لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-11-09, 12:49 AM   المشاركة رقم: 66
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
كاتب مبدع


البيانات
التسجيل: Jun 2009
العضوية: 147004
المشاركات: 5,481
الجنس أنثى
معدل التقييم: Jάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2060

االدولة
البلدMorocco
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Jάωђάrά49 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : HOPE LIGHT المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

هوب والله انا اعجبني الاسلوب الكامل في دقة الوصف
مبدعة انت وانا فعلا لست كذلك لو فقط البنات يقرؤون ويتشجعون سيجدون ابداع خلاقا هنا
اعرف لربما انت الان مع الدراسة والمشاغل لاتستطيعين ان تنزلي البارت بسرعة
انزليه متى شئت غاليتي مادمت حية سابقى لك متابعة
وعلى فكرة همسة:هل اكون مغرورة ان طلبت منك ان تكتبي لاجلي فقد عشقت الرواية بصدق
انتظرك لك مني تحية مفعمة بالامل لغذ جميل

 
 

 

عرض البوم صور Jάωђάrά49  
قديم 06-12-09, 08:36 PM   المشاركة رقم: 67
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 55383
المشاركات: 562
الجنس أنثى
معدل التقييم: HOPE LIGHT عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 14

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
HOPE LIGHT غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : HOPE LIGHT المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة jawhara49 مشاهدة المشاركة
  
هوب والله انا اعجبني الاسلوب الكامل في دقة الوصف
مبدعة انت وانا فعلا لست كذلك لو فقط البنات يقرؤون ويتشجعون سيجدون ابداع خلاقا هنا
اعرف لربما انت الان مع الدراسة والمشاغل لاتستطيعين ان تنزلي البارت بسرعة
انزليه متى شئت غاليتي مادمت حية سابقى لك متابعة
وعلى فكرة همسة:هل اكون مغرورة ان طلبت منك ان تكتبي لاجلي فقد عشقت الرواية بصدق
انتظرك لك مني تحية مفعمة بالامل لغذ جميل

أشكرك أختي جواهرة على تشجيعك لنا وعلى كلامك الذي يعني لنا الكثير...
بخصوص الجزء الجديد فقد انتهى فقط الآن هو في مجهر التددقيق ..فنحن لا نريد لقراءنا إلا قصة مكتملة من كل الجوانب وأن تخرج للقارء بأبهى صورة ...
إن شاء الله كمن يوم ويتم إنزال الجزء...
وأكرر شكري لك وعلى كلماتك الأكثر من رائعة ...
وبإذن الله إذا الله أمدنا في العمر فسوف نكمل القصة :)
دمتي بألف خير...

 
 

 

عرض البوم صور HOPE LIGHT  
قديم 25-12-09, 04:02 PM   المشاركة رقم: 68
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 55383
المشاركات: 562
الجنس أنثى
معدل التقييم: HOPE LIGHT عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 14

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
HOPE LIGHT غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : HOPE LIGHT المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

|+*| الورقةالثامنة من غصن الحرية |*+|





لازلنا في يوم الأحد.. الواحد من ديسمبر...
في إحدى البنايات الضخمة والراقية... هناك شخص اختفى عن أنظارنا فترة طويلة... وقد كتب على تلك البناية بخط رائع "مجمع النسيم"...


ماذا فعلت بنفسي؟!. أي ذنب اقترفته؟!. منذ أيام لم أذق طعم النوم... كلما وضعت رأسي على الوسادة زارني طيفها... أشعر وكأن ملائكة السماء تجثواعلى صدري... تخنقني...
آآآه ما أصعب تأنيب الضمير... ليتني مت قبل ذاك اليوم!.. فأنا الآن أشعر وكأني متهم خلف القضبان في محكمة الضمير... شعرت بروحي تائهةً وسط الأفكار التي كادت تقتلني...
آآآه ألف آه أتجرعها هنا... وليتها تقضي عليّ لتريحني...
أين أذهب الآن؟!. أين أذهب بوجهي أمام ابنتي؟!.

_:"أبي!.. أبي!.."
فزعت من مكاني على صوتها... نظرت إليها وهي واقفة حيث أنا مستلقٌ على تلك الكنبة...

سألتني باستغراب.:"مابك ياأبي؟!. منذ وقت وأنا أناديك وأنت لاتجيبني!.."
نظرت لها والحزن يعتصر فؤادي... أبحث بين طيات قلبي عن جواب... لاليس قلبي!.. فهذا القلب قد مات منذ أيام كثيرة... مذ سيطر الشيطان عليّ... وجردني من إنسانيتي... أصبحت جندياً من جنوده... فأطعته بما أمرني أن أفعله... إنني أحمــ...

_:"أبي!.. مابك ياأبي؟!."
قطعت علي تفكيري... وقطعت على ضميري تأنيبه لي...

جلست على الكنبة... لأغرس رأسي بين كفيّ... وأجيبها بأسى...:"ليس هناك شيء ياهدى!.. إنني تعب مما حدث لنا في اليومين السابقين..."
جلست بجانبي لتضع كفها الصغيرة على كتفي... وقالت لي...:"لابأس!.. هذا هو قضاء الله ياوالدي... ولا اعتراض على قضائه... فربما القادم خيراً..."

آآآه... آآآه يانفسي... ستقتلني بكلماتها العفوية... وطيبة قلبها... لا تعلمين ياهدى أي حجر تكلمين!.. وأي رجل أمامك... ليتك تعرفين حقيقتي... ليتك!..
_:"قومي ياهدى!.. واتركيني لوحدي..."

عقدت حاجبيها باستياء وقالت...:"أبي!.. أريد أن أطلب منك طلباً..."
أجبتها دون أن أنظر إليها... فأنا أخجل من نفسي وما اقترفته...:"اطلبي ما شئت!.."
ترددت قليلاً قبل أن تجيب...:"أريدك أن تأخذني إلى بتول... فأنا أريد الاطمئنان عليها..."

ماذا؟!. ماذا قالت ابنتي؟!. إنها... إنها تريد أن تذهب لصديقة طفولتها... لصديقتها التي دمرت حياتها بيدي هاتين... ياالله ساعدني!..
كيف يساعدني وأنا مذنب... وأنا عصيته!.. لكنني استعذت بالله من اللعين وابتعدت... لكني ابتعدت بعد ماذا؟!. بعد ماذا أيتها النفس اللعينة؟!.

_:"لابد أنهم ذهبوا لمنزل السيدة فاطمة... ولاأدري هل عادت بتول للمنزل بعد أن تركتني أم ماذا حل بها؟!. أبي!.. هل تعتقد بأنها وقعت بين يديّ أولئك المجرمين؟!."

رفعت رأسي... أحاول انتشال نفسي من بين هذه القضبان التي تخنقني... حبل المشنقة يلف حول رقبتي ويشدني... يأسرني الضمير في محكمته... تقيدني أغلال الذنوب... تؤلمني... تؤلمني جداً... ولا أستطيع فكها عن جسدي...

هذه فقط عاقبتك في الدنيا... أما فكرت في قبرك الذي كنت تعد له؟!.. بيتك المؤقت!.. أما فكرت في بيتك الأبدي؟!.. أيهما اخترت نار الله الموقدة؟.. أم الجنة التي أعدت للمتقين؟!.

_:"أبي!.. هل ستأخذني أم لا؟!. أريد الاطمئنان عليها..."

أنقذتني هدى من ضميري الذي استيقظ... بل حرمت نفسي من عذابها الذي يؤرقها... وجدت نفسي سابحاً في عرقي... مسحت جبهتي وأنا أجيبها...:"حسناً... ألا يمكنك الاكتفاء بالاتصال بها؟.."

طأطأت رأسها وهي تجيب...:"لا أعرف رقم منزل السيدة فاطمة... لكنني أعرف مكانه..."
هززت لها رأسي علامة الموافقة... ثم أجبت...:"جهزي نفسك قبيل المغرب آخذك إليهم..."

قبلت رأسي وهي فرحة... وانطلقت إلى غرفتها...

منذ مساء الأمس نحن هنا في هذه الشقة التابعة للشركة التي أعمل بها... فقد تهدم بيتنا من جراء الانفجارات... كما حدث لأغلبية البيوت المجاورة لنا...
ليت تلك الانفجارات أخذتني معها لتريحني من ذنبي... آآآه... آآآه ياإلهي... سامحني على ذنبي العظيم... إنني عصيتك... وأنا معذب الآن... معذب في دنياي قبل آخرتي...


|*+ *+ *+|



كنت أتجرع ألمي بصمت منذ الأمس... لم أتحدث مع أحدهم بتاتاً... يحاولون الحديث معي وأنا ألجأ إلى الصمت والذهول مما نحن فيه...

عندما رأيت الخاتم وسط كفه... حملتني الفرحة إلى أعلى السماء... إنه الذكرى الوحيدة التي بقيت لدي... فكل شيء ضاع وسط الركام... لم يبق لي سوى الخاتم وذكريات مخزنة في عقلي...
رآني مبتسمة... فرحة... فكانت السعادة تسكنه لي... عندما طبعت قبلة شوق على الخاتم... أحسست وكأني أقبل يد حسن... تمنيته لو كان موجوداً ليواسيني في فقدي لبتول... أختي الحبيبة...

بل تمنيت لو أن أمطار الأمس كانت أرواحاً ماتت... وعادت للحياة ثانية... عادت لأجسادهم المدفونة هنا وهناك...
لم أتمالك دموعي فبكيت أمام علي... الذي شعرت بملامح وجهه الحزينة تحاول التخفيف من مصيبتي... لكن!.. أريد أن أبكي بعد صمتي الطويل في الأمس... أريدأن أشكو همي وحزني بالبكاء...

أطلقت لساقي الحرية... فلم أشعر بنفسي إلا وأنا بين ذراعيّ أحمد... ضمني إلى صدره الحنون الذي استقبلني زمناً طويلاً... الذي كان يسلب الحزن من قلبي... ولكن اليوم قلبه يمتلأ بالحزن والغم... أمسكت به بشده وكأني أخشى فراقه...
همس بهدوء... لكن آلاماً تسكنه خرجت من بين ذرات أنفاسه...:"ابكي قدر ما تشائين... فقلبك يحتاج الراحة..."

