كاتب الموضوع :
HOPE LIGHT
المنتدى :
الارشيف
|+*| الورقة العاشرة من غصن الحرية |*+|
أين هي؟!. ...
تحولت الحياة... وتغيرت كثيراً...
أصبحنا أناسٌ آخرون... ونتحدث بحروف أخرى جديدة... فنحن تغيرنا كما تغيرت الحياة...
و بدأوا يفقدون ذاكرتهم شيئاً فشيئاً... ولا يسألون عن الماضي المؤلم الذي مررنا به... ولم تعد عندهم حكايا سوى التعايش مع الحرب...
لم يعد السؤال عن مكانها هو الأهم!.. بل إنهم يؤمنون بأنها قد ماتت... ولن تعود...
لم يعد الحديث عنها سوى بـ "كان وأخواتها"!.. فهم قد زينوا قبراً خاوياً باسمها...
والسؤال الأهم عندي أين هي؟!.
وطريقي للجواب... أن أقف أمام الإرهابيين!..
لكني أعود للتساؤل مرةً أخرى... أين أجد لها أثر؟!. وفي أي مكان أستطيع العثور عليها؟!.
خرجت من عالمي... لأدخل في عالمهم... الذي لازال على حاله منذ سنين عدة...
_:"الأحوال كما هي... يقوم المجاهدون في المقاومة... بعضهم لازال يعذب وبعضهم قد استشهد..."
وأكمل أبي على حديث العم... :"ليعينهم الله... ويمدهم بالقوة... لنأخذ استقلالنا من هؤلاء الكفرة..."
فقلت بصوت مخنوق... كفرد منهم...:"أين ستكون حملتنا القادمة؟!."
_:"وأين تعتقد يابني؟!."
عقدت جابايّ وأنا أفكر... :"لا أدري يا عم... لكن أعتقد أننا سنتواجه معهم عند مركزهم في المنطقة المجاورة... فهناك عددهم يتراوح بين المئتين والثلاث مئة... "
ضحك عليّ قبل أن يقول... :" تفكير داهية!.. لكن أتعلم بأننا نخطط لنهضة أكبر من هذه..."
فسأل ياسين مستفسراً... فقد أصبح رجلاً يعتمد عليه...:" وأين ستكون ياترى؟!."
_:"انتهينا من أحمد و"الأين" التي تدور على لسانه... وجئت لنا أنت؟!."
ضحك ياسين وقال...:"كيف تريدني أن أسألك عن ظرف المكان؟!. بـمتى... أو كيف؟!!.."
لكن عليّ أجاب على السؤال الذي طرح أولاً...:" في مدرسة وادي الحرية... فهناك يكون زعيم الإرهابيين... يملك عقلاً إرهابياً من الفئة الأولى..."
نظرت إليه بتعجب... محملقاً فيه طويلاً... قبل أن أنطق...:"ماذا؟!.. أين قلت؟!."
دخلت ياسمين وهي تبتسم قائلة...:" العشاء جاهز... "
فسألها عليّ قبل أن تهم بالمغادرة...:"وماهي قائمة العشاء؟!."
تقدمت خطوتين وهي تعدد الأطباق... :"صنعت خالتي غيداء صحناً من كرات اللحم بالفرن!.. وكوثر قد أعدت طبق السلطة اللذيذة!.. أما أنا وريم فقد أعددنا لكم الحلويات الخفيفة..."
كنا قد نهضنا جميعاً نهم بالخروج من الصالة... حين قال أبي وهو يخاطب ياسمين... :"سلمت لنا هذه الأنامل الرائعة... وأسأل الله أن يبعث لك زوجاً يستحقك..."
وقبل أن يكمل طريقه نظر إليّ نظرةً ذات مغزى... فهو لم يكف عن مفاتحتي بموضوع الزواج من إحدى اثنتين... وكذلك عليّ الذي يأس الجميع من إقناعه بالزواج وهو قد دخل الخامسة والثلاثين من عمره ولكنه أخيراً اقتنع قبل ما يزيد عن السنة... والمفاجأة كانت لنا جميعاً...
| +* +* +* +* |
إلى متى؟!. ...
رأيت عجلة الحياة تدور أمام عينيّ... ولكن لم أرَ الأحوال تنقلب رأساً على عقب!...
سمعت كلمة " ستفرج بإذن الله " كثيراً... ولكن مرت السنون ولم يأذن الله بالفرج!..
جاهدنا... وساعدنا... وثبتنا... ولازالت الأمور كما هي!..
غضبنا... وبكينا... ونزفنا... و الحال كما الحال!..
إلى متى سنبقى هكذا؟!. إلى متى سنبقى سجناء الإرهاب؟!.
و إلى متى سأبقى أنا حبيسة الذاكرة الممسوحة تماماً؟!.
إلا من خربشات... وطرطشات...
وجوهٌ بلا ملامح... أصواتٌ دون أسماء... وأرواحٌ دون أجساد...
_:"فيما تفكرين؟!."
قطع عليّ تفكيري صوت حنين وهي تدخل غرفتنا المشتركة في المخبأ الجديد الذي انتقلنا إليه منذ سنين خلت...
فالتفت إليها وأنا أحاول الابتسام... وقلت...:"لاشيء!.."
جلست على سريرها الأرضي كما هي حال أسرتنا جميعاً... فهذه الشقة التي نقطن فيها صغيرة جداً... وتفي بالغرض المراد منها...
_:"كيف ذلك؟!. منذ دقائق وأنا واقفة عند الباب أنظر إليك... وأنت تمعنين النظر في الخارج دون أن تشعري بي!.. فما الآمر؟!."
تنهدت... وأنا أشعر بألم شديد في رأسي... فقد مللت فقداني للذاكرة... ثم قلت...:"لا أدري ياحنين؟!.. فأنا أعيش معكم منذ عشر سنين... وربما أكثر... ولا أذكر شيئاً قبل العشر سنين!... لاأذكر سوى الانفجارات التي غيرت حياتنا... وربما هي من غيرت حياتي... وقلبتها رأساً على عقب... أحياناً أتمنى لو أستيقظ في الصباح فأرى نفسي وسط ذكريات كاملة وغير ناقصة... وأحياناً كثيرة أتمنى لو تنتهي الحرب لأتفرغ للذكريات..."
بابتسامة على وجهها قالت...:"ستفرج!..."
رفعت إحدى حاجبيّ باستنكار... :"إلى متى سأسمع كلمة ستفرج؟!."
ابتسمت ومن ثم قالت...:" ألا تتذكرين شيئاً؟!."
_:"للأسف لاشيء!... سوى خربشات ناقصة..."
رأيتها تمعن النظر في النافذة وكأنها تفكر في شيء ما... فسألتها مباشرة... :"فيما تفكرين؟!. ألا أجد عندك شيئاً غير القلب الذهبي يذكرني بماضيّ؟!."
التفتت إليّ وأجابت بعد تردد دام دقائق... :"لا!... وماذا عن خالد ألم يخبرك بشيء؟!."
_:"خالد!... خالد شخص عجيب... كلما حكى لي حكاية ما أشعر بأنني أسمعها لأول مرة... بعد أن كنت آخشاه أصبحت ءألفه... أشعر بأنه أخي لكن لا أذكر شيئاً يربطني به..."
لجأت للصمت قليلاً... ثم أكملت... :"وأخبرني عن الحريق الذي نشب في منزلنا... وعن أيامنا التي قضيناها معاً فيه... لكن!... دون جدوى..."
_:"شيءٌ طبيعي!.."
نظرت إليها متعجبة... :"ماذا؟!. شيءٌ طبيعي؟!. لماذا؟!."
تبعثرت الحروف في فمها وهي تجيب... :"لـ... لأن... لأنك... لأنك... لأنك أصبت بحادث ترك صدمة قوية على ذاكرتك..."
هززت رأسي وأنا أفكر... وأفكر... في القلب الذي أضمه إلى صدري... فأنا أشعر بأن فيه سرٌ كبير...
رغم أننا جميعاً مشتتين الأفكار... فنحن نبحث عن طريقة ما... تعيد لنا عبدالرحمن من الأسر... بعد أن استشهد محمود في تلك المداهمة... وعمر الذي اختفى فجأة لانعلم له مكان أو خبر... أما عمار فقد أصيب وهو بصحة جيدة لولا قدمه اليسرى التي أصيبت وبترت!..
ويبقى خالد!... الذي فقد وعيه من جراء النزيف بعد المداهمة... ولكن بفضل الله ثم حنين عادت صحته جيدة وأكثر... والآن هو الوحيد الذي يستطيع التحرك هنا وهناك بسهولة...
ونحن الفتيات نقوم بما يمكننا القيام به... وأكثرنا جرأة وقوة حنين!... تلك البطلة الشجاعة التي لولاها ... لكنى نحن الفتيات في خبر " كان "... فقد كانت روح عبدالرحمن كما يسميها عمار!... ذلك الفتى عزيمته لم تقل أبداً رغم فقده لساقه... بل كان يمدنا بكلماتٍ تثبتنا على ما نحن عليه... وتمدنا بالعزيمة والاصرار...
| +* +* +* +* |
ما الذي يحدث؟!.
لا أدري ما الذي حصل؟!.
ولا أدري ماذا حدث لي ولعائلتي؟!.
إنني أعيش في متاهة كبيرة منذ سنين!.. كنت في البداية أصرخ!... وأرفض الطعام أو الشراب!...
حتى رضخت لكل ما يطلب مني بالحرف الواحد... أصبحت كالآلة... أنفذ ما يطلب مني دون أن أي مقابل... أو أي سؤال...
لولا أن عقلي وقلبي يرفضان الكثير... ويسألان عن الكثير...
كل ما أعرفه أن أمي وأخي حبيب قد ماتا في حريق نشب في منزلنا أمام عينيّ... وكان سبب ذلك الحريق عدة رجال يكسوهم السواد...
وبعدها فقدت وعيّ... ولم أشعر بنفسي إلا وأنا في هذا القصر... حيث تركت الجنوب لأكون في مركز البلد... الذي بدأت فيه الحرب... و تفشى الإرهاب فيها...
لكن حينما التقيت بالمدعو جمال!... أخبرني بأنه أنقذني من يد الإرهابيين الذين أحرقوا منزلنا... ذلك لأنه مدينٌ لأخي خالد... حيث أن أخي كان صديقاً لابنه الذي استشهد أثناء الهجوم... أما أخي فقد أوصاه برساله سريعة أن يهتم لأموري وأمور عائلتي... لكن الإرهابيين سبقوه... وقتلوا أهلي!..
ولا أذكر سوى أنهم قاموا بترويضي بشكل رائع... لأنني رفضت فكرة موت أمي وحبيب... لكن ما باليد حيلة؟!.. فهذه إرادة الخالق عز وجل...
فما الذي يحدث من حولي؟!. لا أدري!...
ولا أدري من هو صديقي ومن هو عدوي؟!. ...
وذلك الضخم... أكرم!!.
لازال يعدني بأنه سيأتي لي بالأخبار الموثوقة...
ولم يأتنِ بشيء حتى الآن!...
نزلت من غرفتي إلى قاعة الطعام... لكني لم أجد فيها أحداً!... سوى أضواء الشموع الذهبية الموضوعة على الطاولة الكبيرة ذات المفرش المخملي الأحمر... وعليها ثلاثة أطباق بيضاء اللون بحدودٍ من ذهب...
برؤيتي عدد الأطباق... علمت بأن ذلك الأحمق سيشاركنا طعام العشاء... فاتجهت لمكتب جمال أستطلع الأمر... بمجرد طرقي للباب... قال:"تفضلي يابدور!.."
دخلت إلى المكتب... فوقعت عيناي عليه!... ذلك الشاب الذي اعتدت رؤيته... ومقابلته!... :" مساء الخير عمي!..."
كلمة اعتدت قولها لجمال!... من جراء ترويضي!...
