كاتب الموضوع :
HOPE LIGHT
المنتدى :
الارشيف
السادسة والربع من مساء السابع والعشرين من نوفمبر...
إنّ الحياة لم تعد كما هي... تتغيّر في لحظات وأنا لا أشعر بأن الزمن يجري وأنا أخطو خطوات بطيئة جداً... إلى متى سنبقى ننام في هذا المكان؟!. إلى متى سنقف مكتوفي الأيدي؟!. ولا نقدم على خطوة إيجابية واحدة!.. دائماً ما نتخذ الحل الذي لا يكلفنا الكثير... دائماً ما نختار الحل الذي نكون فيه صفراً في جهة الشمال... لا في اليمين... وإن أصبحنا نقطةً فإننا نكون تلك النقطة التي تختم الموضوع... وليست النقطة التي تختم الجملة الأولى أو مابين كلمتين...
وها أنا حالي اليوم هكذا... أسمع أنين قلبي ولا أستطيع أن أهدأ عليه... أرى جراحات روحي ولا أستطيع أن أضمدها... بل أمسك بفرشاتي لأرسم طريق ضياعي... وأختم دوري برسمةٍ تعبر عن هلاكِ... أمسك بالمنبه وأوقف رنينه المتواصل... الذي لطالما أيقظني من الغفلة ليضعني أمام الحقيقة... ويجعلني أتحرك إلى الأمام وأغير ما تم فعله... لكني أوقفه الآن حتى لا يخبرني بما عليّ فعله... إني لا أستطيع أن أغير شيئاً في الواقع ولا في الماضي حتى سيل أفكاري... أوقفته... وطريق فرشاتي الذي أخطه على الورقة التي تقف أمامي... أزلت منه النور... بطرقات على الباب انقطع كل شيء...
عرفت منها أنها غدير... فقلت مباشرة...:" تفضلي..."
أطلت برأسها من خلف الباب بعد أن فتحته... وقالت...:"أيمكنني الحديث معك لبضع دقائق؟.."
ابتسمت لها وتركت فرشاتي... أجبتها... :"لك كل وقتي..."
أتت لترى ما قد خطته فرشاتي في لوحتي الجديدة... تأملتها وكأنها عرفت ما كان يدور في عقلي من تلك الخطوط التي لونتها بألوانٍ مظلمة...
_:" ألم تكمل لوحة المدرسة؟!."
_:"ليس بعد... أحسست برغبة في رسم هذه أولاً..."
نظرت إليّ في حين كنت أنا أمسح آثار الألوان على كفي... ثم عادت بنظراتها المتألمة إلى اللوحة وقالت... :"لم كل هذا الحزن أخي؟!. لم ترسم طريقاً طويلاً لا نهاية له؟!. إنها تشعرني بأنه لن يصل إلى نهايته... أعني هذا القابع في بدايته..."
_:"لأنها تمثل حالي، يا غدير... إنني أسير في طريقٍ كنت معتقداً بأنني سأصل إلى نهايته... لكن أنظري أظلم الطريق وسلب ذلك الأمل الذي كان في نهايته..."
وضعت كفها على كتفي... وشدت عليه... أحسست بأن كل طاقتها خرجت من كفها الصغير... لكنها لم تؤثر فيّ... قالت لي مشجعة...:"بل ستصل يا أحمد... إنني واثقة من وصولك إليه..."
_:"لن أصل... فأنت تعلمين ما هو ذلك الأمل وما هو ذلك الطريق... وها هم يسلبون مني الأمل... وبقيّ طريقي مظلماً برحيله..."
تنهدت بعمق وقالت...:" إنه حب الطفولة... مازلتم في بداية حياتكما... فلم تعجلت وأفرغت شحنة حبك كلها في بتول..."