ضربت ظهر أخي وكأني أفرغ طاقتي فيه... كانت ضرباتي قوية لكنه تحملني...:"آآآه... آآآه يا أحمد لقد رحلوا... لقد تركوني وحيدة يا أحمد... آآآه... آآآه أريدهم أن يعودوا... لكن كيف؟.. ليتني أذهب إليهم اليوم... ليتني أرحل..."
_:"سنرحل جميعنا... سنغادر الدنيا إليهم..."

توقفت عن ضربه لأمسك قميصه بكلتا يديّ بقوة... صرخت أنادي على بتول... وكذلك نطقت باسم حسن مراتاً عديدة... كانت بي طاقة هائلة من البكاء... رغم أني لم أنم طوال يوم الأمس... إلا أنني كنت أريد أن أبكي... أن أبكي فقط...

_:"آآآه يا بتول... بتول لماذا خرجت من المنزل يابتول؟.. بتول أين أنت؟!. عودي... آآآه ياأحمد لقد قتلوها... قتلوها كما قتلوا حسنًا... قتلوهم بدماء باردة... إنهم أنذال بلا رحمة... أين هم الآن؟.. أريد أن يعيدوا لي حسن... آآآه لقد رحل وتركني وحيدة..."
همس أحمد ثانية...:"لست وحيدة ياغدير... نحن هنا معك... جميعنا هنا لأجلك..."

صوته الحنون يتخللني... طبطباته عليّ تريحني... أعشق تلك الروح التي في داخله... فهي تسلب مني آلاماً مبرحة... وتضمد لي جراحاتٌ موجعه... غرست وجهي أكثر في صدره... وخارت قواي حتى لم أعد أستطيع إمساك قميصه من ظهره... لأن يدي انزلقت فلم تعد بي ذرة من القوة أبداً... سوى أني أتيت بيدي لأضعها بيني وبينه... ولازلت أغرس رأسي غرساً في صدره...


| *+ *+ *+|



إنه القدر الذي يحكمنا... ويسير بنا نحو أيامٍ مربكة... ويضع أمامنا أناسًا جددًا ليكونوا أهم الناس بالنسبة لنا...


مضى الوقت وأنا أجلس هنا على نارٍ موقدة... هي في الداخل مع تلك الفتاة التي ألتقيها للمرة الأولى كما البقية الذين حولي... لكن تلك الصغيرة مصيرها يؤرقني... فساعة أدعو بأن تصحو... وساعة أخرى أتمنى أن لا تصحو حتى لا تتذكر ماحدث... وربما يزيد ذلك من حالتها سوءاً...

عجبت من الفتيات اللاتي يقمن على مساعدة هذه المجموعة الصغيرة من الرجال... هناك من تعد لهم طعاماً سريعاً وخفيفاً... واثنتان تساعد ما اسم تلك الطبيبة كما يدعونها؟!.. نعم!.. حنين لديها ممرضتان كما أطلقت عليهما تساعدانها... أربعة فتيات في هذا المكان... مقابل هؤلاءالأربعة...

أفزعتني تلك الكف التي ربتت على ظهري... فالتفت سريعاً أنظر إلى صاحبها... :"لاتقلق... ستكون بخير... إن عمر حالته الآن مستقرة... وهذا بفضل الله تعالى ثم حنين..."

أتى عمار ناحيتي يحمل صينية أكواب الشاي... :"تفضل ياأخي... ولا تقلق على الفتاة ستكون بخير بإذن الله تعالى... كلنا هنا أصابتنا إصاباتٌ بليغة... وانظر إلينا في كامل صحتنا ولله الحمد..."
أخذت كوباً وأنا أستمع لكلامه المطمئن...:"حمداً لله على كل حال... أتمنى أن تكون بخير... ولكن إن استفاقت فهي ستتذكر ما حل بها..."

تكلمت تلك الفتاة القادمة ناحيتنا وبيدها طبقاً من الشطائر...:"لو استفاقت وتذكرت ما حل بها... ستكون كارثة بالنسبة لنا... لازالت صغيرة... فكيف لنا أن ننسيها الحادث؟.. فربما يولد لديها خوف من الرجال..."

كل منا أخذ شطيرة يلتهمها... ليسد بها جوعه... غبت عنهم إلى خضم أفكاري... لكن قبل أن أتعمق في تلك الأفكار طرأ في عقلي أسئلة عديدة...
التفت إلى خلفي أبحث عن عبدالرحمن... لكنه لم يكن موجوداً... كانوا ثلاثتهم يستمعون إلى الفتاة التي أعدت الشطائر... عن أحوالهن في فترة غيابهم... نظر إليّ محمود فقال لي.:" مابك ياخالد؟!. أشعر وكأنك تريد السؤال عن شيء... قل ولا تخجل... فأنت الآن واحدٌ منا..."

سكتت الفتاة التي كانت تطمئنهم على الأوضاع ونظروا جميعاً لي... شجعتني بقولها...:"كلنا هنا أتينا لا نعرف عن بعضنا البعض شيئاً... لكن نتشارك في المصائب والأهداف... فسأل لنسألك أيضاً..."

ازدردت ريقي وسألت مباشرة...:"لا أدري عن ماذا أسأل... لكن طلبتم مني الانضمام إليكم لأن أهدافنا تقابلت... فأود السؤال هل هذا هو عددكم أربع فقط..."
ابتسم عمار وأجاب...:"لسنا أربعة... نحن ثمانية أشخاص..."
أشار عبدالرحمن لكل واحد وهو يذكر أسماءهم...:"محمود وعمار أخوان... علياء أختٌ لعمر... سعاد ومريم في الداخل أختان... حنين أختي وجارتي سابقاً... وأنا..."

هنا خرجت إحدى الفتيات من الغرفة المجاورة لنا... سألتها مباشرة...:"هل هي بخير؟!."
_:"لاتقلق..."

انطلق محمود يحادثني...:"والآن أنت خالد... معك أختك التي نجهل اسمها حتى الآن... ونحن هنا كلنا إخوة وأخوات..."
_:"شكراً لكم جزيلاً... وهل تعيشون جميعكم هنا في هذه الشقة؟!."

أجابني في هذه اللحظة عبدالرحمن...:"الفتيات هنا... أما نحن فلدينا الشقة السفلية لهذه البناية... فحارس البناية رجل عجوز لكنه يقضي يومه على سجادته... وإن كان عند البوابة فممسكاً بقرآنه يقرأ..."

_:"أي أنكم مطمئنون منـــ.."

قطعت جملتي الطبيبة حنين وهي تخرج من الغرفة إلينا... نهضت من مكاني وعيناي معلقتان بها... أسرق من حركاتها المنهكة خبراً يريحني...
نظرت إليّ... ثم اتجهت إلى أول مقعد أمامها... فسألتها مباشرة...:"كيف حال الفتاة؟!."
ابتسمت بإرهاق ثم نظرت إلى وجوهنا واحداً تلو الآخر... مما زاد حيرتي وقلقي... لكنني التزمت الصمت...

ولم تمض دقيقة واحدة حتى قالت...:" إنها بخير... وحالتها جيدة جداً..."
ارتحت من كلماتها... :"حمداًلله..."
_:"لكن... هناك ما يقلقني... إن الضربة التي أتت على رأسها من الخلف قوية جداً... وربما تفقد ذاكرتها أو جزءاً منها..."
نظرت إليها بقلق شديد... فسألتها...:"ألا توجد طريقة تعيد إليها ذاكرتها؟!."

هزت رأسها سلباً... وهي تجيبني...:"للأسف لا... لكن إن كانت هناك أشياء تسبب لها انفعالات شديدة... أو حتى صدمة قوية... فهي ستحاول أن تتذكر... لأن الإنسان بطبيعته يكره العيش دون أن يعرف من يكون... وهذا سيجعل وضعها صعباً بيننا..."
_:"إلا في حالة واحدة؟!."

كانت هذه جملة عبدالرحمن... الذي تعلقت به عينيّ... فأجاب...:"وجود أحد من أقربائها هنا!.."

ماذا؟!. كيف هذا ونحن لانعرف من تكون هي؟!. ماذا يعني بذلك؟!.
قطع عليّ تفكيري عمار... :"فكرة صائبة... ولكن كيف؟!."
ابتسم محمود وهويقول...:"خالد... هو أقرب شخص منها!.. وبذلك سيكون قريباً لها..."

عقدت حاجباي وأنا أسألهم...:" ماذا؟!. إنني وجدتها بالصدفة... فكيف لي أن أكون قريباً منها؟!. ثم إنني لا أعرف اسمها حتى... أو إلى أي بيت تنتمي؟!."

ضربت حنين رأسها براحة يدها وهي تقول...:" ياالله!.. ألا تعرف شيئاً يسمى الادعاء؟.. عندما تفيق يمكنك أن تخبرها بأنها ابنة خالتك.. أو عمتك... أو حتى أختك... واختر لها اسماً من الأسماء..."
تكلمت أخت عمر... علياء...:"إنهم محقون!.. لأنها لو تذكرت شيئاً مما حصل كما قلنا سابقاً فستكون كارثة بالنسبة لنا... لكن إن أحست بقرب أحدنا إليها مثل الأخ فسترتاح أكثر..."

_:"سنكون نحن معك في هذا الطريق... من أجلها!.."
إنها مريم من تحدثت... تبعها محمود قائلاً... :"إنها يتيمة الآن... وتستحق كل المساعدة منا جميعاً..."

كلماتهم... ابتسامتهم... موقفهم هذا... بل كلما حدث لي معهم... لن يمسح من ذاكرتي...


| *+ *+ *+|



ربما نتغير!.. ربما تغيرنا الأيام والليالي... ولكن ليس بالكثير...


_:"ماذا بكما؟!. أخي ما الذي حدث لكما؟!."