فرد علي... قبل أن ينطق الآخر...:"كيف حالك حبيبتي؟!."
ازدردت ريقي قبل أن أجيب...:" بخير!... "
اقترب مني ليهمس في أذني... غير آبهٍ لمن يقف معنا في نفس الغرفة...:"هل يمكنني أخذ موعدٍ لهذه الليلة؟!."
لم أعره انتباهاً بل اتجهت لجمال... ووضعت يديّ حول عنقه بدلالٍ!... :"إنني أتضور جوعاً ياعمي!... ألن نتناول الطعام؟!."
أجابني جمال وهو يمسح على شعري... فهو الآن محرر من كل قيود...:"بلى عزيزتي!... هيا ياإسماعيل!.. ستكون معنا على العشاء... ولحسن حظك فاليوم قد أعد الطباخ الأصناف التي تحبها..."
أشار إسماعيل ناحية الباب داعياً جمال للتقدم أمامه... :" على العشاء!.. هذا مؤكد... فقد اشتقت لكم كثيراً... وقد أطلت الغياب هذه المرة..."
يقول أنه أطال الغيبة!.. في حين أنه غاب عنا أربعة أو خمسة أيام فقط!... لكنه محق فهو لا يكف عن الحضور إلينا بشكل يوميّ تقريباً... ولا أدري ما السبب في ذلك... غير كونه يحاول التقرب مني!... أكثر وأكثر...
يحاول أن يكسب ودي!.. وقلبي!.. قلبي الذي يأبى الخضوع لهم!.. لولا أن حواسي تطيعهم... وخوفي من أن أموت وأنا في ضياع!... دون أن أعرف الحقيقة التي انحجبت عني!..
على مائدة العشاء... كان جمال وإسماعيل يتجاذبون أطراف الحديث!... وأنا أستمع إليهم باهتمام... حتى أفهم مايدور حولي في الحياة الخارجية... التي لا أدري عنها سوى القليل... لكن للأسف لم أفهم حرفاً مما يقولان...
وعندما أنهى إسماعيل طبقه... نظر إليّ بابتسامة واسعة... ثم قال بعد لحظات من التأمل في تقاسيم وجهي... :" هل يمكنني الجلوس معك قليلاً؟!. "
وجهت نظراتي إلى جمال... الذي هز رأسه لي موافقاً على طلب إسماعيل... نكست رأسي ثم نهضت بهدوء وقلت معارضة...:" لا أريد!... فمزاجي لا يسمح بذلك!.. "
واستدرت لأخرج من القاعة... لكن صوت جمال الذي هجم بقوة على أذنيّ كبل جسدي عن الحركة... :" الحق بها!.. "
كنت أود الصراخ!.. والصراخ!..
فالتفت للخلف... لتتلقاني ذراع إسماعيل... وهو يقول... :"هيا حبيبتي!... فقد اشتقت لك كثيراً..."
نظرت في عينيه!.. وأنا أهمس برجاء... :" لا أريد!... أرجوك!... أرجوك لا أريــــ..."
لكن قبلةٌ من شفتيه ألجمت لساني عن إكمال جملتي... لكنها لم تكبل يديّ لأبعد كفه بيمناي عن شعري... وباليسرى حاولت ضربه... لكن كفه اليمنى كانت أسرع مني... فأمسك بي!...
وعاد ليمعن النظر في عينايّ... وهو يقول... :" لاتحاولي المقاومة!... فأنت تعلمين أنك ستخسرين... وسأصل لما أريد..."
كان واثقاً مما يقول... فهو يربح دائماً... لكن روحي دائماً ترفض ما يطلب وما يريد... وجسدي اللعين يرضخ لطلباته الكريهة...
فأنا لا أدري ماذا يحدث لي؟!. أبقى أرفض لوقت طويل!.. ثم فجأة أرضخ وأصبح فتاة مطيعة!..
| +* +* +* +* |
على أي خطوة أضع قدميّ؟!.
_:" لن أرحل!... "
نظر إلى أمي وحممٌ بركانية تتطاير من عينيه... وقال لها غاضباً... :"بل ستأتين معي!.. ماذا سيحصل لكم هنا!.. إن الحياة هنا أصبحت مستحيلة... "
وقفت أمام أبي بقوة وصرامة... وهي تردد... :"الآن!... الآن!... تأتي لتقول لي الحياة مستحيلة في ظل الحرب!... وأنت من كنت تؤيد هؤلاء الإرهابيين منذ أول خطوة خطوها في بلادنا... الآن!... بعد أن كنت تشجعني على أن أكون مثلك... وأصبح إرهابية!.. "
_:"ماذااا؟!. ماذا تقولين أمي؟!."
سألتها باستغراب شديد ونظراتي تنتقل بينهما... فأجابت والدتي... :"نعم! نعم ياوسام!... والدك واحدٌ من الإرهابيين الذين طغوا في البلاد... وأصبح لديه هذا المال والجاه من جراء سفك دماء أهلنا و أولادنا... هذا هو والدك ياحوراء!... رجل حقيـــ!.. "
لم تكمل جملتها... فقد صفعها والدي صفعةً جعلتها ترتد للخلف وتسقط أرضاً... اتجهت حوراء لتجثو على الأرض بجانبها... وهي تسألها... :"أمي هل أنت بخير؟!."
أما أنا... فقد نظرت إلى أبي وقلبي يخفق بشدة...
كنت أفكر!.. هل أصرخ في وجهه لضربه لأمي؟!. أم أضربه بيديّ لما فعل في دنياه؟!. أم هل أقوم باستجوابه عن صحة ما قالته أمي؟!.
لأي خطوة أخطو؟!. وعلى أيٍ منها تكون البداية؟!.
اتخذت قراري سريعاً... فساعدت أمي على النهوض... وأجلستها على الكنبة...
ثم سألت والدي بتوتر واضح على صوتي... :"لماذا؟! لماذا ياأبي إنها المرة الأولى التي ترفع فيها يدك على والدتي؟! وهل ما قالته صحيح؟!..."
نظر أبي إليّ وهو غاضب بشكل غير طبيعي... وفجأة أمسكني من ياقتي وسحبني باتجاهه صارخاً في وجهي... :"اسكت أيها الأحمق!.. إنني فعلت كل شيء من أجلك أنت وأختك!.. والآن تأتي لتحاسبني..."
أمي وحوراء نهضتا من مكانهما ليهدأ الموقف بيننا... لكنني لم آبه بما يتطاير من كلمات من بين شفتي والدي... بل قلت بكل قوة وإصرار...:"من أجلنا!.. بنيت كل هذا المال والجاه من دماء الأبرياء... وتقول لي أنه من أجلنا!.. للأسف أنك تقول بأنه من أجلنا..."
أرخى قبضته عن ياقتي قليلاً... حين قال...:"وللأسف أنك ابني!..."
تدخلت حوراء هنا لتسأل...:" كيف كان باستطاعتك خيانة وطنك؟!. وأرضك التي ولدت عليها؟!. هذا ما لاأفهمه!.."
أبعدته أمي عني وهي تجيب عن تساؤلاتنا...:"لأنني السبب في كل هذا!.. كنت أتمنى أن أنسى حياتي في الصغر... فكنت أساعد والدكما على ما يريد وما يفعل... كان هو يريد أن ينتقم لماضيه البائس... وأنا لماضيّ المتعكر... وتطابقنا في المطالب... وها هي النتيجة!.."
جلس والدي على الكنبة... لمدة لا تتجاوز الدقيقتان... ثم نهض وهو يتجه للأعلى قال لنا... :"إنني راحل عن هنا!.. فمن يريد الرحيل فليحزم أمتعته!.."
نظرنا ثلاثتنا لبعضنا البعض... ثم أجابت والدتي أولاً...:" قلت لك لن أرحل عن وطني!.."
نظرت بدوري إلى حوراء... التي أجابت سريعاً...:" وأنا أيضاً ياأبي لا أريد الرحيل عن هنا!..."
بقيت أنا في صمتي... لم نترك له مجالاً للدفاع عن نفسه... بل أخذناه وألقيناه في عمق اتهاماتنا...
لأي خطوة أخطو؟!.. وعلى أي منها أضع قدميّ؟!.. إنني تائه ياأبي... لكني اتخذت قراري... اتخذت قراري ياأبي... :"لن أترك أختي وأمي لوحدهما أبداً... أبداً..."
| +* +* +* +* |
ما هي الأخبار؟!.
عندما تدق الساعة معلنة انتصاف الليل... تخرج الذئاب من وكرها... لتفترس كل ضعيف ليس له لا حول ولاقوة...
كما الذئاب البشرية التي تتخذ سواد الليل ستاراً... لتبدأ في ممارسة طقوسها الليلية بعد أن تخلع قناع الخير والسلام...
_:"لقد وضعت يدي على أشياء مهمة جداً... وهي قد خفيت عنك سنين كثيرة..."
نفث يوسف غمامة من الدخان وهو يتمدد على أريكته بارتياح... واهتمام... بينما أخذ أكرم يسترسل في حديثه... فهو يعلم بأن الصمت وعلامات الاهتمام تعني [[ أكمل الحديث ]] ...:"جمال ينتقم من جنوده بطرق غريبة جداً... ووحشية كذلك!... رغم أن هذه الطريقة لا تختلف كثيراً عن الطرق التي نستخدمها في تعذيبهم... إلا أنه!..."
سكت لدقائق قليلة وهو يجمع شتات أفكاره... :"نحن نمسك بالجندي لنعاقبه على فعلته... أما جمال فهو يترك الجندي سجيناً عنده أو متواجداً في أي مكان كان... ويأتي بأهله وكل عزيز على قلبه... ليعذبه ويقتله أمام ناظريه... وإن لم يكن متواجداً هذا الجندي الخائن لنا... يقتل من ليس لهم أهمية قصوى!... ويبقي على حياة الأهم بينهم... لينهي حياته على مرأى منه..."
_:" أهذا كل شيء؟!. "
أجاب أكرم عن سؤال يوسف بعد تردد... :" لا!.. ... بل هناك المزيد الذي أشاب رأسي... جمال يعد العدة ليزيحك عن منصبك الذي أنت فيه... إنه يريد أن يأخذ مكانك... بأي طريقة كانت... فلديه اتصالات مع حلفاءنا في الغرب يحاول أن يشوه سمعتك لديهم... وحتى الآن لم يستطع دس أحدٍ من جواسيسه بين حراسك... فلله الحمد أنهم يهابونك أكثر مما يخافونه... وكذلك الرواتب التي تصرف لهم تغنيهم عن رواتب جمال... ووعوده المغشوشة..."
كان يوسف يتابع حديث أكرم باهتمام كبير... وعيناه لم تبتعد عن اللوحة المعلقة على الحائط أمامه... كأنه تمثال... لولا دخان السجائر الخارج من بين شفتيه ورئتيه...
فجأة اعتدل في جلسته ووضع عيناه في عينيّ أكرم وهو يسأل... :"كيف حال الفتاة التي أخبرتني عنها؟!.."
_:"بدر البدور!.. إنها بخير... لكن دوماً تسألني عن الأخبار التي أعرفها... ودائماً أماطل في إجابتي على أسئلتها التي تجبرني على اتخاذ محور الكذب معها... إنها صغيرة ولا تعرف عن الدنيا شيئاً..."
أطفئ يوسف سيجارته التي بين إصبعيه... وهو يفكر بعمق... فعاد ليسأل...:"ماهي أخبارها الأخيرة؟!."
_:"لاشيء جديد سيدي!... سوى شيئاً ربما يفاجئك..."
رفع حاجباه باستغراب شديد وسأل... :"ماهو هذا الشيء؟!."