نظرت إليها بتعجب مما أسمع... :"لماذا تقولين هذا؟.. وأنت تعلمين بأنها لا تريد هذه الزيجة... أنت تعلمين بأن أبي لا يرضى لها مثل هذا الزواج... هل ترضين لنفسك أن ترتبطي بعجوز في سن أبيك؟!. وربما يفوقه سناً!.. هل ترضين بأن تكوني سلعةً يباع ويشترى فيها على حساب سعادتك؟.."
كان الألم يتدفق إلى عينيها... من قسوة كلماتي التي أرسلتها إلى أذنيها... أجابتني وصوتها بدأ يعاتبني... :"لا يا أخي... إني لا أرضى لها هذا... لكن إن كان في ذلك سعادتكما فأنا مستعدة لأن أذهب إلى عمتي أطلب منها أن... أن تحيد عن بتول و... و... وتأخذني أنا لـ..."
بترت جملتها بقبضي على ذراعها... :"لا تكملي... هل جننت؟!. هل أنت مجنونة إلى هذا الحد يا غدير؟.."
اعتصرني الألم وأنا أرى جراحاً وآهات في صوتها... :"لأجلك فقط يا أخي... لأجلك فقط أتحمل كل شيء... وكذلك الجنون الذي يصيبني... على أن لا أراك تعيساً لحظة واحدة في حياتك..."
إنها مجنونة... نعم أختي جنت في ذلك اليوم... ما ذنبها هي الأخرى بأن تزج في مشاكل الكبار... أأقول لها سبب زواج بتول؟.. ولم عمتي تريد أن تلقي بها هكذا؟!. لا... لا لن أتفوه بكلمة... فأنا قد وعدت أبي بأن يبقى سر بتول في بئري... ومدفوناً في أعماق روحي... روحي التي تتعذب لأجلها...
سحبت غدير ذراعها من بين قبضتي... وقالت:" أرى صمتك يا أحمد... أهو علامة الرضا على ما أريد..."
_:"أيتها الحمقاء... كيف أرضى لأختي أن تفعل بنفسها ما تقولين؟.. كيف أرضى لأختي بأن تعيش بقية حياتها مع رجلٍ عجوز بقي له من الحياة أياماً قليلة؟!."
صرخت في وجهي وهو ما لم أعتاده منها...:" وما أدراك بأنه سيموت؟!. ربما تكون حياته أطول من حياتي أنا... وما أدراك أنني لن أسعد معه؟!. أنت وبتول من لن يسعد إن أنا لم أقدم على هذه الخطوة.."
_:"لا... لا تفعلي... أرجوك لا تفعلي..."
اتجهت ناحية الباب... وهي تلقي عليّ بآخر متفجراتها...:"إنني ذاهبة إلى أبي لأخبره... اسمع يا أخي أحمد أنا انتهت حياتي منذ عام مضى.... لقد رحلت روحي معه... أما أنتما فلازلتما هنا ... روحاكما اتحدت فلا تفرقاها بسبب ضعفكما ... "
كم كان كلامها و منظرها يقطع القلب....
خرجت كلمات الذهول من فمي مبعثرة وواهية ...
_:"لكن....لا....أنت...."
رن هاتفي في هذه اللحظة التي لم أكن أود فيها الحديث مع أحد سوى أن أمسك بأختي وألغي تلك الأفكار التي تسطير عليها... لكن الاسم الذي على الشاشة ظهر هو ما جعلني أرفع الهاتف وأجيب...
_:"مرحبا أحمد... إنني وسام..."
أجبته وكلي لهفة في معرفة ما يمكن أن يخبرني به... :"أهلاً وسام... هل من جديد؟!."
رد عليّ وبنبرة صوته القليل من التعجب... :"إن لديّ فكرة ستنقذ... آآآ مااسمها... بتول أليس كذلك؟.."
_:"وما هي الفكرة قلها بسرعة..."