وقفت أنظر لوسام وأمي... شكلهما مخيف... أمي دموعها تنهمر دون توقف... أما وسام فيبدو عليه الصدمة...

هززت وسام وأنا أسأله... :"وسام!.. ماالذي حدث؟!. أجبني ياوسام؟!."
ارتفعت عينيه إليّ... نظرات لم أعرف كيف أفسرها... إنها غريبة... غريبة جداً... لكن الألم يطغو عليهما...
عقدت حاجبيّ باستغراب... فسألته...:"وسام؟!. أهناك شيءٌ يؤلمك؟!.."
_:"لقد... ماتت!..."

ما الذي قاله أخي للتو؟.. :"ماذا؟!. من هي التي ماتت؟!."
إنه يتحدث بألغاز محيرة... :"أختي ماتت... لقد قتلت!..."

نظرت إليه بغرابة شديدة... يقول [[أختي ماتت]] وها أنا أقف أمامه... لا أشكو من شيء...
صرخت عليه...:"وسام أرجوووك!.. تكلم جيداً... فأنا لا أفهمك؟!. أمي تبكي وأنت تقول بأني مت!!.."

هز رأسه وقد خرت دمعة من عينه... :"إنها بتول ياحوراء!.. بتول قد ماتت!.."
اتسعت حدقتا عيني وأنا أسمع كلماته... :"كيف؟!."

شهقت أمي وهي تجيب عن سؤالي... :"كله بسببي!. لقد تركتها لأنسى الماضي الأليم... والآن هي تتركني... آآآه... لقد هربت من الجحيم الذي عيشتها فيه... آآآه..."

هل ما تسمعه أذناي معقول؟!.. أمي تعاتب نفسها!.. هل يمكن أن ضميرها قد استيقض من سباته؟.. لكن للأسف تأخر في نومته!..

كنت أتأمل ذلك الوجه الذي كان جامداً طوال اليوم... تأملته فترة طويلة... فاليوم اختلف عما كان عليه سابقاً... إنه حزين... كئيب... متألم... والأهم من كل هذا نادم!... هل هي أمي حقاً؟... كانت تقسو علينا ولا نرى عليها أي علامة تدل على الندم... واليوم أراها في بحر من الندامة والأسف...

شلني التفكير عن الاحساس بأي مخلوق من حولي... إلا أمي!..
فلا أنا ولا وسام نعرف بتول أو التقينا بها... فلا يبدو علينا التأثر بما حدث... أما هي... فلا أدري كيف أصف حالها... فقد حملتها تسعة أشهر في أحشائها... رغم أنها قاسية... إلا أنه هناك بصيص من الرحمة يحتويها...


| *+ *+ *+|



نزلت أجر قدميّ جراً... وأسحب نفسي إلى الأسفل كرهاً... أول خطوة أخطوها إلى الصالة... حيث يجتمع الجميع فيها على مائدة الإفطار... التفتوا إليّ يسرقون مني خبراً يريح نفوسهم... خاصة أمي التي قفزت متجهة إليّ... وريم التي أتت خلفها...

سألتني أمي:"هل نامت؟!. كيف حالها؟!."
وريم لحقتها بالأسئلة...:"هل هي بخير؟!. لماذا لم تكن تريدنا؟!."

رفعت كفي أوقفهما عن الاستمرار في الأسئلة التي أنا نفسي لا أعرف إجابتها... لكني أجبت مختصراً كلهذا...:"إنها نائمة بسلام... تحتاج لأن ترتاح قليلاً..."

نادى عليّ أبا علي لأجلس بجانبهم على المائدة... فاتجهت إليهم... قبلت رأس والدي وجلست بجانب عليّ... الذي تبين لي أنه منهك جداً... نظرت إليه... لكن فاجأني مظهره!.. ملطخ بالوحل والطين... قال لي وهو يبتسم لنظرات الاستغراب التي تكسوني...:"صباح الخير!.."
_:"صباح... صباح الخير... مابك ملطخ هكذا؟!."

فأجابني وهو ينظر إلى كوب الحليب الدافئ أمامه... :"في يوم ما!.. أسر إليّ أحدهم بنصيحة أن لا أخبر أحداً عن عملي..."

ابتسمت رغماً عني... فهذه مقولته الشهيرة... أي أنه لن يبوح بما يخفيه أبداً... كدت أتذكر أحداثاً قديمة نطق بهذه الجملة... لكن خالتي سألتني...:"ماذا تشرب ياأحمد؟!. حليب أم شاي؟!."
_:"الاثنان معاً ياخالة..."

إنها أيام رائعة رحلت... أمسكت بقطعة الخبز العربي لأدهن بها بعضاً من الجبن الأبيض... ولكني غرقت في عالم الذكريات...
كنا نلعب في الحديقة بمرح... حين اتفقنا أنا وعلي على الايقاع بالفتيات... غدير وكوثر... تقدم عليّ إليهما... وبيده دلو الماء البارد...
سألته غدير [[ماذا تفعل بدلو الماء؟..]]
ابتسم وهو ينظرإليّ... [[ أسر إليّ أحدهم بأن لا أخبر أحداً عن عملي...]] وسكب الماء عليهما... كان الجو حاراً يومها اعتقدنا بأنهما ستغضبان لكن تفاجأنا بهما تصرخان...[[مرة ثانية... مرة ثانية]] مشاغبتان...

بقينا طوال فترة العصر هكذا... يسكب كل منا الماء الباردعلى الآخر... وعندما دخلنا إلى هنا كانت أمي وخالتي تتسامران بالحديث وشرب القهوة... سألت أمي عما حدث...
فنطقت أنا وعلي [[ أسر إلينا أحدهم أن لا نخبر أحداًعن أعمالنا...]]...
أيام ليتها تعود... كادت أمي أن تضربني... وخالتي تضرب علي... لكن غدير دافعت عن عليّ... [[أرجوك خالتي أنا التي طلبت منهما أن يسكبا الماء علينا...]]
أما أنا فوقفت أنظر إلى عليّ الذي حصل على من يدافع عنه أما أنا فلا... حينها أتت غاليتي تضم قدمي... وتسحبني بعيداً عن أمي... حتى لا أضرب...

أين أنت؟!. لقد دافعتي عني في صغرك... وعجزت عن حمايتك وأنت غاليتي... امتلأت عيني بالدموع... وأنا أتذكر يديها الناعمتين تناديني...

_:"أحمد!.. مابك بني؟!."
رفعت رأسي أبحث عن محدثي... كانت أمي هي من تسألني... نظرت إليها... فسألني أبي..:"فيما أنت شارد الذهن؟!.."
هززت رأسي وأنا أجيب...:"لاشيء!.. سوى بعض... بعض الذكريات..."

نظرت للجميع... لأرى علامات التعجب ترسم لوحة على وجوههم... فقلت متداركاً أي سؤال يطرح ثانية...:"أمي!.. كيف هو حال جدة حسن؟!."
ارتجفت عينا أمي غير مصدقة أذنيها... فسألتني...:"ما الأمر أحمد؟!. هل غدير وصلها خبر ما عنها؟!."
فقلت...:"لا... لا أعتقد!.. إنما سألت لأن غدير لم تزرها منذ فترة... والآن في هكذا وضع يجب أن نسأل عنها ونطمئن عليها..."


| *+ *+ *+|

لحظات تبكي الشمس فيها... وتطلب يداً تكفكف دمعها...
المنطقة الجنوبية... التاسعة والنصف صباحاً...


استيقضت من نومي فزعاً... لا أدري ما الذي أصابني؟!.. فطوال الليل لم أنم جيداً... نظرت إلى النافذة التي تسترها عني ستارتي الثقيلة... فركت عينيّ ونهضت نحو النافذة... أزحت الستارة فدخلت أشعة الشمس الخفيفة تطرد النوم من غرفتي... وقفت أتأمل منظر الحديقة الصغيرة أمام منزلنا الصغير... وذلك الشارع أمامي... الذي لازال نائماً... فالناس لازالوا في بيوتهم أونائمين... أما أشجار حديقتنا... فكانت نائمة نوعاً ما... لأنها صغيرة... ولا طيورتسكن أغصانها... منظر رائع جداً...

خاصة مع تلك الأمطار التي زارتنا فجراليوم... أصواتها وهي وتتراقص على نافذتي... أنغامٌ موسيقية عذبة... أدخلت إلى قلبي السرور... آآآه صحيح حتى الطيور اختفت اليوم هاربة من المطر... أنعشت قلبي بهذا المنظر... فمددت يدي إلى مزلاج النافذة لأفتحها فتنتعش روحي برائحة المطر العذبة...

لكن بدور المزعجة دخلت تفسد عليّ نشوتي... :"صباح الخير..."

التفت إليها وأنا أكمل فتح النافذة...:"صباح النور... كيف حالك اليوم؟!."
أتت لتجلس على حافة النافذة وهي فرحة جداً...:"بخير أيها الكسول... إن الجو رائعٌ جداً وأنت للتو تستيقض..."

أدخلت كمية كبيرة من الهواء إلى جوفي... ثم نظرت إليها وأنا مسرور لأنها تغيرت عن اليومين الأخيرين... :"لم أنم جيداً البارحة... أحلام مزعجة... ومرقد كئيب..."

مباشرة توجهت عيناها الصغيرتان إلى الفراش الذي يجاور فراشي... مازال كما هو... لم يتغير!... أحسست بدمعة تتسلل إلى عينيها... أمسكت تلك الدمعة بكل ما أوتيت من قوة... وأدارت وجهها إلى الخارج... تنظر في الأفق إلى تلك السماء الممطرة... وهمست بخفة... كأنها تحادث قطرات المطر...

_:"إنه يعشق هذا الجو!.. يحب أن يترك كل شيء في مثل هذا الوقت من السنة... ليجلس عند تلك الشجرة... بجانب الباب... يتأمل المنظر... وأحياناً يأخذني معه إلى وسط المزارع... نجلس تحت قطرات المطر مهما اشتد... لا أدري هل يحظى بمثل هذه اللحظات أم أفضل منها!.. أم أسوأ؟!."

