كاتب الموضوع :
redroses309
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
الفصل الخامس
لن تستطعي الرحيل!
نامت كولين معظم النهار... كان يقطع نومها لحظات صحو.. تحاول فيها إعادة جمع شتات أفكارها ، و تعود تتذكر ذلك العناق الذي تشاركت فيه مع جوليانو إنريكو ، كان عناق رجل لإمرأة، بغض النظر عن أنه عاملها فيما بعد كطفلة.
لم يكن عندها وقت للتفكير لماذا لم تدفعه عنها ، و لماذا لم تجد عناقه مزعجا في وقت كانت تظن أنها تكرهه كثيرا . فكلما كانت تفتح عينيها و يجول هذا الخاطر في ذهنها كانت تجد إما تينا أو ايما تنتظر صحوها.
و عندما استيقظت تماما ، و شعرت بأنها أكتفت من النوم ، و بأن طاقتها قد عادت إليها ، كانت الشمس قد غابت في الخارج ، و لأول مرة هذا اليوم لم تكن لا تينا و لا ايما في غرفتها.
و عادت تفكر بالعناق بينهما، و أدركت عندها ، و الدماء تدفئ خديها ، أنها لن تستطيع مواجهته على طاولة العشاء . هي فقط غير مستعدة بعد لرؤيته.
و اكتشفت، سريعا بينما كانت تسمع وقع خطوات رجالية في الممشى، أن جوليانو ليس من النوع الذي ينتظر دعوة لزيارتها.
و فتشت بسرعة عن فرشاة الشعر ، و لم تجد الوقت كي ترتب خصلات الشعر المشعثة ، و لا أن تسرح شعرها على كتفيها . فبدون أن يزعج نفسه بالقرع على الباب ، فتحه و دخل متقدما من سريرها ، و قال بخشونة و هو يرمي لها ساعتها على الفراش :
-لقد كذبت علي .
و انتقلت عيناها من الساعة التي كانت قد نسيتها حيث كانت تعمل إلى وجهه ، فقال :
-اعتقدت أنك ستحتاجينها.
و علمت أن اللحظة غير مناسبة لشكره ، فقد كان غاضبا جدا!
-لا بد أنك أرهقت نفسك كي تنجزي ما أنجزتيه من عمل . و لا عجب أن أصبحت مريضة!
و كأنما لم يتحمل النظر إليها ، اتجه نحو النافذة لينظر إلى الخارج . و أدركت أن عليها قول شيء ما . و لكنها لاحظت أنه على وشك فقدان السيطرة على أعصابه . و كانت معتادة على استرضاء أبيها . و أوشكت أن تستخدم نفس الأسلوب معه ، عندما أتتها فكرة... لماذا تفعل ؟ منقسمة ما بين الشخص الذي كانته و بين ما تريد أن تكونه ،
أدركت أنها لن تستطيع التخلص من آثار الماضي لو أنها استسلمت عند أول صعوبة.. لماذا قد تفكر باسترضائه بعد كل الأشياء الفضيعة التي قالها لها في الماضي... و لماذا يجب أن تخاف من غضبه على كل الأحوال؟
-متى كذبت عليك ؟
-لقد كذبت علي بصمتك.. كان بإمكانك القول لي ، بالأمس و قبل الأمس ، أنك قررت تنظيف ذلك المكان ابتداء من فوق . و لم تقولي كلمة واحدة عندما دعوتك بالكسولة المثالية . هذة الكلمة أزعجتك و أنا أعلم هذا ، و مع ذلك لم تقولي كلمة واحدة.
-لقد توقعت منك أن تتجول في المكان لترى بنفسك ما فعلت .على كلٍ.. لقد أفادك هذا.. و ما كان يجب أن تظن...
-و لكنني لست أنا من عانى من التعب ، أيتها الحمقاء!
و هكذا أضاف لقبا جديدا مما يحتفظ به لها من ألقاب في جعبته.
-أجل لقد عانيت.. و لكنني بخير الآن . لذا لا حاجة للجدال في الموضوع... و أرجوك أن تغلق الباب و أنت خارج.
النار التي لمعت في عينيه لهذه الإهانة جعلتها تتمنى لو أنها لم تقلها ، و بدا و كأنه على وشك أن يخنقها ، و صاح :
- أيتها ال...