تردد قليلاً... لا أدري هل كان خائفاً من صوتي الغاضب أم من شيء آخر؟!.. فقلت مشجعاً :" أرجوك لا وقت لدينا... "
_:" إن زينب ابنة السيد سلمان، مع أختي وأختك ريم في المدرسة... لكنها في سن بتول..."
قاطعته...: " أرجوك ارحمني وأخبرني ما هي فكرتك..."
_:"أن نقول لزينب بأن والدها سيتزوج من إحدى فتيات المدرسة... وهي ستجعل والدها يعدل عن هذه الفكرة... وأنت تعلم ستخبر والدتها وهنا ستحل المشكلة..."
لا أدري كيف يفكر وسام... فكرته لمعت في ذهني... لبعض الوقت... والصمت قبع فينا...
_:"مابك؟!. ألن تقول لي شيئا؟!."
_:"وسام... إنها فكرة جيدة... لكن مخاطرها كثيرة... ما أدراك إن هو حقاً عدل عن الزواج!.. وما أدراك إن كانت ابنته ستصدق ما ستقوله لها الفتيات؟!. أو ربما زوجته لن تصدق... نحتاج لشيء أقوى..."
_:"رغم أنني لم أعرف بأن لي أختاً أخرى إلا الأمس... إلا أنه ليس أمامي سوى حلٍ واحدٍ.."
يا إلهي ما بهم اليوم... في كل دقيقة يظهر لي نابغة من نوابغ العصر... ويريد أن يخبرني بحلول لمشكلة بتول...
_:" وما هو هذا الحل؟.."
_:"ستعرف لاحـ...."
قطع جملته وأكملها بصورة مختلفة... :"سأذهب إليه بنفسي... وأخبره بأنها لا تريده..."
أحسست بأنه طفلٌ في هذه اللحظة...:"وإن لم يولك أي اهتمام..."
_:"سأقتله..."
حاولت أن أستسيغ الفكرة في عقلي... أو أبدل حروفها... لكن لا جدوى... حين أفقت من صدمتي... لأقنعه بعدم فعل شيء من هذا الجنون... كان قد قطع الاتصال... عاودت الاتصال به مرةً ومرات... لكن دون جدوى لقد أغلق هاتفه...
هنا تذكرت غدير تلك المجنونة الأخرى... ما الذي ابتليت به في دقائق معدودة؟.. اثنان مسهما الجنون... خرجت من غرفتي... وعندما فتحت باب غرفتها لم تكن هناك... ذهبت إلى غرفة والدتيّ ولم تكن كذلك هناك... رأتني أمي فخرجت خلفي تسألني عما حل بي... لكن حرفاً واحداً لم ينطق به لساني... ومن السلم مباشرة إلى الصالة... حيث رأيت غدير تبكي وهي تجلس عند قدم أبي... تتوسله بأن يوافق على طلبها...
وأبي مثل المصقوع لا يعرف ما يفعل... ولا يدري ما يقول... فقط كلماتها هي التي كانت تهزه وتهز والدتي...
_:"أرجوك أبي... إنها صغيرة على الزواج... مازالت الحياة أمامها...فلم تقتلونها في الحياة... أما أنا فقد أكملت دراستي ولم يبق لي شيء على استلام الشهادة... أرجوك أبي... أرجوك كلم عمتي..."
أمي لم تتمالك أعصابها... فصرخت على غدير...:" يكفي يا غدير... ما هذا الكلام الذي لا معنى له... أتريدين أن تمضي بقية حياتك مع عجوز..."
نهضت غدير من مكانها واتجهت ناحية أمي... وفعلت ذات الشيء... جلست على ركبتها وأمسكت بيمين والدتي... :"أرجوك أمي... إنها لا تستحق ما يحدث لها... انظري إلى حالها... منذ ذلك اليوم وهي لم تتحدث إلا ولجأت إلى البكاء بعد ذلك... لا تأكل شيئاً سوى قطعٍ قليلةٍ من الخبز... أمي أرجوك إنني راضية ومقتنعة تمام الاقتناع..."