[[بدور!... كم يؤلمني حديثك!..]]
خرت تلك الدمعة... فلم تعد قواها تمسك بأي شيء!.. إننا جميعنا نحبه... أمي وأنا وبدور... لكن بدور بصورة مختلفة جداً... فهي دوماً ترى خالد بصورة الأب الذي تفتقده... خمس عشرة سنة وهي لا ترى غيرنا نحن الثلاثة... ولم ترَ أباً لتقول له أبي... أما خالد... فهو الأب... والأخ... والصديق... ليتك لم ترحل ياخالد!... ليتك بقيت هنا تعمل وتكد أفضل من سفرك إلى الشمال...

أكملت حديثها بسكين تقطع أوتاري...:"ليتني مت قبل رحيله!.. حبيب!.. أتعتقد بأنه سافر ليتزوج؟.. أرجوك حبيب!.. اتصل به وأخبره أنني سأوافق على زواجه من أي فتاة يريد!... لكن أرجوك أريده أن يعود لنا..."

خرجت من الغرفة تجري... ودموعها كالمطر تسيل...

آآآه... ماهذه الأيام اللعينة التي تمر علينا!... لقد بت أكره العيش وسط الدموع... نظرت للسماء أناجي الله ليسعفنا... ليرسل إلينا ملائكةً تكفكف دموعنا... متى ستعود ياخالد؟!. لتكفكف دمعة هذه اليتيمة!... متى!...


|+* +* +*|





وسط الدخان الكثيف الذي ينبعث من سيجارة ترقد بين أصبعين... وصاحبهما شارد في عالم آخر... بعيداً عن كومة أوراق ترقد على المكتب أمامه... وبعيداً عن تلك الانفجارات التي تحدثها أوامره...

أزعج تفكيره رنين هاتفه المحمول... نظر إليه وهو عاقدٌ حاجبيه... حمله بيمناه بعد أن دفن سيجارته في المقبرة المستديرة... أجاب على المتصل بصوت أتقن الأجنبية منذ الصغر...:"مرحباً بهذا الصوت!.."

_:"مرحباً بك جوزيف!.. أم أنك تفضل اسمك العربي؟!.."

قهقه صاحبنا وهو ينهض من كرسيه متجهاً إلى النافذة التي أمامه... :"إنه اسم أخفي به هويتي الحقيقية عن الغرباء... للتوكنت غارقاً في تذكر مدينتي الرائعة..."
_:"أووووه... وماذا كنت تتذكرمنها؟!."
_:"لا عليك!.. أعلم أن اتصالك تطلب منه معرفة أخبار العرب..."

بنبرة يملؤها الحقد والكراهية :"اممم إن كنت لا تمانع... نعم أريد أن أعرف الأخبار..."
ابتسم يوسف وهو ينظر إلى الأفق أمامه... كيف يصف ماتراه عيناه... لقد أصبح في وسط المدينة منذ يومان... وهو يرى بأم عينه كل قنبلة تهوي من السماء لتفجر بيوتاً يستظل تحتها أناساً يسكنون في سعادة أصبحت شقاء...

_:"اسمع!.. رجال يهربون وهم يحملون على أعتاقهم مايحتاجون إليه... سلاح أو ماشابه... امرأة تلوذ بأي حائط يقيها وابل القنابل المتساقطة هنا وهناك... وفتاة صغيرة تمسك بدميتها وتجري خلف أمها... أحياناً تتعثر بحجر ما... وأحياناً أخرى تقف محتارة في أي طريق ذهبت أمها... مارأيك بهذه الدراما أبطالها عرب؟.."

_:"والمخرج أجنبي... إنها دراما رائعة جداً جداً... لكن لا أرى أي سعادة عليك..."

غرق يوسف ثانية في عالمه المجهول لدقيقة أو زيادة... :"مابك؟!. أيحزنك ما حدث!.. وتريد الانسحاب؟!."
ابتعد يوسف عن النافذة وهو يجيب...:"لا لم أعنِ ذلك... لكني لاحظت أن جمالًا يلعب عليّ..."

_:"جوزيف!.. إنني أعرفك جيداً لا تخشى من هؤلاءالفئران... إنما هناك شيء يقلق راحتك..."

أخرج يوسف شيئاً من بين أوراقه وأخذ يتأمل فيه بتفكير قبل أن يقول... :"ليس مهماً...تذكرت شيئاً يتعلق بالماضي!.."

ضحك الرجل في الجهة الأخرى وهو يقول...:"إذن فأنت لازلت تذكرها!..."
ابتسم يوسف وهو يجيب صاحبه...:"نعم!.. كانت لي معها أيام ٌرائعة... لولا عنادها... وأظن أنني رأيتها في الأمس أو امرأة تشبهها..."


| *+ *+ *+ |





مر اليوم سريعاً... لولا الدمعة التي تقبع في الجوار... ولولا وجود الخوف يقبع على الوجوه... ليرسم لنا خطوط الحكاية...
السادسة وخمسة عشر دقيقة... من مساء يوم الأحد...




أشعر بصداع شديد... وعيني تؤلمني جداً... نهضت من فراشي... أقصد فراش كوثر ابنة خالتي... اتجها إلى المرآة الموضوعة في أحد الجوانب بعد أن أشعلت النور... كنت أود أن أرتدي حجابي لأذهب لدورة المياه بجانب الغرفة... لكن مارأيت في وجهي استوقفني... عيناي محمرتان جداً... ومتورمتان أيضاً... لابد أنني بكيت كثيراً هذا اليوم... وكذلك نمت كثيراً فقد كانت عقارب الساعة المعلقة على حائط الصالة في الطابق العلوي تبتعد عن السادسة والربع... دخلت إلى دورة المياه غسلت وجهي وتوضأت لأصلي ما فاتني من صلوات...

وبعد أن انتهيت بدأت أعيد أحداث اليومين الفائتين في مخيلتي... كانا من أشد الأيام التي مرت علينا جميعاً... نظرت إلى يمناي... إلى ذلك الخاتم الذي طوق إصبعي سنة كاملة...دون أن يتغير مكانه...

أبعدت عني ذكريات آلمتني كثيراً... لأنهض وأنزل إلى الأسفل... فالهدوء يخيم على المنزل كله... وهذا ماجعلني أذهب للأسفل... عند نهاية السلم كانت هناك همهمات أحاديث متفرقة...

تقدمت أكثر ناحية باب الصالة لأجدهم جميعاً هناك... انتبهوا لوقوفي أمام الباب فعم عليهم الصمت وبدأوا يحدقون بي... تكلمت أقطع الصمت والتحديق معاً... :"السلام عليكم!.."

ردوا التحية عليّ... وأشارت لي والدتي بالجلوس بينها وبين أختي ريم... فالأماكن محجوزة من قبلهم جميعاً... توجهت إلى هناك مباشرة... تكلم والدي يسألني:"هل نمت جيداً عزيزتي؟!."
أجبته مبتسمة...:"أجل!..."

ثم انخرط في إكمال حديثه مع زوج خالتي عن الإعداد لعزاء بتول...آآآه يابتول!.. الحمدلله الآن يبدو عليهم الهدوء قليلاً... نظرت إلى وجوه الجالسين فرداً فرداً... كل منهم يحاول أن يشغل نفسه بشيء ما... يريدون أن ينسوا الحادثة الأليمة... عليٌ يحاول جذب أطراف الحديث مع أحمد ولكن أحمد في عالم آخر... سافر إلى البعيد بأفكاره... لابد أنه يتذكر تلك الأيام الرائعة التي ألقت ببتول في منزلنا...

برؤيتي لأحمد يحاول التركيز مع علي ولكنه يعاود الضياع مرة أخرى... تذكرت أنا بدوري حسن... والأيام التي جمعتنا سوية... لكن هناك صورة امرأة تشع في ذاكرتي... جدته التي ترقد الآن في المشفى... ياترى ماحالها الآن؟!.

_:"أحمد!..."

فجأة نطقت باسم أخي... فالتفت الجميع ينظرون إليّ بغرابة... تداركت الأمر... حينما نهضت وجلست بجانب أحمد وعليّ الجالسان على الأرض بالقرب من الباب... نظرا إليّ وعلامات التعجب تلون وجهيهما...

_:"أيمكنني أن أطلب منك طلباً صغيراً؟!."
اعتدل أحمد بجلسته وأجاب بمودة...:"اطلبي ماشئت غدير!.."
نظرت إلى علي الذي كان ينظر إلى تقاسيم وجهي... ثم أعدت نظري بخجل إلى أحمد وأنا أجيبه... :"أريد الذهاب إلى المستشفى!... أريد الاطمئنان على الجدة!.."

سكت برهة وأنا أحاول استنتاج جواباً يشفي غليلي... لكنني قلت قبل أن يجيب بحرف واحد... :"أرجوك أحمد لن أطيل هناك سوى دقائق قليلة جداً..."
نظر إلي بابتسامته الحنونة وهو يجيبني...:"طلبك أمراً غاليتي... هيا تجهزي للنذهب سريعاً إذ الانفجارات خمدت قليلاً..."


| +* +* +* |





سمعنا طرقات على باب الشقة التي تضمنا... تطلعنا إلى بعضنا البعض... فنهض عبدالرحمن أولنا إلى الباب... نظر عبر العين السحرية... ثم التفت إلينا وهو يقول...:"إنها حنين وعلياء..."

فتح عبدالرحمن الباب... في حين أنا وعمر اتجهنا ناحيتهم نتطلع ماالأمر...
_:"السلام عليكم..."
أجبناهما سريعاً...:"وعليكم السلام..."

رأيت حنين تبتسم وهي تنظر إليّ... أحسست بأنها تحمل في جعبتها شيئاً يسر القلب... فسألتها مباشرة...:"هاتي ماعندك من أخبار؟!."
اتسعت ابتسامة الفتاتين... ثم قالتحنين...:"اممم!.. لقد استفاقت..."
نظرت إليها غير مصدق ما تقول... تقدمت علياءوهي تمسك بيد عمر... :"مابه هكذا؟!. أيقضوه من سباته ليذهب ويرى أخته..."
سألت بعد أن تجمعت أفكاري وترتبت... :"هل هي بخير؟!."
ابتسمت لي حنين وهي تقول...:"يبدو أنك ستقف وتسأل والفتاة تنتظرك في الأعلى..."

