كاتب الموضوع :
Lovely Rose
المنتدى :
الارشيف
…
لم تكن تعلم متى ستدق ساعة منتصف الليل لم تكن تعلم إلى متى سيبقى رافايللو مفتوناً بها ومنشغلاً بلعبته السحرية غير المتوقعى التي حولت خادمة كئيبة إلى امرأة تستحق اهتمامه وتستحقه .
تعلم أنه لن يكون قاسياً معها ولن يبعدها عنه بوحشية لكنها تدرك وبإحساس عميق ومخيف أن جرس الهاتف سيرن ذات يوم أو سيصله بريد إلكتروني أو أن والده سيعود وأنه ببساطة سيتذكر أن حياته الواقعية لا علاقة لها مطلقاً بالمرأة التي تزوجها ليتمكن من السيطرة على الشركة التي هذذ والجه ببيعها رغماً عنه .
وعندما سيحدث هذا ستحزم حقائبها وتحمل بنجي وترحل وسوف تلقي نظرة أخيرة على الرجل الذي يحمل قلبها بين يديه هدية لم يطلبها يوماً ولن يعرف انه يمتلكها وستعود إلى حياتها السابقة ولا شيء معها غير الذكريات التي تمثل كل واحدة منها جوهرة غالية لا تقدر بثمن .. ستحفظ بها طوال حياتها …
_ ما الأمر ؟
اخترق صوته الخفيض أفكارها فأجبرت نفسها إلى الابتسام ورفعت كوبها لتشرب وهي تقول : لا شيء أشعر بالشفقة على الناس في بريطانيا رأيت عناوين جريدة إنكليزية كتب فيها أن شهر حزيران هو الأكثر مطراً منذ سنين .
أجابها وهو يبتسم : لا تفكري بأيام الصيف الرطبة في بريطانيا فقط فكري بأيام و توسكانا الرائعة .
وضعت كوبها جانباً وقالت سأتذكر هذا الصيف طوال عمري شكراً لك رافايللو أشكرك من أعماق قلبي .
التقت عيناها بعينيه وسكبت من تعابيرها كل الامتنان نحوه لأنه منحها هذه القصة الخيالية لتعيشها فترة قصيرة .
لمع شيء في أعماق عينيه لم تستطع تحديده أحنى رأسه قليلاً بطريقة رسمية جداً ثم قال : لقد أسعدني ذلك يا عزيزتي وما زال يسعدني .
مد يده عبر الطاولة وأمسك يدها ثم رفعها إلى فمه بدت قبلته ناعمة ونظرة عينيه أكثر نعومة .
كاد قلب ماغي يتوقف عن الخفقان وللحظة توقف كلياً عن الحركة وبينما كانت تحدق به بصمت حدث ذلك ثانية غطى ملامح وجهه قناع غامض ثم ترك يدها .
قال رافايللو : غداً سآخذك إلى فيرنزي .
وبينما عادت ماغي تتابع تناول طعامها شعرت بضغط ثقيل على قلبها .
بدت لها فلورنسا رائعة فالعصور الوسطى في إيطاليا تميزت بالعمران والنحت والرسوم الزيتية والمدينة غنية جداً بكنوز الفن والهندسة جعلت ماغي تصاب بالدوار .
مع ذلك كانت تشعر بالحزن أو ربما شيء جعلها هكذا وجدت نفسها تشتاق إلى ذلك اليوم الرائع في لوكا عندما لوح رافايللو بمروحته السحرية فوقها وظهرت له للمرة الأولى في أجمل وقت من حياتها كلها كامرأة تثير اهتمامه .
فعلت كل ما بوسعها لتخفي حزنها الداخلي ليس لأنه لا يحق لها أن تجعله يشعر بعدم الارتياح بسببها بأية طريقة كانت فهو لم يطلب منها أن تقع في غرامه ولم يرغب بذلك مطلقاً بل ببساطة لأنها ستخسر يوماً تلك الأيام الغالية والذهبية برفقته .
