كاتب الموضوع :
Lovely Rose
المنتدى :
الارشيف
أبعدت تلك الفكرة عن رأسها هذا اليوم الرائع المميز مجرد يوم للذكرى فقط يوم لن تنساه طوال حياتها .
عادوا أخيراً إلى اليابسة في آخر النهار جلست ماغي بجانب بنجي في المقعد الخلفي في صالون السيارة الأنيق وهي تحلم … ضائعة مبهورة بما تراه بينما بدا بنجي مرهقاً وهو يأكل البوظة ويهز برأسه على كرسيه الخاص .
ما إن انعطفوا إلى ناحية الشرق متوجهين نحو التلال فكرت ماغي كم هي مختلفة هذه الرحلة عن الرحلة التي قامت بها من المطار في بداية هذا الأسبوع ومنذ أربع أيام فقط !
هل رافايللو هو الشخص نفسه الآن كما في السابق ؟ ما زالت تتذكر كيف جلس في زاوية الليموزين منشغلاً تماماً في عمله ومن دون أن يعير اهتمام لها أو لبنجي .
فكرت أنهما لم يكونا موجودين بالنسبة إليه كانا مجرد شيئين يريد استعمالهما وتحريكهما كما يريد لأنه دفع ثمنهما ظهر شيء ما في عينيها فما فكرت فيه لم يتغير إنه لا زال يدفع لها لكن لماذا شعرت أن هذا يتعارض مع طريقة تصرفه معها الآن ؟ وهي تعلم أنه يعاملها بلطف لكنه اليوم بدا مستمتعاً تماماً مثلها ومثل بنجي هل هذا كله مجرد معاملة لطيفة ؟
مرة ثانية أبعدت الفكرة جانباً لا جدوى من التفكير بذلك فهي لن تفسد جمال هذا اليوم ستجلس بكل ببساطة هنا مستمرة بمراقبة الرجل الذي يقود هذه السيارة الرائعة وتختزن الذكريات …
عندما وصلوا إلى الفيلا كانت ماغي أيضاً شبه نائمة فالشمس وهواء البحر أرهقاها حملت بنجي بكسل لكنه أصر على النزول إلى الأرض وضعته على قدميه وأخذ يمشي مترنحاً إلى الباب فتح غوسيب الباب وقال شيئاً لرافايللو ثم ساعده في حمل الحقائب .
قال رافايللو وهو يرفع الحقائب من صندوق السيارة عمتي وعمي غادرا ذهبا لمواساة أبي في روما هذا ما أخبرني به غوسيب وهكذا فالمنزل كله لنا .
ابتسم لها تلك الابتسامة الحميمة التي ابتسمها على الشاطئ .
شعرت ماغي بالقشعريرة في داخلها وبإحساس من الرعب ما إن أدركت أنه لن يكون هناك وجوداً لعائلة كالي على العشاء ليلة البارحة عملا تخفيف قلقها وشدة توترها بسبب رافايللو الذي جلس على رأس الطاولة وبدا مسيطراً على المكان بحضوره القوي الليلة لن يكون هناك من يحميها إدراكها لذلك خلق لديها شعوراً غريباً .
ما إن دخلا إلى الفيلا قال رافايللو ببساطة : دعانا بعض الأصدقاء الليلة لأنهم يريدون ان يتمنوا لي ميلاداً سعيداً سيكون لديك ما يكفي من الوقت لترتاحي وتحضري نفسك وتضعي بنجي في سريره .
أول ما شعرت به هو الراحة ومن ثم على الفور وصلتها المعلومات التي قالها .
_ لا أرجوك ! لا داعي لأن تأخذني معك سأكون بألف خير هنا ..
توقف رافايللو عن السير ثم قال وملامح من الفرح بادية على وجهه : إنهم يريدون التعرف عليك وهم بالأحرى متحمسون لذلك .
عضت ماغي على شفتها وقالت بسرعة :آه .. ! هل من الحكمة ..
كان من الصعب عليها التلفظ بتلك الكلمات لكن عليها أن تقول ذلك .
