ليس طبيعيًا أن نبدأ كتابًا مثل هذا برواية نكتة ¼ فالأمر جاد للغاية ¼ وليس به أي نوع من المزاح ¼ لكن هذه النكتة ضرورية جدًا في البداية لأنها بالفعل تلخص أزمة حقيقية وواقعًا مرًا وتناقضًا فادحًا تعاني منه العديد من المجتمعات المسلمة يحاول هذا الكتاب أن يرصده ويرسم ملامحه.
تقول النكتة: إن مجموعة من المصلين فاجأت رجلا يضاجع امرأة تحت منبر أحد المساجد ¼ فهاجت مشاعرهم ¼ واستفزتهم هذه المهزلة الأخلاقية الدينية وهجموا على الرجل وكادوا يفتكون به ¼ لكنهم قبل أن يضربوه، صرخوا فيه: ويحك ¼ أليس لك دين؟ ¼ فأجاب الرجل الذي كان يلملم ثيابه المبعثرة: بلى ¼ ولكن ليس لدي منزل "!! "
أنها نكتة دينية جريئة ¼ قرأتها في كتاب عن زواج المتعة في إيران. ورغم أنها ساخنة لاذعة قاسية ¼ إلا أن في الواقع ما هو أسوأ وأطرف وأهم منها ¼ وهي بالإجمال – أي النكتة – قلب وعقل وهدف ومنهج هذا الكتاب ¼ فهي تعبر عن مشكلة مزمنة في مصر وإيران والسعودية وغيرها من الدول الإسلامية ¼ منذ سنوات طويلة ¼ مشكلة الفارق الزمني الشاسع بين مرحلة البلوغ الجسماني ومرحلة النضج الاجتماعي ¼ بين المرحلة الأولى التي يصل إليها أي إنسان – ذكر أو أنثى – مرغمًا لأسباب فسيولوجية وبين المرحلة الثانية التي يجد كثيرون صعوبة في بلوغها بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة.
بين نقطة نمو الإلحاح الجنسي وضغوط الحاجة الغريزية، والقيود التي يفرضها الواقع الأخلاقي والعقيدة الدينية والحصار الاجتماعي والاقتصادي ¼ ذلك الفارق الشاسع بين المرحلتين الذي خلق هذه النكتة، وخلق بالتالي مؤسسة "
الدعارة الحلال " ¼ مؤسسة الزواج غير التقليدي في مصر وغيرها.
وقد يكون تعبير "
الدعارة الحلال " مثيرًا إلى حد بعيد ¼ فضلا عن أن كلمة "مؤسسة " تثير بدورها الدهشة ¼ ولكن هذا هو الواقع بعينه، وبدون أية رتوش، أو إضافات، فالمؤسسة موجودة، ورغم أنه لا يوجد لها إطار شرعي، أو رسمي، لكنها موجودة لأن لها عقيدة، ورؤية، وشرعية، وموظفين، وزبائن، ومحامين، ومحاكم، وضحايا، وأبناء، ويعترف بها الكثيرون، وملموسة رغم أن هناك من ينكرونها ويهاجمونها.
ولا أعتقد أن دور هذا الكتاب سوف يقف عند حد الرد على علامات الاستفهام التي يثيرها عنوانه، ولن تنتهي مهمته عند نقطة إثبات منطقيته ¼ ولكن وظيفة الكتاب هي شرح هذا التناقض في العنوان ¼ التناقض الذي يجعل الدعارة، بكل ما فيها من حرمانية، أمرًا حلالاً في رأي من يمارسونها ¼ وأن يضع يد القارئ – الذي قد يكون زبونًا من زبائن هذه المؤسسة – على موضع الحرج الدائم، رغم أن السياسيين يتجاهلونه، ورغم أن السماسرة يتحايلون عليه، ورغم أن الشيوخ يتغاضون عنه.