كاتب الموضوع :
redroses309
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
الفصل السابع
الخطوبة
عندما استيقظت كولين لتواجه يوما مشرقا جديدا ، تذكرت ما حدث ليلة أمس ، وكيف أنها ردت على جوليانو بأنها "ليست قلقة لهذه الدرجة" على قوله لها دون اكتراث "سأتزوجك".. و لم يتأثر أبدا برفضها له ، و توقف لإعادة الكرسي مكانها قبل أن يخرج بهدوء من الغرفة .
و تركت فراشها ، في وقت ما من هذا النهار ستواجه مدبرة المنزل وجها لوجه . و كما توقعت ، النظرات القاتمة كانت سيدة هذا اليوم . و حتى ايما ، التي كانت دائما مرحة و متألقة ، بدت متأثرة بتصرفات تينا الحادة و غير المبتسمة .
و عندما غادرت ايما إلى منزلها ، صعدت كولين إلى غرفتها لتغسل شعرها خلال الوقت الباقي ، و تمنت لو أن هناك وسيلة سحرية تنقلها على الفور إلى إنكلترا ، فوجه تينا كان داكنا مثل الرعد طول اليوم ، و حتى أمادو نجح في أن يبقى صامتا .
منتديات ليلاس
هل هكذا سيدوم الحال إلى أن تكسب ما يكفي لثمن تذكرتها ؟
و كيف ستكسبها إذا كان جوليانو مصرا على أن يعاملها و كأنها نصف معاقة و لا يسمح لها بأن تفعل شيئا ؟
كان شعرها يشع بالنظافة و الحيوية عندما ارتدت فستانها الطويل الوحيد ، الذي تم غسله الآن عدة مرات مع كل ما تحتويه خزانة ثيابها ، و هكذا أصبحت مستعدة للانضمام إلى جوليانو لتناول العشاء.
و لم يكن جوليانو على موعد عشاء في الخارج ، و لا في مكتبته ، بل شاهدته و هو على وشك الصعود على السلم عندما بدأت هي تنزل .و أحست بأنه يراقب كل خطوة تخطوها و هو واقف عند أسفل السلم وعيناه مثبتتان على شعرها الأشقر اللماع ، دون ذكر الاحمرار الفجائي الذي لون خديها لذكرى حرارة جسده بالقرب منها ليلة الأمس .
و لم يكن لديها أي شيء تقوله إلى أن وصلت إليه ، فقال والابتسامة في عينيه و قد لاحظ ازدياد الاحمرار الذي غطى وجهها:
-كنت على وشك الصعود لأصطحبك .
-أوه...
و تساءلت في نفسها لماذا لا تستطيع أن تتعامل مع ما حدث ليلة أمس بينهما بطريقة عفوية كما تفعل باقي الفتيات . و دون ذلك الخفقان في قلبها ، الذي بدأ منذ أن شاهدته . و جمعت كل برودها لتتابع قولها :
-ستتناول العشاء في المنزل الليلة إذا ؟
و تلاشت الابتسامة عن وجهه على الفور لهذا التصرف المتعجرف . فصاح بها :
-توقفي عن هذا يا كولي!
و فهمت ما يقصده ، و لكنها تظاهرت أنها لم تفهم محاولة الحفاظ على موقفها :
-أتوقف؟
و حاولت تجاوزه و المرور أمامه و رأسها مرفوع عاليا ، و لكنه أوقفها و أمسكها بيده القوية بحزم و منعها من أن تتقدم خطوة واحدة .
و نظرت بازدراء إلى يده على ذراعها ، ثم إلى عينيه الزرقاوين.
و لكنه سيطر على الغضب الذي أثارته فيه بأعصاب فولاذية :
-هذا الاحمرار على وجهك يقول لي إن كولين شادو الطبيعية دافئة. إمرأة بدم أنثوي كامل احتويتها بضع مرات بين ذراعي.. لذا تنازلي عن كبريائك يا كولين شادو .