و صمت فجأة.. و استعدت لتصرخ... أنا آسفة.. آسفة.. آسفة! ثم شعرت بالسرور لأنها لم تفعل.. فبطريقة ما استطاع أن يسيطر على أعصابه ، و ربما لاحظ كيف شحب وجهها لعدوانيته. و قال :
-أنت على حق...
إذا كان لم يستخدم العقاب الجسدي عليها ، فهذا لأنها سوف تضطر إلى تحمل لسع لسانه .
-كنت مخطئا في افتراض أنك كسولة . أنت مستعدة للعمل الشاق لتحصلي على ما تريدين.. أليس كذلك يا جميلتي ؟
-أحصل على ما أريد؟
-ألست كذلك ؟ ألا تسعين للحصول على انطباع جيد عنك ؟ ألم تعملي على غسل و كوي الستائر و أنت على وشك الانهيار ، بقصد واحد و هو الظهور بمظهر البائسة عندما وجدتك منهارة ليلة الأمس؟
و تطلعت مشدوهة و شهقت قائلة :
- أتظن أنني...
-إنك أدركتي أن هناك أشياء تستطيعين الحصول عليها أكبر مما كنت ستحصلين عليه عن طريق شقيقك... على كل ، سأترك لك مهمة إثبات أنني على خطأ.. كولين شادو.
و تركها تغلي بالغضب و خرج .
استيقظت كولين باكرا في اليوم التالي . و غضبت من نفسها لأن رأي جوليانو لم يهمها . و لم تكن تنوي كذلك أن تبرهن له عن شيء. و كل ما كان في ذهنها و هي تنزل إلى الطابق الأرضي ، رغم شعورها بأنها ليست على ما يرام تماما ، أنها كلما عادت إلى العمل أسرع، أنها كلما كسبت ثمن تذكرتها بسرعة أكثر ، و تستطيع عندها أن تبتعد عنه و عن انتقاداته المريرة.
و خرج جوليانو من خلال أحد الأبواب عندما وصلت إلى أسفل السلم فقال لها فورا ونظرة ساخرة تطل من عينيه :
-و ما هي الملاحظات الطريفة التي تجول في رأسك هذا الصباح؟
-قبل أن تعتقد أنني أتيت لأبرهن لك شيئا.. أقول لك إنني سأعمل اليوم .
و مرت نظرة السخط على وجهه بسرعة ، لكنها لم تدم طويلا . و أصبحت نظرته فجأة مفكرة ، و عاد الشيطان إلى عينيه :
-ظنوني حولك ثبت أنها كانت خاطئة . ألم تكوني محرجة يوم أمس؟ هل خدعتني عيناي لرؤيتك محمرة الوجه عندما عانقتك قبل وضعك في الفراش؟
-ما.. ماذا تعني!
فقال بحدة:
-سأعطيك عشر ثواني للعودة إلى فوق .و إذا لم تتحركي سأحملك إلى غرفتك . و سأضعك بنفسي في فراشك.
-لن تفعل!
-أربعة.. خمسة...
و صرخت بغضب :
- أيها القذر!.. أيها المكسيكي القذر!
-ثمانية.. تسعة...
و في منتصف طريقها على السلم ، سمعت ضحكته من خلفها ، و تمنت لو أن في يدها شيء تقذفه به. كما سمعت ، الرجال المكسيكيون يتوقعون من نسائهم الخضوع التام ، و لكنها ليست إمرأته، و لا تنوي أن تكون خاضعة له.
لقد كانت خاضعة طوال حياتها... و لم يقع اختيارها إلا على المكسيك من بين بلدان العالم لتحقق حريتها!
و شاهدته من نافذة غرفتها و هو يخرج.. ليس بالسيارة كما هي عادته ، بل سمعت وقع حوافر جواد فقفزت إلى النافذة ، و رأته يبتعد على ظهر جواد أسود رائع ، كم تمنت أن يرميه الجواد عن ظهره، ولكن لا أمل بأن يحدث هذا ، كما لاحظت ، فالجواد و خياله كانا يسيران و كأنهما جسم واحد .