ازدرد أكرم ريقه بصعوبه... حين تصبب العرق من جبينه... :" إنه أمر جديد عليّ كذلك!.. عندما كانت بدر البدور تحدثني عن ذلك الشاب سابقاً لم أعره اهتماماً شديداً... فهي لم تذكر لي شيئاً يتعلق بأمرنا بتاتاً... أو بالأصح لا تعرف بأن هذا الشاب على علاقة بنا بتاتاً... إلا أنها قبل يومين ذكرت لي اسم ذلك الشاب الذي تنعته دوماً بالحقير... فصدمت لدى سماعي ذلك الاسم الذي عرفناه زمناً طويلاً دون أن نعلم أنه صاحب علاقات مشبوهة... فهو كما كنا نعرف عنه... أنه لا يحبذ هذه الطريقة في ممارسة الحب..."
_:"حسناً أكمل!..."
نهض أكرم من مكانه واتجه ناحية الشباك ليفتح النافذة... سامحاً بمرور الهواء إلى رئتيه... :"لكن مع بدر البدور... يمارس كل أنواع العنف عن طريق الحب... استغل ترويض جمال لها... واستغل... ... ..."
بتر جملته التي لا يعرف كيف يكملها... لقد كانت هناك صور فتاة صغيرة تشبه بدر البدور في ضعفها وبراءتها... لكنه لم يرحم كل هذا فيها... بل مارس بالحب تعذيبها... والآن يمارس الحب بطرق مماثلة...
قطع يوسف تفكيره وهو يضع يده على كتفه...:"أكمل ولا تتوقف!... وارحم ضعف قلبك!..."
كانت ابتسامة المكر ترتسم على شفتيه... حين أخذ أكرم يقول... :"إنني أتألم كلما أتذكر حديثها عن جمال وذلك الحقير... أعرفت من هو؟!."
هز يوسف رأسه نافياً... وهو يقول... :"ربما لا!.. وربما نعم!... "
أجاب أكرم بعد لحظات من الصمت... :"إنه إسماعيل!... بدأ يتقرب من جمال من أجل تلبية رغبات الحب لا غير..."
| +* +* +* +* |
من سيضمد جراح حبي؟!.
عندما تتبقى مسافة قصيرة لنصل إلى مانريد... تقتلنا جمرة الخوف والقلق... وتقيدنا الأيام والذكريات...
كنت أرجو أن أسمع منها كلمة طيبة تداوي قلبي... وأترقب كل حرف تنطق به... كنت أسرق النظرات إلى كل حركة تصدر منها... والآن بعد أن تقدمت أكثر مما كنت أتوقع... أرى نفسي لا أستطيع أن أقدم على آخر خطوة... بسبب إحساسي برفضها لوجودي في حياتها...
أشعر أنها تبتعد عني كلما تقربت منها... وأشعر بنفورها كلما سمعت صوتي... أو حتى أقترب منها...
وأكثر ما ألمني هو ما حدث اليوم!.. حين دخلت للمطبخ والفتيات مجتمعات هناك لإعداد الفطور... وهي كانت معهن...
_:"صباح الخير جميعاً..."
ردت عليّ الفتيات... :"صباح النور..."
لكنني لم أسمع صوتها من بينهن... حاولت أن أنسى الموضوع باطلاعي على الأطباق التي تدور بين أيديهن... وتمتلأ بما لذ وطاب من أصناف الطعام...
عندما تغلغلت رائحة الحليب الساخن المطعم بالزعفران والهيل... صحت قائلاً...:"ياااه!..من أين تنبع هذه الرائحة الطيبة؟!. فأنا أحبها جداً..."
نظرت إليها علها تعيرني انتباهاً... فهي من كانت تعد الحليب...
لكن لا حياة لمن تنادي!..
اقتربت منها... لأهمس في أذنها... :"سلمت لي هذه الأنامل..."
كم تمنيت حينها أن تستدير لتقول لي كلمة طيبة... كلمة حنونة... لتضمد بها جراح حبي!... لكنها طعنتني كما تفعل في كل مرة... وبشكل مؤلم...
التفتت وهي تحمل إبريق الحليب... لتطلب مني... :"ابتعد من فضلك!.."
فلم يكن مني إلا الابتعاد بصمت... وحالما وضعت الإبريق في الصينية مع الأكواب... قلت بصوت محتار... :"ألا يمكننا الحصول على كلمة رقيقة ولطيفة مثلك؟!."
انتقلت جميع الأنظار إليها... حين أجابت بهدوء وهي ترتب الأغراض... :"ستحصل عليها... لكن إن كنت تستحقها فقط!.."
هنا صدمت!.. وطعنت من قِبلها...
رأيت كوثر أختي تنغز غدير برسغها... لكنها زمجرت بغضب... :"ماذا تريدون؟!. ماذا تريدون أكثر مما أفعل؟!. ألا تفهمون!!. ألا تشعرون بي؟!."
ثم هربت من المطبخ للخارج... أرادت ريم اللحاق بها وهي تنادي باسمها... :"غدير!.. غدير انتظري!..."
لكن هناك شيئاً ما أوقفها ساكنة في مكانها... أما بقية الفتيات فنوديّ عليهن من قبل أمي... ليأتينها بالفطور...
في حين بقيت أنا أبحلق في الباب الآخر... الذي خرجت منه غدير للتو... وريم تقف أمامي مباشرة...
التفتت بعد برهة تنظر إليّ بألم... :"لاتفعل بها كما تفعل هي بك!.. فهي مكسورة القلب... ولازالت تشعر بألم فظيع عندما تعود بها الذكريات للوراء... ساعدها... وعاملها كما تحب أن تعاملك... فإنها ستتغير!..."
وخرجت للصالة خلف البقية تاركة إياي في حيرة من أمري... هل حقاً أنها ستتغير؟!. أم أنها كلمة يقولونها لتضميد قلبي؟!.
إنني أحبها... وأعشقها... لكنها لا تمد لي يد الحب التي أريد... رغم أنني أعلم بما قاست... وما مرت به... لكن كبرياء حبي يرفض المزيد من الطعنات... يريد حباً يساويه... لا دمعة على فراق من ذهبوا...
إنني محتار بين أمرين... هل ألحق بها؟!. لأضمها إلى صدري!...
أم أذهب لتناول الفطور مع البقية؟!. دون مبالاة؟!. أو اهتمام!...
| +* +* +* +* |
عند مغيب شمس الأربعاء...
كنت أجلس وحيداً في زاوية ما من البيت...
كنت أحاول الوصول بتفكيري إلى حيث السعادة والحب...
ومن ثم أبحث من حولي عنها... لكنني لا أجد لها أثراً في أي مكانٍ...
_:"مرحباً..."
الفتت إلى يميني لأجد ياسمين مصدر الترحيب!... والذي كان تنبيهاً لي لوجودها بجانبي... فسألتها...:" ماالذي حدث؟!."
أجابتني وهي تجلس على مقربة مني... :"لاشيء... سوى أنني كنت أبحث عمن أتسلى معه... ولم أجد غيرك بلا عمل..."
_:"وما أدراك أني بلا عمل؟!."
تمهلت قليلاً قبل أن تقول...:"خالتي أخبرتني عندما رأتني متمللة..."
أدرت رأسي إلى الجهة الأخرى... فأنا أعلم ما الذي ترمي إليه والدتي... إنها تحاول أن تقربني من إحدى اثنتين... ياسمين أو هدى... ولكن الاثنتان يذكرنني بحبيبة قلبي...
حاولت تجاذب الحديث معي... حين سألت... :"ما الذي كنت تفكر به؟!.."
أجبت دون تفكير... :"وهل هناك غيرها؟!.. لأفكر بها..."
رأيت علامات الاحراج على وجهها وهي تقول...:"عذراً لم... لم..."
فتداركت الأمر سريعاً...:" لابأس... إنك تعرفين ماذا تكون بالنسبة لي!... والجميع يعرف ذلك... لكنهم يحاولون بي كي أنسى!..."
_:"لا يمكن لشخص أن ينسى حبيباً بسهولة... لقد كانت غالية على قلوبنا... لكن ألا ترى... ... "
سكتت... وقبضت على بقية جملتها... فسألتها...:"لكن ماذا؟!."
فقالت... :"لا شيء مهم!..."
فقلت وقد عرفت ما تود قوله...:" إنني أشعر بما تودين قوله... فتكلمي لو سمحتي!..."
بعد تردد دام لمدة دقائق... قالت...:"ألا ترى أنه يجب أن تهتم بنفسك ولو قليلاً... أن تنظر لحياتك التي يجب أن تستمر مهما طال الانتظار ومهما كان الأمل لديك قوياً..."
نظرت إليها باستغراب... فهي لأول مرة تتحدث هكذا... فقلت لها باصرار...:" إن إيماني بوجودها قوياً... وسأبقى أنتظر عودتها..."
_:"لن تعود!... لن تعود يا أحمد!..."
التفت لمصدر الصوت... فكانت هي... كانت تلك الفتاة تقف عند الباب بإصرار أكبر من إصراري على وجود بتول على قيد الحياة...
كانت نظرتها نظرة تحدٍ وقوة... تلك النظرة كانت لياسمين!... التي كانت تنظر إليها والغيرة تتطاير من عينيها...
الاثنتان يعلمان بأن لي فترة معينة من والدي على الاختيار... إما هذه وإما تلك؟!.. وإلا فهو سيختار لي إحداهن دون أن يأخذ برأيي...
أخذت نفساً عميقاً... لأقول من بعده...:"ولم أنت متأكدة لهذه الدرجة؟!. هل تعرفين شيئاً لا نعرفه؟!.."
نطقت وهي تأتي لتجلس بيني وبين ياسمين...:"إنني لا أعلم أكثر مما تعلم أنت... لكني أعلم بأنك مجنون في وضع الآمال..."
حملقت بها متعجباً... لم أدرِ أنها على هذا المستوى من الشجاعة... فقلت لها ببرودة أعصاب...:"إنني مجنون ببتول!.. وليست هناك فتاة ستأخذني منها... وليس هناك مخلوق سيأخذنها مني..."
أطرقت برأسها لثوانٍ قليلة... ثم قالت...:"حتى وإن بقيت العمر كله تنتظر... فأنا سأنتظر أيضاً..."
شعرت بمن تهرب بعيداً عن المكان الذي نحن فيه... نظرت إلى مكان ياسمين... فوجدته خالياً... لابد أنها قد هربت إلى غرفتها... الفرق بين هاتين... هو ذات الفرق بين القوة والضعف!...
نظرت إلى هدى وأنا أنهض من مكاني...:"لو كانت بتول هنا لتفآجأت بمن هي صديقة عمرها!.. لم أكن أتوقع أنك بهذه الجرأة والوقاحة أيضاً!..."
خرجت من الصالة لأتفاجأة بوجود أبي واقفاً عند الباب... نظر إليّ بغضب... تداركت الوضع بسؤالي...:"ما هي الأوضاع أبي؟!."
_:"لا جديد!... لكن جهز نفسك للعملية هذه الليلة..."
| +* +* +* +* |
دموعنا... هي ذكرياتنا!!..
التاسعة من مساء يوم الأربعاء...
حملنا أمتعتنا... بعد أن طردنا والدي من قصره الشاسع... لأننا وقفنا جميعنا ضده...
لم يتبق لنا في هذا البلد أحد... فنحن كما أعرف انقطعنا عن أهلنا جميعهم بسبب سوء أخلاق والدي... وكذلك مزاج والدتي المتعكر دوماً...
أخذنا نجول في سيارة الأجرة الشوارع... بصمت وضياع... حتى نطقت والدتي بالعنوان الذي لم أعرف من أصحابه... لكن سرعان ما وصلنا إليه لأعرف من هم أصحابه...
لأول مرة دخلت هذا المنزل لم أكن محل ترحيب من أحدهم... واليوم أدخل والجميع ينظر إلينا بنظرات الاستغراب والتعجب... لكن سرعان ما تحولت هذه النظرات إلى نظرات ترحيب ومودة...
