كاتب الموضوع :
redroses309
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
الفصل العاشر
حب يقهر الكبرياء
مسحت كولين عينيها بظهر يدها و هي ترد هامسة :
-أجل.. هذا.. هذا أنا... لقد كنت في.. أكا... أكابولكو .
-و ماذا بحق...
و غادرته طريقة كلامه الهادئة ، حتى أن كولين سارعت ، و قد تنبأت بانفجار غضبه ، لمقاطعته قائلة :
-لقد ذهبت مع رايان .
فرد عليها بوحشية :
-أعلم هذا..
لا بد أنه قد جن عندما علم برحيلها ، و رحيل خاتمه الالماسي معها ، و مع ذلك فأول رد فعل له الإسراع إلى المستشفى . و لم يعطها فرصة للتفكير أكثر ، مع أنه بدا أنه يحاول المستحيل للسيطرة على نفسه :
-أين في أكابولكو ؟.. في أي فندق أنت ؟
-أنا.. لست.. في أكابولكو الآن .
و لم يستطع ان يسيطر على غضبه أكثر ، فانفجر مزمجرا في أذنها:
-إذا أين أنت بحق الجحيم ؟
و أرادت بأي طريقة أن ترضيه و تهدئه فأعطته على الفور اسم الفندق :
-إنه هنا.. هنا في دورانغو .
-أنت في دورانغو ؟
و بدا لها و كأنه قد اضطرب لجرأتها في المجيء إلى هنا . فسارعت للتفسير له :
-لقد نسيت أنني أرتدي خاتمك عندما ذهبت .
و عرفت عندها أن غضبه أصبح أقوى من أن يسيطر عليه ، عندما أتتها الكلمات راعدة عبر الخط قبل أن يقفل السماعة :
-يبدو لي أنك نسيت أشياء أخرى كثيرة غير هذا !
و تخدرت أحاسيسها ، و حدقت بالهاتف في يدها ، قبل أن تعيد السماعة إلى مكانها . و لم تحاول خلع ملابسها لتأوي إلى الفراش ، بل بدأت تذرع الغرفة ، و أفكار عديدة تجول في رأسها ، مؤلمة جدا ، لا يمكن لها أن تتحملها و هي مستلقية .
بعد نصف ساعة ، هدأت بشكل ما ، و لكن اضطرابها و قلقها كان يمنعانها من الراحة . لن تستطيع أن تجد الجرأة ثانية للاتصال به ، ليس الليلة على كل الأحوال ، و تمنت أن يعيد الاتصال بها ، بعد أن يهدأ ، ربما ليطلب منها أن تترك الخاتم في إدارة الفندق كي يستلمه . و عندما مرت نصف ساعة أخرى ، و لم يرن جرس الهاتف ، تأكدت أنه لن يتصل .
قد يتصل غدا ، و حاولت التفكير في الوضع بشكل منطقي : بما أنها مضطرة لانتظار مكالمته ، فالأفضل لها أن تبقى هنا لتدبير ترتيبات عودتها إلى إنكلترا .
قرع فجائي عنيف على بابها جعلها تتخلى عن أفكارها لتفتح الباب . و شحب وجهها ، فجوليانو هو آخر شخص ممكن أن تتوقع رؤيته واقفا هناك ، و عيناه كأنهما قطعتان من الثلج الأزرق . و دفع الباب بكل هدوء ، و بنفس الهدوء دخل الغرفة . و قال :
-جيد.. أرى أنك لم تأوي إلى الفراش بعد.. هل أغراضك جاهزة ؟
-أغراضي ؟
-سوف تغادرين الفندق.. لا.. بل أنت غادرتيه فعلا ، لقد دفعت فاتورتك .
-و لكن.. أين نحن.. أين.
و توقفت عن الكلام بعد أن نظر إلى وجهها و قال معلقا :
-تبدين تعبة .
ثم تناول حقيبتها عن الأرض ، و فتحها ، وتوجه إلى الخزانة ، ثم إلى الحمام فجمع فرشاة أسنانها و مشطها و وضعهما في حقيبة زينتها ، و لملم الأغراض القليلة التي أخرجتها من حقيبتها ، قبل أن تدرك ماذا يفعل . فجعلها تحفظها تقول له بعناد :
-لن أذهب إلى أي مكان معك يا جوليانو... أنا . لقد عدت فقط لأعطيك هذا .
و خلعت بسرعة الخاتم الالماسي الجميل من اصبعها و مدت يدها به إليه .
و لكنها لم تشعر بالخاتم يغادر يدها لفترة طويلة.. فقد مد يده و أمسك بيدها ، و أعاد الخاتم إلى مكانه . و قال صائحا :
-لقد وافقت على الخطوبة لثلاثة أشهر سنيوريتا . و ما من أحد يحنث بكلمته معي . حتى أنت! فإما أن تسيري معي أو أحملك و أخرج بك من هنا... فقرري الآن .
و جلست كولين مشدودة الأعصاب بقربه في سيارته ، و قاد جوليانو السيارة بغضب و عنف . لم يكن لديها أي بديل عن القدوم معه .
فقد كانت تعلم أن ما من شيء يمنعه من أن ينفذ تهديده و يسير خارجا من الفندق و هو يحملها على كتفه بينما هي ترفس و تصيح أمام الجميع .
و هو يعرف هذا تماما ، اللعنة عليه ، كان يعلم أنها تخشى أن تتعرض للسخرية علنا ، و طول الطريق ، في صمت ، باتجاه المنزل ، كانت تشعر بالغضب من تسلطه عليها . إذا لقد كان حريصا على أن لايفقد كرامة وجهه أمام مجتمعه ، و لا بد أنه لم يخبر أحدا أن خطوبتهما قد أنتهت . و قد يكون ذكر شيئا عن اضطرارها للعودة إلى إنكلترا على عجل ، أو أن والدها مريض.. أو أي حجة أخرى .
كولين تعلم جيدا ما يكمن وراء رفضها العودة معه ، كانت خائفة . خائفة من أن يصر جوليانو على أن تبقى هناك لشهرين آخرين . ليس بسبب أن الأمر سيكون أسوأ عندما يحين وقت سفرها ، بل ، بما أنها تحبه ، فقد يكتشف خلال هذين الشهرين الحقيقة . و كبرياؤها لن يتحمل هذا .
و تلاشت ثورتها عند أول نظرة للبيت العزيز المألوف لها . و لم تعرف كيف استطاعت حبس دموعها عندما توقف جوليانو أمام المدخل . و لكنها استطاعت ان تحافظ على هدوئها و هي تخرج من السيارة و تدخل المنزل معه . و قال لها :
-سآخذ حقيبتك إلى غرفتك ، و إذا لم تكوني ترغبين في أي شراب منعش ، فأقترح عليك أن تذهبي إلى النوم فورا .
-لا أريد شيئا .
و جالت عيناها بمحبة في جدران الردهة البيضاء . و لم يكن أمامها مجال للرفض عندما تقدم جوليانو صاعدا السلم ثم فتح لها الباب غرفة فوقها ، و وضع حقيبتها هناك ، فانضمت إليه .
و مرت من أمامه إلى الداخل دون أية كلمة . لم تكن تريده أن يمد يده ليلمسها ، أو يؤثر عليها ، و هي تمر من أمامه . و بما أن هدفه في إعادتها إلى هنا قد تحقق ، فيجب أن تكون عدوانيته قد بدأت تتلاسى الآن :
-تصبحين على خير يا كولين.. نامي جيدا .
و ردت عليه باختصار :
-تصبح على خير .
و رفعت نظرها إليه ، فاكتشفت عيناها أفكاراغير سعيدة.. و أحست بيده ، دافئة ، رقيقة ، تقترب من وجهها.. و قال بنعومة :
-لا تأخذي الأمور بهذه القسوة يا كولين الحلوة .
و عانقها بسرعة و لطف ثم تركها و خرج .
أوه.. لماذا عانقها؟ و أخذت الدموع تنهمر من عينيها و هي تتأوه . لقد حاولت جهدها أن تكون باردة و متحفظة ، و ها هو يعانقها ليفسد كل شيء .
و خلعت ملابسها لترتدي ثياب النوم . و لم تستطع فعل شيء للدموع التي كانت تنهمر كالمطر من عينيها . كم تغيرت من تلك الفتاة التي كانت . عندما كانت تعيش مع والدها لم تبكي أبدا.. أبدا ، لأنها و بكل بساطة لم تكن حية . و الآن و قد خرجت من ذلك الفراغ ، و هي تشعر ، و تتألم مثلها مثل باقي الناس تماما . و الألم أكبر لأنها لم تكن تعرف ألم الحب من قبل .
و استمرت دموعها بالتساقط .
عندما أحست بوخز حاد يهاجم حنجرتها ، شعرت كولين أن قنوطها أصبح بدون حدود ، فمنذ مدة طويلة غادرها هذا السعال المضني . و ها هو يعود الآن ، بسبب تعبها كما هو واضح ، و هي لم تنم بشكل مريح منذ مدة ، و لهذا فلن تستطيع الدفاع ضده
و تركتها نوبة سعال قصيرة تشعر بالأرتجاف . بعض الليموناضة الساخنة ستفيدها بالتأكيد.. و لكن ذكرى ذلك اليوم الذي تسللت فيه عند منتصف الليل لتحضر بعضا منه ، عاودتها ، و لن يجعلها أي شيء تكرر تلك التجربة .