[CENTER]| +* +* +* +* |[/CENTER]
كنت في غرفتي عندما سمعت صوت جرس الباب الخارجي يقرع... وكنت على وشك الخروج منها... فتحت الباب لأرى ريم وهي تجلس على أولى درجات السلم... ويبدو عليها الإنصات التام للأصوات التي تأتي من الطابق السفلي... وكأنها طفلٌ صغير يسترق السمع لفضوله الشديد... تقدمت إليها... أحسست بدموعها التي تسري على وجنتيها... فهذه وضعيتها التي اعتادت أن تجلس فيها وتبكي... تضم رجليها بين ذراعيها...
_:"ريم مابك؟!."
انتفضت فزعة من سؤالي الذي لم تكن تتوقعه... ولم تتصور بأنني سأخرج من الغرفة اليوم... التفت إليّ ونظراتها تحوي الكثير من الكلام... والكثير من الفيضانات والبراكين... أعدت السؤال... فلم تجب... بل نهضت تصرخ في وجهي... :"كله بسببك... إن أختي ستعرض نفسها للموت بسببك..."
أجبتها وأنا أشعر بنفسي تائهة في طريق حالك الظلمة... :"ماذا تعنين بالموت؟!. إلى أين ستذهب؟.."
فجاءني الجواب منها... مثل السم الذي سرى في بدني طوال الأيام الفائتة... :"إنها تتوسل أبي لأن تتزوج من ذلك العجوز... أيتها الأنانية... انظري ماذا ستفعلين أنت وأمك..."
لم تأت في ذهني مسألة الزواج أبداً... بل حقاً كنت تائهة... وما زادني ضياعاً كلماتها التي كانت قاسية جداً... ما الذي فعلته أنا لأستحق كل هذا؟!... سألتها لأفهم شيئاً... :"ماذا تعنين بذلك؟!."
دفعتني بيديها وراحت تجري إلى غرفتها ودموعها تضربني... بل تلكمني بعنف... لم أستطع فهم الأمر جيداً... لم أستطع أن أعِي ما يحدث من حولي... تناهى إلى سمعي صوت أمي... أو التي يطلق عليها اسم والدتي...
_:"أين بتول يا مصطفى؟!."
صوت خالي الذي رد عليها كان متعباً جداً...:" ماذا تريدين منها؟!."
_:"أريد أن آخذها الآن... فيجب أن تتجهز للعقد..."
رد عليها صوت أحمد متسائلاً... :"أين وسام عمتي؟!."
_:"وما شأنك به؟!."
فأعاد أحمد سؤاله بغضب... :"أين هو يا عمتي؟!."
وكأن غضب أحمد أخافها، أو هز من كبريائها شيء... :"لماذا تسأل عنه؟!."
_:"إن وسام في خطر أين هو؟!."
لم أشعر بخوف أمي على أحدٍ إلا اليوم... عندما نزلت بضع درجات من السلم لأراها وهي تسأل هلعة...:"ما به؟!. لماذا؟.. ماذا به؟!."
_:"يا إلهي صبرك... أخبريني أين ذهب؟!."
_:"لا أدري... خرج قبل أن أخرج من المنزل... أخبرني ما به؟!."
رأيت أحمد يتجه ناحية السلم ويصعد... نظر إلي وهو يقول مهدداً إياي ...:"إياك أن تنزلي..."
لا أدري لِم لَم أهتم لذلك التهديد... أكمل هو طريقه ودخل غرفته ومن ثم نزل خارجاً من المنزل... ولم تهدأ العاصفة التي في الأسفل... أمي تسأل عني... وخالي يحاول أن يؤخرها... وكأنهم في إحدى جلسات مؤتمر مجلس الشعب، أصواتهم تعلو وتعلو...