نظرة غريبة وغير مفهومة بدت في عينيه للحظة ثم اختفت ليجيب بصوت رقيق : لكن زواجنا زواج حقيقي ماغي إنه شرعي حقاً وعلينا أن نتصرف على هذا الأساس بالإضافة …
شيء من المرح تخلل صوته وهو يتابع : .. ألست متحمسة لتجربي أحد فساتين السهرة من خزانتك ؟
لم تجب ماغي وشعرت بالتوتر لكن رافايللو تابع ببساطة : والآن لما لا تأخذين استراحة قصيرة ؟ دعي ماريا تمضي بعض الوقت مع بنجي وتقدم له العشاء ثم يمكن أن تحمميه وتضعيه في سريره وبعدها يمكنك أن تستعدي هيا !
توقف عند أسفل الدرج وتابع : اقترحت ماريا أن تحضر سريري القديم النقال والذي هو في مكان ما في العلية لتضعه بجانب سريرك إنها قلقة على بنجي أعتقد أنك لن ترفضي ؟
هزت ماغي رأسها وقالت : لا ! لا بالطبع لا ! هذا لطف من قبلها .
كان السرير النقال في غرفة نومها عندما وصلت إلى هناك مع بنجي إنه عمل فني متقن ويستحق اسم عائلة دي فيسنتى فهو سرير مزخرف مطلي وقد نظفته ماريا جيداً على الفور جلس بنجي فيه وكأنه ملك له مستغنياً عن سريره السابق ما جعلها تشعر بالارتياح تساءلت بقلق كم سيبقى سعيداً به إذا علم أن الحافة الخشبية المرتفعة لن تمكنه من الخروج منه بمفرده .
استحم بنجي وأصبح جاهزاً للنوم وهاهو يلعب بألعابه وبذلك يمكنها القيام بتحضير نفسها بثقة أكبر لا سيما عندما يتعلق الأمر بتصفيف شعرها عليها أن تغسله بعد قضاء النهار على الشاطئ وخشيت ألا تتمكن من تصفيفه في تسريحة أنيقة كما تم تصفيفه في صالون أوليفيا مهما يكن لقد اتبعت نصيحة المرأة ووضعت بعض المستحضرات الخاصة بالشعر عليه وجففته بوساطة مجفف الشعر الذي وجدته بالخزانة بجانب سريرها .
وضعت بعض الزينة على وجهها من تلك المستحضرات التي أرسلتها أوليفيا وجاءت النتيجة أفضل بكثير مما أملت ما إن حدقت بصورتها في المرآة وبالشعر الناعم المتهدل على كتفيها وبعينيها الواسعتين الكحليتين وفمها المرسوم بأحمر الشفاه الرائع لم تصدق أن عملية التحول هذه حقيقة .
وبينما كان بنجي غارقاً في نوم عميق معانقاً دبه القطني أخرجت ماغي فستان سهرة طويل من خزانتها الكبيرة وارتدته .
إنه فستان أسود اللون ينسدل على وركيها بثنيات ناعمة ومعلق بشريطين رفيعين على كتفيها وما إن انزلق القماش الناعم فوق رأسها واستقر على جسمها حتى شعرت بسحره الخاص سارت نحو المرأة وحدقت بمظهرها بذهول تساءلت وهي تلمس عنقها : هل هذه أنا فعلاً ؟
بدا لها هذا مستحيلاً لكن المرآة قبالتها لا يمكن أن تكذب فهي تبدو امرأة رائعة الجمال نحيلة ورشيقة القد ترتدي فستاناً أنيقاً وشعرها ناعم يلف رأسها كالغمامة وعيناها تلمعان …
لم تستطع أن تبعد عينيها عن صورتها تلك وظلت تحدق بإعجاب بنفسها طرقة خفيفة على الباب أيقظتها من أحلام اليقظة كانت تلك جينا وقد أتت لمراقبة الطفل .
قالت الفتاة وهي تنظر بإعجاب إلى مظهر ماغي : السنيور دي فيسنتى في الطابق الأرضي بانتظارك .
التقطت ماغي حقيبة يد من الساتان الأسود طبع عليها اسم المصمم وانتعلت في قدميها الحذاء الأسود ذا الأشرطة والكعبين العاليين وتوجهت إلى الطابق الأرضي بعد أن تمنت لجينا ليلة سعيدة .
بينما كانت تنزل الدرج العريض بحذر شديد وهي تسير بخطوات حذرة بسبب ضيق تنورتها وكعبي حذائها العاليين تنورتها لاحظت أن رافايللو يحدق بها .