يبدو أنه ذهب إلى المزرعة ، و سيبقى هناك طوال النهار ، و كانت مصممة أن لا تخضع لإرادته بالعودة إلى الفراش ، فنزلت إلى المطبخ لتعرض المساعدة في اللحظة التي اختفت فيها أصوات وقع حوافر الجواد.
و أخذت تشير لتينا ، و كأنها تكنس و تغسل و تنفض الغبار ، متمنية أن تفهم ما تريد . و ظنت أن تينا فهمت عليها ، عندما أشارت إليها لتتبعها.
و لكن أملها خاب بعد أن لحقت بها عبر الردهة إلى الباحة المرصوفة خارج المنزل ، حيث أشارت إلى كولين بالاستلقاء تحت الشمس على كرسي نوم و ترتاح ، و كانت كلمة "السنيور" التي مرت من خلال تدفق الكلمات بالإسبانية منها ، كافية لتوضيح أن السنيور أمر بأن لا تمد يدها إلى شيء هذا النهار.
و لم ترد أن تزعج تينا التي كانت كالملاك معها يوم أمس ، فتمددت على الكرسي . و ابتسمت لها تينا ابتسامة مفاجئة ، و انسحبت لتكمل عملها .
و تمددت كولين تحت الشمس أكثر من ساعة ، دون أن تفكر بشيء .
المناظر الخلابة من حولها ، للمزارع على التلال العالية ، الخضراء التي تحيط بها السماء الزرقاء الصافية ، لم تترك مجالا لأية أفكار مزعجة في نفسها ، بالقرب منها كان بركة سباحة ، مياهها مغرية ، مع أنها لم تكن سباحة ماهرة ، وراء البركة تمتد مروج خضراء ، و زهور ، ملونة بكل الألوان ، و ورود و مارغريت ، بينما الهدوء يلف المكان كله من حولها .
و انتقلت عيناها عن مساكب الزهور الجميلة ، ليشد انتباهها رجل يقوم بالحفر ، كان في حوالي الخمسين من عمره ، و شاهدها بدوره ، و كان قريبا منها بحيث أنه رآها تبتسم . و لكن شيئا ما في الطريقة التي كان ينظر بها إليها جعل ابتسامتها تختفي . شيء ما جعلها غير مرتاحة ، شيء يجب أن تعرف ما هو مما جعلها تقرر أن لا تجرب بركة السباحة اليوم .
و كانت على وشك أن تقرر أنها لم تعد تتمتع بالاستلقاء هنا ، عندما خرجت ايما تحمل صينية قهوة .
-لم أعلم بأنك وصلت .
و قابلت ايما هذه الكلمات التي لم تفهمها بابتسامة ، ثم لاحظت أن الفتاة شاهدت البستاني ، و علمت أنه مسالم عندما نادته ايما :
-ماركو.. القهوة!
و ارتشفت كولين قهوتها ، و لم يعد ماركو موجودا ، فعاودها الشعور بالارتياح، حتى أنها بدأت تشعر بالسعادة عندما ركضت الصغيرة بيللا إليها، و قد تغلبت على خجلها من كولين ، و هي تصيح بسرور ، دون اهتمام إذا كانت كولين تفهمها أو هي تفهم عليها مكررة كلمة "فياستا" أي الاحتفال مرات و مرات ، و علمت بعد أن خرجت ايما وراء الصغيرة ، أنهم سيقيمون لها حفلة عيد ميلاد قريبا ، و رفعت ايما يدها إشارة إلى أن الصغيرة سيصبح عمرها أربع سنوات .
و عندما بلغت الساعة الثامنة , كان شعور بالجوع يسيطر عليها ، بالرغم من أنها لم تفعل شيئا هذا اليوم ، فتناولت طعاما خفيفا ، و كان امادو و ماركو يأكلان في المطبخ عندما أدخلت الأطباق الفارغة ، وسط احتجاجات ايما و تينا ، و علمت عندها أن ماركو هو من يقوم بالأعمال المختلفة في المكان.
و قررت أن الاستلقاء طويلا تحت الشمس أمر غير حكيم ، فخرجت لتتمشى بعد الظهر ، و قامت بجولة على العديد من المباني و الاسطبلات حيث يعمل العديد من الرجال ، ذوي الشعر الأسود و العينين البنيتين على عكس رب عملهم ، و كلهم يرتدون قبعات القش ، و لم تكن من طراز (سومبريرو) المكسيكي المشهور كما تصورت كولين .