نزلت بضع درجات أخرى... فإذ بي أرى غدير وهي تتجه ناحية خالي تمسك ذراعه... نظر إليها وكأنه يتوسلها بأن لا تنطق بشيء... كل ما خرج من بين شفتيه... :"اذهبي إلى غرفتك..."
غدير هزت رأسها نفياً... ودموعها تجري من مقلتيها... :"لن أذهب..."
خالتي أم أحمد حدثتها بهدوء...:"غدير أرجوك بنيتي اسمعي كلام أبيك..."
لم تأبه غدير بتاتاً بما يقولون... اتجهت ناحية أمي وقالت لها كلماتٌ صدمتني... شلتني عن فعل أي شيء...:"عمتي... بتول لن تتزوج... أنا من سيتزوج لأجلها... إنها مثل أختي وأكثر من أختٍ لي... إنها لا تستحق ما تفعلين... أرجوك عمتي..."
أمي زادت حدة غضبها...:"لست بلهاء لأزوجك أنت من رجلٌ غني... وأترك ابنتي..."
خالي لم يتمالك نفسه فأمسك بذراع غدير وسحبها باتجاه السلم كي تصعد... لكنها أصرت وعادت إلى أمي... وأمي بدأت تنادي عليّ من مكانها... وأنا لازلت كالتمثال الذي يقف في إحدى دور العرض... لا أدري ما الذي يدور من حولي... توسلات غدير لخالي... كلمات ريم لي... وأحمد الذي هددني بعدم النزول... ماذا أفعل؟!. أستمع لمن؟!. وأنصت لمن؟!.
لم أدع التفكير يقتلني أكثر مما فعل بي... نزلت ووقفت أمامهم... فلم يكن من خالي إلا أن صرخ في وجهي...:"ما الذي أتى بك إلى هنا؟!. عودي لغرفتك..."
جمعت بضع حروف وبضعاً من أشلاء صوتي... :"لن أعود!.. سأرحل!.."
نظر إليّ خالي وعيناه تكادان تخرجان من محجريهما... وغدير التي لم تهدأ من بكائها أتتني لتكمل عليّ وتقتلني... :"أيتها الغبية، لن أدعك ترحلين... إنك ستبقين هنا..."
هززت رأسي أنفي ما تقول... ودموعي تجيبها... لم أشعر بها إلا ويداها تهزانني بشدة... ستبقين يا بتول... ستبقي هنا لأجلي... لأجلي أنا أكملي دراستك... وأكملي حياتك هنا... مع من يحبونك..."
كلماتها لا أدري بماذا أصفها!.. هل سمٌ أتجرعه؟!. لا بل أشد من ذلك... إنها جزءٌ من هذه العائلة... أما أنا فمجرد ابنة لعمتهم... فتاةٌ تربت بينهم... لم أتحمل تلك الدموع التي تغسل تسيل كما تسيل الأنهار في الوديان... أبعدتها عني... وأشحت بوجهي عنها... نظرت إلى أمي... التي لم ألحظ منها أي اهتمام... أو أي مشاعر اهتزت بداخلها... بل مجرد حجرٍ يقف أمامي... :"سأذهب معك أمي... سأغير ثيابـ.."
لم أكمل جملتي... حتى أحسست بخدي يصبح جمرةً ملتهبة... لقد أتتني ضربةٌ من كف أحدهم... بكل ما أملك من قوة حاولت الوقوف على قدميّ... رفعت رأسي لأنظر إلى تلك اليد التي ضربتني... تلك اليد كانت... كانت يداً حنونة دوماً... يداً لطالما مسحت على رأسي... وضمت جسدي إليها... وضمدت جراح عيني... واليوم... تلطم خدي لتجعله شعلة ملتهبة...
_:"هل جننت؟!. أتريدين أن تدفني نفسك بالحياة؟!."
أطرقت برأسي خجلاً من كلماتها... أبحث بين قطرات دمعي عن جواب لسؤالها... لم أجد سوى كلمات ستؤلمها لا محال من ذلك... ستجرحها...
_:"وماذا أنت فاعلة؟!. ألن تدفني نفسك كذلك!.. ألن تضيعي نفسك لأجلي!.."
تدخلت أمي في هذه اللحظة ومدت يدها إلى ذراعي... أمسكتها بعنف... جرتني خلفها وهي تقول... :"هيا!.. لا وقت لدينا... فعمك في الخارج ينتظرنا..."
وكأنها كانت تقول لا وقت لدينا لمراسم عزائك... لا وقت لدينا لدفنك قبل أن تفوح منك رائحة نتنة... لا وقت لدينا لنخرج روحك من جسدك... فقد أتى أمر الله بموتك...
التفت إلى أبي وأمي الحبيبة وغدير أختي... وريم التي أتت تطل علينا من السلم... هنا حقاً أحسست بروحي تخرج من بدني... أحسست بها تجر مني الحياة جراً...
سمعت صوتاً ينعاني... صوتاً يودعني... أصواتاً باكية على رحيلي... وأصواتاً تندب حظي... ووداع لم يتم إلا بالدموع... لم يكن به عناق أو تقبيل... لم يكن بها وصايا... وحفظ الأمانة...
لقد انتهت الحياة... رحل النور والأمل... وأغلقت أبواب الجنة فلن يسمح لي بدخولها...
| +* +* +* +* |
لم يعد قادرا على كبت بركان الغضب في داخله أكثر من ذلك .... فهي ابنته ..... ولن يسمح لسارة بأن تقتل طفلتها و براءتها أمام ناظريه.... فانفجر بركان الغضب.... وأخرج الحمم التي في جوفه....
_:"توقفي سارة!.."
قالها بأعلى طبقة من صوته... فتوقفت و التفتت ناحيته ورمقته بتلك النظرة الباردة... و بنفاذ صبر:
_:"ماذا هناك بعد يا مصطفى؟!. "
_:" بتول لن تغادر من بيت أبيها إلا بإرادتها..."
كان ردها هذا حازماً... فخرجت من حنجرتها ضحكة استهزاء, ومن ثم قالت:
_:"لقد قالت لك بعظمة لسانها بأنها تريد الذهاب معي..."
بخطى واسعة توجه ناحيتهما... أمسك بذقن بتول... ورفعه ناحية أمها متحجرة القلب ... و صرخ بوجهها قائلا...
_:" أهذا وجه فتاة راغبة بالذهاب معك .... سارة بتول لا تريد أن تتزوج ذلك العجوز ...و أنا كذلك لا أريد ..."
وصوب أبهامه ناحيتها...
هنا رحلت عنها موجة الصقيع... وهبت رياح الغضب الملتهبة... وقالت بحنق :
_:" أنت ...! وما دخلك أنت؟ أنت لست أباها و لا وصيا عليها ... أنا أمها ...أنا التي لها الحق بتصرف بها كما تشاء..."
استفزته جملتها الأخيرة... فانفجر بها قائلا...
_:" ما هذا الكلام يا سارة ؟ ..أهي سلعة ... هذه ابنتك من لحمك و دمك ... ومن ثم تعالي هنا ... أنت صحيح أنجبتها لكن في حياتك لم تكوني بجوارها ... رميتها علينا و ذهبت لملذاتك الخاصة ... لم تضحي لأجلها .... أنت التي ليس لك الحق بها ... نحن الأحق..."
_:" الورق يثبت بأن لي الحق... "
بتر جملتها بكلمات لم يعرف كيف خرجت من حنجرته ... فالغضب أعماه تماماً...
_:" إذا الآن تتحججين بالورق .... و تقولي أن ليس لنا الحق بها ... حسنا .... بتول سوف تتزوج من أحمد .... هكذا لن يصبح لك الحق في التصرف بشأنها... "
| +* +* +* +* +* |
|