سألها عبدالرحمن بصوت حازم قليلاً...:"هل هي بخير ياحنين؟!."
أجابت مباشرة...:"نعم... لكن يبدوأن توقعاتي أصبحت واقعاً... فقدت الذاكرة..."
نظرت إليها ببلاهة وقلت...:"ماذا؟..."

أمسكني محمود وجرني خلفه... :"ماذا تنتظر؟!. هيا يارجل اذهب إليها إنها بانتظار أحد ما!.."
لم أكن قد خططت لهذا الموقف سابقاً... لم أنتبه لنفسي إلا وأنا في تلك الغرفة... المعقمة نوعاً ما... وأمامي سريراً يكتسي البياض... تجلس عليه فتاة صغيرة... لا أدري كيف أصفها!..

وجه يتلألأ كاللؤلؤ الأبيض... وشعر بلون الكستناء... عينيها بحر غرقت فيه... فهي لاتحمل معنىً واحد لتلك النظرات التي ترمقني بها...

دفعني محمود هامساً...:"أدخل إلى أختك ياهذا!.."

ازدردت ريقي بصعوبة... في حين خرجت الأختان سعاد ومريم وخلفها الباب أغلق... يالهم من مجموعة... لقد لعبوا دور الأصدقاء وجعلوني أخاً لهذه الفتاة الصغيرة...

حاولت جمع أفكاري... هي تحدق بي... وأنا واقف بقرب الباب... لم تتحدثولم تنطق بحرف واحد... لكن حالما ابتسمت لها...:"كيف حالك الآن؟!."

ظمت رجليها إلى صدرها ولفتهما بذراعيها... أحسست بالخوف يقفز من عينيها... وبريق الدموع يتلألأ في مقلتيها... حاولت طمأنتها...:"لاتخافي!... فهذا أنا!... ألم تعرفينني؟!.."

يالي من أبله!!.. كيف لها أن تعرف من أنا؟!. وهي للتو تنظر إلى وجهي... تقدمت قليلاً للأمام... وبكل خطوة أخطوها تظم نفسها أكثروأكثر...
_:"لاتخافي أخيتي!.. إنني خالد أخوك... لا تخافي مني فأنا لن أوذيك أبداً..."

عقدت حاجبيها وهي تقول...:"إنني خائفة منك!.. أرجوك لاتقترب!... فأنالا أعرفك..."

رحماك ياالله!.. كيف سأحدثها؟.. كيف ستعيش هنا بيننا؟!. لأحاول أعادة الذاكرة إليها ببضع أسئلة...:"ألا تذكرينني؟!.. ألا تذكرين اسمك عائلتك؟!.."
نظرت إليّ باستغراب وخوف...:"لا... من أنا؟!. وأين نحن الآن؟!."

لم أعرف بما أجيبها... لكن استرسلت قائلاً...:"أنا اسمي خالد... يقال بأني أخوك... ونحن الآن في شقة من شقق البلدة... وأنت... وأنت لاأدري!..."

عقدت حاجبيها وهي تسألني...:"ماذا يعني لاتدري؟!. هل فقدت ذاكرتك أنت الآخر؟!.. أريد أن أعرف من أنا... فأنا لاأذكر شيئاً... سوى أنك!.. سوى أنك تخيفني!.."
إنها لاتتذكر شيئاً مما حدث... بل لا تتذكر شيئاً عن حياتها السابقة... كيف يمكنني التعامل معها على أنني أخيها؟..

قطعت أفكاري بسؤالها...:"لم كل هذه الضجة في الخارج؟!. وكأن السماء تمطر؟!."

اتجهت للنافذة أبعد عنها الستارة التي تحجب عنا الأجواء في الخارج... كانت كما قالت... السماء تبرق... كأنها ستمطر... وأكد ذلك وصول قطرة مطر على زجاج النافذة... قلت بصوت هامس أحاكي نفسي دون أن أنتبه للفتاة خلفي... :"إنه مطر!.. أروع وقت في السنة!..."

سمعتها تسأل؟!.:"مطر!.. هل اسمي حقاً مطر؟!."

التفت إليها سريعاً... أنظر لها بغرابة لماذا ربطت كلمة مطر باسمها؟.. فقلت لها متسائلاً...:"ماذا؟!."

_:"سألتك عن اسمي وأجبتني أنه المطر!.. فهل اسمي مطر؟!."
لا أدري ماذا أقول... لكنها أنقذتني من التفكيرالعقيم باسم لها... ومطر عشقي!.. لأنه يذكرني بأختي الحبيبة بدور...

نظرت إليها وعيناها تتلألآن بالدموع... ووجهها الذي أصيب بالكدمات... كانت نظراتها إليّ تدل على البراءة... وكذلك بريق الضياع أراه... وسأبقى أراه في هاتين العينين لفترة طويلة... أجبتها بعد طول انتظار منها...:"نعم!.. اسمك هو مطر... فالمطر غيث من الله تعالى... وأتيت إليّ لتغيثيني من عذاب الله في الدنيا والآخرة... أنت مطر!.. أنت أغثتني من الكثير"...



|+* +* +*|






هدوء يسبق النحيب!.. ويزلزل الأرض بمن عليها!..
في منزل الخالة فاطمة...



وصلنا إلى منزل الخالة فاطمة أنا وأبي... كنت أود زيارة بتول صديقتي الحبيبة... أريد أن أطمأن عليها... فأنا لاأدري عنها شيئاً مذ آخر لقاء بيننا... سوى الخبر الذي صدمني من عائلتها بأنها لم تعد للمنزل في ذلك اليوم...

نزلت من السيارة واتجهت ناحية الباب لأضغط على زرالجرس... أما أبي فلا أدري مابه!.. رفض النزول وتحمد السلامة لعائلة السيد مصطفى... حقاً لاأدري مابه...

فتح الباب أمامي ليظهر من خلفه فتى قصير القامة نوعاً ما... لكنه بدين جداً حيث سد الباب وحجب ماخلفه...
كنت أحدق فيه بدهشة وتعجب... عقد حاجبيه وهو يسألني...:"ماذا تريدين؟!."
تلعثمت الحروف في حنجرتي...:"آآآ... اممم.... أريدُ!.. أريدُ!!!"
قال بحدة...:"مابك؟.. هل أنت بلهاء؟!."

تجمعت شجاعتي وأنا أقول...:"عفواً... أريد رؤية بتول..."
اتسعت عيناه وهو ينظر إليّ... وعلامات التعجب والحيرة ترتسم على وجهه الدائري!... سألني...:"من تريدين؟!."

_:"أريد مقابلة بتول ابنة السيد مصطفى!.. وربما تكون والدتك خالتها!..."
سكت لحظات يفكر... ثم قال...:"انتظري لحظة..."

ثم اختفى خلف الباب الآخر لبضع دقائق... ثم خرج لي مجموعة من أفراد العائلة... السيدة غيداء والسيد مصطفى وكذلك أحمد وريم... وأفراد عائلة هذا المنزل أيضاً... عندما نظروا إليّ عرفوني مباشرة... رحبت السيدة غيداء بي وطلبت مني الدخول... أما السيد مصطفى فسألني عن أبي وتوجه إليه...
جلست على إحدى الكنبات بجانب ريم... كنت أنظر إليهم واحداً تلو الآخر... أبحث عن بتول!.. لكنني لم أجدها بين تلك الوجوه المتلهفة لمعرفة سبب قدومي... وأنا لاأدري لم كل هذه اللهفة!..

سألني أحمد دون مقدمات...:"هل لديك شيء ياهدى؟!."

ازدردت ريقي بصعوبة... فسؤاله غريب جداً... سألتني بعده الخالة غيداء...:"لاعليك من أحمد الآن... أخبريني كيف حالك وحال والدك؟!."
_:"نحن بخير ولله الحمد!.. لكن أين بتول؟!."

اتسعت العيون وهي تنظرلي للحظات... ثم نكست رؤوس البعض... والبعض الآخر لازال ينظر إليّ... هل قلت شيئاً خاطئا؟!. أم أنني فقدت صوابي لينظروا لي بهذه الطريقة...

شهقة خرجت من ريم... التفت إليها فرأيتها تنكب في حجر الخالة غيداء... ماالذي حدث؟!.. ودمعة هربت من مقلتي الخالة... زادت من حيرتي وقلقي على صديقتي وأختي الحبيبة... لاأدري ماالذي يمكنني قوله في هذه اللحظات... لكني سألت ثانية...:"أين بتول؟!. هل!.. هل حدث لها مكروه أم ماذا؟!.."
علا صوت بكاء ريم... والخالة تحاول أن تتماسك وترمي بالبكاء بعيداً... فقالت لي...:"لقد رحلت عنا..."

عقدت حاجبيّ بتساؤل... هل يمكن أنها ذهبت لتتزوج من ذلك العجوز الذي قالت عنه؟!. أم أنها فضلت العيش لدى والدتها؟!.
أكملت تساؤلاتي...:"ماذا تقصدين بأنها رحلت؟!. وأين رحلت؟!."


_:"ألا تفهمين!.. إنها!.. إنها!!.."

نظرت للمتكلم... كان أحمد الذي حاله انقلب مئة وثمانين درجة... وجهه احتقن بالدم... وعيناه غارقتان بالدموع... وضع كفه على فمه... يمنع بضع كلماتٍ من الخروج والوصول إلى أذنيّ... كنت أنظر إليه بغرابة ودهشة وقلق وخوف... كل شيء اختلط فيني ولم يعد بإمكاني فهم مايحدث من حولي... لم أفهم شيئاً من تعابير وجوههم وحالتهم الغريبة...