عند المساء ، ارتدت فستانها الطويل الذي ارتدته يوم تعشت مع جوليانو آخر مرة ، كانت متأكدة أن تينا قد أخبرته بكل ما فعلته خلال اليوم .
و لم ترغب في أن يأتي إليها بنفسه ليأمرها بالنزول ، فدخلت غرفة الجلوس عند الساعة الثامنة إلا ربع ، و وجدته هناك يصب لنفسه كأسا من الشراب...
و بدأت الكلام معه لتظهر له أنها على استعداد لأن تكون مؤدبة :
-يبدو أنك غير معتاد على الشراب الوطني.. كما أرى؟
-في بعض الأحيان.. يبدو أنك تحسنت.. ماذا تحبين أن تشربي؟
-أشرب مثلك.
و أشار إليها بالجلوس ، ثم قدم لها كأس الشراب ، و جلس في المقعد المقابل لها . كانت مصممة على البقاء هادئه و عادية ، و تريده أن يبقى هادئا إلى أن تجد جوابا على سؤال ظل يجول في ذهنها طوال اليوم ، و قالت له:
-لون شعرك أفتح من باقي المكسيكيين الذين قابلتهم.
و شعرت بالندم فسارعت للقول:
-آسفة لم أقصد أن أكون غير مهذبة معك؟
-هل يحيرك لون شعري؟
-أجل.. أنا لم أشاهد مكسيكيا لون عينيه أزرق أيضا.
-هناك الكثير هكذا في الشمال.. و من المعروف أننا أخذنا هذه الألوان من أسلاف فرنسيين و ليس من أسلاف اسبانيين.
ثم بدأ يروي لها كيف تلقى الامبراطور مكسيمليان الدعم من الفرنسيين ، و كيف أن البعض منهم بقي في البلاد و تزوج من فتيات محليات. عذوبة حديثه جعلت تفكيرها يبتعد عن السؤال الذي كانت ترغب حقا في طرحه عليه ، و وجدت نفسها تسأله عما إذا كان قد تعلم الفرنسية عن طريق أسلافه . فأجاب بالفرنسية "وي" ، و ابتسمت مرغمة ، لأنه تلفظ بهذه الكلمة بطريقة مضحكة.
خلال هذا عيناه بقيتا مثبتتان عليها ، و لم تفهم لماذا ، ثم قال :
-تصبحين أجمل عندما تبتسمين يا كولين ، يجب أن تبتسمي دائما .
و أزعجها هذا التعليق الذي يجب أن يكون إطراء ، فهو قد جعله يبدو و كأنه تقرير أمر واقع ، فربما لم يكن يقصد به الإطراء . و قالت له :
-أنت تتكلم الإنكليزية بطلاقة أيضا .
-لقد تلقيت تعليمي لسنوات في أمريكا... أرى أنك أنهيت شرابك ، فهل ترغبين في المزيد أم نذهب لتناول العشاء
-أفضل العشاء.
و قال لها بعد أن رآها تبتسم :
-أعتقد أن فكرة ما أضحكتك ؟
-كنت.. أفكر فقط بشيء ما .
و انتظرت كولين إلى نهاية العشاء لتسأل السؤال الذي كان يلح على الخروج من لسانها:
-جوليانو... كنت أتساءل...
-أنا مصغ إليك .
-حسنا... لا يبدو أنني أعمل بشكل جيد لكسب ثمن تذكرة سفري.
-غريب.. و لكن من رأيي أنك قمت بعمل أكثر من جيد فيما طلبته منك .
-و لكنني لا أظن هذا . لذا كنت أتساءل.. إذا...
و نظرت إليه ، و انزعجت لأن تعبيراته لم تتغير ، و انزعجت أكثر لأنه قنع بالجلوس و تركها تجمع شتات تفكيرها لما ستقوله :
-هل تستطيع أن تقرضني ثمن تلك التذكرة ؟
و هكذا خرج السؤال منها ، و انتظرت رده مقطوعة الأنفاس . و رفعت رأسها عاليا بانتظار رفضه. و سألها بعد توقف بدا لها طويلا :
-أقرضك ؟
و وجدت بعض التشجيع لأنه لم يجابهها برفض قاطع . و بدا أن كبرياؤها قد فارقها و هي تقول له :
-سأعيد لك ، كل قرش منها.. و أعلم أنك لن تتضايق من دفعها..
