بسم الله الرحمن الرحيم
منتدى ليلاس الثقافي
(قـُطِفت زهرتي)
توقف قليلاً أمام مرآته ليلقي نظرة أخيرة على شكله بِدْأً من أعلى رأسه إلى أخمص قدمه ....
العمامة ملتفة بإتقان حول رأسه
وملامح وجهه محفورة بإتقان رباني
حاجبان كثان متقوسان مقرونان
عينان واسعتان كحيلتان
أنف حاد مستقيم
شفتان مزمومتان بلون التوت
ذقن خفيف وشارب نحيل يزين صفحة وجهه السمراء
شعر أسود كث منسدلاً ليلامس عنقه
عنق طويل
أكتاف عريضة
عضلات بارزة وخصر رقيق
ساقان طويلتان ،، تنم عن جسد ممشوق القوام
رِبْعة ،، أقرب ما يكون للطول هو من القصر
يزين جماله ويكمل لوحته ثوب نحت لأجله بزخرفة طفيفة على أطرافه ،، وقلم فضي توسد جيبه الأمامي ليقبع أمام قلبه ،، وساعة جلدية فاخرة احتوت معصمه ،، وخاتم من فضة توسط خنصره الأيمن ،، لتكتمل الصورة الرجولية بمسبحة اختلط من لمعان الفضة وقتامة السواد وحذاء من الجلد أسود اللون يغطي قدميه
أنهى وقفته المتأملة بزخات من العطر تعانقت مع أوكسيجينه لتمتلأ جزيئات شمه برائحته وتتشعب به رئتيه
بعد أن أنهى تفقده لزينته انتشل محفظته وسلسلة مفاتيحه ليغادر غرفته ومن ثمّ يغادر المنزل
ليستقل سيارته وينطلق يجوب شوارع المدينة
يتنقل من شارع لشارع ،، ومن حي لآخر دونما هدف
وفكره سارح بعالم آخر
لا يعلم أين وصل؟؟
ولا إلى أين سينتهي؟؟
توقف فجأة حين رأى معالم الطريق الصحراوي أمام ناظريه ليعلم أنه قد قطع مسافة طويلة دون أن يشعر
انزوى في إحدى الشعاب المتطرفة ليوقف سيارة ويترجل عنها وجلس فوق الرمال الملتهبة من حرارة شمس الظهيرة والتي بدا خفوت ضوئها واستعدادها للرحيل
تأمل قرص الشمس وداعب الرمال بيمينه وفكره سارح للبعيد
غدًا .. غدًا سيسلمها إليه
غدًا .. سيقتلع جزءًا منه ليلصقه بشخص آخر
غدًا .. سينتهي كل شيء
غدًا .. ستكون لغيره، وعليه أن يرضخ للأمر
غدًا .. ستمسك بيد غيره لتواصل حياتها
ستفتقدها أركانه
ستشتاق إليها أيامه
غدًا وآآآآآآآآآآآآآهـٍ من غدًا
لن تكون بقربه
لن تحتضنه حين تبكي
لن تشكو إليه حين تغضب
لن تلثم جبينه ببراءة لتخبره أنه بطلها وأنه فارسها
لن تتعلق بعنقه لتطلب منه أن يرفعها عاليًا كي تصل إلى السماء
لن تهتم لغضبه عليها
لن تكترث لطلباته المرهقة
غدًا .. ستهجر أيامه وترحل عن حياته
أنكس رأسه بحزن وتقاطرت دمعاته لتتساقط معها الذكرى وتلوح أمامه كومضات
:
:
...: عزيييييز ارفعني لفوووووووق ابغا أشوف السما زين
عبدالعزيز: غلاتي ما يصير أنا تعبان، دوبي راجع من المدرسة
الغالية: أنا ما أحبك، أنتا تكرهني ما تباني أشوف السما زيك، ما أحبك، ما أحبك
ارتخت ملامحه بألم ليقول: غلاتي أنا عزوز حبيبك، ما تحبيني؟؟ الحين قومي وأرفعك لأعلى مكان وتشوفي الدنيا من فوق كيف حلوة
ثم حملها على كتفيه ليقبلها ومن ثمّ يرفعها عاليًا
لتتعالى ضحكاتها وهي ترى المسافة الشاسعة بنظرها بين الأرض وبينها وتصرخ: عزييييييييز أنا أحبببببببببك
:
:
الغالية: عزوز اعمل لي حصان، حنان تقول بدر عمل لها حصان وركبت فوقه
بابتسامة نفذ ما أمرته به وهو يقول: حااااااااااااااضر أعمل لك حصان وحتى حمار لو تبغي
الغالية: لا، لا الحصان أحلى، أكيد أنا حصاني أقوى من حصان حنان لأن بدر ضعيف وأنت أقوى منه، صح عزوزي
عبدالعزيز: صح غلاتي، وبعد همهمة قصيرة أردف يسألها: غلاتي أنت تحبيني؟؟
لتقوم بتقبيل خده وهي تقول: أنا أحبك كثير، أكثر من الكون كله، أنا أحبك انتا وبس
لتنشر السعادة محياها على طلعته البهية فيحتضنها بين ذراعيه هامسًا: وأنا كمان أحبك كثيييييييييير أكثر من كل شي
:
:
دخل وهو يحمل بين يديه زهرة حمراء وهو ينادي: الغالية، غلاتي، حبيبتي وينك؟؟
لتخرج من إحدى الغرف هاتفة: أنا هنا عزوزي
يمد يده بالزهرة الحمراء نحوها: تفضلي يا قلب عزوزي
الغالية: عبدالعزيز مشكوووووووووور، الوردة روووووووعة، عزيز تدري انتا بطلي، أنا أحبك ودايم أحكي لصحباتي عنك، كلهم يغاروا عشان انتا تحبني
:
:
عبدالعزيز: لااااااااا يا ويلكم لو أشوف أحد مد يده عليها، والله العظيم ما بيسلم مني، وهاذاي حذرتكم
لينفض الجمع المتراكم حولها ويدعوها وهي قابعة أرضـًا ململمة جسدها بين يديها تنشج بشدة وتحاول لملمة شتات نفسها، فيقترب عبدالعزيز بكل هدوء ورقة ليجلس بجوارها ويمسح على رأسها بهدوء وهو يهمس لها: غلاتي، قلب عزوز انتي، لا تبكي امسحي دموعك وخليك قوية، أنا معاك طول الوقت وما بتركك، غلاتي لا تبكي وتخليهم يضحكوا عليك، يالله غلاتي تعالي معي عشان تغسلي وجهك
لتقوم معه الغالية وهي تمسح دمعاتها بأكفها ثم تغسل وجهها بمساعدة عبدالعزيز لتهمس له بعد: عزوز أنا بخليك فارسي اللي تنقذني من الأشرار وتساعدني طول الوقت
:
:
تدخل المنزل وهي تقفز فرحًا هاتفة: باركوا لي نجحت، عزييييييييز، وينك عزييييييييز؟؟ تعال شوفني أنا نجحت
ليخرج على صرخاتها فينطلق كالسهم نحوها ويمسك بخصرها بغية أن يرفعها لأعلى إلا أنها تصرخ: لااااااااا عزيز لاااااااااااا أنا كبرت، ما يصير ترفعني كذا
فتنكسر فرحته بنجاحها وبرؤيتها ويكتفي بطبطبة كتفها وهو يقول بهمس موجوع: مبروك غلاي، مبروك النجاح والتفوق
:
:
عند هذه الومضة هز رأسه بعنف لينفض ركام الذكرى عنه صارخـًا: يكفي، توقفي عن الطنين بداخلي
فأنت غدًا امرأة لغيري
غادري أفكاري كما غادرت أيامي
أرجوك .. ارحلي عن آفاق تفكيري
ثم قام متخبطـًا وهو يسير باتجاه سيارته ليستقلها وينطلق عائدًا لمنزله
وما إن أوى إلى فرشه حتى تلاطمته أمواج الذكريات مع غلاه
طفولتها معه
ومراهقتها بقربهمنتدى ليلاس الثقافي
ونضوجها أمامه
مراحل حياتها وحياته معها
همساتهما
بسماتهما
صرخاتهما
ضحكاتهما
أناتهما
احتواؤها له واحتواؤه لها
فهجر الكرى عينيه ليجبره على النهوض والجلوس على مقعد مكتبه
أضاء المصباح الجانبي وأمسك بالقلم
القلم الذي يضعه قرب قلبه
ليسمع دقاته وينصت لآهاته ثم يترجمها لكلمات
واعتصر ورقة بين يديه
ليكتب ما يملي عليه قلبه
الغالية
غلاتي
غدًا أودعك
وأضع يدك بيده
لأبارك لكما اجتماعكما
غدًا أسلمه إياك وأرحل
غدًا يستلزم علي إظهار سروري
غدًا يتوجب علي إخفاء ألمي الذي ينزف من أجلك ،، لأجلك
غدًا أثبت الابتسامة على وجهي وأمحو أثر الدموع رغم أنفي
غدًا وآآآآآآآآآآآآآآهـٍ من غدًا
يقتلع حبي وينتهك عشقي ،، برضاك
ينهدم حلمي ويشوه عالمي ،، بموافقتك
حبيبتي
أجل والله حبيبتي
لا أملك الآن سوى أن أودعك
وأرفع أكفي لألهج لك بالدعاء
أن يوفقك الله ويصبرني على فراقك
يقلب الصفحة ليدون على أخرى
إليكَ أنت
يا من اخترت أن تقطف زهرتي من بستاني
إليكَ أنت
يا من تعديت حدودي لتسلب قلبًا أحبه
إليكَ أنت
يا من قدمت لأجلها وأنت تعلم أن روحي بين حناياها
إليكَ أنت
يا من هزك دلالها وأطربك همسها فآثرت أن تحظى بها
إليكَ أنت
يا من أسموك زوجها
اعلم أن زهرتي قطفت من بستاني لأجلك
وأنا الذي سقيتها ماء الحب
وأطعمتها شهد الود
واحتويتها بروح الحنان
فاسقها ماء حبك
وأطعمها شهد ودك
واحتويها بروح حنانك
فلا أريد لزهرتي الذبول
زهرتي اعتادت الدلال
اسمعها أحرف عشقك معزوفة تطرب أذنيها
برقة داعب بأناملك خديها
بعثر خصلات شعرها
أثر جنونها
ليكتسي بالاحمرار لونها
ضمها بين يديك ولمها بين كفيك
وخبئها وسط أضلعك
أسعدها
بكل ألم زرعته فيّ أفرحها
فزهرتي
إن ذبلت مات بستان عمري
فيا من أسميت لها زوجًا .. أُسْكُنها وأَسْكِنها قلبك
أنحى القلم جانبًا بعد أن سكنت روحه بفضفضته للورق وعاد مجددًا يستلقي على سريره لينتظر يوم الغد ويزف حبيبته لزوجها
أتى الغد بكل ما يحمله من أتراح وأفراح
وحان الوقت ،، فالساعة شارفت الثانية عشر وصوت المطربة يصدح بالمكان، وزفة العروس بعد ساعة سيقيمونها
في غرفة العروس
نرى الغالية مضطربة، متوترة، خائفة، ترتجف
وتفكر بشتات، كيف قبلت بهذا؟؟
أين قولها بأنها لن تكون لغيره؟؟
كيف تتركه وحيدًا بعد وفاة أهلهما؟؟
أ هذا جزاء إحسانه لها؟؟
عليها أن تتراجع الآن!!
ولكن لا مجال!!
فالفأس وقعت بالرأس
ولا خيار أمامها سوى استمرار هذه المسرحية السخيفة التي وضعت نفسها بداخل أبطالها
يطرق باب الحجرة ليخرجها من تخبطها ثم يفتح بعد أن أذنت للطارق بالدخول
...: العريس سيدخل الآن
ـ لا، لا ليس الآن، فأنا عزمت على العودة مع عبدالعزيز ـ
...: ادخل يا عريس أنت ومن معك
ـ أقول كلا، لا تدخلوه، فأنا لا أريده الآن ـ
يدخل العريس ومن معه هاتفين بالتحية: السلام عليك
ليتقدم عمها لمصافحتها وتهنئتها
ثم يتبعه ابنه الذي يعتبر أخيها من الرضاع
أحمد: مبارك يا عروس، واااااااااااااو تبدين رائعة هذا اليوم، كنت أشك بأن أختي تمتلك هذا الجمال
ترد على مباركته بخجل وهي تشعر بنظرات العريس الموقر عليها ثم تهمس في أذنه: أين عبدالعزيز؟؟ ألن يحضر؟؟
ليجيبها: لا، عبدالعزيز لا يستطيع الحضور
فتنكس رأسها حزنـًا في حين يصرخ أحمد بالعريس: ما هذا يا فيصل ألن تصافح عروسك؟؟
فيتنحنح فيصل خجلاً وهو يقول: بلى، بلى ولكنك كنت بجوارها
ثم يقبل إليها والشوق يهزه ليمسك بكفها الصغير بين كفه ويهمس: مبارك لك حبيبتي
لترد بذات الهمس: بارك الله فيك
ثم يصمت الكون معهما ويهدأ المكان
وعندها يفتح الباب ليقتحم عبدالعزيز الهدوء وهو يلقي التحية: السلام عليكم
ليردها الجميع فيما يسأل العم: عبدالعزيز بني أين كنت؟؟
عبدالعزيز: المعذرة عمي، ولكني أحتاج لفترة حتى أتمالك نفسي وآتي إليكم
ثم يتجه ناحية الغالية وفيصل وهو يبتسم ابتسامة حزينة
ليحتضنها بين ذراعيه مباركًا لها ويقبلها على جبينها قائلاً لها بدعابة: الآن ستنسين حبك لعبدالعزيز وتتشبثين بحب فيصل
لتهز هي رأسها نافيةً ودموعها على مشارف عينيها مستعدة للسقوط والانحدار
بينما يتجه عبدالعزيز ناحية فيصل ليصافحه ويبارك له زواجه، ثم يوصيه بقوله: فيصل، الغالية جزء لا يتجزأ مني فحافظ عليها، الغالية عاشت في كنفي معززة مكرمة فارفع مقدارها وأحسن معاملتها، فيصل، الغالية غالية عندي احتضنتها بعد وفاة والدي وزدت لها احتضانـًا بعد وفاة والدتي فأنا لها الأب والأم وهي لي الأخت والحبيبة والطفلة، فيصل ها أنا أعطيك قلبي وآمرك بالاحتفاظ به
الغالية أمانة أسلمك إياها ،، فاحفظها
وهنا يحتضن الفيصل كف غاليته ليطمئن قلب أخيها ويقترب منها أكثر ليضمها بين ذراعيه مجيبًا:
الغالية ستبقى غالية
-تمت بتوفيق من الله-
همسة:- ( الحب .. تضحية وبذل، عطاء لا محدود دون انتظار لمقابل أو منّة بما قدمت .. وليس فوق حب الأخوة شيء )