كانت هناك مجموعة فتيات لطيفات... أحببتهن كثيراً... والخالة غيداء والخالة فاطمة... في الدقائق الأولى فقط شعرت بأني غريبة بينهن... لكن مع مرور بضع دقائق أخرى... شعرت وكأنني واحدة منهن...
عندما كنت أجلس برفقة ريم و ياسمين... دخل فجأة شابٌ لامس الشيب شعره... ومن خلفه شابُ آخر... ألقيا السلام باحترام... لكن الآخر تلعثم في منتصف جملته... ووقف عند الباب مشدوهاً... أما الأول فقد دخل وجلس بين الرجال... بعد أن رحب بأخي وسام... أحسست بالواقف يقترب بتوتر إلى حيث أجلس... فرفعت رأسي أنظر إليه... حينما قالت خالتي...:"وهذا عليّ ابن أختي... أما هذا فهو أحمد!..."
وصلت أنظاري إلى عينيه... اللتين تحملقان بي... أحسست بأن هناك خطأ ما في مظهري... فرفعت يدي لأطمأن من وضعية حجابي... لكن أتاني صوت غدير وهي تعرفه بي...:"أحمد!... هذه حوراء أخت وسام..."
هنا انقطعت نظراته... لتنتقل لغدير ومن ثم تعود لي ثانية... وعاود النظر لغدير التي أسرعت بامساك ذراع أحمد والخروج معه من الصالة وهي تقول...:"أحمد!... أريدك بموضوع مهم جداً... أرجوك تعال معي..."
لكن هناك شيء غريب في أحمد... كان متوتراً... مرتبكاً... أم ماذا؟!. لا أدري... حتى أنه لم يرحب بأمي أو وسام... بل ظل واقفاً في مكانه إلى أن أخذته غدير إلى خارج الصالة...
_:"إلى متى سيبقى هكذا؟!."
نظرت إلى عليّ الذي تحدث بصوت حزين... ومن ثم انتقلت إلى خالتي غيداء التي كانت تتطلع إلى حيث كان يقف أحمد... وعيناها غارقتان بالدموع... اعتقدت بأنها الوحيدة التي كانت بهذه الحالة من الصمت... لكني وجدت البقية كلهم بهذه الحالة... إلا نحن الثلاثة وسام وأمي وأنا...
وحالة الصمت هذه قطعتها أمي سائلة...:" ما الأمر؟!. لم لم يرحب بنا أحمد؟!. هل هناك خطب ما؟!.."
تنهدت ريم وهي تتكفل بالإجابة...:" لا شيء ياعمة... لكن قدومكم ذكرنا بذكرى حزينة..."
ومن ثم نظرت إليّ نظرةٌ حزينة غارقة في بحرٍ من الدموع... وفجأة انطلقت وهي تحاول إمساك بكاءها...
ما الأمر ياترى؟!. ولماذا ينظر إليّ الجميع نظرات متألمة؟!.. منذ دخولي والجميع يحملق في بالبداية وبعدها يحاولون أن يكونوا طبيعين... لكن بعد دخول أحمد لم يتمكن أحمد من الاستمرار بطبيعية...
ما الذي يوجد بمظهري ويؤلمهم لهذه الدرجة؟!.
| +* +* +* +* |
مساءٌ يتلوه مساءٌ آخر... يتخلله آهاتٌ وحنين...
وهناك أقبع في زوايا الليل المظلم... أضمد ذكرياتي بدموعي!...
أضم وسادتي إلى صدري... وأبللها بالدمع والدم... أتذكر أعز أقربائي...
_:"لقد اشتقت إليكم..."
فجأة صدر صوتٌ من الجسد الممد بجانبي... نظرت إليه بخوف... فأنا لم أصدق حالما خر على السرير نائماً... منذ الأمس وهو لم يفارقني... وبين يديه يهوى جسدي إلى الهلاك...
رغم أنه يقدم لي كل الحب... إلا أنه يخيفني بوجوده... فهو كوحش هائج... ولايرده شيء عن نزعاته...
لازلت عوداً طرياً... وقد يبس على يديهم... إسماعيل!... وجمال!... جففوا عودي... ووسدوا جسدي التراب...
مددت ساقي ناحية الأرض... فقد كنت أنوي أخذ حماماً ساخناً... لعله يزيل عني هموم الدنيا الغامضة التي أحملها على كاهلي...
وضعت قدميّ على الأرض... والوسادة وضعتها بهدوء على السرير في مكاني... هممت بالمسير... لكن يده الضخمة قبضت على ساعدي... وصوته الهامس تخلل سمعي بين شعاع الضوء الخفيف القادم من خلف ستائر الغرفة... :"إلى أين حبيبتي؟!."
ليسحب جسدي الهزيل ناحيته... ويكبلني بذراعيه... وتسقط دموعي على صدره العاري... بقيت على صدره أبكي لدقيقة واحدة... بعدها همست له... :"أرجوك ارحم ضعف حالي..."
أحسست بكفه تقترب من وجهي... لتجفف بضع دمعات هاربة من بين محاجري... وأمسك وجهي بين كفيه... ليطبع قبلة على جبيني...
ثم اشتعل ضوء المصباح الجانبي... لينظر في عمق عيناي... وهو يقول...:" مضى زمنٌ على وجودي في عالمك... ولم تعتادِ عليّ... مابك؟!... أريد أن أسمع فضفضات قلبك..."
| +* +* +* +* |
هل تقبلتني؟!.
_:"صباح الخير..."
دخلت علينا علياء... أخت عمر الذي اختفى منذ الحادثة الأخيرة... فقد أتت بطبق الفطور لكليهما... وكذلك لتطمأن على صحة عمار كما تفعل دوماً منذ أن زوجناهم... لأن عمار كان محتاجاً لمن يكون بجانبه بعد أن فقد ساقه... ويكون قريباً منه دوماً...
رددنا عليها بتحية الصباح المعتادة... ثم هممت بالخروج من الغرفة فاستوقفتني علياء قائلة... :" انتظر يا خالد قليلاً !.."
فقلت لها وأنا أشعر بأن لديها ما تقوله لي...:" ما الأمر؟!. هل هناك شيء ما؟!."
ترددت قبل أن تنطق...:" إن حال مطر لا يسرنا... إنها لازالت تائهة بين ذكرياتها التي ليس لها حبل ممتد..."
أخذت نفساً عميقاً وأنا أجيبها... :"ليس بيدي شيء... فأنتم جميعاً تعلمون ما هي علاقتي بها... أحاول جاهداً أن أربط حياتي بأختي بحياتها هي... لكن أنتم تعلمون أنه لا فائدة من ذلك... سوى أنني أضيعها بذكرياتي التي لا ترتبط بذكرياتها..."
_:"يجب أن نساعدها بشكل أكبر من ذلك..."
سألت عمار وصوتي يكسوه الغضب... :"كيف؟!.. أخبرني كيف وأنا لا أعرف حتى من تكون؟!... ولولا اقترابي من مكان وجود عبد الرحمن لتركت البلاد وهربت من هنا بعيداً..."
تقدمت علياء قليلاً وهي تقول...:" هل جننت؟!. تتركنا بهذه الحال التي لا تفرح أبداً... إننا جميعاً بحاجة لك... مطر... وعبد الرحمن وحنين... سعاد ومريم... عمار وأنا كذلك... أنت عيننا وأرواحنا... بدونك لا نستطيع فعل شيء سوى الصمت والترقب..."
نظرت إليها... لا أدري ما أقول... فحقاً هم بحاجة لي أكثر من السابق... إنني هنا لأخرج عبد الرحمن من الأسر... وكذلك لأقف بجانب عمار... ولأكون الساتر والمحامي عن الفتيات...
أطرقت برأسي لدقيقة أو اثنتين... ثم قلت لهما...:" سأبقى لأعيد عبد الرحمن هذه الليلة سيكون هنا... ومن ثم سأخبر مطر بما يجب أن تعرفه..."
والتفتت للباب لأتركهما في حيرة من أمرهما... لكن تفآجأت بوجود مطر واقفة عند الباب... حالما رأتني قالت...:" تخبرني بماذا؟!.."
نظر إلى عينها لأغرق في بحرها الهادئ...
أنقذني من هذا الغرق عمار وهو يهمس... :"لا تتهور..."
لكنني قررت بأن ينطق لساني بجملة لا أدري كيف أفسرها... سوى أنها جملة اعتراضية... :"أخبرك بأنني سأموت... سأموت جوعاً..."
ابتسمت وهي تقترب خطوة للأمام... :"وها قد أتيت لأخبرك بأن فطورك جاهز..."
أي غباء لامس عقلي... كنت سأقتل فيها الأمل بقولي الحقيقة... إنها تعيش على أمل أن تعود ذاكرتها... ولكن إن قلت الحقيقة ستعرف بأن الذكرى ضائعة بلا عودة... والآمال كلها ستموت... لكن إلى متى سأضل أكذب؟!. إلى متى سأبقى الأخ المزيف لها؟!.
يجب أن تعرف من هي بالنسبة لي!!!. بل من هي بالنسبة لنا جميعاً!!..
_:"صباح الخير خالد..."
أي خيرٍ هذا؟!...
_:"صباح النور... ما هي أخباركن اليوم؟!."
ردت سعاد... :"من غير عبد الرحمن لا تساوي قرشاً..."
نظرت إلى وجوههن جميعاً... وقد علت ابتسامة الحزن عليها... إلا مطر التي قالت...:"إنني حزينة لأجلكم... يبدو أن عبد الرحمن هذا شخص طيبٌ جداً فالجميع يحبه... أتمنى أن تجدوه بأسرع فرصة..."
_:"وأنا كذلك... أتمنى أن اليوم قبل الغد..."
كانت هذه حنين التي تكلمت... فقلت لها ضاحكاً...:" ستلتقين به قريباً... وقريباً جداً..."
اتسعت عينا حنين وهي تقول...:" ماذا؟!. قريباً جداً... متى وأين؟!. بل كيف عرفت؟!."
_:"مهلاً... مهلاً..."
قفزت مريم وهي تصرخ بي...:" تقول قريباً جداً سنلقاه... وتريد منا أن نتمهل... هيا أخبرنا كيف عرفت..."
قالت حنين بإصرار...:" أرجوووك!... أخبرني هيا!..."
ابتسمت وأنا أرتشف القليل من الحليب... ثم سكت لثوانٍ قليلة قبل أن تقفز في وجهي مطر وتقول... :"أخبرنا وإلا حرمتك من الطعام أسبوعاً كاملاً..."
كانت الحياة قد بدأت تدب في روحها الصغيرة... أحسست كأنها بدر البدور في حركاتها وتصرفاتها... أمسكت بها بحركة لا إرادية... من ساعدها الأيمن... وقلت... :"سأخبركن... لكن اصبرن قليلاً..."
في هذه اللحظة خرج عمار وهو يتكأ بعصاه... وعلياء تساعده... :"ما الموضوع ياترى؟!. لم كل هذا الصراخ عندكم؟!."
ضحكت وأنا أقول...:" اسمعوني جميعاً... وانتبهوا دون مقاطعة رجاءً... كانت هناك انتفاضة فريدة من نوعها... زعيم الإرهابيين وَكرُه مدرسة وادي الحرية... وفي مساء الأمس داهم رجال الشبكة تلك المدرسة... حيث أسر زعيم الإرهابيين الذي لم يرحم طفلاً ولا شيخاً كبيراً ولا حتى امرأة ضعيفة... وكذلك استولى رجال الشبكة على المدرسة... الذين لازلنا نجهل من هم بالضبط... سوى أنهم مجموعة من المواطنين الشرفاء... والخبر الأهم بالنسبة لنا جميعاً... كما عرفت منذ بضعة أيام خلت... أن عبد الرحمن كان مأسوراً مع كبار المقاومين في تلك المدرسة... حيث أنها لا تحتوي على الكثير من الأسرى..."