و لم تمر كولين من قبل في حياتها بمثل شعور البؤس هذا الذي أحست به و هي جالسة على حافة سريرها بثوب نومها القطني الرقيق ، تمسح الدموع عن وجهها ، التي سببها الحزن و الألم أكثر مما سببتها نوبة السعال ، و التي يبدو أنها توقفت الآن ، و شكرا للسماء . و أزاحت شعرها عن عينيها ، ونظرت إلى الالماسة اللماعة... ثم لاحظت أن باب غرفتها مفتوح .
منذ متى كان جوليانو واقفا هناك ينظر إليها ؟ لم يكن لديها أية فكرة .
ربما منذ لحظة ، و ربما أكثر ، فقد كانت منشغلة جدا في تهدئة نفسها و مشاعرها ، فلم تسمع الباب يفتح ، و لم تشعر أبدا بوجوده ، إلى أن تحرك و عندها رأته . فشهقت ، ثم سعلت ثانية .
منتديات ليلاس
كان لا يزال مرتديا ثيابه ما عدا كنزته ، و لا بد أنه كان على وشك خلع ثيابه للنوم عندما سمعها تسعل . و تقدم منها وأعطاها كوبا ساخنا لتشرب منه . و قال لها بهدوء :
-لقد تخلى عنك هذا السعال في وقت قصير خلال إقامتك في منزلي . ويبدو أن طقس أكابولكو لم يناسبك كما ناسبك طقس دورانغو .
و تمنت لو أن دموعها تتوقف بسهولة كما أوقف الشراب الساخن سعالها ، و تمنت لو أن جوليانو لم يكن لطيفا هكذا معها . فهذا لن يفيدها أبدا في المعركة التي تدور في نفسها لايقاف البكاء . أرادته أن يخرج ، و لكنه لم يكن يبدو مستعجلا للعودة إلى غرفته الآن بعد أن توقف سعالها ، و كانت خائفة جدا من أن يلاحظ ، بعد أن توقف السعال ، أن عيناها لا تزالان تدمعان . فقالت ، مديرة وجهها عنه :
-سأكون بخير الآن.. شكرا...
و وضع يده تحت ذقنها ، و مع أنها حاولت أن لا تلتفت إليه فقد كانت أصابعه مصممة على أن تجعلها تنظر إليه .
و رفعت عينيها المبللتين إليه ، و لكنها لم تستطع أن تفهم التعبير الذي على وجهه . و كانت يده ثابتة بلطف تحت ذقنها ، و أملت.. لا.. لم تأمل ، أن يبقى لطيفا هكذا معها ، و أحست بالارتباك عندما ترك ذقنها ، و تقدم ليجلس على حافة السرير بقربها ، و قال لها بخشونة لكن دون عدائية :
-دموع يا كولين ؟ هل أنت تعيسة لهذه الدرجة بالعودة إلى منزلي ، حتى أن ذلك جعلك تبكين ؟
و فكرت فورا أن تنفي هذه الفكرة . أليس من الحكمة أن تكون حذرة معه؟.. فأمامها شهرين بعد تقضيهما معه ، و أجابت ببطء :
-ليس.. ليس الأمر هكذا .
و أخرجت منديلا من جيب ثوب نومها و حاولت جاهدة أن ترتب نفسها ، وحالفها الحظ فقد توقفت دموعها . و سألها بهدوء :
-و ماذا إذا ؟
-لا يهم...
-و لكني أعتقد أن الأمر يهمني .
و أحست بقربه منها بشكل غامر . فقد كانت تجلس بقربه على السرير و ليس من مجال كي تبتعد عنه . و أمسك بيدها اليمنى ، و هذا أيضا لن يساعدها ، و أخذ يمرر اصبعه على ظهر يدها . و تابع :
-أنا أعلم أنك لا تبكين بسهولة يا كولين . و الأوقات القليلة التي شاهدتك تبكين فيها كان لها ما يبررها ، فقد انطلقت بشكل طبيعي من معاناة عاطفية...
-لا تقل هذا!
قالت كلمتها بسرعة و قد لاحظت أنه يقترب من الحقيقة ففكرت عندها أن هذه الكلمة قد كشفت الكثير ، و لكن عندما تساءل جوليانو عن سببها ، عرفت بارتياح أنه لم يربط معاناتها العاطفية به.. أو بمشاعرها نحوه .
-لا تخافي مشاعرك يا صغيرتي . و لا تمنعيها.. فأنا أفضل أن تعترفي بالتعاسة لفراق شقيقك الذي عدت للاجتماع معه مؤخرا ، على أن أعتقد بأنك تعيسة لإعادتي لك إلى منزلي .