حدقت به هي أيضاً وقد حبست أنفاسها …
إذا كانت تعتقد أن رافايللو يبدو رائعاً وهو يرتدي بذلة العمل أو الثياب العادية أو ثياب البحر فهو في البذلة الرسمية يحبس الأنفاس كانت البذلة السوداء تضم كتفيه بقوة وتنساب على جذعه مظهرة التناقض بين لونها الأسود ولون قميصه البيضاء بدا حليق الذقن شعره رطب وقد نزلت خصلة منه فوق جبينه كما بدت عظام خديه أعلى من السابق هذا ما فكرت به ماغي وهي تشعر بالانبهار مدركة أن عينيه مثبتتان عليها أيضاً ما جعلها تشعر باضطراب شديد ما إن وصلت إلى الأرض الرخامية حتى سار نحوها وقبل أن تستوعب ما الذي يفعله رفع يدها إلى فمه .
لمسة شفتيه على ظهر يدها جعلتها تشعر كأنها ستغيب عن الوعي رفع رأسه لكنه أبقى يدها في يده .
_ أنت فاتنة !
همس بذلك قد بدت نبرته من ذي قبل كل ما استطاعت ماغي فعله هو أن تحدق به وهو ممسك بيدها وقد انحبست أنفاسها .
_ تنقصك فقط زينة واحدة .. هذه !
في الوقت الذي قال فيه كلماته تلك وضع يده اليسرى داخل جيب سترته ليخرج منها عقداً فضياً مليئاً بالحبوب البيضاء اللامعة .
وما إن فتح راحة يده لم تستطع ماغي أن تمنع نفسها من الشهيق بدا العقد كنهر من الماس رائع جماله لا يصدق ترك رافايللو يدها ببساطة وأدارها ليضع العقد اللماع حول عنقها مبعداً شعرها جانباً ليتمكن من تثبيته .
قالت له بتردد : لا أستطيع أن أرتديه .. سأضيعه .
ضحك وأدارها نحوه .
أمسكت ماغي بالعقد حول عنقها طوال الطريق فيما قاد رافايللو السيارة بسرعة معتدلة .
قال وهو يبتسم لها : لا أريد أن يصبح شعرك عديم الترتيب .
نظر إلى عينيها لبرهة وتابع : سأوفر ذلك إلى وقت لا حق .
بعد ذلك مباشرة وصل إلى منعطف في الطريق فركز عينيه على القيادة ثانياً .
تساءلت ماغي هل قال لها ذلك حقاً ؟ واعتقدت أنها أساءت فهم ما سمعته لا سيما أن فكرة أخرى طرأت على بالها .
_ رافايللو .
لا تزال تشعر بالغربة عندما تلفظ اسمه فهي لا تتلفظ به بصورة طبيعية بعد على الرغم من تلك المعاملة الرقيقة واللطف اللذين يبديهما نحوها .
قالت : ماذا يجب أن أعرف عن هذه الأمسية ؟
نظر إليها مرة أخرى كانت إحدى يديه ملقاة بخفة على المقود بينما وضع يده الثانية بمهارة على معدل السرعة ليحركه وهما يلتفان حول منحنى حاد على الطريق .
_ باولو و سيليفيا تزوجا من عدة سنين لديهما صبي صغير وسيليفيا بانتظار طفل جديد لقد عرفت باولو طوال حياتي وهو يشعر بالفضول ليعرف كيف أصبحنا معاً لكن لا تقلقي .
توقف لحظة ليبدل معدل السرعة وتابع : هو يعلم لماذا تزوجت بهذه السرعة وقد سمع عن معاركي مع والدي منذ سنين .
ابتلعت ماغي غصة وقالت بقلق : إذاً هو يعلم كيف اخترتني ؟ ولأي أسباب ؟
أضافت بشجاعة : ألا .. ألا يعتقد أنه أمر غريب أن تأخذني معك إلى السهرة هذا المساء ؟
أجاب بضيق : لا !