قفزت الفتيات فرحاً... وكل واحدة تقدم التهاني للأخرى... إلا فتاةً واحدة تنظر إليهم بفرح وسرور... لكن ساكنة في مكانها دون أي رفض أو اعتراض...
نظرت إلى ذراعيّ... ونظرت إلى وجهها الذي يتلألأ كما البدر في ليلة تمامه...
ما الذي فعلته أنا؟!.
لم أشعر بنفسي حين أمسكت ساعدها الأيمن لأجلسها على فخذي الأيمن... أضمها إلى صدري بحنان الإخوة الذي نبع من داخلي حين نظرت إليها أول مرة...
وهي!!!. لم تعترض أو ترفض... بل كانت هادئة تماماً...
يا ترى هل تقبلت وجودي كأخ لها... أم ماذا؟!.
هل تقبلتني أخاً لها؟!. كما تقبلتها أختاً لي؟!..
نظرت إلى عمار الذي يرقبني فابتسم لي... لكني أنكرت لنفسي ما فعلت... فاعتذرت من مطر بهدوء وخرجت من الشقة بأكملها...
| +* +* +* +* |
لم كل هذا الحزن؟!.
نهضت مع الفتيات نغسل أطباق الفطور...حيث قامت كوثر بتقسيم العمل بيننا...
كوثر!... أتت تزور منذ الأمس وباتت الليلة معنا... فهي متزوجة ولديها علي الصغير... فتى ظريف جداً... أما زوجها محمد كان من ضمن فريق خالي مصطفى... يذهبون ليساعدوا المصابين من جراء الحرب...
نعود لموضوعنا الأهم... حين انتهينا من تنظيف وترتيب المطبخ... كلفنا بترتيب بقية غرف المنزل...
قسمت غدير هذه المرة العمل بيننا كل اثنتين تذهبان لغرفة...
عدا كوثر التي ذهبت لتحمم علي الصغير كما يناديه الجميع هنا...
ياسمين مع ريم غرفتان... وأنا برفقة غدير في غرفتان أخرى... مؤكد في الطابق العلوي فهناك أربع غرف...
غرفة لعلي وأحمد وياسين... وأخرى لغدير ياسمين وريم... وواحدة للخالة فاطمة وزوجها... وأخرى لخالي مصطفى وزوجته...
بالطبع كان الترتيب مختلف تماماً قبل الحرب...
أما أنا ووالدتي فننام حاليا مع وسام في الغرفة التي تجاور الصالة... في الطابق السفلي... واليوم سنتبادل الأماكن مع الأولاد كما أخبرتنا الخالة غيداء مساء الأمس...
انتهينا من غرفة الفتيات... وانتقلنا لغرفة الأولاد... وقفت أتأمل المنظر... سريران بينهما مصباح معلق صغير... و أمامهما فراشٌ على الأرض... وبجانبه حامل لأوراق الرسم... وعليه لوحة ملطخة بألوان كثيرة... لكن يغلب عليها الأسود...
أما المرآة فكانت قرب النافذة... تناثرت على رفها عدد من العطور الرجالية... واثنان كريمات الترطيب... وفرش شعر لكل منهم واحدة...
تقدمت دون تردد للوحة... وقفت أتأملها لدقائق قليلة... سألت غدير مستفسرة...:" من هو الرسام يا ترى؟!.."
ابتسمت وهي تقترب من اللوحة... :"إنه أخي أحمد!... يحب الرسم كثيراً... كان يرسم لوحاتً رائعة جداً... لكن!.. منذ... منذ أن بدأت الحرب بدأ يرسم بالأسود كثيراً..."
_:" الحرب أثرت على الجميع... لكني لم أتوقع أن تؤثر بشخص لهذه الدرجة..."
ردت عليّ والألم يهز كلماتها... :"لكن أكثر الأشخاص تأثراً بيننا هو أحمد... فقد ضاعت أحلامه سداً... لم يكمل دراسته... كان من المفترض أن يسافر للخارج بعد أن ينهي الثانوية... لكنه رفض السفر... حتى أنه تخرج بمعدل قليل جداً... بالنسبة للتميز الذي كان يحصده في السنوات الأولى... كله بسبب فقدانها..."
كانت تنظر إلى اللوحة بحزن شديد... لا أدري ما مصدر هذا الحزن... تركتها واقفة... وانهمكت في ترتيب الأسرة... لكنها لم تتحرك من مكانها... بل ظلت ساكنة دون حركة... تركت ما كنت أقوم به واقتربت منها...
كانت عينيها تدمع... لقد كانت تبكي... تألمت كثيراً لمنظرها وهي تقف هناك... وضعت يدي على كتفها وأنا أسألها... :"ما الأمر؟!. لم كل هذه الدموع؟!!."
تداركت دموعها... وجففت ما كان يجري على وجناتها... :"لاشيء!.. تذكرت أحمد وهو يقف هنا في الأمس بعد قدومكم... كان يمسك بفرشاته ويلقي بألوانه على اللوحة... كان يتألم ويبث همومه إلى العالم بالألوان... كان يشكو حزنه إليّ... وهو يلطخ اللوحة بالألوان... دون وعيّ... لقد آلمني منظره يا حوراء... ... اعذريني!.. ضيقت روحك بهذا الحديث..."
هززت رأسي وأجبتها بعبرة تخنقني...:" لا بأس... لكن نظرة الحزن في عيون الجميع... كلما نظرت في وجه أحدكم... فما السبب؟!.."
_:"لا شيء... لكن حضور والدتك في الأمس ذكرنا ببداية الحرب... كانت بعد قدومها إلينا بيوم أو يومين... هيا لنكمل العمل... فما زال أمامنا الطابق السفليّ..."
أكملت العمل وأنا أفكر في كل هذا الحزن الذي يغلف عيون الجميع... لا أدري ما سببه... ولا أدري ما مصدره...
نزلنا بعدها للأسفل... دخلنا الصالة فوجدنا الخالة غيداء مع والدتي... أما الخالة فاطمة فكانت قد خرجت لسوق الخضار مع كوثر... أما علي الصغير فقد كان يشاهد مسلسلات الكرتون من الشاشة الصغيرة... ويقلد حركات الرسوم ويردد ما يقولون... حالما رأى غدير تدخل الغرفة قفز من مكانه ليقف أمامها يعيد حركات البطل في الرسوم... وهو يصرخ قائلاً...:"سأقتلك أيتها المتوحشة"...
ابتسمت غدير وهي تقول ضاحكة... :"ما الأمر أيها المقاتل الشجاع؟!."
ردد بصوت عال...:"سأقتلك... إنك خطر على العالم... فأنا البطل الخارق!..."
أكملت غدير اللعب معه... :"يا إلهي يريد قتلي!... يجب أن أهرب..."
جرت خارجة من الغرفة وهي تصرخ... وخلفها علي الصغير... فيما الخالة غيداء تناديها... :"غدير!... هل اشتقت للطفولة؟!."
ضحكت وتقدمت للجلوس معهما... :" دعيها يا خالة!... فربما يتغير مزاجكم بوجود علي الصغير!..."
قالت أمي... :"وما به مزاجهم يا حوراء؟!."
_:" لاشيء أمي... لكن الجميع هنا يغلفهم الحزن... وبالأخص غدير وأحمد!..."
أطرقت الخالة فاطمة رأسها... ثم انهمكت في سكب الشاي بأحد الأكواب التي أمامها... رفعته لتقدمه لي... فوجدت في عينيها بريق الدموع... أردت سؤالها عن سبب دموعها لكني تراجعت بقولي...:" شكراً يا خالة... فأنا لا أشرب الشاي..."
اهتزت يدها وسقط الكوب لينكسر... وبعده انكسرت دمعة خالتي لتطعن قلبي...
نهضت لأجلس بجانبها وأسألها... :"لم كل هذا الحزن؟!. ما يؤلمك يا خالة؟!."
ضمتني إلى صدرها... بكت لتبللني دموعها... نظرت إلى أمي بتساؤل... فوجدت في عينيها الحيرة والألم معاً...
حينها دخلت الفتيات كلهن... وبينهن علي الصغير... أول من تقدم للخالة كان هذا الصغير... الذي قال بلكنته الطفولية... :"ما بك يا خالة؟!."
أبعدتني الخالة عن صدرها... لتضم علي وهي تجيبه...:"لاشيء يا صغيري... لاشيء..."
استدرت بوجهي إلى الفتيات... فرأيت ريم قد خنقتها العبرة... أما غدير فدمعتها على خدها... وياسمين تقف مستندة عن الباب بحزن وألم...
يا إلهي أدركني!...
بل أدرك هذه الدموع وأرسل من يكفكفها!...
مسحت الخالة فاطمة دموعها بمنديل قدمه لها علي!... ثم تداركت أي سؤال سيوجه لها... :"هل انتهيتم من التنظيفات؟!."
أجابت ياسمين...:" نعم يا خالة!... لكن تبقت الغرفة المجاورة... سنكملها الآن..."
_:"أجركم على الله... الغداء اليوم علينا..."
ابتسمت ياسمين وهي تهم بالخروج... لكن استوقفها صوت الباب الخارجي وهو يغلق بقوة... ومن بعده يأتي صوت ياسين مستأذناً بالدخول... :"يا الله!... يا الله!..."
ردت عليه ياسمين مرحبة... :"تفضل ياسين..."
ونحن وضعنا الأغطية على رؤوسنا لنسمح له بالدخول... لكنه صرخ بياسمين... :"ياسمين تعالي إلى هنا بسرعة..."
فخرجت إليه وعلامات الاستغراب تعلو وجهها... ووجهه الجميع...
| +* +* +* +* |
كيف أخبركم؟!..
وقفت أمام باب المنزل لبضع دقائق... أفكر في طريقة ما للحديث... ولنشر الخبر المؤلم لأهلي...
كيف سأخبرهم؟!. لا أدري... حقاً لا أدري!... ...
فتحت الباب... وأغلقته بقوة من شدة غيضي... استأذنت بالدخول... وحالما وصلني صوت ياسمين... ناديتها مستعجلاً... فلن يفهمني أحد ولن ينقذني أحدٌ غير توأمي الحنون... أتت إليّ مستغربة... فصوتي الذي سمعته... نبرته غريبة بالنسبة لها... وأعتقد بأن الجميع استغرب مني هذه النبرة...
فأنا رغم أنني تعلمت الركادة قليلاً... إلا أن روح الفكاهة والدعابة لا زالت موجودة في دمي...
أمسكت بساعدها قبل أن تنطق بكلمة واحدة... وانطلقت أعبر الممر الطويل أمامي... رغم قصره... إلا أنني أحسست بطول المسافة...
لم آبه بمن في المنزل من النساء... مررت أمام باب الصالة الواسع... متجها للسلم... وياسمين خلفي تسألني...:"ما بك؟!. لم كل هذه السرعة؟!."
وخالتي تصرخ عليّ من الصالة... :"ما الأمر يا ياسين؟!. أين البقية؟!.."
لكن ياسين تائه الآن... فكيف سيجيب؟!.
إنني حقاً تائه!!..
دخلت إلى غرفتنا نحن الشباب... وأغلقت الباب خلفي بإحكام... نظرت إليّ ياسمين نظرات تعجب واستفهام...
بدأت أسير ذهاباً إلى النافذة... وعودةً إلى الباب... تكرر مني هذا الفعل أربعة أو خمسُ مرات... فأمسكتني ياسمين من ذراعي وهي تقول... :"تكلم ما الذي حدث؟!... هل أصاب البلاد مكروه؟!. تكلم فقد اعتدنا على كل ما يحصل من إنفجارات وقتل..."
نظرت إلى عينيها... فهي قد فهمت ما أريد قوله تقريباً... جلست على سريري... فقلت... :"ليس البلاد هذه المرة!... بل نحن!..."
_:"ياسين!... البلاد هي نحن... ونحن البلاد!..."
