المنتدى :
الارشيف
# .. رواية الأعزل .. # .. المبدع العراقي حمزة الحسن .. * جديد *
ولد حمزة الحسن في شتاء مجهول ماطر أوائل الخمسينات رغم ان تاريخ الميلاد الرسمي يشير كالعادة الى تموز شهر الولادات العراقي.
ولد كما تولد مخلوقات البرية بلا مراسيم ولا شموع ولا طقوس غير طقوس عائلة فقيرة لا تملك غير فانوس وسرير وعدة صحون وموقد للسهر الليلي على حكايات البراري والصيد والخطر والنقاء العاري ومفاهيم بدائية نظيفة عن الصداقة والوضوح والشجاعة.
كل ذلك على موقد العائلة وصحن حساء ورغيف نظيف وهو الأمر الذي سيخلق للأعزل فيما بعد مرارات كثيرة لأن هذا القادم من البراري وأحياء الطين سيصدمه عالم الواقع الشديد التناقض عن كل ما تعلم وتصور وتخيل الأمر الذي سيفتح له أبواب الجحيم على الآخرين.
ولد على ضفاف مدينة الصويرة في العام الذي يسمى في الذاكرة الشعبية عام قتل الشيخ (حامد) وهو نائب في مجلس النواب العراقي على إثر خلاف أو منافسة على كرسي وربما يكون هذا العام هو 51 أو 52.
والصويرة هذه البلدة الأسطورة ستكون جرحه النازف والمفتوح وعشقه الأبدي يحملها معه مثل (ايثاكا) أينما أرتحل.
من البراري إلى السجون( يفتخر الأعزل كونه كان راعي جاموس حتى بلغ من العمر 20 سنة وحرم من الجامعة بسبب الفقر والسياسة) لكنه يدخل السجون ويخرج لحسابه الخاص في حين يدخل الآخرون ويخرجون أبطالا وثوارا على الوهم والسراب والعتمة لأن حكم العوائل ليس ميزة السلطة في العراق فحسب بل هو ميزة عامة وفي صفوف الأحزاب.
اول مرة دخل السجن في عامة 70 على إثر منشورات كتب عليها ( قم تر الأفق مشاعل/ وملايين المساكين تقاتل!) وهو مقطع من قصيدة للشاعر عبد الوهاب البياتي( ونفس الوجوه الكالحة عادت إلى السلطة من جديد!) وهذه العبارة النبوءة جاءت في السطر الأول من ذلك البيان الذي وزع في شوارع الصويرة وألقي القبض على موزعيه بعد دسيسة.
من ذلك اليوم توالت النكبات والويلات التي عاشها وحيدا بلا جاه ولا حزب ولا سلطة ولا حماية ولا قوة. وفي كل مرة يدخل إلى السجن ويخرج يجد طبول الردح على كل الطرق وتختلط أصوات رجال السلطة بأصوات الغوغاء في مزيج منفر يعكس مرحلة من الانحطاط العام.
كانت السلطة تريد أن تجعل منه بوقا أو حشرة أو وحشا، وكان يصر على أن يكون هو نفسه ولو سحق بكل أنواع السحق، وحين تعجز سلطة الموت عن تركيعه تلجأ إلى أساليب العقاب النفسي والتشويه حين تشيع بين الغوغاء حكايات ملفقة عنه من أجل أن يركع .
إذن أنها المعركة المفتوحة على كل الجبهات: السلطة والمجتمع والقبيلة والثقافة والمعايير والشارع حتى جاءت حرب الخليج الأولى ليلتحق مع اجيال عراقية نحو تلك المحرقة قادما من السجن حيث أعتقل للمرة الثالثة في 23/5/79 مع حشود من الحركة الوطنية وكالعادة كان يدخل ويخرج لحسابه الخاص.
وبعد فترة عمل لا تتجاوز عدة شهور يطرد من الصحافة إلى الخطوط الأمامية( لأنه سجين سياسي سابق!) وفي الخطوط الأمامية سيتم التعامل معه، في الموت والمعارك والجنون العارم، على أنه عدو للحزب والدولة!
