كاتب الموضوع :
HOPE LIGHT
المنتدى :
الارشيف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته....
ستكون أولى كتاباتي المتواضعة هي هذه الورقة من غصن الحرية...
مع أغلى الصديقات ||ضوء الأمل||
أقف معها في أولى أعمالنا المشتركة || قلمها مع قلمي ||
أتمنى لكم قراءة ممتعة بين كل حرف من حروف ورقة الثالثة من غصن الحرية
|+*| الورقة الثالثة من غصن الحرية |*+|
الخميس: السابع والعشرين من نوفمبر/ التاسعة وخمس دقائق، صباحاً...
استيقضت في صباح ذلك اليوم ولم أهنأ في نومتي ليلتها.. كنت أتقلب على فراشي طوال الليل كأني سمكةٌ قد أخرجت من المحيط الواسع ووضعت في حوضٍ بلا ماء... أحاول أن أجد النعاس في إحدى الجهات التي في غرفتي... لكن لم أجد ايَّ ذرة منه في أي زاوية... فحديث الأمس مع أمي أقلقني كثيراً... وطلبها الذي أعجز عن فعله... إنه صعب صعبٌ جداً...
_:" هل مازلت نائما بني؟!."
اخترق صوتها عالم التفكير وأنا على تلك الحال من القلق والتوتر.أخذت نفساً عميقا والتفتُّ إليها أجيبها... :"لا أمي... للتو استيقظت..."
ابتسمت لي وهي تقف عند باب غرفتي وقالت لي:" إذا... قم واغتسل حتى تتناول الفطور معنا..."
مددت جسدي على السرير بتعب ورغبة جامحة في النوم وأنا أجيبها...:" حسناً... إنني قادم خلفك أمي..."
خرجت وتركت الباب خلفها مفتوحاً، ووصلني صوتها وهي تتجه ناحية غرفة أختي... :"هيا لا تتأخر... أريد أن أكمل حديث الأمس..."
خرجت من غرفتي وأنا أتجه إلى دورة المياه في الجانب الأيمن من باب غرفتي، وراودني الخوف من ذلك الحديث الذي ينتظرني... هل ستعاقبني إن لم أفعل ما تريد؟!. أم هل ستغضب مني كما تفعل دائماً إن لم ألبِّ طلباتها؟!. إلهي أعنّي على طاعة أمٍّ مثلها...
[CENTER][/CENTER]| +* +* +* +* |
مر يومان على زيارة أمي إلى بيتنا... أعني بيت خالي!.. ولا زال الصمت يخيّم على أجواء البيت كلّه... خالي لا يريد أن يتطرّق للحديث، وخالتي غيداء كذلك... أما أحمد فمنذ أن لم يأذن لي بالحديث معه لم أره ولم أتكلم معه... أحمد ذلك الشخص الذي أحبّ الحديث معه... وأن ألجأ إليه لحل كل مشكلة تعترضني... لماذا كان غاضباً في تلك الليلة؟!. و لم يذهب أمس إلى المدرسة بسبب زكامه الذي أصابه عندما جاء ذلك اليوم بعد نهاية الدوام وهو مبلل كأنه قد خرج من حوض الاستحمام...
دخلت ريم إلى غرفتي وهي تحمل كتبها بين يديها... نظرت إليها متسائلة فقالت لي... :"لقد مللت المكوث في غرفتي أريد أن أنهي دراستي معك... هل يمكنني؟!."
هززت رأسي لها بالإيجاب ولكن شبح الحزن لازال يقبع معي... رفعت حاجبيها وهي تقول...:"ما هذا الحزن أيتها العروس؟!. لم أر في حياتي فتاةً مثلك... ستنتهي سنوات التعب والسهر خلف الكتب و الاستيقاظ مبكراً بزواجك... وأنت لا تريدين الزواج!.."
ريم تصغرني بعامين... ورغم أنها لا تحبّ الدراسة إلا أنها متفوقة دائماَ... ابتسمت لها دون أن أنطق بكلمة واحدة... فقالت متذمرة وهي تلقي بكتبها على الأرض...:" أنت بلهاء... تزوجيه اليوم فربما يموت غداً... وترثين الأموال التي سيخلفها..."
نظرت إليها بتعجب كبير... هل من المعقول أن هذه ريم التي أعرفها؟.. إنها الفتاة الأكثر كرهاً للزواج... والآن تقول لي بأن أتزوج من ذلك العجوز...
