لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-07-10, 05:25 PM   المشاركة رقم: 86
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2010
العضوية: 179063
المشاركات: 1
الجنس أنثى
معدل التقييم: ظلال شجرة الكرز عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ظلال شجرة الكرز غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : HOPE LIGHT المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد اشتقت للجميع هنا

رغم معرفتي القليلة جداً بهم...

لكن تواجدهم الدائم هنا على وريقاتنا يجعلنا نشعر أننا نعرفهم منذ زمن...

وأقدم لكم شكري وامتناني على هذا الوجود...

لكني بشوق أكبر لرؤية البقية...

فرؤيتكم هنا تسعدني كثيراً...

وتعطيني دافعاً قوياً للاستمرار...


ولا أخفي عليكم فإن الضوء الحادي عشر من درب الكلمات قادم في الطريق...

مشوق جداً وممتع...

فأنا قد استمتعت بقراءته حرفاً حرفاً...

وكيف لا!.. وكاتبته هي الغالية والمبدعة شمعة...

ترقبوا المتعة خلال هذا الاسبوع...


مع خالص مودتي وإخلاصي...
|+*| شجرة الكرز |*+|


 
 

 

عرض البوم صور ظلال شجرة الكرز  
قديم 14-09-10, 09:50 PM   المشاركة رقم: 87
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 55383
المشاركات: 562
الجنس أنثى
معدل التقييم: HOPE LIGHT عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 14

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
HOPE LIGHT غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : HOPE LIGHT المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

وكل عام وأنتم بألف خير بحلول عيد الفطر ...

أحب قبل أن أنزل الجزء بأن نعتذر على التأخير بأنزاله ...

وبإذن الله الجزء القادم سوف ينزل بعد أسبوع إن شاء الله ...


قراءة ممتعة نتمناه لكم ...


|+*|الضوء الحادي عشر في درب الكلمات|*+|



قنابل تتساقط من السماء كزخات المطر ... لا تعرف صغيراً ولا كبيراً ..

خرجتُ وقد كنتُ عاقدة العزم على المضي من أجل أن أقوم بتلبية نداء الوطنية, فكيف أجلس مكتوفة اليدين, وأنا أسمع تلك القنابل تنهال من كل صوب, مستحيل أن أجلس بلا حراك, خرجت وما إن خطوت أول خطوة خارج البيت, حتى هجمت يدُ أحاطت على معصمي, فقيدت حركتي, وجعلتني أقف رغماً عني, نظرتُ إلى صاحب تلك اليد, لأجد أنه خالد, ونظرةٌ من الغضب تسكن عيناه, قال وهو يلهث:- " إلي أين أنتِ ذاهبة؟ "

رددتُ عليه من فوري:-" لأداوي الجرحى, فأنا لا أستطيع الجلوس مكتوفة اليدين"

قطب حاجبيه, وصرخ بي قائلاً:- " ألم أقل لكُن بألا تخرجن إلا وأنا معكن ؟"

لم أعهد منه هذا, لأول مره يصرخ بوجهي هكذا, فرددتُ ورعشة هزت نبرة صوتي:- " لكـــــــــــــن ... ... لكنك تأخرت..."

أحسستُ بقبضة يده تشتد على يدي, وهو يقول:- " حتى لو تأخرت, هذا لا يسمح لكِ بالخروج من دون أن أكون معكِ, تخيلي لو أصابكِ شيء, لن أُسامح نفسي ما حييت "

شعرتُ بالخجل مما فعلت, فهربتُ ببصري بعيداً عن مرآه, وقلتُ بصوت بالكاد يسمع:- " أنا آسفة يا خالد, لم ..لم "

بتر جملتي بقوله, وقد بدأ صوته يلين:-" بل أنا آسف يا حنين!... على تصرفي هذا..."

حرر معصمي من يده وأكمل قائلاً:- " نحن عائلة واحدة, والله لو أصاب أحدًا منكم مكروهٌ, فلن أسامح نفسي ما حييتُ"

تجرأت ورفعت بصري إليه, لأجد نظرةً من الحزن ترتسم على عينيه, فقلتُ له:- " لن أعيدها, أعدك"

خط ابتسامة لم تدم على شفاهه, وقال:- " أعلم... هيا بنا فلندخل, الأوضاع الآن ليست آمنة, دعي الأمور تهدأ قليلاً, وبإذن الله سوف نخرج ونساعد المصابين والجرحى"

أنصعتُ لكلامه ودخلنا معاً....


| +* +* +* |



دخلتُ المنزل, ولا يزال الخوف يقبض على قلبي بيد من حديد, أخذتُ أنظر إليهم الواحد تلو الآخر وأنا أسألهم:- " هل الجميع بخير؟"

قام الجميع من مقاعدهم وقالوا دفعة واحدة:- " نعم "

فزفرة زفرة ارتياح وأنا أنزل رأسي للأرض, لكن لم يطل ارتياحي, فهي .. هي لم أطمأن عليها, رفعتُ رأسي من فوري, وأخذتُ أبحث عنها بعيني في أركان المكان...
لأجدها أخيراً, جالسة وراء طاولة المعيشة, لكن .. لكنها لم تكن .. لم تكن بخير, تلك العينان كانتا مفتوحتين على مصراعيها, ووجهها يعتليه الخوف... بل الذعر, وجسدها الهزيل يرتجف, وكانت تحضن نفسها بيديها,لم أقوَ على النظر إليها أكثر من ذلك, فهرعتُ إليها, وضعتُ يدي على كتفها, لكنها نفرت مني, وبحركة سريعة أبعدت كتفها عن يدي, ليزداد ارتعاش جسدها...

بعيني اللتين ترسمان الذهول نظرتُ لمن خلفي, وسألتهم :- " ما الذي جرى لها؟!!! "
جاء الجواب من عمار:- " لقد كانت بخير !!! "
كان التعجب يكسو وجهه... وكذلك الفتيات عندما وجهة بصري إليهن ...

أخذتُ نفساً عميقاً, وجثوتُ بالقرب منها, رفعتُ رأسي نحوها وقلتُ لها بصوت حاني أبعدتُ عنه نبرة الخوف الذي يتملكني نحوها:- " مطر, صغيرتي... ماذا بكِ؟؟ "

لم يأتني الجواب, فزادت حدتُ خوفي...

حاولتُ جاهداً أن أكتم خوفي بداخلي, وأنا أكرر سؤالي لها:- " صغيرتي, هذا أنا أخوكِ خالد, ألن تخبريني ما الذي جري لكِ, حبيبتي أخبريني أرجوكِ, أنا خالد ... خالد"

أبعدت أخيراً نظرها المصوب ناحية طاولة المعيشة التي كادت تخرقها بتلك النظرة, وسلطت نظرها نحوي, لكن صمتها لا يزال يلازمها, فقلتُ لها لعلي أسحب منها الكلام:- " عزيزتي, ما الذي جرى؟ أخبريني, أخبري أخاكِ"

فتحت فمها, لكن الكلمات لم تخرج من حنجرتها, أخذت شفتها السفلى تاهتز, والدمع ينهال من تلك العينين المذعورتين, هنا قمتُ واقفاً, ومددتُ يديّ المترددتين نحوها, و ببطء أخذتُ أمسك بيديها الحاضنتين لها, لعلها تحس بوجودي, وتخرج لي ما يجعل الخوف يتربع في قلبها, وقلتُ لها:- " عزيزتي, أنا هنا, أخبريني ما الذي يخيفك, ما الذي جرى لك؟ لعلي استطيع أن أساعدك"

نظرت إليّ بتلك العينين المختفيتين وراء سيل الدمع, وأخذت تلك الرعشة التي أصابت شفتها السفلى تزداد, وهي تنطق بصوت مخنوق بعد طول انتظار, بكلمات مبعثرة, غير مفهومة:- " رجل... يخيف.... زقاق...ظلام ...يخيف... يخيفــــــــــــــــ.... خائفة"...
وأخذت أنفاسها تتسارع ...

رغم أن كلماتها خرجت من فمها مشتته غير مفهومه... إلا أنني فهمتها .. للأسف فهمتها ... وشعرتُ بتلك الغصة .. التي شعرتُ بها عندما رأيتها لأول مرة مرمية .. تكسوها الدماء... رفعتُ رأسي ناحية السقف ... وعضضتُ على شفتي السفلى وأنا أحاول بأن أتمالك تلك الحرقة التي في صدري .. والوجع ...

لم أعلم كم مضى من الوقت وأنا على هذه الحال التي لم يبعدني عنها, سوى صوت حنين وهي تسأل والتعجب كان جلياً في نبرة صوتها:- " ما الذي تقوله مطر يا خالد ؟!! "

نظرتُ إليها لبرهة, وأغمضتُ عينيّ, وأنا آخذ نفساً عميقاً, ومن ثم عدتُ أنظر إلى مطر, التي بدأ صوتُ بكاءها يعلو, فيقطع فؤادي أكثر فأكثر, كانت قد طأطأت رأسها, حين قلتُ لها:- " انظري لي... مطر, انظري نحوي"

لكنها لم تستجب...

حررت كلتا يديها, وأحطت وجهها الطفولي الذي شوهتها تلك الدموع بكفيّ, ووجهته نحوي, وقلت لها وقد جعلت عينيها المكتنزتين بالدمع, تتقيدان بعينيّ, فتشلان حركتهما, وقلتُ لها:- " هذا خيال, لم يحصل شيء, لم يحصل شيء, هذه فقط ذاكرتكِ الضعيفة, تخلط الأمور, لم يحصل شيء "

أنزلت عينيها, لكني أسرعت أقول لها:- " كلا .. انظري لي .. واصغي لكلامي.. انظري لي يا مطر"

عادت تنظر إليّ, لأكرر لها كلماتي, لعلها تبعد شبح هذه الذكرى من عقلها:- " أتذكرين حينما قلت لي بأنك تريني أضربكِ... هذا نفس الشيء... عقلك يصور لك أمورًا لم تحصل.. أنه مشوش .. فلا تصدقيه "

أبعدتُ أحد كفيّ عن وجهها, ومسحتُ على جبينها وأنا أقول:- " أمسحي هذه الذكرى من عقلك, لأنها لم تحصل.. صدقيني لم تحصل "
خطيتُ ابتسامة مهزوزة على شفاهي... أخذت تحدق بي بتلك العينين العسليتين... اللتين سمحتا لفوج جديد من الدمع بالانهمار... بدأت أنفاسها تركد .. وتعود لوتيرتها الطبيعية... ثم فجأة رمت بنفسها علي! ... وأحاطت ذراعيها على خصري, وأخذت تصرخ وبكاؤها بدأ يعلو من جديد:- " أحقاً.. أحقاً لم يحصل شيء... أحقاً ذلك الخوف الذي كنتُ أشعر به لم يكن له وجود ... أحقاً يا خالد .. أحقاً "

زادت تلك الغصة التي جعلت الكلمات تتحشرج في حنجرتي....كم شعرتُ حينها برغبة بالبكاء.. من بين كل ذكرياتها .. لم تنتعش سوى هذه الذكرى في عقلها.. لماذا .. لماذا ؟؟

شعرتُ برأسها يبتعد عن خاصرتي, ومن ثم سمعتُ صوتها الباكي, وهي تسأل:- " خالد .. لماذا لا تجيبني... ؟!! الذي رأيته حقيقة أم خيالاً ...؟ أجبني أرجوك أجبني "

أنزلتُ رأسي ببطء, وقعت عيناي بتلك العينين الراجيتين, فخنقتني العبرة, كان لا بد من فعل شيء, وأنهي معاناتها مع تلك الذكرى السوداء, فرفعتُ يدي المرتعشة, وضعتها على رأسها, وقلتُ بعد صراع طويل مع الكلمات الآبية عن الخروج:- " نعم .. نعم يا مطر .. أنه خيال... ليست حقيقة .. ليست حقيقة "

أغمضت عينيها, وزفرت تلك الزفرة التي شعرتُ بأنها تعبر عن الارتياح الذي أرجو بأنه قد وصل لقلبها الصغير, وعادت تلقي برأسها إلي, وهي تقول:- " الحمد لله .. الحمد لله .. لم يحصل شيء.. لم يكن لذلك الخوف وجودًا .. الحمد لله .. الحمد لله "

حينها رجوت الخالق بأن يبعد تلك الذكرى الكريهة من ذاكرتها ,, بأي طريقة .. حتى لو كان الثمن بألا تتذكر ماضيها أبداً .. أبداً ..

| +* +* +* |


بعد عناء مع الجميع ( خالتي وغدير وريم وأختي وأمي), وافقن بأن يذهبن إلى البيت معي, بعد أن أصر عمي أبو أحمد علي وعليهن بالذهاب للمنزل وقضاء الليلة هناك, فمبيتهن في المستشفى وأحمد في الغيبوبة ليس له معنى, ومن ثم نظام المستشفى لا يسمح إلا لشخصين بالبقاء مع المريض.

طلب عمي بأن يبقى معه ياسين, وبأن نذهب نحن, وبالفعل فعلنا...

طوال طريق العودة, ضل الصمت مرافق لنا, إلا تلك الدموع التي كانت تنطق بالكثير في عيونهن....

دخلنا منزلنا, فهرع نحونا كلن من سارة أخت عمي مصطفى وابنتها ووسام, والخوف منحوت على وجوههم المتعطشة لخبر يطفأ نار الخوف في صدورهم, بادرت سارة بسؤال:- " ها .. طمأنونا.. أأصبح بخير؟!!"

بادرت بالرد عليها .. فالجميع عبرته في حنجرته لا يستطيع التكلم:- " كلا .. لازال في الغيبوبة "

لترد سارة:- " لا حول ولا قوة إلا بالله.." ورفعت يديها متضرعة لله وأكملت قائلة :- " يا رب يخرج منها سالماً معافى "

قالت أمي لخالتي:- " أختي.. هيا اذهبي ونالي قسطا من الراحة .. فأنتِ مجهدة وتحتاجين للراحة "

هزت خالتي رأسها بمعنى لا ... وقالت ونبرة البكاء لا تزال تغلف حنجرتها:- " كلا .. أنا لن أتزحزح من قرب الهاتف "

ودخلت غرفة الصالة .. حيث يقبع الهاتف.. ونحن نتبعها بأعيننا ... قالت أمي موجهةً كلامها لريم:- " ابنتي ريم ... حاولي أن تقنعي أمك بأن تنام .. فجسدها لا يتحمل ... كل هذا الإجهاد "
تنهدت ريم قبل أن تقول بصوتها المبحوح من البكاء:- " لا فائدة يا خالتي.. لن ترضى .. لن يهدأ لها بال حتى تطمأن على أحمد "

لتقل أمي وقد اعتصر تعابير وجهها الألم :- " المسكينة ... أنا سوف أبقى معها... أما أنتِ يا ريم اذهبي وارتاحي.. وأنتِ كذالك يا ياسمين... أين غدير ؟!! "

سؤال أمي جعلني انتبه من أن غدير لم تعد بيننا... أخذتُ كالمجنون أتلفتُ من حولي بحثاً عنها ... لكن لم أجدها فزاد خوفي عليها ...

لم أرتح إلا عندما سمعتُ وسام وهو يقول:- " لقد صعدت لفوق "

هنا ارتحتُ جزئياً... فلازال خوفي عليها ينبض مع نبضات قلبي العاشق لها .... نظرتُ لأعلى وكل شوق لضمها إلى صدري كما فعلتُ في المستشفى... في تلك اللحظة شعرتُ بالسكينة ... وشعرتُ بأن جسدينا اتحدى... لدرجة بأني شعرتُ بذلك الألم الذي يحتل قلبها... لكنني لم أستطع الذهاب والجميع هنا متجمع... فطأطأتُ رأسي وخيبة الأمل في صدري تغرس ...

قالت سارة:- " أنا سوف أبقى معها يا فاطمة.. أنتِ اذهبي وارتاحي.."

لم أنتبه لباقي الحوار .. فقط كان فكري متعلق بمن سكنت قلبي ... القابعة في الأعلى ... عدتُ أنظر إلى أعلى وكل شوق لرؤيتها والاطمئنان عليها...

لاح لنظري طيف أحدهم ينزل من الأعلى .. فتهلل قلبي بالفرح .. فربما هي غدير .. لكن للأسف كانت كوثر.. فكسيّ وجهي خيبةُ الأمل...

دنت مني كوثر ... وأنا كنتُ أتتبعها بعيني بشيء من التعجب ...

ثم همست في أذني ...:- "علي أذهب إلى غدير ... هي منهارة تماماً .. حاولتُ بأن أهدأها بلا فائدة .."

كلامها هذا أجج الخوف في قلبي ... فركضتُ بدون تفكير جهة الدرج.. إلا أن يد كوثر التي أمسكت بمعصمي أوقفتني... فنظرتُ إليها مستغرباً.. وقبل أن أفتح فمي قالت:- " إنها في غرفتكم.. جالسة على سرير أحمد "

ومن ثم تركت يدي ... فأكملتُ طريقي راكضاً .. غير آبه لمن حولي...

| +* +* +* |



ما إن رأيته جالساً على الكنبة... حتى تهلل وجهي بالفرح .. وابتسمت ابتسامة واسعة ... فهو الشخص الوحيد الذي أشعر معه بالأمان والسكينة .. واستطيع التحدث معه بلا قيود ... وهو كذلك بالمثل ابتسم لي ... وقال مرحباً:- " أهلا بك يا بدر البدور.. أهلا بصغيرتي الغالية " كان قد قام من على الكنبة...