أخذت نفساً عميقاً... فياسمين لم تفهمنِ هذه المرة!... قلت بنفاذ صبر...:"أحدنا أصيب بمكروه يا أختاه!..."
حملقت عينيها... وازدردت ريقها... :"ياسين!... هل أصيب أبي؟!..."
آآآه يا أختي... كيف سأقول... أعلم بأن مصاب الأب مؤلم... لكن هذا الشخص مصابه أكثر إيلاماً لنا... وبالأخص لك أنت!...
_:" ليس بأبي..."
تقدمت إليّ لتسأل...:"هل هو عليّ أخي؟!."
هززت رأسي نافياً... رغم أن الأخ مصابه مؤلم... ويكسر الظهر... :" وليس بعليّ... إنه بخير!!.."
جثت على ركبتيها أمامي وعينيها ترجفان... :"أرجوك تكلم!... ولا تحرق لي أعصابي..."
ليست أعصابك هي التي ستحرق فقط... بل قلبك سيتألم كذلك يا أختي!...
هيا انطق يا ياسين!.. انطق وأرح قلبك!... :"إنه أحمد!... لقد أصيب إصابة خطيرة كما قال الطبيب... إنه في المشفى الآن..."
أحسست بها!.. أحسست بالألم يعتصرها... لكنها كانت قوية... قويةً بما فيه الكفاية لتقول... :"كيف حدث ذلك؟!."
أجبت بهدوء... :"في مساء الأمس... ... كنا نداهم الإرهابيين في مدرسة وادي الحرية... وعندما كان يحمي ظهر العم مصطفى أصيب بطلق ناري في أماكن عدة من جسده... ... ولازال في غرفة العمليات... ... وقد قال لنا الطبيب بأن العملية خطرة جداً... ... لوجود إحدى الرصاصات قريبة جداً من قلبه... ... و... ... ياسمين! اطلبي له النجاة... ... و حاولي إخبار البقية..."
دمعت عينها... حين سألتني... :"لمَ؟!.. لم ذهبتم لتقاتلوا الإرهابيين؟!. ألم تكونوا ذاهبين لمد يد المساعدة للناس؟!.. ياسين أخبرني لماذا؟!."
أخذت نفساً عميقاً... لأخرجه بآهةٍ مزقت شرايين قلبي... :" لأننا دوماً نفعل ذلك... لأننا دائماً كنا نذهب لمقاتلة الإرهابيين... نحن يا ياسمين!.. نحن!... نحن رجال الشبكة!... الذين يذكرهم رجال الإعلام بالتلفاز... وتدعون لهم بالتوفيق!... نحن يا منهم يا ياسمين..."
رمت بنفسها إلى صدري وبدأت تبكي... وهي تسأل عنا واحداً تلو الآخر... :"كيف هو أبي؟!. و عليّ؟!. وكيف حال العم مصطفى؟!.. "
كيف أجيبها؟!. الجميع بخير... أبي ومحمد زوج أختي لازالوا في الموقع... وعلي مع العم مصطفى في المشفى... في انتظار عملية أحمد...
لم أجب على سؤالها... بل تركتها تفرغ شحنة الحزن على صدري... لدقائق قليلة... حين أبعدت رأسها عني... نظرت إليّ والدموع تتلألأ في عينيها... فقلت لها قبل أن تسأل أي سؤال آخر... :"هيا حبيبتي... انهضي للنزل للأسفل ونخبرهم بما حدث... لكن انتبهي! لا تخبريهم عن هويتنا الحقيقية..."
هزت رأسها بالإيجاب... ثم ذهبت لدورة المياه لتغسل وجهها... حتى تزيل عنه آثر البكاء...
دخلنا بعد الاستئذان... لنجد الحيرة على وجوههن... والتساؤل يسبقها... :"ياسين ما الأمر؟!. إن قلبي يخبرني بأن هناك خطب ما!.."
نظرت لياسمين التي تقف بجانبي... كانت في حيرة من أمرها أكثر مني... تحدث قائلاً وأنا أتجه إلى الكنبة المجاورة للباب... :" خالتي!... هناك موضوع يجب أن تعرفيه..."
تحركت خالتي من مكانها... ووضعت يدها على قلبها... وهي تقول:" علمت أنه هناك خطب ما... تكلم يا ياسين.!.."
| +* +* +* +* |
بعد ذهابنا لسوق الخضار القريب من منزلنا... عدنا للمنزل حتى نجهز طعام الغداء...
دخلنا إلى البيت... فسمعنا صوت خالتي وهي تتحدث مع ياسين... شعرت بأن هناك أمر قد حدث... وقد كان شعوري صحيحاً...
تطلعنا أنا وأمي إلى بعضنا... ونحن نستمع لما تقوله ياسمين لخالتي... :"أحمد في المستشفى يا خالة..."
_:"ماذا؟!."
ردت ياسمين...:" لقد أصيب!... ونقل إلى هناك..."
حينها على صوت ريم وهي تصرخ منادية خالتي...
ركضنا للصالة التي لا تبعد سوى أمتار قليلة عن مكان وقوفنا... وإذ بخالتي مغشياً عليها... وبجانبها ريم تحاول أن تعيدها لوعيها...
الصدمة شلت الجميع عن الحركة... إلا غدير التي تقدمت إلى ياسين وهي تسأله بعدم تصديق... :"هل ما قالته ياسمين صحيح؟!."
سكت ياسين... ولم يجب... بل ظل صامتاً وساكناً كالصنم...
لكن غدير هزت كيانه بصرختها... :"ياسين!... تكلم!... أرجوك قل أنها ليست بالحقيقة..."
ياسين!... بقى صامتاً لفترة قصيرة جداً... قبل أن يقول...:" إنها الحقيقة يا غدير!... لقد أصيب حينما كنا نساعد من يحتاج للعون... أتى الإرهابيين وأطلقوا النيران علينا من كل جهة... لكن أصيب أحمد فقط لأنه كان بعيداً عن أي مكان يحميه... وهو الآن في المستشفى..."
في هذه الأثناء كانت ريم قد أحضرت عطراً قوي الرائحة... لتجعل خالتي تشتمه... فاستفاقت... لكنها كانت مصدومة... فالصدمة كانت قوية جداً علينا جميعاً... فقالت وهي توشك على البكاء... :"خذني إليه... ياسين خذني إليه..."
تقدمت أمي إليها...:"اذكري الله يا غيداء... لابد وأنه بخير... أليس كذلك يا ياسين؟!."
لم ينطق ياسين بحرف واحد... بل ظل صامتاً... مما جعلنا نتأكد بأنه ليس بخير... نهضت خالتي إلى ياسين ترجوه الكلام...:"ياسين أرجوك أخبرني كيف حاله؟!!.."
جميعنا يعلم أن ياسين لا يحب الكذب حتى لو كانت الحقيقة مرة... لذلك قال لنا...:" لن أكذب يا خالة... وأنت تعلمين ماذا يعني الصدق بالنسبة لي... ... إن حالة أحمد خطرة جداً... وهو لازال في العمليات حينما تركته... ولا أعلم هل أخرجوه أم لا!!..."
بكت خالتي... بل كلنا خرت دموعنا من هذا الخبر المؤلم... ومن حال خالتي غيداء وبناتها...
تقدمت لغدير التي كانت تبكي بألم وحرقة... ضممتها نحو صدري لأبكي معها... غدير كانت قوية جداً... لكن من حادثة بتول وهي لا تتحمل أي مصيبة... والآن حادثة أحمد... تكسر ظهرها...
خالتي كانت تبكي وهي تهمس بالدعاء لأحمد... دوماً أراها تضمد أحزانها بالدعاء...
| +* +* +* +* |
لماذا تبدو الأيام مخيفة؟!.
ها قد طلع النور... لتتبدد جميع مخاوفي... ويبقى في داخلي خوف آخر...
فتحت عيني هذا الصباح لأجد نفسي بين ذراعيه... كطفلة لم تصل العاشرة من عمرها... نظرت إليه... فوجدته ساكناً يتأمل السقف بفراغه الواسع... رفعت رأسي من على صدره العاري... ليتحرك من مكانه ناظراً إليّ بابتسامةٍ حنونة... لأول مرة أراها على شفتيه...
_:"صباح الخير يا بدر البدور!..."
ازدردت ريقي بصعوبة قبل أن أبادله الصباح...:" صباح النور!.."
سألني وهو يرفع شعري عن وجهي...:"هل نمت جيداً؟!.."
هززت رأسي بالموافقة...
لقد كان جالساً على ذات الوضعية التي كان عليها البارحة... مستنداً بظهره إلى الوسادة خلفه... وممداً رجليه إلى الأمام...
ثم قلت له... :"لأول مرة أنام بهذا الشكل... فلم أشعر بالطمأنينة طيلة العشر سنين الفائتة..."
رفع حاجباه وهو يقول...:"حقاًّ!!!!... إذن سأتركك تنامي في كل يوم على صدري وبين ذراعيّ..."
نكست رأسي... هل حقاً هذا هو السبب؟!.. أم أن هناك سببٌ آخر؟!...
فأنا منذ يوم الحريق لم أشعر بالراحة إلا الأمس... فحينما أخرجت ما بداخلي من تساؤلات... ارتاحت نفسي قليلاً... وعندما حصلت على أجوبتها من إسماعيل ارتحت أكثر وأكثر...
لكن سؤالي الآن... كيف نمت على صدره طيلة الليل دون أن أشعر بالتملل أو التعب؟!!..
رفع رأسي بأصابع يمناه... وعندما وقعت عيني في عينه قال لي...:" لن أكون معك كما كنت سابقاً... ولم أكذب عليك عندما قلت لك أنني لم أعرف شيئاً عن هويتك... ولا عن مخططات جمال كلها... إنني عرفت بأن جمال من الإرهابيين... وأقولها لك... أنا كذلك!.. لكني لم أعرف بتاتاً أنك لا تقربينه... كيف أكفر عن ذنبي تجاهك؟!. سوى أن أحمِك منه..."
بعد الحديث معه... ارتحت قليلاً... لكن في الوقت نفسه كنت خائفةً من الأيام القادمة... فأنا لا أدري ماذا سيفعل جمال إن علم بأني أخبرت إسماعيل عن حقيقتي... وهو قد حذرني من أن أخبره مهما حدث...
_:"إسماعيل!... إنني أخشى الأيام القادمة... لماذا تبدو لي مخيفة؟!.. أريد التحرر من هذا الخوف الذي يلازمني دوماً..."
لم أحصل على أي إجابة منه... بل تركني كما أنا... ونهض من مكانه ليخرج بعدها من غرفتي...
حقاً أنا خائفة... فها هو موعد لقائي بأكرم يقترب!... منذ سنة وأنا أنتظر منه أن يأتيني بالأخبار التي تسر قلبي... وحتى الآن لم أحصل على شيء ينير بصيرتي... ومنذ اليوم سأنتظر لقاءاتٌ أخرى... أكرم من جهة... وإسماعيل من جهة أخرى... ولنرى من هو الصادق معي؟!..
| +* +* +* +* |
أخبرني عن أحوالكم؟!.
الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً... عند أحد شوارع المدينة...
بقيت أمشي في الشوارع طيلة النهار... أبحث عن هويتها الضائعة... ربما ألتقي بهويتها مرميةً هنا أو هناك!...
لقد تغيرت مطر في الفترة الأخيرة كثيراً... أصبحت تألفني... ولا تخشى قربي منها أبداً... دوماً أطلب من الله تعالى أن تعود لها ذاكرتها... فأنا أشعر بمدى ضياعها... أنظر في عينيها فأرى فيهما تساؤلاتٌ كثيرة... من أنا؟!. ومن أنتم؟!..
إنني تائه أكثر منك يا مطر!!..
