كاتب الموضوع :
redroses309
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الفصــــــل التـاســــــع
استيقظت باريسا متكاسلة صبيحة اليوم التالي ، و للوهلة الأولى لم تعرف أين هي موجودة. كان كل ما تحس به هو ذلك الشعور الرائع بالدفء و الأمان. ثم عادت فجأة إلى الواقع...
و بقيت مستلقية على السرير و هي تحدق في السقف ، في الوقت الذي كان فيه نور الصباح يدخل من النافذة ، فأخذت تراقب ذرات الغبار المتراقصة في شعاع الشمس الربيعي. كانت قد عقدت اتفاقا ، و عليها أن تلتزم به رغم ما حصل و ما سيحصل لها.
منتديات ليلاس
بدأت الأفكار تتشابك في عقل باريسا حول حقيقة شعورها نحوه. إذ كيف سيكون في إمكانها أن تقضي معه الأسبوعين القادمين؟ و لكن الشيء الأكثر هولا هو كيف سيكون في إمكانها أن تقضي بقية عمرها من دونه؟
حاولت اقناع نفسها مرارا و تكرارا بأنها لا تحبه، و بأن ما تشعر به هو مجرد ميل عاطفي. و لكن الآن لم تستطع سوى أن تعترف بأنها تحبه. لقد كانت تكذب على نفسها ، و هو أسوأ انواع الكذب...
لم تكن باريسا تشعر سوى بالاكتئاب و بالقلق عندما لم يتصل بها لوك خلال وجودها في لندن ، فصممت على استبعاده من تفكيرها. أما الآن ، فقد أصبحت مضطرة لإعادة تحكيم عقلها و قلبها ، فهي ما زالت تحبه. إن لوك مستغل ، انتهازي عديم الشفقة ، و لا يهمه سوى مصالحه الخاصة ، فكيف في إمكانها أن تحبه؟ و لكن في صميم قلبها ، كان هناك شيء يهمس لها بأنها لن تتخلى عن حبه أبدا.
أخذت باريسا تتأمل الشخص الذي تسبب بكل هذه الفوضى في تفكيرها ، فلفت نظرها ندبة حمراء على شكل هلال على رقبة لوك ، و هي على ما يبدو حديثة ، فمررت اصبعها عليها ، فتح لوك عينيه و نظر إليها.
"ما الأمر يا باريسا؟ هل تزعجك ندبتي؟"
"بالطبع لا ، إذ لم يسبق لي أن رأيتها. كيف حدثت؟"
"هل حقا تريدين أن تعرفي السبب؟"
"أجل."
"في اليوم التالي لحصول الحريق في المصنع ، ذهبت في جولة في أرجاء المبنى المحترق مع مندوب شركة التأمين. و من سوء الحظ أن أحد أعمدة البناء لم يكن آمنا ، فهوت علي ركيزة من السقف و اصابتني في مؤخرة رأسي."
"آه ، كلا!" تنهدت باريسا و هي تعتدل في جلستها ، ثم نظرت إليه. لقد أصيب ، و هي لم تعرف بالأمر.
"نعم ، لقد قضيت أسبوعا كاملا في حالة غيبوبة ، و عدة أسابيع أخرى تحت العلاج."
"و لكن كان في إمكانك أن تتصل بي." قالت باريسا و هي مقتنعة بأنه لم يكن يستغلها كما كانت تعتقد ، فابتسمت ، لكن لوك لم يبادلها الابتسامة.
"أجل ، كان في إمكاني أن اتصل بك و لكن الظروف التي كنا نعيشها لم تشجعني على الاتصال ، فقد كان واضحا أنك لم تكوني مهتمة لأمري ، لذلك لم أتصل."
لم تستطع باريسا أن تفهم قوله "لم تكوني مهتمة لأمري." فهي لم تكن تعرف ماذا حدث له ، و لو عرفت لكانت ظلت معه و لم تفارقه. فمدت يدها و مررت كفها على شعره الأسود القصير.
"إذن لهذا السبب قصصت شعرك."
"بالطبع ، فأنا ما كنت لأقبل بأن أسير في الشارع نصف أصلع." ثم نهض و هو يضع يده على رأسه ، و نظر إليها و قال: "سوف أطلب القهوة ، خذي وقتك ، فأنت تبدين متعبة." بعد ذلك جمع بعض الثياب من الخزانة و خرج من الغرفة.