و عادت الابتسامة إلى وجهه ثانية ، و رفع حاجبه و هو يقول ممازحا:
-إلا إذا أحببت أن أفعل شيئا لأخرج المرأة الكاملة فيك ، من مخبئها ؟
و تهاوت عجرفتها المصطنعة ، فقالت و كأنها تعتذر ، فهي تعرف تماما أنه لا يمزح ، فقد فعل هذا من قبل :
-أنا.. متحفظة بطبعي.. و.. لا تظن أنني أتعمد العجرفة... فمرتين بين ذراعيك تكفياني...
-أنت لست بارعة في العد.
و بدا أنه تفهم أن تحفظها أمر طبيعي فيها ، فأنزل يده عن ذراعها و أشار بنفس اليد أن تدخل غرفة الطعام . قائلا ببرود :
-العشاء يبدو أفضل من هذا الحديث .
و مع عودة جوليانو لبروده ، وغضب كولين المختفي وراء تحفظها ، كان جو العشاء غير مريح.
و زاد الأمر سوءا بدخول تينا لتقدم الطعام ، و لم تبتسم لأي منهما ، و أخذت كولين تحرك اللحم و الخضار دون شهية ، فقال لها :
-ماذا دهاك بحق الشيطان ؟
-لا شيء .
و جعله جوابها على حافة الانفجار . فصاح :
-بل هناك شيء و حق الجحيم! لم تأكلي ما يكفي لقوت عصفور ، و تجنبتي النظر إلى تينا في كل مرة دخلت فيها إلى هنا... فهل أنت ضعيفة الشخصية لدرجة أن لا تتقبلي فكرة نسيان تربيتك الباردة حتى و لو في بعض الأحيان ؟ هل هذه هي مشكلتك ؟
-أنا لست ضعيفة الشخصية...
ربما كانت تظن هذا بنفسها ، ولكنها علمت العكس بعدما غادرت إنكلترا ، و لكنه أطلق غضبا في داخلها ، لم تكن تعترف بأنها تمتلكه ، و أكملت كلامها :
-و إذا كانت شهيتي ضعيفة ، فماذا تتوقع غير هذا و تينا تبدو و كأنها تأمل أن أختنق بكل ما آكله .
و صمتت فجأة ، مرتعبة مما قالته ، فقد جلس يستمع إليها مطبق الشفتين . و غادره غضبه،و انتابها شعور رهيب بأن كل ما فعلته هو أنها سببت المشاكل لتينا ، و قال :
-تينا ؟ و ما دخلها بكل هذا ؟
و أحنت كولين رأسها و قالت :
-إنها.. ليست غلطة تينا.. فكلانا نعرف أنها إمرأة تقية متدينة ، و عندها مبادئ أخلاقية عالية.. و لابد أنها صدمت لما... لما شاهدته.. أو لما ظنته ليلة أمس .
-آه.. فهمت .
و لاحظت في عينيه تلك النظرة اليقظة التي تشير إلى أن عقله يعمل :
-تينا تعاملك ببرود كعادتها.. أليس كذلك ؟
فقالت بسرعة "لايهم" ثم أدركت أن ليس هناك من سبب لتنزعج من أجل تينا فكلتاهما خادمتان عنده . و حاولت الابتعاد عن الموضوع فقد أرادت أن تذكره بعملها ، و أنها كلما بدأت العمل سريعا كلما استطاعت مغادرة منزله في وقت أسرع ، و لكن جولينو كان البادئ بتغيير الموضوع .
-أخبريني المزيد يا كولين عن حياتك في إنكلترا .
-أظن أنني أخبرتك كل ما يمكن أن يقال .
-لقد قلت لي إنك كنت تدبرين أمر منزل والدك.. و لكن لا بد أن هناك أكثر من هذا .
-لقد كانت.. حياة... غير مهمة .
-ألم يكن لديك أصدقاء شبان ؟
و تمنت أن تقول له نعم ، و تذكرت ذلك الولد الذي كان يسكن قربهم و الذي عانقها يوما و ارتجفت لعدم إعجابها بهذه التجربة ، و لكنها وجدت نفسها تقول :
-لم تكن أول رجل عانقني .
