كاتب الموضوع :
HOPE LIGHT
المنتدى :
الارشيف
[FONT="Comic Sans MS"]|+*|الضوء السابع في درب الكلمات |*+|
السبت... التاسعة وخمسٌ وأربعون دقيقة صباحاً... المنطقة الغربية...
كان جالساًيتلذذ بطعامه.... حين قرع باب غرفته الخاصة...
فرد على الطارق:" أدخل"
بان من وراء الباب جندي في بداية العشرينات... انتصب مؤدياً التحية العسكرية... قبل أن يقول بصوت جهوري": سيدي , لقد مرت ساعتان على القصف, فهل يتم إصدار أمراً بالتوقف؟!."
وضع الشوكة و السكين جانباً... متناولاً المنديل ليمسح به شفتيه التين لم تلبثا حتى خطتا ابتسامة عريضة...
تَبِعتها جملته : " يكفيهم لهذا اليوم, إنه مجرد تنبيه و تحذير لأولئك الخونة... فأصدر الأمر حالاً..."
قال الجندي وهو يضرب قدماه ببعضهما البعض: " أمرك سيدي"
ثم انصرف ساحباً معه الباب...
ما إن أغلق الباب... حتى رن هاتفه المحمول...
تعين الرقم الذي كان سبباً في رسم الخبث على ذلك الوجه البغيض... ومن ثم ضغط على زر الاستقبال: " أهلا بك سيدي..."
صوت حمل كلمات بلغةٍ من بلاد الغرب... : " أهلا بك جمال, كيف حالك؟"
زاد من سعة ابتسامته و هو يقول: " بخير.. بخير ..وأنت سيدي, كيف حالك ؟ "
_:"حالي يعتمد على الأخبار التي تحملها لي... "
_:"سيدي لا تخف فكل شيء يجري كما خططنا... فاليوم بدأنا أول جزء من خطتنا... قصفنا مركز البلاد... وكما جاء في المحطات الفضائية أن اقتصادهم سوف يتدهور بغضون أيام"
جاءه من الطرف الآخر صوت ضحكة شيطانيه... تبعها قائلاً _: " جيد ... جيد جداً يا جمال ... الآن لن يستطيعوا أن يصمدوا أكثر من ذلك... سوف يرضخون لنا بطواعيه... ولا تعلم كم هي فرحتي بسماع تلك الأنباء... "
وعاد ليكمل ضحكته ...
|+* +* +*|
مدينة الأمير السكنية...
في قبو إحدى العمارات التي لم تسلم من براثن تلك القنابل... دخلت لأجده لم يلحق به عطب ... و لم تهزه الانفجارات...
قررت أن أبقى هنا ... فهو آمن مكان في هذه الحالة .... فالقنابل تنهمل علينا من كل جانب ... لهذا أصبح من سابع المستحيلات أن أصل إلى المستشفى ....
_:"أولئك الأوغاد ... فعلوها ... ها هم يقتلون الأبرياء بوحشية .. .... يا الله أين أذهب...؟ فالمدينة مدمرة من كل جانب ... آآآآآآآه .... والقنابل تنهال علينا من السماء بلا توقف ... يا الله ... "
أعدت ناظريّ إلى ذلك الكائن الساكن بلا حراك الذي أحمله في يديّ ..... لا أعرف أكيف أبحرت في عالم آخر ... عالم بعيد عن صوت الصراخ .... و الانفجارات .... و المباني المنهارة ....
لقد نسيت إحساسي بالواقع المرير الذي يحدث حولي ... وأخذت انظر إلى هذا الوجه الطفولي ... الذي شوهه اللون الدامي .... وذلك الشعر الحريري ... المتناثر بعشوائية على وجهها .... و تلك الشفتان الكرزيتان .... عدت للحقيقة التي تفجع القلب ... عندما رأيت تلك الدموع الجافة التي على خديها ..... ليضيق نفسي ... و أشعر بألم مبرح في صدري ..... لقد أخطأت عندما لم أدخل ذلك الزقاق البارحة ... عندما سمعت صوت الأنين ... لربما وجدت ذلك المجرم الذي فعل بهذه البريئة هذا الفعل الشنيع ... و خنقته بيديّ هاتين .... أنذال ... أنذال ...
|+* +* +*|
منزل ندخله لأول مرة...
عاد الهدوء الذي تبع تلك العاصفة الهوجاء ... التي أعادت تصميم معالم المدينة ... التي كانت زهرة متفتحة ... و باتت زهرة ذابلة ... فقدت رونقها و جمالها ... بعد وابل القنابل التي لم ترحم لا صغيراً و لا كبيراً.... مناظر تدمي القلب ... و صراخ أطفال ضاعوا في زحام الدمار .... كم يؤلمني رؤية هذا المنظر .... آآآآآه كم أكره نفسي عندما تقف عاجزة ... لا أقدر على فعل شيء ....
_:"أخي!..."
التفت ورائي.. لأجد أختي ياسمين المرعوبة ... ضممتها إلى صدري ...
بصوت ينذر بدمع _:" لماذا ...لماذا فعلوا هكذا ؟ "
بعد أن أدخلت ما أقدر عليه من هواء إلى رئتيّ ... قلت لها :" هؤلاء وحوش بلا قلب, ليس همهم إلا المال ونفوسهم فقط"
وخرجت من فمي تنهيدة طويلة, تترجم الألم الذي يتقد في صدري..
هجم إلى مسامعنا صوت أمي المملوء رعباً :" يا الله ... يا الله .."
التفت أنا وياسمين بسرعة ناحية أمي.. التي كانت تنزل من على السلالم ... وهي تهرول ... فزاد الخوف في قلوبنا ... عندما رأينا تعابير وجهها ... التي ترسم الخوف ...
أبعدت ياسمين صدري ... وتوجهت ناحية أمي بلمح البصر ... وقفت أمامها... و سألتها من فوري : _ " ماذا هناك يا أمي ؟!!!"
أخذت تلتقط أمي أنفاسها الهاربة... ومن ثم قالت :"بني خالتك... خالتك ..."
قاطعتها وقلبي قد قفز إلى جوفي من الخوف :" ماذا بها خالتي ... ؟ "
نزلت دمعة من عين أمي ... لتزيد نار الخوف المتقدة في صدري ... و تبعتها كلماتها الراجفة ...:" كنت أكلمها ... وفجأة سمعت صوت انفجار ... ومن ثم أنقطع الخط ... أنا ... أنا .... "
لم تقوَ على الإكمال ... فدموعها انهمرت بغزارة ...
أما أنا فلم أعد قادراً على التنفس .. وأنا أتصور الأسوأ في خلدي ...
وياسمين تهدأ أمي التي دخلت في دوامة من الدموع ...
لم أجد نفسي إلا أمام الباب ... و يدي تغلف مقبض الباب... لم أدرك أني هناك إلا بعد أن سمعت صوت أختي ياسمين و هي تقول:_" إلى أين أنت ذاهب ؟!!! "
التفتت ناحيتها ... و بعينين شاردتان ..قلت _: يجب أن أذهب لأطمأن عليهم "
جاءني صوت ياسمين و هي تقول _:" أجننت يا علي .. ألا ترى الأوضاع الآن "
أغمضت عينيّ لبرهة ... لأستجمع شتات أفكاري ... لكن صرخت قلب آمرة ... بعثرت تلك الأفكار ... وقادت ذلك الجسد ... لناحية من ملكه ... غير آبهٍ لأصوات تنادي بعودته ....
|+* +* +*|
مركز الشرطة... مكان آخر لم تطأه أقدامنا قبل الآن...
بجسد خارت قواه ... أخذ يقترب ناحية ابنه الواقف طواقاً لحضن أبيه... ركض ناحية أبيه ... وأحاطه بذراعيه ... و جعله يزور حضنه ... رفع يده بعد جهد جهيد ... فجسده أعياه التعب ... وبصوت بالكاد يسمع قال_: " كم يسعدني رؤيتك يا بني .."
_:" وأنا كذالك يا أبي, وأنا كذالك "
أبعده من حضنه... وأسنده حتى أجلسه على الكرسي ... ومن ثم جلس بالكرسي المقابل له ... وقال-:" كيف حالك يا أبي ؟ "
خرجت تنهيدة من فمه المكسو بشنب كثيف أبيض اللون ...ومن ثم قال-:" الحمد لله .. الحمد لله ... كيف حالك أنت يا إسماعيل و كيف حال أختك ؟"
-:"
نحن بخير ... أبي ما الذي جرى ... كيف حصل كل هذا ؟"
هز رأسه بأسى و هو يقول بنبرة صوت حزينة- :" لا أعلم يا إسماعيل, لا أعلم...أنا و الله لم أمد يدي لمال حرام , وأنت أعلم الناس بهذا الشيء "
- : " أعلم ذلك يا أبي... لكن من الذي ورطك في هذا الأمر ؟ "
- :" لا أعلم ... لا أعلم ... "
وأسند رأسه على يده ... و هو يجاهد لكبت عبراته ... فلم يرد أن يراه ابنه في هذا الموقف ... و في هذا الضعف ...
قام من مقعده ... وتقدم ناحية أبيه ... ووضع يده على كتف أبيه ... ورسم ابتسامة مصطنعة ... وهو يقول_: " لا تخف يا أبي , و لا تحزن , أنا سوف أجد الشخص الذي ورطك , وأزجه في السجن ..فقط لا تخزن نفسك .."
بيده الحرة ... وضع يده على يد ابنه الجالسة على كتفه ... واكتفى بصمت ... فالكلام سوف يفضحه ... ويكشف عن الدموع المتربصة به....
|+* +* +*|
هوت يده على وجهه كسوط لاسع .... جعلت توازنه يختل ... ليهوي ناحية الأرض ... و الدم يسيل من طرف فمه ....
