعل لكل ذلك تأثيراً غير عادي بجماله .
كان كل شيء في المنزل يصرخ بالثراء ، من الأرائك الفسيحة في قاعة الجلوس إلى المصابيح التي تنطق بالفن الحديث ، إلى اللوحات السريالية على الجدران ، كانت الجدية والبساطة هي السمة الغالبة ، فلا اضافات ولا اشياء لا معنى لها في نظر كين .
عندما دخلا المطبخ ، أمسكت ليزا البنفسج بيدين مرتجفتين وكأنها طلسم.
سألها كين وهو يضع حقائبه على الأرض ثم يتوجه إلى الثلاجة مباشرة
:" تريدين طبعاً شرابك المفضل عصير التفاح ."
أجابت :" نعم ، شكراً ."
وعندما جاء بكوبين سألته :" هل اعد شيئاً من الطعام ؟"
أجاب :" فيما بعد ."
وقفت امام الحوض تضع الأزهار في الزهرية ، بينما كان هو يقول بصوت منخفض رقيق :" لشد ما اشتقت إليك هذه الأسابيع الثلاثة ."
" وأنا اشتقت اليك أيضاً ، يا كين ."
" أليس هناك رجل آخر ، يا ليزا ."
" كلا ."
" ليس هناك ربما ؟"
فهزت رأسها نفياً .
" إياك ان تذكري رجلاً آخر بعد الآن ."
أجابت :" أبداً ."
لقد زرعت تلك الشكوك في ذهنه هذا الصباح ما جرح كبرياءه ، فقالت نادمة :" لم أكن أعني ما قلته لك في الهاتف ، يا كين ، فقد كنت غاضبة منك لأنك لم تتصل بي هاتفياً ."
فهمس يقول بصوت ناعم ساخر :" يا قطتي الصغيرة ، عليك أن تتعلمي ان لا تلعبي بالنار ."
قالت تعتذر :" كنت مشتاقة إليك يا كين ، وهذا كل شيء ."
" وكذلك أنا ... إلى أقصى حد ."
فقالت متأملة :" ما كان لي أن اتحدث عن رجال آخرين ."
قال :" إياك أن تجعلي هذا عادة فيك ."فساورها الأمل في انه ربما يهتم بها حقاً اكثر مما كانت تظن ، أم لعل ذلك مجرد حب التملك فيه ؟
" هل أنت مسرور الآن ؟"
" تقريباً ."
" ما الذي تريده اكثر من هذا ؟"
نظر اليها طويلاً دون ان تجيب .
بدا لها محبطاً للغاية ، ما جعلها تنبذ فكرة أنه كان لديه امرأة أخرى بجانبه . فقد كانت هي المرأة الوحيدة في حياته . لو كان كين فقط اكثر اهتماماً بها ، إذن لكانت سعادتها لا توصف معه .
ربما كان لها مكان خاص في نفسه ولكنه لم يقل لها قط انه يحبها ، وتساءلت ليزا عما إذا كان ذلك لأنه لم يستطع أن يرغم نفسه على قول شيء لا يشعر به ، أو ان ليس بإمكانه ان يقول شيئاً يكشف عن ضعف تجاهها ، ام ان ماضيه جعله غير قادر على حب أي انسان ؟ وإذا به يسألها برقة :" ماذا تقولين لو أنني قلت لك أنني أحبك ، يا ليزا ؟"
فقفز قلبها ونظرت إليه بمزيج من الأمل والريبة ، وانتصرت الريبة . فثمة سبب وراء كل مايقوله كين ، فهو يتكلم عن عقله وليس من قلبه . وربما يبحث عما يجعل علاقتهما تستمر بالشكل الذي يريده ، لم يكن كين قد احب احداً أو شيئاً في حياته قط من قبل ، فقد كره والدته لاتباعها حياتها الشخصية . وكره والده لأنه لم يجاهد في سبيل ماهو له وقبوله بضعف ما فعلته زوجته به وبولديهما ، كره في شقيقته عصابيتها التي تجعلها اتكالية على الآخرين ، رغم أنه كان يكن لها شيئاً من العطف ، ولو كان الحب في طبيعته ، لأخمده بصفته شيئاً غير موضع للثقة .
اجابته على سؤاله بعبوس ساخر كانت ترجو ان يخفي الألم الذي كان وراء كلماتها :" كنت أقول انك تكذب ."
" لماذا ؟"
" لأنك منذ ساعة كنت في المطار تشير لي إلى الباب قائلاً انه طريق الخروج من حياتك ."
" كنت اضعك امام خيارين ."
" ولكن ذلك لم يملأني بالثقة في مبلغ حبك لي ، يا كين ."
فلوى شفتيه :" لقد اعطيتني نفس الشعور بكلامك ذاك في الهاتف ."
أترى كرامته جرحت ؟ ما جعله يستفزها إلى القول بأنها تحبه ؟ فهي دون شك ، هددت حسه بالأمان عندما قالت له انها تهتم برجل آخر ، أترى ما يرضيه الآن هو الشعور بأنها ملكه روحاً وجسداً ، وعقلاً ؟ وفكرت مكتئبة ، بأن هذا كله من جانب واحد ، ذلك ان كين لا يحبها ، وإنما المسألة مسألة نفوذ ، وكان هو يريد ان يرى مبلغ نفوذه عليها ، وخاطبته بصمت ، ان ذلك لن يكون اثناء هذه العطلة ، فنحن الآن سنتقابل مقابلة الند للند ، يا كين ماريوت ، هزت كتفيها قائلة :" ربما نحن غير متلائمين ."
" أهذا هو رأيك ؟"
" لقد سبق وقلت لك انني سأعطيك رأيي مساء الأحد ."
" عما إذا كنت مغرمة بي ؟"
تعمدت إخفاء مشاعرها وهي تجيبه قائلة :" بل عن استمرار علاقتنا فترة أخرى ."
" مادام ذلك يناسبك ."
فهزت كتفيها :" شيء كهذا ."
" وإذا قلت لك انني لا أحبك ؟"
" إذن لصدقتك ."
ضحك ولكن دون بهجة :" اتعرفين ماهو الحب ، يا ليزا ؟"
قالت بارتياب :" وهل تعرفه انت يا كين ؟"
لوى شفتيه ساخراً :" لا اظن ذلك ."
فكرت هي بسخرية مرة بأن ظنه هذا صحيح ، وانها ضعيفة غبية في قبولها قضاء العطلة معه ، ولكنها غير نادمة ، في الحقيقة ، فقد قررت الآن ان هذا هو الوقت المناسب لكي تعرف وضعها في نفسه .
سألته :" اذا كان عليك ان تختار بيني وبين عملك ، فماذا تختار ، يا كين ؟"