-و لكنك لم تتلقي الكثير من التدريب ؟
-أنا.. لم أصل إلى مرحلة البطولة بعد .
و لم تدرك إلى أين يقود حديثه عندما سأل:
-و لكن ليس لديك شاب خاص.. في إنكلترا ؟
و فتح الباب و عادت تينا الغاضبة إلى الغرفة ، فأجابت "لا" و لكنها لاحظت أن ردها لم يثر اهتمامه. و توجهت ابتسامته إلى تينا و هو يتحدث إليها بالإسبانية.
و التفتت تينا إليها ، فأدركت أنه قد تكلم معها في موضوع نظراتها المستنكرة لها . فقد ابتسمت تينا فجأة بأعرض ابتسامة وجهتها إليها ، و ليس ذلك فقط ، بل استدارت حول الطاولة و تقدمت منها لتصافحها ، و الكلمات تتدفق من فمها ، و لكن بعض الكلمات بدت مألوفة ، فذهلت كولين و سألته :
-ماذا.. لقد قالت تينا شيئا عن.. نوفيا والسنيور! أنت لم تقل لها.. أنت لم تقل إنني خطيبتك أليس كذلك ؟
و رد عليها مسرورا :
-لقد ظننت أن هذا يسعدك .
-و لكن.. و لكنني قلت لك الليلة الماضية إنني لن أتزوجك .
-الأمر كان مختلفا ليلة أمس... و أنا أعترف أنني قد استعجلت في اقتراح أن نتزوج.. فلم أكن أدري ماذا سأفعل لو وافقت. و لكنني لم أقل شيئا اليوم عن الزواج منك .
-و لكنك.. قلت لتينا ، إننا مخطوبان ؟
-سي.. و لكنك تعرفين جيدا ، كما أعرف ، أن الخطوبة يمكن أن تفسخ بسهولة .
و جمدت في مكانها ، فقد أدركت أنه تذكر معاملة شقيقها لإيزابيلا ، و أنه لم ينس و لا للحظة ، العار الذي لحق بعائلته على يد أحد أفراد عائلتها . و هذا سبب عودة الجفاء إلى صوته عندما قال :
-و سأقدر لك أن توافقي على اتفاقية ودية عندما نفسخ الخطوبة بيننا بدل أن أسمع بها مثل إيزابيلا و يعرف الجميع بأنك تخليت عني .
و كانت تريد أن تخبره أنها لا تنوي المشاركة بأية خطبة زائفة ، ولكن ما قاله أسكتها ، فقد فات الأوان لإنكار الخطوبة إذا كانت لا تريد الإساءة إلى عائلته مرة ثانية . فقد أسرعت تينا خارج الغرفة لتخبر زوجها أمادو ، و لابد أنها الآن تستخدم الهاتف و أن نصف سكان "دورانغو" قد علموا بالأمر.
و صاحت كولين بوجهه:
-اللعنة عليك يا جوليانو إنريكو .
فتساءل بكل براءة :
-و ماذا فعلت ؟
-تعلم جيدا ماذا فعلت! أنت تعرف أنني لا استطيع نكران الخطوبة . دون أن..
و توقفت عن الكلام فقد أدركت أنها ألزمت نفسها بهذا . وعلمت أنه أدرك ذلك أيضا ، عندها غادرته القسوة و انفرجت شفتاه ، و تراجع قليلا على كرسيه و قال بنعومة:
-لقد فعلت ذلك لحمايتك يا كولين الحلوة .
***
في الصباح التلي ، انتظرت كعادتها منذ أن وصفها جوليانو بالمريضة ، إلى أن خرج من المنزل ، ونزلت إلى الطابق الأرضي.
يبدو أن لا جدوى من المناقشة و الغضب حول الوضع الجديد الذي وجدت نفسها فيه .