دنا منه ... و عينيه يتقدان غضبا ... و بصوت هائج قال- :" أحمق ... كيف تركته يذهب عنك ...كيف ؟"
بنبرة صوت مخنوقة بالخوف قال- :" لقد حاولت ... حاولت أن أردعه عن الذهاب ..لكنه لم يصغي لي ... ومن ثم ... أخذت أصوات الانفجارات تدوي في أرجاء المنطقة ..فخفت ... أرجوك سامحني سيدي جمال ...أرجوك "
انتصب ... ومن ثم ركله بكل ما أوتي من قوة في معدته ... وهو يقول -:" أتسمي نفسك جندياً ... تهرب من أرض المعركة كامرأة ... أنا كنت مخطئاً عندما أعطيتك فرصة ثانية ... أمثالك لا ينفعون لشيء ..."
برجاء أعتلى قسمات وجهه ... و غلف صوته :" أرجوك سامحني سيدي, أرجوك , أعطني فرصة أخرى و سوف أعيده لك .. أنا أعدك .. أعدك بذلك صدقني "
نظر إليه بطرف عينيه ... ومن ثم أعطاه ظهره وهو يقول :" لقد انتهى دورك يا سالم, لقد كشف أمرك, لم تعد تصلح للعمل معنا"
وأشار للجندي الواقف بجواره ... ليتحرك الجندي ناحية سالم ... ويمسكه من ذراعه و يرفعه ليقف ... و سالم يصرخ لآخر نفس راجياً جمال بالعفو ... لكن جمال أكمل طريقة دون أن يلتفت ناحيته ... ليذهب رجائه و استنجاده أدراج الرياح ....
ويتم ما قد أمر به جمال بأن يفعل...
في حين أن جمال طلب من سكرتيره الخاص بأن يصدر أمراً آخر... تأمل المنظر من خلف زجاج النافذة قبل أن ينطق... :"أحضروا لي عائلة الجندي الهارب خالد..."
سكت لبضع ثوان... ثم أدار ظهره مواجهاً سكرتيره... :"لا انتظر... لديه أخت صغيرة يحبها كثيراً... أحضرها إلى هنا... أما البقية فاقتلعوا الشجرة من جذورها..."
|+* +* +*|
لم أعد قادراً على المشي ... الخوف هد جسدي ...
ولا أعلم لماذا قلبي مقبوض هكذا .... أمعقول بأنها ...بأنها ... لاااا لاااا... أخذت أهز رأسي كالمجنون لعل هذه الفكرة السخيفة ترحل عن فكري ...
أتكأت على الجدار ... وأخذت أهوي ناحية الأرض .... و الدمع يرافقني... فهو لم يعد قادراً أن يستحمل البقاء في مقلتيّ أكثر من ذلك ...
أغمضت عينيّ ... لأتذكر تلك اللحظة ... اللحظة الأخيرة ... عندما رأيت وجهها الحزين ... يفارقنا ... كأنه يقول وداعاً ... كأنها كانت تعلم بأنها سوف ترحل عنا ... غرست يديّ في رمال الطريق المخلوطة بفتات المنازل التي دمرها العدو الغاشم .... وصببت فيها جام غضبي ... وأنا أهشمها في قبضة يديّ .... ومن ثم أنثرها في الهواء ... وأصرخ بأعلى طبقة من صوتي ...
:" أيها المجرمون ... أيها القتلة ... إذا جرى لبتول شيء ... فلن تسلموا مني ... سوف أقضي عليكم جميعاً ... جميعاً"
توقفت عن نوبة غضبي ... واستسلمت لدمعي .... فلم يعد لي سواه ... بعد أن تلاشى الغبار الذي خلفته ... لمحت شيئاً من بعيد ... كان ... كان شيئاً يلمع .... قمت على قدميّ ...
وأخذت أقترب بخطى صغيرة ناحيته ... حتى وصلت إلى ذاك الشيء... انتابني شعور بالخوف لدى رؤيتي تلك السلسلة الذهبية... خفق قلبي بشدة عندما دنوت منها وأمسكت بها بين أصابعي... تحسستها برفق ودموعي تسيل على خديّ... لكن هناك شيء ينقصها... ذلك القلب الذي يحتوينا...
همست للسلسلة...:"أين صاحبتك؟!. أين من حُملت على جيدها منذ زمن؟!. آآآه يالله... ماذا حدث لها؟.. لابد وأن تكون سلسلة تشابهك... لكنني متأكد من أنك هي... أين بتول؟!. أين هي الآن؟!. أخبريني إن كنت تعلمين ماذا حل بها..."
لكني لم أسمع جواباً على أسئلتي... غير منظر لطخته أدخنة النيران المتصاعدة... وعزلته عني دموعي...
شدني إلى ذاك الزقاق شيءٌ ما... لا أدري ما هو؟... شيء في داخلي يأمرني أن أدخل إلى ذاك المكان القذر...
مسحت بكفي بقايا الدموع التي منعت عني الرؤية... لتتضح الصورة أمامي... شاهدت كومة من أكياس القمامة متناثرة حول الحاوية الضخمة... لكن هناك شيء متجمد لطخ الأرض بلونه القاني... لونه ذاك جعلني أشعر برغبة جامحة في أن أتقيأ...
دم من هذا؟!. أيمكن أن يكون لها؟!. ماذا حدث لها؟!. إلهي أغثني من عذابي... لم أستطع الوقوف على قدميّ أكثر من ذلك... فجثوت على ركبتيّ وكأن جبلاً ألقيّ على جسدي... اختلطت دمعتي مع تلك الدماء... دمعة واحدة... فعيني قد جفت من كثرة بكائي... كيف لي أن أجدك؟!.
لا يا الله ... معقول .. معقول يا بتول بأنك ... بأنك... لاااااااااااااااااااااااااااااااااا
صرخةٌ هزت ما في داخلي من وجع وألم ....
لم أشعر بنفسي إلا وقد حنيت ظهري ... حتى لامس جبيني الأرض و غرست تلك السلسلة إلى صدري .... كأني أتخيلها هي ...
[[ ليتك الآن أنت مكان السلسلة... ليتك!..]]
كنت أريد بأن أصرخ بأن أبكي ...لكن لم أستطع ... لم أستطع... لم أستطع...
|+* +* +*|
في القبو ذاته...
لم أبعد عينيّ عنها ... فأنا أخاف بأن أبعدهما ويحدث لها ما حدث....
آآآآآآآآآآآه ... كم أشعر بالذنب ..كأني أنا الذي ارتكبت تلك الفعلة الشنيعة ... إن ذلك الشعور يقتلني ...
كانت لا تزال فاقدة الوعي .... ربما كان هذا الأفضل لها ....فإذا استيقظت تذكرت ما حصل لها ... آآآآآآآآآآآآآآآآآآه يالك من مسكينة ... مسكينة ....
فجأت سمعت صوت أحدهم ... فانتفضت وقمت من مكاني ... ووضعت يدي على سلاحي الذي كنت قد حشرته في سروالي من الخلف ... وقد صوبت بصري ناحية مصدر الصوت .... ليخرج رجل ويتبعه رجلين آخرين يحملان رجل كسته الدماء ...
ما أن تلاقت أعيننا ... حتى انتفض الرجل الذي دخل أول ... وأشهر سلاحه .. وأنا أيضاً صوبت مسدسي ناحيته .....
وقبل أن أفتح فمي و أسئله هو سألني أولاً_:"من أنت ؟!"
قالها وهو مصوب بصره ناحيتي ...
_:" أنا الذي يجب أن أسألك هذا السؤال!..."
أخذ يحدق بي لبضع ثواني .. ومن ثم خطى خطوتين .... فصرخت به قائلا:" توقف وإلا أطلقت النار .."
توقف وقال:" لم تجبني عن سؤالي.."
لأصرخ به قائلا :" أسمع يا هذا الأفضل لك بأن ترحل وإلا قتلتك.."
لم يأبه لكلامي ... بل أخذ يقترب مني ... فهيأت نفسي لكي أطلق النار عليه .. لكنه أخذ يقول :" ماذا بك خائف هكذا ....؟ أهناك شيء ؟!."
صرخت ثانية...:" أنا لست خائفا ... والأجدر بك أن تتوقف وإلا .."
بتر جملتي بقوله :" وإلا قتلتني أليس كذلك ... اسمع يا هذا إذا فعلتها فسوف تكون أغبى رجل في العالم ... حيث أنها ستكون نهايتك .... أليس كذلك يا رجال"
ليردوا دفعة واحدة بصوت مشحون بالقوة :"نعم سيدي "
نظرت خلفه ... لتقع عينيّ عليهم ... وكل منهم قد أشهر سلاحه ... حتى الشخص المصاب الذي كان ملقى على الأرض...
رغم ذلك ... لم تهتز شعرة من رأسي.. [[ماذا سأخسر أكثر مما خسرت ...]]
قلت له متحديا :" أسمع .. لا أنت ولا رجالك تخيفوني ... خطوةً أخرى وستصبح هذه الرصاصة في قلبك ..."
خط ابتسامة سخرية على شفتيه وثم قال:"تعجبني جرأتك .... لكن لمعلوماتك .. أنا لا أخاف الموت ... لا أخاف إلا من الذي خلقني ... و الذي سيموت هنا هو أنت .... "
وأخذ يخطو قدما ...
انتهى كل شيء ... لقد أعطيته فرصة .. لكنه رفضها ... لهذا عزمت أمري لأطلق النار ... و الذي يحصل يحصل ...
_:"الآن سوف تكون نهايتك يا هذا .."
لكنه توقف عن التقدم ... [[ يبدو بأنه خاف أخيرا ..]]
لكنه لم يكن الخوف هو السبب ... تمعنت في وجهه جيدا ... لأجد الصدمة مرسومة على وجهه .. وعينيه مفتوحتان على مصراعيهما تنظران إلى ماخلفي ...