فتحت باريسا فمها محاولة الكلام، لكنها عجزت عنه، إذ ماذا في إمكانها أن تقول؟ أستقول إنني انتظرت مكالمتك و عندما لم تأت قلت عنك أنك نذل و أنني أكرهك ، و عندما عدت قلت أنني أحتقرك؟ و تصرفت معك و كأنني عنصر من المرتزقة الذين لا يهمهم سوى المال ، فقبلت بعرضك. بعد كل هذا ، كيف يمكنها الآن أن تعترف له بحبها؟
استلقت باريسا على السرير متعبة و مصدومة من حقيقة ما اكتشفته و مما يرمز له هذا الاكتشاف، فكل هذه الأمور صعبة التحمل بالنسبة إليها. لقد أحست بصدمة فظيعة في عواطفها ، و بشعور متنام يقول لها أنها أرتكبت غلطة أخرى ، لقد كان عليها أن تكون أكثر ثقة به منذ البداية ، بدل الإعتقاد بأنه كاذب و محتال ، فعلى الأقل ، كان عليها الاتصال به منذ أن اكتشفت شخصيته الحقيقية في الجريدة يوم الأحد ، و لو فعلت لسلكت علاقتهما مسارا طبيعيا، و لكن بدل ذلك هربت إلى بيتها و عضت على جراحها ، ثم أخذت تقول أنها تكرهه ، و نعتته بكل الصفات البشعة.
كيف لم تلاحظ الندبة من قبل؟ و لكنها الآن تذكرت أنه عندما رأته للمرة الأولى بعد عودته ، كان يرتدي كنزة عالية العنق ، أخفت جرحه. أنه أمر منطقي جدا.
اغرورقت عينا باريسا بالدموع و هي تفكر بالمعاناة التي مر بها ، فقد جرح نفسه ، و من ثم عانى من مرض والدته. لا عجب إذن في أنه بدا نحيلا و كئيبا. كيف أنها لم تلاحظ ذلك؟ سألت نفسها هذا السؤال مرارا و تكرارا ، و لكن بلا فائدة. مسحت دموعها ، و أخذت تلوم نفسها على عدم تحسسها معه ، إذ أنها لم تكن تفكر إلا بمشاكلها ، دون أن تفكر بالسبب الذي منع لوك من الاتصال بها.
سببت هذه المستجدات صدمة كبيرة لتفكير باريسا ، فقد كان في إمكان لوك أن يخبرها بأمر هذا الحادث لاحقا و في الليلة التي تناولا فيها العشاء معا ، سألته بعد أن اصطدم رأسه بالباب إذا ما كان قد تأذى، و لكنه أنكر ذلك. و مرة ثانية ، عادت لتحليل كل تساؤلاتها السابقة حول لوك.
نهضت باريسا و هي لا تزال تفكر بكل تصرفات لوك خلال الليلة الماضية ، ثم تذكرت أنها تريد الاستحمام. خلال وجودها تحت "الدوش" ، توصلت باريسا إلى قرارها النهائي. فقد قررت أن تخبر لوك بأنها لم تكن تعرف أي شيء عن الحادث الذي تعرض له ، و سوف تخبره أيضا كم هي حزينة لما جرى له ، و بعد ذلك يستخلص هو بنفسه كل ما يريد من الأمر ، إنها تحبه. و قد تقنعه لاحقا بتمديد زواجهما المحدد لفترة معينة إلى زواج مدى الحياة ، و لكن ليس في وسعها سوى المحاولة...
بعد عشر دقائق كانت باريسا قد أنهت حمامها ، فأرتدت ثيابها و سرحت شعرها إلى الخلف ، ثم وضعت قليلا من الزينة على وجهها ، و توجهت إلى غرفة الجلوس.
كان جالسا إلى طاولة المائدة الصغيرة و أمامه رزمة من الورق و إبريق القهوة ، نظر إليها و هي تدخل الغرفة.
"لماذا لا يوجد لحم و بيض على مائدتك اليوم؟" قالت باريسا مازحة في محاولة منها لإخفاء ارتباكها.
"لا رغبة لي الآن... لاحقا نتناول طعام الغداء ، ثم نذهب لزيارة أمي." وضع جدول أعماله لهذا النهار و هو ينظر إليها ، ثم عاد و ركز بصره على المستندات أمامه.
جلست باريسا في مواجهته على الطاولة و سكبت لنفسها فنجانا من القهوة ، ثم شربته بنهم و كأن هذا السائل الساخن يعيد إليها ثقتها بنفسها ، فنظرت إلى رأسه المنحني و تاقت لأن تمد يدها و تمسد شعره ، و لكنها بدل ذلك أحكمت يدها على فنجان القهوة الفارغ ، و أخفضت عينيها ثم قالت: "لوك ، لم أكن أعرف أبدا أنك مريض ، لو عرفت لكنت حاولت الاتصال بك ، أنا آسفة."