هل هذا يعني أنها ستصدق ما قاله جوليانو عن رايان ؟ و قطبت غير قادرة على تصديق أن رايان الذي تعرفه ، يمكن له أن يتقدم لخطبة فتاة ثم يهجرها بعد أن يعلم بأنها ليست الوريثة التي كان يظنها...
في الطابق الأرضي ، كان اللقاء الذي استقبلت به يوم أمس لا يقارن أبدا بما لقيته اليوم . فقد استقبلتها تينا بالابتسام وايما بالسعادة و الفرح فمن الواضح أنها قد علمت بخطبة السنيور لها . و تقدمت لتصافحها بحرارة .
و بالتدريج بدأ جو المنزل السعيد يؤثر بها ، و حان وقت الغداء ، ثم مضى ، و بدأت تحس بالراحة . و عند منتصف وقت بعد الظهر ، و تينا ترتاح ، وبيللا نائمة ، و ايما تقوم بكوي الثياب كانت كولين تقطع الردهة حاملة بعض ثيابها لتكويها في غرفتها فاعترضتها ايما رافضة تركها تقوم بالعمل بنفسها.. عندها التفتت وجها لوجه مع جوليانو .
و أجفلت ، و حاولت أن تقول بأنها لم تكن تتوقع رؤيته قبل العشاء ، و لكنها فوجئت به يتقدم منها ويقبلها على خدها محدثا صوتا عاليا ، و لم تستطع أن تبعده لوجود الثياب بين يديها ، و حاولت التراجع ، و الرد عليه بحدة ، و لكنه منعها بنظرة شيطانية و قال هامسا :
-يجب علينا أن نحافظ على المظاهر يا كولين .
-آه.. بالطبع .
فضحك و قال معلقا :
-توقفي عن الجدية يا عزيزتي الصغيرة.. لم تكن قبلة بالمعنى الكامل.
-و هل هكذا تراني.. طفلة؟
فابتسم ، و النظرة الشريرة لا تزال في عينيه و قال :
-قد تكونين محافظة ، و غير مجربة يا صغيرتي كولين ، و لكن بالرغم من هذا يجب أن تعلمي أنني عرفتك إمرأة ناضجة عندما احتويتك بين ذراعي.. و أن المرأة الناضجة قد أثبتت نفسها في تجاوبك معي .
و إذا كان يبحث عن طريقة لمنعها من الجدل ، و إذا كان هدفه السعي كي تحمر خجلا ، فإن كولين لم تخيب أمله ، في أي من المسألتين ، و قالت :
-سأراك عند العشاء .
-و لكنني أتيت إلى المنزل لأراك.
-لتراني؟
لماذا خفق قلبها لكلماته ؟ و لم تجد الجواب رغم التركيز الذي بذلته ، إلى أن ظنت بأنه يريد أن يتحدث معها حول الأسئلة التي تقلقها ، فقالت :
-أوه.. بالطبع.. نحن لم نتوصل لاتفاق حول موعد إعلاننا أننا لن نتزوج.. أليس كذلك ؟
و هجرته روحه المرحة في الحال ، وقال لها بجفاء :
-سنتكلم في غرفة الجلوس.
-سآخذ غسيلي إلى...
و فوجئت بغضبه ، و أمسك بثيابها المكوية و رماها على السلم . و أخذها من ذراعها و هو يقول :
-سنتكلم الآن..
و جرها نحو غرفة الجلوس الكبيرة ، و بدا عليه أنه يجاهد كي يتغلب على الغضب الذي أثارته فيه ، و قال لها :
-هذه أول فرصة لي لأعطيك هذا .
و وضع يده في جيبه ، و أخرج منها علبة خاتم . و فتحها ليظهر فيها أبهى خاتم سوليتير الماس رأته في حياتها ، و حدقت غير قادرة على إبعاد نظرها عن ما يلمع و يشع في يده ، ثم قالت و قد خنقتها الدموع :
-هذا.. ليس ضروريا ل...
-بل ضروري جدا . و أول ما ستنظر إليه تينا الليلة هو الخاتم الماسي الذي يعطيه المكسيكي للأسباسا المستقبلية .