رددتُ عليه وقد أصبحتُ بالقرب منه:- " أهلا بك عمي أكرم ... كيف حالك ؟ .. لقد افتقدتك كثيراً "

:- " وأنا كذلك يا بدور .. لقد افتقدتُ لهذا الوجه الندي .. لكن تعلمين المشاغل والأجواء المشحونة في الفترة الأخيرة حالت دون أن أزورك ِ ... وكذلك هذا المنزل بعيد جداً ... لا أعلم لماذا جمال يجعلك تقيمين هنا "

لأرد عليه وقد رحلت عن وجهي الفرحة :- " يقول بأن هنا آمنُ ... أنا لا أعلم عن أي آمن يتحدث عنه ... فأنا في هذا البيت أشعر بالخوف أكثر من القنابل "

لاحظ عمي أكرم تلك الغصة التي تجلت في نبرة صوتي.. فأراد أن ينتشلني منها فقال وقد وضع يده في جيب معطفه :- " خمني ماذا أحظرتُ لكِ؟ "

وأخذ ببطء يخرج ما في جيبه .. وأنا في داخلي أعلم ما هو ... فهو في كل زيارة يحظر لي لوحاً من الشوكلاتة ..
فتبسمتُ ضاحكة وأنا أرى لوح الشوكلاتة قد بات خارج جيبه ..وقلتُ:- " عمي.. أنا لم أعد صغيرة "

فابتسم لي وهو يقول ونظرة من المكر قد لمعة في عينيه:- " أأفهم من كلامك بأنك ِ لا تريدينه .. حسناً أنت الخاسرة .. وأنا سوف آكله ..فأنتِ تعلمين كم أحب هذه الشوكلاتة "

فقلتُ وأنا آخذ لوح الشوكلاتة من يده بحركة سريعة : - " كلا .. لم أقصد ذلك .. فقط .. فقط "

فبتر كلامي وهو يقول:- " لا تحاولي أن تبرري لي .. فأنا أعرفكِ جيدا .. لا تقاومين هذه الشوكلاتة مثلي ... مهما حاولتِ " وعلا صوت ضحكته ... لأضحك أنا الأخرى ...

ثم توقف ... وقال وأنا لا أزال مستمرة بالضحك :- " إن شاء الله لا تفارقكِ هذه الضحكة ما حييتي "

توقفتُ عن الضحك .. وأخذتُ أنظر إليه... وإلى تلك العينين الحانيتين... وقلتُ:- " لا أعرف كيف أشكرك يا عمي أكرم.. فلولاك لا أعلم كيف كنتُ سوف أعيش حياتي "

فقال :- " لا تقولي هذا الكلام ... فأنتِ تعلمين بأنك بمثابة ابنة لي ..."

فقلتُ له وقد رسمتُ ابتسامة على طرف فمي:- " وأنت يا عمي.. أشعر بأنك فرد من عائلتي "

فعادت تلك الابتسامة تعانق شفتيه ... ثم رفع حاجبيه للأعلى وهو يقول :- " أسوف نظل واقفين هكذا إلى الأبد .. ألن نجلس؟!!"
هنا ضربتُ جبيني براحة كفي وأنا أقول:- " أووووووووه .. أنا آسفة ... تفضل عمي "

فجلس وأنا تبعته وجلستُ في الجهة المقابلة له ...

ومن ثم سألته : - " أتريد أن تشرب شيئاً عمي ؟ "

فقال:- " كلا شكراً ... بدور أخبريني كيف حالك ؟؟ أأنتِ بخير ؟؟!! "

طأطأتُ رأسي وزفرة تلك الزفرة القوية ... وقلتُ له:- " سؤالك صعب يا عمي ... لا أعلم ماذا أقول لك ... أمممممم .. أنا بخير ولستُ بخير..."

ومن ثم رفعتُ عيني ناظرة نحوه .. لأجده قد رفع حاجبيه إلى أعلى.. وألف علامة استفهام في وجهه ..:- " أهذا لغز يا بدور؟!! "

فرددتُ عليه .. وابتسامة منكمشة سكنت شفاهي .. :- " كلا عمي ... ليس لغزاً .. ولكن ..."

وتوقفتُ عن الحديث ... ليأتي صوته الخائف يزور مسمعي:- " بدور .. ماذا هناك .. ؟ لقد بدأت أخاف... أفعل بكِ جمال وإسماعيل شيئاً ؟؟ "

ذكرُ اسمه جعل غريزة الدفاع تستيقظ في داخلي .. فردتُ من فوري نافية:- " كلا .. إسماعيل لم يفعل شيئاً بالعكس .. لقد .. لقد ..."

وابتسمت ُ باستحياء ... وأطرقتُ ببصري للأرض ...

فعاد صوته الذي بات جدياً يهز طبلتي أذنيه:- " لقد ماذا يا بدور ؟؟ ما الذي جرى بينك وبين إسماعيل ؟"

رفعتُ عينيي جزئياً ناحيته .. وقلتُ له:- " لن تصدق يا عمي ... إسماعيل ليس هو إسماعيل الذي كنتُ أتصوره في خلدي .. أقصد ..بأنه ليس شريراً .. ليس أنانياً.. ليس بلا قلب ... "

فقاطعني بقوله :- " وكيف عرفتِ هذا ؟؟!!"

هنا رفعتُ عيني وقلتُ له بحماس:- " لقد تكلمنا البارحة .. فتحنا قلوبنا لبعض .. لم نخفِ شيئاً عن بعض... تصور عمي أكرم .. بأنه نفسي يشعر بأن جمال وراءه شيء ..."

هنا هو الذي نكس رأسه ... ولم يقل شيئاً ...

شعرتُ بالاستغراب من فعله ..فسألته .. :- " ماذا هناك يا عمي ؟!! "

رفع رأسه نحوي ... وأدخل نفساً عميقاً إلى صدره ... وأخرجه مرة واحدة ... وقال ونظرة جادة تنحتُ على كلا عينيه :- " بدور .. أنت ِ لا تعرفين إسماعيل جيداً ... هو وجمال وجهان لعملة واحدة ... لا يعني بأنه تكلم معكِ وقال لك بأنه يظن بأن جمالاً شخصًا غير جيد بأنه شخص طيب ... صدقيني .. أنتِ لا تعرفين إسماعيل مثلي .."

لا أعلم لماذا شعرتُ بالضيق من كلام عمي ...

:- " بدور .. صغيرتي ... لا تنسي بأن إسماعيل دخل إلى حياتك عن طريق جمال... صدقيني أنتِ لا تعرفين إسماعيل "

بدون سابق إنذار ..وبدون وعي مني .. انتفضتُ وقمتُ من مقعدي ..و انفجرتُ على عمي أكرم وقلتُ له صارخة... :- " وأنت أيضاً لا أعرفك ... ودخلت إلى حياتي عن طريق جمال... فلماذا أثق بك ؟!! "

حدق بي مذهولاً ... ومن ثم أشاح ببصره بعيداً عني وقال وقد قام هو الآخر من مقعده:- " أنتِ محقة .. لماذا تثقين بي ؟ ... لا تثقي بي .. ولا تثقي بأي شخص .. إلا نفسكِ ... ( أعاد بصره إليّ وكرر كلامه قائلاً وقد صوب أصبعه السبابة نحوي ) لا تثقي إلا بنفسك " كان صوته يقطر حزناً .. وكانت خيبة الأمل تحتل أركان وجهه..

وأكمل قائلاً:- " يجب أن أذهب الآن .. فقط تأخرتُ .. مع السلامة .."

لم أصحُ لنفسي إلا عندما هجم على مسمعي صوت الباب وهو يغلق ... (( ما الذي جرى لي ؟؟!! .. وما الذي فعلته ؟؟!! )) سؤال تلو الآخر تدفق لحظتها إلى عقلي ...

| +* +* +* |



شخصان نقتحم خلوتهما لأول مرة ...

كان جالساً على طرف السرير .. مطأطأ الرأس ... مطبق الشفتين ... هائمًا في اللا شيء ... وهي تنظر إليه ... تترقب كلماته... لكن بات لها الانتظار لا ينتهي ... طال صبرها ... فزاد تعجبها ... وشيء من القلق يطبق على قلبها ... فهو من لا تفارق الابتسامة شفاهه.. فهو الذي لا يعرف الحزن مكان في قلبه ... فهو الذي يمد يده بالأمل .. يجلس هكذا .. وهالة من الحزن تحيط به منذ دخل الغرفة ...

كان لابد من أن تسأله ... لتخرجه من صمته ... وتكشف النقاب عما يكدره ... بتردد خرجت تلك الكلمات من فمها:- " عمار ... عمار .. هل .... هل أنت بخير..؟"

أخيراً رفع رأسه .. ونظر إليها بعينين فيهما خنقةُ ... لكنه لم يلبث إلا وقد عاد لوضعه السابق... لكن تلك النظرة كانت كفيلة لتؤكد كل شكوكها ... وتجعل خوفها يزداد ... ابتعدت من الشباك حيثً كانت تقف ... وجلست بالقرب منه .... وعاودت تسأله :- " عمار .. أأنت بخير .. ؟؟ أرجوك أجبني .."

أغمض عينيه بقوة ... وزفر زفرة قوية .... وتحركت شفتيه بعد طول انتظار ويا ليتها لم تتحركا :- " أشفق عليك يا علياء ... لقد تزوجتِ بشخص عاجز ... لا فائدة منه ..."

كانت تنظر إليه بذهول .. لا بل بصدمة شلت كل أركان وجهها ... وسدت الطريق على الكلمات لتخرج من حنجرتها ...

وهو أكمل حديثه مسترسلاً بدون أن يرفع رأسه ناحيتها ... والسكون الناطق بالحزن يرسم على قسمات وجهه:- " أنا لا أصلح لشيء ... لا كزوج .. ولا كرجل يدافع عنكن ... المسكين خالد مقيد .. لا يستطيع أن يتركننا ليجاهد في سبيل الوطن ... لأنه يعلم بأني لا أستطيع أن أحميكن .. أو أن أؤمن لقمة العيش لكن ... حتى أنتن لا تروني رجلاً .. اليوم حنين كسرت كلمتي .. وخرجت ... رغم أني منعتها من الخروج ... لكنها لا تراني رجلاً .. إنها تراني كا ... "

في تلك اللحظة ... كسرت ذلك الجمود الذي أحتل جسدها ... ووضعت يدها على شفتيه مانعةً لتلك الكلمة من أكمال طريقها لمسمعها... فرفع رأسه نحوها .. ليجد خيوط الدمع تشق طريقها من مقلتيها حتى وجنتيها ... وتهز رأسها بمعنى لا .... وتأكدها بكلماتها الزاجرة :- " كلااااا.. كلااااااا .. إياك .. ثم إياك بأن تقلها ..فأنت رجل .. أنت عمود هذا البيت .. الذي لولاك لانهار منذ زمن ... "

رفع يده .. فطوق بها يدها .. وأبعدها عن شفتيه ... وحركهما قائلاً :- " لكن هي الحق..."

لتعود لتضع يدها على شفاهه من جديد ... وتعود تزجر به لكن هذه المرة برفقة يدها الثانية المشيرة ناحيته مهددة :- " قلتُ لك إياك أن تقول هذا الكلام من جديد ... فأنت مصدر الأمل ... فأنت الذي تنتشلنا من الحزن .... لا يعني أنك مبتور القدم .. بأنه لا فائدة لك ... بالعكس ... لولاك لكنا نحن من الأموات ... فأرجوك .. بل أتوسل إليك ألا تقول هذا الكلام مرة أخرى ... "

نظر إلى عينيها المتكدس بها الدموع ... وهي الأخرى بادلته النظرة الحاملة معنى الرجاء فيها ... أبعد يدها مرة أخرى من على شفتيه ... وغلف يدها المصوبة ناحيته بيده ... ووضعهما على حجرها وقال وهو لم يبعد عينيه عن عينيها:- " أنا آسف ... لا أعلم ماذا كان سوف يحصل لي بدونك ... هيا امسحي هذه الدموع "

ابتسم وهو يمسح دموعها من على وجنتيها ... وهي الأخرى ردت عليه بابتسامة حانية تذيب قلبه الحنون....

| +* +* +* |




دخلتُ إلى غرفتي .. فوجدتها مستلقية على بطنها على سرير أحمد .. وغارسة رأسها في وسادته ... وصوت بكائها يصل لمسمعي .. فيقطع قلبي إلى أشلاء صغيرة .... بخطى واسعة اقتربتُ منها جلستُ على السرير ...
مددتُ يدي المرتعشة ناحيتها ... وضعتها على ظهرها .. لأشعرها بوجودي ...

لكن صوت بكائها زاد حدة ً... ليزداد ألمي ... فما وجدت نفسي إلا أن لجأت للكلمات .. لعلها توقف بكاءها .. فتحل السكينة على قلبي :- " غدير ... غدير اسمعيني ..إن أحمد بإذن الله سوف يكون بخير.. أنتِ تعرفين أخاكِ .. لا يستسلم بسهولة ... فلا داعي للبكاء .. بإذن الله سوف يعود لنا أحمد .. فقط تحلي بالصبر والإيمان ..."

هنا غرست رأسها أكثر بتلك الوسادة ... وصوت بكائها لا يزال يعلو في الغرفة .. وتستمر سلسلة آلامي ... وحزني على رؤية من أحب تبكي بحرقة وأنا عاجز لا أقوى على إيقافها .. أو حتى تهدئتها...
كرهتُ نفسي لحظتها ... كرهتُ عجزي ...

كان لابد من أن أفعل شيئاً ... فأنا أتمنى الموت قبل أن أرى دمعة واحدة تذرفها عيناها ...

(( أفعل شيئاً .. أفعل شيئاً ... )) جملة كانت تتردد مراراً وتكراراً في ذهني ...

بصوت منهك من عذاب الوجع المنبثق من قلبي قلتُ لها :- " أرجوكِ توقفي يا غدير .. أرجوك توقفي ... أرجوكِ توقفي ..."

بلا جدوى .. فموجة بكائها لازال يتردد صداها في أرجاء الغرفة ... فيزيد ذلك الوجع القابع في قلبي ... وشراييني ... فيثير أنفاسي .. التي بدأت تتصاعد ... أمسكتُ بكتفيها في لحظة توقف عقلي فيها عن العمل .. ورضختُ فيها لقلبي المتوجع... وأجبرتها على أن تحرر تلك الوسادة التي غرقت بدمعها .. وجعلتها تجلس مجبرة وهي لا تزال تبكي بحرقة ... بحركة سريعة جعلتها تلتفت نحوي ... وصرختُ بها قائلاً:- " كفى بكاءً ... فالبكاء لا يجدي نفعاً "

لم تتوقف .. فقط استسلمت للبكاء تماماً .. وهذا ما جعلني .. أمسك برأسها ... وأوجهه نحوي .. وأصرخ بها بأعلى طبقة من صوتي :- " قلتُ لكِ توقفي .. توقفي .. توقفي .."وكالمجنون أخذتُ أهز رأسها ...

ساعتها فتحتُ عينيها أوسع ما يكون ... وأخذت تحدق بي ... بنظرة كلها خوف ... حطمتني .. وأعادت لي عقلي ...ووعي لفعلي .. عضضتُ على شفتي السفلى .. وأغمضتُ عينيّ .. متأسفاً على فعلتي ...

جذبتها نحوي ... وأسكنتها حضني ... وضميتها بكل ما أوتيتُ من قوة .... وقلتُ لها آسفاً:- " أرجوكِ سامحيني .. لم أقصد أن أخيفكِ .. في الحقيقة لا أعلم كيف فعلت هذا .. لكنني لم أتحمل أن أراكِ تبكين وتتألمين هكذا ... أنت لا تعلمين كم أتعذب وأنا أراك بهذه الحال.. أرجوكِ أنهي عذابي وعذابك ِ .. وأخرجي لي كل ما في قلبك من وجع .. صدقيني سوف ترتاحين .."

بدأت موجة بكائها تدنو ... فشعرتُ براحة .. التي للأسف لم أتمتع بها طويلاً .. فقط رحلت عن حجري ... فنظرتُ إليها وكلي توجس وخوف من فعلها القادم ...

نطقت قائلة بعد صمت طويل ... بصوت لم يخلُ من شهقات البكاء:- " أنت لن تفهمني ... لن تفهمني ..."

أخذتُ أحدق بها بذهول من كلماتها التي أصابتني بالصميم ... وقلتُ لها:- " كيف لن أفهمكِ ؟!! ...أنه من المستحيل بأن لا أفهمكِ ... أنا فقط بنظره واحدة إليكِ أشعر بكل شيء تحسي به .. أشعر بألمكِ بفرحكِ .. بنظرة واحدة فقط ... أنتِ لا تعرفيني يا غدير ... أنتِ حتى لم تجربيني ... جربيني مرة وأخرجي لي كل الذي يثقل على قلبك .. وصدقيني سوف ترتاحي ... صدقيني ..."

