كاتب الموضوع :
redroses309
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
الفصل الثامن
تبكي على صدره!
و أنشب الذعر مخالبه فيها . و ظلت مصدومة للحظات ، و كل ما استطاعت أن تفعله هو التحديق بجوليانو ، و مشاعرها تعلن أنه مهما يكن رايان قد فعل ، فإنه شقيقها ، و هي تحبه ، ثم قادها جوليانو لتجلس ، و انطلق منها سؤال :
-هل.. هل إصابته خطيرة ؟
-سيعيش.. هكذا قيل لي .
و من خلال انفعالها خطرت لها فكرة أنه لا يبدو مسرورا لأن رايان سينجو . فقالت و نظرة عناد على وجهها :
-أريد رؤيته .
-بالطبع.. سآخذك إليه .
-و هل تعلم أين هو ؟ هل هو في دورانغو ؟
-أنه في مستشفى في مدينة مكسيكو . الأفضل أن تحضري حقيبة صغيرة . فقد نبقى هناك لبضعة أيام .
العمل كثير و مضني لجوليانو.. و مع ذلك فها هو يعرض عليها أن يترك عمله لبضعة أيام.. و لن تستطيع تركه يفعل هذا .
-لست بحاجة لأن تأخذني بنفسك . أستطيع الذهاب لوحدي .
و تركت كرسيها و اتجهت نحو الباب ، فقال بحدة :
-لقد قلت إنني سأصطحبك بنفسي .
لقد قرر رأيه بالنسبة لهذا . و كل ما ينتظره منها الآن أن تحزم حقيبتها كي تبدأ رحلتهما . و لكنها توقفت عند الباب ، و قد صدمتها خيبة الأمل لفكرة أنه لا يثق بها . فهل كان يظن أنها مثلها مثل رايان ، سوف تتخلى عن خطبتهما ؟ و قالت واعدة :
-أنا... سأعود .
و أجابها بخشونة :
-هذا صحيح.. و لكن معي .
و كأنه كان متأكدا ، رغم وعدها . أنها لن تعود ، و ستتركه مع حمل آخر من العار . و تابع :
-لدي بعض الأعمال العالقة في مدينة مكسيكو .
و هكذا عاد إليها تحفظها الذي كانت تأمل أن يكون قد ودعته إلى الأبد . و أستمر معها إلى أن حطت الطائرة بهما في مدينة مكسيكو . و قال لها :
-أظن أنك ترغبين في الذهاب فورا إلى المستشفى .
-أجل.. أرجوك .
و رافقها إلى خارج المطار و انتظر السيارة التي استأجرها ، ثم وضع حقيبتيهما في صندوقها ، و استدار ليجلس في مقعد السائق . فقالت:
-هل بإمكانك إخباري كيف حصل الحادث ؟
-حادث ؟ و من قال إنه حادث ؟
-أتعني أنه لم يكن حادثا ؟ و أن اصابته مفتعلة.. عن عمد ؟يا إلّهي.. لا!
-هذا جزاءه لهربه مع إمرأة متزوجة .
أليس هناك من نهاية لما يمكن أن يفعله رايان ؟ و ابتلعت ريقها بصعوبة ، و أرادت أن تعرف المزيد .
-أتحاول القول لي إن صديقته ، التي ترك إيزابيلا لأجلها.. هي متزوجة ؟ و هل تقول إن زوجها قد ضربه ؟
-لو لم أكن أعرف زوج بولا فرناندو ، و أعرف أن لديه العديد من الأشخاص ليقومو عنه بهذا العمل..لما تعجبت .
-و لكن هذا ليس عدلا!
و لم يرد عليها ، و كانت متأكدة بأنه يعتقد أن رايان يستحق كل ما حدث له، و أكثر ربما .
و عندما وصلا إلى المستشفى ، تركها جوليانو في قاعة الاستعلامات ، ثم ذهب كي يسأل . و شعرت بأنها مدينة له ، و أنها لا تستطيع مقاومة إعجابها به كثيرا في هذه اللحظات . و عاد جوليانو و قال لها :
-سآخذك إلى غرفته .
القسم الذي كان رايان فيه ، يقع في أعلى المبنى الضخم ، و عندما وصلا إلى هناك ، توقف عند الباب ، و قال و نظرة باردة على وجهه:
-سأنتظرك هنا .
النظرة التي كانت على وجهه ، أخبرتها بأنه عند أول نظرة إلى الرجل الذي هجر إيزابيلا ، فهو سوف ينهي ما بدأه غيره مع رايان ، و فكرت أن عدم رؤيته له ستكون أفضل .
كان هناك ستة مرضى في القسم الذي يرقد فيه رايان ، واحد فقط منهم كان ممددا ، و الباقي جالسون يراقبونها ، و تقدمت من سريره ، شعره الأشقر كان المظهر الوحيد الذي استطاعت أن تتعرف عليه من رأسه... فصاحت :
-أوه.. رايان ! ماذا فعلوا بك ؟
-كولين ! كولين... من أين أتيت بحق السماء ؟
الكلام كان مؤلما له ، و لكن دهشته لرؤيتها هناك ، و هو يظنها في إنكلترا ، جعلته يتجاهل الألم ، و اعطته ملخصا لما حدث معها منذ وصولها لحضور زفافه ، و أخبرها أنه لم يستلم رسالتها ، و قالت له إن جوليانو إنريكو قد عرض عليها ، متلطفا ، وظيفة كي تكسب أجرة سفرها إلى بلادها . وقال متعجبا :
-أنت تعملين لجوليانو إنريكو !
-و هل تعرفه ؟
-سمعت عنه ، و لم أكن أعتقد بأنه سيساعد أحدا من أقاربي أبدا .
-لقد كان لطيفا جدا معي ، أكثر مما ينبغي . و لكن المهم الآن ، كيف تشعر ؟
-و كيف أبدو ؟
و قالت له متصنعة المرح . مع أنها أرادت البكاء على منظر وجهه :
-لقد شاهدتك من قبل بشكل أفضل .
و كان الكلام مؤلما له ، فلم تمكث طويلا معه في زيارتها الأولى . و ودعته بقبلة رقيقة ، و لم تدر كيف استطاعت منع دموعها من التساقط ، و هي تغادر القسم .
و لكن ما إن أغلقت الباب وراءها حتى أعمتها الدموع ، و ملأ رأسها وجه رايان المسكين المعطوب ، مع أضلاعه المكسورة التي أخبرها عنها . و لم تعرف أين هي ذاهبة و هي تسير في الممر . و من خلال دموعها شاهدت جوليانو يقف أمامها .
كان واقفا دون أن يقول كلمة ، عيناه على وجهها الذي تجاهد في السيطرة على تعابيره ، و أعطتها ذراعه التي أحاطها بها شعورا بالأمان ، و هما يسيران نحو المصعد ثم أجلسها في السبارة ، و قال :
-سوف نحجز في الفندق أولا ، ثم نتناول بعض الطعام .
و لم تكن جائعة ، بل مصدومة ، و لم تستطع أن ترد عليه ، و أوقف السيارة في موقف الفندق تحت الأرض ، و صعدا معا إلى قاعة الاستقبال ليدبر غرفا لهما . ثم استقلا المصعد .
و حجز لهما جناحا من عدة غرف . و ظل بجانبها إلى أن الحمال من الجناح ، فأخذ يتفحص غرف النوم . و عاد ليضع لها حقيبتها في الغرفة التي أختارها لها . ثم عاد و أمسك بذراعها و نظر في عينيها .
-لقد تحدثت مع الطبيب بينما كنت في زيارته.. سيكون على ما يرام يا كولين ، بخير تماما . و قال الطبيب إنه سيتمكن من الخروج بعد بضعة أسابيع . و لن يقولوا إنه سيغادر المستشفى لو أن إصابته خطيرة . أليس كذلك ؟
و تنهدت بعمق و قالت و هي تبكي :
-أوه يا جوليانو... إنه.. يبدو بحالة رهيبة!
و جذبها بين ذراعيه ، فدفنت وجهها في صدره و أخذت تبكي ، بكل صدمتها لما حدث لريان . و أخيرا ، و هي ما تزال بين ذراعيه ، جف دمعها ، و شعرت بالخجل عندما لاحظت أنها بللت قميصه بدموعها . و قالت له :
-أنا لا أبكي عادة ، فلماذا أبكي دائما على صدرك ؟
و تناولت المنديل الذي قدمه لها و مسحت عينيها به ، فقال مداعبا :
-ربما لأنني دائما أكون في المكان المناسب في اللحظة المناسبة .
في هذه اللحظة ، اكتشفت اكتشافا مرعبا ، و صعقت حتى العظام لاكتشافها أن مشاعرها تتدمر كلما اقتربت منه ، و كلما نظرت إلى عينيه الزرقاوين . و علمت أنها وقعت في حبه .
و صدمت لمعرفتها أن هذا هو سبب خفقان قلبها في عدة مناسبات... مناسبات تكون فيها بين ذراعيه ، أو حتى دون أن يلمسها ، و أخذ يسير في الغرفة ، و بدأ قلبها بالخفقان ، و حدقت به . فقال لها :
-هل أنت بخير ؟ لقد فقدت شيئا من لون وجهك .
-أنا على ما يرام.. الأمر عائد للصدمة فقط.. الصدمة لرؤية رايان هكذا.. أنا... هل تمانع إذا لم أذهب معك لتناول الطعام... لست جائعة أبدا .
-لماذا لا ترتاحين لمدة ساعة ؟ لدي بعض المواعيد قد تمتد قرابة الساعة .
و لحاجتها للبقاء لوحدها.. فقد رأت أن أفضل اقتراح سمعته منذ مدة طويلة .
و أمضيا في مدينة مكسيكو أكثر من بضعة أيام . و أملت كولين أن يكون ما شعرت به من حب لجوليانو هو محض خيال ، لكن في الأيام التي تلت كانت تغوص أعمق و أعمق في حبه ، و اقتنعت أن هذا الأمل كان أملا فارغا... بعد أقل من شهرين ، سوف تفترق عنه ، و لم تستطع أن تفكر كيف ستتمكن من هذا .
أيامهما هناك ، أصبحت روتينية بخروج جوليانو في الصباح لمتابعة أعماله ، و يعود دائما ليصطحبها إلى المستشفى لزيارة رايان ، و لم يعرض عليها مرة واحدة أن يدخل ليراه . و احترمت مشاعره ، ألم يفعل لها ما فيه الكفاية ، ألم يسافر معها إلى مدينة المكسيك بعد ساعة من تلقيه الخبر ؟ و لم تطلب منه هذا أبدا. و بعد كل مرة تزور شقيقها ، كان يقودها في السيارة خارج المدينة ، إلى مكان يبعدها عن التفكير بشقيقها و ما حل به .
يوم الأحد ، اصطحبها جوليانو إلى بلدة سياحية تدعى "كويرتاكاكا" يقال بأنها أقدم منتجع في المكسيك ، و من هناك ذهبا إلى بلدة مناجم الفضة "تاكسكو" أجمل بلدة جبلية . و يوم الأثنين ذهبا إلى "كواتا جويتو" المدينة التي تحوي أروع شبكة من الطرقات تحت الأرض ، تمتد تحت المدينة تماما.. و هناك دلها جوليانو على المنزل الذي عاش فيه "دياغو ريفيرا" أشهر رسام مكسيكي .
و من هناك أخذها إلى "سان ميغال الاند" المكان المعروف بإقامة أكبر مجموعات من الفنانين فيه . و هناك تناولا العشاء . و قال لها جوليانو :
-و الآن.. ماذا نستطيع أن نفعل لنشجع شهيتك ؟
لم تفته ملاحظة عزوفها عن الطعام ، و لكن بسبب رغبتها في إرضائه ، حاولت جاهدة التفكير بشيء فقالت :
-اظن أرغب في البيتزا .
و قرب وجهه من وحهها ، و ظنت أنه سيعانقها هنا في الساحة و أمام الجميع ، و أخذ قلبها يخفق ، و تلاشت الابتسامة عن وجهها ، فهي تريده أن يعانقها ، و لكنها كانت خائفة من أن تتعلق به أكثر من اللزوم . و عندها سيفضح سرها .
و لكن على الرغم من أن وجهه كان قريبا منها إلا أنه لم يعانقها .بل رفع يده ليمرر اصبعه على وجهها قائلا :
-إذا سنتناول البيتزا يا سيدتي .
و سار بها من الساحة المكتظة بالناس ، إلى شارع جانبي منحدر و توقف أمام مبنى عليه لافتة كتب عليها "هاماميا" و سألها :
-في الداخل أم في الخارج .
-بل في الخارج .
و تشاركا معا في تناول "بيتزا" عملاقة وضعت أمامهما على طبق كبير . و هما جالسان إلى طاولة خشبية كبيرة في الفناء الخارجي .
و أكلت حصتها حتى آخر قطعة . ثم جلست معه تحت حفيف أوراق الشجرة التي تتدلى من فوقهما ، شجرة مشمش كما اعتقدت .
في داخلها ، لم تعد متأكدة من شيء ، كل ما كانت أكيدة منه أنها تقع في حبه أكثر فأكثر ، و حبها له قد بدأ يحرقها .
بحلول يوم الثلاثاء ، طرأ تحسن طفيف على حالة رايان . و زال التورم عن وجهه ، و أصبح قادرا على السير في القسم قليلا . و بما أن الألم قد أصبح أقل الآن فقد ظنت أنه حان الوقت لتسمع القصة منه .
و لم تكن تدري من أين تبدأ ، و أحست بالسرور عندما لم يبدو محرجا لذكر اسم بولا ، و قال بصراحة أخوية :
-لن أبقى هنا يوما واحدا أكثر مما يجب .
-و لكن الطبيب يقول...
-لا تقلقي يا كولين ، لن أقوم بأي تصرف غبي . و لكن بولا تنتظرني في أكابولكو و سوف أذهب إلى هناك بأسرع وقت ممكن .
و لكنه ليس في حالة تسمح له بالذهاب إلى أبي مكان ، و خاصة إلى أكابولكو ، التي تبعد أميالا كثيرة . و لا بد أنه يدرك هذا . و لكنها تعرفه جيدا ، و تعرف أنه سيحاول هذا بالتأكيد . لذا تركت الكلام في هذا ، و قررت أن تركز الحديث حول بولا :
-الأمر جدي إذا.. بينك و بين بولا؟
-بإمكانك المراهنة على حياتك بأن الأمر جدي . يا إلّهي.. أتظنين بأنني كنت سأفسخ خطوبتي لإيزابيلا في هذه المرحلة المتأخرة لو لم يكن الأمر جديا ؟
و بدا مستعدا للحديث بصراحة ، فقالت له أول ما خطر ببالها :
-إيزابيلا ، و عائلتها ، يظنون أنك تخليت عنها لأنها قالت لك إن والدها ليس ثريا .
-يا إلّهي ! كم هم جماعة متفاخرة . كنت أتوقع أن يظنوا هذا بدل تصديق القصة الحقيقية . أنت لم تصدقيهم.. أليس كذلك ؟
-لم أستطع تصديقهم . مع أن الفتاة المسكينة كانت مصدومة بشكل رهيب لأنك أخبرتها متأخرا جدا بتغيير رأيك .
-الأفضل لها أن تنزعج الآن من أن نتزوج ثم أتركها لأذهب مع بولا فيما بعد .
-و هل كانت بولا سبب فسخك الخطوبة ؟
-قابلتها بعد وقت قصير من إعلان الخطوبة ، و كنت أعتقد أنني أحب إيزابيلا.. حقا، و لكن بعد دقائق من حديثي مع بولا ، عرفت أنها المرأة الوحيدة المناسبة لي . و مع ذلك حاولت أن لا انكث بوعدي لإيزابيلا يا كولين.. صدقا لقد حاولت . و لكنني كنت أقابل بولا صدفة بإستمرار ، و كانت هذه اللقاءات تشعرني بأنني عدت إلى الحياة . إنها متزوجة من رجل قذر و غير سعيدة معه ، و لاحظت الطريقة التي يعاملها بها ، و لم استطع تحمل هذا .
-و هكذا هربت معها .
-لاشيء كان يمكن أن يمنعني بعد أن عرفت بأنها تشعر بنفس مشاعري . و لكنني كنت أعرف أن هناك صعوبات ستواجهنا .
-و هل بحث عنك زوجها ؟
-بكل الطرق! بولا و أنا كان معنا مال يكفينا لسنة ، و لكن بعد اختبائنا لبضعة اسابيع ، فكرت أن نعود إلى مدينة مكسيكو حيث يمكن أن أجد عملا . و كانت واثقة أن زوجها سيلحق بنا ، و في يوم لمحت أحد أشقاءه .
-أوه.. و لماذا لم تهرب..
-أهرب ؟ أنا أحب بولا و أريد الزواج منها ، لم استطع يا كولين ، و هل أمضي بقية حياتي هاربا ؟
-و لكن بولا ذهبت إلى أكابولكو .
-لا تظني أنه كان سهلا علي إقناعها بالذهاب . إنها عنيدة جدا. و لكنني لم أرغب أن تكون موجودة عندما تتطاير اللكمات.. و اكتشفت بولا أنني أعند منها .
-و هل.. هل تعلم بما حدث لك ؟
-ان الاخوة فرناندو ضربوني ؟.. بأقل تفاصيل ممكنة ، فأنا أتصل بها يوميا .
-و هي تتوقع أن تنضم إليها في أكابولكو ؟
لا أريدها أن تعود إلى مدينة مكسيكو حتى أتأكد أن الأخوة فرناندو قد غادروها .
و أخذ يتحدث عن بولا . و كيف أن كولين ستحبها إذا تقابلا . و بدا واضحا أن شقيقها متيم بحب بولا ، و بما أنها غارقة في الحب بنفسها . لم تستطع سوى أن تتمنى لواحد من عائلة شادو على الأقل أن يجد السعادة في حبه...
و قبل أن تنهي زيارتها أخبرته عن نية والدهما الزواج من آغي باركر و قالت :
-لا بد أنهما تزوجا الآن .
-أرجو أن يسعدها أكثر مما أسعد والدتنا .
و هذا ما ترك لكولين شيئا تفكر به و هي تغادر المستشفى . فرايان أكبر منها بخمس سنوات ، و بإمكانه أن يتذكر كيف كانت حياة والدتهما مع والدهما ، و إذا كانت تلك الحياة تماثل حياتها معه الخالية من السعادة ، فلا بد أنه لم يكن هناك سعادة في زواجهما .
-هل حدث شيء لرايان ؟
و تقدم جوليانو منها ، و كانت هذه المرة الأولى التي يستخدم اسم رايان فيها . و تبددت الأفكار التعسية من ذهن كولين على الفور ، كالسحر، مجرد سماعه يتلفظ باسم شقيقها دون عدائية ، جعل عينيها تلمعان كالنجوم ، و قالت :
-إنه بخير... إنه يتحسن .
-و لكنك تبدين مستائة .
-أوه.. لقد كنت أفكر بما قاله لي رايان .
و لم يتحرك ليفتح لها الباب كما هي عادته ، بل وقف منتظرا أن تتابع كلامها ، و تخبره ما الذي أزعجها ، و كأنه يجذب الكلام منها جذبا :
-لقد كان.. يخبرني عن الأوقات التعيسة التي مرت بها أمي مع أبي قبل أن تموت .
-و حياتك لم تكن فراشا من الورود أيضا.. أليس كذلك ؟
-الورود لها أشواك.. أليس كذلك . و هي غير مريحة أحيانا . رأيك بأن رايان لم يتزوج إيزابيلا لأنه اكتشف أن المزرعة لك و ليس لوالدها كان رأيا خاظئا على فكرة ، فقد أحب بولا لدرجة لم يستطع أن يفعل شيئا سوى...
و لكنها كانت تكلم نفسها ، فقد تركها جوليانو و ذهب ليفتح الباب لها . و لأن وجهه كان متجهما ، فلن يدهشها أن يأخذها رأسا إلى الفندق . لذا كانت مفاجأة لها عندما رأته يسير عبر زحام السير ، ثم يخرج بها خارج مدينة المكسيك . فسألته :
-أين نحن ذاهبان الآن ؟
و عندما لم يرد ، اعتقدت أن مزاجه متكدر و لا يرغب في الكلام معها . و أدارت وجهها عنه و قد ملأت الدموع عينيها ، و ارتفع رأسها بكبرياء و هي تحدق خارج النافذة ، ثم جفت دموعها بنفس السرعة التي تدفقت بها . فقد بدا أن جوليانو قد قام بمجهود خارق للسيطرة على أعصابه ، و سألها :
-هل تحبين رؤية الاهرامات القديمة ؟
-أنستطيع ذلك و أين ؟ هل هناك منها في مكان قريب ؟
-في "تيو تيهواكان"..
و وجدت كولين "تيوتيهواكان" مكانا شديد الروعة . فالموقع الرائع يحتوي على هرمين ضخمين جدا ، الأصغر رغم ضخامته ، كان هرم القمر ، و الأكبر هرم الشمس . و كان هناك مبان أخرى تاريخية ، مثل معبد "كوتزا لكوتل" ، و كلها موجودة على طول شارع عريض اسمه "شارع الموت" .
و لكن قبل أن تسير إلى أي مكان ، أصر جوليانو على أن يتوقفا في أحد الأكواخ العديدة القريبة حيث يباع كل شيء ابتداء من سجاد الجدار المكسيكي ، إلى قطع الشطرنج المصنوعة من الاينوكس ، و اشترى لها قبعة قش ، و بطريقة احتفالية ، وضعها على رأسه ، ثم تراجع ليبدي إعجابه بها :
-ظريفة جدا.
و ضحكت كولين ، و صممت أن لا تفكر بما سيحدث بعد شهرين من الآن . و وجدته دليلا سياحيا رائعا ، قادر على الإجابة على أي سؤال : هل عاش الأزنكيون هنا ؟ و من هو كواتزلكوت ؟ و العديد من الأسئلة الأخرى.. و لم يحاول استعجالها ، وتسلق معها الهرم درجة درجة ، و بدا مستعدا للوقوف تحت حرارة الشمس قدر ما تريده ، كي تتأمل مناظر الريف المحيطة بهما.. إلى أن تذكرت كولين أنها ترتدي قبعة بينما جوليانو عاري الرأس .
منتديات ليلاس
و بدآ ينزلان درجات الهرم ، و بما أنها لم تكن متعودة على المرتفعات ، كانت تتردد في وضع أي رجل قبل الأخرى و لاحظ جوليانو هذا وقال لها :
-تمسكي بي...
و قدم لها ذراعه القوية الثابتة لتمسك بها ، و عندما وصلا أسفل الهرم ، شعرت بالارتياح و شكرته ، فقال مداعبا :
-أنت أردت أن تتسلقي .
-أردت أن لا يفوتني هذا .
و ضحكت ، فقد أحست و كأنها ستنفجر من السعادة بعد أن عاد لمداعبتها .
تلك الليلة ، لم يكن النوم مشكلة لها . و بما أنهما يتشاركان نفس الحمام ، و جوليانو يبقى مستيقظا ليقرأ أو يعمل ، فإنه لم يستطع تجنب رؤيتها و هي تمر أمامه بثياب النوم .
يوم الأربعاء ، بدا أن رايان قد خطا خطوات واسعة نحو الشفاء . و ارتاحت كولين لأنه لم يذكر بأنه سيغادر المستشفى عندما يشعر بأنه على ما يرام . و خرجت من المستشفى و في رأسها فكرة أن تجد الشجاعة الكافية لتطلب من جوليانو أن يتحدث إلى الطبيب لأجلها .
بعد الظهر اصطحبها إلى الحدائق العائمة في "كوشيملكو" ، و نسيت كل شيء فيما يتعلق برايان ، بعد أن استحوذ عليها ذلك الموقع الرومانسي .
و جلسا في قارب مزين بأوراق الأزهار ، سار بهما فوق الماء ، مارين ببائعي زهور على مراكب صغيرة ، و آخرون يبيعون الطعام .
و لكن سعادة كولين لم تعد تعرف حدودا عندما تقدمت فرقة عازفين ،"ميراشيري"، معتمرين قبعات عريضة للرعاة المكسيكيين ، و توقف جوليانو و دفع لهم أجرهم ، و بدأوا بالعزف .
و بعد أن انتهت رحلتهما في المركب قالت له و هو يساعدها على النزول إلى الشاطئ :
-كانت نزهة رائعة .
-كنت أعتقد بأنها ستعجبك .
-لا يجب عليك أن تأخذني إلى مثل هذه النزهات ، أعني إذا كانت تضجرك .
-و هل قلت إنني ضجرت ؟
-حسنا.. لا ، و لكن..
-إذا لم تحسني التصرف.. لن آخذك إلى حفلة الفلكلور الراقصة هذه الليلة .
-الليلة؟
-عادة يقيمون مثل هذه الحفلات يوم الأربعاء و يوم الأحد.
-أوه.. و لكنك تريد العودة إلى دورانغو يوم الأحد .
-سوف أنتهي من أعمالي عندما يأتي يوم الأحد .
-أجل.. أجل.. بالطبع ستنتهي .
و قابلتهم عاصفة رعدية في مدينة مكسيكو . و لأنها تحب التفرج على العواصف ، لم تستطع مقاومة رغبتها في الخروج لمشاهدتها في الشارع ، على الرغم من وجود طريق مسقوف من المرآب إلى الفندق
و شق السماء برق عنيف ، و لكنها لم تخف ، بل أجفلت عندما أمسكتها يد قاسية لتجذبها و يقول لها جوليانو :
-أليس عندك عقل ؟
ثم جرها وراؤه إلى الفندق .
و كان لا يزال غاضبا عندما وصلا إلى جناحهما ، وعيناه الغاضبتان تنظران إلى المطر في الخارج الذي لم تشاهد مثله من قبل .
ثم و دون أن يخطو خطوة ، بدا و كأن شخصا آخرا يسيطر عليه ، فارتفعت يده ببطء ، و بدا يتحسس خدها . و ارتفع اللون الأحمر إلى و جهها ، كانت تريد أن يلمسها ، بحاجة إلى هذه اللمسة ، و لكنه أشاح بوجهه عنها بحزم .
و راقبت كولين ، و كأنها تراقب فيلما بالسرعة البطيئة ، اللون يغزو بشرته ، بعد أن أدرك ما كان سيفعله . ثم أصبح صوته خشنا ، خشنا لدرجة لم تسمعها منه طوال هذا اليوم.
-لأجل الله.. اذهبي و غيري ملابسك.
و ذهبت كولين بسرعة ، و لكنها سمعته يتمتم :
-يا إلّهي..
ثم قال شيئا عرفت من معلوماتها القليلة بالإسبانية أنه يعني :
-أنا بحاجة لشراب قوي كي أهدأ .
*******************
يتبع....
|