زوجة المستقبل ؟ و لكنها لن تصبح زوجته! لقد تمادى كثيرا ، و لن تضع خاتمه ، و لكن جوليانو أمسك بيدها و دفع الخاتم في اصبعها ، و قبل أن تدري ما ستقول ، وجدت نفسها تصيح من الفرح .
-أوه ، جوليانو.. إنه خاتم جميل جدا!
و بدا أن كلامها أسعده . أو ربما كان ذلك مجرد رضى لأنه تغلب على رفضها ، و لم تتحرك لانتزاعه من يدها . فقال متوددا:
-الحلية المناسبة لأجمل يد .
و لكن كولين كانت قد استعادت تعقلها ، فجذبت يدها من يده ، و لم يتمسك جوليانو بها ، و أنزل يده إلى جانبه مستعدا لتلقي المعارضة . و لكن معارضتها جاءت هزيلة جدا .
-هل ستتوقع تينا أن ترى خاتم الالماس في اصبعي عند العشاء حقا؟
-ليس هذا فقط ، بل هي تتوقع أن أطير بأسرع وقت إلى إنكلترا لأطلب يدك من والدك .
-لا تستطيع أن تفعل هذا!
و تلقى جوليانو هذا بتكبر المكسيكي المفاخر ، و هو يقول بخشونة :
-و هل سيعارض والدك ؟
و اخفضت كولين عينيها ، فهي تشك في أن يكون والدها مهتما بالأمر كثيرا . مع أن أي والد في الدنيا لا يتمنى صهرا أفضل من هذا المكسيكي الطويل الوسيم الثري . و ما من أب يعارض في تسليم ابنته إلى يد تحميها بشكل أفضل منه . و رفعت عينيها لترى الفخر و الكبرياء في نظرته و هو ينتظر ردها . فقالت بهدوء :
-ما من أب قد يعترض عليك.. و بالتأكيد لن يكون أبي.. هل هذه عادة في بلدكم أن يسعى العريس لرضى والد العروس ؟
و هز رأسه بالإيجاب ، و شعرت بالسعادة عندما لاحظت أن التوتر المتكبر قد غادره . و قال شارحا :
-العادة أن لا يطلب العريس بنفسه هذا مع أنه يكون موجودا بالطبع . فالعادة أن يقوم والده أو شقيقه بالتحدث عنه .
و بدت هذه العادة جميلة و رسمية لكولين . وسألت سؤالا لو أنها فكرت به لما سألته :
-و هل طبق رايان هذه العادة ؟
فأجاب ببرود :
-لقد فعل ، في غياب والده ، لقد أثر على كاهن ابن عمتي بصدقه و جعله يقوم بهذا الدور . و كلانا يعرف كم كان صادقا في مشاعره لإيزابيلا عندما أخبرته أنها لا تتوقع أي مال خاص بها .
-شقيقي...
-أنه حشرة... سأراك وقت العشاء .
و تركها واقفة ، وكان واضحا إنه غير مهتم بكل ماقد تقوله للدفاع عن رايان . لم يكن لديها ما تدافع به عنه ، و لكنها كانت واثقة أنه ، بالرغم من طيشه و حماقته أحيانا ، لم يكن أبدا من النوع الذي يستحوذ المال على عقله ، و لا تستطيع تقبل فكرة أنه يجري وراء المال كوالدهما .
***
و ابتسمت تينا لها ونسيت أن تقدم الحساء و هي تقول بدهشة :
-أوه.. بونيتا.. كم هو جميل!
و وقفت قرب كرسيها مبهورة بالخاتم الرائع في اصبعها.
و ابتسمت كولين لها ، لأنها في الحقيقة لا تعرف كيف ترد عليها . و لكن الابتسامة تلاشت حال إن غادرت تينا الغرفة ، فقد دخل جوليانو و أخذ يحدق بها ، و سألها بهدوء :
-هل أزعجك شيء ما ؟
-و من أين تريدني أن أبدأ ؟
-لقد كنت تبكين.. لماذا يا كولين ؟
لم تكن تريد أن تجيب ، مع أنها تعلم أنها ستضطر . و سوف يعرف لماذا كانت تبكي قبل أن ينتهي العشاء . وتنهدت بيأس و قالت :
-لست واثقة من أنني أعرف ما بي... أنت، أنا ، رايان...