رفعت رأسها لتنظر إليّ ... فأجبرتُ شفتيه المغتمتين على الابتسام .... لعلها تشعر بأني البلسم لأحزانها ...


| +* +* +* |




واقفة وراء شباك غرفتي ... أنظرُ إلى ذلك الظلام الحالك الذي احتل السماء .. ونثر سواده على الأرض ... شعرت حينها بأن هذه الظلمة لا تحتل السماء فقط .. بل أيضاً تحتل عقلي ... وقلبي ... فتصعب علي مهمة المسير في طريق الصواب ... إنني أتخبط في هذه الظلمة بلا هداية... من أصدق ومن أكذب ؟؟؟.. من أمسك بيده ومن أترك يده معلقة في الهواء ...؟؟ سؤال تلو الآخر .. لا يجد قرينة من الإجابات ....
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه .. كنتُ أشعر بالضياع .... بالضياع .. بضياع يخنقني ... ويعذبني ... ويزيد من همي ...

سمعتُ صوت باب الغرفة وهو يفتح ... فخرجتُ من عالم التساؤلات للحظة ... نظرتُ لخلفي ... لأجد سبب حيرتي واقفًا أمام الباب ... وابتسامة واسعة وجدت طريقها على شفاهه ... لم أعطه أي ردة فعل تعتلي وجهي... ضل سكون الحيرة يتجلى على وجهي ... وعدت أنظر إلى ظلمتي التي تتصور لي خلف الشباك ....

قال بصوت استشفيتُ فيه الفرح :- " مساء الخير يا حبي ...."

حبي ؟؟؟!!!! تلك الكلمة فجرة فوج جديد من التساؤلات في خلدي...(( أهي كلمة نابعة من قلبه ... أم من عقلة ؟!! ))

فوج جديد لن يكتب له بأن يلاقي أجوبة كمن سبقها من الأسئلة.... وزادت من انغماسي في تلك الظلمة التي أعيش بها ....

شعرتُ بيديه تحيط بخصري ... ومن ثم ذقنه يستند على كتفي الأيمن ... لحظتها لا أعلم ماذا أصابني .. أحسستُ بأن جسدي قد أصبح كورقة رضخت لنسمة الهواء العليلة التي مرة بها ..وباتت مهددة للسقوط في شركها... بعد ذلك داعبت كلماته أذني ليهمس قائلاً :- " ماذا بك حبي لا تردين عليه ...؟؟ "

كنتُ على وشك الاستسلام لذلك الوهج الضئيل الذي بدأ يخترق تلك الظلمة الموجودة بداخلي ... لكن صوت عمي أكرم عاد يعلو في عقلي ... فأخرجني من لحظة الضعف التي كدتُ أستسلم لها ..

فانتفضتُ بكلماتي السائلة:- " لماذا أتيت اليوم ..؟ ليس من عادتكِ أن تأتي ليلتين متتاليتين ...؟"

أجبرني على الالتفاف نحوه بحركة سريعة .. ويدياه لا زالتا تقيدان خاصرتي ... وقال وابتسامته لم تفارق محياه:- " لأني لم أعد أستحمل البعد عنك أكثر من ذلك ... لا أستطيع بأن أنتظر إلى الأسبوع القادم ... لو كان الخيار خياري لما تركتك اليوم .. وضللتُ معكِ طوال اليوم ... يا قلبي "

ودنا مني ..وفي نيته تقبلي ... ولا أخفيكم ... كنتُ أتوق لتذوق تلك الشفتين .. لكن صوتُ عمي أكرم أخذ ينخر بعقلي أكثر .. فأكثر.. لدرجة لا تطاق... فأشحتُ بوجهي بعيداً عن شفتيه ....وأنا مغمضة العينين ...

قال بنبرة تنم عن التعجب:- " ماذا بكِ يا بدور ؟!! "

نظرتُ نحوه بعيني الشبه مفتوحتين ... وقلتُ له بصوت أرهقه الصراع الداخلي :- " أأنتَ تحبني حقاً يا إسماعيل؟ "

ليرد على سؤالي بسؤال:- " ما هذا السؤال يا بدور ؟!! "

هنا فتحتُ عيني بأكملهما .. وقلتُ له وقد علا صوتي فأنا بحاجة ماسة لجوابه لكي ينهي هذه الحروب الداخلية التي تقطعني أرباً أربا .:- " أتحبني يا إسماعيل ؟؟ أجبني ..أجبني أرجوك "

هنا عادة الابتسامة تتربع على كلتا شفتيه... وقال وقد أحاط وجهي بكفيه ..:- " أنا لستُ فقط أحبكِ .. أنا أعشقكِ وبجنون"

هنا أخترق النور تلك الظلمة الموحشة التي كنتُ أعيشها ... وشعرتُ بسكينه ... وأنا أسمع هذا الجواب الذي كنتُ أبحث عنه ...

شقت ابتسامة فرح طريقها على محياي .. وأنا أقول له:- " لا تعلم كم أنك أرحتني بجوابك هذا"

قال وهو مقوس الحاجبين إلى أعلى :- " لماذا ؟؟!! .. ألازلتِ تشكين بي ...؟!!"

كان يريد أن يقول المزيد .. لكني ألقيتُ بجسدي نحوه ... واحتضنته بقوة .. وقلتُ له وأنا أهز رأسي بنفي:- " كلا .. كلا .. لم أعد ... لا أعلم لماذا.. لماذا ...؟؟ أنسى الموضوع ...أنه غباء مني.. وحماقة ..."

وضع يده على رأسي وأخذ يمسحه وهو يقول:- " لا عليك يا قلبي ...أنا أعلم بأن السبب الذي جعلك لا تؤمنين لي .. أنني جعلتُ جمال يرغمكِ على الزواج بي ... لقد اخترت الطريق الخطأ للظفر بكِ .. لقد دخلتُ إلى حياتكِ بدون استئذان.... سامحيني حبي سامحيني ... لو كان بمقدوري العودة بالزمن للوراء لما تزوجتكِ بهذه الطريقة ..."

أبعدت نفسي عن حضنه ... وقلتُ له بحماس المنتشي بالفرح :- " كلا لا تعتذر ... لا تعتذر ... لولا لم تفعل هذا .. لما تعرفتُ إليك عن قرب ... وعرفتُ بأنك إنسان رائع ...."

تلاقت أعيننا الباسمة مع بعضهما ... فتعانقت أخيراً ... وفاضت بما في القلوب... لتتبعها شفاهنا المتعطشة لبعضها البعض... وتمازجت تلك الأنفاس الثائرة .. لتنتج بهجة عارمة تسكن الصدور الجرداء من جفاف الحزن الذي طال بقاءه فيها ....

دقائق كانت كالحلم الذي لم أُرد أن استيقظ منه ... أبداااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ما حيت ....

| +* +* +* |




بغضب يختلجني من تصرفه الغريب ... قلتُ له وأنا أقترب منه:-" ما هذا التصرف يا سعيد ؟!! لماذا تطلب مني بأن ألقاك عند باب البيت الخارجي ؟؟!! وفي هذا الوقت المتأخر !!! .. لماذا لا تدخل؟!! كأي إنسان طبيعي
..."

رد عليّ ببرود قهرني :- " أنا لا أعرف أحداً هنا سواكِ والأولاد ... ومن ثم أنا جئتُ لأكلمكِ .. لا أن أكلم أصحاب البيت ..."

:- " ولو هذا ليس عذراً .."

بتر جملتي بقوله :- " سارة .. أنا لم آتِ لكي تفتحي لي هذا المنوال عن أهلك وعن الأخلاق الحميدة التي لا أعلم من أين حلت عليكِ .."

أجج كلامه غضبي ... ففضلتُ الصمت لأعرف ما الذي جاء به ... وأنتهي من هذا الأمر ...

عاد ليكمل قائلا:- " سارة .. لآخر مرة أطلب منكِ بأن تذهبي معي... فالمكان ليس آمنًا ... ليس آمنًا ..."

كظمت غضبي .. وقلت له :- " هل انتهيت من الكلام ...؟ "

هز رأسه بمعنى نعم ...

فعدت أقول له .. وأنا لم أبعد بصري عن تعابير وجهه :- " حسناً .. حان الوقت الذي تصغي لي ... أنا لن أرحل من وطني مهما كان ... هذا كان ردي وسوف يضل ردي .. فلا تتعب نفسك بالقدوم مرة أخرى .."

عقد حاجبيه غاضبا ... وقال:- " هكذا لن تحكمي على نفسك فقط بالموت .. بل على أولادك ... أأنتِ مدركة لهذا الشيء ؟؟"

فرددتُ عليه بهدوء مناقض لما في داخلي من غضب نحوه:- " لا تنسَ يا سعيد بأن نهايتنا الموت ... لهذا أفضل بأن أموت في وطني على أن أموت في بلد غريب .. بعيداً عن أهلي وناسي .. أما بخصوص وسام وحوراء ...( أشرتُ له ناحية المنزل وأنا أكمل قائلة ) اذهب واسألهم .. فهم كبار بما فيه الكفاية لكي يقررا إذا يريدان الذهاب معك أو لا "

كور يديه ... كأنها محاولة منه لامتصاص الغضب الجلي على وجهه .. وقال:- " أنتِ تعلمين بأنهم لن يرحلوا بدونك.. سارة فكري جيداً ... بعملك هذا فأنت سوف تحكمين عليهما بالموت "

صوبت نظرة إصرار وتصميم في مقلتيه .. وقلت بعزم لا يهزه خوف :- " كما قلتُ لك هذا ردي الأول والأخير .. ولن أتراجع عنه .."

فجر غضبه في صوته وهو يقول وقد زاد من تقطيب حاجبيه :- " أنت حمقاء .. بل مجنونة .. لقد فقدتِ عقلك مذ ماتت بتول ... "

هنا قاطعته بصوت أعلى من صوته :- " كلا بالعكس .. لقد عاد لي عقلي .. ووعيي ... أنا نادمة لكل الذي فعلته .. على كل تلك السنوات التي قضيتها ..."

هنا هو استوقفني وهو يقول وقد على تقوس حاجبيه للأعلى:- " أأفهم من كلامكِ .. بأنكِ نادمة على حياتكِ معي ؟؟!!.. على زواجكِ بي ؟!!!"

لا أعلم لماذا التجم لساني لحظتها ... واكتفيتُ بالنظر إلى تلك العينين المصدومتين ....

على صدره على نفس عميق .. ومن ثم هوى .. وهو يخرج ذلك النفس الذي شعرت بأنه أخرجه بصعوبة بالغة من رئتيه... ومن ثم قال :- " أفعلي ما شئتِ .. فأنا لم أعد أكترث ... موتي .. تعذبي .. لا يهمني ... "

وأولاني ظهره ... ورحل ... بلمح البصر...

| +* +* +* |



الهدوء الذي يسبق العاصفة...

كان مستلقياً على بطنه بجواري ... فاتحاً نصف عينيه ... وابتسامة تسكن شفتيه المكتنزتين اللتين تلذذت بعناقهما سحرت عيناي...
أحنيتُ رأسي .. وأسندته على السرير رأس السرير .. وأخرجتُ تنهيدة راحة ... تعبق من قلبي الطرب السعيد .. وأغمضتُ عيني .. لأسترجع ما حصل .. فارتسمت ابتسامة صادقة ... قلما تنبع من الفرح ... وقلتُ :- " أتعلم بأني أسعد كائن بهذا العالم في هذه اللحظة ..."

جاءني صوته الناعس :- " كاذبة "

فتحتُ عيني مذهولة .. ونظرت نحوه ... وقلتُ :- " ماذاااااا؟!!! "

رفع بصره نحوي .. وقد زاد من امتداد ابتسامته الساحرة التي لم تهجره :- " لأني ببساطة أنا أسعد كائن ليس في العالم فقط .. بل في الكون قاطبة ..."

سحبتُ الوسادة التي ينام عليها من تحته.. وبسرعة أخذتُ أضربه بها .... وهو يصرخ قائلاً وضحكته تطرب مسمعي :- " توقفي آيتها المجنونة .. توقفي ..." كان يحاول أن يقي نفسه من الضرب بيديه...

قلتُ له وأنا أكاد أموت من الضحك...:- " لن أتوقف ... إذا أردتني أن أتوقف فأجبرني على ذلك.."

من بين ضحكاته المتصلة .. عاد يقول:- " إذا تتحديني يا بدور ... حسناً .. سوف تندمين ...سوف تندمين ..."

وبالفعل شرع بتنفيذ ما قال.. وقام جالساً .. وأمسك بالوسادة وسحبها بقوة من بين يديه .. وألقى بها بعيداً عني ... وانقض عليّ ... وأمسك بيديّ ..ودفع بهما إلى ظهري ... ومنعهما من الحراك ... رغم محاولتي لتحريرهما من قيد يديه القويتين ... انحنى نحوي .. وبات لا يفصل بيني وبينه مسافة لا تتجاو( الإنش) الواحد .. وقال وقد تصنع تعابير الشر على وجه:- " الآن أريني ماذا سوف تفعلين بي ؟.." وخط ابتسامة انتصار ...

كان لابد من أن أرد على تحديه لي ... فجاء ردي عليه بأني نفختُ في وجه ... فنظر إليه متفاجئا ... وانفجر ضاحكاً وهوى بجسده على السرير ...

وقال وهو يجاهد من أجل أن تخرج الكلمات من فهمة:- " آيتها المجنونة ... أهذا ردك ... " وعاد يضحك بهستيريته ....

هويتُ بجسدي عليه .. لتتلامس أجسادنا من جديد .. وتساقطت خصلات شعري على وجهه ... وقلتُ :- " ألم أجعلكَ تفك قيدي ...؟"

مرر أصابعه خلال خصلات شعري ... فتجلى لي وجهه الباسم ... وقال:- " نعم .. لقد انتصرت علي ... أنا أعترف .." وأخذ ينظر إلي بنظرة جعلت الحمرة تشتعل في خدي ... فابتسمتُ باستحياء ... وأنا منكسة بصري بعيداً عنه ...

أخذ يلامس بأصابعه الناعمة شفتي الباسمتين... وقال:- " كم أتمنى بأن لا تزول هذه الابتسامة من على شفتيك "

فابتسمتُ ضاحكة .. وأنا أقول:- " بإذن الله لن تفارق شفتي ما ..."

صوتُ رنين هاتفه قاطعني ... فسلط كلانا أعينه نحوه ... قمتُ من عليه ... وجلستُ متوجسة خائفة ... كأني كنتُ أعلم من كان صاحب الاتصال ... ألقى علي نظرة بعد أن عرف شخصية المتصل.. فجاءني التأكيد بتلك النظرة ... شعرتُ بغصة القهر .. فأنا لم أهنأ طويلا بلحظات الفرح ...فقلتُ له راجية:- " لا ترد ... دعها ... لا تفسد هذه اللحظة ..."

أنزل رأسه من جديد نحو الهاتف الذي أبى أن يصمت ويريحني ... قتلني صمته ... دنوتُ منه ... وأحطتُ ذراعه بكلتا يديه ... وقلتُ له :- " إسماعيل ... أتريدني بأن لا أحزن .. بأن أبتسم دائماً ... دعنا نرحل من هنا .. نهرب عنهم جميعاً ... عن جمال .. وعنها ... ونعيش سعداء للأبد .. بدون خوف .. بدون توجس منهم ... "

أخيراً استسلم الهاتف ... وآثر الصمت ... لكن إسماعيل ضل ينظر إليه بصمت وسكون جعلني أخاف منهما ...

مرت الدقائق والصمتُ يقيد شفتيه .. ومع كل دقيقة تمر كنتُ أتكد أكثر فأكثر من أنه لن يفعل شيئًا ... أخيراً أعلنتُ استسلامي .. فحررتُ ذراعه من يديّ... وأدخلتً كلتا شفتيه لفمي .... لأتمالك تلك الحرقة التي انفجرت بداخلي ...

وأغمضتُ عيني بكل ما أوتيتُ من قوة ...

نطق بعد فوات الأوان ... وأكد ما توصلتُ له من إجابة.. وقال:- " بدور حبيبتي .. الأمر ليس سهلاً كما تظنين .. أنت تعلمين بأني حقا أريد أن أهرب بك إلى عالم ..."

رفعتُ يدي آمرة له بالصمت .. فكلماته لا تواسيني .. بل تغرس خيبة الأمل أكثر في قلبي ...

قلتُ بعدها :- " اذهب إليها .. ... قبل أن تشك بشيء... اذهب ... اذهب "

قال:- " بدور حبي .. أنا .."

هنا صرختُ بأعلى صوتي عليه .. وأنا أشد الخناق أكثر على عيني المغمضتين ..:- " قلتُ لك اخرج ... اذهب إليها .. ودعني لوحدي.. فأنا قد أعتدتُ على الوحدة ... اذهب إليها .. اذهب .. اذهب .."

فقال وهو يحاول بأن يهدأني :- " حسنا .. حسنا سوف أذهب .. فقط لا تغضبي .. اهدئي .. أنا سوف أذهب ... ها أنا ذا خارج .."