بانت غدير من خلف أحمد الواقف قبالة الباب... نظرت إليها فنظرت إليّ مثل النظرات التي كانوا جميعاً ينظرون لي بها... وقفت أريد أن أسلم عليها لكنها قالت لي والدمعة علقت بين أهدابها...:"لماذا أتيتِ؟!. لماذا أتيتِ إلينا؟!. لقد رحلت بتول؟!."

مابهم؟!. جميعهم يذرفون الدموع!... جميعهم عيونهم محمرة... مما يدل على أنهم قضوا ساعاتٍ طويلة في البكاء... هل من المعقول أن بتول؟!.. لا... لايمكن!...
فجأة صرخ بي أحمد وهو يقول...:"أتريدين سماعها؟!. أتريدين سماع تلك الكلمة التي يرددونها دوماً في حالة رحيل شخص ما... لقد رحلت... سافرت... هاجرت... لكنها لن تعود!.."
دقات قلبي تزدادت... والخوف يشتت عقلي... وصوت تخللني... ليضيعيني أكثر...:"لقد ماتت!... لقد ماتت في القصف!.."

نظرت إلى صاحب الصوت... كان ذلك الشاب الذي يجلس بجانب أحمد قبل قليل... نظرت إليه بعدم تصديق... ببلاهة تامة... فأكد ماقاله...:"نعم أختاه!.. لقد ماتت في القصف ألم تقرأي نشرة العزاء في جريدة اليوم؟!.."

أي خبر ذاك؟!. إنه صاعقة سقطت على جمجمتي... شلني في مكاني... هل يقول الحقيقة؟!.
_:"نعم صغيرتي إنها الحقيقة..."

صوت عقلي ترجم على لساني ليسمعني الجميع... بدأت أجول بنظراتي على الوجوه الباكية... حتى وصلت لغدير... التي قالت لي...:"هل عرفت الآن ماالذي حل بصديقتك؟!. قتلت... أشلاء جسدها تناثرت... ولم نعثرعلى شيء منها!... سوى ذكريات لُطخت بمقتلها..."

حاولت قول شيء... حاولت أن أجمع أشلاء صوتي لكنه ضاع مني... لم أستطع أن أنطق بكلمة واحدة... إنني أفتقد كل شيء في هذه اللحظة... أريد أن أبكي ولكن لا أستطيع!... أريد أن أندب صديقتي الغالية لكني لا أقوى على ذلك!.. لقد نسيت كل شيء... نسيت كل شيء...

خرجت من ذلك المكان!.. أحمل معي جرح عميق... ألم يمزق أحشائي... كانت الخالة غيداء تناديني ولكني تائهة... أكثر مما كنت سابقاً... بلا أمٍ!.. وبلا عائلة... سوى أبٍ لايدري عني إلا في أوقات معينة... والآن بلا صديقة!.. ولا أخت!..

لقد رحلت أعز إنسانة على قلبي... بل أغلى إنسانة في الوجود...


| +* +* +* |

دمٌ!.. جراح!.. دموع!.. بكاء!.. ضياع!.. تشريد!..


دخلنا المستشفى لنجده مكتظًا بالناس .. منهم الجرحى ومنهم من فقدوا أحباءهم ... ومنهم من لجأوا له فلم يعد لهم مأوى... كان المنظر مؤلمًا .... يبكي القلوب المتحجرة ... دم في كل مكان ... أناس فجروا آلامهم في دمعهم فلم يعد لهم غيره ... أطفال يبحثون عن ذويهم .... منظر لن يذهب عن ذاكرتي ما حيت ...

وصلنا أخيرا إلى حجرة جدة حسن ... ما إن دخلنا ووقعت عين غدير عليها حتى هرولت ناحيتها ... ورمت نفسها إلى حضن جدة حسن ... في حين أن جدة حسن أخذت تقول وقد أعتلى وجهها الاستغراب...:" ماذا بكِ يا بنيتي ...؟! "
رفعت غدير رأسها عن صدر الجدة ... وقالت وقد بدأ الدمع يتراكم في عينيها ..: " اشتقت لك كثيرا يا جدتي ... كثيرا "

وعادت لتغرس رأسها في صدر الجدة ... التي هذه المرة أحاطت غدير بيديها .. وأخذت تضمها إلى صدرها ... وتقول...:" وأنا كذلك يا ابنتي ... فبك رائحة المرحوم .."

هنا تعالى صوت بكاء غدير ... فلم تعد تقوى على تمالك نفسها أكثر من ذلك ...
رأيت بأنه من الأفضل أن أدعهما لوحدهما ... خرجت من الغرفة ... لتقع عيني من جديد إلى تلك المناظر التي تؤلم القلب .... دماء في كل مكان .. دموع تملأ أعين حزينة ... ونحيب أهل على من فقدوا من أحبه ... في تلك اللحظة فقط
أدركت بأن الشمس رحلت عن هذا الوطن .. وحل محلها الظلام الحالك ....
سألت نفسي حينها :- [[ من سيعيدك يا شمس .. لتشرقي لنا من جديد وتشعي بنور الفرح ... وتقظي على الظلمة ... ؟]]
لكن لم يرد جواب...

كيف للشمس أن تعود ... بدون أن تكون هناك يداً تعيدها إلى مكانها الصحيح ... ؟؟!!

كيف للظلام بأن ينقشع من دون أن يكون له ند يردعه عن الاستمرار في التغلغل ..؟؟!!

تساؤلات كثيرة اجتاحت عقلي حينها ... لتدلني إلى جواب واحد ... نعم جواب يجيب كل تلك الأسئلة التي تدور في رأسي ...


| +* +* +* |



منذ خرجنا من عند خالي وحتى الآن لم نتحدث أنا و حوراء ...
لم يكن هناك مجال للحديث .. فأنا لازلت أشعر بالحزن لبتول .. صحيح بأنني لم أعرف بأنها أختي إلا قريبا ... إلا أن الذي جرى لها ... يهز أي شخص ... ماتت وهي لا تزال طفلة... ماتت موتةً شنيعة ... مسكينة حقا ....

إنها لا تستحق ما جرى لها ... فقد عانت من أمي كثيرا في حياتها ... وها هي تموت بقنبلة العدو ... ولم يبق لها حتى جسد تدفن به ...
خرجت من فمي تنهيدة طويلة .. تعكس ما أفكر به ... والألم الذي يختلجني ....

نظرت ناحية حوراء .. التي كانت تنظر ناحية شباك سيارة الأجرة ... تمنيت بأن أعلم ما يدور بخلدها حينها ... هل هو الحزن على بتول وما جرى لها .... أم أنكِ لازلت تعيشين الصدمة لما عرفته مؤخرا ....
رأيت يدها اليسرى ممددة على الكرسي ... فأردت بأن أشعرها بأني هنا إذا احتاجت لي ... فغلفت يدها بيدي ... فلتفتت ناحيتي ... وما إن باتت عيناها تنظر إليّ حتى رسمت ابتسامة مصطنعة على شفتيّ ...

ابتسمت هي أيضا ... لكن لم تخفَ عليّ بأنها ابتسامة مهزوزة ... لم تكن نابعة من قلبها ...

توقفت سيارة الأجرة ... وقال سائقها :- " لقد وصلنا لوجهتكما "
حررت يد أختي .. وأخذت مالا من جيب بنطالي ...وأعطيته السائق ...نزلنا من سيارة الأجرة من جهة ... وسمعنا صوت أمي الغاضب من جهة أخرى ....وهي تقول:- " أين كنتما .. لقد بحثت عنكما في كل مكان ... وهاتفك النقال كان مغلقا ... أين ذهبتما بدون إذني .. أين ..؟!! "

رفعت رأسي ناحيتها ..لأجدها مقبلة علينا وهي تستشيظ غضبا ...
كنت أريد بأن أرد عليها ... لكنها هجمت عليّ .. وأمسكت بذراعي وذراع حوراء وأخذت تهزنا كالمجنونة وتصرخ بأعلى صوتها : - " أين كنتما... تكلما ؟ ! انطقا ... ألا تريان بأن الأوضاع لا تسمح بالخروج والتجوال ... ها "

في وسط ذهولي من فعلها .. قلت:- " أمي اهدئي ... انظري لم يحصل لنا مكروه ... ومن ثم لقد كنا مع خالي ... "
قاطعتني صرختها ...:- " ماذا ...؟!! عند خالك ... لماذا ...ولماذا لم تطلب إذني ..؟!! "

:- " لم أطلب ذلك..لأني أعلم بأنك سترفضين .... ومن ثم كان يجب أن نذهب.. لنعرف ما الذي جرى لبتول ... وما .. وما ... الذي قتلها ..."

بدأت قبضة يد أمي ترتخي على ذراعي ... وكذلك قسمات وجهها .. باتت تلين .. لتشكل نظرة أكاد أجزم بأنها نظرة حزن ... استغربتها ...
استغليت الفرصة ... وسحبت ذراعي من قبضة يدها .... ومن ثم قلت :- " أمي .. لقد قتلها العدو ... رموا بقنبلة عليها ... لم .... لم..."

كم كانت صعبة علي قولها ... احتجت لكل ما أملك من قوة لكي أقولها...:" لم تجعل لها جسدا تدفن به ... "

دققت النظر في وجه أمي وأنا لا أصدق ما أراه ... كانت تبكي ... نعم بدأ الدمع يتجمع في مقلتيها ... نظرت ناحية حوراء لأجدها هي الأخرى مصدومة مما ترى ... حررت يد حوراء من قبضة يد أمي وقلت لها :- " أدخلي للبيت يا حوراء ... "

نظرت إليّ لبرهة ..ومن ثم رضخت لكلامي وتوجهت ناحية البيت ....
عدت أنظر ناحية أمي الواقفة بلا حراك... والدمع لازال محتشدًا في عينيها ... وقلت لها :- " أمي هل أنت حزينة على موتها ؟! "

صوبت عينيها ناحيتي ... لتتشابك عينانا للحظة ... ومن ثم قالت... وقد بدأ الدمع ينسكب من محجريها ويزور وجنتيها ... بصوت مهزوز بالكاد سمعته :-" اذهب وادخل إلى المنزل .. فالمكان خطر هنا .."
:-" لكن أمي ..."
لتبتر كلامي بصرختها ..:-" قلت لك ادخل ..."