و أعادت الكلمات في ذهنها حالمة "إعادتي لك إلى منزلي" كم بدت هذه الكلمات منه طبييعية! و كأنه يؤمن بأن منزله منزلها ، و ليس لها مكان آخر . و تماسكت ، فمهما عنى بكلامه ، فهو لم يقصد ما ظنته . هذه مجرد طريقة في الكلام ، فالإنكليزية ليست لغته الأم .
و يجب أن تذكر نفسها بهذا ، و عندما لم ترد عليه ، قال مؤكدا :
-هل أنا على حق... أليست الدموع بسبب فراقك لرايان و لهذا أنت حزينة ؟
-سأشتاق إليه .
-ولكنك سترينه ثانية .
و لاحظت الابتسامة على وجهه و هو يحاول إسعادها ، و بما أنها لا تستطيع البقاء محبطة هكذا ، ليس و هو موجود معها ، و ليس قبل أن يخرج ، فسوف لن تسمح للأفكار التعيسة أن تدخل إلى نفسها ، و حاولت جهدها أن ترفع من روحها المعنوية.. و قالت بسعادة مفتعلة :
-بالطبع سأراه .
و عندما أدارت وجهها لتقدم إليه ابتسامة ، وجدته يبتسم أيضا .و سرت لأنها قامت بهذا الجهد . و قال لها ببطء :
-لن أمانع إذا دعوتيه إلى هنا .
و أزال الذهول بسمتها عن وجهها :
-و هل ستسقبله هنا ؟
-إذا كانت هذه رغبتك .
-و لكن...
و صمتت غير قادرة سوى على النظر إليه . و عاودتها الرغبة في البكاء ، لأن جوليانو الذي يكره رايان بالتأكيد لما فعله مع عائلته ، تمنعه كرامته من أن يراها تعيسة في منزله ، لأنها ودعت شقيقها إلى الأبد ، فتغلب على الكراهية في نفسه كي تستطيع أن تجد الشهرين القادمين مليئين بالسعادة . و قالت بهدوء :
-لا أستطيع فعل هذا معك يا جوليانو .
-لا تستطيعين فعل ماذا ؟
-أن أسمح لك بالتنازل عن كرامتك لأجل كرامتي .
إذا كان قد فهم ما قالته أم لا ، فلم يظهر عليه أي دليل ، و لكن نبضات قلبها تسارعت عندما سمعته يقول :
-الحب يقهر أي كبرياء .
فهل لاحظ أن عندها بعض الكبرياء فيما يختص به ؟ لقد فقدت كبرياءها عندما بدأت تبكي لأجله ، و عندما شاهدها و هي تبكي ، و بسرعة حاولت إبعاده عن موضوع الحب ، فقالت :
-لا أعتقد أنني سأرى رايان قبل عودتي إلى إنكلترا ، بولا و رايان سوف يبقيان في أكابولكو لعدة أسابيع ثم سينتقلان من هناك و سوف يكتب لي إلى إنكلترا بالطبع .
و تذكرت أن ليس عندها منزل في إنكلترا ، فتابعت :
-مع أنني لم أحضر ترتيباتي للإقامة هناك بعد ، و سوف يضطر للكتابة إلى عنوان البريد أو بأية طريقة أخرى إلى أن أستقر في منزل .
-أليس لك مكان للإقامة مع والدك ؟
-لقد قلت لك إنه سيتزوج ثانية.. و قد عرض المنزل للبيع عندما سافرت .
-و كذلك قلت إن لا مكان لك في منزله الجديد . أتعنين أنه لا يوجد لك غرفة في منزله ؟
-لا أريد الذهاب إلى هناك .
و أدركت بأنه قد فهم أن والدها لا يريدها أن تعيش معه ، فقد عرض عليها ببرود :
-يمكنك الإقامة هنا . بإمكانك جعل هنا منزلك إذا رغبت .
من المؤكد أنها لم تسمع بشكل صحيح ، فحدقت به ثانية . و اخذت أفكارها تدور محاولة أن تفهم ما يقصده حقا :
-أتعني... أن أبقى في المكسيك.. أن أبقى في دورانغو ؟
و رد عليها بنفس البرودة:
-أعني.. أن بإمكانك البقاء هنا.. هنا في منزلي .
-لا!...
جاء ردها فوريا و عنيفا ، و هذا جعل حاجبيه ينكمشان بتقطيبة سوداء ، و لكن بالنسبة لكولين لم يكن هناك أي جواب آخر ، فلم يكن لديها بعد فكرة عن كيفية تمضيتها للشهرين القادمين هنا . و لم تجرؤ على التفكير بالبقاء مدة أطول .