تنهدت ثم جلست على الأرض وفتحت كتبها... أعادت النظر إليّ وكأنها تنتظر مني إجابةً ما... كانت مثل طفلٍ صغير يترقب بشوق كلماتٍ تبهجه... أعدت نظراتي إلى كتبي وأكملت حل مسائل الرياضيات التي بين يدي... فقالت بسأم...: "إنك عنيدة... عنيدة جداً..."
ازدردت ريقي وأحسست بسمٍ يسري من حلقي إلى حنجرتي... حاولت أن أوقف النزيف الذي في قلبي... وأجمع بقايا أشلائي التي تناثرت منذ أيام... مضت بضع ثوان قبل أن أقول...:"لو كان خالي سيجبرك على زواج كهذا... فهل ستوافقين؟!."
كان في صوتي شيءٌ من الدموع وشيئاً من مسلسل جروحي الذي لم ينتهِ بعد...
أحسست بأنها صعقت من سؤالي هذا... بل أحسست بأن تياراً كهربائياً سرى في أطرافها... لم أكن أنظر إليها بل مطرقةٌ برأسي بانكسار... ثم رفعت رأسي أنظر إليها، وقبل أن تجيب هي أطرقت برأسها لمدة من الزمن... ثم ألقت بالقلم الذي كانت تمسكه بين أناملها ...:"لا أدري... فأبي لا يفعل ذلك..."
تجمعت الدموع في عيني لتحجب الرؤية... وتكون حاجزاً بيني وبينها... لم أرغب في البكاء الآن... ضغطت على شفتي بأسناني ونهضت من على السرير... اقتربت من مكتبي الصغير وأمسكت بتلك الصورة التي تجمعنا _نحن جميعاً_ أنظر إليها... علها تقنعني أنني كنت في حلم طوال يومين... لكن صوت ريم خرج من حنجرتها واخترق الحاجز الذي غلفني... :"لا أدري حقاً... إن أبي رافض أن يزوجك وأنت مازلت في الخامسة عشرة... فكيف به يزوجني وأنا سأدخل الثالثة عشرة في الشهر المقبل؟!. لكن إن كنت لا تريدين المشاكل فـ... فـ... فوافقي..."
التفت إليها وأنا في غاية الذهول مما قالت... إنها كلماتٌ مزقتني... قطعتني إلى أشلاء عدة... تمنيت لحظتها لو أستطيع أن أصرخ في وجهها وأقول لها أنني لست لعبة أينما يحلو لأمي رمت بها... لكن عتبت عليها مجرد عتاب... :"هل أنا فعلاً سأسبب المشاكل برفضي؟!. إنني فقط أريد أن أكمل دراستي لا غير... إنني أريد أن أبقى بجانبكم فقط... فأنتم عائلتي ريم!.. أنتم عائلتي التي ليس لي غيرها... لا أم لي سوى أمك، وأبي هو أبوك..."
وكأنها أحست بما يفتتني إلى قطع صغيرة... فأجابت :"إنني آسفة بتول... لكن أنت لم تر عمتي وهي تخرج من غرفتك في تلك الليلة وهي غاضبة... وتهدد أبي... إنني أرجوك بأن تفعلي شيئاً... أنظري إلى والدي كيف يعاني من هذا الخبر مذ سمعه!.."
كانت كلماتها تصل إلى قلبي مثلما يصل السم إليه... فعادت الدموع تحكي آلامي وتحجب عني رؤيتها... وعبرت أهدابي وهي ترتجف خوفاً من المستقبل الذي ينتظرني...
حين رأت ريم دموعي قامت من مكانها وضمتني بين ذراعيها وهي تحاول أن تخفف عني ... لكني أبعدتها عني وارتميت على سريري أضم وسادتي وأجهش في البكاء...
ربتت على ظهري... وهي تقول... :"آسفة... سامحيني بتول..."
صرخت عليها...:"أخرجي من الغرفة... اتركيني بمفردي..."
| +* +* +* +* |
دخل عليه ببدلته الرسيمة... يخفي نصف وجهه خلف نظارة سوداء... ألقى بتحية يغلفها الاحترام... فأومأ له الرجل الذي يجلس خلف مكتبٍ فخمٍ جداً... وجلس على الكرسي أمام المكتب ودس نظارته في جيب سترته...
ساد الصمت برهةً من الزمن... وكأنهم في جلسة استرخاء... كانت نظرات ذلك الرجل وهو يمعن النظر في الأوراق التي أمامه نظرات ثاقبة... يطغى عليها الكبرياء والغرور... نفض سيجارته في تلك المطفأة المركونة على طرف المكتب... ثم أسند ظهره على الكرسي بارتياح شديد... وابتسامة النصر علت وجهه... فردت له الابتسامة من الرجل الذي دخل قبل قليل بابتسامة حيرة...