بودي لو ألتقي ببقية رجال الشبكة... فاندماج محمد قبل خمسة سنين معهم يساعدنا كثيراً... إنني لم أتحدث عن الصدفة التي جمعتني معه... بعد الحادثة والاحتلال الكامل لبلدنا... كنت مصاباً... مما أدى إلى دخولي في إغماءةٍ قصيرة نوعاً ما!.. ذهبت حنين لتحضر من يساعدها على علاج إصابتي... فقد استطاعت علاج إصابة مطر...
وعندما وصلت للمنطقة التي بأسفل الجبل... كانت تجري في أحد الشوارع... تبحث عن أي مواطن شريف يساعدها... لكنها لم تشعر إلا بأصوات شخص يجري بسرعة عالية... وفجأة أمسك بها ليدخلها إلى أحد الأزقة القريبة منهم... حاولت المقاومة لكنه حذرها وهو يهمس...:"الإرهابيين خلفي!!.." لم ينتظر منها رداً... بل أمسكها من يدها وبدأ يجري من زقاق إلى آخر... حتى وصل لمنزل فتح إحدى نوافذه ودخل إليه برفقتها...
عندما التقطت أنفاسها... عرفت بأن المكان عبارة عن عيادة لجراحة الأسنان... فسألته...:"هل هذا المكان لك؟!. أم أتيت بالصدفة إلى هنا؟!.."
هز رأسه لها وهو يشير لثيابه... نظرت إليها مستغربة... لكن بعد ثوانٍ معدودة... عرفت بأن لباسه لباس طبيب قد خرج لتوه من معركة حامية مع الإرهابيين...
فرحت بالقدر الذي ألقى بها بين يديه... وأخبرته عن إصابتي... فكان سعيداً بالمساعدة... ولم تمض أيامٌ قليلة حتى أصبح صديقاً لي... وبقيت على اتصال معه بين فترة وأخرى... وقد علم طبيعة عملي مع الفتيات... حتى تزوج وطلب مني حضور عقد قرانه... كني خشيت الذهاب وترك الفتيات لوحدهن في المنزل... فعمار لا يستطيع الحركة بسهولة...
وبعد زواجه... عرف بأن رجال الشبكة الذين أرعبوا الإرهابيين وفقدوا الكثير من رجالهم... لم يكونوا إلا أهل زوجته... وقد انضم إليهم ليصبح الطبيب الخاص لرجالهم... وكذلك واحداً من الشجعان الذين يهابهم الإرهابيين...
وقد اتصل بي هذا الصباح ليخبرني بآخر التطورات وأن عليّ أخذ الحذر والحيطة... فموقع آخر للإرهابيين قريبٌ من مكان سكننا أنا والفتيات...
في ساعة اندماجي بالذكريات... دوى انفجار في مكان قريب من مكاني... وبعدها بدقائق... سمعت أصوات عيار ناري... كان قريباً جداً من مكاني...
انتابني الخوف الشديد... فأنا قد تركت الفتيات مع عمار في المنزل... وأخشى أن يكون هؤلاء المجرمون قريبون منهم...
مباشرة!... رفعت هاتفي الخليوي لأتصل بالهاتف الذي مع عمار... سمعت صوت الرنين في الجهة الأخرى... وأنا أجري بأقصى سرعة ممكنة نحو البناية التي نقطن فيها... وقلبي يدق أسرع وأسرع مع كل نغمة رنين أسمعها... رفع الهاتف لأسمع صوت عمار مجيباً... فسألته بسرعة وخوف...:" هل أنتم بخير؟!. طمئني!..."
| +* +* +* +* |
مدرسة وادي الحرية...
مضت سبعُ ساعات منذ حادثة أحمد... والهجوم على المدرسة... لازالت الأحداث محفوظة في ذهني... بل لا زالت تتكرر أمام عينيّ كلما سمعت صوت صفعةٍ أو صراخ أحد هؤلاء المجرمين من شدة تألمه...
كنا ما يقارب السبعون رجلاً... أحطنا المدرسة من كل زاوية... بيننا المسلح وبيننا الأعزل... دخل منا نحو خمسة وعشرون مسلحاً... نجحنا بالتسلل بعد أن قتلنا المناوبين على الحراسة بهدوء... ودون حدوث أي ضجة... ثم تسلل بقيتنا بهدوء وروية... لكن بقي في الخارج عشرة رجال مسلحين وخمسة عزل... أما نحن الذين دخلنا فكنا جميعاً مسلحين ما عدى خمسة...
بالطبع ستستغربون سبب وجود العزل معنا في مثل هذه العملية... السبب هو تزويد المسلحين بكافة المعلومات حول المكان... وكذلك تنبيهنا إن حدث أي طارئ يغير في الخطة... لكن لا تقلقوا فهم مدربون على طرق الاختباء السريعة... وكذلك سريعيّ الحركة...
أخيراً استطعنا الوصول إلى مبنى المدرسة الرئيسي... بعد قتال وصراع دام ثلاث ساعات ونصف الساعة من الليل...
قتل منا الكثير... كما قتلنا منهم ضعف عددنا... و عشرون منهم استسلم في الدقائق الأخيرة... كانت هذه من أكبر العمليات التي قمنا بها...
أما عن القبض على زعيمهم... كان بحد ذاته أكبر عملية نقوم بها... دخلنا إلى المبنى الرئيسي كان في مقدمتنا قائدنا... ومن خلفه عمي حسين أعني أبا علي... وبعده ثلاث من الرجال الأقوياء... رابعهم كان العم مصطفى... الذي لا يبعد سوى مترين أو ثلاث عن أحمد... أما بيني وبينهم فكان مسافة العشر أمتار أو أكثر...
فقد كانوا الدفعة الأولى التي دخلت... وأنا مع علي وياسين في الدفعة الثانية... وبعدنا كانت دفعتين...
لم نلحظ ذلك الرجل المختبئ خلف الباب الذي عبرته الدفعة الأولى... ويبدو أن أحمد لم يلحظه كذلك...
لم أرَ شيئاً فقد كان أمامي اثنان من الشباب... لكني سمعت صوت إطلاق نار... وصيحة أحمد وهو يصرخ بأبيه ليختبأ... ويطلق النار من سلاحه... ومن كان أمامي بدأ بإطلاق النار على ذلك الإرهابيّ الحقير...
أصيب أحمد بالكثير من الرصاصات... لكنه قاوم حتى سقط المجرم سابحاً في دمه... بعدها انهال المجرمون علينا بالرصاص... والخروج من مخبأهم واحداً تلو الآخر...
جميعنا أصيب برصاصة أو ثلاث... لكن حب الوطن جعلنا نقاوم ونقاوم... حتى سقط زعيمهم بين أيدينا...
علي وياسين والعم مصطفى... أخذوا أحمد إلى أقرب مستشفى... كانت الساعة الرابعة فجراً حين سقوط أحمد...
قطع عليّ التفكير صوت قائدنا وهو يصرخ بزعيم الإرهابيين يطلب منه الحديث وإفشاء أسرارهم... من ضمن هذه الأسرار مكان إخفاء الأسرى... لقد كنا نعتقد أنه مخبئون هنا... لكن يبدو أنهم نقلوا إلى مكان آخر...
_:"تحدث وإلا قتلتك... أخبرني أيها اللعين أين تخفون رجالنا وأبناءنا..."
ضحك الخبيث بصوت عال... ونتيجة على تلك الضحكة أتته صفعة قوية من القائد... لكنه واصل عناده بقوله... :"كف عن تهديداتك التي لا أصل لها... فأنت تحتاجني للكثير من أعمالك... فبدوني لا تساوي درهماً..."
احتقن وجه القائد غضباً... مما جعله يفلت أعصابه من يديه ويبدأ بضرب الزعيم كما ينادونه هنا... كان يضربه دون رحمة ودون توقف...
يستحق أكثر من ذلك!!..
تقدمت منه مع أحد الشباب الذين معنا... وبصعوبة بالغة حاولنا الإمساك به و تهدئته... لقد كانت طموح القائد أن نحرر الأسرى الذين بين أيدي الطغاة... لكن باءت آمالنا وطموحنا بالفشل... فهنا لا يوجد غير هؤلاء الخونة والمجرمون... وزعيمهم مطبقاً على شفتيه... و ورجاله الذين استسلموا لم نبدأ معهم بعد!...
خرجنا من الغرفة تاركين الزعيم لوحده!... يعيد تقليب أوراقه!!!..
لقد كان يشعر بأنه لن يخرج من هذه العملية سالماً... ففي الأمس كنت أقول له...:"أووه!... ما هذا الذي سمعته يا أحمد؟!.."
نظر إليّ باستغراب قبل أن يقول...:"ما الذي سمعته يا صاحبي؟؟!.."
ضحكت وتوجهت لأجلس بجانبه وهو ينظف سلاحه... :"هل تخفي علينا؟!.. أم أنك لا تريدنا أن فرح لفرحك؟!.."
ترك ما بيده... وابتسم قائلاً...:"ماذا تقول يا محمد؟!.. أنت عزيز وغالي على قلبي... فكيف لا أريد أن أخبرك بما يفرحني... هيا هات ما عندك؟!. وأخبرني ما الذي سمعته؟!.."
_:"لقد سمعت من والدك!... أنه بعد انتهاءنا من هذه العملية سيكتب عقد قرانك..."
نظر إليّ وعينه تمتلئ بالتساؤل والاستغراب... حاولت أن أفهم ما تعنيه تلك النظرات... وتلك التساؤلات... لكني لم أجد أي شيء... يجعلني أفهم ما يدور في رأسه...
_:" ما الأمر يا أحمد؟!. هل هناك خطب ما؟!.."
ازدرد ريقه... ونهض من مكانه... أخذ يتحرك في المكان على غير طبيعته... مرة يقف هنا ومرة يقف هناك...
كنت أجلس وأنا في حيرة من أمري... نظرت إلى عليّ وياسين... اللذين لم ينتابهما أي تساؤل أو حيرة... كانت عينا عليّ تتحدث بألم وهو ينظر إليّ...
لم أفهم سبب هذا الألم الذي في عينيه... وأحمد لا يصدر أي شيء يفهمني...
لكنه أخيراً تكلم بعد طول انتظار... :"إن أبي دائماً يتمنى أن يراني عريساً... وأمي كذلك... وهو قد خيرني بين اثنتين... بين ياسمين وبين هدى... والاثنتان تعرفان بأن قلبي لا يميل لأي منهما... أو بالأصح لا يمكنني الارتباط بأي فتاة أمام عينيّ الآن..."
صمت قليلاً... ثم أكمل...:" وأنا أعلم بأن أبي لن يفرح بزواجي الآن... لأن ضميري لا زال يؤنبني على فعلتي الشنيعة... يؤنبني على نكراني لقلبي... إنكم جميعاً لن تفرحوا بي... ولن تروني عريساً... فمن يعلم ماذا سيحدث الليلة!... ربما أموت هذه الليلة..."
لم ينطق بهذه الجملة حتى قفز علي بوجهه قائلاً...:"ما هذا الجنون؟!.. لا تقل ذلك فأنت لا تدري ماذا يخبأ لك القدر!..."
_:"وأنت لا تدري ماذا سيحدث غداَ... إن لم أمت غداً... سأموت في يومٍ ما..."
أحمد!... تؤلمني نظراتك دوماً... ويؤلمني حديثك!!!..
| +* +* +* +* |
كنا جميعاً في المشفى... أنا وأمي وريم وياسين وياسمين... وكذلك الخالة فاطمة... أما في البيت فكانت عمتي سارة وحوراء مع كوثر وعلي الصغير...
سأل ياسين موظفة الاستقبال عن أحمد فأخبرته أنه قد خرج من العمليات... لكنه لازال في غيبوبة...
زال الخوف قليلاً... لكن قلبي يدق سريعاً... فأنا أريد أن أراه وأطمأن عليه... ذهبنا إلى جناح العناية الفائقة... رأيت أبي جالساً على أحدى الكراسي واضعاً يديه بين رأيه... أما علي فكان واقفاً في الممر الواسع وهو ينظر من خلف إحدى النوافذ الكبيرة... عرفنا جميعاً بأنه ينظر إلى أحمد من خلف الزجاج... انطلقت أمي إلى هناك... ومن خلفها أنا وريم... حالما رأيناه ممداً على السرير... والأجهزة تلف جسده خرت الدموع تحيي جسده...