-هكذا إذا... لقد كنت تتجولين بفضول اليوم لتعرفي مدى ثرائي .
-لا.. ليس الأمر هكذا. لقد خرجت لأتمشى ، صحيح، و لكن ليس لأتجسس ، كما تسمي الأمر.
اللعنة عليه ، لقد فهم بشكل خاطئ ، و ابتعد كثيرا عن محاولة فهم وجهة نظرها . و كل ما نجحت به هو أنها أكدت له بأنها تسعى وراء المال تماما كأخيها.
منتديات ليلاس
و لم يكن عندها أدنى فكرة عن كيفية إقناعه كم هي مخلصة ، و لكن مهما يكن ، عليها أن تحاول . و عليها أن تجلس و تتحمل كل ما سيتهمها به ، فهي لن تتمكن من الصراخ في وجهه كما ترغب .
فعليها أن تخرج من هنا , و عن طريقه هو فقط يمكن تحقيق هذا .
و لكن قبل أن تتمكن من ترتيب الكلام الذي ستقوله ، كان يسخر منها قائلا :
-يبدو عليك أنك متشوقة للذهاب... هل هذا يعني أنك لا تحبين هذا المكان ؟
-منزلك في منطقة جميلة جدا... و لو.. أن الظروف كانت مختلفة ، فأظن بأنني سأكون مسرورة جدا لهذه الفرصة.. لقضاء بعض الوقت هنا.. و لكن...
-و لكنك أدركت أنني لست فريسة سهلة لعينيك؟
و ازداد غضبها ، فصاحت و قد آلمها اتهامه لها ثانية بأنها صائدة فرص.
-اللعنة عليك!
و كان رده مع ابتسامة باردة لأنه نجح في تحطيم برودها .
-تقولين بأنك ستردين المبلغ لي.. فهل يجب أن أقبل بطلبك؟
و هكذا بهدوء ، أطفأ نار غضبها بالعودة إلى الموضوع المهم ، و بدلا من أن ترميه بكوب الماء تنفست الصعداء ، و بدا لها أنه على استعداد لبحث الأمر.
-أجل بالطبع. سيكون هذا مجرد قرض .
-و هل لي أن أسأل كيف تنوين أن تدفعيه؟ مما فهمته منك ، فوالدك هو معدم مثلك تماما ، و إلا لكنت أبرقت له لتطلبي المبلغ عندما كنت في الفندق في (كواريتارو).
-والدي لا يفتقر إلى المال!
-و لكنه لا يميل لإرسال أي مبلغ من ماله لك ؟
-لقد دفع ثمن تذكرة سفري إلى هنا .
-بالنسبة لرجل بخيل هكذا ، يبدو أنه كان مستعدا للدفع لمجرد الخلاص منك . هل كان سعيدا للخلاص منك؟
و آلمها السؤال ، مما أجبرها أن تدافع عن والدها ، فقالت بهدوء :
-لم يكن في منزله الجديد مع زوجته مكان لي.
-ألم يكن والدك يحبك ؟
و جاء دورها للسخرية، فلم ترغب في أن يلاحظ أن الرد على سؤاله يؤلمها أيضا :
-لم يقل لي هذا ابدا.
-عندما يكون الحب موجودا فلا حاجة للكلام فيه ، فمعرفته غريزية .
و عادت إليها كراهيته ثانية و هي تجيبه:
-إذا..قد أفهم من هذا أن والدي لم يكن يحبني .
و شعرت بالغضب من هذا الحديث ، و استمر جوليانو بالنظر إليها دون أن يرد ، فتابعت:
-و أفضل أن لا نتكلم عن والدي أو عن نقص عاطفته لي ، لو سمحت .
-حسن جدا... و لنعد إلى ما تقترحينه لرد القرض الذي قد أفكر بأن أعطيه لك .
-سأحصل على وظيفة.. عندما أعود إلى بريطانيا.
-و ماذا ستعملين ؟ إذا كنت قلت لي الحقيقة ، فإنك لم تعملي من قبل .