أنصعت لأمرها .. وتوجهت ناحية المنزل .. وعندما وصلت عند بوابة منزلنا ... نظرت إلى أمي وقلت لها:-" وأنتِ يا أمي ألن تدخلي ...؟ "
لترد عليّ :-" أدخل أنت وأنا سألحق بك.." قالتها وهي موليتن لي ظهرها...
دخلت أنا .... لكنها .. لم تلحق بي كما قالت ....



| +* +* +* |



عندما يقف القدر بصفنا... يفاجأنا ذات مرة ليكون ضدنا!..


رما ببندقيته البالية في الأرض ... وقطب حاجبيه الكثيفين ...وقال بصوت مشحون بالغضب :-" أسلحة لا نفع منها .. أصبحت قديمة ... ضرها أكثر من نفعها ..."
ليزد عليه صاحبه .. الذي لم يكن أفضل منه ... وقد تفشى الغضب في قسمات وجهه الذي كان ملطخا ببعض الوحل:- " أنت محق يا محمود ... كيف سنتمكن من فعل شيئ بهذه الأسلحة المتهالكة ... كيف سنقاتل العدو بأسلحة قديمة ... وهم يملكون أسلحة متطورة ..."

جلس على الكنبة التي خط عليها الزمان علاماته... وقال وهو ينظر إلى صاحبيه المتقدين غضبا :- " كلاكما على حق... هذه الأسلحة لم تعد كافية لمواجه العدو ... بسبب هذه الأسلحة اضطررنا للهرب منهم ... ولم نقوا على فعل شيء ... "
وأخذ يهز رأسه بأسى...

جلس محمود بجواره ... وقد بات الترقب يكسو تعابير وجهه وهو يقول:- " إذا ما العمل يا عبد الرحمن ؟ "
نظر إلى ناحية محمود الجالس بجواره ... وقال:- " ليس بيدينا سوى الانتظار ..."
لقد تعجبت أنا من كلام عبد الرحمن ... ووجدت التعجب أيضا عنوانا لكل من محمود و عمار ...

أخذ عمار يقترب ناحيتهما وهو يقول بصوت مغلف بتعجب :- " الانتظار ... ماذا تقصد يا عبد الرحمن ... أتقصد بأن نجلس هكذا ... بدون أن نفعل شيئًا لهم ... سوف نكون مجرد متفرجين ..."

التفت عبد الرحمن بسرعة ناحية عمار وقال نافيا : - " لا لم أقصد هكذا ... بل قصدت بأن ننتظر حسام ... هو أملنا الوحيد ..."
ما إن سمعت اسم حسام حتى قفز إلى ذهني سؤال [[من حسام هذا ... ؟!]] لكن لم أقل شيئا .. فضلت بأن ألعب دور المتفرج بينهم ... فأنا لا أزال جديداً بينهم ...
قال محمود مذهولا:-" ألازلت تصدق هذا اللص ... هذا مخادع ... أخذ مالنا وهرب ... لن يهرب لنا سلاحا ولا شيء .. كذب علينا ..."

ليرد عمار مؤيدا وقد وقف أمامهما مباشرة :- " محمود محق ... و الدليل مضى أكثر من ثلاثة أشهر ولم يحضر سيادته ... كان يجب ألا نصدقه ... لا أعلم كيف جعلتنا نعطيه كل ما نملك من مال ... ونحن نعلم بأنه مخادع ... يجري وراء القرش ... "

قال عبد الرحمن : - " لم يكن أمامنا سوى هذا الحل ... هو الوحيد الذي كان قادرا على تجاوز الحدود ... وهو الذي قال بأنه يعرف أناس سيؤمنون لنا الأسلحة ... ربما حدثت مشكلة له عند الحدود ..فأنتم تعلمون بأنه في الآونة الأخيرة شددوا الحراسة عليها ... بسبب الأوضاع ..."

وقف محمود وقد عاد الغضب ينهش في وجهه وهو يقول بصوت لم يخلو من ذلك الغضب الذي في داخله:- " هذا هراء... لقد تعرضنا للخداع ... لقد حذرتك منه يا عبدالرحمن.. لكنك لم تصغي لي .. أنظر الآن ما الذي حصل لنا.. الآن نحن بلا مال .. وبلاسلاح ... كيف سنعيش .. كيف سنواجه أولئك القتلة .. ليتك أصغيت إليه حينها ... لما حصل شيء من هذا القبيل ... "

لقد صوبة عينيّ ناحية عبد الرحمن ... لأرى ردة فعله ... كنت متيقنا بأنه سينفجر على محمود ... فهو يتهمه بأنه سبب الذي هم فيه الآن من مشاكل... لكنني تفاجأت برده حقا ...

قام عبد الرحمن هو الآخر ... أخذ ينظر لمحمود الذي لا يزال غاضبا ... ومن ثم تحرك مبتعدا ... بهدوء... بدون أن ينبس بكلمة ... وخرج من الغرفة تاركا إيانا مع الصمت...

أما أنا فقد كنت في دوامات من الحيرة ... أحسست بأني تائه .. لا أفقه شيئًا مما يحصل من حولي ...


| +* +* +* |



فجر الثلاثاء!.. الواحدة والنصف بعد منتصف الليل...


كنت نائمة بهدوء وسكينة ... حين أنقض عليّ فجأة شيئاً كتم على أنفاسي ... فاستيقظت مذعورة ... لتقع عيني على يد ضخمة تغطي فمي وأنفي .... فلم يعد لي وسيلة لتنفس ... أخذت أحاول أن أبعد هذه اليد الضخمة عن فمي وأنفي بيدي اللتين تبدوان صغيرتين مقارنة بتلك اليد الضخمة ... وبدأت أنتفض في كل جزء من جسدي محاولة بكل قوة أن أفلت من هذه اليد التي لم تتزحزح رغم محاولاتي ... حاولت بكل ما أوتيت من قوة بأن أصرخ طالبة النجدة لكن بلا فائدة ترجى ... تسلل إلى مسمعي صوت مزعج يكاد يفجر طبلتي أذني ... لكن رغم ذلك لم يكن مفهوما .. كأنه كان طلاسم ... بدأت قواي تخور ... وبدأت روحي تختار الرحيل .. هنا حاولت بآخر ما تبقى من قوتي بأن أحرر نفسي .. فغريزة البقاء اشتعلت بداخلي ... فبدأت أضربه بقبضة يديّ ... لكن هذه الحركة بدل من أن تنقذني .. زادت الطين بلت ... حيث أنني لم أشعر إلا بيد أخرى ضخمة تهوي على خدي الأيمن ... لأشعر بأن جمجمتي تكاد تتفتت إلى مئة قطعة من قوة تلك الضربة ....

فتحت عينيّ مذعورة ... لأجد بأن تلك اليدين قد اختفتا ... أخذت أنظر يمينا ويسارا ..و إلى كل ركن من أركان الغرفة بحثا عن تلك اليدين الضخمتين ... أخذت أبحث وأنفاسي تسابق دقات قلبي من الخوف ... لكن الحمد لله لم أجد لهن أثرا ً ... يبدو بأنه حلم مزعج .. بل كابوس ...

زفرت زفرة ارتياح... وحاولت بأن أبتلع ريقي .. لكن حلقي كان جافا ... نظرت من حولي لعلي أجد شيئا يبل ريقي ... لكن لم أجد شيئا من حولي .... كنت حقا عطشى... وبأمس الحاجة لشيء يطفئ ظمأي ...

بعد صراع داخلي .. قررت بأن أخرج من الغرفة التي لم أعرف سواها مذ فتحت عيني ّ... سحبت الحجاب الذي كان موضوعا على الطاولة المجاورة من السرير ... وضعته على رأسي ... وتوجهت ناحية الباب ... غلفت مقبض الباب بيدي ... وقبل أن أفتحه .. نظرت إلى ناحية الساعة المعلقة على الجدار المقابل للباب مباشرة ... لأجدها الساعة الثالثة صباحاً ... فتحت الباب ببطء ... وأوقفته عندما باتت الرؤيا واضحة لي لما ورائه ...تعينت ما وراء الباب ... لأجد الظلمة محيطة بالمكان ... إلا من ضوء خافت قد تسلل من أحد الشبابيك ...

شددة قبضتي على الباب .. وأنا أهيئ نفسي للخروج بعد أن تأكدت بأن المكان خالي من أي إنسي ... أكملت فتح الباب ... ورفعت يدي لأخطو أول خطوة خارج تلك الغرفة التي لم أعرف غيرها ... ولم أهجرها قط ... تبعتها بخطوة أخرى ... لتليها خطوة أخرى أكثر جراءة بعد أن تأكدت مئة بالمئة بأن المكان آمن ...

لقد انحلت مشكلة ... لتخرج مشكلة أخرى لي .. ألا وهي أين أجد ماءا أشربه ... نظرت من حولي ... لأجد ثلاثة أبواب ....
لم أعلم أي باب منها أفتحه ... كنت خائفة بأن أفتح الباب الخاطئ ...
قررت بعد حيرة طويلة بأن أفتح الباب الذي على يميني ... خطوة خطوتين .. لأصطدم ... بشيء لم ألحظه بسبب خوفي وارتباكي وكذلك بسبب الظلمة التي تحيط بالمكان ... تراجعت إلى الخلف خطوتين ..وأنا أسمع ذلك الشيء الذي ارتطمت به يسقط على الأرض ليصدر صوتاً قويا ...

نظرت من حولي برعب ... وأنا أحاول أن أبتلع ريقي الجاف ... أخذت نفسا عميقا لكي أهدأ من روعي ... ومن ثم أخرجته دفعة واحدة من صدري وأنا أمد يديّ إلى الأمام محاولة بأن أتحسس ما حولي لكي أتلافى الاصتدام بشيء آخر ... وعدت إلى المضي في وجهتي ...