و أن تراه كل يوم ، أن تتعشى معه ، أن تعمل معه... و اسكتت أفكارها بحزم ، و قالت ثانية بنبرة تأكيد على ما تقول "لا!" .
-إذا.. لم يكن الأمر كما ظننت ، لقد كان بكاءك لأنك غير سعيدة هنا .
فصرخت :
-لا.. لا.. لا!
و أرادت أن تقف لتبتعد عنه ، و لكنها و جدت نفسها محشورة بينه وبين قوائم السرير . يجب عليها أن تهدأ ، فلن تستفيد من ثورتها .
و تنفست نفسا عميقا ، و هي مدركة من نظرة التجهم على وجهه أنه لا يصدقها . فقالت بهدوء قدر ما استطاعت :
-بلدي هي إنكلترا . أنا.. أحب بلدك.. و لكن بعد شهرين سوف أعود إلى إنكلترا .
و لم يعجبه ما قالته . حتى اعترافها بمحبة بلده لم تجعل نظرته القاتمة تضيء . و فجأة بدا كأنه ضجر منها كما حدث معه في الفندق في مدينة المكسيك . فقال بخشونة :
-إذا اذهبي.. اللعنة عليك! و لن أفعل شيئا لمنعك . و حين تنتهي فترة خطوبتنا سوف أشتري لك بنفسي تذكرة سفرك .
و آلمها كلامه ، فقد غرز سكينا في قلبها ، و بدا فجأة أنه لا يهتم بها ، و يستطيع أن يتحول من رجل عرض عليها سقف بيته ، إلى رجل لا يستطيع انتظار اليوم الذي يستطيع فيه الخلاص منها .
و تغلب كبرياؤها ، فرفعت رأسها بكل شموخ و قالت :
-تستطيع الاحتفاظ بمالك يا جوليانو إنريكو غاتورادي .. فأنا أستطيع دفع ثمن تذكرتي بنفسي .
-أتستطيعين؟.. و كيف حصلت على المال ؟ من أعطاك إياه ؟
-رايان شقيقي . إذا كان لا بد أن تعرف .
ثم لاحظت على الفور توترا سيطر عليه ، تو تر امتد إليها ، و بدأ يزعجها.. شيء ما صدمه ، و عرفت هذا.. و لكن دون أن تعرف ما هو . و طال الصمت بينهما و هي تعيد تذكر ما قالته له ، و لكنها لم تستطع أن تفهم ما الذي يمكن أن يوتره هكذا و كأنه فخ منصوب على وشك الانطلاق .
ثم ، كسر الصمت ، و كانت كولين على وشك اكتشاف ما استنتجه من كلامها :
-لقد حصلت على أجرة سفرك ، ومع ذلك عدت إلى دورانغو ؟ إلى المكان الذي يبدو أنك متلهفة جدا لتبتعدي عنه ؟
لهجته كانت باردة ، و لكن كان فيها مغزى معين... إشارة جعلتها تقلق ، و ذلك لأنه كان مهتما جدا بجوابها :
-لقد قلت لك لماذا عدت .
و عليه أن يصدق ، حتى و هي تدرك الآن أنها كانت تكذب على نفسها ، و تابعت :
-لقد نسيت إرجاع الخاتم لك.. لقد أخبرتك بهذا.. و الخاتم كان السبب الوحيد في...
-هل هذا صحيح يا كولين ؟
أوه.. يا إلّهي !.. هذا أمر رهيب.. سوف تموت من الحرج إذا استمر هكذا ، إذا اكتشف أنها... و هزت كتفيها :
-يا للسماء يا جوليانو... ما هي الأسباب الأخرى إذا ؟..أعتقد حقا أن عليك أن تخرج الآن.. انظر إلى الساعة... لن نستطيع كلانا أن نستيقظ صباحا بشكل ملائم .
فرد عليها بنعومة :
-تبدين مذعورة يا طفلتي... لماذا يا كولين ؟ ما الذي يخيفك ؟
-لا شيء.. لا شيء يخيفني.. أنا أريدك أن تخرج .. كي ..أستطيع النوم .
و لعقت شفتاها الجافتين ثم ذكرته بسرعة :
-لقد قلت بنفسك إن التعب يبدو علي .
و أجفلت عندما جعلته هذه الملاحظة يلتفت ليحدق بها . ثم لم تعد تطيق نظرته المتفحصة ، خوفا من أن يكتشف ما بها . واندفعت من مكانها بينه وبين قوائم السرير ، و ذهبت لتقف إلى جانب مقعد مستدير عبر الغرفة .
فوقف جوليانو و وضع يديه في جيبي بنطلونه ، و قال :
-ربما تكونين تعبة... و لكنني أشك أنك ستستطيعين النوم في هذه الحالة التي أنت فيها .
-و كذلك لن أستطيع النوم قبل خروجك.. أليس كذلك ؟
-إذا ، يبدو أن حل المشكلتين بين يديك . كل ما عليك أن تفعلي هو القول لي لماذا ، و كان بإمكانك عن طريق دزينة من الطرق إعادة الخاتم لي ، لماذا عدت بنفسك.. و عندها سأخرج .
-لقد عقدت اتفاقا معك للبقاء شهرين هنا .
-و لكنك كنت مستعدة للتراجع عن الاتفاق عندما أتيت إلى دورانغو لآتي بك إلى هنا .
-أنا.. أنا.. حسنا.. كنت أعيد النظر . لقد كنت.. بدوت .. في مدينة المكسيك .. إنك .. في النهاية .. لم تكن ترغب في بقائي معك . و تذكرت هذا عندما وصلت إلى دورانغو.. ففكرت أنني...
-أنت كاذبة بائسة يا كولين شادو.. هل تعرفين هذا ؟
و عندها فقط انفجرت ، و لم تعد تستطيع الاحتفاظ بسرها ، فكل جهودها لمنعه من معرفة الحقيقة ذهبت أدراج الرياح و هي تصيح به :
-اللعنة عليك يا جوليانو... أنا أحبك! قل عني الآن إنني كاذبة !
الصمت في الغرفة أصبح يصم الآذان . فمهما كان يتوقع سماعه ، فلا يمكن أن يكون هذا . وتمنت لو تنشق الأرض و تبتلعها و هي تراه واقفا مسمرا في مكانه ، و وجهه قد فقد لونه .
و لم تعد تتحمل هذه النظرة المذهولة على وجهه ، فأدارت له ظهرها بسرعة ، محاولة أن تمنع الدموع من الخروج ، متمسكة بما تبقى لها من كبرياء ، و قالت له بجفاء :
-أرجوك أن تخرج سنيور.. لقد أردت الانتقام لما فعله شقيقي مع عائلتك... و أظن أن حبا غير متبادل هو تعويض كاف لك .
و سمعته يتحرك ، و كان يجب أن تقول له شيئا واحدا بعد قبل أن يخرج :
-سأعود غدا إلى إنكلترا .
الصوت التالي الذي كانت تتوقع سماعه ، هو صوت فتحه للباب و هو خارج . لذا أصابتها الصدمة عنما أمسكت يداه القويتان بذراعيها و أدارتها لتواجهه ، فتراجعت بقوة ، محاولة الافلات .
و لكنه ، كما اكتشفت ، لم يكن ينوي أن يتركها . و كان عنده بضع كلمات ليقولها لها ، و يفاجئها بها ، حتى و لو اضطر ، لأنها لم ترفع رأسها إليه ، أن يقولها لقمة رأسها الأشقر :
-و ماذا ، يا صغيرتي كولين ، تريدينني أن أفعل بخطوبتنا ؟
-ألا يمكنك.. أن تفكر.. بقصة ما ؟ أعلم أن فقدانك لماء وجهك يقلقك، و.. و لكن.. و لكنني سأنفذ أي شيء تريد...
-أفقد ماء وجهي؟ لا يا عزيزتي كولين . ما يقوله الناس عني لا يهمني .
و هذه أول مفاجأة لها . فقالت محتجة :
-و لكن... لهذا السبب تمت خطوبتنا .. أليس كذلك ؟
-لقد أصبحنا مخطوبين لإنقاذ ماء وجهك أنت بسبب أفكار تينا الشريرة عنك .
و فكرت بتعاسة أنه غير مهتم ، فقالت له باختصار :
-حسنا لقد أردت الانتقام من عائلتي ... و هذا هو السبب الوحيد لإتيانك بي إلى هنا في المقام الأول .. كي...
-كم تحبين أن تستنتجي استنتاجات خاطئة . لقد كنت بحاجة لسبب كي أحضرك معي .. بالطبع... كان علي أن أصطحبك إلى هنا يا كولين.. و لم أكن أستطيع مغادرة كواريتارو من دونك .
ذلك لأنها كانت على وشك الإفلاس .. اللعنة. و لكنها فكرت بحيرة . كان بإمكانه تركها هناك دون اكتراث... هل هي الفروسية في نفسه إذا لم يكن السبب هو في جعلها تعمل بعد اعتقاده أنها لم تتعب نفسها من قبل ، فهل هي شهامة الفروسية التي دفعته لكي لا يتركها هناك معدمة ؟ و قالت بجفاء :
-كان بإمكاني الذهاب إلى القنصلية البريطانية.. و عندما أخبرهم بأنني لا أملك المال الكافي...
-لم تكوني لا تملكين المال الكافي ، بل كنت معدمة .. و هذه كانت أكبر ضربة حظ لي .
-و لماذا ؟
فسألها بنعومة :
-ألا تعرفين لماذا ؟
و هزت رأسها بالنفي ، و لم تغادره رغبته في مداعبتها بإزعاج ، و لهجته الرقيقة تهدد بإذابتها ، و سألها متابعا :
-أليس لديك أية فكرة ؟
و عادت كولين تفكر ، و لم تستنتج شيئا . يبدو أنها لم تعد تستطيع الفهم بسبب حبها له.. و ربما بإمكانها أن تفكر بجلاء أكثر لو لم يكن معها في الغرفة .. لو لم يكن يحتضنها ، و يتحدث برقة إليها .
-لا شيء.. لا فكرة أبدا .
و فجأة أخذت تتعلق به ، و رأسها مرفوع إليه ، و عدم التصديق يملأ عينيها ، عندما قال لها بحنان :
-ألم يكن هناك في حياتك أي حب يا كولين ، حتى لا تستطيعين أن تفهمي.. أنني مهتم بك ؟
-أنت.. مهتم.. بي ؟
عيناه كانتا تقولان لها إنه يهتم . و كذلك ابتسامته الناعمة على شفتيه. و مع ذلك لم تكن مصدقة بعد ، و قال لها بهدوء :
-لماذا إذا ، فتحت حقيبتك لأرى ما تحتويه محفظتك ؟
-و هل أردتني أن أكون مفلسة ؟
-أردتك في بيتي.. و كونك مفلسة أعطاني الفرصة .. أجل يا حبي .. أردتك مفلسة .
-و لكن.. و لكنك لم تكن تحبني يومها .
-كنت أكره نفسي أكثر.. كرهت نفسي لقوة تأثيرك علي منذ أول لحظة احتويتك بها بين ذراعي.
-عندما أغمي علي .
-لقد ظننت عندها أن السبب هو التعب . و لم أكن أعلم أن السبب هو مرضك .
و تجهم وجهه و كأنه يكره نفسه لإجبارها على العمل ، و أذاب تجهمه عدم تصديقها .و أخذ قلبها يخفق بالسعادة ، و كانت واثقة بأنه سيسمع هذه الدقات . و قال لها :
-لقد التقطتك بين ذراعي ، و علمت عندها أنك كل حياتي .
فقالت له و هي ترتجف ، و ذراعاه القويتان تلفانها :
-أوه.. يا جوليانو !
-أوه يا كولين ..
و ضمها إليه أكثر ، ثم نظر إلى عمق عينيها ، عميقا حتى روحها :
-أردتك أن تكوني مفلسة .. يا ملاكي.. فقد احتجت لهذه الفرصة ، أية فرصة ، فهي كانت تعني أنني لا أستطيع تركك تذهبين .
-ألم تكن تريدني أن أترك... المكسيك ؟
-إلا إذا كنت معك .
و أراحت كولين رأسها على صدره ، و هي تشعر بالهدوء و السلام .
و لأن الأمر كان لا يصدق ، خافت أن تقرص نفسها حتى لا تستيقظ و تكتشف أنها كانت تحلم .
و خلال دقائق طويلة أبقاها جوليانو قرب قلبه ، و أخذ يربت على شعرها بنعومة ، ليظهر لها عمق مشاعره . و أخذ يخبرها كيف أنه كان يريدها معه ، حتى قبل أن يجيء إلى الفندق ليصطحبها كان قد اتصل بتينا لتحضر غرفة الضيوف . على أمل أن يفكر بحجة ما ليحضرها معه . و قالت له كولين :
-صدقا؟
-صدقا . أيتها المتشككة الصغيرة .
و شد عليها بذراعيه حتى كاد يسحق ضلوعها.
-دايوس.. يا إلّهي كم أحبك ، يا جميلتي كولين!
-أوه يا جوليانو ، أنا أحبك كثيرا.. و كنت أظن أن قلبي سيتحطم!
-تي كويرو.. تي آمو...
-تي آمو ؟
-هذا يعني أنا أحبك .
-قد قلت هذه الكلمة .. في الأسبوع الأول لوجودي هنا.. ذلك اليوم في منزل المشرف .
-ألم أقل لك إنني منذ البداية عرفت بأنك حياتي ؟
-أوه يا جوليانو .. كم أتمنى لو أنني كنت أعرف هذا يومها .
فابتسم و قال :
-لا أظن بأن الكلمة كانت ستعجبك يومها . لقد اكتشفت بأننا شخص واحد جسديا ، و لكنني لم أكن أعتقد ، مع وجود روحك الصغيرة المتحفظة ، أنك كنت تحبيني يومها ؟
-ربما لا.. فأنا لم أتعامل مع رجل من قبل ، و لا أعرف هذه الأمور و كنت أظن أن شيئا ما يحدث لي ، لروحي الصغيرة المحافظة . لقد اكتشفت أنني أحبك عندما دخلنا الفندق في مدينة مكسيكو... و كانت المرة الثانية التي أبكي فيها بسببك .
حبه كان جديدا عليها ، و جعلته تقطيبتها الصغيرة المتحيرة يتخلى عن أية رغبة قد تساوره ، وأصبح تواقا لإزالة هذه التقطيبة عن وجهها .. فقال :
-ما بك.. مياموري(يا حبي)؟ أخبريني.. فلا شيء يجب أن يزعجك أو يؤلمك بعد الآن .
-إذا كنت تحبني ، فلماذا كنت باردا معي في نهاية إقامتنا في مدينة مكسيكو ؟
-أحبك؟ بل أعبدك! يا حلوتي الصغيرة ، و لكن البرود ؟ ربما بدوت هكذا ، و لكن لم يكن هذا يعكس مشاعري الداخلية .. ففي داخلي كان هناك اتون مشتعل طوال الأسبوع.. و كان أمرا خاطئا أن أستبقيك معي في نفس الجناح ، و لكن أردتك أن تكوني هناك . و طننت أنني سأتحمل هذا . ظننت ... أنني نجحت في الابتعاد عنك . ثم يوم خرجت تحت المطر لترقصي.. أثرتي رغبتي فيك التي هي جزء من حبي لك ... هل تمانعين بهذا ؟
-أبدا.. لقد كنت تقول ..
-كنت أقول يا سيدتي الصغيرة المقطبة . أن رؤيتك ذلك اليوم ، و قد التصقت بك ملابسك ، كنت على وشك أن... و الطريقة الوحيدة لتجنب أن يحدث هذا ، هو أن أتظاهر بعكس ما أشعر . فأنا لم أرد أبدا أن أؤلمك يا حبيبتي .
و ابتسمت له كولين لتظهر له أنه لا يمكن أن يؤلمها أبدا ، فحبه لها هو كل ما يهمها.. ثم تكلم عن يوم عاد إلى الفندق و وجد أنها سافرت إلى أكابولكو :
-لم أستطع يومها التصديق ..لقد توقعت أن تكوني بانتظاري ، و لم أستطع التصديق حتى بعد أن وجدت أن ثيابك و حقيبتك مختفيتان .
-و هل سامحتني ؟
-أسامحك على أي شيء يمنحني حبك لي.
و جعلته دقة على الباب يسحب ذراعيه من حولها ، ثم يستدير نحوه ، و فتح الباب و رأيا تينا تقف هناك . و هذه المرة شاهدت الابتسلمة على وجهها ، وهي تنقل نظرها من الفراش إليهما .
و تبادلت مع جوليانو عدة كلمات بالإسبانية ، ثم تركتهما و باب غرفة النوم مفتوح و هي تقول :"بيوناس نيتشاس سنيوريتا" أي ليلة طيبة سيدتي . و قال جوليانو و هو يجلس على السريرو يجذب كولين معه :
-هناك أوقات أفكر فيها جديا بالاستغناء عن خدمات تينا .
-لا!..
-و هل تحبينها ؟..
-نعم.. أحبها .
-في هذه الحالة سأتركها تبقى معنا ، لقد قالت إنها سمعتك تسعلين و رأت ضوء غرفتك عندما أتت لتستمع إلى سعالك .
-الحبيبة!
-هذا ليس ما دعوتها به للتو . و لكن بما أنها ذهبت و هي تبتسم ، فأنا أشك في أنها غضبت .
و أمسك بيدها اليسرى و رفعها إلى شفتيه ، و قبلها بكل حنان حيث تضع الخاتم .. وقال لها بأسف :
-سأتركك الآن يا حبيبتي.. و لكن فقط إذا وعدتيني بالاستيقاظ باكرا... فلن أكون صبورا بانتظار رؤيتك .
-ألن تعمل في الغد ؟
-لدي الكثير لتحضيره ، فمع هذا الخاتم الذي يرتاح في اصبعك و الذي نسيت أن ترديه إلي... قد يكون علي أن أضع خاتما آخر بجانبه ليسليه ؟
و كان هذا أجمل طلب زواج سمعت عنه كولين . و شع الحب من عينيها و هي تقول هامسة :
-قريبا.. نعم قريبا.. أرجوك ، يا جوليانو!
**********
تمـــــــــــــ بحمد الله ـــــــــــــــت
التعديل الأخير تم بواسطة redroses309 ; 26-10-08 الساعة 09:17 PM
|