وبالفعل لقد ذهب ... وأكد علي كلامه صوت الباب وهو يغلق .. معلناً رحيله ... وأذن لي بتفجير تلك الدموع الساخنة التي لم أعد أقوى على حبسها أكثر ...

| +* +* +* |



صباح يخفي في طياته أحداث .. وأحداث ..وأحداث ...


آآآآآآآآآآآآه من أين ابدأ الحديث .. حقا أنا لا أستطيع الكلام ... فلا أجد الكلمات المناسبة التي تصف مدى سعادتي اليوم .. لقد ... لقد شاركتني البارحة همومها وأحزانها .. لقد فتحت لي قلبها ... وفوق ذلك تشاركنا نفس السرير لأول مرة ... نامت على حجري ... آآآآآآآآآآآآآآآآآه ... أنا لازلتُ لا أصدق الذي حدث ...

أخذتُ أرش وجهي بالماء .. لأتأكد بأني مستيقظ ولستُ نائماً .. وبأن الذي جرى ليس حلماً نسجه لي خيالي الظمآن .. بل حقيقة جميلة ....

أغلقتُ صنبور الماء .. ورفعتُ رأسي أنظر إلى المرآة ... وابتسامة عريضة تعتلي محياي .. وقد تيقنتُ بأن الذي حصل لم يكن حلماً بل حقيقة . حقيقة لم أتخيلها في أكثر أحلامي تفاؤلا... أمسكتُ بمنشفتي المعلقة بجوار المغسلة ... ومسحتُ وجهي المبلل بسرعة .. حتى أتمكن من العودة إليها .. وإشباع عيني من النظر أليها .. بدون قيود الخوف .. بدون حواجز ... بخطى متسارعة توجهت للغرفة التي تركتها فيها نائمة كالملاك ... دخلت الغرفة والابتسامة تأخذ أكبر حيز من وجهي ... لكن تلك الابتسامة بدأت تتقلص .. حتى بات لا وجود لها ... عندما وجدتُ السرير خاوياً .. بحثتُ عنها بعيني .. لكن لم يكن لها أثر في الغرفة...

خرجت من الغرفة .. وهرولتُ ناحية غرفة الفتيات... لعلي أجدها هناك ... وجدتٌ الباب شبه مفتوح ... لدرجة أمكنتي من رؤيتها والاطمئنان عليها .. عادت تلك الابتسامة تحتل موقعها الطبيعي على شفتي ... كنتُ في صدد أن أفتح الباب كاملاً ... ألا أن يدي تسمرت في منتصف الطريق ... والابتسامة عادت تتقلص ... لترحل ... ويحتل مكانها الصدمة الممزوجة بالمرارة ... وأنا أرى ذلك الشيء اللامع الممسكة به وتقبله بحرارة... والدمع ينسكب من عينها المغمضتين... وتقول آسفة :- " أنا آسفة يا حسن .. أعذرني لقد أخطأتُ.. أخطأتُ .. أرجوك أصفح عني أرجوك..."

من الصدمة جمدت في مكاني ... ومقلتيه تكادان تخرجان من محجريهما.... من الصدمة القاتلة ... نعم قاتلة ...

لم أصح إلا على صوت أختي كوثر:- " علي أنت هنا ونحن نبحث عنك .... هيا الجميع ينتظرك لكي تقلنا للمستشفى .. هيا ..."

كنتُ أنظر إليها .. لكن كلماتها لم تصل إلى عقلي بسرعة ... فهناك حاجز الصدمة يسد طريقها ... كما يبدو بأنها لم تلحظ ما بي .. فقط كانت واقفة بعيدا عني .. في أعلى السلم ... أخذ شيء يشدني .. يرغمني للنظر إليها .... ففعلت ... لتتشابك عيناي بعينيها ... عيناي اللتان ترسمان كل معاني الصدمة .. بعينيها الدامعتين لشخص قد رحل عن هذا العالم ... لم تقل شيئاً اكتفت بالصمت والجمود الذي يكسو تعابير وجهها .. ذبحني فعلها هذا .. ذبحني من الوريد إلى الوريد .. ... أخذ صدري يعلو وينزل ... وهو يدخل وينفذ الهواء بقوة .... اضطربت أنفاسي .. وضاع عقلي في معمعة ما حصل ... كان لابد من أن أذهب عنها في هذه اللحظة.. فأنا لم أعد أطيق النظر إليها .. لم أعد أطيق ... فابتعدتُ بالفعل بخطى واسعة .. والهم يثقل على صدري ...

| +* +* +* |




كنتُ أنظر إلى الفتيات وهن منهمكات في شوي اللحم الذي أعددناه... وسعادة مرسومة على قسمات وجوههن ... تابعت المسير نحو الزوجين عمار وعلياء اللذين كانا يتسمران وهما جالسان بالقرب من النهر .... ومن ثم التفتُ نحو اليمين ... حيث كانت مطر جالسة بالقرب مني ... أخذتُ أتأمل ذلك الشيء المرسوم على شفاهها .. والذي أكد لي نجاح مبتغايّ من هذه الرحلة ... فقط أردت بأن أخرجها من جو تلك الذكرى الأليمة... التفتت هي الأخرى نحوي متعجبة... وقالت:- " لماذا تحدق بي هكذا ؟!!!"
ابتسمتُ لها وأنا أقول بعد أن وضعت ُ أصبعيّ السبابتين على طرفي ابتسامتها المضيء:- " لكي أصور هذه الابتسامة التي افتقدتها "

ضربت رأسي بكفها وقالت ضاحكة:- " إنك مجنون أتعرف ذلك ؟ "

أبعدتُ أصبعيّ عنها .. وقلت لها وأنا أغمز لها:- " نعم مجنون بحب أختي العزيزة "

أحنت رأسها للخلف .. وأطلقت العنان لضحكاتها ..

سعدتُ .. بل طرتُ من الفرح وأنا أراها تضحك من قلبها ... شعرت بنشوة الانتصار حينها .. فقد انتصرت على تلك النقطة السوداء التي تريد أن تخرج للعلن من صندوق ذاكرتها ... أخذتُ أردد في داخلي بكل إصرار: ( لن أسمح لكِ يا أيتها الذاكرة بأن تنعشي تلك الذكرى من جديد .. سوف أحاربكِ بشتى الطرق ... )

قلتُ لها وأنا في نيتي بأن أبعث المزيد من الفرح إلى قلبها :- " أسوف يطول انتظاري ؟"

توقفت عن الضحك ... وقوست حاجبيها بحركة تنم عن التعجب.. وقالت:- " انتظارك لماذا ؟!!"

فأجبتها بقولي:- " انتظاري لاعترافك .. فأنا قد اعترفتُ لكِ بأني أحبك ... وحان دورك بأن تقولي لي بأنكِ تحبيني .. أليس كذلك ..؟ "

هنا رفعت رأسها بزاوية لا تتجاوز الثلاثين درجة .. ونظرت لي بطرف عينيها وقالت:- " لن أقولها .. لأني لا أحبك ..."

تصنعتُ الدهشة وأنا أقول لها :- " إذا أنتِ لا تحبيني ؟ "

فهزت رأسها بالإيجاب...

فقلتُ لها متحدياً:- " حسنا أنا أعرف كيف أجعلكِ تحبيني "

فقالت وقد خطت ابتسامة طرفية:- " كيف سوف تجعلني أحبك؟!!"

فهجمت عليها بدون سابق إنذار .. وأخذت أدغدغها ... وقلتُ لها:- " هكذا سوف أجعلكِ تحبيني "

فعلت قهقهاتها وهي تقول بصوت طغت عليه صوت الضحك:- " توقف أيها المجنون .. توقف .."

:- " لن أتوقف حتى تقعي في حبي ..."

فسقطت على الأرض المكسوة بالعشب وهي تتلوى تحاول بأن توقفني عن دغدغتها... لكني لم أدعها .. تبعتها واستمررتُ في دغدغتها ... وأنا أقول لها أمراً:- " هيا اوقعي في حبي ... هيا ... اعترفي بأنك تحبيني... هيا ... هيا .."

من بين ضحكاتها قالت :- " حسنا .. حسنا يا خالد.. أنا أحبك .. أحبك ... أرجوك توقف..توقف ..."

تلك اللحظة بدون إرادتي ... شيء غريب حل بي ... لا أعلم ما هويته... لكنه شيء أذوقه لأول مرة في حياتي ...

| +* +* +* |



همستُ لعمي مصطفى الجالس بجواري بأني سوف أذهب لأحظر ماءاً يروي ظمأنا .. فنحن ننتظر منذ ساعات كانت كسنوات بالنسبة لنا .. لاستيقاظ أحمد من الغيبوبة التي أبت أن تعتقه.. وتريح قلوبنا ...

هز لي عمي بمعنى نعم ...
فنهضتُ وشرعتُ بالمسير... لكني لاحظتُ صوت خطا متسارعة تتبعني ... فتوقفتُ بعد أن تيقنتُ تماماُ بأن تلك الخطى تتبعني أنا .. فالتفتُ بسرعة لأعرف من هو ملاحقي... فوجدتُ غدير .. التي من أن نظرتُ لها حتى أحنت رأسها للأسفل ...
لا أخفي بأني قد تفاجأت ُ .. لكني في ذلك الوقت .. لم أكن مستعداً للتحدث معها .. ولا حتى
رؤيتها .. فجرحي لم يبرأ بعد ... لهذا أوليتها ظهري لأنهي الحديث قبل بدأه .. وخطوت أول خطواتي ... على أساس أن تتبعها خطوات أخرى ... لكنه لم يحدث .. فقط استوقفني صوتها الهامس :- " أرجوك توقف ... فأنا .. أنا .."

أدخلتُ أكبر قدر من الأكسجين إلى رئتيّ ... لأخمد ولو جزء صغير من نار الغضب المتقدة في صدري جهتها ... وقلتُ لها:- " غدير.. ليس الآن ...أنا لا أستطيع التحدث الآن ..."

فجأة أصبحت أمامي... وقالت:- " كلا الآن .. يجب أن نتحدث الآن... "

هنا زمجرتُ قائلا:- " ماذا سوف تقولين ؟ .. بأنكِ آسفة لجرحكِ لي.."

فردت عليّ من فورها:- " كلا أنا.. لا أقصد ..."

أحسستُ حينها بأن دمي يغلي من شدة الغضب... كورتُ قبضت يدي ورفعتها.... أخذت تحدق بي بذعر يطوق عينيها... لا أعلم كيف قذفتُ بيدي ناحية الجدار .. لأضربه بكل ما أوتيتُ من قوة ....لم أقوَ على النظر إليها .. لهذا صرختُ بها :- " اغربي عن وجهي الآن يا غدير ... اغربي ... اغربي .."
كنتُ خائفاً بان أؤذيها في لحظة غضب .. فأندم مدى الحياة ... سمعتُ أنفاسها تضطرب ... ومن ثم تبعتها خطاها الراحلة ...

| +* +* +* |




ساعة الاعتراف ...

تتبعتُ تلك الأسلاك المحيطة به من كل جانب ... فشعرتُ بقلبي ينقبض .. تنهدت بحزن ... وقلتُ ممسكة بدمعي:- " آآآآآآآآآآآآه يا أحمد ... لا تعلم كم يؤلمني رؤيتك وأنت بهذه الحال... ليتني كنتٌ أنا من تحيط به هذه الأجهزة ولست أنت ..."

انتصرت دموعي عليّ.. ووجدت طريقها للخروج ... مسحتها من فوري وقلتُ بإصرار وعزم:- " لن أبكي.. لن أبكي … فأنت سوف تعود لنا .. أنا متأكدة .. نعم متأكدة …فأنت شخص مقاتل.. لا يستسلم بسهولة …"

نظرتُ إلى وجهه الساكن عن الحركة … تأملته .. فقلما أجد الفرصة سامحة لي للنظر إليه بدون خجل … بدون خوف من أن يلحظني هو .. أو من حولي من الناس … في كل الأوضاع يبدو لي جميلاً… نائما.. صاحيا ً .. فرحاً … غاضباً …

في تلك الدقيقة … عقدت العزم بأن أفشي له الذي حبسته في قلبي زمناً طويلاً …. ابتلعتُ ريقي وأنا أهيأ نفسي لكشف سري له وقلتُ :- " أحمد هناك شيء أخفيته عنك .. بل عن الجميع زمناً طويلاً .. لقد آثرتُ الاحتفاظ به في قلبي .. لكني لم أعد أقوى على حبسه في ( ووضعتُ يدي على قلبي وأنا أسترسل في اعترافي ) قلبي أكثر من ذلك … وكذلك لا أظن أني سوف أتجرأ أن أقوله لك وأنت مفتوح العينين … هذه الفرصة ربما لن تسنح لي من جديد … فأنا وأنت لوحدنا … لا يوجد أحد .. فالجميع ذهب لتناول الإفطار… "

توقفت ُ لبرهة عن الحديث …أبعدتُ يدي عن قلبي … ومددتُها نحو يده الممدودة على السرير أبيض اللون …لكنها توقفت في منتصف الطريق … لكني أصررت عليها للمضي قدماً.. رغم صراخ العقل الرافض لذلك … غلفتُ يده بها … لعلي أستشف من عروقه النابضة ردت فعل لما سوف أكشفه له من سر دفين في قلبي … أخذتُ نفساً عميقاً لعله مع خروجه من صدري يدفع بتلك الكلمات المتحشرجة في حنجرتي … وبالفعل نجحت الخطة … فنفثت الهواء مصحوبا باعترافي:- " أحمد أنا أحبك … أحبك منذ زمن .. منذ كنا صغاراً … نعم أحبك … أحبك.. أحبك … ولا أستطيع أن أحب شخصاً غيرك … صدقني أني لا أستطيع العيش بدونك.. ولا فكرة أن تأخذك امرأة أخرى مني .. لهذا كرهت البتول .. كرهتها من كل قلبي.. لأنني كنتُ أرى في عينك تلك النظرات التي كنتُ أنظر إليك بها ..كنتُ أعلم بأنك تحبها … كان هذا يؤلمني .. يؤلمني كثيراً … والذي آلمني أكثر بأنك لازلت وحتى بعد موتها تحبها …. لماذا أجبني يا أحمد …؟ لماذا لا تزال تحبها ؟ ما الذي فعلته لك حتى تحبها هذا الحب.. ؟ أجبني .. أنا سوف أفعله .. مستعدة لأفعله حتى أحصل ولو على جزء صغير من هذا الحب "

وضعتُ يدي الأخرى على يده الممدودة … أغرقت عيناي بالدمع … وكررتُ سؤالي وكل أمل بأن يجبني …:- " أجبني يا أحمد على سؤالي …. ما الذي في بتول ؟ .. ما الذي يميزها عني.. قل لي "

عصرتٌ يده بقبضتي … وعاودتُ نفس السؤال:- " قل لي يا أحمد ؟؟ أخبرني بالسر … الذي كنتُ أحاول أن أكتشفه منذ زمن بعيد …"

رفعتُ رأسي وقد تيقنتُ تماماً بأنه لن يأتني الجواب لهذا اللغز الذي تعبت ُ من البحث عن مفتاح إجابته …

| +* +* +* |


كانت نفسي ثائرة مما ترى وتجود بغضبها في كلماتها فهذا ما تملكه للأسف:
( يالك من فتاة خبيثة يا ياسمين ... تدعين البراءة والحياء أمام الجميع وأمام أحمد بالذات ... في حين أنك حية رمل... يالوقاحتكِ كيف تمسكين يد أحمد هكذا ؟!! من سمح لك بذلك ؟؟!! أنا لا أستطيع فعل هذا... لكنكِ حية ليس بالغريب عليك هذه التصرفات.... )

كنتُ أنصهر في حمم الغيرة وأنا أراها معه مع حبي أحمد لوحدهما... بدون أحد يفسد عليهما هذا الجو العابق بالرومانسية...

لقد رأتني .. نعم رأتني ... لم أرد أن تراني منافستي وأنا أموت من الغيظ وأنا أراها معه لوحدهما...... فالتفت ُ إلى يميني هرباً من عينيها ونار الغيرة تحرق قلبي... لتقع عيناي على شيء غريب يحدق بي ...

أنه شاب ينظر إلي بكل وقاحة... كم أكره هذه النوعية من الشباب اللعوبين... الذين لا يشغل فكرهم سوى الفتيات... كم تمنيت ساعتها بأن أصفعه ... فنظراته لم ترحني ... فهي نظراتٌ فاحصة ... لكني تراجعت عن عزمي ... فهؤلاء الأشكال إذا تصرفت نحوهم بأي تصرف سوف يعتبرونه انتصاراً بالنسبة لهم ... لهذا لن يتركني لحالي أبداً ... ومن ثم في تلك اللحظة كان مزاجي متعكراً بسبب تلك التي تدعى ياسمين ... لهذا أخذتُ أمسك بأعصابي التي تريد بأي وسيلة بأن تهرب من قوقعة نفسي وتظهر للعلن بصعوبة لن يتخيلها أحد... وذهبتُ بخطى مهتزة فهناك أحساسان يهجمان علي لحظة واحدة في ذلك الوقت ... أحساس الغيرة القاتل من تلك الحية ... والغضب من ذلك الشاب المستهتر ...