-شقيقك؟
-أجل.. في كل مرة تسمع فيها اسمه تصبح شريرا!
-و لي أسبابي كما أظن . أهذا ماجعلك تبكين ؟ ألأنني أصبح شريرا عندما أسمع ذكر شقيقك ؟
-أنا لست مسؤولة عما فعل .
-أنت تعترفين إذا بأنه مذنب ؟
-لا.. أنا لا أعترف. ومهما تكن صفات رايان ، فأنا أعرف أنه لا يهتم بالمال.. إنه ليس كذلك.. و أنا أعرفه.
جوليانو لن يصدق أبدا ما تقوله للدفاع عن شقيقها ، و هي مقتنعة بهذا ، لذا فقد ذهلت عندما قال لها بعد تفكير :
-لقد كان علي أن أعيد النظر في رأيي بك يا كولين , و قد يستغرقني و قت أطول لأغير رأيي بشقيقك .
و ابتسم لذهولها لما قاله. و أضاف :
-هل يسعدك لو وافقت على أن لا أكون شريرا عندما نتحدث عن شقيقك فيما بيننا في المرة القادمة ؟
و لم يكن أمامها مجال للتفكير بمدى تأثير سحره عليها ، فقد دخلت تينا المبتسمة لتقدم الوجبة الرئيسية . و وجدت نفسها تقول بعد أن خرجت تينا :
-لقد ذكرت أنك قد أعدت التفكير برأيك بي .
-لقد أعدت التفكير برأيي أنك قدمت إلى هنا لاصطياد الثروة ، اعتذاري عن هذا قد فاته الوقت كما أخشى . فهل ستسامحيني يا كولين الحلوة ، لأنني فكرت بمثل هذه الأفكار عنك ؟
-أولم تعد تفكر بأنني...
-لا.. لم اعد.
و عندما تكلم ثانية ، كان حديثه في موضوع مختلف . و أدركت أن ما كان يفكر به عنها لم يعد مهما أبدا .
-يجب أن نقرر بسرعة في أي يوم سنقيم حفلة خطوبتنا.
-حفلة خطوبة! و لكن لا لزوم لها.. حقا .
و نظر إليها بعينيه الحادتين ، و قال بصوت هادئ :
-أخشى أن تكون الحفلة ضرورية . فقد تلقيت التهاني عدة مرات اليوم ، و هذه المكالمةالهاتفية قبل أن أدخل للعشاء كانت من شخص يتمنى لي السعادة ، فقد أصبح خبر خطوبتنا في كل مكان .
-و لكن من السخف إقامة حفلة خطوبة و نحن نعرف كلينا أن الخطوبة ستفسخ و أنني لن أبقى هنا طويلا .
-هل تفكرين بالذهاب إلى مكان آخر؟
-أنت تعرف هذا. فور أن أكسب ثمن تذكرة السفر ، و هذا أمر آخر أود الحديث فيه، كيف سأكسب هذا المال في وقت أمضي فيه نهاري في كسل دون أن أفعل شيئا ؟
-كنت بحاجة للراحة ، و أنت...
-و لكنني لم أعد أحتاج للراحة ، فها أنا عالقة في بلد ليس بلدي ، متلهفة لأقوم بعمل أكسب منه أجرة سفري ، و مع ذلك فكل عرض أتقدم به للعمل يرفض . و كأن هذا لا يكفيني ، فأستيقظ ذات صباح لأجد نفسي متورطة في خطبة إجبارية دون أن يكون هناك مجال للخلاص منها ، لأنه.. لأنه..
-لأن ماذا ؟
- اللعنة عليك! كيف أستطيع نكران الخطبة ؟ لقد عانت عائلتك ما يكفي من إذلال من عائلتي .
-و هل هذا يزعجك ؟
-ألن يزعج أي إنسان لديه ذرة شرف و كرامة ؟
-و هل تعترفين بأن شقيقك يفتقر للشرف و الكرامة ؟
و لم تبدو نظرة الشر في عينيه ، كما وعد ، عندما ذكر اسم شقيقها ، و لكنها قلقت ، فقد كانت لهجته حادة مع ذلك .
فقالت له بإرتباك :
-هل يمكن أن نبقي شقيقي خارج الموضوع ؟ الأمر ينتهي بنا إلى الخصام كلما ذكرنا اسمه.
-ألا ترغبين في الخصام معي ؟
-لا.. لا أريد .
و لم تكن تريد حقا ، و لكنها في نفس الوقت لم تكن تريد الخضوع .
-كل ما أريده.. أن.. أن أخرج من هنا و أعود إلى بلدي .
و تأخر كثيرا في الرد حتى ظنت أنه لن يرد ، و كأنه لا يهتم بما قالته . و لكنه أنهى صمته ، و بدا في صوته نبرة سرور لم تكن متوقعة ، و قال :
-من المستحيل علي أن أعلن في وقت قريب أن خطوبتنا قد انتهت ، و بما أن الجميع الآن يعرفون بها فلا بد أنك تتفهمين الأمر .
-أجل..
فهي تعلم أنه سيكون هناك الكثير من الكلام إذا أعلنا أنهما غيرا رأيهما خلال أربع و عشرين ساعة ، دون ذكر المعاناة التي ستتحملها لعودة تينا إلى إمرأة مشاكسة كما كانت بالأمس . و قال جوليانو :
-و لكن.. أظن أننا سنتمكن من تجنب إقامة الحفلة ، و سأذيع بأن صحتك لم تصبح بعد ملائمة لمثل هذه الإثارة .
و لم تعترض ، فبالرغم من شعورها بأنها بقوة الحصان ، إلا أنها هي من بدأت بمعارضة فكرة الحفلة . فتمتمت قائلة :
-شكرا لك .
-و بما أنك متلهفة جدا للعودة إلى أرض ميلادك.. فأنا أقترح ، وهذا يتعلق بموافقتك ، أن نبقى مخطوبين لثلاثة أشهر ، عندها نعلن أننا أخطأنا ، ثم أشتري لك تذكرة سفرك إلى إنكلترا .
-ثلاثة أشهر ؟
-هل أنت موافقة؟
-أوافق.. و هل أستطيع العودة للعمل ؟
-ليس من المناسب لخطيبة جوليانو إنريكو غاتورادي أن تقوم بالأعمال المنزلية..
و علمت من لهجة التفاخر هذه أنها لن تستطيع الجدال ، ثم ابتسم ، و غمرتها موجة من الافتتان بسحره ، و قال :
-و لكن إذا رغبت ، بإمكانك مساعدتي في أعمالي المكتبية .
و اعتادت كولين على العمل المكتبي بسرعة كما البطة معتادة على الماء . و اكتشفت أن عدم معرفتها بلغته ليس عائقا لها . فمعظم أعماله كانت مع شركات أميركية ، و في هذا المجال تركها تعمل .
طباعتها على الآلة الكاتبة ، بالرغم من استخدامها لاصبعين فقط ، أخذت تتحسن أيضا ، كما لاحظت بعد أسبوعين ، و أحست بسعادة أكبر لم تكن تتوقعها .
و إذا كان خجلها قد بدأ يذوب أيضا فهذا شيء أسعدها أكثر ، و لم تعد تتردد في دخول معقل تينا ، المطبخ ، بل كانت تجد الترحيب هناك كما في أي مكان آخر.. و لاحظت في تينا حرارة أكثر تجاههافي هذه الأيام ، و تمنت أن لا يكون هذا بسبب خطبتها إلى السنيور فقط .
و سمح لها أيضا بتذوق الطعام المكسيكي ، دون بهارات كثيرة ، و طعام الغذاء كان يتألف في هذه الأيام من نوع يدعى "تورتيلا" يحضر بعدة طرق : مع فاصوليا و يدعى"فرايجولس" أو الجبنة و يدعى "تاكوس" و التورتيلا المقلية مع اللحم و الفلفل الأخضر و البندورة و الخس و تدعى "توستادس" ، و تورتيلا مطوية محشوة باللحم و الجبنة و الصلصة و تدعى "انشيلادس" .
و لكن الطبق المفضل لديها إضافة إلى القهوة بنكهة القرفة ، كان الفلفل الأخضر الحلو المحشو بالجبنة و المغموس بالبيض ، المطبوخ .
و تأملت كولين نفسها في مرآة غرفة نومها قبل أن تنزل إلى الطابق الأرضي لتبدأ عملها يوم السبت . لقد قال لها جوليانو إن لا لزوم لأن تعمل اليوم ، و لكن هناك بعض الرسائل يجب أن تطبعها يوم الاثنين ، الأفضل أن تطبعها اليوم ، و ابتسمت لنفسها في المرآة ، و قد لاحظت أنها بدأت تكتسب اللون الأسمر ، و أن هذا يناسبها .
و تركت المرآة ، و فكرها مشغول بجوليانو ، لم يكن قد لمسها منذ اليوم الذي قبلها و هي تحمل الغسيل بحيث لم تتمكن من منعه . و تذكرت أيضا ذلك اليوم الذي عاد فيه باكرا ليجدها في ثوب استحمام قديم من أيام المدرسة تتمشى قرب بركة السباحة . و كانت قد أنهت كل ما لديها من عمل... فقالت له :
-لقد كنت أعمل .
و ابتسمت ، فقد أنهت الذي تركه لها ، و بدت و كأنها تشعر بالذنب لأنه ضبطها و هي ترتاح . و أجاب ضاحكا:
-أنا واثق من هذا.. و لكن يسمح لنا جميعا ببعض التسلية .
و تجولت عيناه عليها و هي في ثوب السباحة . الطريقة التي تكلم بها معها ، و الطريقة التي توقف بها أمامها و انحنى حتى أصبح وجهه قريبا منها ، كلها كانت تشير إلى أنه يلمح إلى أن خطوبتهما تسمح له ببعض التسلية ، و عندها تأكدت و قد اقترب وجهه منها كثيرا ، أنه سيعانقها.
شعورها بأنها لن تمانع ، جعلها تنهض بسرعة و تقول بخشونة :
-سأذهب.. و أستحم .
و دخلت المنزل ، و لاحقتها ضحكة جوليانو ، و أسعدها سماع ضحكته ، و سألت نفسها : ماذا هناك في هذا الرجل الذي جعل مشاعرها الداخلية تثور بهذا الطريقة .
و غادرت كولين غرفتها ، و أخرجت معها الصينية التي كانت تينا تصر على أن تحضرها لها كل صباح إلى غرفتها.. و نادت تينا بمرح قائلة :
-بونس دياس تينا..
و ردت تينا التحية و هي تبتسم ، ثم توجهت نحو المكتبة ، و غادرها مرحها عندما فكرت بالساعات التي ستقضيها قبل رؤية جوليانو عند العشاء .
و دخلت المكتبة ، عندها لم يعد لديها أي وقت للتفكير لماذا يجب أن تنزعج إذا لم تشاهد جوليانو قبل العشاء . فقد كان هناك في المكتبة ، و لم يخرج . و لاحظت أن تعابير وجهه كثيرة الجدية و هو يقفل سماعة الهاتف ، و عرفت أن شيئا مريعا قد حدث . فسألته بسرعة :
-ماذا.. حدث ؟
و لم يجب جوليانو على الفور ، و لكنه ثبت نظره عليها ، و أحست من تأخره في الكلام أن ما حدث ، لا بد أنه يعنيها ، فسألته :
-ما الذي حدث ؟ لا بد أنه حدث شيء ما.. أليس كذلك ؟
و هز رأسه متجهما :
-شقيقك... لقد أصيب .
****************
يتبع...
|