أمي لم تتحمل رؤيته بهذا الشكل... فالضمادات البيضاء تغطي جسده في أنحاء كثيرة... والدم قد لونها بالأحمر... فخرت على الأرض فاقدة الوعي... صرخت ريم وهي تمسكها... حاولت جاهداً أن مساعدة أمي... لكن عليّ كان أسرع منا نحن الاثنتين... حيث أحضر ممرضتين حملتاها بمساعدتنا... وأدخلناها إلى غرفة الممرضات التي كانت قريبة منا...
خرجت من هناك وأنا أجهش بالبكاء... عدت إلى حيث أحمد... تاركة أمي برفقة ريم... رأيت أبي يقف في وسط الممر لا يدري أين يذهب... هل يلحق بأمي... أم يقف عند أحمد؟!.. إنها مشكلةٌ وقعنا فيها كثيراً... فأنا لم أستطع أن أكمل الطريق إلى النافذة الزجاجية... ولا أن أعود إلى أمي... وقفت محتارة ماذا أفعل...
خالتي أتت إليّ لتقول لي...:" اذهبي حبيبتي وقفي بجانب أخيك... أنا سأبقى مع والـ... ..."
لكن لم تنهي جملتها... فقد سمعنا صوت الممرضة تقول بصوتها العالي...:" أرجوك يا سيدة أن تبقي قليلاً مرتاحة هنا... لنطمئن عليك..."
ويأتي صوت أمي صارخة...:"لااا... لا أريد!... أريد أن أرى ابني!.. أريد أن أكون قريبة من فلذة كبدي..."
ركضت إلى هناك وأنا أرى أمي تحاول نزع إبرة المغذي... أمسكت بيدها وأنا أحاول تهدئتها... :"أمي أرجوك!... أرجوك ابقي لدقائق فقط!..."
صرخت بي أمي...:"غدير!.. إنه أحمد!!.. هذا أحمد يا غدير... إنه في خطر يا ابنتي!... أريد رؤيته..."
_:"أمي!.. إن أحمد يحزن إذا رآك مريضة... أو تشكين من شيء... فابقي هنا قليلاً حتى تكوني قوية عندما يستيقظ... حتى يراك وأنت بأحسن حال... أمي هل تحبين أن تجعليه حزيناً؟!.."
خرت دموعها... قبل أن تأمرني...:"ابنتي!.. اذهبي إليه... وابقي إلى جانبه... وبين لحظة وأختها أطلعني على أخباره..."
هززت لها رأسي وأنا أجيبها...:" أمرك مطاع يا أمي..."
تركتها برفقة خالتي وياسين... وذهبت أنا وريم إلى أخي مهجة قلبي... كان عند النافذة هناك أبي الذي يمسك دمعته رغماً عنه... أما ياسمين فقد كانت واقفة على بعد متراً واحداً من النافذة... ودموعها تبكي حبيبها... فعيونها فضحت هذا الحب البريء...
وقفنا هناك نبكي... وندعو الله أن يعيده لنا كما كان وأفضل...
_:"يكفي بكاءً يا غدير..."
نظرت إليه... كان يقف خلفي بخطوتين... أومأت له برأسي وأنا أقول بصوت باكي...:"كيف لا أبكي يا عليّ؟!... إنك تعلم مدى علاقتي بأخي... إنه الدنيا التي أعيش بها... فكيف لا أبكي على جراحه.؟؟.."
مد يده بتردد... ليجفف دمعاتي الهاربة... ثم رفعها إلى رأسي يمسح عليه بحنان وحب... ... :"الصبر يا غدير!..."
لم أشعر بنفسي إلا وأنا أبكي على صدره بحرقة... :"كيف أصبر!... ملني الصبر يا عليّ... ملني الصبر..."
لقد شعرت باستغرابه مني... لكني كنت بحاجة لصدر حنون كصدره... أبث له حزني وألمي... وهو لم يرفض هذا الشيء... بل وجدت عنده أكثر من الحنان... وجدت عن هذا الصدر الواسع كل ما كنت أفتقده...
وقد كنت أعتقد بأنه سيرفض كل طلبات روحي المتعبة... فأنا كنت أرفض له طلباته الواجبة عليّ... وأرفض حتى الحديث معه... وربما كنت سأرفض الارتباط به لولا أن الجدة كانت دوماً تقسم عليّ أن لا أعكف على حبي... لذلك وافقت... لكن هل يمكن أن تغير حادثة أحمد مجرى حبي؟؟!...
| +* +* +* +* |
آآآه يا قلبي المجروح!... كم مرة ستحزن بعد؟!.. كم مرةً ستتألم بعد؟!..
كنت أقف عن شباك العناية الفائقة... أنظر إلى جسد أحمد الذي لم يخلو من جهاز أو ضمادات... وكانت دموعي تبكيه حزناً وألماً... لقد كان منظره يؤلمني ويعصر قلبي عصراً...
عندما أخبرني ياسين بما حدث... أحسست بروحي تخرج من جسدي... ليبقى جسدي آلة تتحرك وتدار كما يشاء البشر...
أحمد!.. أحببته منذ الطفولة... كنت أحبه حباً لا يوصف حتى مع علمي بحبه لبتول... كنت أحاول منافسة بتول عليهّ... ودوماً كنت أغيضها بما يفعله لي أو يقوله لي... كنا نحن الاثنتين كما القطة والفأر... نتشاجر ونحفر الحفر لبعضنا البعض... ولكنها الرابحة...
فها هو أحمد لا زال يعشقها حتى بعد موتها... أصبح مجنوناً بها... رغم أنها أصبحت تحت الثرى... إنه لا يلتفت لأي فتاة من الأحياء...
لقد أخذت عقله يا بتول!...
كيف أصف حال خالتي؟!! بل كيف أصف حال العم مصطفى؟!! أم هل أصف حال غدير؟!.. أم حال ريم؟!..
إن هذا المنظر مؤلمٌ جداً... بعد أن عانقت غدير أخي علي... اتجهت لتهدأ ريم... لكنها عانقتها لتبكيان معاً...
أما العم مصطفى... فتارة يقوم لينظر للجسد الممد... وأخرى يجلس على المقعد بتهاون... وتارةً يمشي في المكان بضياع...
وخالتي!.. في غرفة الممرضات ممدة على السرير... تبكي وهي تدعو الله أن يحمي أحمد ويشفيه...
خرج من غرفة الممرضات ياسين!.. ليضمني إلى صدره... لأبكي بصمت تام... كنت أسمع همساته الحنونة... :"تشجعي يا أختاه!.. وكفكفي دموعك الغالية... اطلبي من الله أن يشفيه... ويعيده لنا سالماً... إنه الآن بحاجة لدعائك يا أخيه... اطلبي له الرحمة في مرضه... واطلبي لنا الصبر على مصابه..."
قبلني على جبيني... ثم مسح دموعي المنسابة على وجنتي... قبل أن يقول...:"لو كانت بتول على قيد الحياة... لكانت الآن تجلس في تلك الزاوية وبيدها قرآنها تقرأ وتدعو الله... وتسجد لله شكراً على ما ابتلاها..."
نظرت حيث أشار ياسين... كان يشير إلى كرسي في زاوية غرفة أحمد... بجانب سريره... سألت ياسين بألم...:" تسجد لله شكراً؟!.."
فأجاب...:" نعم!... فهناك العديد من رجالنا استشهدوا في هذه العملية..."
لا أدري ما الذي جعلني أرى طيف بتول جالسةً هناك... كما وصفها ياسين بالضبط... رأيت في تلك الفتاة وجهاً يسر الناظر إليه... وعينين كأنها السماء حين تمطر...
فدائماً أرى فيها بريقاً كبريق الدموع!!...
| +* +* +* +* |
عندما يعلو صوت الأذان من المساجد... تعلو أصوات الانفجارات في المناطق من حولنا... ويعلو معها صراخ النساء والأطفال في كل زاوية...
ويبدأ الجميع بالهرب والاختباء في أماكن بعيدة... يحاولون حماية أنفسهم وأرواحهم من الموت... لكن يد الموت تطال أحدهم... أو بعضهم!!..
ونحن هنا!!.. نبقى في مكاننا ننتظر من يساعدنا... ويمد لنا حلولاً تسعفنا...
أما أنا!... فلوحدي أنتظر من يمد لي باقةً من الذكريات!...
بدأ القصف في الساعة الثانية عشرة والنصف من هذه الظهيرة... لقد كنا نتوقع هذه المفاجأة فعمار قد أخبرنا بأن المجرمون لن يجعلوا الأمر يمر مرور الكرام عليهم... فهم سيردون الصاع صاعين... وقد فعلوا!!...
فرجال الشبكة الأقوياء لم يقتلوا إلا من هم جنوداً... أما هم!.. فيقتلون الجميع... رجالاً ونساءً... صغاراً وكباراً...
آآآه يا الله!!... :"أين خالد يا ترى؟!.."
نظرت إلى حنين التي تحاول جاهداً أن تمسك بأعصابها... فهي لا تستطيع الجلوس وعدم فعل شيء في مثل هذه الأجواء... كانت تخرج دوماً برفقة خالد ومريم ليساعدوا من هم بحاجة لمساعدة...
أجابتني بنفاذ صبر...:" وما أدراني أين ذهب!!!. إنني سأجَن إن بقيت في مكاني دون أن أفعل شيئاً..."
كانت تقطع الشقة الصغيرة بخطواتها هنا وهناك... توقفت فجأة وهي تتحدث لمريم...:" هل ستأتين؟!. أنا لن أبقى هنا مدة أطول!.."
نهضت سعاد وهي تقول...:"ماذا؟!. أجننت؟!!... كيف تخرجين!!. إن خالد حذرنا من الخروج بمفردنا... في أثناء الانفجارات..."
_:"وما دخلي بخالد!.. لابد أنه الآن يساعد الناس والمصابين... إنني سأذهب فمن سيأتي؟!.."
تحدث عمار زاجراً...:" لن تخرجي من هذا الباب!!.."
تطلعت إليه حنين وهي في غاية الاستغراب... في حين علياء نطقت...:"لا يمكنك فعل شيء لوحدك... خاصة أنكم لم تجدوا سلاحاً يحميكم..."
أحسست بخيبة أمل حنين... فعلياء لمست الوتر الحساس لدينا جميعاً... فذلك المدعو حسام خدعهم وأخذ نقودهم ولم يسلمهم أي سلاح... كان محتالاً كبيراً... فلجأوا لمساعدة الأبرياء...
_:"لا تتهوري!.. فخالد أخبرني بأنه قادم بسرعة... بقدر ما يمكنه الوصول خلال هذه اللحظات..."
هذه جملة عمار التي وجهها لحنين!...
لكن حنين غير أنها كانت تملك روح عبدالرحمن... لكنها تملك عناداً لا يقاس بعناد أحد...
خرجت لتتركني بين الحياة والموت...
لقد كنت خائفة جداً... لكن بعد خروجها... خر قلبي بين قدميّ رعباً...
فهذه الأصوات تذكرني بشيء ما!!...
ها هي اليد الضخمة تقبض على ساعدي... لتجرني خلفها... أحاول أن أصرخ مستنجدة بأحدهم... لكن اليد الضخمة تطبق على فمي لتجرني نحو... نحو ماذا؟؟؟... إنه زقاق يفصل بين بيتين...
دوى صوت انفجار آخر... قطع عليّ ذكريات الرعب التي لم أستطع أن أصل إلى شيء منها... لكن ماذا سيفعل بي هناك؟!.. من هو؟!.. وماذا يريد مني؟!!..
| +* +* +* +* |
|