مررتُ بجواره ولم أعطه بالا .. فكان هذا من وجهة نظري أكبر رد مني له... فهذه الأشكال لا تستحق بأن أتعب نفسي برد عليها...


| +* +* +* |



|+*| قلـم || هوب لايت |*+|

|+*| التدقيق النحوي || معلم لغة عربية |*+|

 
 

 

عرض البوم صور HOPE LIGHT  
قديم 30-09-10, 05:07 PM   المشاركة رقم: 88
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 55383
المشاركات: 562
الجنس أنثى
معدل التقييم: HOPE LIGHT عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 14

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
HOPE LIGHT غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : HOPE LIGHT المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

|+*| الضوء الثاني عشر من درب الكلمات |*+|


كانت نفسي ثائرة مما ترى وتجود بغضبها في كلماتها فهذا ما تملكه للأسف:
( يالك من فتاة خبيثة يا ياسمين ... تدعين البراءة والحياء أمام الجميع وأمام أحمد بالذات ... في حين أنك حية رمل... يالوقاحتكِ كيف تمسكين يد أحمد هكذا ؟!! من سمح لك بذلك ؟؟!! أنا لا أستطيع فعل هذا... لكنكِ حية ليس بالغريب عليك هذه التصرفات.... )

كنتُ أنصهر في حمم الغيرة وأنا أراها معه مع حبي أحمد لوحدهما... بدون أحد يفسد عليهما هذا الجو العابق بالرومانسية...

لقد رأتني .. نعم رأتني ... لم أرد أن تراني منافستي وأنا أموت من الغيظ وأنا أراها معه لوحدهما...... فالتفت ُ إلى يميني هرباً من عينيها ونار الغيرة تحرق قلبي... لتقع عيناي على شيء غريب يحدق بي ...

أنه شاب ينظر إلي بكل وقاحة... كم أكره هذه النوعية من الشباب اللعوبين... الذين لا يشغل فكرهم سوى الفتيات... كم تمنيت ساعتها بأن أصفعه ... فنظراته لم ترحني ... فهي نظراتٌ فاحصة ... لكني تراجعت عن عزمي ... فهؤلاء الأشكال إذا تصرفت نحوهم بأي تصرف سوف يعتبرونه انتصاراً بالنسبة لهم ... لهذا لن يتركني لحالي أبداً ... ومن ثم في تلك اللحظة كان مزاجي متعكراً بسبب تلك التي تدعى ياسمين ... لهذا أخذتُ أمسك بأعصابي التي تريد بأي وسيلة بأن تهرب من قوقعة نفسي وتظهر للعلن بصعوبة لن يتخيلها أحد... وذهبتُ بخطى مهتزة فهناك أحساسان يهجمان علي لحظة واحدة في ذلك الوقت ... أحساس الغيرة القاتل من تلك الحية ... والغضب من ذلك الشاب المستهتر ...

مررتُ بجواره ولم أعطه بالا .. فكان هذا من وجهة نظري أكبر رد مني له... فهذه الأشكال لا تستحق بأن أتعب نفسي برد عليها...


| +* +* +*
|


أخذتُ أصرخ في داخلي وقد رأيتها تلتفتُ نحوي.. ( لقد اكتشفت أمري ... لقد اكتشفت أمري ... يا إلهي ...لا أعلم ماذا أفعل .. ماذا أفعل ...؟ )

فكانت ردتُ فعلي بأن طأطأت رأسي خجلا من فعلي ... لقد كنتُ أحدق بها بدون استئذان.. كان تصرفاً أحمقاً لا أعلم كيف فعلته .... لكني الذي أعرفه بأني عندما رأيتها أمام غرفة أحمد تنظر من وراء الشباك... شلت كل أطرافي ... وحدقتُ بها كالأبله ... غير مدرك لفداحة تصرفي هذا...

جاءني صوت خطوات قادمة من جهتها تدنو مني ... ففز قلبي رعباً مما سوف يحصل...فقد كنتُ متيقناً بأنها سوف تصرخ بوجهي... وسوف تجعل الناس يتجمهرون عليه ...

عصرتُ عيني المغمضتين .. وأنا أصرخ في داخلي موبخاً نفسي: ( أحمق... أحمق... ها هي ذا وصلت .. وصلت ... )

بدون سابق إنذار توقف الزمن عندي ... وأنا أشتم ريحاً عطرة تمر من جواري ... فتدخل رئتي .. وبقدرة قادر تصل إلى قلبي فتدب الحياة فيه ....

عقارب الزمن لم تعد للحركة عندي إلا على صوت أختي حوراء وهي تناديني :- " وسام ... وسام .. أخي وسام "

فتحت عيني .. فاستغربتُ من المكان الذي أنا فيه .. لقد فقدتُ الذاكرة لحظتها ...

عادت حوراء تناديني :- " وسام .. ماذا بك ؟ وسام .. أتسمعني .."

نظرتُ إليها وأنا لا أزال غير مدرك لما يحصل من حولي... فأخذت تحدق بي مقوسةً حاجبيها متعجبة:- " وسام ... أخي .. أأنت بخير..."

فأجبتها ببلاهة :- " هااااااااااااااااا "

تحول تعجبها إلى خوف وهي تسألني :- " حبيبي وسام .. ماذا بك ؟ لقد بدأتُ أخاف عليك .."

رددتُ عليها وأنا في متاهة النسيان أدور:- " أنا.. أنا... " وعيتُ لنفسي .. وتدفقت الذكرى لخلدي ... فتلفتُ من حولي بحثاً عنها .... لكن الأوان كان قد فات ..... فشعرتُ بضيق .. فربما كانت هذه أول وآخر مرة أراها فيها ...

جذبتني حوراء من يدي وقالت بذعر واضح وضوح الشمس في صوتها:- " وسام .. أجبني .. أأنت بخير..؟ "

نظرتُ إليها ... واكتفيتُ بهز رأسي بالإيجاب.. لأبعد الخوف من محياها .. في حين أنني أشعر بألم مبرح في صدري ... لكنه ألم محبب للقلب ....

| +* +* +* |




دخلتُ إلى الغرفة قاتمة اللون التي تبعث الكآبة عندما تنظر إليها ..نظرت إليه وهو جالس من وراء الطاولة التي تتوسط الغرفة ونظرة الخزي تكسو عينيه... وبعدها نظرت إلى يديه المتشابكتين اللتين الموضوعتين فوق الطاولة ...واللتين شد الخناق عليهما ما أن رآني ...جلستُ أمامه وأنا لم أبعد عيني عنه غير مصدقة لما سمعتُ ... بدون تحية ولا سلام .. قال:- " كيف عرفتِ ؟ "

رددتُ عليه :- " أخبرني زميلك في العمل عدنان "

زاد من انحناء رأسه إلى الأمام وهو يقول:- " والأولاد .. هل عرفوا ؟ "

:- " كلا .. لم أخبر أحداً "

فزفر زفرة ارتياح ...

كان يجب عليه بأن أدخل في صلب الموضوع.. وأعرف حقيقة الأمر ... فأنا لازلتُ غير مصدقة لما أخبرني به عدنان ...

بتردد قلتُ له:- " سعيد ... أصحيح ما سمعته ؟!! .. بأنكَ سرقت أموال الدولة ...؟؟!! "

حرر يديه من قيدهما .. ورفع أحد يديه ووضعها على جبينه .. وهو يضحك وقال...وأنا متعجبة من ضحكه الذي بدا لي أنه ليس في محله:- " هذا ما يقولونه ... لكن الحقيقة هي بأن هذا حقي.. هذه هي المكافئة التي وعدوني بها منذ خمسة سنوات .. والتي أخذوها مني .."

سألته متعجبةً:- " من أخذها ؟!! "

هنا وبدون مقدمات .. هوى بيده التي كانت على جبينه على الطاولة التي اهتزت من شدة الضربة المباغتة .. وكشف عن عينين يتقدان غضباً .. وقال صارخاً :- " أولائك الذين يلعبون بنا كيف يشاؤون .. أولائك الذين يريدوننا بأن نراهم يأخذون حقوقنا ونظل صامتين ... إنهم يوسف ورفاقه ... الذين لا يرون إلا أنفسهم.. وينسون جهودنا نحن الصغار..."

ذلك الاسم جعل قلبي يرتعش من الخوف .. ويضيق صدري ...

فأكمل وهو في أوج غضبه:- " والآن بعد أن حصلتُ على حقي بيدي.. يريدون قتلي..."

اتسعت عيني على ذكر القتل.. فقلتُ له:- " أسوف يقتلونك بسبب هذا ؟؟ لا أظن أن الموضوع يصل إلى القتل ؟!! "

ابتسم ساخراً وهو يقول:- " كل من يخرج عن طريقهم الذي أجبروه على المسير فيه.. حكمة الموت في قانونهم ..."

عاتبته بقولي:- " ما دمت تعلم هذا الشيء يا سعيد .. فلماذا فعلت هذا ؟!! نحن الحمد لله في نعمة وخير.. لا ينقصنا شيء..."
أخذ يهز رأسه يمينا ويساراً وهو ينفي كلامي بقوله:- " كلا .. أنتِ لا تعلمين شيئاً... نحن ينقصنا الكثير والكثير... ينقصنا الأمان والاستقرار..."

:- " سعيد ... مستحيل أن يؤذوك ما دمت تعمل معهم ... أليس هذا كلامك ؟؟!!"

انفجر ضاحكا .. وهو يهز رأسه بنعم ... ومن ثم قال:- " نعم ... هذا الذي كنتُ أعتقده أو بالأصح الذي سمموا أفكاري به .. لكن الحقيقة أنهم لا يهتمون بنا ... والدليل صديقي كمال الذي انفجر بيته منذ شهرين.. أتذكرين ... قالوا بأن المتمردون هم الذين فجروا بيته .. في حين أن الحقيقة أنهم هم فعلوا ذلك ..."

حدقتُ به مذهولة ًمما يدخل أذنيه ... وسألته:- " لماذا .. لماذا قتلوه هو وأهله ؟!! "

أخرج زفرة قوية من صدره ..وهو يقول:- " هذا الذي للأسف لا أعرفه "

:- " ألم أقل لك بأن تترك هذا العمل؟ "

نظر إليه لفترة ليست بالطويلة .. ومن ثم رد عليّ :- " وهل تظنينهم سوف يتركوني وشأني إذا استقلت... لا .. ( هز رأسه بأسى وهو يسترسل في كلامه ) كلا لن يتركوني بسلام ... حتى وأنا معهم لن يتركوني بسلام ... للأسف اكتشفت هذا متأخراً "

شعرتُ بغصة الندم في كلامه ...
لم أعلم ماذا أقول أو أفعل كان لساني ويديّ مكبلين بالعجز ...

سلط علي عيناه .. بنظرة لم أشاهدها من قبل ... فاحترت في معناها .... أخذتُ أنظر إليه بتعجب تجلى على وجهي ... مد يده فأمسك بإحدى يدي الجالسة على الطاولة ... فرفعها .. أنام ظهر كفه على سطح الطاولة ... ووضع يدي عليها وغطاها بيده الأخرى ... وأنا ألعب دور المتفرج المتسائل عما سوف يحصل... ابتلع ريقه ... وكسر صمته بقوله وهو لم يبعد عينيه عني المحملة بتلك النظرة المملوءة بالألغاز:- " سارة .. أنا ... أنا تربيت في عائلة محافظة ... عملية جدا... لا تعترف بالمشاعر ولا بالأحاسيس... وبأنه إذا أحب أحداً منا فلا ياعترف بحبه .. فهذا سوف ينقص من رجولته ... هذا ما علموه لنا والدينا "
توقف .. توقف .. وأنزل عينيه للأسفل ... وأنا قد وصلتُ لقمة الاستغراب الذي لا يخلو من الحيرة ..

لهذا سألته .. رغم ملاحظتي للعذاب الذي يعيشه من أجل أخراج تلك الكلمات... :- " ماذا هناك يا سعيد...؟!! ماذا تريد أن تقول لي؟؟؟!! "

رفع عينيه إليّ ... أدخل شفتيه العليا والسفلى لفمه ... ومن ثم أخرجهما ... ليفتح الطريق لكلماته:- " الذي أريد أن أقوله لكِ .. بأني .بأني.... بأني أحبكِ... نعم ... أحبك يا سارة..."

حدقت به مشدوهات ....وأنا في حيرة من أمري ... بين المصدقة وغير المصدقة ... قلتُ لنفسي بالتأكيد أني أحلم ... فطوال تلك السنوات التي عشتها معه كزوجة لم أشعر بأنه يشعر بشيء اتجاهي يسمى الحب...

سألني:- " ماذا بكِ تحدقين بي هكذا ؟!!! "

فسألته فأنا لأعلم إذا كنتُ أحلم .. أم هو حقيقة ما سمعته يخرج من فمه:- " تحبني ؟؟!!! "

هز رأسه بالإيجاب..وقال:- " نعم منذ زمن "

وضعتُ يدي على فمي وأنا أغوص في صدمة الحقيقة غير المتوقعة...

شد على يدي المحبوسة بين يديه ..وقال:-" نعم ..أحبكِ " كأنه عرف بأني غير مصدقة لما سمعته منه...

نظرتُ إلى يديه المحيطتين بيدي من أعلى وأسفل .. ومن ثم رفعت عيني نحوه بحاجبين مقوسين للأعلى ..وقلتُ له :- " لماذا الآن ... لماذا تعترف لي الآن ؟!! "
ابتسم باقتضاب ...وقال:- " طوال لليلة البارحة كنتُ أفكر وأنا في زنزانتي بالأشياء التي سوف أندم إذا لم أفعلها و أنا أرى الموت أمامي ... هناك أشياء كثيرة خطرت في بالي ... لكني وجدتُ أن أكثر شيءٍ كنتُ سوف أندم عليه هو أن أجعل حبك حبيساً هنا " وقد كان يقصد بهنا .. قلبه .. الذي أشار له بسبابته...

تهاد الدمع إلى خارج مقلتي دون أمري .. فساحت لتمر بوجنتيه ... وأنا أسمع وأرى شيئًا زلزل مشاعري بقوة...

وهو الآخر كانت عيناه مخنوقتان تريدان أن تفيضا بالدمع لترتاحا.. لكنه ظل يقاوم ... ويقام حتى لا تخرج... فغريزة الرجولة كانت أقوى ...

دخل الشرطي .... قائلاً بأن الزيارة قد انتهت..... في حين أنها بالنسبة لي قد بدأت الآن ... أمسك بمعصمه .. فجذبه لكي يقوم ... فاستجاب له سعيد.... أقتاده إلى الباب أمام ناظري... توقف سعيد والتفت إلى الوراء حيث كنتُ وقال:- " سارة .. أيمكنني بأن أطلب منكِ طلبا ؟ "

فجاءه ردي سريعاً:- " بالطبع "

ملأ رئتيه بما قدر عليه من الأكسجين... ليحرره بصورة أخرى مصحوبا بالكلماتِ:-" لا تزوريني مرة أخرى... فلا فائدة من زياراتك ... فأنا رجل حكم عليه بالموت ... انسيني ... وجعلي وسام وحوراء ينسوني ... أرجوكِ نفذي هذا الطلب "

اتسعت حدقة عيني لهذا الطلب ... وأنا أقول في داخلي ...:( أتريد مني أن أنساك بعد أن وجدتك...؟!! )

صرخ به الشرطي بضيق:- " هذا يكفي .. هيا .. يجب أن تذهب لزنزانتك الآن " وسحبه بقوة من ذراعه...
فما كان من سعيد ألا ليرضخ له... لكنه قبل أن يخرج ألقى علي كلمة:- " الوداع "
وغاب عن ناظري...
| +* +* +* |




انهيار الجبل ...
الساعة الثانية عشر ظهراً...

وجدته بعد طول بحث في أحد أروقة المستشفى المطلة على شبابيك عدة تمتد من بداية الرواق إلى نهايته... كان ينظر إلى ما وراء تلك الشبابيك ... اقتربتُ منه وأنا أقول:- " أنت هنا ونحن نبحث عنك ... وعندما نتصل بك لا ترد .."

برد فعل غريب أخذ يبعد وجهه عن مرآي...وفوق ذلك لم يرد علي.... استغربتُ من فعله .. أحنيتُ رأسي للأمام لأرى ذلك الوجه المخفي ... لكنه استمر يشيح بوجهه بعيداً عن عيني ... شعرتُ بتصرفه هذا بأن خطباً هناك... أمسكتُ بكتفه .. وسألته:- " علي أهناك شيء؟!! "

أيضاً لم يجبني ... ظلت شفتاه منطبقتين...

بدأتُ أخاف ... ولكي أضع حداً لخوفي الذي بدأ لتوه أول خطواته إلى قلبي... أخذتُ أجذبه من كتفه .. لأجبره على الالتفات إلي ... وأنا آمره بقولي:- " انظر إلي يا علي ...علي انظر إلي "

قاوم جذبي .. وظل مصراً على إخفاء وجهه ... ظللنا بين جذب من قبلي ورفض من قبله.. حتى أنهى هذا الصراع بصوته المكبل بالحزن:- " اتركيني بحالي "

ذهب الشك وحل محلة اليقين في قلبي ... أخي يشكو من شيء ... وشيء كبير لدرجة أن صوته اهتز بالحزن..
:- " أخي ماذا بك؟؟!! .. أحصل لك شيء .. أخبرني .. ؟"

أومأ برأسه بلا ... وقال بصوت أشد خنقة:- " اذهبي أنا بخير.."