أخذ نفساً عميقاً من دخان السيجارة التي تلفها أنامله... وقال بصوت مليء بالنشوة :"لقد أتت الأوامر العليا... بتنفيذ العملية الكبرى..."
_:"حقاً يا سيدي!.. وأين سيكون التنفيذ؟!."
_:" في تلك المنطقة التي ستربك العالم بأسره... إنها أمنية لطالما حلمت بها... وها هي تتحقق..."
سكت الرجل الآخر وهو ينظر إلى ذلك الفرح بتحقق حلمه... وهو لا يعلم عن أي حلم أكثر من وصوله إلى هذا المنصب الذي يستلم زمام أموره...
قطع عليه تفكيره في معرفة تلك المنطقة التي تحدث عنها... بكلماته... :"مابك؟!. إنها منطقة الأمير..."
حدق به لبضع ثوانٍ... غير مصدق ما تلقفته أذناه... ازدرد ريقه بصعوبة شديدة... وكأنه لم يذق طعم الماء منذ زمن... وخرج من بين أوتاره صوتٌ هلعٌ... :"أتعني... منطقة الأمير السكنية..."
جاءته ابتسامة خبث... ولحق بها صوتٌ مشبع بدخان السجائر... :"نعم... إنها هي بعينها..."
رد عليه بتوتر وضيق... :"لكن هناك المئات من الأطفال والنساء... وكذلك كبار السن... ماذنبهم؟!."
_:"ذنبهم!.. ذنبهم أنهم يؤيدون الحكومة وهي لا تستحق كل هذا التأييد... إنها تستحق التدمير..."
_:"هل تسمح لي بأن أطرح عليك رأياً أفضل؟!."
_:"قل ما عندك... لكن لن يتغير شيء..."
_:"أعلم يا سيدي... لكن أيمكنك أن تؤجل هذه المهمة!.."
رفع أحد حاجبيه... وهو يدفن سيجارته في المقبرة الجماعية... وقال:" ولم نؤجل المهمة؟!. جمال! إنها الضربة التي ستؤدي إلى هلاك هذا الحاكم..."
نهض ذلك المدعو جمالا من مكانه وتقدم إلى النافذة... ضرب بقبضته على إطارها... مما زاد من تعجب ذلك الرجل... فنهض واتجه إليه وقال له... :"ما بك؟!. لم أعهدك بهذا الضعف والخوف..."
التفت إليه جمال وقال له بصوت هامس...:"إن هناك الكثير من الأطفال... لم لا نوجه إنذاراً في البداية؟.. نحاول أن نفجر مكاناً نعلم بعدم وجود الأطفال فيه... ومن ثم يفزع السكان فيخرجون أهلهم!.."
هز رأسه نفياً... وهو يجيب... :"لا يمكن... صدر الأمر من الرئيس... هذا الأمر يجب أن ينفذ بعد الغد... وإن لم ننفذه... فلا فائدة من وجودنا..."
أطرق برأسه إلى الأرض... ثم رفعه ناحية السماء التي تطل عليهما من النافذة... وقال بصوت مهزوم... :"حسناً... أعطني ما يجب علينا فعله يا سيد يوسف..."
ضربه على كتفه مشجعاً...:"هكذا أريدك دوماً..."
واتجه ناحية مكتبه... ثم وكأنه تذكر شيئاً فعاد بوجهه إلى حيث يقف يوسف... :"هل لك أقرباء هناك؟!."
_:"نعم!.."
أظهر يوسف تماسكه وثباته... :"حسناً... اليوم أعطيك إجازة من العمل... اذهب وأخرج أقرباءك من هناك... وخذهم إلى منطقة الاستقلال..."
وأمسك ببضع وريقات وقدمها إليه... مكملاً حديثه...:" هناك لن تطالهم أيدي أحد... لا رجالنا ولا حتى رجال الحكومة... وادرس هذه الأوراق جيداً... وغداً في مثل..."
سكت هنيئة... ونظر إلى ساعته وهو يكمل... :" لا! الوقت متأخر، الحادية عشرة ظهراً... لن ينفع الاجتماع بهم... بل في التاسعة من صباح الغد يجب أن نكون هناك... حتى نصدر لهم الأوامر..."
مشى جمال ناحية الباب... وهو يعيد نظارته السوداء على عينيه ليخفي بقايا المهمة التي هم عازمون على فعلها... لكن صوت يوسف جعله يستدير بوجهه إليه... :"ما أخبار أكرم؟!."