تتبعت أثرهما .. لأجدهما واقعتان عليها... تلك الصغيرة المسكينة...
قبل أن أعيد بصري ناحيته ... وجدته انقض عليه كوحش مفترس وضيق الخناق على عنقي بقبضة من حديد ... وأخذ يدفعني إلى الخلف حتى ارتطمت بقوة بالجدار ... وأخذ يزمجر بي قائلا:"أيها القذر كيف تفعل بهذه الصغيرة هكذا ..."
الآن استوعبت ما يدور في خلده ... كان يظن بأني ذلك الوحش الذي آذاها ... فصرخت به من فوري :- (( لاااااااااا أنت مخطئ ... أنا لم أفعل بها شيئاً... أنا وجدتها في أحد..."
بتر جملتي بصراخه :"اصمت أيها القذر... أتظنني أحمقا... من أي طينةٍ صنعتم؟.. بلا شرف ولا أخلاق... إلى أي دين تنتمون؟!..."
وشد قبضة يده على عنقي .. حتى بت بالكاد أتنفس .. .. حاولت بأن أبعد يده عن عنقي بيدي الحرة ... لكنها لم تتزحزح بل شدت الوثاق على عنقي....
حاولت بأن أنطق...بأن أدافع عن نفسي .. لكن الكلمات انحشرت في حلقي .. فأنا بالكاد أتنفس ... رما بسلاحه ... ودفع بيده ناحية يدي القابضة على السلاح ... وأخذه منها ... وصوبه ناحية رأسي ... وأخذ يقول وهو قاطبٌ حاجبيه :"أهذا السلاح الذي أردت بأن تقتلني به... الآن سأهشم رأسك به..."
فجأة دوى صوت انفجار قوي ... يبدو بأنه قريب منا .. لأن الصوت كان قويا ... و الأرض بدأت تهتز تحت أقدامنا ..... لدرجة أنه قد أختل توازننا ... وسقطنا ... ليتحرر عنقي أخيرا ... عندما رفعت رأسي وجدته ساقطٌ على الأرض بمقربة مني... وفيما بيننا كان المسدس واقع.... نظر لي ومن ثم نظر ناحية السلاح...
بالتأكيد كان يفكر مثل ما أفكر ... فرميت بنفسي ناحية السلاح .. وهو الأخر فعل المثل .. لكني أنا من أمسكه أولا ... وبسرعة البرق صوبته ناحيته ... وقلت :" اسمع جيداً!... أنا من المستحيل أن أفعل مثل هذا التصرف الشنيع... فلا أخلاقي ولا ديني يسمح بذلك..."
سمعت صرخت أحد الرجال الذين قدموا معه... لكني لم أتزحزح عنه.. فقد خفت بأن ينقض عليّ مرة أخرى .... قال الرجل:"الأفضل بأن ترمي سلاحك... فنحن ثلاثة ضد واحد.. لا فرصة لك بالنجاة..."
رفع يده يجبره على السكوت... وقال:" لن يقتله أحد ..."
تعجبت من فعله هذا!..
عاد الرجل الآخر ليقول:" لكن يا عبد الرحمن!.."
بتر جملته :"قلت لن يقتله أحد..."
زاد تعجبي وحيرتي... منذ قليل يريد قتلي و الآن يمنعهم من ذلك... أمعقول بأنه خائف من أن أقتله!!... لكن نظراته هذه التي تكاد تصهرني .. لا تدل بأنه خائف .. بل العكس!.. أنا أشعر بأنه غير آبه مما هو فيه الآن...
قطع حبل أفكاري بسؤاله...:" من أنت؟.. وما حكايتك يارجل؟!."
أخذت أحدق به مذهولا... متعجباً مما يفعله...
|+* +* +*|
بدأت الشمس تودع السماء... فقد امتلأ الجو دخاناً... ولم يعد المرء يرى من الشمس سوى خيوطاً صغيرة... رغم أن موعد الشمس على الغروب لم يحن... لكنها تتألم مما ترى...
الثانية عشرة ظهراً...
من هول ما رأيت تسمرت مكاني ... عجزت عن الحركة ... مستحيل بأن يكون هذا منزل خالتي وعائلتها .. لقد بات حطاما ...
لقد سلب منه شموخه ... و النيران المتناثرة تشوه حديقتهم الغناء ... مستحيل ... لا أصدق بأنهم ... لا .. لا .. مستحيل ...
_:"لاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا..." صرخة دوت من حنجرتي ....
كان الدمع يريد أن يخرج للعلن ... ليبكي على من رحلوا ...
كنت محطما تماما وأنا أفكر بأنهم ماتوا .. ماتواااااااااااااا ...
تسلل إلى مسمعي صوت أحدهم وهو ينادي باسمي ... :"علي..."
لوهلة ضننت بأني أتوهم ... فهذا الصوت ليس بغريب عليّ... لهذا التفت ورائي ... لأرى أأنا في حلم أم حقيقة ...
اتسعت حدقتاي من الصدمة .... أمعقول بأنهم أحياء.... إنه زوج خالتي... العم مصطفى!..
عاد ليناديني باسمي ..:" علي!.. علي مابك؟!.."
لا أعلم ما الذي جرى لي .. لم أجد نفسي إلا وقد اندفعت ناحيته .. وحضنته بقوة .. ربما لأنني أردت التأكد بأنه حقيقة .. وليس من نسج خيالي ...
لم أكن أريد تحريره .. لولا أنه هو الذي أبعدني عنه وأخذ يقول :"علي... نحن بخير... لا تقلــ..."
قاطعته بقولي :"لقد ضننت أنكم متـــ...."
بترت جملتي التي لم أستطع إكمالها... وأكملت حديثي سائلاً إياه...:" أين خالتي وغدير وريم؟!.."
نظر إلى خلفه... وتبعته بعينيّ... لأجد خالتي وريم التي كانت خالتي تحيطها بذراعها... واقفتان خلفه .. والدمع ينهمر من مقلتيهما ...
لكني لم أرها معهما .. فتسلل الخوف إلى قلبي ... أخذت أبحث عنها والخوف يعتصر قلبي أكثر فأكثر ...
حتى وجدتها أخيراً ... كانت جالسةً تحت عامود الإنارة منكسة رأسها.... لم أستطع رؤية ملامحها ... سوى أنها غدير... قابعة على الأرض وممسكة بأصبع يدها اليمنى... زاد خوفي وهلعي .. ربما أصيبت بأصبعها .. ربما أصابها مكروه ... هذا ما خطر ببالي لحظتها..
لهذا سألت زوج خالتي :"ما بها غدير ... أأصابها مكروه ..؟ "
ليرد عليّ بصوت به نبرة أسى :" كلا يا بني ... لم يحصل لها شيء ... لكنها كما يبدو متألمة مما حدث ... فالذي جرى ليس سهلا ... الحمد لله بأن الانفجارات الأولى حصلت بمقربة من هنا ... مما أتاح لنا فرصة الهرب ... قبل أن تنهال علينا القنابل مثل زخ المطر ... أولئك المجرمون .... القتلة .... "
أخذ زوج خالتي يسترسل بحديثه .. لكني لم أكن معه... ففكري مرتبط بها ... كم تمنيت أن أذهب إليها وآحدثها ... أطمأن عليها بنفسي .. فقلبي لم يطمأن حتى الآن... فكلام زوج خالتي مناقضن لما أرى... فهي ليست بخير... ضللت أحدق بها على أمل أن ترفع رأسها ... وأرى تعابير وجهها .. لكن لا جدوى من الانتظار...
فجأة خرجت خالتي من صمتها .. وبصوت يتخلله شهقات البكاء قالت:" أحمد يامصطفى!.. أين أبني يا مصطفى .. أين هو ....؟"
هنا صحيت مما أنا فيه ونظرت ناحية خالتي وأنا أسأل:" أين أحمد ؟!!"
و نظرت ناحية زوج خالتي المطأطأ رأسه .. وأعدت سؤالي:" أين هو أحمد ؟!! "
هز رأسه يمينًا وشمالاً... ثم رفعه ليكشف عن عينين ممتلئتان بالحزن ... :"لا نعلم ... لقد خرج مع بدأ القصف... ليبحث عن بتول ... حاولنا أن نتصل به .. لكن الخطوط مقطوعة بسبب ما حصل..."
وقبل أن أفتح فمي بكلمة ... وقعت عينيّ عليه... على أحمد... كان وجهه مكسوا بالدم... وملابسه ممزقة... و بالكاد يمشي... كان يسحب قدميه سحبا...
عندما رأى زوج خالتي نظرات الاستغراب على عينيّ سألني قائلاً...:" ماذا بك يا علي؟.. إلى ماذا تنظر...؟!!"
قلت ... وأنا لازلت مذهولا مما أرى ..:" أحمد ..."
فصرخ :"ماذا ... !!"
والتفت على فوره إلى خلفه... لتقع عينيه على أحمد ويدب الرعب في جسده ...
ركض ناحية إبنه .. الذي أنهار وهوا على ركبتيه... تبعته خالتي التي بدأت تصرخ باكية... :"بني .. أحمد .. بني أحمد .."
وكذلك ريم خلفهما...
حوته خالتي في حضنها ....
_:"ما الذي جرى لك يا بني .. ما الذي جرى ...؟؟؟ " كان سؤال العم مصطفى...
وأخذت خالتي تسأله بصوت به نبرة من الجزع الممزوج بالبكاء...:"بني هل أنت بخير ... ؟؟ بني أجبني ..أرجوك ..."
لكن لا رد من أحمد ... لم ينبس بكلمة واحدة ....
أخذت أحدق به وبتعابير وجهه .. لتستوقفني تلك النظرة التي اعتلت عينيه ... النظرة التي احترت أين أصنفها من النظرات ... لكن الذي أعلمه بأن وخزة أصابتني في قلبي عندما وقعت عينيه في عينيّ ...
ضل زوج خالتي يسأله وخالتي تسأله و نحن جميع نترقب جوابا شافيا يريحنا منه ...
لكنه لم ينطق بشيء ...
فجأة رفع يده ... و فتحها .. لتظهر سلسلة ذهبية.... ملطخة بالدم ...
بدمعة جرفت معها آلاماً من قلبه إلى قلوبنا...:" لقد ماتت ... ماتت ... ماتت بتو..."
أغمض عينيه وبدأ ذقنه يهتز...
في حين أن عمي خطى خطوتين إلى الخلف... و عينيه مفتوحتان على مصراعيهما... وهو يحدق بأحمد ... فهو لم يصدق ما سمعته أذناه ...
أما خالتي .. فقد حررت أحمد من ذراعيها... وأخذت تحدق به هي الأخرى ونظرات الصدمة تعتلي وجهها...
سأله العم مصطفى:" أأنت متأكد ..؟"
لم يرده رد من شفتي أحمد ... لكن الدمعة الأخرى التي انسلت من مقلته كانت كفيله بأن تعطي زوج خالتي الجواب على سؤاله ...
لتصرخ خالتي بأعلى صوتها :"لاااااااااااااااا بتول .. لاااااااااااااااااا أبنتي ..."
وعادت لموجة البكاء ثانية... لكن هذه المرة أشد من قبل ... وكذلك ريم ... أنخرطت في بكاء مرير ...
والعم مصطفى... كان متماسكاً نوعا ما... غير أنه غطى وجهه بكلتا يديه... وبدأت أنفاسه تتسارع ... ومن ثم بدأت تبطئ... وليخفف من تلك الآلام التي تعتصره سمعته يناجي ربه... :" إنا لله... إنا لله..."
كم آلمني ما سمعت وما رأيت .. تلك المسكينة ... لازالت صغيرة على الموت ... لم أعلم ماذا يجب أن أفعل ... كيف أواسيهم ... رغم أني أعلم بأنه لا شيء يواسيهم ... لا شيء ..
التفتت إلى الخلف... لأطمأن على غدير... فهي لم تظهر بجانب أخيها... و أعلم كم هي تحب بتول ....
تفاجأت بها لاتزال على وضعها... قابعة هناك لم تتحرك... سوى رأسها الذي رفعته للسماء... وقد أغلقت عينيها... [[ما الذي جرى لك يا غدير ... ؟؟؟؟]]
|+* +* +*|
أحداث كثيرة تتطور في مركز الشرطة... ولقاء خلف آخر يكشف خفايا كثيرة...
نظر إليه من أسفل إلى أعلى ... ومن ثم خط ابتسامة جانبية ... تبعها بقوله :"أرأيت ما الذي يجري لمن يحاول خداعي ..."
ارتبك هو فطأطأ رأسه من فوره ...
شبك كلتا يديه ... واتكأ بكوعيه على قدميه ... وانحنى إلى الأمام وهو يقول:" أحقا خطر ببالك بأني لن أكتشف أمرك ...بأنك تحاول تحريضهم عليّ ....؟ تكلم يا سلمان ... لماذا أنت صامت هكذا .."
ازدرد ريقه بصعوبة وهو لا يستطيع أن يرد عليه .. فالكلمات تحشرجت في حلقه... لم يجرأ حتى بأن يرفع رأسه...
فك يديه ... ومن ثم عاد ليسند ظهره على الكرسي .. وقال:" الإنسان طماع .... مهما أخذ فلن يكتفي ... خيبت ضني بك يا سلمان .. حقا خيبت ضني بك ... أعطيتك الكثير ... وماذا أعطيتني بالمقابل ... خدعتني ... حاولت بأن تفهمهم بأني مخادع وبأني أجري وراء مناصبهم ...."
ضحك ضحكة عالية ثم أكمل... :" لكنك أحمق... غفلت عن شيء واحد .. ألا وأنه أنني .. أنا يوسف أسعد... الذي لا يهزه شيء ... أنا جذوري ممتدة في الأرض... من الصعب انتزاعي .... ترتجف ها!.. خائف أيها العجوز .... الآن أنت خائف ... على العموم ... هذه ضربة خفيفة ... وإذا أعدتها مرة أخرى ... فستكون الضربة القاضية .. من نصيبك.. لن تستطيع أن تفعل شيئا ... فقرار عزلك من منصبك قد صدر .... وهي مسألة وقت ليس إلا... وتصبح في الشارع أنت وعائلتك ..."
بصوت أقرب منه إلى الهمس قال سلمان :" أنا ... أنا آسف يا سيدي ... أنا كنت .. كنت أحمقاً ... وغبي.. أرجوك أغفر لي وسامحني .. أرجوك..."
لينفجر يوسف ضاحكاَ... قبل أن يقول:" الآن تتأسف ... مستحيل .. مستحيل بأن أسامحك ... لولا أبنك لما أخرجتك من السجن ... ولجعلتك تتعفن فيه .. لكن ابنك يروق لي ... وأشعر بأنه سيفيدني كثيرا ... فهو مخلص ... ليس مثل أبيه ثعلب مكار..."
ومن ثم قام من على الكرسي ... وخطى خطوتين ... :"لقد انتهيت يا سلمان .. انتهيت ... وكل خائن مثلك..."
وجه نظره إلى اليمين .. حيث كان جمال واقفا وأكمل... :"سيكون مصيره مثلك وأكثر..."
دب الرعب في جمال ... وهو يكشف ما بين السطور ونظرات يوسف...
ومن ثم أكمل يوسف طريقه ناحية الباب ... ولما وصل عتبة الباب .. التفتت إلى خلفه ... وبالتحديد ناحية جمال المتسمر مكانه ... وقال له :" جمال مابك واقف هكذا؟.. هيا لنذهب ..."
نظر جمال إليه ... هز رأسه بنعم ... مبتلعاً ريقه بصعوبه.... ونظرة من الخوف سكنت عينيه...
|+* +* +*|
في مكان لا يبعد سوى خطوات قليلة...
_:" أففففففف .. أكان يجب بأن يزوره أبي ...؟ "
نظرت إليّ أمي ومن ثم قالت:" نعم .. فهو كان سيصبح فرداً من العائلة..."
ابتسمت ضاحكا لكلام أمي وقلت :"فردا من العائلة ... الحمد لله بأنه لم يصبح فردا من العائلة .. و انكشف قبل أن يتزوج بتول ... احمدِ الله يا أمي بأن بتول لم تتزوج به .. وتتورط معه بهذه المشاكل... أنه مجرم ..."
هنا فقدت أمي أعصابها .. وصرخت بي...:"كفى يا وسام!.. كفى... إما أن تجلس في السيارة هادئً ... أو أن تخرج منها وتتركني لوحدي حتى يعود أباك ..."
:"حسنا .. سأسكت .. لا أحد في هذه العائلة يريد أن يسمع كلمة الحق .. "
رمقتني أمي بنظرة مهددة ومن ثم التفتت ناحية زجاج النافذة...
فجأة وبدون مقدمات ... وجدت أمي قد بدأت ترتعش ... انتقل الخوف في داخلي ... سألتها:" ماذا بك أمي؟.. لماذا أنت ترتعشين هكذا ... ؟!!"
التفتت ناحيتي ... لأصدم بعينيها المفتوحتان على مصراعيهما ... وعلامات الخوف التي كست وجهها ... هنا تحول الخوف الذي سكن قلبي إلى رعب ... أمسكت بيدها التي كانت تهتز كورقة خريفية ... هبت عليها ريح عاصف ...
بصوت هلع قلت لها :" أمي أجبيني ... ماذا بك ...؟!! "
لم تجبنِ ... بل نكست رأسها ... وبدأت أنفاسها تتسارع ... شعرت لوهلة بأن روحها تكاد تخرج من بين جنبيها...
ما الذي جرى لها ...؟ يا الله .. كانت بخير ... حتى ... حتى نظرت إلى خارج السيارة ... نعم خارج السيارة ... بالتأكيد رأت شيئا ... وجهت بصري ناحية زجاج النافذة .. لأرى ما الذي رأته وسبب لها هذا ... لكن قبل أن أدقق لما خلف النافذة... قالت للسائق بصوت به رعشة من الخوف :"تحرك ... تحرك فورا ..."
فعدت بعينيّ ناحيتها فوراً... وقلت :"لكن أبي ..."
لتقاطعني بصراخها ... :" قلت لك تحرك فورا .."
انصاع السائق لها... وتحرك...
|+* +* +*|
مضى الوقت... وتغيرت الأوضاع... واختلف تفكير المرء عما كان عليه... ليكون الناس كلهم قلباً واحداً ويداً واحدة...
حكيت لعبد الرحمن كل شيء .. كل قصتي ... مذ دخلت في تلك المجموعة التي ظننت بأنها تريد مصلحة البلد ... إلى أن وجدت الفتاة ... ولم أخفِ عنه شيئا وهو كذلك فعل المثل... أخبرني بأنهم مجموعة هدفهم الوحيد إخراج الفساد من وطننا ... و كذلك التخلص من العدو الغاشم ...
كنت محتارا وأنا أسمع قصته ءأصدقه كما صدقت سالم ... فالذي حصل لي جعلني لا أثق بأحد .. لكن تصرفه ... وطريقة كلامه عن العدو .. وتلك اللمعة التي كانت في عينيه...
:"أرضنا حرة ... و لا تأبى إلا أن تكون حرة ... ونحن سوف نعيد لها حريتها رغم أننا مجموعة صغيرة ... وسلاحنا غير متطور كأسلحتهم ... لكن .. لكن .... قلوبنا أشجع من هؤلاء ..."
نظرته تلك... جعلتني أثرت بكلامه جديا... ولامس كل حرف منه قلبي.... وأستفز وطنيتي....
قاطع حديثنا صوت عمار ... وهو واحد من الرجال الذين كانوا معه :"عبد الرحمن ... عبد الرحمن ... عمر ... عمر غاب عن الوعي ..."
قام عبد الرحمن من على الأرض .... وركض ناحيتهم ... ليجلس قرب عمر .. وضع يده تحت رأس عمر وأخذ يهزه ...ويناديه باسمه:" عمر ... عمر استيقظ يا عمر ... أرجوك استيقظ .. عمر ..."
ليقول محمود وهو الرجل الثالث بصوت به نبرة رعب :"أمات ....؟!!"
رفع عبد الرحمن رأسه ناحية محمود الواقف فوقه وقال :"لا تقل هذا يا محمود ..."
ليعود محمود يقول :"لكنه لا يتحرك يا عبد الرحمن ..."
قطعت حديثهم بقولي :"أيمكنني المساعدة ..."
نظر ثلاثتهم إليه والاستغراب مرسوم على وجوههم ...
_:" أأنت طبيب ... ؟!!" سألني عبدالرحمن...
فأجبت:" ليس تماما .. فأنا لم أكمل دراستي ... لكنني درست أربع سنوات ... أعتقد بأنه يمكنني مساعدته..."
أخذ كل واحد منهم ينظر إلى الآخر ... ومن ثم قام عبد الرحمن :"أرجوك ساعده ..."
هززت رأسي بنعم وأردفت قائلا :" إن شاء الله سأفعل ..."
|+* +* +*|
بصعوبة جعلتهم يقدمون إلى منزلنا ... فجميعهم يعيش صدمة رحيل بتول ... و منغمسون في حزن عميق ...
حاول أهلي بأن يخففوا عليهم لكن بلا جدوى ... فخالتي ما إن وصلنا لمنزلنا حتى انهارت علينا ... وريم أصبحت عيناها حمراوان مثل الدم ... من كثرت البكاء ... والعم مصطفى رغم أنه متماسك إلا أن دمعته تلمع في عينيه... حتى يكون قويا أمام عائلته .. إلا أنني متأكد بأنه من الداخل يبكي دما ...
وغدير ... آآآآآآآآآآآآه... لازالت معتكفة في صمتها ... الذي احترت معه ... كم تمنيت حينها بأن أدخل في عقلها وأعلم ماذا يدور فيه ...
أما أحمد ... فحالته مختلفة تماماً... كان موجودا ... وفي نفس الوقت غير موجود ... كان جاليا بأنه منهار تماما ... لا ألومه ... فهو الذي اكتشف بأنها قد ماتت ... ونعى الخبر إلى أهله ... إنه حقا في موقف لا يحسد عليه ....
في تلك الليلة ... بات أحمد في غرفتي أنا وأخي ياسين الذي لازال يجهل ما يحدث ... أما ريم مع ياسمين... وغدير كانت في غرفة أختي الكبرى كوثر... وخالتي وزوجها في غرفة الضيوف...
كان أحمد جالسا على حافة نافذة غرفتي ... ينظر إلى ما ورائها ... ومسحة من الحزن مرسومة على قسمات وجهه ... وسكون يعتلي شفتيه ...كم أردت بأن أخفف عليها حينها .. لكن لم أجد وسيلة لذلك .. ولا أعتقد بأني سأجد ...فالأمر ليس سهلا ...
أخيرا .. خرج من صمته ... وبصوت مبحوح ... ممزوج بحزن ..كانت كلماته تقطع نياط قلبي...:" لقد ... لقد رأيتها ... كانت أمامي ... يفصلني عنها عدة أمتار... لقد رأيت يدها تحت ركام النفايات... كانت أصابعها تتحرك ... نعم كانت تتحرك ... كانت لا تزال على قيد الحياة ... حينما هممت بالوقوف... كنت على وشك بأن أمسك يدها ... لأعيدها إلى الحياة ..."
رفع يده ومدها كأنه يعيش الحدث.. كأنه يرى يدها أمامه الآن ويريد بأن يمسك بها... اهتزت شفتيه قبل أن يكمل غاضباً... متوعداً...
_:"... لكنهم ... لكنهم ... أولئك القتلة ... لكنهم فجروا المكان ... نعم وقعت قنبلة ... لتحول المكان أشلاءا .. وتقذف بي بعيدا عنها ...."
بدأت يده الممدودة تهتز ... لتنهار وتعود إلى حجره... متبوعة بدمعة وجدت طريقها للخارج... كم تألمت لما رأيت وسمعت منه ... المسكين ... الذي حدث له يهد جبالا...
ضم السلسلة وخرقة ملطخة بالدماء إلى صدره... قبل أن يقول...:"لم تركوني للحياة!... لِم لَم يأخوذني ويتركوها!.. آآآه ياعليّ... لم يتركوا لي منها سوى أشلاء ذكريات... سلسلة علقت على جيدها سنين طويلة... وحجاب ستر شعرها جردوها منه... أوغااد... أوغااد... أوغااد..."
قال آخر كلماته وهو يضرب رأسه في الحائط الذي يستند عليه...
_:" اذكر الله ياأحمد... إن الله يمهل ولا يهمل..."
مسح دموعه وهو يلتقط أنفاسه... :"لا إله إلا الله... أيمكن أن تتركني لوحدي يا علي؟!..."
لم أجد نفسي وألا وقد قلت له...:" بالطبع..."
خرجت من غرفتي... لأتركه يختلي بنفسه... وينفس عما يثقل على قلبه... ربما كان بقاءه لوحده الأفضل له ... وجدت أخي ياسين توأم ياسمين... مشاكس لا أعتقد بأنه سيترك مشاكسته أبداً...
سألته مباشرة...:"أين كنت؟!."
تكلم بخوف...:"أرجوك لا توبخني!... خرجت برفقة أصدقائي..."
_:"أي أصدقاء يا أبله؟!... ألا ترَ الأوضاع اليوم؟!. ألم تعلم بما حدث لخالتي غيداء؟!. وأنت خارج للهو والمشاكسة..."
كنت ممسكاً به من أذنه اليمنى... وهو يرفع يده ممسكاً بيدي حتى أتركه... لكنه نكس رأسه وترك يدي بعد كلامي وقال بصوت نادم... :"بلى!.. وقد آلمني حال خالتي..."
تركته وسألته...:"للمرة الثانية والأخيرة أسألك... أين كنت؟!. وماذا كنت تفعل؟!."
_:"خرجنا مع بدأ القصف... كنا نكتشف أين هي مقرات أولئك الأوغاد..."
ضغطت على أسناني أكتم صوتي حتى لا يعلو... :"ماذا قلت؟!. أي أحمق أنت؟!. أتريد لنفسك الموت؟!. أم ماذا؟!. لو تعلم أمي صدقني ستربط بحبل متين بجانبها..."
_:"يالله... لقد وبخوني... أبي وأمي وكذلك جارنا..."
أحسست بأنه قد تغير اليوم... لكن ليس بالكثير... تركته وأنا أقول له...:"سننام الليلة في الصالة... لأن أحمد يريد أن يخلو بنفسه قليلاً..."
_:"حسناً سأذهب للحمام وأنزل فوراً..."
|+* +* +*|
عندما تمتلئ القلوب بالآلام... وتفيض بالعبرات... تعتلي الدموع سطح الوجوه... لتبكي... وتضمد جراح سماء...
آآآآآآآآآآه كم يؤلمني قلبي....وأنا أتذكر أناملك الرقيقة تناديني... أتذكر أنه بمقدوري أن أنقذك يابتول أكثر من مرة... أكثر من مرة كان بمقدوري ذلك... أمام ناظريّ... كان بمقدوري أن أفعلها .. لكن القنبلة حالت بيني وبينك .....
آآآآآآآآآآآه .... لماذا رفضت طلبك ياأبي؟... فأنت لست مذنبة.. ليس لك أي ذنب بأنكـــ... آآآه...
أنا أحبك ..... أحبك... أحبك...
يا للغباء ... الآن أدرك هذا... الآن ياقلبي تدرك ذلك...
ليتني منعتك من الخروج ذلك اليوم .. ليتني أصغيت لشعوري حينها ... لو فعلت ذلك لكنت الآن هنا... حية .. حية ترزقين .... كله بسببي... بسببي ... نعم أنا السبب... أنا قتلتك .. أنا يابتول .. أنا ....
اليوم ألوم نفسي... وفي الغد أقتلها... وبعد الغد أدفنها... فهي تستحق ذلك...
لكن ما فائدة اللوم والعتاب مادامت قد رحلت ... فمهما فعلت بنفسي فلن يغفر لي الذي فعلته بك يابتول ... لن ينسى أبداً ... أبدا .. أبدا ...
|+* +* +*|
دخلت الصالة لألقي بجسدي على الكنبة... تاركاً الباب خلفي مفتوحاً على مصراعيه... دقائق لم تكن طويلة وإذا بياسين يأتي ليفترش الكنبة المقابلة لي... توقعت منه أن يتكلم ويسألني عما حدث بالتفصيل الممل... لكنه ضل ساكناً...
بقيت فترة ليست بقصيرة أتقلب على الكنبة أحاول النوم... ولكن دون جدوى... الجميع خلد للنوم حتى أمي وأبي تركا خالتي والعم مصطفى وذهبا لغرفتهما...
ذهبت للحمام الذي كان بقرب باب الصالة...
عندما عدت لمكاني... بقيت فيه ربما ساعة أخرى... لمحت بعدها غدير وهي تنزل من على السلم ....
نظرت إلى ساعتي .. لأجدها بعد الثانية عشرة والنصف ليلاً ... ربما لم تستطع النوم ... هذا ما خطر ببالي ... وجدتها فرصة لكي أكلمها ... وأرى ما الذي حل بها ... فحالها اليوم لم يعجبنِ ... حتى أنها لم تذرف دمعة على بتول ...
نهضت من مرقدي أنظر إليها هل ستدخل الصالة أم لا... لكني فوجئت بها متجهة ناحية الباب الرئيسي...
هنا ناديتها وأنا أركض ناحية الباب...:"غدير ... أين أنت ذاهبة في مثل هذا الوقت ؟!!!"
التفتت ناحتي ... ومن ثم عادت كأنها لم تسمع شيئا ... فتحت الباب وخرجت ... فتبعتها ... وأنا متعجب مما تفعل ...
أخذت أقول لها:"غدير توقفي ... إلى أين أنت ذاهبة؟..."
لم تجب عليّ بل أكملت مسيرها .. كأنها لم تسمعنِ ... حينها لم أجد وسيلةً إلا أن أركض ناحيتها .. وأمسك بعضدها .. لتتوقف أخيرا ...
بغضب أخفيته خلف الهدوء...:"ما الذي جرى لك؟.. ألا تسمعينني..."
نظرت إليّ ... ومن ثم وجهت عينيها ناحية عضدها المغلفة بيدي ... :" اتركني ... فأنا يجب أن أذهب..."
وأخذت تحاول أن تحرر يدها من قبضة يدي... التي لم تتزحزح...
قلت لها ...:"غدير إلى أين أنت ذاهبة في هذا الوقت المتأخر.... ومن ثم ألست خائفة... فنحن مهددون بأن تنهال علينا القنابل من جديد في أي لحظة...."
_:" لا يهمني ... يجب أن أذهب... أرجوك دعني أذهب..."
لتتشابك عينيّ بعينيها ... وأشعر بخدر في يدي... التي حررت يدها.... وكذلك عينيها حررت عينيّ من تلك النظرة التي سلبت مني عقلي ... وأكملت طريقها ... لكني عدت لأناديها .. بعد أن استعدت رشدي ...:" غدير ... توقفي ..."
توقفت .. لكنها لم تلتفت إليّ.. وقالت:"أرجوك دعني أذهب .. أرجوك..."
لأقول لها :" حسنا ... سأدعك تذهبين ... لكن لن تذهبي لوحدك ... سأذهب معك ..."
عم الصمت لبضع ثواني .... ولم يدم طويلاً فصوتها يداعب إذنيه:" حسنا ... هيا بنا..."
وأكملت طريقها ... وأنا من ورائها ...
|+* +* +*|
كنت منهمكا في معاينة ساق عمر المجروحة ... حين قال لي عبد الرحمن :"ها يا خالد طمئنا عليه!.."
نظرت إليه ...حين أجبته...:" إن حالته سيئة جدا ... فجرحه عميق .. وكما يبدوا بأنه فقد دما كثيرا .. لهذا أغمي عليه ... يجب بأن نذهب به إلى المستشفى..."
صرخ محمود قائلاً:" لا .. المستشفى لا ... "
تعجبت من كلامه ومن ردت فعله فقلت له مستفسرا :"لمَ لا ...؟!!"
أتاني الجواب من عبد الرحمن :" خالد ... المستشفيات ليست بالمكان الآمن لنا ... ومن ثم أنت تعرف الأوضاع الآن ...بالتأكيد المستشفيات مملوءة بالمرضى و الجرحى ... لهذا يجب أن تعالجه أنت ..
_:" لكن أنا كما قلت لك .. لم أكمل دراستي .. وأيضا .. لا تتوفر الإمكانات اللازمة لدي ..."
خرجت تنهيدة من عبد الرحمن ... ومن ثم نظر إلى عمر المغمى عليه .... ليعم الصمت لبرهة ... لكنه رحل بمجرد أن قال عمار :" عبد الرحمن ... لقد حان الوقت ..."
التفت إلى خلفه حيث عمار واقف .. هنا قال محمود :" هيا بنا سنأخذه معنا .. هناك ستقوم حنين باللازم ..."
شعرت بأني تائهٌ بينهم ... لم أكن أفقه شيئا مما يتكلمون عنه...
نظر عبد الرحمن إلى محمود ومن ثم عاد لينظر إلى عمر .... وأخيراً أجابهم:" هيا بنا .. فلنذهب ... أحملوه ..."
انصاع محمود وعمار لعبد الرحمن ومن فورهم حملوا عمر....
أما عبد الرحمن فقد نظر إليه ... ومن ثم قال:" شكرا لك يا خالد .... الآن يجب أن نذهب .."
ومد يده لي ... أما أنا فرغم تعجبي من كلامهم .. إلا أنني مددت يدي له وتصافحنا ... :" أنا لم أفعل شيئا ... لكن.. انتبهوا لعمر .. يجب أن تحرصوا أن يكون جرحه مغطى جيدا ... وأن تغيروه بشكل مستمر حتى لا يلتهب ..."
_:"حسنا .... مع السلامة .."
_:" مع السلامة ..."
أولاني ظهره ومن ثم أخذ يخطو مبتعدا ... وأنا أتبعه بعينيّ...
لم يكمل طريقه .. توقف ... والتفت ناحيتي ... وهو يقول:" خالد .. أنت رجل جيد ... طيب القلب ... تحب وطنك .... لهذا ... لهذا نحن بحاجة لشخص منثلك... بحاجة لك أن تكون فرداً منا..."
قوست حاجبيّ إلى أعلى ومن ثم قلت :"ماذا تقصد يا عبد الرحمن ..؟!!"
ليعود أدراجه ناحيتي ... ويتوقف أمامي مباشرة ... ويضع يده على كتفي :" الذي أقصده بأني أريدك بأن تنظم إلينا ..."
رددت عليه مذهولا:" ماذا ؟!!! انظم إليكم ..."
هز رأسه بنعم وقد رسم ابتسامة على شفتيه ...:" لا أعلم ماذا أقول لك يا عبد الرحمن ...؟"
زاد من سعة ابتسامته وقال:" قل لي بأنك موافق ... فنحن حقا بحاجة لشخص مثلك غيور على وطنه ..."
طأطأت رأسي لدقيقة ... وقلت له...:" عبد الرحمن .. أرجو أن لاتفهمني بشكل خاطئ... لكن ... ماالذي يؤكد لي بأنكم حقا تريدون أن تحرروا البلاد... ولا تكونوا كما الذين من قبلكم..."
هنا تبسم ضاحكا وقال.. بعد أن أنزل يده من على كتفي ... :"لا شيء يضمن لك ذلك... لكن سأقول لك شيئا ... نحن فقدنا من نحب بسبب أولئك المتوحشين ... رأينا كل يوم شخصا يقتل بوحشية أمام أقدامنا ... رأينا بلادنا تذبل بقنابل هؤلاء القتلة .... ذقنا المر منهم ... نحن عشنا كل لحظة من الألم و الوجع الذي سببه هؤلاء الطامعون .. الوحوش الذين لا يعرفون الشفقة ... فماذا تعتقد ؟.. أنكون عون لهم بعد كل هذا ... ؟ أنت حكم ...."
وعاد ليوليني ظهره ... ويذهب بعيدا عني ...
كم تأثرت بعينيه اللتين كانت فيهما الكراهية واضحة حينما كان يتكلم عن العدو ....
كانت نظرت عينيه تلك لا تنتسى ...
_:" عبد الرحمن ... "
ناديته وقد تيقنت أنهم الذين أريد أن أكون معهم .. أقف بجانبهم أمام العدو الغاشم ....
لم يلتفت إليّ... ولم يجبني بكلمة واحدة... بل توقف في مكانه منتظراً حديثي...
لأقل له والحماسة قد دبت بكل خلية في جسدي...:" أريد أن أكون معكم جنبا إلى جمب أمام هؤلاء القتلة ..."
|+* +* +*|
الشوارع مظلمة... لا ضوء يبدد الظلام... لأن بلادنا احتواها الذئاب...
الواحدة بعد منتصف الليل...
ظلت تمشي وأنا خلفها أمشي ... وفي داخلي أتمنى بأن تنطق وتخرج ما في داخلها لي ... لكن للأسف ظلت معتكفة في صمتها ...
مشينا ومشينا ... لتتوقف أخيرا ... توقفت أنا الآخر لأنظر إلى الشيء الذي تنظر إليه... وجدتها واقفة أمام منزلهم الذي بات خرابا.... لم أنتبه إلى الطريق لأنني كنت أفكر فيها وبما تفكر به ...لهذا لم ألحظ في أي خط نسير ... عدت لأتمعن في قسمات وجهها ... لأجدها جامدة ... لا تعبر عن مشاعر داخلية ... قلت في نفسي [[لا بد من كسر الصمت فهي لا أظن ستتكلم]]
لكن قبل أن أتكلم ... وجدتها قد اندفعت ناحية ركام المنزل ... وأخذت تنبش به ... وأنا مستغرب مما أرى ...
تبعتها ... وأردت أن أنهي هذه الحيرة التي أعيشها...:" غدير عمما تبحثين..؟!!"
لم تجبنِ .. بل أخذت تنبش أكثر فأكثر ...
_:" غدير ... أجبيني ... لربما سـ...."
قطعـ جملتي وأنا أراها قد تعثرت وسقطت إلى الأرض... اقتربت منها سريعاً... وقلبي بدأ يدق بسرعة ... خوفا عليها ... جلست بقربها و الرعب قد نحت تعابير وجهي... وقلت بصوت مغلف بالخوف:"غدير أأنت بخير ... ؟!!"
أخذت تهز رأٍسها بلا ...
وخرجت من صمتها بعد طول انتظار .. لتقول بصوت أعياه الحزن.... وضيق البكاء عليه الخناق ..:"كلا لست بخير .. لست بخير ... فقد فقدت الخاتم ... فقدته ... كما فقدت حسن ...."
كم كانت صدمتي كبيرة عندما سمعت اسمه .... لا أعرف كيف أصف ... شعوري حينها ... حزن ... لا بل هو أكبر من الحزن بكثير .. ألم ... لا بل هو أكثر من الألم .... أنها لا تزال تفكر به ... حتى بعد موته... وأنا ... وأنا بصعوبة أمسكت دموعي حينها ...
أما هي فقط عادت لتمسك باصبع يدها البنصر... والذي كان الخاتم يطوقه... وبدأت دموعها الغالية على قلبي تنزل من مقلتيها اللتين ترسمان الحزن رسماً...
لتكمل بصوت أعياه البكاء...:"لقد خسرت حسن و الآن بتول ... .. لقد رحلوا جميعا ... رحلوا .... رحلوا ..."
زاد نزيف قلبي وأنا أراها بهذه الحالة... رغم الوجع الذي سببته لي ... إلا أنني . .. لم أتحمل رؤيتها بهذه الحال ... فهي عندما تحزن أنا أحزن .... وجدت يديّ ترتفعا لا أرادياً ناحيتها .... لكنني .. أدركتها.... وعيت لنفسي.... وأرجعتهما خائبتان .. فأنا لا أستطيع بأن ألمسها .... فهي ليست لي ....
كم رغبة حينها بأن أضمها إلى صدري وأغرسها بالقرب من قلبي ... لكن لم أستطع ... لم أستطع....
زادت حدة بكائها .... وأنا واقف أمامها عاجز .... لا أستطيع بأن أخفف عنها ... آآآآآآآه كم كانت رؤيتها بهذه الحالة تقتلني ... تدمرني ببطء....
:" غدير ... أرجوك لا تبكي ... فهذه مشيئة الله ... لقد ... لقد .. ذهبوا إلى مكان أفضل من هذا المكان..."
التفتت ناحيتي ... تشابكت عينيها الدامعتان بعينيّ ... لأجد نفسي غارقا في بحر عينيها .... كنا سنظل على هذه الحالة لوقت طويل .. لولا المطر لذي انهمر علينا بغزارة ... هي كانت أول من تحرر من ذلك التشابك ... رفعت رأسها ناحية السماء ... أما أنا فقد كنت لا أزال غارقا في بحر عينيها .... حتى أنني لم أشعر بالمطر ... كنت مخدرا ...
لم يوقظنِ من ذالك المخدر إلا صرختها ... :" آآآآآآآآآآآي ..."
نظرت أمامي .. فلم أجدها ... فكالمجنون أبحث عنها بعينيّ... لأجدها فوق ركام المنزل ... وممسكة بيدها .. كما يبدو أنها عادت لتبحث في الأنقاض.. ... هرعت ناحيتها .... وقلبي يكاد يسقط من عرشه من خوفا عليها ...
عندما وصلت أليها سألتها من فوري:" ما الذي جرى ...؟ "
_:" لا شيء...لقد جرحت يدي..."
نظرت ناحية يدها لأجد راحت يدها قد شوهت بدماء ... هنا قلت وبعزم وغضب .... أخفي وراؤه خوف عارم عليها :" هذا يكفي ... يجب أن نعود ..."
هزت رأسها بالنفي وأردفت قائله:" كلا ... يجب أن أجده .. يجب ... يجب ... "
عدت لأقول لها بنفس النبرة:" ألا تربن الجو ومن ثم الظلام حالك... لن تستطيعِ إيجاده .... فهي نذهب هي ..."
هي الأخرى ردت عليّ بغضب يعتصر صوتها :" كلا لن أذهب ... يجب أن أجده ... فهو الشيء الوحيد الذي يذكرني به وببتول ... فقد اخترته أنا وبتول معا .... لن أتركه .... لن أرحل بدونه ... أنت اذهب ..فأنا لم أطلب منك المجيء ..."
ومن ثم وضعت يدها السليمة على فمها وعادت لتبكي ..... في حين أني شعرت بوجع وألم لما سمعت... بألم جعل غضبي يتراجع ....
هوت على ركام المنزل .. وعادت تنبش بيدها السليمة ... غير آبهة بالمطر الذي بات يشتد ... و بالظلام الحالك ...
أما أنا فلم أعد أقدر على الاكتفاء بدور المتفرج أكثر من ذلك ... لهذا قررت أن أتحرك وأن أفعل شيئا ... لعل الوجع الذي في قلبي يختفي ....
قلت لها ...:" غدير ... توقفي أرجوك ... أنا سأبحث عنه ... أما أنت فستعودين إلى المنزل فالمطر غزير و الظلام حالك وأيضا أنت مجروحة .. لن تستطيعِ البحث ... وأنا أعدك بأني سأجده وآتيك به..."
رفعت رأسها ناحيتي .... وأخذت تنظر إليّ ...
قلت لها وأنا أقترب منها رويدا رويدا ... :" هيا بنا لنذهب .. سأوصلك للمنزل ومن ثم سأعود إلى هنا وأبحث عنه ..."
وعندما بت بمقربة منها توقفت مكملا حديثي وهذه المرة أنا الذي تعمد بأن يوقع عينيها بشرك عينيّ ... :"أنا أعدك أني لن أعود إلا و الخاتم بحوزتي ..."
قامت من على الكومة وعينيّ لا تزالان معلقة بعينيّ ... وهي تقول:" حسنا ... فأنا أثق بك يا علي ... سأجعلك تبحث عنه ..."
ابتسمت لها... وقلت:"هيا بنا! لنذهب..."
|+* +* +*|
عندما يبدأ يوم جديد... يبدأ بالضوء الذي يتسلل إلى كل زاوية في العالم... لكن هذا يوم مختلف... فالشمس اليوم كانت باهته... وحزينة...
صباح الأحد... ثلاثون من نوفمبر... الثامنة وعشر دقائق ...
كان جالسا ينظر إلى اللاشيء ... سارحا في عالم من الأحزان ...
لم يعلم كيف يفتح الأمر معه... فالأمر ليس من السهل التكلم فيه ... لكن لابد من فتحه ...
في البدء أطلق تنهيدة طويلة وهو يهيئ نفسه لفتح الموضوع...:"أبا أحمد ... أعلم كم هو صعب بأن أكلمك في هذا الموضوع... لكن يجب أن نرتب لأجل العزاء..."
التفت إليه ... أخذ نفسا عميقا وأخرجه دفعة واحدة ... أدخل كلتا شفتيه إلى فمه .. وهو يحاول أن يكتم رغبته في البكاء ومن ثم قال:" نعم ...افعل ماتراه صحيحاً..."
_:"حسنا .. أنا سأتولى كل شيء ... وهذه هي الدنيا يا أخي موت وحياة... هم السابقون ونحن اللاحقون..."
|+* +* +*|
دخلت إلى المطبخ لأجد أمي منهمكة في تقليب ما في المقلاة...
_:" صباح الخير ماما..." وأنا أقترب منها...
التفتت ناحيتي ثم أجابت :" صباح النور ياسمين ..."
توقفت بجوارها أسألها...:"أتريدين أن أساعدك بشيء ؟"
_:" نعم .. قومي بغسل الأطباق وتجهيزها .."
اتجهت ناحية المغسلة مجيبة عليها...:" في الحال ... "
سألتني أمي مباشرة ... :" هل رأيت خالتك ... ؟"
توقفت لثوان قليلة وقد تذكرت تلك الوجوه الحزينة... :" نعم .. عندما نزلت... كانت في غرفة الضيوف..."
_:" لازالت تبكي أليس كذلك ..؟ "
_:" نعم ... وكانت ريم معها... هي الأخرى كانت تبكي ... ليكون الله في عونهم .."
هزت أمي رأسها بأسى وهي تقول _:"نعم ... ليعينهم الله... المسكينة فقدتها فجأة... ربتها مذ كانت في المهد... ماذا عن غدير ..؟"
:"لا أعلم استيقظت ... ولم أجدها في غرفة كوثر... وحتى لم تكن مع خالتي ..."
_:" أين ذهبت يا ترى ...؟!!"
وقبل أن أجيبها دخلت كوثر... فسألتها أمي مباشرة...:"أين غدير؟!.."
_:" لقد رأيتها تقف في الخارج... عند الباب..."
فسألت أنا...:"ما بها؟!. هل خرج أحمد وهي تنتظره؟!."
أجابت غدير وهي تمد يدها للأطباق المغسولة تجففها...:"لا... أحمد لازال في غرفة الأولاد... أما هي فعندما سألتها أجابت بأنها تنتظر عليّ..."
حدقت بها مستغربة... فسألتها أمي باستفهام...:"مابه عليّ... أليس في الأعلى؟!."
قطع حديثنا دخول أبي ... وهو يسأل:" هل الفطور جاهز يا فاطمة ..؟"
التفتت ناحيته كان لايزال بالقرب من الباب ... وقالت:" نعم جاهز... ستأخذه الفتيات إلى الصالة..."
فقلت...:"صباح الخير بابا"
نظر ناحيتي وقال:" صباح الخير حبيبتي... أعطيني صينية الشاي والحليب لأذهب بها..."
كانت أمي قد سخنت الخبز فوضعته في الصينية وأعطتها لوالدي وهي تسأله عن العم مصطفى... :"كيف حال أبي أحمد اليوم ..؟"
أخذ أبو علي نفسا ولم يلبث إلا وأخرجه مصحوبا بكلماته:" ليس بخير .. ليس بخير ... لقد أخبرته بأمر الجنازة... وأني سأرتب كل شيء ... ليتك رأيت وجهه ... كان واضحا أنه يتألم... والآن المسكين يتصل بأخته يخبرها بوفاة ابنتها .. بالتأكيد لن يكون الأمر سهلاً عليه ..."