هذه المرة باغته بسحبي له لجهتي... لتنكشف لي عيناه الدامعتان ... حاول أن يغطي دمعه بيده ... لكن بعد فوات الأوان ... شعرتُ بوجع في قلبي .. فأخي لا يبكي بسهولة.. بالتأكيد أنه أمر جلل جعل عينيه تذرفا الدمع ...

:- " أخي..أتبكي ...لماذا ؟؟!! " كنتُ أنظر إليه والدهشة ملء وجهي ....
أشاح بوجه إلى ميمنة... ماسحا دمعه.... جامد الشفتين ...

حاولتُ سحب الكلام منه بقولي:- " علي ... أخي .. هذه أنا..أختك كوثر .. التي لا تخفي عليها شيئاً .... أخبرني .. فضفض لي "

نظر إلي لفترة ليست بالقصيرة.. كأنه يشاور عقله .. أيخبرني أم لا ...

تنهد تنهيدة طويلة ... لا تخرج إلا من صدر مثقل بالهموم والأحزان ...

واختار البوح بما في صدره :- " أنا خائف يا كوثر ... خائف بأن استسلم... وأصغي إلى عقلي .. وأدوس على قلبي ... أنا حقاً خائف... لا أريد بأن أترك هذا الشعور الجميل... لكنها هي.. هي لا تريد أن تفتح لي المجال لأسكن قلبها... دائما تصدني .. دائماً "

كنتُ في قرارة نفسي أعلم بأن الموضوع الذي جعل دموع أخي تخرج له صلة بغدير...

في ذلك الوقت لم أجد كلاما يواسيه... فلا أملك في قاموسي اللغوي كلمة تواسيه تشد من أزره ... وتبعث الأمل إلى قلبه المهموم ... وضعتُ يدي على كتفه وشددت قبضتي عليه ... وأنا أقول له بعجز :- " لا أعلم ماذا أقول لك يا أخي ...لا أعلم حقاً .. لكن الذي أعلمه حقاً .. بأني مستعدة للإصغاء لك ... لا تكتم همك في قلبك ... شاركني إياه ... فإن الكتمان هو الذي يتعب ... ويزيد الهم هماً .."

طبطب على يدي وهو يقول بابتسامة صفراء .. تنقصها الحياة ... وقال:- " هذا يكفيني يا كوثر .. يكفيني ..."

رن هاتفي النقال ... كنتُ حاملته في إحدى يدي ... فألقيتُ عليه نظرة .. لأجد رقم محمد... فتذكرتُ سبب بحثي عن علي ... فرفعتُ رأسي نحو علي وقلتُ له :- " لقد نسيتُ أن أخبرك بأن الطبيب للتو قد تحدث مع العم مصطفى .. و كما يبدو بأن هناك أخباراً جيدة"

فوجدت وجهه قد بانت عليه بداية الابتسامة.. وعينيه كسرتا نظرة الحزن تلك ... وقال معاتباً:- " أهذا أمر ينسى يا كوثر ... هيا بنا .. هيا لنرى ما حدث .."

حقا سعدت برؤية أول خيوط الفرح بادية على وجهه... لكني كنتُ متأكدة بأنها فرحة ناقصة... فذلك الحزن القابع في قلبه .. لم يرحل بعد ... بل سوف يكبر ويكبر ويكبر .. لدرجة لن يسعه قلبه المنهك ... حينها لا أعلم ما الذي سوف يحصل لأخي ... وهذا الذي كان يخيفني ... بل يرعبني ...

| +* +* +* |




عودة الماضي ...

الساعة الثانية من الظهيرة ...


دخلتُ كأسد مفترس غير آبهة لصراخ واحتجاج السكرتير الذي كان يلاحقني.. رأيته .. نعم رأيته بعد مضي كل تلك السنين .. كان جالساً وراء طاولته الضخمة ... وفي يديه حزمة من الأوراق ... ما إن رأيته حتى مر شريط الذكريات أمام عيني ... ذكريات الدموع والأحزان ... تسمرتُ مكاني أمام تلك الذكريات الكريهة ...

أما هو ما إن رآني ... وقف والصدمة تصبغ وجهه ...

قال السكرتير:- " سيدي ... لقد حاولتُ أن أمنعها من الدخول .. لكنها دخلت دون أن تصغي لكلامي ... أنا ..."

توقف عن الكلام بحركة من يده ... نظر نحو السكرتير الواقف بجواري .. وقال له :- " أخرج .."

أما أنا فقط ظللتُ على حالي ... مشلولة الحركة... ساكنة اللسان... لقد تبخرت كل تلك القوى التي كنتُ أشحذها قبل دخولي له... لازال يرهبني .. لازال يخيفني للأسف ... حتى بعد مضي تلك السنين الطوال...

أما هو فقد كان يحدق بي بعينيه المتسعتين ... ولازالت الصدمة لم تفارقه ... ابتلع ريقه قبل أن يشرع بفتح فمه.. وأعلن لغة الكلام :- " س... سارة ... أمعقول ..؟!! أهذه أنتِ ؟؟!! "

بدأ خوفي يكتم على أنفاسي ... وقلبي ينبض بسرعة تضاهي سرعة الضوء... كان نفس ذلك الشعور الذي شعرة به تلك الليلة.. تلك الليلة السوداء ... كان الخوف أكبر من عزيمتي ... فآثرت التراجع قبل أن أبدأ القتال... فخطوت للخلف ... صورته حرقت ذلك الشريط القادم من الماضي المؤلم أوقفتني ... صورته وهو يقول لي وداعاً ورحل عن ناظري ... تلك الصورة فجرت مصدر آخر من القوة في داخلي ... جعل تلك الأنفاس المسلوبة ترجع لوتيرتها الطبيعية .. وذلك القلب النابض بالخوف ... بات ينبض بوقود الإصرار والعزيمة .. خطوتُ بثبات نحوه .. ووقفتُ أمامه .. ولم يفصل بيننا سوى الطاولة ... وهو ينظر إليه باستغراب ... لم أعره اهتماماً ... ونفذتُ قوتي في كلماتي .. قائلة:- " نعم .. أنا سارة ... جيد بأنك لا تزال تذكريني "

أنزل رأسه ناحية الأوراق التي في يده .. فوضعها جانبا ً ... ثم رفع عينيه نحوي .. تلك العينين اللتين تجسدان الشر بعينه...وقال وقد بدأ وجهه يتحرر من علامات الصدمة:- " ما الذي جاء بك ؟!! أهو الماضي...؟ أتريدين أن تفتحيه من جديد..؟ "

رددتُ عليه بسرعة .. وبصوت ثابت .. لم تأثر به ذكر سيرة الماضي :- " كلا ... أنا لم آتي لأتكلم عن الماضي .. ولا أريد أن أفتحه من جديد... فقد جاهدت لسنوات وسنوات .... لكي أنساه ... رغم أنه من الصعب أن ينسى... أنا جئتُ لكي أكلمك عن شخص .. قمتم بالقبض عليه ليلة البارحة .. يدعى سعيد سعد ..."

أخذ يتذكر ... ومن ثم قال:- " آآآآآآآآآآآه .... سعيد سعد .... ذلك الخائن ... لماذا تريدين أن تكلميني عنه...؟ ومن ثم من هو بالنسبة لكِ كي تحدثيني عنه ..؟ "
قالها بأسلوبه الساخر السخيف الذي كما يبدو لم يتركه ...

رغم ذلك الغضب الذي أنفجر كبركان ثائر في داخلي إلا أنني جاهدت بألا أخرجه له ... فأنا أعلم بأنه سوف يستمتع برؤيتي وأنا أموت من الغيظ .. فهذا غذاؤه.. وقلتُ له بهدوء أعصاب :- " هذا ليس من شأنك ... المهم هو بأن تطلق صراحة ... هو لم يأخذ إلا حقه .. الذي أنتم سلبتموه منه ... ومن غيره من الضعفاء "

ما إن أنهيت كلامي حتى انفجر ضاحكاً ... وأخذ يصفق ... ومن ثم جلس على الكرسي .. وضحكه الذي زاد من غضبي يصاحبه ..أسند رأسه على الكرسي ... توقف عن الضحك و قال بعد أن وصلت قمة الغضب عليه:- " جميل .. جميل حقا ما قلته .. ضعفاء ... أتسمين أولئك ضعفاء ...
( أبعد رأسه عن الكرسي ... ونظر إلي وابتسامة شيطانية على شفاهه .. وأكمل كلامه ) هؤلاء الذين تقولين عنهم ضعفاء كانوا سيتغدون بنا ويجعلونا عظاماً ويرمونا في الشارع بدون أن ترف لهم رمش ..."

في تلك اللحظة تحررت تلك الحمم البركانية من الحواجز التي كنت ابنيها لكي لا تخرج للملأ... دروعي لم تعد تقوى على كبتها أكثر... فتدفقت لتخرج له في لحظة فقدت فيها رباطة جأشي .. واستسلمتُ لحرقة الماضي ...وقلتُ له : - " كما فعلت بي ... أليس كذلك ... ؟!! أخذتني لحماً ..ورميتني عظاماً بدون أن يرف لك رمش ... أمنتك على كل شيء .. على قلبي وروحي ونفسي .. فماذا كان جزائي ؟ ... بأن دنستني ...

( بدأتُ أحس بحشود الدمع تريد أن تقفز من مقلتي وأنا أخرج كل ذلك الألم والوجع والحقد والكراهية التي تراكمت في صدري لأعوام وأعوام ) ولم يكفك بأنك قد لوثتني... بل تركتني ورحلت ... غير آبه بما سوف يحصل لي... جعلتني أواجه أهلي ... لوحدي ... كم شعرتُ بأني قذرة ... عندما علم أهلي بالذي جرى
( حضنتُ نفسي بيدي ... وأنا أشعر بالمراراة .. كأني أعيش تلك الذكرى من جديد ) لقد حكمت على سارة المرحة... الحالمة ... المحبة... بالموت .. بالموت ... وبالفعل ماتت .. وحلت محلها سارة متحجرة القلب ... القاسية .. التي لا ترى في هذا العالم إلا نفسها فقط ... ومن كانت الضحية .. بتول ...التي كلما رأيتها تذكرتك تذكرة خداعك.. وجرمك ... "
هنا لم أقو على الإكمال فحنجرتي باتت ترتجف أمام عصف البكاء الخانق ... وللأسف انهرت أمامه ... لم أرد أن أريه ضعفي ... لكني فعلتُ .... فعلتُ للأسف ... وانهرتُ باكية ... فجروح الماضي تفتقت من جديد ... ولا سيما ذكرى بتول التي لم تندمل بعد ...

لم أرد بأن أجعله يتمتع برؤية ضعفي أكثر... فهرعتُ خارجةً ... دائماً أفشل أمامه.. دائماً هو ينتصر عليه ...

لا أعلم كيف خطرت في عقلي هذه الفكرة الغبية ... وأنا أعلم بأني سوف لن أتغلب عليه ... لن أتغلب على هذا الكائن الجليدي ... الذي لا يعرف معنى المشاعر و الأحاسيس الإنسانية ...

| +* +* +* |




لقد توجسنا من رؤية الطبيب وهو يرافق عمي أبا أحمد... لكن تبدو على عمي والطبيب علامات تبشر بالخير... رغم وجود الحزن والألم في عينيه...

تقدمنا إليه جميعًا بمجرد أن ذهب الطبيب... بينما العم مصطفى جلس بتثاقل على الكرسي الذي في آخر الرواق...
سألته الخالة غيداء بلهفة...:"ما الأمر؟؟!. هل أحمد بخير؟!.."
صمت العم قليلاً قبل أن يجيب بشيء... فانهالت دموع خالتي غيداء دون أي رادع... وهي تسأل من جديد...:"هل أحمد بخير يا مصطفى؟!!. أرجوك أجبني..."

أخيراً أجاب... بعد أن أخذ نفساً قوياً... :"الحمد لله... لقد تعدى مرحلة الخطر... وهو الآن بصحة جيدة... تقريباً"

ماذا يعني تقريباً؟!!...

قفزت أختي ياسمين سائلة...:"ماذا يعني ذلك؟!!.."
نظر لها العم وهو يقول...:" آآآه... هناك احتمال كبير بأن يواجه أحمد صعوبة في تحريك يمناه..."
صاعقة ضربتنا جميعاً... أولنا الخالة غيداء التي تهاوت مستندة على الحائط الذي خلفها وهي تتمتم...:"إلهي لك الحمد والشكر..."

لازالت الخالة غيداء تحاول أن تظهر تماسكها... وتتحلى بالصبر والشجاعة... لولا دموعها الهاربة من مقلتيها... إلا أنها لم تكن كتلك السيدة التي صرخت ومزقت ثوبها مساء الأمس على فقد ابنتها... كان منظرها يقطع القلب... فابنتها قتلت بسبب الإرهابيين الذين اختطفوها في إحدى الشوارع...

النبأ لم يكن ساراً كما كنا نعتقد... بل كان مؤلماً جداً...
نظرت حولي لأرى الدموع تحيط بي...

فجأة صرخ بنا عمي مصطفى قائلاً:- " لا أريد أن أرى الحزن على وجوهكم ... يجب أن نحمد الله بأنه عاد لنا من الغيبوبة ... أما بخصوص يده .. ما الذي جرى .. ؟ لم يحصل شيء... هو أحمد نفسه ... اسمعوا جميعاً ..وأنتِ بالأخص يا أم أحمد ... ( ووضع يده على كتف خالتي غيداء المنهكة من البكاء وقال ) هذا هو نفسه .. لم يتغير .. والذي يقول عكس ذلك ... لا أريده بأن يدخل على أحمد .. ولا حتى أن يكلمه ... أسمعتم ... " قالها وهو ينقل بصره للواحد تلو الآخر ...

هززتُ رأسي بنعم ...

ومن ثم قال:- " أنا سوف أدخل إليه ... ومن يريد أن يدخل معي إليه .. لا أريده أن يذرف دمعة واحدة أمامه ... مفهوم "

لم أنتبه لما حصل بعد ذلك ... فخوفي عليها كان أقوى من كبرياء .... كان يجب بأن أطمأن عليها .. وأريح قلبي الذي أرهقني بندائه ... فأنا كنتُ متيقًا بأنها منهارة الآن.. فهي مرهفة الإحساس .. لا تتحمل .. بسرعة تنهار ... كيف الآن وقد عرفت بأن أخاها بات مشلول اليد ... بالتأكيد إنها ميتة من البكاء.. أخذتُ نفساً عميقاً مهيئاً نفسي لرؤيتها فأنا كنتٌ أتحاشى رؤيتها منذ عدنا أنا وكوثر.. التفتُ إلى الوراء حيث كانت واقفة .. فأحسستُ بأن روحي تخرج من جسدي .. وأنا أراها تبكي بحرقة .. وحيدة .. بلا صدر يحويها .. ويهدئها ... شيء في داخلي أخذ يسحبني نحوها ... وبقوة ... وبالفعل استسلمتُ له ... وبدأتُ أخطو نحوها ... لكن صفعتها لي لاحت أمام ناظري .. فوعيتُ لنفسي ... وتذكرت كبريائي الذي كدتُ أدوسه من جديد ... كم كان صعباً أن أقف مكتوف اليدين وأكتفي بتفرج .. وأنا أراها بهذه الحال التي تدمي قلبي .. لكن سوف يكون أكثر صعوبة أن أدوس على كبريائي مرة أخرى ... كبريائي الذي تعذب معي كثيراً فعذبني ... آآآآآآآآآآآآآه ما أوجع نداء القلب ... أنه يؤلم .. يؤلم ...

كان لا بد من أن أسكته ... فما كان مني إلا أن التفتتُ إلى يميني ... حيث تقف أختي كوثر ... التي وجدتها تنظر إلي ... فسألتها العون بعيني ... فاستجابت لسؤالي.. وهزت رأسها بنعم .. وذهبت إلى غدير .. وأحاطتها بذراعيها وضمتها إلى صدرها .. وأنا أنظر إليهما من بعيد...

| +* +* +* |



عشية ذلك اليوم الطويل المثقل بالأحزان .....

كنتُ لا أزال أعاتب نفسي على فعلي .. وفي نفس الوقت أشعر بخوف لا يخلو من حزن يغلف قلبي .... كم تمنيتُ بأن أخبر أحداً بما يحصل لي .. لعلي أرتاح .. وأجد حلا لمصابي ... لكني لم أستطع فما فيهم يكفيهم ... وبالتأكيد لا أستطيع أن أخبر وسامًا وحوراء ... فكيف أخبرهم بأن أباهم سوف يقتل ؟؟؟.. صعب .. صعب ...