-أعترف بأنني لم أعمل من قبل لقاء أجر ، و لكنني كنت مدبرة منزل والدي و كنت أنظفه أيضا .
و عرف جوليانو أنها لا تخاف من العمل أبدا .
-لا شك في هذا .
و بدا صادقا ، و علمت أنه تذكر ما قامت به في منزل المدير .
-لم أكن أريد أن أطلب منك ، و لكن بما أنني لم أجد رايان.. فأنا...
ها قد أفسدت الأمر . و أدركت هذا عندما ذكرت أسم رايان فكل ما سيتذكره الآن هو ايذاء شقيقها لفرد من أفراد أسرته، و استنتجت هذا من تصلب فكه الفجائي . يبدو أن كراهيته لرايان و كل ما فعله أكبر من أن ينساها ، و دفع بكرسيه إلى الخلف و وقف:
-أرى أن شهيتك قد تحسنت ، و لكن بما أن الوجبة قد انتهت فأرجو أن تعذريني.. فلدي أوراق يجب أن أدرسها.
-و لكن.. ماذا عن تكاليف سفري ؟
و وقفت بسرعة ، و تقدمت نحو الباب لتصل إليه في نفس الوقت الذي وصله. فهي لم تجلس هنا طوال السهرة حتى يخرج في النهاية و يصفق الباب في وجه آمالها.
-تكاليف سفرك؟ لقد اقترحت بنفسك أن تعملي لاكتسابها. و هكذا ستفعلين ، و لكن ليس في بلادك.
-و هل سأبقى.. هنا؟
-لبعض الوقت كما أظن... هذا إلا إذا كنت تنوين ان تتبعي مثال ما فعله شقيقك.
إذا.. فتفكيره لا يزال مركزا على رايان ، و أجابته:
-أنا.. لم أفهم عليك.
-لم تفهمي؟.. شقيقك ظن أنه وجد لنفسه إمرأة ثرية ، ألم يفعل هذا؟
-و هل تعتقد... هل تظن أنني قد أمثل عليك كي أحصل على تكاليف سفري دون أن أعمل بالمقابل؟
-لا أذكر أنك عارضتيني يوم أمس عندما عانقتك .
و لم تدري ما لذي يزعجها أكثر ، أهي عجرفته التي لا تطاق ، أم الخجل الذي غمرها لأنه كان يقول الحقيقة، و لكن يدها اليمنى التي تلهفت أكثر من مرة للوصول إليه ، لم يعد باستطاعتها إسكاتها ، و قبل أن تفكر ، اختارت يدها اللحظة المناسبة لتنطلق في الهواء .
و صفعته على وجهه تماما ، و هي بالكاد تعرف ماذا تفعل ، فيدها كانت تتصرف باندفاع ذاتي عنيف . و قالت بعد الصمت الذي تلا :
-بما أننا لا زلنا في مجال التذكر ، أتذكر أنني نسيت أن أعطيك هذا بالأمس .
الابتسامة التي ظهرت على وجهه لم تعجبها أبدا . و قال بنعومة :
-أنا أشعر بالفعل يا كولين شادو ، أن هذه العقوبة أكبر من الجريمة . لذا اسمحي لي يا عزيزتي كولين أن أصحح هذا التوازن.
و لم يكن لديها أية فكرة عما سيفعل ، مع أنه قد خطر في بالها أكثر من مرة بأنه يرغب في ضربها، و لكنها لم تكن تظن بأنه سيرد على التحية التي قدمتها له لتوها.
مع ذلك ، فقد أسرعت بالتراجع ، و اكتشفت أنه أسرع منها في الحركة ، و لكن ليس ليضربها.. و في لحظات لم تدري بنفسها إلا و هي ما بين ذراعيه . و جسده الذي لامسها يوم أمس قد عاد ليلامسها ثانية.
و لكن هذه المرة لا تقارن بالمرة السابقة ، و قاومت كي تتخلص ، فهي لا تريد أن تبقى بين ذراعيه.. و لكن يا للسماء.. مالذي يحدث لها ؟ إنها تشعر بالسلامة و الأمان بين ذراعيه ، و مع ذلك فلا يجب أن تشعر هكذا. و شهقت :
-لا تفعل هذا!
و استطاعت أن تبعد نفسها قليلا عنه ، و لكنه عاد ليحكم ذراعيه من حولها ، و حاولت التخلص بقوة ، و أن تجذب جسدها بعيدا عنه ، و لكنه استمر في الضغط عليها بشدة ، ثم ذهلت لشعورها بأن الخوف قد بدأ يختفي من داخلها ليخلي الطريق أمام مشاعر جديدة .
و لم تعد تقاوم بل أحست بالدوار ، و عندما تركها ، و جدت أنها تحدق بغباء في عينيه اللتان بدتا و كأنهما تكشفان كل ما يدور في أعماقها .
-ألم تكوني تتوقعين وجود هذه المشاعر في داخلك ؟
و أحست بغضب شديد لأنه يسخر من سذاجتها . و أخذت تفكر بماذا سترمي في وجهه، ثم قفزت إلى ذهنها فكرة قد تكون الحل لكل مشاكلها .
-بإمكانك الأحتفاظ بمالك... فأنا لست بحاجة إليك! أول شيء سأفعله في الغد أن أذهب إلى القنصلية البريطانية . فهم موجودون هنا لحل مشاكل مثل مشكلتي ، و لمساعدة البريطانيين المقطوعين هنا .
و تمنت أن تكون محقة... و لكن غضبها لم يؤثر به أبدا.. و لاحظت على الفور أن ما يجري وراء عينيه الذكيتين لن يعجبها أبدا .
-بعيدا عن أن ليس هناك قنصلية بريطانية في "دورانغو" فعائلتك مدينة لعائلتي سنيوريتا .
و أخذ يحدق بها ، و الجليد في عينيه على عكس المظهر اللامبالي الذي كان يتقنع به . يجب عليها إذن أن تدفع الدين قبل أن يوافق على ذهابها . لكنها ستحاول إيجاد قنصلية بريطانية في مكان ما ولو كلفها هذا المال القليل الذي تملكه ، و لكنه قال لها :
-لو حاولت الخطو خطوة واحدة خارج أملاكي ، أيتها الآنسة الشامخة الأنف ، فسوف أضع شقيقك في السجن قبل أن تحصلي على مقعد في أية طائرة .
-السجن ؟ لا تستطيع ، فأنت لا تعرف مكانه .
-لدي اتصالاتي ، و أستطيع معرفة أين ذهب . و لن يكون صعبا على البوليس أن يلقي القبض على رجل إنكليزي .
و تمنت كولين أن يبقى شقيقها مختفيا ، بالرغم من رغبتها في أن تجده . و أخفت خوفها ثم قالت متحدية :
-لا تملك شيئا ضده... و لم يرتكب أي خطأ!
-لنتخلى عن الجدال الأخلاقي ، بما أنك ملوثة مثله.. و يكفي أن أقول ، إنني أستطيع التفكير بشيء سيبقيه في قبضة البوليس إلى أن يقدم للمحاكمة .
-و لكن.. بإمكان محام بارع أن يظهر بأنه اتهم زورا.
-ربما.. و لكن ليس قبل أن يختبر الحياة في سجن مكسيكي .
و بينما كانت تحاول فهم ما يقصده ، تركها و توجه نحو الباب ، و فتحه منتظرا أن تخرج منه و تابع :
-قوانينا مختلفة عن قوانين بلدكم ، فهنا نعتبر المسجون مذنبا حتى تثبت براءته .
و تحركت كولين و كأنها إنسان آلي ، مذهولة ، لا تستطيع التصديق بأن هذا الرجل الذي عانقها بكل لطف يمكن أن ينقلب إلى رجل بارد يجري الثلج في عروقه . و نظر إليها و قد لاحظ كم أثرت كلماته بها .
-و هل ذكرت لك أن جدول محاكمنا مشغول جدا ؟ و أن على شقيقك مواجهة وقت طويل في السجن قبل ...
و تركته إلى غرفتها قبل أن يكمل كلامه.. لقد هزمها ، و هو يعرف هذا . و ليس أمامها أية فرصة سوى أن تطيعه في كل شيء إذا كانت تريد ان لا يختبر رايان شكل السجن في المكسيك من الداخل .
*******************
يتبع...
|