بسط كفه وهو يجيب... :"بأفضل حال... خاصة في هذه الأيام الأخيرة..."
هز له يوسف رأسه وهو يقول... :"جيد... لكن نبهه بأن المهمة هذه لن يكون له يد بها..."
_:"لماذا؟!. إنك تعلم بأنه ماهر في أداء مثل هذه المهمات..."
انكب على أوراقه التي تنتظره على المكتب، وهو يجيب...:" ولأنه ماهر وبارع... فإن السيد إدوارد لا يريد أن نخسره هذه المرة... يكفي وقوعه في الحبس مدة أسبوع..."
أومأ له جمال وانصرف سريعاً... ليقوم بما عليه فعله...
| +* +* +* +* |
خرجت من المنزل وأنا لا أعلم في أي اتجاه أسير... سوى أن الغضب الذي حل بي من طلبات أمي وأبي لا تطاق... ما هذا الذي يطلبونه؟!. أيريدون مني أن أقنع فتاة لا أعرفها بالزواج من رجلٍ عجوز؟!. إنه رجلٌ طيب وكريم... لكن لا يعني أن نزوجه لفتاة في عمر بناته...
أين أجدك يا أحمد!.. حتى أنت لا أعرفك جيداً... سوى أنك ابن خالي... وأختي لم أرها في حياتي أبداً بسبب قسوة أمي عليها... حرمتنا حتى من معرفتها...
ألسنا مسلمين؟!. أصبحنا كما الغرب... لا نعرف من هم أهلنا ولا إخوتنا... ربما لو رأيت أختي في مكان ما لن أعرفها أبداً...
كنت أسير كـتائهٍ في وسط الصحراء... أتلفت يميناً وشمالاً... لعلي أجد خيطاً أو بصيص أمل يوصلني لحل المشكلة... لم اختارتني أمي لهذه المهمة... إنها تكبرني بعامين تقريباً... وأمي تخضعني لأوامر صارمة... وكأنني عسكري في الجيش...
متى يتم الإفراج عني وعن أختي حوراء... تلك أيضاً سيأتيها الدور كذلك... فأبي مثل أمي لا يختلفان أبداً...
عدت إلى البيت بعد مضي ساعة ونصف الساعة وأنا أمشي في الشوارع التي تخلو من المارة إلا القليل...
استقبلتني حوراء كعادتها عندما أخرج بلا هدف... سألتني... :"أين كنت؟!."
خلعت معطفي وأنا أجيبها بسؤالٍ آخر... :"أين أمي وأبي؟!."
_:" بابا لقد خرج... وماما ذهبت إلى غرفتها... ما الأمر وسام؟!."
ابتسمت لها ابتسامة مطمئنة... :"لا شيء..."
احترت في أمري، لا أدري هل أخبرها بأختنا التي ظهرت فجأة لنا... أم ماذا؟!. إنني حتى لا أعرف من هو والدها الذي كان زوج أمي قبل أبي... إنه حملٌ ثقيل على فتى في عمري... وأثقل حملٍ ستحمله تلك الأخت التي في شرايينها تسري دماءٌ كدمائي... ولا يمكنني أن أفعل لها شيئا... ولا أن أمدّ لها يدي تحمل معها أي نوعٍ من المساعدة...
توقفت على السلم لدقائق أفكر... وجاءت حوراء لتقف أمامي وهي تمعن النظر في وجهي... ثم سألت... :"ما بك اليوم؟!. لست أخي الذي أعرفه!!."
لمعت في ذهني فكرة لم ألحظها من قبل... :" هل ريم مصطفى معك في المدرسة؟!."
_:"نعم، ولم السؤال؟!."
أجبتها بسؤالٍ آخر كذلك...:" وهل معكما بنت العم سلمان؟!."
فكرت بقليل من الحيرة ثم قالت... :"أتعني زينب التي تكبرنا؟!."
_:"نعم..."
_:"إنها في السنة الأخيرة والسنة القادمة ستذهب للمرحلة الثانوية... لم تسأل أخي؟.."
قبلتها على رأسها من الفرحة... :"شكراً أختي..."
ثم اعتليت درجات السلم المتبقية بسرعة... ومن ثم إلى غرفتي... إلى حيث يمكنني التفكير بهدوء دون أن يزعجني أحد... وبخاصة أمي التي تخطط لهدم حياة تلك الفتاة المسكينة... نعم فتاة... فأنا لم أعتد حتى الآن على وجود أختٍ أخرى لي... | +* +* +* +* |
التعديل الأخير تم بواسطة شجرة الكرز ; 27-11-08 الساعة 11:49 AM
|