رن هاتفي النقال ... قمتُ بتثاقل من الكرسي فالإنهاك من كثرة التفكير قد تفشى بجسدي .. وذهبتُ إلى الطاولة التي تبعد ثلاث خطوات عن المكان الذي كنتُ أجلس فيه ... أخذتُ الهاتف من على الطاولة ... رأيتُ الرقم .. لقد كان رقماً غريباً .. لم أره من قبل.. لهذا لم أرد عليه ... ضل الهاتف يرن ويرن .. حتى توقف ... عدتُ لأجلس على الكرسي .. فقدماي لم تعودا تقويا على حملي... علا صوتُ رسالة تنذر بوصولها لهاتفي... نظرتُ إلى هاتفي .. لأجد نفس الرقم الغريب على الشاشة ... قوستُ حاجبي إلى أعلى مستغربة .. فتحتُ الرسالة ... ووجدتُ التالي فيها:

( قابليني في أول الشارع المطل على منزلكم ...إذا كنتِ تريدين أن يعيش زوجك... سوف أكون بسيارة حمراء اللون ... يوسف .. )

فشهقتُ من الصدمة ....

| +* +* +* |



بالفعل كانت هناك سيارة حمراء اللون تقف في أول الشارع .. أنه هو ... لا يفصلني عن تلك السيارة إلا عشر خطواتِ فقط ...

كان الشارع خاويا من المارة ... والظلمة تبسط جناحها في أرجاء المكان ... أخذتُ أعي لفعلي المتهور شيئا فشيئاً .. حتى توقفت عن المشي ... وعقلي يصرخ بي... ( آيتها الحمقاء أتذهبين إليه برجليكِ كما فعلتِ في الماضي ... أتكررين خطأك مرة أخر...)

أخذ صوت نبض قلبي يصل إلى مسمعي من شدة نبضه... كنتُ خائفة .. بل مرعوبة ...فقلتُ في نفسي : ( إنه غدار... فعلها مرة .. والله يعلم ماذا سوف يفعل هذه المرة ...)

عزمتُ أمري ورجعتُ أدراجي ... لكن صوتُه الذي ناداني أوقفني عن المضي بعيداً عنه :- " سارة .. إلى أين أنتِ ذاهبة ..؟"

لم أعر لسؤاله بالا .. فعدت أكمل طريقي .. لكن بخطى أوسع من قبل ...

عاد يناديني :- " سارة .. توقفي .. سارة ..."

لكني واصلت المسير ..

تناهى إلى مسمعي صوت خطواتِ قادمة من جهته ... فقلتُ في داخلي: ( أيتبعني ... لااااا ) فأشتد خوفي ... فأسرعت في المسير ...

خطواته هو الآخر أخذت تتسارع ... وهو يناديني :- " توقفي سارة .. سارة .."



فتحتُ عيني أوسع ما يكون .. وأنا أسمع صوت خطواته قريبة مني ... فأسرعت الخطى غير منتبهة لما حولي .. ففكري كان محصورا به ... كان يجب أن أهرب منه ...

أصم أذني صوت بوق سيارة ... فنظرتُ ناحيتها فعشيّ ضوءها القوي عيني.. لقد كانت بمقربة مني ... توقف عقلي عن العمل في تلك الدقيقة ... لقد شعرتُ بقرب نهايتي ... إلا أن يداً طوقت معصمي .. وانتشلتني من الموت المحتم ... التطم رأسي بشيء صلب .. فتحتُ عيني اللتين أغلقتهما منتظرة نهايتي ... فوجدتُ نفسي في حضنه ...

فتحتٌ عيني على مصراعيهما من الصدمة ... ودفعتُ بجسدي بعيداً عنه ... إلا أن معصمي كان مقيداً بقبضة يده .. فسحبته بكل ما أوتيتُ من قوة لأحررها... وصرخت به قائلة:- " كيف تفعل هذا ؟!! أيها القذر "

فرد على صراخي بصراخ وقد كان عاقد الحاجبين:- " إذا لم أفعل هذا .. لكنتِ في عداد الموتى..."

نظرت إليه بنظرة تتقد بحطب الكراهية .. وقلتُ له:- " أفضل الموت على أن تلمسني.."

توقعتُ بأنه سوف يصرخ بي أو أنه سوف يرفع يده ويضربني ... لكني تفاجئت بصمته ... أغمض عينيه وأخذ يجذب الهواء لصدره ويخرجه بسرعة... أخذ يكرر هذا الفعل لدقيقة تقريباً ... وأنا أحدق به بتوجس ...

أخيراً فتح عينيه ... ورماني بتلك النظرة التي جعلت أوصالي تحتك ببعضها البعض... وقال بصوت أقل حده من قبل:- " أنا لم أطلب منك المجيء لمقابلتي لكي نتشاجر... أنا جئت لكي نتحدث .. نتحدث وبهدوء... لهذا تعالي لسيارتي ودعينا نتحدث "

ازدرتُ ريقي وأنا أعترف له بشكي:- " ما الذي يضمن لي بأنك لن تغدر بي .. كما .. كما فعلت من قبل؟ "

نظر إلي لبرهة ..ومن ثم أنزل عينيه للأرض وقال:- " أقسم لكِ بأني لن أؤذيك "

تبسمتُ ساخرة من قسمه وقلتُ له:- " تقسم ... أتظن بقسمك سوف أصدقك ؟ أنت إنسان مخادع .. مستعد أن تفعل أي شيء حتى تحصل على غايتك .. . حتى لو تطلب الأمر أن تقسم .."

رفع عينيه نحوي بسرعة... كانت عيناه تحملان غضباً عارما ً .. فأدركتُ بأني تماديتُ في كلامي معه ..

فعدت أزدرد ريقي ... وقلبي مقبوض من القادم ...

زفر زفرة قوية ... وقال وهو يوليني ظهره بنبرة صوت غلفها الضيق:- " كما تشائين .. لا تأتين ... وانتظري غداً خبر موت زوجكِ "

وذهب ناحية سيارته .....

أما أنا فشعرتُ كأن صاعقة التطمت بي ... وأنا أسمع كلمة الموت...

رميتُ بخوفي وكرهي وكل شيء جانباً .. وقلتُ له:- " حسنا يا يوسف فلنتحدث "

التفت نحوي فكشف عن ابتسامة نصر على محياه وهو يقول:- " لماذا لم تقولي هذا الكلام من قبل ؟ أكان يجب أن تفعلي هذا الفيلم ؟ "

طأطأت رأسي ... وأنا أشعر بالخزي .. لقد انتصر علي مرة أخرى ... ورضختُ له من جديد ...

قال:- " هيا .. فالوقت يمر .."


رفعتُ رأسي فوجدتهُ قد فتح الباب المجاور للسائق ... وعاد يقول لي:- " هيا يا سارة .. أغيرتِ رأيكِ ؟!! "

أخذتُ أمشي بخطى متثاقلة ... وعندما بتُ بالقرب من السيارة ... فتحتُ الباب الخلفي للسيارة .. وجلستُ على المقعد الخلفي منكسة الرأس .. وأغلقتُ الباب بتردد .. سمعته يقول:- " حسنا كما تشائين .." وتبع كلامه صوت الباب وهو يغلق ...

ثم ما لبث وأن عاد صوت الباب يفتح من جهة السائق ... ومن ثم صوته وهو يغلق ... رفعتُ عيني جزئياً لأراه يوجه المرآة المتواجدة في كبد شباك السيارة الأمامي ناحيتي ... ومن ثم قال:- " أسوف تظلين منكسة الرأس هكذا طوال حديثنا ..؟ ارفعيه ..فأنتِ تعلمين جداً بأني لا أحب أن أكلم أحداً وأنا لا أرى وجهه "

رفعتُ رأسي وقد وصلتُ حدي من الغضب الذي لم أعد أقدر على تحمله.. لهذا أردتُ أن ندخل في صلب الموضع وأنتهي من هذا اللقاء الذي يكتم على صدري:- " بماذا تريد أن تحدثني ؟"

أخذ ينظر إلي من خلال المرآة..وقال:-" كما قلتُ لك .. عن زوجك .."

فقلتُ له:- " كيف عرفت بأنه زوجي؟! "

أطلق ضحكة سخرية قبل أن يقول:- " أتظنين أن هذا الشيء سوف يصعب علي...؟!! "

ضحكت على نفسي أنا أيضاً.. فقلتُ له بسخرية :- " هذا صحيح .. كيف أنسى ؟ أنت يوسف الكل في الكل في البلاد .."

رفع عينيه من جديد ينظر إلي من تلك المرآة.. وقال:- " وأعلم أيضاً بأن لديكم بنت وولد ... حوراء .. ووسام "


لا أعلم كيف ابتسمتُ وأنا أقول له:- " كما يبدو بأنك لم تدع شيئاً لم تعرفه عني ؟ "

كان لا يزال مسلطا عينيه علي من خلال المرآة .. تلك العينان اللتين تشعر بأن الشر يتجسد بهما ...

ظل ينظر إلي .. بصمت ... وأنا أترقب منه أن يقول شيئاً بخصوص سعيد ... طال صبري ... وطال صمته ... ونظراته المصوبة ألي التي لم ترحني ...

قتلتُ الصمت بكلامي نافذ الصبر :- " أجعلتني أدخل السيارة لتنظر إلي فقط ... ؟!! "

تحررتُ أخيراً من عينيه ... وعاد صوته الكريه يغتصب طبلتي أذني :- " كلا ... سارة أنا أريد أن أتكلم معك بخصوص ... ( عاد للغة الصمت القاتل )

أردتُ بأن أنهي هذا العذاب الذي أعيشه .. فأنا منذ جلستُ في السيارة وأنا أشعر بأني أجلس على جمر ... فأردتُ أن أصرخ به قائلة :- ( لماذا لا تتكلم وتريحني ...) وبالفعل كنتُ قد فتحت فمي لأقول ما في قلبي ...

لكنه أكمل قائلاً بصوت أقرب منه إلى الهمس:- " أنا أريد أن أتكلم معكِ بخصوص بتول.. "

بذكر اسمها شعرتُ بأن قلبي توقف عن الخفقان ...

هذه المرة لم ينظر إلى انعكاسي على المرآة .. بل التفت إلى الخلف حيث كنتُ جالسة ... وقال:- " أهي .. أهي حقاً ابنتي ..؟!! "

شعرتُ بحرقة ....

بوجع ...

بألم ...

بأن الدنيا مظلمة ...

لم أعد آرى شيئاً من حولي ... سوى السواد ...

أغمضتُ عينيي ... فشعرت بشيء ساخن يفرز منهما...

عاد ليسألني:- " لماذا لا تجيبيني... أهي ابنتي ..؟ " كان نفاذ الصبر واضحا في نبرة صوته ...

لم أجبه ... وكما يبدو بأن صمتي قد أثار غضبه .. لهذا أمسك بمعصمي بقوة .. فتأوهت متألمة ... وهو يقول بغضب :- " أجيبيني .. أهي ابنتي..؟ "

لم أعد قادرة على تحمل الألم الصادر من معصمي الذي شعرتُ بأن عظامي سوف تتكسر من قبضته.. فقلتُ له وأنا أصرخ من الألم :- " نعم ابنتك .. للأسف هي ابنتك.. ابنتك.." وانهرتُ باكية ...

أطلق صراح يدي .. التي ما أن تركها حتى أحطتها بيدي الأخرى.. وأسكنتها صدري... لمحتُ الصدمة قد شلت وجهه ... عاد ينظر إلى الأمام ...

رجع الصمت يسكن المكان ...

وعادت الكلمات تقتله.. لكن هذه المرة منه:- " لماذا لم تخبريني..؟!!"

نظرتُ إليه مستغربة من سؤاله .. وبصوتي الذي لم يخلُ من نبرة البكاء:- " أتسألني ... ؟!! .. أنا التي يجب أن أسألك أين هربت .. أين ذهبت بعد تلك الليلة ... ومن ثم أكنت سوف تساعدني إذا علمت بحملي ...؟ ( هززتُ رأسي بلا وأنا أقول ) لا ... بالتأكيد لا "

لم أتمكن من أن أرى تعابير وجهه ... فقط كان مولياً ظهره لي.. ومنكس الرأس على غير عادته ...

قال:- " لماذا إذا هي تحمل اسم ابن عمك .. الذي كان سوف يتزوجكِ ؟؟!! "

قهرني أسلوبه في الحديث .. كأنه يقول لي بأني كاذبة ... فرددتٌ عليه بصوت وقوده الغضب:- " أتحقق معي ..؟ "

بتر حديثي وهو يزجر بي وقد هوى بيده على مقود السيارة:- " أجيبي على سؤالي فقط ..."

من وراء فوج الدمع المتراكم في مقلتي .. حدقت به مذهولة ... وعاد الخوف يحيط بي من كل جانب...

التفت إلي .. وقد ارتخى وجهه .. وقال:- " أنا آسف .. لم أقصد أن أصرخ في وجهكِ .. أنا أريد فقط أن أعرف.. فأرجوك أجيبيني .. ولا تثيري غضبي .. أرجوكِ .. لأني إذا غضبت لا أعلم ماذا سوف أفعل .. "

التفتُ نحو شباك السيارة المجاور لي ... هربا من وجهه الذي لم أعد أطيق النظر إليه... وأخذتُ أغرس أظافري بساقي .. لعلي أمتص غضبي الجارف ...

وقلتُ له بنبرة صوت مناقضة لما في داخلي:- " أخي أخبره.. لم يرد بأن يتزوج بفتاة لم تعد طاهرة... المسكين صدم بما سمع ... لقد كان يحبني كثيراً... كان هذا الخبر كالصاعقة بالنسبة له .... توقعتُ بأنه سوف يغضب علي.. سوف يفضحني .. لكن بالعكس ... كظم غضبه.. وقرر بأن يكمل بإجراءات الزواج ... تزوجنا .. وليتنا لم نفعل .. فقط كان بالكاد ينظر إلي.. وإذا فعل رأيت ُ الاشمئزاز في عينيه.. كنا كلانا نتعذب في هذه الزيجة ... لهذا عقدت العزم بأن أطلب منه الطلاق وننهي عذابنا ... وبالفعل فعلت .. لكنه رفض ... أصررت عليه.. حتى وافق في النهاية ... وقال بأنه سوف يطلقني عندما أنجب ... وبالفعل في اليوم الثاني من ولادتي طلقني بعد أن كتب بتول باسمه ... ومن ثم رحل إلى الخارج ولم يعد ... ولم نسمع عنه شيئًا من حينها ..."

فتح أوراق الماضي لم تكن سهلة لدي.. شعرتُ بأن كل أوجاع الماضي تصيبني مرة واحدة في تلك اللحظة...

فانغمستُ أكثر في البكاء المرير الذي لم أملك غيره ...

استمر في تعذيبي بأسئلته التي تفتح علي أبواب جاهدتُ في سبيل إغلاقها طوال تلك السنين:- " أين هي الآن ؟ "

عند هذا السؤال لم أقدر على كبت غضبي أكثر من ذلك ... فانفجرت في وجهه غير أبهة بالعواقب :- " يا لـوقاحتك .. أتسألني عن مكانها ... ؟؟ ألا تعلم بأنك قد قتلتها ...قتلتموها أنتم القتلة... بقنابلكم... وجعلتها رماداً ... وهي لا تزال طفلة صغيرة ..."

كم أردتُ بأن أخنقه حينها ...أبرد ولو جزء صغير من غضبي ...

أشاح بوجهه بسرعة البرق عني ...

ومن ثم قال لي:- " أخرجي .."

ظننتُ بأني لم أسمعه جيداً .. فسألته لأتأكد:- " ماذا قلت؟ "

فرد علي صارخاً :- " قلتُ لكِ أخرجي من السيارة وفوراً "

كنتُ في معمعة الصدمة وأنا أسأله :- " وسعيد .. ما الذي سوف تفعل به ..؟"

ألقى علي نظرة جمدت الدماء في عروقي .. وقال بغضب يعصف بصوته:- " قلتُ لك أخرجي الآن ... وإلا سوف تندمين ..."

فتحتُ الباب وجسدي قد بدأ يرتعش ليس من الخوف .. بل من الغضب الذي سرى في جميع أرجاء جسدي .. وخرجت .. لكن كان لا بد من أن أخرج ما في قلبي نحوه من كره :- " أيها المخادع .. كنتُ أعلم بأنك سوف تخدعني كعادتك ... كم أتمنى بأن تموت بأبشع صورة كما فعلت ببتول ... أيها القاتل .. الخسيس المجرم ..."

وأغلقتُ الباب بأكل ما أوتيتُ من قوة ... لينطلق هو من فوره كالصاروخ بالسيارة ...

| +* +* +* |




دخلت علي غدير وهي حاملة علي الصغير الذي لازال يبكي لكني لم أكترث ببكائه... كنتُ منهمكة في غسل الأطباق ساعتها... سألتني غدير وقد بدا عليها القلق:- " ماذا به علي ...؟!! لماذا يبكي ؟!! "

عدتُ لإكمال ما بدأت من غسل الأطباق ...رددتُ عليها بهدوء أعصاب:- " أنه يريد بأن أجعله يأكل كعكة الشوكولاته .."

فسألتني وقد بان في صوتها نبرة التعجب:- " ولماذا لا تجعلينه يأكل القليل منها ؟!!"

