المنتدى :
السلاسل الأخرى
احمد خالد توفيق , رواية بعد الثانية صباحا , على شكل كتابة
ليكن يا أستاذ (مراد)..
صدقني أنا مصغ جيدًا لما تقول، لكني كذلك أتابع ما نراه على الشاشة.. أنا من النوع الذي يركز أفضل إذا لم ينظر لعيني محدثه أثناء الكلام، وهذا لا يعني أنني أستخف بك. فقط أرجو أن تعيد الشريط لبدايته..
كنت أتساءل منذ البداية عن سبب اهتمامك برأيي كمصمم للخدع الجرافيكية للأفلام. نحن نحقق نتائج لا بأس بها في مصر، لكن هذه الأمور تكلف مالاً وتحتاج إلى سخاء في الإنتاج.. الإعلانات هي مصدر دخلي الأول كما تعلم..
عندما دخلتْ عليّ السكرتيرة (شاهنده) وقدمتْ لي بطاقتك حسبت أنك تنوي عمل سلسلة من الإعلانات عن المول الخاص بك.. (شاهنده) حسناء؟.. أرى هذا من نظراتك وعينيك الموشكتين على الجحوظ، لكن لا تنس أنها واجهة إعلانية أخرى ولابد أن تكون براقة أكثر منها صادقة أو بارعة.. تفضل..اسمي (كمال جودة).. أرجو أن تشرب القهوة وأن تحكي لي سبب هذه الزيارة الكريمة..
كان ما قلته لي ببساطة شديدة هو:
ـ" افتتحنا المول منذ شهر.. أشياء غريبة تحدث"
هذه معلومة غير معتادة.. في العادة نتظاهر بأن كل الأشياء تحدث بالكيفية التي رسمناها لها وأننا لا نتلقّى مفاجآت. هذه طبيعية تجارية مهمة. لكنك تكلمني عن المول الخاص بك وتحكي قصة عجيبة بعض الشيء:
ـ" العاملات يقلن هذا في الصباح وأنا لا أصدق.. العمال يؤكدون هذا وأنا أتهمهم بأنهم يبتلعون مخدرًا ما.. إنهم يلاحظون أن أوضاع المانيكانات تتغير في الصباح عن الوضع الذي تركوه أمس.. هذه أشياء تلاحظها النساء أفضل لأن الرجال......."
ـ"نعم.. نعم.. الرجال حمقى لا يلاحظون أي شيء على الإطلاق.. هذا معروف"
-"بالضبط.. هناك ذراع موديل ترتفع وأخرى تنخفض.. هناك ساق تحركت.. هناك مانيكان كامل تغير موضعه فصار بقرب الدرج الداخلي.. أنا لا أصدق أن لصًا يتسلل للمول ليلاً – برغم الحراسة الممتازة - فلا يسرق أي شيء وإنما ينقل بعض التماثيل من مكانها.."
ـ"كل هذا جميل لكن – وسامحني على غبائي – لا أرى علاقة قوية بين هذا والخدع الجرافيكية"
هززت يدك مضمومة الأصابع على شكل قمع بمعنى أن أنتظر قليلاً وقلت:
ـ"بالطبع كان أول ما فعلته هو أن جعلت أحد رجال الأمن يمضي النوبتجية داخل المول، وبصرف النظر عن كونه فعل ذلك أم نام كلوح الخشب حتى الصباح، فهو يؤكد أنه لم ير شيئًا، والمانيكانات لم تغير موضعها.. لو كانت تغير مكانها فعلاً فهي خجول جدًا لا تفعل ذلك أمام العيون...."
لكنك تقول إن هذا الحارس كف عن مراقبة التماثيل ليلتين، وعندها تكرر الشيء ذاته وعدت تسمع القصص عن المانيكان الفلاني الذي أدار رأسه وذلك الذي رفع ذراعه. قمت أنت بتكوين شبكة من الوشاة كالتي يصنعها طغاة العالم الثالث.. الكل يراقب الكل. وكل عاملة مكلفة بأن تعرف آخر ما قامت به زميلتها قبل أن ترحل.. هل هناك من يبقى في المول وحده بعد انصراف الآخرين؟.. لا شيء..
أنا أفهم هذا.. وأكون شاكرًا لو كففت عن النظر إلى سكرتيرتي كلما دخلت الغرفة.. لا يعني هذا إنني أغار عليها، لكنه يشعرني بأنك تتجاهلني، دعك من أنه يعطيني فكرة سيئة جدًا عن أخلاقك، وهي الفكرة التي تزداد قوة كلما رأيت عينيك المحتقنتين وشاربك الرفيع وذلك الفم المفتوح الذي يتصاعد منه دخان السجائر كما يتصاعد غاز الميثان من مستنقع..
هنا فقط خطر لك أن تشغل الدائرة التلفزيونية المغلقة لتسجل ما يحدث ليلاً..
بيني وبينك هي فكرة مرعبة.. كابوس يطاردني طيلة حياتي هو أن أرى ما يحدث في شقتي المظلمة الخالية المغلقة أثناء سفري.. ماذا يدور فيها بالضبط؟
أنت قمت بتشغيل عدة كاميرات من التي تراقب العملاء، وكلفت رجل الأمن السهران أمام الشاشات بتسجيل أي شيء غريب يراه دون تدخل.. إن الإضاءة الليلية في تلك القاعات خافتة مرعبة تجمد الدم في العروق، لكنها تسمح برؤية صورة معقولة..
هذا هو الشريط إذن.. هذا ما صورته الكاميرات أمس...
فلنر معًا...
يتبع
* * *
|