لذلك راحت تبتسم وتشبع عينيها منه وتشعر بالفرح الغامر بقربه عندما يلف ذراعه حول كتفيها وعندما يمسك بيدها وهما ينظران إلى جمال التحف التي تعود إلى العصور الوسطى أبعدت إلى أعماق أعماقها الإحساس الكئيب الذي تخشاه .
كانا يشربان القهوة في أحد المقاهي راحت ماغي تراقب الناس يسيرون أمامهما باهتمام عادي لكنها كانت تراقب باهتمام أكبر عضلات رافايللو المفتولة بقوة ورشاقة وبينما كانت تغطي يده يدها بحرارة وفجأة اقترب أحدهم منهما .
_ رافايللو ! مرحباً !
تبع ذلك فيض من الكلام الإيطالي ورأت ماغي أن المرأة الأنيقة التي حيت رافايللو هي لوسيا كان برفقتها شاب أنيق شاب أنيق شعره أشعث وشفتاه كبيرتان .
رد رافايللو التحية باحترام وسرعان ما خولت لوسيا اهتمامها إلى ماغي .
_ إذاً ها أنت تستمتعين في توسكانا حتى النهاية !
بدا صوتها فرحاً فهزت ماغي رأسها وردت عليها بالكلام المناسب .
مالت لوسيا برأسها قليلاً باتجاه رافايللو وتابعت : وأظنك .. تتمتعين أيضاً بكل ما يقدمه لك ذلك التوسكاني .. هل أنا مخطئة ؟
هذه المرة كان هناك معنى آخر واضح لكلماتها وجدت ماغي نفسها تسحب يدها من تحت يد رافايللو وبالكاد تمكنت من أن تبتسم ابتسامة خفيفة وكأنها لم تفهم ما تقصده لوسيا بوضوح رفعت المرأة كتفيها ببساطة .
_ حسناً ! اسمعي بما تشائين طالما يمكنك ذلك والآن اعذراني كارلو عديم الصبر لأنه يريد أن يريني آخر عمل رائع له .
وضعت يدها تحت ذراع الشاب بتملك ولوحت لهما بحركة أنيقة وغادرت .
جاء صوت رافايللو خشناً مثيراً للأعصاب وهو يقول : يا إلهي ! لا أصدق أنها اعتقدت أنني قد أتزوج
بها .
ثم نظر بازدراء إلى الرجل الذي يسير بجانب ابنة عمه .
وافقته ماغي : لا يبدو أنها تذوي لأجلك .
كانت لوسيا تتكئ على حبيبها الآن لتوضح للجميع موقعه بالنسبة إليها .
فجأة رفع رافايللو نظره إليها وسألها : وأنت عزيزتي هل تذوين لأجلي ؟
أتى السؤال فجأة من دون أي مقدمات .. شعرت ماغي كأنها تتجمد .
أخفضت رأسها غير قادرة على النظر إلى عيني رافايللو .
_ لا أعتقد أنك تريدني أن أشتاق إليك أليس كذلك ؟
قدمت إجابتها بصوت منخفض لكنها حاولت جاهدة ألا تظهر أية عاطفة في صوتها ما إن أنهت كلامها حتى رفعت عينيها ثانية محافظة على تعابير وجهها الهادئة .
بقي رافايللو صامتاً للحظة نظر إلى عينيها لكنها لم تستطع أن تقرأ أية تعابير على وجهه كانت لا تزال تشعر وكأنها مجمدة مكانها برهة حين هز رأسه وقال : لا ! لا أريدك أن تشتاقي إلي .
بدت في صوته نبرة غريبة لم تفهمها بدت لها كأنها إنذار أبعدت نظراتها عنه باتجاه المعبد الذي يعود تاريخه إلى القرون الوسطى والذي يقع في الجهة البعيدة للمقهى كم من الحالات الفرح والحزن مرت على هذه الحجارة وما أنا غلا مجرد حالة واحدة من تلك الحالات !
كان على هذه الفكرة أن تجلب لها العزاء والراحة لكنها لم تفعل …
ما إن استيقظت في الصباح التالي حتى أدركت أن هناك أمراً ما قد حدث كان رافايللو وافقاً بجانب النافذة وهو ينظر إلى الخارج إلى الحدائق الجميلة للفيلا وهي تتموج تحت أشعة الشمس الصباحية كان يدير ظهره إليها ويرتدي بذلة العمل ذاتها كان يرتديها في اليوم الذي تزوجا فيه وقد بدا غامضاً ومفراً .
ما إن سمعها تتحرك حتى استدار كان جسمه مرسوماً من خلال ضوء في النهار في الخارج فشعرت أن الوقت هو أبكر من الوقت الذي يستيقظان فيه عادة .
جاء صوته متسائلاً : ماغي ؟
وعندما أدرك أنها استيقظت سار نحو السرير بدا لها أطول وأكثر قساوة وهو ينظر إليها وقد حلق ذقنه وصفف شعره بطريقة شعره بطريقة عملية .
_ يجب أن أذهب إلى روما مجلس الإدارة سيجتمع اليوم ويجب أن أكون حاضراً .
بدا صوته حازماً وعملياً بدا رافايللو الذي أحبته بعمق بعيداً عن هذا الرجل الذي تراه الآن ملايين الأميال فالرجل الذي يقف أمامها هو ذلك الذين دفع لها المال كي تتزوجه والذي استأجرها لتقوم به ارتجف شيء ما في داخلها آه ! قد يكون رافايللو الذي جعل منها أميرة في قصة خيالية ما زال ما زال موجوداً لكن ليس اليوم وليس هذا الصباح فرافايللو الحقيقي وضع ذلك الرجل جانباً لقد حان الوقت ليعود إلى حياته الحقيقية .
سمعت نفسها تقول بارتباك : آه ! بالطبع .
رفعت جسمها لتتكئ بقلق على مرفقها وأبقت غطاء السرير حولها .
استمر في النظر إليها وقد بدا رائعاً وهو يقف هناك بدا كرجل الأعمال القوي والثري غريباً وبعيداً تماماً كما كان عندما وقعت عيناها عليه للمرة الأولى وهي تنظف غرفة الحمام في منزله .
تجهم وجهه وهو يدير الزر الذهبي في طوق كمه الأيسر قال على نحو مفاجئ : عندما أعود علينا أن نتكلم هل تفهمين ذلك يا عزيزتي ؟
هزت ماغي رأسها وقد شعرت بغصة تتشكل في حقلها غصة قاسية تكاد تخنقها وكأنها حجر لا تستطيع ابتلاعه .
_ نعم …
ظهر الضيق على وجهه وتابع : لقد عشنا في حلم طوال الأيام الماضية .
تضخم في حلقها وقالت : نعم …
حاولت أن تخفي تعابير وجهها كي لا يرى كم تبدو مرتعبة وقف ينظر إليها والقلق باد على وجهه ظهرت رقة مفاجئة في عينيه وللحظة عاد رافايللو الرائع ثانية الرجل الذي أخذها إلى عالم الأحلام وحملها بين ذراعيه ….
_ سأهتم بك عزيزتي كوني متأكدة من ذلك .
ثم نظر إلى ساعته وأطلق زفرة غاضبة .
_ علي أن أذهب الآن .
انحنى بسرعة واضعاً ذراعه على الحائط وعانقها أخيراً سريعاً … ورحل
10 _ العودة إلى الجنة
كانت ماغي قرب بركة السباحة مع بنجي وهي تشعر بثقل في قلبها لم يكن بإمكان رافايللو أن يجعل الأمر اكثر وضوحاً مما فعل فذلك الوقت الذهبي الساحر قد انتهى كانت تسمع صدى كلماته مراراً وتكراراً في رأسها : عندما أعود سنتحدث .
إنها ليست بحاجة إلى قدرة على رؤية المستقبل لتعلم عما يريد ان يتحدث حياة رافايللو الحقيقية طالبت باسترداده حياته الحقيقية التي جعلت منه رجل أعمال قوياً ومسيطراً يقوم بأشياء مهمة بعيدة جداً عن العبث مع امرأة لم يغرب بها منذ البداية .
كانت تعلم أن هذا سيحدث في نهاية الأمر لكن على الرغم من معرفتها ان حياتها المليئة بالسعادة ما هي إلا فترة مؤقتة فإن ذلك لم يجعل خسارتها الوشيكة محتملة إحساسها بالظلم والاضطهاد تضاعف كأنه قيد من حديد .
طرقات قوية لحذاء نسائي على الممر الحجري تقترب من البركة جعلتها تدير ر؟أسها تجمدت نظراتها ما إن رأت لوسيا تقترب منها ما الذي تفعله هنا ؟ كل حدس عند ماغي كان يخبرها أن وجود هذه المرأة لا يحمل أنباء سارة .
_ ماغي لدي أنباء سيئة !
جاء صوت المرأة الأخرى متقطعاً وشعرت ماغي بشعر رقبتها الخلفية يقف بعد مرور لحظة أخرى أدركت ان لوسيا لا تتحدث معها بشكل عدائي لكن بدا وجهها جامداً من الصدمة .
تعرض انريكو لأزمة قلبية !
أطلقت ماغي شهقة ثم وقفت على الفور عن الكرسي الطويل ووضعت بنجي على قدميه .
تابعت المرأة الأخرى حديثها الجارف : نقلوه إلى المستشفى و رافايللو الآن معه ولا أحد يعرف إن كان سينجو …..
توقفت عن الكلام وكأنها تختنق .
وقفت ماغي مكانها تعرف ما الذي تقوله فكرت آه .. ! المسكين , المسكين رافايللو أي عذاب يمر به الآن ….
سمعت نفسها تقول : إني آسفة جداً .
أخذت نفساً وهي تشعر بيأس كبير ثم تابعت تقول ه: هل هناك أي شيء أستطيع القيام به ؟
نظرت لوسيا إليها ثم هزت رأسها قائلة : من الصعب علي قول ذلك ..
توقفت عن الكلام للحظة ثم تابعت : أنا لا أقول هذا بسبب خصومتي معك عليك ان تفهمي ذلك
لكن …
توقفت للمرة الثانية ثم تابعت : أفضل شيء تقومين به الآن هو أن ترحلي .
للحظة فكرت ماغي أنها تقصد الذهاب إلى روما إلى رافايللو وفجأة شعرت كأن سكيناً إنغرز في قلبها حين أدركت أن هذا ليس ما تقصده ابنة عم رافايللو .
بدت تعابير وجه لوسيا مليئة بالارتباك وبد أن ما ستقوله لها ليس مريحاً .
_ انريكو بحاجة لرافايللو , و رافايللو بحاجة إلى انريكو لقد اعتقدت مرة …
ترددت قليلاً ثم تابعت : اعتقدت أن الوسيلة الوحيدة لجمعهما هي زواجي من رافايللو لكنني كنت مخطئة فرافايللو رأى ذلك مخططاً من والده للسيطرة عليه وهو لا يسمح لأحد بذلك وأنت من بين كل الناس تعلمين الحدود التي وصل إليها لكي يتملص من هذه السيطرة لكن الآن انريكو قد يموت ويجب أن يحصل على السلام مع ابنه كذلك الأمر بالنسبة لرافايللو .نظرت إلى عيني ماغي وتابعت : لا يمكنهما الحصول على السلام إذا كنت لا تزالين هنا لا بد أنك تعلمين ذلك .
شعرت ماغي بذلك السكين يمزق قلبها أكثر فأكثر لكن رغم الألم سمعت المنطق الذي لا مفر منه والذي كانت لوسيا تتفوه به .
_ يجب أن أتمكن من إخبار انريكو هذا إن كان ما زال حياً أنك قد رحلت عندها سيتمكن من مسامحة رافايللو والحصول على السلام معه .
أصبح الألم قوياً لدرجة ان ماغي لم تعرف كيف كانت تتحمله وكأنما بدا ذلك واضحاً على وجهها فعندما تحدثت لوسيا ثانية جاء صوتها أكثر لطفاً ورقة .
_ أعلم ان الأمر صعب عليك فلقد أغرمت بابن عمي لا ! لا تنكري ذلك بد واضحاً منذ البداية أن هذا ما سيحدث معك فكيف يمكنك ألا تقعي في غرامه ؟ بالنسبة لك هو أمير قادم من قصص الأحلام لكن مع ذلك لن تشكريني على ما سأقوله لك ما كان عليه أن يبدلك كما فعل .
تنهدت وتابعت : آه ! رافايللو لا يفهم هذه الأمور ولم يفعل ذلك يوماً لا يقصد ان يكون قاسياً لكن كل ما في الأمر أنه لا يرى أن ذلك يحدث فعلاً .
رفعت كتفيها ببساطة : لهذا السبب اعتقدت ان زواجنا قد ينجح فأنا اعرفه جيداً ولا يمكن ان اغرم به وذلك ليس بإمكانه أن يسبب لي الألم والأذى .
نظرت إلى ماغي وعيناها السوداوان تحملان تعاطفاً وهي تقول : أنت لا تعتقدين أن ما جرى بينكما يعني أي شيء له أليس كذلك ؟ لا تعتقدين انه سيستمر ؟
راح الألم يمزق أوصال ماغي حاولت السيطرة عليه راغبة بيأس ان تنكر كلام لوسيا على الرغم من التأكيد الذي تجده في قلبها .
_ لا أستطيع الذهاب هكذا من دون ان يقول رافايللو لي هذا ربما هو لا يريدني ان أذهب بعد .
أخرجت لوسيا شيئاً من حقيبة يدها شيء أصفر اللون يرفرف بينما كانت تقدمه إلى ماغي .
_ طلب مني أن أعطيك هذا .
بد صوتها متوتراً ولم تستطع النظر في عيني ماغي وما إن أخذت ماغي الورقة ونظرت إليها حتى علمت السبب .
كانت تلك الورقة شيكاً وهو محرر باسمها بقيمة عشرة آلاف يورو وبينما كانت تحدق فيها راح قلبها ينسحق وكأنه يشد بملزمة تعصر الدماء من كل خلية فيه توقيع رافايللو الأسود القوي كان يرتعش أمام عينيها .
عادت لوسيا تتحدث ثانية .
أجبرت ماغي نفسها على الإصغاء مع أنها في داخلها لم تكن تسمع سوى الصمت المرعب الذي يدور ويدور بلا نهاية .
ترددت المرأة ثانية وكأنها تدرك ما الذي تمر به ماغي ثم قالت : قال رافايللو : انه سيتصل بك فيما بعد ليتمكن من تصفية الأمور لكن الآن واجبه الأول هو البقاء مع والده وهو يتمنى أن تفهمي هذا .
غاب صوتها قليلاً قبل أن تكمل : أنا آسفة يا عزيزتي كما ترين لم يدرك ما الذي تشعرين به نحوه بالنسبة إليه هذا الزواج ان دائماً مجرد معاملة تجارية .
لم تستطع ماغي أن تقول س=شيء لا شيء سوى الموافقة المهزومة الكئيبة فالانسحاق الذي تشعر به في قلبها كان مريراً جداً .
ثم قالت لوسيا شيئاً ما وهي تنظر إلى سلعتها .
_ اعذريني لم أكن أقصد أن أسبب لك المزيد من الإزعاج لكنني بالكاد توقفت هنا في طريقي إلى المطار فأنا سأستقل الطائرة التالية إلى روما لأكون بقرب عمي هذا إذا كان لا يزال حياً .
ظهر قلق في صوتها لم تستطع ماغي تجاهله : إذا كنت لا تحتاجين إلى وقت طويل لحزم حقائبك فأستطيع اصطحابك معي إلى المطار طلب من رافايللو ان اشتري لك بطاقة سفر .
نظرت بإشفاق إلى ماغي وهي لا تزال مكانها وبنجي بجانبها يحدق بهما من دون ان يفهم شيئاً وهو ممسك بساق أمه .
بدا صوتها متعاطفاً تماماً كملامح وجهها وهي تقول : من الأفضل ألا تتأخري .
بقدمين كالرصاص جمعت ماغي حاجياتها وسارت خارج الفيلا .
**********************************
كان المطر ينهمر ويطرق السطح الرقيق للبيت المتنقل القائم على عجلات ثم ينساب على زجاج النوافذ أما بنجي فكان ينتحب بتوتر على ركبتي ماغي .
_ أعلم حبيبي أن هذا شيء كريه .. هذا المطر كله ربما غداً سيكون اليوم مشمساً .
هبت عاصفة قوية هزت أركان البيت إنه بيت قديم مهمل ولا أحد يرغب باستئجار منزل بال بالقرب من الشاطئ لكن هذا ما جعله رخيص بما فيه الكفاية لتستأجره ماغي لمدة شهر في فصل الصيف وهو رخيص بما فيه الكفاية لتشتريه .
الشاطئ بجانب البحر الجنوبي هو المكان الأفضل لتربية بنجي إذ ليس لديها أي شيء في لندن فقد خسرت مكان إقامتها كما خسرت عملها أيضاً . ليس لي أي شيء في أي مكان .
بغضب دفعت تلك الفكرة البائسة جانباً فهذا ليس صحيحاً فما زال لديها بنجي .
مررت أصابعها في شعره وفتحت صندوق الألعاب ثم أخرجت لوحة القطع المركبة أخرجت القطع القطع وهي ترفض ان تسمح للذكريات بأن تعود إليها .
لكنها أتت كلها وكان من المستحيل عليها أن تبعدها وتتخلص منها .
رافايللو الوسيم الذي من المستحيل ألا تغرم به رافايللو يضمها بين ذراعيه يبتسم لها يضحك معها يعانقها ويحبها .
لم يكن ذلك حباً كانت تلك مجرد علاقة بالنسبة إليه علاقة عابرة كانت تعلم منذ البداية أنها ستنتهي .
تدافع المزيد من الذكريات إلى ذهنها مع أنها حاولت بقوة ان تبقيها بعيدة ولكنها تسارعت وراحت تمزقها كالسكاكين .
راودتها ذكرى أخيرة في آخر مرة وقعت عيناه عليه يومها وقف هناك ينظر إليها وقد بدا الحزن على وجهه وقال : سأهتم بك .
حسناً ! لقد فعل لقد اهتم بها فعلاً تأكد من أنها عادت إلى بلادها مع ما أتت لأجله المال .
من أجل ذلك تزوجت به من أجل المال مال من أجل إيجاد منزل لبنجي لا من أجل الحب …
لم ترد أن تقبل مال الشيك قاومت ذلم لمدة أسبوعين حيث حصلت على المال الذي حصلت عليه من شركة الطيران بعد استبدال بطاقة سفر لوسيا مقابل بطاقة أرخص كما أنها طارت إلى مطار غاتويك لا إلى مطار هيثرو ثم استقلت القطار إلى الساحل الجنوبي حيث وجدت مخيماً للبيوت المتنقلة .
لكنها لا تحتاج إلى أموال رافايللو لشراء هذا البيت النقال دفعة واحدة لتجد منزلاً لها و لبنجي وسيبقى لها القليل من المال ليكفيهما لفترة ما أما ما تبقى من المال الذي وعدها به رافايللو فهي تعلم أنها لن تحصل عليه .
تماماً كما لم تقدر على أخذ الثياب التي اشتراها لها ولا حتى عقد الذهب الذي قدمه لها كما أن تلك الثياب لا تتناسب مع أسلوب حياتها الآن .
ابتسمت مع أنه من المؤلم أن تفعل ذلك .. على الأقل لديها ذكريات سوف تحتفظ بها طوال حياتها .
***********************************
بدا الشاطئ مرصوفاً بالحصى وراحت المياه تحرك تلك الحصى بعنف محدثة ضجيجاً صاخباً ربض بنجي على الأرض والتقط الحجارة الرطبة كان ينتعل جزمة وجسمه الصغير مكسو بسترة مقاومة للماء راح المطر ينهمر من جهة الغرب حاملاً معه البرد .
حدقت ماغي عبر القناة الإنكليزية بنظرتها الحزينة الكئيبة بعيداً في البحر رأت ناقلة بترول تسير في طريقها إلى الشرق لم يكن هناك أي قوارب شراعية ولم يكن هناك أحد على الشاطئ جازفت في الخروج لأنها لم تعد تستطيع البقاء في الداخل كان بنجي سريع الغضب رافضاً أن يتسلى بأي شيء وهي أيضاً قلقة تشعر بألم في قلبها وبقشعريرة تهز عظامها يوماً بعد يوم كانت الحقيقية تتعمق في داخلها لقد خرج رافايللو من حياتها .. خرج إلى الأبد .. رحل بصورة مفاجئة كما أتى .
بحزم حاولت أن تجمع شتات نفسها لا يحق لها أن تغرق في الكآبة هكذا فهي سعيدة مع بنجي ولديها صمتها قوتها ومنزل خاص بها وهذا سيكون مكاناً ملائماً لتربية بنجي هواء نقي والبحر عند عتبة بيتها .
هنا على الأقل يمكنها أن تقف تحت المطر ومع هبوب الريح عبر القناة تحدق بالجنوب باتجاه إيطاليا مع شوق يائس في قلبها لن يشفى أبداً …
أصبح خداها رطبين لكن ليس بسبب المطر …
التقط بنجي حجراً آخر ورماه بكل ما لديه من قوة في البحر سقط الحجر في البحر محدثاً صوتاً ناعماً لكنه لم يسمع بوضوح بسبب صوت الأمواج القوي بعد ذلك شعر بالملل واستدار ليسير مبتعداً تبعته ماغي وهي تشد معطفها حولها مواجهة المطر الذي لا نهاية له تساقطت حبات المطر على وجهها بينما دفعت إلى الوراء شعرها الذي تتلاعب به الرياح أدركت رقبتها لتتمكن من ربطه بعقدة كان قد انسل منها .. وقفت جامدة وحدقت … على الرصيف المليء بالحصى وفوق المد العالي وقف شخص ما هادئاً دون حراك .
رمشت بعينيها فقد مسها شيء ما .
مدت يدها إلى بنجي من دون أن ترى لتوقفه استمرت بالتحديق باتجاه اليابسة الشخص على رأس الشاطئ بدأ بالسير نحوها عاصفة من الريح ضربتها بينما كانت تمسك يد بنجي كي لا يقع وتابعت التحديق …
راح الوقت يمر ببطء شديد وبد لها أن المطر توقف في وسط السماء كذلك الرياح قد هدأت .
ساد الصمت المطبق حولها شعرت بأصابع بنجي تضغط على أصابعها شعرت به يشدها إليه لم تكن قادرة على السير فقد أصبحت قدماها من الرصاص وهي لا تستطيع أن تتحرك .
لا تستطيع أن تتنفس فالهواء قاس جداً في صدرها بقي الشخص يسير باتجاهها …
وظهر وجهه أمامها من خلال المطر ومن خلال غشاوة بصرها .. لم تستطع أن تتحرك .. لم تستطع أن تتنفس …
عندها فقط بنجي سحب يده من يدها ورأته يسير بتهاد إلى الأمام ماداً يده إلى رافايللو .
_ راف .. راف .. احملني .
رفعه رافايللو على الفور وقال : مرحباً بنجي !
ثم نظر إلى ماغي نظراته العميقة اخترقتها كالسكين وكأنها وصلت مباشرة إلى قلبها .
قال : تعالي معي إلى بيتنا تعالي معي يا عزيزتي .
ومد يده إليها .
لم تتحرك , لم تستطع ان تتحرك .
|