عاودتُ النظر إليها .. وقلتُ لها:- " لأنه أنهى عشاءه منذ قليل... وإذا جعلته يأكل الكعكة سوف يصيبه مغص... وأيضاً أنا لا أريد أن يتعود على هذا الأمر ..."


كان علي منهمك ببكائه .. حين نظرت إليه غدير بعطف ... ومن ثم صوبت عينيها علي.. وقالت والرجاء يكسو وجهها:- " أرجوكِ من أجلي دعيه هذه المرة يأكل الكعكة.. أرجوك ِ ..فأنا لا أتحمل رؤيته وهو يبكي ... أرجوكِ من أجلي ..."

أغلقت عليّ جميع أبواب التملص من طلبها للأسف .... فقلتُ لها :- " حسنا.. هذه المرة فقط..." وصوبت إصبعيّ السبابة ناحية علي .. الذي تهلل وجهه بالفرح وكذلك غدير التي عانقت شفتيها ابتسامة بعد هجر طويل .. هز علي رأسه بنعم ... ابتسمت أنا الأخرى ... وذهبتُ ناحية الثلاجة ... تناولتُ طبقاً في الطاولة المجاورة للثلاجة ... وفتحتُ الثلاجة .. وقطعت قطعة صغيرة من الكعكة ... فأنا لازلتُ لا أريد أن يتناول الكثير منها حتى لا يتعب ... كانت غدير قد جعلته يجلس وراء الطاولة التي تتوسط المطبخ ... فوضعتُ الطبق أمامه ... وعدتُ أعطيه قائمة من الأوامر :- " أسمع يا علي .. إياك أن توسخ نفسك أو المكان .. وإلا سوف آخذ الكعكة منك... "

هز رأسه بنعم ... وهجم على الكعكة وشكله يدل بأنه يطير من الفرح ... قاطعته عن أكله وأنا أقول موجهة الكلام له:- " لقد نسيت أن تشكر الخالة غدير.. فلولاها لما وافقتُ ..."
رفع رأسه إلى أعلى حيث تقف غدير بجواره.. وقال لها :- " شكرا لك خالة غدير..."

زادت من حجم ابتسامتها وهي تقول له:- " لا شكر على واجب يا حبي .."

وانحنت نحوه.. وطبعت قبلة على جبينه ...

عدتُ لإكمال مهمتي الموكلة لي .. تبعتني غدير .. وقالت:- " أتريدين بأن أساعدكِ ؟ "

نظرتُ إلى يساري حيثُ كانت تقف ..وقلتُ لها:- " لا شكراً .. فهذا آخر طبق ..."

ورفعت يدي حاملة الطبق ... ومن ثم أعدته إلى تحت صنبور الماء المنسكب... في حين أنها عادت تنظر إلى علي المتلذذ بالكعك مبتسمةً... نظرتُ إليها ثم نحو علي ..وقلت لها مازحة :- " سوف تفسدين علي بدلالك ... متى سوف تنجبين طفلا .. وتجعليني أربي ابني على راحتي...؟ "

أحنت رأسها للأسفل .. وقد بدأت ابتسامتها بالانكماش ... ومن ثم قالت:- " أنتِ تعلمين بأن هذا الأمر صعب "

استغربتُ من كلامها ... واحترتُ في معناه ... فسألتها مستفسرةً:- " لماذا الأمر صعب؟!! فأنتِ وعلي لا تشكوان من شيء يمنعكما من الإنجاب ..."

رفعت رأسها بسرعة .. وأطلقت علي نظرة زادت من حيرتي ... ومن ثم عادت لسابق وضعها ... وهي تقول:- " كوثر ... أنتِ لا تفهمين شيئاً "

استفزني كلامها ... وعادت لي صورة أخي ودموعه الغالية تنسكب من عينيه الحزينة بسببها ... كانت الفرصة مواتية لي لفتح الموضوع ... لأنهي عذاب أخي ... وإجبار غدير للاستيقاظ من الحلم الذي تعيشه .. كانت فرصة لا تعوض .. فاستغليتها .. فوضعتُ الطبق المبلل على الطاولة .. والتفت نحوها بكامل جسدي ... وأخرجتُ ما في صدري لها دون قيود :- " بالعكس يا غدير .. جميعنا مدركون ما يحصل ... لكن أنتِ التي ترفضين أن تصحي للواقع ... وتدركي بأن الذي تفعلينه غباء ..."

رفعت رأسها ... ونظرت إلي بعينيها اللتين تعكسان الذهول ....

لم تقل شيئاً .. ضلت تحدق بي وقد رسمت الدهشة تضاريسها على وجهها...

فأكملتُ كلامي الذي لم أفرغ منه بعد :- " نعم .. نعم يا غدير .. أنتِ لا تقدرين الكنز الذي تملكينه .. علي كنز قلما نجده هذه الأيام ... لو كان شخصاً آخر غير علي .. لما تحمل العيش معك يوماً واحداً .. لكن علي ضل صامداً طوال تلك السنين .. وهو يراك تحبين شبحاً يدعى حسن ...ولم يقل شيئاً لك .. بل ظل صامتاً .. يكتم حزنه في صدره .... وأنا خائفة بأن يأتي يوم لا يستطيع أن يكتمه أكثر... حينها الله وحده يعلم ماذا سوف يحصل..."

هربت بوجهها بعيداً عني ..وأخذت بصعوبة تتنفس ... وصرخت بي :- " توقفي ... لا أريد أن أسمع شيئاً .."

فرددتُ عليها بطبقة أعلى من صوتها:- " كلا سوف تسمعين كلامي كله .. حتى تعودي لرشدك ... حسن قد مات .. مات .. مات "

أغمضت عينيها وأخذت تعصرهما ... وعلا صوت صرير احتكاك أسنانها ... وأنفاسها بالكاد تلتقطها ... خفتُ عليها وأنا أراها في هذا الوضع .. لكنه كان لا بد أن أصفعها بالحقيقة لعلها تعود لنا غدير التي نعرفها ...

فكررت جملتي الأخيرة فهي طريقها إلى العودة :- " حسن قد مات .. أتفهمين يا غدير ..مات.. مات ..."

دوت صرختها في أرجاء المكان .... :- " لااااااااااااااااااا "

واندفعت هاربة .. إلا أنني أمسكت بيدها مانعة إياها من الهرب ... نظرت إلي بعينين تشتعلان غضباً ... وقالت لي بصوت ثائر :- " اتركيني .. اتركيني ..."

وسحبت يدها بقوة من بين قبضة يدي ... فحررتها ... وهرولت بعيداً عني ... لكني لم أتوقف عن الصراخ قائلة:- " أنه مات ..حسن مات .. مات فاستيقظي ... استيقظي .."

توقفتُ عن الصراخ عندما اختفت عن ناظري ... شعرتُ في تلك اللحظة بأني شريرة ... بلا قلب ... لكن للأسف لم أجد سوى هذه الطريقة .. وكم أتمنى بأن تنجح ... كم أتمنى ذلك ...

دخل إذني صوت علي الصغير المرعوب ..وهو يسأل:- " أمي لماذا أنتِ وخالتي غدير تتشاجران...؟!!"

نظرتُ نحوه .. فرأيتُ الخوف يسيطر عليه ... ذهبتُ إليه .. وضممته إلى صدري وأنا أقول له مطمأنة:- " لا تخف يا عزيزي إنه شجار بسيط وقد انتهي .. فلا تخف ... فأنا وخالتك غدير سوف نعود لسابق عهدنا .. فلا تخف حبي ...لا تخف "

| +* +* +* |



غضب المحب ...

في حوالي الساعة التاسعة ليلاً...

فتحتُ باب الغرفة .. ثم صفقته بقوة لأغلقه ... كان جسدي يرتعش من شدة الغضب الذي تملكني ... لم أكن أرى ما يوجد أمامي .. فدخان نيران الغضب أعمت بصيرتي ... كان يجب بأن أفجر هذا الغضب في شيء... لهذا أخذتُ أحطم كل شيء يقع تحت يدي ... لم يسلم لا صور ولا مجسمات .. ولا مصابيح من إعصار غضبي الجارف...

أمسكتُ بغطاء سرير ..وأنا في نيتي بأن ألقيه إلى الأرض .... لكن ذلك الخاتم الذي يحيط بأصبعي في يدي اليسرى استوقفني ... لقد قيدني هذا الخاتم لعام كامل وأكثر.. بذلك الشخص الذي يريد أن يحتل مكان حسن ... قلتُ في نفسي الثائرة بالغضب :- ( نعم أنت السبب .. أنت الذي تريد بأن تنسيني حسن ... لن أسمح لك .. لن أسمح لك )

فاندفعتُ ناحية الباب .. الذي فتحته بقوة .. لدرجة أن صوت ارتطامه بالجدار تردد في كل أرجاء المنزل ... وركضتُ ناحية غرفته وأنا في قمة غضبي... خلعت قيدي من أصبعي ... وفتحتُ باب غرفته ... لأجده جالساً على سريره وفي يده كتاب... قوس حاجبيه للأعلى وهو ينظر إلي بتعجب...بخطى واسعة اقتربتُ من سريره...
وما أن بتُ أمامه .. ألقيت بالخاتم على وجهه ... وفجرتُ تلك الحمم البركانية التي تسري في عروقي عليه :- " هذا خاتمك .. لم أعد أريد العيش معك ... فأنا أكرهك .. أكرهك.. لن تحتل مكان حسن .. لن أسمح لك أبداً " قلتها وأنا أضرب بقبضة يدي على قلبي ...

لم أدع له المجال لكي يرد علي... فقد أعطيته ظهري ورحلت عنه نحو غرفتي .... ما إن وصلتُ إلى الغرفة.. حتى هويت على سريري العاري .. وأطلقتُ العنان لدموعي ...

لم يعلو ألا صوت بكاء في الغرفة .... ظل هو المسيطر حتى دخل هو كالموج الهائج:- " تكرهينني ... تكرهينني ..."

التفتُ إلى جهته.. كان وجهه أحمر اللون ... وأنفاسه ينفثها كثور هائج ... شعرتُ بالخوف عندما رأيته بهذا الحال ...أغلق الباب ورائه الذي كاد يتحطم من قوة دفعته .. ثم تقدم نحوي... وأنا أتراجع إلى الخلف متسعة العينين.. حتى ارتطمتُ برأس السرير ... جلس أمامي مباشرة ... لدرجة أن أنفاسه الحارقة كادت تحرق وجهي من سخونتها...

أكمل صراخه علي بصوت هز أوصالي ...:- " أهذا جزائي لأني أحببتك .. لأني صبرت على صدك ... لأني أفضل الموت على أن أرى دمعة تخرج من عينيك ... أهكذا تجازينني بالكره ... بتمسكك بحب شخص مات ... مات ولن يعود للحياة "

رفعت يدي .. وصفعته بكل ما أوتيت من قوة .... فلم أقدر على تحمل قوله بأن حسن قد مات...

هدأ هيجانه ... وهو ينظر إلى يمينه حيث أسكنته صفعتي ... أما أنا فقط كنتُ أنظر إليه بشيء من الخوف...

حرك رأسه موجها إياه نحوي ... ثم ضيق الخناق على عينيه ... وهو ينظر إلي بنظرة لم أرتح لها ...
أنزلت كفي عندها... وأنا أحاول أن أتكلم... لأبني صرحاً يحميني... من هيجان ذلك الوحش المتلبس خلف علي...
ارتخت عيناه فجأة... ليمعن النظر في وجهي... وتقاسيمه... كانت نظرته غريبة... أغرب من نظرات الغضب... بل كانت تخيفني أكثر من نضرت الغضب التي كانت ترتسم في عيناه... سألته بتردد...:"ماذا... ...؟ ماذا بك؟!."
لم يجبني... لم تصدر منه أي حركة تذكر... سوى أنه أحكم شباكه عليّ... سيطر على جميع حواسي...
في تلك اللحظة حاولت النهوض قبل أن يتحرك ويقدم على فعل أي شيء... بمجرد أن زحزحت قدمي ناحية الأرض... حتى أمسك بي وهو يصرخ بوجهي... :"لم أطلب منك الرحيل"...

جلست بمكاني... والغضب يتملكني... نزعت نفسي من بين يديه... لأجري ناحية الباب... لكنه كان أسرع مني لينقض علي كأسد جائع.. لم أتمكن من ردعه فقد سلط كل شباكه عليّ... وأدار جسدي ناحيته... ليحبسني بين الباب وجسده...

رغم محاولاتي للابتعاد عنه... إلا أنه كان أقوى مني... وكان أسداً لم تجدي صرخاتي المستنجدة بمن في البيت ليساعدني...

| +* +* +* |



كنت جالساً بطرف السرير... أنظر إلى تلك العينين اللتين طالما سيطرتا على عقلي وروحي... تلك العينين الخائفتين...
كنت غاضباً من تصرفاتها... ولم تعد أعصابي ملكاً لي... بل كنت بكاملي ملكاً للوحش الذي سكنني...
خاصة بعد صفعتها تلك...
كنت أريد منها أن تعلم من أنا... وماذا أكون بالنسبة لها...

كانت تعرف بأنني لن أتراجع عن أي شيء أريد فعله... فحينما قفزت هاربة ناحية الباب... أسرعت خلفها... لأنقض على جسدها الرشيق... وأحبسها بين الباب وجسدي الضخم... دنوت منها رويداً رويدا...
لم أكن في يومٍ ما أتمنى حصول ذلك... بتلك الطريقة الهمجية... فقد كنت أريد أن أوجه مشاعرها تجاهي أنا... وأن أطبخ تلك المشاعر بهدوء وروية...

لكن الوحش سيطر عليّ بالكامل... سيطر على جميع حواسي... وفكرة أنها زوجتي أمام الله... جعلت يمناي تزحف ناحية قفل الباب لتقفله بإحكام... وليزحف جسدي ناحية جسدها... ولأخمد النار التي اشتعلت بجسدي... حالما سمعت صوتها وهي تطلب المساعدة ممن يسمعها... فكتمت صرختها بشفتيه اللتين لامستا شفتيها لأول مرة...


قاربت الساعة لدخول الفجر...
عندما كان ذلك الوحش يغادرني... لكن بعد ماذا؟!!.. بعد أن وقع الفأس بالرأس... استحقرتُ نفسي في تلك اللحظة... لم أستطع حتى النظر إليها من شدة نكراني لفعلتي ... والذي زاد من عذابي صوت نحيبها ...

ازدردتُ ريقي بصعوبة.. وأنا أرغم تلك الكلمات للخروج من حنجرتي ... :- " أنا ..أنا آسـ..."

بترت جملتي بكلماتها النارية ... التي حرقت قلبي :- " اصمتُ . اصمتُ .. إياك أن تتكلم .... أيها المجرم ... مجرم .. كم أكرهك .. كم أتمنى أن تموت .. أن تموت .. تموت ..."

وعلا صوت نحيبها من جديد ...

كلماتها تلك جعلتني أكره نفسي أكثر من قبل ...كم تمنيتُ ساعتها بأن تنشق الأرض وتبلعني قبل أن أسمع منها هذا الكلام ...

أمسكتُ بطرف السرير وكدتُ أهشمه بقبضتي التي ركزتُ فيها جل غضبي من نفسي ...

عادت تضربني بسياط كلماتها من بين شهقات بكائها :- " اغرب عن وجهي ...أنا لم أعد أطيق رؤيتك .. اغرب .. اغرب .. اذهب .. لم أعد أريد رؤية وجهك الكريه .. ارحل .. ارحل ..."

كانت هذه الضربة القاضية التي أردتني قتيلاً ... ماتت روحي التي كانت تتغذى على حبها ... فبت جسداً خاويا ...انصاع لأمرها .. ورحل بدون هداية .. ولا جهة معينة ... حقاً كنتُ ضائعاً بدون روحي ... بدون غدير...

مات حبي رغم وجوده...

| +* +* +* |



|+*| قلـم || هوب لايت |*+|

|+*| التدقيق النحوي || معلم لغة عربية |*+|

 
 

 

عرض البوم صور HOPE LIGHT  
قديم 02-10-10, 12:05 AM   المشاركة رقم: 89
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 55383
المشاركات: 562
الجنس أنثى
معدل التقييم: HOPE LIGHT عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 14

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
HOPE LIGHT غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : HOPE LIGHT المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

في أنتظار إطلالتكم :)

 
 

 

عرض البوم صور HOPE LIGHT  
قديم 03-10-10, 11:32 PM   المشاركة رقم: 90
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2007
العضوية: 58888
المشاركات: 138
الجنس أنثى
معدل التقييم: lenaaa عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 39

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
lenaaa غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : HOPE LIGHT المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الله يعطيك ربي الف عافيه


مبدعه ماقدر اقول شيء
ماعندي شيء اقوله ليصف ابداعك

بس اتمنى ترجع الذاكره لبيتول
خالد معقوله بداء الحب يدخل قلبه

يوسف معقوله بيكون له صحوه ولا ماضنتي


بنتظارك

 
 

 

عرض البوم صور lenaaa  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ملحمة عشق مبتورة, بتول واحمد, تفرعت جدورها من بين انامل الرقيقة هوب لايت, والعذبة شجرة الكرز
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 06:16 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية