القاهرة (مصر) - رويترز : لفترات طويلة حاولت دراسات كثيرة الترويج لمقولة احتفاء المصريين القدماء بالموت واعراضهم عن الحياة استنادا الى تشييدهم قبورا فخمة وأهراما تعد أكبر قبور في التاريخ.
لكن كتاب (روح مصر القديمة) ينفي هذه الفكرة ويثبت تفاؤل المصريين وحبهم للحياة رغم المصاعب الكثيرة التي واجهت "حضارتهم الفريدة .. فليس هناك شعب من الشعوب القديمة احتفى بالحياة الى حد بعيد مثل المصريين".
وتعتبر مؤلفة الكتاب أنا رويز - وهي عضوة جمعية دراسة الاثار المصرية في كندا - أنه في مقابل حب المصريين للحياة كانوا يكرسون اهتماما كبيرا للاستعداد للموت.
وتفسر ذلك قائلة انهم سعوا الى اطالة الحياة والابقاء عليها اذ لم تكن الحياة في تلك العصور سهلة ، وكان متوسط عمر الشخص العادي نحو 35 عاما ، ويزيد هذا المتوسط لدى الطبقات العليا بفضل رغد العيش والبعد عن العمل البدني الشاق ، حتى أن رمسيس الثاني عاش نحو 96 عاما.
ونشر الكتاب في الولايات المتحدة الامريكية عام 2004 ، وتقع طبعته العربية التي أنجزتها المترجمة المصرية اكرام يوسف في 307 صفحات كبيرة القطع ، وصدر الكتاب عن مكتبة الشروق الدولية بالقاهرة والمجلس الاعلى للثقافة.
وقامت في مصر القديمة قبل الميلاد بأكثر من أربعة الاف عام حضارات لم يؤرخ لها الى الان ثم توحدت البلاد في حكم مركزي عام 3100 قبل الميلاد على يد الملك مينا مؤسس الاسرة الفرعونية الاولى.
وفي عصر بطليموس الثاني الذي حكم مصر تقريبا بين عامي 284 و246 قبل الميلاد قسم الكاهن مانيتون أشهر المؤرخين المصريين تاريخ بلاده الى ثلاثين أسرة حاكمة منذ توحيد مصر حتى الاسرة الثلاثين التي أنهى حكمها الاسكندر عام 332 حين غزا مصر.
وتربط المؤلفة بين زيادة عدد السكان في مصر القديمة وفترات الاستقرار السياسي التي يترتب عليها زيادة الرخاء وامكانية الترقي الاجتماعي.
وعاشت البلاد نحو مئتي عام من الفوضى في فترة تعرف بعصر الانتقال الثاني (نحو 1786 - 1567 قبل الميلاد) حيث غزاها الهكسوس القادمون من اسيا "وكان هؤلاء الاسيويون الحقراء كما أسماهم المصريون ذوي شعر أكرت ولحى مجعدة" ثم طردهم الملك أحمس مؤسس الاسرة الفرعونية الثامنة عشرة (نحو 1567 - 1320 قبل الميلاد) التي تعد بداية عصر الامبراطورية المصرية أو العصر الذهبي.
وتقول الكاتبة ان سكان مصر بلغ في تلك "الحقبة العظيمة" نحو ثلاثة ملايين نسمة ، وهو رقم تعتبره ضخما للغاية في تلك العصور.
وتضيف أن الفرد من عامة الشعب بل من أفقر الطبقات في مصر القديمة كان يستطيع أن يبلغ أعلى المستويات الرسمية بالتعليم المناسب والتدريب والاصرار مستشهدة بقصة شعبية اشتهرت بعنوان (الفلاح الفصيح) ترجع الى الاسرة التاسعة (نحو 2160 - 2130 قبل الميلاد).
وتعرض بطل القصة للسرقة والاهانة على يد موظف صغير فلجأ الى كبير الموظفين وشرح شكواه ببلاغة اسرة جعلته يطلب حضور الفلاح في اليوم التالي لرواية شكواه حتى يدونها الكتبة ليسمعها الفرعون ، وظل الرجل يتردد ويحكي تسعة أيام أملا في تحقيق العدالة وأعجب كبير الموظفين بفصاحته التي أدخلت السرور على الفرعون فعاقب الموظف اللص وأعاد الى الفلاح حقه وجعله وزيرا.
وتقول رويز ان عدد المتعلمين في مصر القديمة تراوح بين واحد وخمسة في المائة من عدد السكان "وهي نسبة كبيرة في عصر كانت الكتابة فيه اختراعا حديثا".
وتوصلت الى أن نسبة المتعلمين زادت منذ الاسرة السادسة والعشرين (نحو 664 - 525 قبل الميلاد) وكان يتعين على الطلاب أن يتقنوا نحو 700 حرف هيروغليفي وبنهاية الحقبة الفرعونية بلغ عدد الرموز المستخدمة في الكتابة نحو خمسة الاف رمز.
وحظي محترفو الكتابة بامتيازات كالاعفاء من الضرائب ومن أداء الاعمال اليدوية مدى الحياة وكانت رواتبهم أكبر من النحاتين والرسامين.
كما تشير الى أن الكتابة رفعت من شأن بعض الذين احترفوها الى مرتبة الفرعون أو الحاكم ، وتستشهد على ذلك بأن حور محب الكاتب البارز ارتقى من قائد للجيش في عهد توت عنخ امون الى حاكم للبلاد وأنه عين قائدا عسكريا اخر هو رمسيس الاول ليخلفه نظرا لانه بلا وريث ، وأسس رمسيس الاول الاسرة التاسعة عشرة (نحو 1320 - 1200 قبل الميلاد).
ويقول مؤرخون ان حور محب الذي حكم البلاد (تقريبا بين عامي 1348 و1320 قبل الميلاد) تحالف مع رمسيس الاول لانهاء حكم الاسرة الثامنة عشرة بعد فترة من الاضطراب شملت النهاية الغامضة لعصر أمنحتب الرابع الشهير باخناتون فرعون التوحيد وفترة حكم توت عنخ امون الذي توفي نحو عام 1352 قبل الميلاد وهو دون الثامنة عشرة بعد حكم غير مستقر دام تسع سنوات ويرجح أثريون موته بضربة على مؤخرة الرأس أو بتسمم جرح في الساق.
وفي سياق الحق في الارتقاء الوظيفي والاجتماعي تقول المؤلفة ان حضارة مصر القديمة على خلاف الحضارات القديمة الاخرى حققت للمرأة مساواة مع الرجل في الحقوق والامتيازات حيث كان لها حق امتلاك الاراضي والعقارات وادارتها وبيعها وابرام التعاقدات وتمثيل نفسها في المنازعات القانونية كما أتيح للمرأة العمل مستشارة الفرعون وكاتبة وطبيبة.
وتضيف أن سجلات الدولة القديمة تثبت أن بيشيشت التي عاشت في عهد الاسرة الخامسة (نحو 2494 - 2345 قبل الميلاد) حملت لقب رئيسة الاطباء وفقا للنقش الموجود على شاهد قبرها "ويعتبر الباحثون السيدة بيشيشت أول طبيبة في التاريخ المدون".
وتشير الى أن ما أصبح يعرف بالزواج السياسي كان موجودا في مصر القديمة حيث أرسل حكام لممالك مجاورة بناتهم ليصبحن زوجات سياسيات لبعض الفراعنة حيث تزوج كل من أمنحتب الاول (نحو 1546 - 1526 قبل الميلاد) وتحتمس الرابع (نحو 1425 - 1417 قبل الميلاد) أميرتين من سوريا كما تزوج الاول شقيقة أحد ملوك بابل ، أما رمسيس الثاني فتزوج الاميرة هيتيتي من طرطوس بهدف تسوية خلافات قديمة بين البلدين.
ولأن الكتاب يحمل عنوان (روح مصر القديمة) فهو يتطرق الى الحياة الاجتماعية للمصريين مشيرا الى أن الزواج كان يتم بموافقة الرجل والمرأة بموجب عقد يجوز إنهاؤه فيما بعد بالطلاق الذي لم يكن شائعا وفي حالة حدوثه كانت المطلقة تحتفظ بما كانت تملكه عند الزواج اضافة الى حصولها على ثلث ممتلكاتهما المشتركة قبل الطلاق.
وفي حالة وفاة الزوج كانت أرملته تستحق ثلثي أملاكهما المشتركة ويقسم الثلث الباقي بين الابناء ويليهم اخوة الزوج. واذا توفي الابوان فان الابن يرث الارض في حين تؤول المجوهرات والاثاث وأدوات المنزل الى الابنة التي تملك كل شيء اذا خلت الاسرة من الذكور.
وتنفي المؤلفة انتشار الزواج بين الاخ وأخته في مصر القديمة مشددة على أن هذا فهم خاطئ حيث كان كلمة "أختي" التي يشير بها الزوج الى زوجته في حب مرادفة لكلمة "عزيزتي" أو "زوجتي
يعني بذلك ان الفراعنة لم يتزوج الاخوات فيما بينهم ، بل كلمة اختي تعني زوجتي او عزيزتي او حبيبتي وليس اخته من الاب والام
تحياتي للجميع