وكما يردد في سيرته الذاتية الروائية( الأعزل) فإنه لم يعد يعرف أين هي الخطوط الأمامية. خلفي أم أمامي؟!
بل أين هو العدو؟!
من العراق إلى إيران(88) إلى باكستان(89) مشيا على الأقدام بعد المرور بسجون إيرانية وباكستانية وحتى النرويج في الخامس من آذار عام 91 بعد نهاية حرب الخليج الثانية بعدة أيام.
رحلة طويلة للبحث عن حرية لم يعثر عليها حتى اليوم لكنها تبقى حلما لأن حرية الأعزل والعاشق تختلف عن حرية السياسي: السياسي يريد السلطة والحرية والأعزل والعاشق يريد البراءة المطلقة.
هذا هو الفارق بين حرية السياسي وبين حلم الأعزل: حلم طويل ونظيف ونقي وبعيد وناء. لذلك يبقى أملا وحلما ومسعى وهذا هو أجمل الأحلام.
في عام 2000 صدرت له ثلاث روايات: سنوات الحريق، الأعزل، المختفي، وفي 2001 صدرت له رواية عزلة أورستا. كل هذه الروايات قوبلت إما بالصمت أو الصراخ كما لو أن دخولها الوسط الأدبي الساكن والميت كدخول ثعلب في قن للدجاج.
وفي هذه الروايات الأربع( ومئات المقالات) كانت هناك دعوة للمراجعة واعادة النظر واعادة تعريف لمفهوم السلطة والحرية والمعارضة والفكر والسياسة والمجتمع والتاريخ وكشف المخبوء والمسكوت عنه في مناخ عراقي تقليدي صارم ومشوش وعقل اختزالي ثنائي قبلي حزبي.
لم تقرأ هذه الروايات على نحو دقيق لأن الوسط الثقافي العراقي هو صورة من المناخ السياسي العام المصاب والدخاني والملتبس. ويبقى فكر الثنائيات هو المهيمن على السلوك والتخيل والعمل الأدبي والسياسي ويظل فكر السرايا هو السائد.
يعيش من عام 93 في بلدة أورستا قادما من بيرغن المدينة الساحلية الكبيرة في عزلة بدائية لا يتحملها غير اله أو وحش بتعبير نيتشه، لكنه يقول دائما أن ربيع المثقف في قلبه، وان العزلة الحقيقية هي وهم في هذا العصر الالكتروني لكنها المسافة المهمة للإبداع والتأمل والتخيل وإعادة اكتشاف ذات مهملة مهشمة مطاردة في كل مكان( وفي سنة 97 يتزوج وينجب طفلته شذى عام 2001 أكبر طفلة في التاريخ!).
كان يجدهم ـ كلاب البراري !ـ على مفترق كل قارة أو طريق أو قرن ويردد عبارة الطاهر بن جلون:
نفس الحاكم
نفس المعركة!
حتى جاء الاحتلال!
واي فرق بين سلطة وحشية أو سلطة محتلة بربرية؟ الحياة الحقيقية غائبة( ولسنا من هذا العالم) بتعبير رامبو.
قد يصل السياسيون والكتاب الصغار إلى أهدافهم لأنها سهلة وفي اليد لكن حلم الأعزل بعيد.
هذه الفراشة، هذا (البابيون!) عبرت محطات ودولا وقارات وحدودا بحثا عن البراءة وليس عن الحرية فحسب.
فلم تجد لا هذه ولا تلك.
ويقول عن نفسه هذه الأيام:
سأواصل المنفى
وأحرض الشجر
فلا حرية في وطن مغتصب سواء على يد سلطة وحشية محلية أو سلطة بربرية خارجية.
لأن الوطن جسد.
تحياتي
التعديل الأخير تم بواسطة ali alik ; 22-11-08 الساعة 03:18 PM
|