رفع رأسه ، و تأمل وجهها الحزين ثم قال: "نعم ، أنا متأكد من أنك كنت لتفعلي ذلك. أخبريني ، هل ما زلت تتصلين بصديقتك مويا؟"
لم تستطع باريسا أن تقيم رد فعل لوك ، فاعترافها و اعتذارها لم يعنيا له أي شيء ، و بدل أن يقدر كلامها ، أخذ يسألها عن صديقتها. فأخفضت باريسا جفنيها لتخفي الحزن الذي كانت متأكدة أنه ظهر على عينيها. لقد توصلت الآن لجواب عن تساؤلاتها السابقة ، و هو أن لوك لا يهتم لأمرها ، و لكنها لم تستطع أن تصدق ذلك و قررت أن تحاول من جديد.
"أجل بالطبع ، و لكن بخصوص الحادث ، أنا..."
"إنسي الأمر يا باريسا." ثم وقف و اقترب من مقعدها ، فانحنى و قبلها على جبينها قبل أن يأخذ بذراعها ثم يساعدها على الوقوف.
"إن الماضي ولى و انتهينا منه يا باريسا. لقد أصبحت الآن زوجتي ، و نحن سعداء مع بعضنا ، أليس كذلك؟" ثم نظر إليها متحديا إياها أن تقول العكس.
قالت باريسا مبتسمة: "نعم."
"جيد. إذن لا داعي للمجادلة و استعادة الماضي. اعتقد بأننا سوف نقضي الاسبوعين القادمين بشكل رائع."
"إن هذا الأمر يناسبني تماما." قالت باريسا و هي مصممة على جعل زواجها المحدود زواجا مدى الحياة.
وضع يده على كتفها ، ثم رفع ذقنها و قال:
"إذهبي و احضري معطفك." ثم أضاف مداعبا: "اسرعي يا زوجتي ، فأنا أتضور جوعا و هذا لا يناسب شهيتي."
و هكذا ، قضيا نهارهما حسب تخطيط لوك ، تناولا طعام الغذاء ، ثم توجها إلى المستشفى لعيادة والدته.
انقضت فترة الاسبوعين بسرعة كبيرة ، لدرجة أن باريسا و لوك لم يشعرا بهما.
"سوف أذهب إلى المستشفى اليوم لوحدي ، أما أنت فجهزي نفسك و أرتدي ثيابا جميلة ، لأني سوف اصطحبك للسهر خارجا."
قالت باريسا مازحة: "حسنا يا زوجي العزيز."
"إني أعني ما أقول يا باريسا. من المفترض أن تخرج أمي من المستشفى هذا اليوم ، و كما تعرفين ، فقد تم تأخير خروجها عدة مرات ، و لكني كنت تحدثت مع طبيبها فأخبرني أنه صار في إمكاننا أن نأخذها إلى إيطاليا. أما أنا و أنت ، فلنا كلام مع بعضنا ، لن أتأخر كثيرا ، ساعتين على الأكثر."
تنهدت باريسا و هي تنظر إلى لوك و هو يدخل الحمام ، و فكرت أنه ربما تسير الأمور حسب رغبتها ، فهي تحب لوك من صميم قلبها ، و قد ساعدت مدة الاسبوعين الأخيرين على ترسيخ مشاعرها نحوه. منذ اليوم الأول لهذا الزواج ، تعيش باريسا سعادة لا توصف.
أطرقت باريسا مفكرة في وضعها مع لوك.
لقد أخبرها الآن أنه يريد التحدث معها ، فأملت من صميم قلبها أن يكون حديثه حول استمرار زواجهما.
في هذه اللحظة ، عاد لوك و دخل الغرفة ، ثم تناول سترته من الخزانة ، فلم تستطع أن تبعد عينيها عنه و أخذت تراقبه و هو يرتديها.
"أراك لاحقا يا حلوتي." ثم انحنى و قبلها على جبينها ، و تابع: "وفري هذه النظرة حتى أعود." ثم ابتسم و مضى.
أمضت باريسا الساعة التالية و هي تحضر نفسها بسعادة حسب توجيهاته. لكن الغمامة الوحيدة التي تعكر صفو حياتها هي حقيقة أن لوك لم يتطرق بعد إلى موضوع إنتهاء مهلة الأسبوعين و ما الذي سيفعلانه بعد ذلك. أما هي فلم تجرؤ على فتح هذا الموضوع.
***********************************
يتبع...
|