وخرج أبي دون أن يسمع كلمة أخرى منا...
في حين أن أمي أخذت المقلاة وأخرجت البيض منها لتقسمه على الصحون... كان الحزن يكسونا جميعاً... رغم أن بتول لم تصاحبنا كثيراً كما هي مع ريم وغدير... لكن الوضع يؤلم...
_:"سيخبر أخته!.. لا أعتقد بأنها ستهتم للأمر كما خالتي..."
كانت كوثر هي من قالت هذه الجملة... نظرت إليها والدتي وقالت...:"ربما الدمعة لن تخرج من مقلتيها... لكنها ستتألم مهما كان قلبها من حجر... لأن بتول روحٌ خرجت من روحها..."
حملت صينية الأطباق... قبل أن أقول:"هه... لا أظن فدوماً أسمع ريم وغدير يقولون أن الحجر ألين من قلبها..."
وأكملت كوثر...:"والجبل ينحني وهي لا..."
أسكتتنا أمي بكلمة لا ندركها...:"مهما كانت فهي أم ولدتها..."
|+* +* +*|
كنت جالسة على الدرج الخارجي للمنزل .. متكئه على مقبض الدرج ... مصوبة عينيّ ناحية باب السور ... مترقبة كل حدث في الطريق...
أخيرا وقعت عينيّ عليه بعد طول انتظار ... كان هندامه قد اتسخ ببقع من الوحل ... وكذلك لم يخلو وجهه منه...
أخذت أتمعن في تعابير وجهه بحثا عن جواب شافي... لكن وجهه لم يأتنِ بشيء .. كان يخلو من أي تعبير ... قمت من مكاني متلهفة...
وهو أخذ يقترب نحوي... طال صمته مما زاد من خوفي ... خطا أول درجة... ومن ثم الثانية ... ليبقى درجة واحدة تفصل بيننا.... قلبي يدق بكل حركة تصدر منه... أشعر وكأنه يتلذذ وهو يرقبني محتارة في أمره... رفع قدمه ووضعها على آخر درجة... فلم يعد يفصل بيننا سوى شبر واحد... وعينيّ معلتقة في وجهه... أريد أن أجد فيه جواباً يشفي جراحي....
|+* +* +*|
نظرت إلى وجهها .. أمعن فيه... لعلّي أعرف ما في داخلها من مشاعر... لم أجد إلا الترقب مع مزيج الحزن.. وآثر الدموع الجافة التي شوهت وجنتيها... كانت تنظر إلى كل زاوية من وجهي... تريد أن تعرف ماذا أخبئ لها من جواب...
رفعت كفي مغلقاً... عينيها تركت وجهي لتتجه إلى كفي... فتحته أمام ناظريها... ليظهر من وراءه الخاتم... لم أبعد عينيّ عن وجهها... لم أريد أن يفوتني ذرة من ردة فعلها...
وجدت الفرحة التي تمنيت أن أراها في عينيها قد وجدت طريقها إليهما ... رفعت كلتا يديها وأمسكت بالخاتم ... وهي لم تبعد عينيها عن الخاتم مذ وقعت عليه.... أحسست بأن الأرض لا تسعها من الفرح...
قلت وابتسامة فرح قد سكنت شفتيّ وروحي...:" لقد وعدتك أني لن أعود إلا به..."
نظرت ناحيتي ... وابتسمت ... أنا الآخر لم تكن الأرض تسعني من الفرح لما رأيت ابتسامتها التي تسحرني قد عادت إليها ... أعادت عينيها ناحية الخاتم ... لترحل تلك الابتسامة عن شفتيها ... رفعت الخاتم ناحية شفتيها... وطبعت عليه قبلة وهي مغمضة عينيها... لتفتحهما .. وتسمح لدموعها أن تهطل...
لتقتل الفرحة التي عشتها لثواني معدودة... ويقبع الحزن على روحي.... تقدمت إلى الأمام .. لأصبح في مستواها... مجاورا لها... أحاول أن أقترب أكثر لتشعر بالذي يؤلمني منذ زمن... وبنبرة صوت تعكس الحزن الذي في داخلي... :"لمَ الدموع يا غدير... ها هو الخاتم في حوزتك ... لقد عاد لك..."
شدت من قبضتها على الخاتم... وقالت بعد أن أبعدت الخاتم عن شفتيها... بصوت لا يخلو من شهقات البكاء...:"الخاتم عاد... لكنهم لم يعودوا لي..."
وتحركت مبتعدة عني ناحية باب المنزل...
حاولت بأن أناديها .. لعلّي أخفف عنها ...:"غديــ...."
لكن لساني خانني... وشل عن الحركة... لأنني أعجز عن تخفيف حزنها... وكم يؤلمني هذا... يؤلمني أن أرى الفتاة التي أحبها بل أعشقها حزينة متألمة... ولا أقدر على فعل شيء ليفرحها ...أو على الأقل ليخفف آلامها....
|+* +* +*|
منزل يعيش أصحابه حياة أخرى... لا يشاركون الآخرين مآسيهم... لكن الوضع كما قلنا سيختلف ويتغير... ولكن ليس بالكثير الكثير...
البارحة لم أستطع النوم ... فقد كنت أفكر بالذي جرى لأمي ... وما سببه ... كانت الأفكار تأتي بي .. وتذهب بي .. حتى بدأ رأسي يؤلمني ... لهذا قررت أن أسأل أمي في الصباح الباكر...
لأعرف ما الذي جعلها بتلك الحالة في الأمس... حتى عندما عدنا للمنزل في البارحة... لم تنطق بحرف .... ولم تكلم أحدا... بقيت شاردة الذهن طوال الوقت .. كان لا بد أن أسألها... والآن أتت الفرصة المناسبة... نحن لوحدنا الآن .. وهي تبدو أفضل من البارحة.... هيا فالأكلمها .... وأريح رأسي من التفكير العقيم ....
أخذت نفسا عميقا وأنا أهيء نفسي للقادم ... كانت تحتسي الشاي .. حين قلت لها :" أمي هل يمكنني أن أسألك شيئا ...؟ "
نظرت إليّ لوهلة ... قبل أن تقول:"لا ..." ورشفت رشفة أخرى من كوب الشاي...
لم أيأس .. أردت أن أعرف وبشدة .. فحالها لم يكن طبيعيا طوال الأمس ... لهذا عدت لأقول لها :"يبدو بأنك تعلمين عن ماذا أريد سؤالك.."
لترد عليّ :" نعم أعلم .. لهذا لا تتعب نفسك بالسؤال يا وسام ... "
_:" لكن أمي يجب أن أعرف ... فالبارحة لم تكونِ طبيعية بتاتاً؟.. ما الذي جرى؟.. ماالذي رأيته وقلب حالك؟.."
وضعت كوب الشاي على الطاولة القابعة أمامها.. وقالت وقد تغيرت تعابير وجهها السكانة .. إلى غضب:" لم يحصل شيء ... كنت فقط متعبة لا غير ..."
_:" كلا يا أمي لم تكونِ متعبة .. أنا لست أطفلاً لكي ينطلي عليّ هذا الكلام ... "
قطعتُ كلامي عندما رأيتها تقوم من على الكنبة... وقد زادت حدة غضبها... وأخرجته في جملتها...:" هذا يكفي ياوسام .... قلت لك لم يحدث شيء وأنا بخير... وإياك أن تفتح هذا الموضوع مرة أخرى ... أفهمت؟..." و أشارت لي بأصبعها متوعدة....
أما أنا فقد كنت حقا متفاجئ من ردة فعلها... وبنفس الوقت ردة فعلها هذه أكدت لي شكوكي ... لهذا قمت أنا الآخر .. وفي نيتي أن أكشف سر الذي جرى... لكن صوت هاتفها المحمول رن ومنعني من الحديث...
أخذتْ هاتفها الذي كان على الطاولة المجاورة للكنبة... وتعينت الرقم قبل أن تقول...:" ياالله.. ماذا يريد هذا الآخر..."
واستقبلت المكالمة مباشرة... وردت على المتصل...:" ألو .... أهلا يا مصطفى ..."
استمعت للطرف الآخر قليلاً... ثم قالت..:"أنا بخير .. وأنت ؟..."
في ثانية واحدة ... تغيرت قسمات وجهها .... التي بدأت ترسم معالم الصدمة ... تعجبتُ مما حل بها ... ومن ثم انهارت أمي بجسدها على الكنبة ... وهي لا تزال تضع الهاتف على أذنها ... عم الصمت المصحوب بسكون جسدها لعدة ثواني... هنا شعرت بالقلق ... لهذا اقتربت من أمي.. جلست بجوارها ... وسألتها فوراً...:" أمي ما الذي جرى؟.. ما الذي حصل لك ... ؟؟"
التفتت ناحيتي ... بنظرة لا أعلم كيف أصفها ... كأنها لم تكن تراني... كانت تغارقة بالحيرة... وعلامات الصدمة لم تفارق ملامح وجهها...
تحول القلق إلى خوف عندما رأيت حالها...:" أمي أرجوك أجبيني ... أمي ..."
لكنها لم ترد عليّ .. كأنها لم تكن تسمعني.... كانت في عالم آخر...
فلم أجد حلا سوى أن أخذ الهاتف منها .... وضعته على أذني... لأسمع صوت خالي المذعور وهو ينادي أمي ...
أجبته...:" ألو خالي ... هذا أنا وسام ... ما الذي يجري ... ؟"
وليتني لم أسأل... ليردني جواباً لم أكن أتمنى سماعه أبداً...
|+* +* +*|
|| بقلم : شمعة ||
|| التدقيق اللغوي والنحوي : معلم لغة عربية ||[/FONT]
|