فكرة جديدة مفاجئة وبشعة طرأت على بالها : أنت لن تأخذني إلى هناك الليلة لتخبر الجميع أين وجدتني .. هل ستفعل ؟ كجزء .. كجزء من معركتك مع والدك ؟
ظهر خوف في عينيها خوف واضح جلي هل هذا ما سيفعله رافايللو الليلة ؟ سيصحبها إلى غرفة مليئة بالغرباء ويخبرهم أنه تزوج من امرأة تعمل في تنظيف المراحيض لتعيش ؟
أطلق رافايللو شتيمة ثم سمعت أصوات إطارات السيارة أوقف رافايللو السيارة إلى جانب الطريق واستدار في مقعده .
نظرت إليه ماغي كالمصعوقة وقد اتسعت عيناها ثم راحت تحرك يديها في حضنها .. شيئاً ما تمزق في أحشائه .. لقد بدت تماماً كما هي الآن عندما خرج إلى فسحة الدرج ليسمع والده وهو ينفث سمومه في وجهها .
ثم تابع بلطف أكبر : لا ! ليس هذه المرة .
بدت نبرة السخرية في صوته وكأنه يتهم نفسه ما جعلها تشعر برجفة تجري في أعصابها .
_ هذه المرة ليست لدي هذه النية هذه المرة سآخذك معي لأني ….
توقف عن الكلام بعد ذلك وبقلق ساخر تابع : لأنني .. إن لم أفعل فإن باولو وسيليفيا سيأتيان غداً إلى الفيلا ليلقيا نظرة عليك اعتقدت أن من الأسهل للجميع أن تلتقي بهما في الحفلة حيث هناك الكثير من الناس حولك وسيكون لدينا الخيار لنغادر ساعة نشاء .
كانت لا تزال تنظر إليه وقد بدت عيناها كبيرتان والخوف يلمع فيهما رغم الضوء الخافت .
_ لا تخافي عزيزتي لن أسمح أن يصيبك أي أذى .
قال لها ذلك بنعومة ولكي يبعد تلك التعابير عن وجهها فلا تبدو مرتعبة من الأذى الذي قد يلحقه بها قام بمعانقتها . …
اعترف لنفسه بقلق أنه يقوم بشيء أراد القيام منذ أن نزلت على الدرج وبهرته بجمالها الأخاذ فهو لم يتمكن من التوقف عن النظر إليها ..
جاء عناقه ناعماً يحمل وعداً .. وعداً لها ووعداً على نفسه .
لم يكد رافايللو يلمسها حتى ذابت كالعسل بين يديه .. أغمضت عينيها لكنه سرعان ما ابتعد فتحت ماغي في عينيها ثانية ورأته ينظر إليها محدقاً في عينيها .
_ لا تخافي عزيزتي !
أدار المحرك ثانية وأعاد السيارة باتجاه الطريق من جديد متوجهاً عبر الظلام وأضواء السيارة تقطع ظلام ليل توسكانا بأنوارها المشعة .
****************
اكتشفت ماغي أن السهرة لم تكن محنة لها على الإطلاق بل على العكس كانت الفيلا التي توقفا أمامها مبنية في القرون الوسطى وهي ذات جمال أخاذ أما الطريق المؤدية إليها فمليئة بالسيارات الفخمة والرائعة ما جعل قلب ماغي يضطرب بشدة من شدة التوتر لم تستطع الدخول سيعلم الجميع أنها ليست واحدة منهم .
ما إن تصلب جسمها من الخوف حتى أحاطت ذراع قوية بكتفيها .
_ تبدين أجمل من مليون دولار وأنا سأعتني بك .
وهذا ما فعله .. لم يبتعد عنها رافايللو للحظة طوال السهرة مع أنها ليست بحاجة للحماية فباولو وسيليفيا رحبا بها بحرارة وأظهرا لطفاً حقيقياً وراء ذلك الفضول الواضح للتعرف على عروس صديقيها غير باولو غير المتوقعة لم تسمع مقلقاً من أي كان وبدا الجميع وكأنهم تقبلوها بجدية تامة .
مرت ماغي بلحظة مربكة واحدة فقط وذلك في منتصف الأمسية تقريباً عندما أسرعت سيليفيا إلى رافايللو وتمتمت كلاماً بالإيطالية على نحو سريع جمد رافايللو في مكانه للحظة بعدها قال شيئاً ما ليصرفها و ربتت سيليفيا على ذراعه برضى وفرح واختفت ثانية .
استدارت رافايللو محدثاً ماغي : لقد وصلت لوسيا لكن لا تشعري بالتوتر لن تحظى بفرصة لإهانتك .
لكن كما يبدو فإن إهانة المرأة التي خطفت زوجها العتيد أمام ناظريها لم تكن في النهاية مقصد لوسيا . عوضاً عن ذلك تقدمت نحوها وهي ترتدي فستاناً ذهبي اللون عصري الطراز اتسعت عيناها السوداوان وراحت تنظر غير مصدقة إلى ذلك التحول الذي طرأ على زوجة ابن عمها .
بدا صوتها ناعماً كالعسل لكن ماغي بقيت متوترة فضحكت لوسيا بخفة .
_ آه لا تنظري إلي هكذا فما حصل قد حصل وأنا لا أحمل لك أي ضغينة على أي حال لست أنا من يجب أن تستميليه إليك بل والد رافايللو لقد اختارني أنا لأكون زوجة ولده .
لم تجد ماغي سوء في كلامها أجاب رافايللو ببساطة ومن خلال فمه المطبق تقريباً : كان على أبي أن يعرف أنه لا يستطيع أن يلعب بحياتي لوسيا والآن أرجو أن تعذرينا إذ يجب أن نتحدث إلى الجميع .
أبعد ماغي قليلاً وعلى الفور عرفها على المزيد من أصدقائه وهؤلاء بالطبع لم يجدوا أي شيء غير لائق فيها إلا أنها قد وصلت إلى مجتمعهم فجأة وأصبحت واحدة منهم .
تابعا التجول والتحدث إلى الجميع ولم يبعد رافايللو ذراعه عنها ما جعل تأثيره مستمراً على قدرة ماغي التحدث بمنطق وحرية توقف ونظر إليها ليسألها : هل تستمتعين بوقتك ؟
هزت رأسها بصمت ثم تمكنت من القول : أصدقاؤك رائعون .
ابتسم ابتسامة كبيرة وقال : لقد أثرت إعجاب الجميع .
تلون خدا ماغي وأجابت بهدوء : كم أنت لطيف لتقول هذا .
ضحك رافايللو وقال : لطيف ؟ هل هذا ما تعتقدينه عزيزتي ؟ أعتقد أن علي إقناعك بالأمر بطريقة أخرى .
نظر إلى وجهها لاحظت في عينيه شيئاً ما جعلها تحبس أنفاسها …
ولم يمكثا بعد ذلك طويلاً بعد فترة قصيرة أصبحا في سيارة رافايللو وعندما ودعهما باولو و سيليفيا رأت على وجههما ابتسامات ذات مغزى .
تفهم رافايللو تعابير الإحراج على وجهها وما إن تحركت السيارة قال : هما يعلمان أننا عريسان جديداً ولهذا سمحا لنا أن نغادر باكراً .
_ آه .
وانشغلت بحزام المقعد لتضعه حول جسمها .
لم تستغرق الرحلة إلى المنزل وقتاً طويلاً وفكرت ماغي أن ذلك يعود إلى الإحساس بالفرح الذي تشعر به .
ما إن وصلا إلى الفيلا حتى ساعدها لتخرج من السيارة وفيما هي تسير في الممر علق كعب حذائها بالأرض وسرعان ما أحاطتها ذراع رافايللو من كتفها وكأنها تدعوها لأن تتكئ عليه سارا معاً إلى الداخل بصمت ثم سألها رافايللو : هل تريدين أن تتأكدي أن بنجي بخير ؟ أعتقد أن جينا ستسعد كثيراً لانتهاء عملها .
أجابت : آه ! نعم .
توجهت إلى الطابق العلوي في غرفتها شكرت جينا وتمنت لها ليلة سعيدة وذهبت لتتفقد بنجي .
كان الطفل مستغرقاً بالنوم في سريره الفخم طبعت قبلة صامتة على جبهته وامتلأ قلبها بالحب له ثم استدارت لتنزع عقد الماس عن عنقها .
سيطر عليها إحساس بالحزن لمعرفتها أن الأمسية قد انتهت بل هو أكثر من الحزن .. إنه شعور بالقلق لا تستطيع ان تطلق عليه اسماً فجأة سحبت الستائر الثقيلة جانباً وفتحت النافذة اتكأت على حافة النافذة وقد وضعت ذقنها على راحة يديها محدقة إلى الخارج تاركة الهواء الدافئ المشبع برائحة الزهور يمر على وجهها .
أطلقت تنهيده قصيرة الحديقة المليئة بالظلال بدت منارة بضوء خافت من غرفتها وغرفة رافايللو كما اعتقدت والتي هي بجانب غرفتها .
أطلقت تنهيده أخرى وفكرت أن ما من سبب لتكون حزينة فالليلة كانت ساحرة وهي ستحتفظ بذكرياتها إلى الأبد مثلها مثل كل لحظة أمضتها مع رافايللو دي فيسنتى فهي تريده كثيراً لكنها تعلم أنها لن تحصل منه على أكثر مما لديها الآن فهو ليس لها وهي ليست له .
_ علي أن أخبرك يا عزيزتي أن وضعك هذا خطر جداً يجب ألا تبقي كذلك
_ من أنت ؟
بدا الصوت العميق ورائها أجش يحمل بعض المرح وشيئاً آخر تفاجأت ماغي فاستقامت في وقفتها واستدارت لمواجهته .
قالت معترضة : لن .. لن أقع .
مشى رافايللو الهوينى نحوها واضعاً يديه في جيبي بنطلونه لا بد أنه دخل من الباب الخاص الذي يصل بين غرفتيهما كان ما يزال مرتدياً بذلته الرسمية وقد فك عقدة ربطة عنقه وتركها متدلية على جانبي قميصه الحريري صحح لها : ليس هذا الخطر الذي قصدته أقصد هذا .
وشدها إليه بقوة .
تمتم وقد أحنى رأسه : إنه موضوع أكثر خطراً .
رأت في عينيه بريقاً جعلها تشعر باضطراب قوي في داخلها فراحت تتنفس بصعوبة محاولة أن تنسحب لتبتعد عنه : رافايللو !
لكنه بدالا غير راغب في السماح لها بالهروب ببساطة شدها بقوة أكثر إليه محركاً يده على ظهرها وكور يده الأخرى تحت شعرها الكثيف ليمسك بمؤخرة عنقها لم يبق لديها نفس في صدرها لتتكلم أو تعترض أو تصرخ أو حتى .. لتتنفس .
قال لها بنعومة : هناك طريقة واحدة لإنهاء أمسية مثل هذه .
ثم عانقها …
حدث ذلك فجأة ودون أن تتاح لها الفرصة لتفعل أو تقول شيئاً .
في لحظة كانت تحدق من النافذة إلى ليل توسكانا الرائع وهي تفكر أن الأمسية انتهت وفي اللحظة التالية ضمها رافايللو إليه وهاهو يعانقها بشوق ولهفة .
شعرت ماغي أنها ضائعة , ضائعة تماماً .. سيطر عليها إحساس قوي بقوة الألعاب النارية أصبح عناقه أعمق وأخذ الدم يتدفق في عروقها وفي أذنيها وسرعان ما التفت يداها حول عنقه لتضماه إليها بقوة .
راح يتمتم بكلمات في أذنها لكنها لم تفهم أي كلمة مما قاله لم تستطع أن تفهم سوى أنه ما زال يعانقها .. سمعته يقول : إلى غرفتي .
جاء صوته أجش … وأخيراً وجدت ماغي صوتها فتمكنت من النطق من أعماق أعماقها : رافايللو من فضلك أنا .. أنا .
قال هامساً : هش … عزيزتي ثقي بي فأنا أريدك كثيراً .
عاد يعانقها مرة أخرى وكادت أن تستسلم له بالكامل لكن الأحلام لا تصبح حقيقة وما تعيشه الآن ليس حقيقياً .. لا يعقل أن يكون حقيقياً .
ابتعدت عنه قليلاً بينما كان رافايللو يدفعها إلى الأمام .
_ رافايللو لا ! من فضلك أصغ إلي أنت لا تفهم .
لاحظ رافايللو الإلحاح في صوتها فتركها لتبتعد عنه أكثر وبحثت عيناه السوداوان عن عينيها في ذلك النور الخافت .
_ لا تخافي لن أسبب لك أي أذى أعلم انه مر وقت طويل بالنسبة لك وأن خسارتك لوالد بنجي كانت مأساة قاسية ولا تحتمل لكن عليك الاستمرار في العيش ومعانقة الحياة من جديد .
اتسعت عيناها لسماع كلماته وبدا عليها أنها تحاول الكلام لكنه لم يدعها تتكلم .
_ أنت جميلة وجذابة وحياة بأكملها قد فتحت أمامك الآن الماضي مضى عزيزتي تذكري كايس فقط من خلال الولد الذي أعطاك إياه لكن الآن استمتعي وعانقي الحياة من جديد .
ظهر الرعب على وجهها وتمكنت أخيراً من القول بضعف كايس ؟ لا أنت لا تعرف كايس ليس والد بنجي .
جمد في مكانه فجأة وكأنها ضربته ثم سألها : إذن من ؟
تجهم وجهه فما الذي يحدث أمامه ؟
شعرت بذراعيه ترتخيان حولها ورأته يتراجع إلى الوراء .
_ أنا .. أنا لا أعرف .
أصبح وجهه قاتماً من الغضب وصاح : ماذا ؟
ابتلعت ماغي غصة وقالت : أنا لا أعلم من هو والد بنجي أرأيت … ؟
ابتعد عنها أكثر والتوتر باد في كل ذرة من جسمه .
_ أنت لا تعلمين من .. هو والده ؟
لاحظ أن هناك نظرة مترددة في عينيها لكنه تجاهلها ففي داخله تضطرم نار من الغضب المدمر .
_ هل أقمت علاقات مع عدد من الرجال لدرجة أنتك لا تعرفين من هو والد ابنك ؟
قساوة كلماته اللاذعة لسعتها بقوة ومع أنها بدت مصدومة إلا أنه تابع بقسوة والعنف ذاتهما : إذاً ذلك كايس الذي تتحدثين عنه وعن تلك الخسارة المأساوية هي مجرد قصة عاطفية لتتمكني من السيطرة علي .
تراجعت خطوة أخرى إلى الوراء وهمست : أنت لا تفهم .. ولا تعرف .
التوى فمه بازدراء وقال : آه ! أنا أعرف كل شيء .. أنا أعرف الحقيقة مهما كانت حياتك صعبة وسيئة فليس هناك عذر مطلقاً لتعيشي حياة مستهترة حتى إنك لست منزعجة من عدم معرفتك لهوية والد ابنك .
ملأ الاحتقار والازدراء وجهه وهو يتابع : هل فكرت مرة باستهتارك المطلق وعدم مسئوليتك تجاه ذلك الطفل البريء ؟ ألست أنت مثالاً حياً عن عدم تحمل المسؤولية ؟ ومع ذلك تفعلين ذلك ثانية وكأن ابنك ليس من لحمك ودمك .
صرخت بمرارة وألم : بنجي لي ! لن أتركه أبداً , أبداً .
خلا وجهه من أية تعابير وهو يقول : الولد بحاجة لأبيه .
ظهر شيء من الحزن في صوته ثم قال مكرراً : الولد يحتاج لأبيه وأنت حرمت ولدك من هذا الحق حتى إنه لن يعرف من هو والده ! أم أنك ستكذبين عليه وتقولين له إن كايس والده لتخفي عنه حقيقة أمه ؟
بدا صوته مليئاً بالازدراء والإدانة بغضب سار عبر الغرفة متوجهاً نحو الباب ليصل إلى غرفته من خلاله شعر بألم في أحشائه وكأن شيئاً ما رائعاً نادراً ومدهشاً تحول فجأة إلى فطريات عفنة بين يديه .
ما إن راقبته يغادر حتى وقفت ماغي في مكانها مضطربة من العاطفة القوية إلى الغضب الشديد في عدة لحظات ! شعرت وكأنها في ثورة من الغضب وعلمت أن عليها أن تلحق به .
وصلت إلى الباب المشترك في اللحظة التي كان سيغلقه فيها ومدت يدها لتمنعه قالت بصوت منخفض ومتوتر : رافايللو أنا لا أعرف من هو والده أمر فظيع جداً لكن .. أرجوك أعط السماح والغفران لكايس .
ازداد وجهه تجهماً وعبوساً .
|