ما إن خطوة أول خطوت حتى هجم على مسمعي صوت رجولي غليظ ... وهو يقول : - " من هناك ؟ "

نظرت ناحية مصدر الصوت وقلبي يكاد ينهار إلى الأرض من شدة الخوف ... لكن ما إن ألتفت للخلف حتى هجمت حشود الضوء على عيناي التين اعتدتا الظلمة ... فأغمضت عينيّ كردة فعل لا إرادية ... ليعود صوته يزور مسمعي وهو يقول بنبرة لا تخلو من التعجب : " مطر أهذه أنتِ ؟!! "


| +* +* +* |



تفاجأت برؤيتي لمطر في الصالة ... وفي مثل هذا الوقت المتأخر ... ما إن سقطت عيناي عليها حتى رأيت الفزع يكسي وجهها ... أردت أن اسألها ما الذي جاء بك هنا ... لكنها لم تجعل لي مجالا ... لقد أخذت تركض مسرعةُ ناحية غرفتها .... حتى أن حجابها قد سقط منها .. ليكشف عن شعرها ... ركضت ورائها وأنا أِشعر بخوف شديد من أن قد حصل لها شيء... حاولت اللحاق بها وأنا أناديها باسمها... لكن الباب كان قد أوصد قبل أن أصل إليها....

رغم ذلك لم أدعها وشأنها ... كيف أتركها وقد رأيت الخوف و الفزع يرتسم على محياها ... كنت متأكدا بأن شيئا حصل لها ... أخذت أناديها رغم الحاجز الذي يفصل بيننا...:- " مطر ... مطر ... أرجوكِ أجيبيني ... أجرى لك شيء ؟؟ ... طمئنيني أرجوك ... مطر... مطر ... "

لم يردني جوابها مما زاد من خوفي .. أخذت أنظر من حولي ... لتلتقط عيناي ... حجابها الذي افترش الأرض ... انحنيت ناحيته و التقطته ... لا أعرف كيف خطرت في بالي تلك الذكرى.... كأن الذي جرى يعود من جديد أمام ناظري .... كأنني أرى أختي بدور ... حينها لمعت في رأسي فكرة مجنونة .... كنت حينها يائسا ... فخوفي عليها لم يدع لي مجالا للتفكير الصائب ... فقررت بأن أرضخ لتلك الفكرة ..وأطبقها ...

وضعت جبيني على الباب ... وقلت لها:- " مطر تذكرة شيئا مهما ... أنا الآن أمسك بحجابك ... كما فعلة عندما كنت ترفضين بأن ترتديه في البداية ... لقد حاولت معك أمي ... وأخي حبيب ... لكنك كنت ترفضين تماما ارتداءه ... حتى أنا حاولت معك ... لكن من فرط غضبك ... تركتني أتكلم وركضت ناحية غرفتك .... وأغلقت على نفسك الباب ... كما فعلتي الآن .... لحقت بك ... لأجدك قد رميت حجابك أمام الباب ..."

كنت ابتسم وأنا أرى تلك الذكرى تمر أمام ناظري... :" أمسكت به هكذا كما أنا أفعل الآن ... ومن ثم قلت ... أختي .. ما دمت لا تريدين ارتداء الحجاب فلن نضغط عليك ... ارتديه عندما تكوني جاهزة ... فارتداءه لا يكون إلا باقتناع ... وأنا الآن أعدك بأنه لا أحد سيفتح عليك هذا الموضوع مرة أخرى ... ... أتعلمين ما الذي فعلته ... خرجت ... نعم خرجت من غرفتك ... وضميتني بقوة ... وقلت ... أنا حقا أحبك يا أخي .... فقلت لك ... وأنا كذلك يا بد..."

كاد لساني يزل ... يكشف عن كذبي .. لكني تداركت الأمر وقلت... :"يا مطر .... وقلت لك أيضا بأني سأحتفظ بهذا الحجاب حتى تأتيني بنفسك وتطلبيه مني... بعد أسبوع فقط ... أسبوع واحد... دخلتي عليّ غرفتي وطلبتي مني الحجاب... لم أجد نفسي إلا وقد غرزتك بين ضلوعي من شدة فرحتي .... كم أفتقد تلك الأيام ... عندما لم تكن بيننا حواجز .... وكنت تأتين إلي وتقولين لي بدون خوف عما يدور في خلدك ... كنت لا تكلمين أحداً سواي عن مشاكلك وأسرارك .... كنت تعتبريني كأب لك ليس كأخ ... فأنا الذي ربيتك ... ليتك الآن تعودي مطر التي كنت أعرفها ... "

لا أعرف كيف انسلت دمعة من مقلتي .... مسحتها ... وأخذت أخطو مبتعدا ... حين سمعت فجأة صوت باب يفتح ... التفتت خلفي فرحا ... لكن يالخيبة الأمل .. لم يكن بأبها الذي فتح ...

سمعت صوت ناعسا وهو يقول:- " خالد ... ما الذي تفعله هنا ..؟!! "
التفتت إلى يميني ... لأجد حنين ... قلت لها وقد أخفظت رأسي: - “ اليوم أوكلوني الحراسة ... سمعت صوت صادرا من هنا فجأة فأتيت أتعين الأمر... "

قالت حنين :- " حقا ...غريب أنا لم أسمع شيئا.. ربما لأنني نمت في وقت متأخر... لهذا لم أسمعه ... ما هو مصدر الصوت .."
أجبتها : - " إنها مطر ... لقد ارتطمت بالطاولة... "

ووجهت بصري ناحية الطاولة التي لا تزال على الأرض...
وأكملت قائلا:- " حنين أيمكنك بأن تكلميها لتعرفي ما الذي جعلها تخرج في مثل هذا الوقت ... هي ترفض الحديث معي ... وأنا حقا خائف من أن يكون قد حصل لها مكروه ..."
ردت حنين : - " لا عليك سأكلمها ...."


| +* +* +* |



فتحت لي الباب بعد أن قلت لها بأني أنا التي تقرعه ... فتحت على عجل ... دخلت ومن ثم أغلقت الباب من فورها ... نظرت إليها وهي ممسكة بمقبض الباب ... و تلهث كأنها كانت تركض في ماراثون ... وعيناها تجلى عليهما الخوف ... اقتربت منها وأنا قد دق ناقوس القلق في داخلي ... سألتها :- " ماذا بكِ يا مطر ؟ "

لتندفع ناحيتي ... وترمي بنفسها في حضني ... وقفت مذهولة لثانية ... لكن بعد ذلك رفعت يديّ وأحطتها بهما ... وقد بدأ الخوف ينهش بي ... وأنا أسمع صوتها الباكي وهي تقول:- " لقد أخافني ... أنا خائفة ... خائفة "
قاطعتها بقولي:- " ممن أنتِ خائفة يا مطر ؟ "

دست رأسها أكثر إلى صدري وهي تقول بصوت يعصره البكاء:- " هو ... هو ... "
لتتوقف عن الحديث ... وأنا في أوج خوفي عليها ... أبعدتها عن صدري... وأمسكت بوجهها الذي شوهته الدموع التي سالت على وجنتيهاوقلت لها: - " هو ... "

ورفعت يدها المرتعشة ... لتصوبها ناحية الباب الذي يفصل بيننا وبين خالد المترقب لي لأطمئنه عليها ... تتبعتها بعينيّ ...
عدت بعينيّناحيتها وقد خطا الذهول ...
وقلت لها:- " مطر ... إن من يوجد وراء الباب هو خالد ... أخوكِ ... لماذا أنتِ خائفة منه ... ؟! "

أعادت يدها إلى صدرها ... وحضنتها بيدها الأخرى وقالت و الدمع لم يترك عينيها بعد :- " لقد رأيته ... كان ... كان هناك ليضربني... "
كان وقع كلامها كالصاعقة عليه ... من كلامها أفهم بأن خالد هو ذلك الشخص الذي ... الذي فعل فعلته الشنيعة بها ... ليهجم سؤال واحد إلى خلدي في معمعة الصدمة التي أعيشها... [[ أمعقول!!.. أمعقول أن يكون خالد هو الذي آذاها.. هل هذا معقول؟!..]]




| *+ *+ *+ *+ *+ |

|+*| التدقيق النحوي || معلم لغة عربية |*+|
|+*| قلم || شجرة الكرز |*+|
|+*| مقاطع أخيرة || شمعة |*+|


منذ فترة طويلة لم أكتب...
فأرجو أن تنال هذه الورقة إعجابكم ورضاكم...

تحياتي بعبق الكرز إلى قرائي الأعزاء...
دمتم بخير وعافية...

 
 

 

عرض البوم صور HOPE LIGHT  
قديم 25-12-09, 06:59 PM   المشاركة رقم: 69
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
كاتب مبدع


البيانات
التسجيل: Jun 2009
العضوية: 147004
المشاركات: 5,481
الجنس أنثى
معدل التقييم: Jάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييمJάωђάrά49 عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2060

االدولة
البلدMorocco
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Jάωђάrά49 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : HOPE LIGHT المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

عزيزتي هوب لايت مشكورة على تعبكم في هاد البارت لا ازال لم اكمل قراءته لكن لي عودة للاتعليق

 
 

 

عرض البوم صور Jάωђάrά49  
قديم 25-12-09, 09:45 PM   المشاركة رقم: 70
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 55383
المشاركات: 562
الجنس أنثى
معدل التقييم: HOPE LIGHT عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 14

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
HOPE LIGHT غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : HOPE LIGHT المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة jawhara49 مشاهدة المشاركة
  
عزيزتي هوب لايت مشكورة على تعبكم في هاد البارت لا ازال لم اكمل قراءته لكن لي عودة للاتعليق

أهلين بك جوهرة ...
متشوقين لمعرفة رأيك على هالجزء ...
وشكرا على مرورك و تواجدك المستمر ..
دمتي بود ...

 
 

 

عرض البوم صور HOPE LIGHT  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ملحمة عشق مبتورة, بتول واحمد, تفرعت جدورها من بين انامل الرقيقة هوب لايت, والعذبة شجرة الكرز
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 06:36 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية