كاتب الموضوع :
شرف عبد العزيز
المنتدى :
عالم ماوراء الطبيعة
عطر الأفاعي
بينما كانت سالي تعد طعام العشاء ؛ في بيتها الريفي
في منظقة ٍ نائية عن البلدة كانت تـنـظر من خلال
زجاج النافذة الخلفي إلى الثلوج المتساقطة
في الخارج ..
كان منـظر الثلوج يدفعها بشعور ٍ خفي إلى أن
تـتدرج بـنـظرها إلى أعلى التل المجاور حيث تبدو
قصور الأغنياء الفارهة
وأعمدتها الرخامية تداعب قطع الثلج
المتساقط باستحياء .
تنهدت بعمق ٍ وحسرة وأعادت النـظر
إلى الفرن المتوقــّـد ثم بدأت تسحب
الديك الرومي من داخله
لتبدأ بطهو شرائح الفيليه والتي انتهت لتوها
من تـتـبـيـلها ثم تضع في هذه الأثناء أكواب النبـيـذ
وعلبة السيجار الفاخرة لزوجها وصديقه
الضيف القادمان بعد قليل ..
وضعت الديك الرومي الذي يحبه زوجها على طاولة
المطبخ وهي تــُـعلن لـنـفسها وكأنها تـطـمئن قلقها
ونوازع الشر المتوثبة في قـلبها :
( إنه العشاء الأخير ياحبـيـبي ) ...
غدا ً سأصرف مبلغ التأمين وأنـتـقـل للسكن
مع الأغنياء في قصورهم فوق التل ؛فهؤلاء الأغبياء
وزوجاتهن القـبـيـحات لسن َ أفضل مني في شيء .
إجترعت كراهيـتـها المرة وبدأت تستذكر
غزل زوجها لها
في سهرات الأنس النادرة التي كانت تجمعهم :
......................{
- أنت ِ وردة ولست ِ سيدة ؛ فـروائح السيدات
لا تـتسرب كالمخدر في الجسد مهما كانت
عـطرة ً وقوية
- نعم . ولكني وردة سامة ..أحمل عطر الورود
وسم الأفاعي
الزوج وهو يــقهــقه عاليا ً :
- إذن ..لقد جربت عـطرك ِ فدعيـني أتجرع
سمومك يوما ً ما .. ربما أدمنها ؛ أيتها ..
أيتها الوردة الأفعى هاهاهاهه.
...................... }
نفضت عن ذاكرتها بقايا أتربة هذه الذكريات الكالحة
ثم قالت بصوت ٍ مسموع وكأنها تتحدى خوفا ً
حبيسا ً بداخـلها منذ مئات السنين
لك ماتريد ياحبـيبي ..
اليوم ؛ اليوم وليس غدا ً سأجعلك تتجرع سمومي
أيها العجوز المتعجرف !
نظرت سالي إلى علبة السيانيد التي
أعدها لها ضيف زوجها المهندس الزراعي
بالأمس بكل عناية ودقة
ثم بدأت تـقلبها بين أصابعها بارتياح ٍ بالغ
وهي تهمس لنفسها :
يخيل لي أنها مركزة ٌ كفاية لقتل ركاب
حافلة بأكملها ..
إن الحظ يبـتـسم لي بعد طول إنـتـظار ...
رن جرس الهاتف في المطبخ بينما كانت
تسرح بخيالها عبر أحداث هذه الليلة المرتـقبة :
- الو ..هنا منزل الدكتور نديم ؛ من المتحدث
- أنا نوري ..يانور حياتي وفرحة أيامي القادمة .
- آها ..على رسلك ؛ تبدو رومانسيا
ً هـذه الليلة مع اقتراب صاحبك
العجوز من حتفه ! من أين تتحدث الآن ؟
- أنا أغلق المخـتـبـر ؛ ثم سأمر لإصطحاب
ذلــك المغـفـّل من عيادته ..
لقد سئمت هذا المختبر اللعين ورائحة
الكيماويات الكريهة ..
غدا ً عندما تصرفين قيمة الشيك ؛ سنفتح متجرا ً
زراعيا ً ضخما ً .. لقد أخبرت زوجك لتوي
بأني قادم لإصطحابه ..
القاك ِ بعد قـليل ٍ ياحياتي .
- ستستغرب تلك الممرضة الحمقاء "لين "
خروجه باكرا الليلة
فـقد تعود أن يعود لي كل ليلة فجرا ً ؛
وروائح عطرها الرخيص تفوح منه ..
ثم أردفت وهي تفتح الديك الرومي لتضع فيه
قطرات السيانيد السام :
- هل أنت متأكد بأن السم لن يتـغلغل
إلى دمه الفاسد قبل نصف ساعة كما طلبت ُ منك ؟
- هل نسيت ِ أنني مهندس زراعي ..
لقد قمت بتركيبه بنفسي طوال 6 ساعات ٍ من التركيز ..
سيكون أمامك ِ وقت ٌ كافي لـتــُفرغي
كل مالديك من غل ٍ فيه قبل أن يــُغمض عيـنـيه
ويذهب في نومه الابدي .
- ستكون هذه الدقائق الثلاثين أسعد لحظات حياتي ..
كم أتوق إلى هذه اللحظة ..
ون ..تو.. قلت لي سبع قطرات ٍ
أليس كذلك ياحبـيـبي ؟
- نعم ضعيها بدقة ؛ وأكملي تفاصيل الخطة بعناية
فأي تفصيلات صغيرة قد تهدم كل مابنـيـناه
سأتركك الآن فالوقت يداهمنا ..
لاتنسي ؛ يجب أن تبدو عليك ِ
علائم السرور من قدوم زوجـك مبكرا ً
- بل السرور من قدومك معه هاهه
- أراك ِ بعد قليل ؛ إلى اللقاء ياحبيبتي ..
- إلى اللقاء .
وضعت سالي السماعة ونـظرت إلى زجاجة السم ..
لقد انتهت لتوها من وضع الكمية
المطلوبة لزوجها ..
تركت سالي الزجاجة مفتوحة وعادت لتسحب
شرائح الفيليه من الفرن ..
إبتسمت سالي وهي تهمس لنفسها بخبث :
من حسن الحـظ أن زجاجة السم تكفي
لأكثر من شخص واحد .
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي
دلـف الدكتور نديم وصديـقه المهندس نوري إلى
الداخل بينما كان نوري يـنفض الثـلج عن كـتـفيه
وعن معـطف صديـقه وهو يقول بصوت ِ خافت :
- يبدو أنه سيكون شتاءا ً قاسيا ً !
ألم تـفكر بالإنـتـقال للعيش فوق التـل ؟
لا أعتـقد أنه يـنـقصك المال ؟
- لقد أفرغت تـلك الممرضة الغانية
جـيـوبي عن آخرها ..
ورصيدي في البـنـك لا يـكفي لشراء حتى فيلا صغيرة ..
أنا مقدم على صفـقة رابحة من ترتـيـب صديـقنا سيف
وأفكر بالزواج فعليا ً من " لين "
والإقامة معها بشكل دائم ..
لقد مـلـلت ُ العودة كاللصوص كل يوم ٍ آخر اللـيـل .
- ولكن سالي لو عرفت ...
- غــّــير الموضوع ..اسمع صوت خـطواتـها
قادمة ً من المطبخ
دخلت سالي وهي تتراقص وتــُأرجح الأطباق
بـيـن يـديـها .. ثم قالت بصوت ٍ غـنائـي :
- ماذا أرى !
زوجي العزيـز وصديـقه الحمـيم معا ً ..
لم تقولا لي بأنكما ستـأتـيان سويا ً ؟
لم تـنـتـظر سالي الإجابة بل وضعت الأطباق على الطاولة
وقـبل أن تعود أدراجـها إلى المـطبخ تسللت منها
غمزة ٌ سريـعة الـتـقـطـها نوري على الفور وفهم منـها
بأن الخـطة تـجري حسب ما اتـفـقا .
أشعل الطبيب سيجاره الفاخر وبينما كان الصديقان
يـتـجاذبان أطـراف الحـديـث كان صوت سالي
يصل إلى مسامع نوري وهي تغـني في المطبخ
اغنيتها المفضلة memories للمطربة
القديمة بربارة سترايسند ..
انفرجت أساريره عن إبتسامة ِ رضى لا تخلو
من الخبـث مترقبا ً الفصل الأخير من هذه المسرحية
التراجيدية الغـريـبة :
{بعد قليل ستصب هذا الحسناء اللعوب جام غـضبها
على زوجـها وهو يـلـفظ ما تبقى له من أنفاس ٍ
في هذه الدنـيا ؛ لن يروقـني هذا المنــظـر ..
سأتــذرع بأي سبـب لأنسحب ..
لإحضار الطبـيـب مثلا ً .. ولكن أي طبـيـب ٍ
سيعــيد لك الحياة أيـها الأناني الأحمق !
التركيبة التي أعددتـها بنفسي لا يـنـفع فيـها
غسيل معـدة ؛ ولا حتى غسـيل الجسد كـله من الداخل ..
هاهي الأرملة السوداء قد عادت من المطبخ ..
بعد دقائـق ستـجهـز نفسها للإنـقـضاض
على زوجـها والفـتـك ِ به .. ولكن لم َ لا
فهو يستحـق الموت ... وأنا أستحق حبـيـبـتي سالي } ..
جلس الثلاثة على مائدة العشاء ؛ وعاد كل ٌ منهم ليكمل دوره بهدوء
- سالي حبيبتي : نسيت أن أخبرك بأن حفل عشاء يوم الأحـد القادم سيحضره صديقنا سيف ..
أنا أعلم بأنه لا يروقك ِ ؛ لكني أحتاج وجوده فالضيف صاحب شركة مرموقة في مجال الأجهزة الطبية وسيف هو الوحيد القادر على تخليص هذه الصفقة ؛ فهو تاجر ٌ ماهر وخبير في هذه الأجهزة ..
- لا أدري سبب إطراءك الدائم له وسبب إصرارك على هذا الشاب ! أشعر كأنه محتال ٌ كبير وأنت لا تكف عن الإعتماد عليه ..يبدو أنك مللت نصائحي مع أن نظرتي الأولى له في لقاءنا الأول به في حفل عشاء اوتيل سانتا ماريا كانت كافية لسبر أغوار هذا الشاب ؛ وهذا ما جعلني أحذرك منه مرارا ً ..
- دعينا منه الآن ..المهم أن يمر حفل العشاء بهدوء ثم أعدك ِ بأن لا تطأ أقدامه أرض هذا البيت أو العيادة .. كل مافي الأمر أن ... آه ...
- مابك ياحبـيبي ؟
- ماذا دهاك ياصديقي ؟ نطقها نوري وهو يضع يده هو الآخر على بطنه
- لا أدري ! أشعر بأن معدتي يفـتـك بها وحش ٌ جائـع .
- وأنا أيضا ً ..إذا كان السبب من الأكل فأنا لم آكل ما تأكل منه ..لقد إكتفيت بشرائح فيليه اللحم ..يبدو أني قد بدأت أفهم !
نـظر نوري إلى سالي بعيون ٍ تشتعل حقـدا ً ثم حول نظره لتستقر وتـُـطفأ رماد حقدها في عيون صديقه الممتلـئة بتساؤل ٍ غاضب لم يجـد له جوابا ً لا عند صديقه ولا عند زوجتـه .
تركت سالي مقـعدها ثم تراجعت بضع خطوات ٍ إلى الوراء ؛ واستدارت بحركة ٍ مسرحية تاركة ً زوجها يتخبط في المه ودهشته
و لم يكن نـوري قد فاق من أثر الصدمة بعد .. ثم أشارت بيدها وبدأت تندفع في الكلام وكأنها لا ترى أشباح الموت أمامها تبحث عن بصيص أمل ٍ في الحياة فلا تجـده :
- حسنا ً ..يبدو أن الستارة ستسدل عما قريب معلنـة نهاية غير متوقعة ..
أعلم بأنكما تتألمان الآن ولن تستوعبا كلامي كله ..
لذلك سأختصر ؛ ليس رأفة ً بكما لكن لأن هناك من ينـتـظرني خارجا ً ؛ إنه داخل سيارته الآن على الأغلب أو أمام بوابة الحديقة الخلفية ؛ لكي ننطلق ونولد من جديد
فلا أخفيكما سرا ً بأن حياة ً لا توجدان فيها أنتما الإثـنـين هي بلا شك السعادة بعيـنـها .
ثم تابعت وهي تعض على نواجـذها وعيـناها تـتـنقلان بين الضحيتـين بسرعة البرق :
- زوجي العزيـز : رغم فارق السن الكبير بيـننا ؛ قطفت وردة شبابي وبعـد أن امتصيت رحيقها عن آخره أقمت علاقة ً شائـنة مع ممرضتك البغيضة " لين " ؛ وتـظن أني لا أعرف ..
إذن يسرني أن أخبرك بأن صديقك الصدوق نوري هذا ..هو الذي أخبرني !
استدارت سالي بطرف عينها إلى نوري ثم أسترسلت بدون إنقـطاع :
وأنت أيها المهندس العبقري ..
لقد دسست لك السم الذي دسستـُه لزوجي والذي أعددته أنت بنفسك فطباخ السم يجب أن يـتـذوقه ..وكلاكما لا تستحقان الحياة ...
بعد قلـيل ستشتعل النار في هذا البيت وستأكل أجسادكم العفنة ؛ وقبل أن تأتي عليكما نهائيا ً سأكون قد غادرته مع حبيبي سيف الذي يـنـتـظـرني في الخارج !
سنذهب غدا ً لصرف شيك التأمين على حياة هذا العجوز ونبدأ حياة ً رغيدة ..
آه كم أتوق إلى هذه اللحظة ياسيف !
آ.. نسيت أن الصراع مع الموت لن يسمح لكما بالإستغراب ..
ولكن لم َ الإستغراب ؟فما هي إلا مفاجأة ٌ أخرى جديدة في سلسلة مفاجآت هذه الليلة الحافلة ..
فأنا أحب سيف منـذ لقاءنا الأول في حفل عشاء اوتيل سانتا ماريا .
لقد كانت رغبته أن أعلن كراهيـتي له في كل مناسبة أو حتى بدون مناسبة ؛
على فكرة : الرائحة التي لفتت انتباهكما منـذ قليل لم تكن سوى رائحة الكيروسين الذي سكبت جزءا ً منه في المطبخ كي ترتوي الأرضية الخشبية منه ؛ ريثما أعود لسكب الباقي فأنا أعد لكما جحيما ً يليق بأمثالكما كما وعدت ..
وقـد لا تسمح لكما أنفاسكما الأخيرة في التقاط مفاجأتي الأخيرة ..
لذا استأذنكما وسأعود لتقديمها بعد أن أكمل سكب الكيروسين على باقي أرجاء المنزل وأعلن بداية الجـحيم الأخير .
حاول الطبيب بكل ما أوتي من عزم ٍ أن يصل إلى سكين التقطيع التي كانت لا تزال مغروسة ً في جسد الديك الرومي
وسـدد بها طعنة ً حاول ان تكون قوية لعنق نوري ..لكنها أخطأت هدفها وانغرست في عينه اليسرى ..
صرخ نوري صرخة فزع ٍ رهيـبة وبدأت الدماء تنفجر من عينه وأطرافه تتحرك يمنة ً ويسرى دونما هدف ٍ وكأنـها تحارب طواحين الهواء ..
قلبت يداه الطاولة بيأس ٍ قاتل فانقلب الطبيب عن كرسيه وبدأ يتلوى هو الآخر على أرضية الصالون كأفعى أزعـجها الحر الشديـد ..
إنطفأ سيجاره الضخم تحت ثقـل يديه على بدلتـه ؛ وأحس بشيء ٍ يحترق ؛ لكن قواه الخائرة لم تسعفه في تحديد هذا الشيء ..
أهي بدلته التي تحترق أم روحه التي بدأت تستعد للقـفز من بين خلجات صدره !
بدأ خط الجمر في سيجاره المكسور يأخذ خـطا ً حلزونـيا ً عبر ثيابه كلها ..وبدأت رائحة نسيس الإشتعال تخنـق جو الغرفة وتقطع عنها أنفاس الهواء القليلة التي كانت تتسرب من حوافذ النافذة المطلة على الحديقة الخلفية ..
اختلطت رائحة الدخان مع رائحة الدم وصرخات الفزع مع فحيح النار التي كانت تتحرق شوقا ً لإلتهام كل شيء ..
كانت أجساد الرجلين قد بدأت تتكوم وتلتف على نفسها هاربة ً من زحف الموت المطبق على المكان ..ثم أخذت أجسادهم تنتـفض بشدة وكأنها سكرات الموت قد استعادت حنـقها وغضبـهـا بعد قيلولة ٍ قصيرة ..
وماهي إلا لحظات حتى بدأت أجسادهم تخمـد رويداً رويدا تحت ضربات مقص ألم السم من الداخل وألم الجروح من الخارج ؛ وبدى المكان في لحظات ٍ مع أنين الرجلين المكتوم وكأنه أطلالا ً من جهنم
دخلت سالي على هذا المنظر المريع وهي تضحك بطريقة ٍ هستيرية :
ياالهي ماذا أرى .. الصديقين يستعجلان النهاية ؟ ولم َ العجلة يا أعزائي ؟
كان الأجدر بجحيم سالي أن يغريكما بالبقاء ولو لدقائق معدوده ..
أووه كم تعبت لأظـفر بهذه اللحظة !
وكم أتمنى لو أني كنت هنا غدا ً
أكاد أجزم بأن أهالي البلدة كانوا سيرسلون لي خطاب شكر ٍ على هذه المدفـأة المجانية !
أراهن بأن هذا البيت بعد أن يأتي عليه جحيم سالي سيـمـدهم بالدفأ أسبوعا ً كاملا ً ..
حسنا ً : بما تبقى لكما من رمق ٍ أخير سأبوح لكما بسر ٍ ماكنت سأبوح به لأحد ٍ غيركما فأنتما في عداد الأموات الآن ..
بعد أشهر ٍ قليلة وعندما أنتهي من سيف سأقتله بنفس الطريقة ..
لا أنكر بأني أحبـبـته لأنه ذكي ووسيم وشجاع ورومانسي لأبعد الحدود لكن كما تعرفان فإن الملـل يصيـبـني بسرعة ؛ وهو لا يليق بي فهو مجرد طبـيب ٍ مبتـدأ وهو على أي حال ليس أفضل منكما ..
وبما أنه أوصلني لأول السلم فسأتعلم الصعود وحدي ..وبعد أن أتخلص منه يمكن أن أسافر بأموالي وأعيش في مكان ٍ بعيد .. سأغير إسمي ولن يعرفني الناس إلا بنجمة المجتمع المخملي التي يتـمنى الجميع إرضائها ..
يبدو أن النار بدأت زحفها ..ألقاكم في الجحيم أيها الأشرار !
اندفعت سالي بسرعة نحو الأنترفون لتخبر سيف بأن يستعد بسيارته للإنطـلاق ..
وجدت سالي زر الأنترفون مضغوطا ً للداخل والشريط اللاصق الذي طلب منها سيف وضعه على زر التحدث ما زال في مكانه !
ياالهي ..لقد نسيت أن سيف طلب مني إبقاء الأنترفون مفتوحا ً تحسبا ً لأي طارئ ..
ولكنه في سيارته الآن ..الجو بارد و ...
قال لي بأنه يستطيع سماع نغمة الانترفون وهو جالس ٌ في سيارته ..
أعادت سالي الجملة وكأنها تطـمئن نفسها :
أجل ..أجل ..إنه في السيارة الآن بلا شك !
وضعت سالي يدها على أكرة الباب فلم تتحرك ..شعرت بأنها أمام أول مفاجأة في هذه الليلة لم تشارك في صنعـها والإعداد لها !
الأكرة لا تدور .. الباب موصود ٌ من الخارج
سيف ..حبيبي ..أين أنت ؟
بدأت تدق الباب بعنف وهي تـنظر وراءها إلى ألسنة النار التي كانت تنسل كأفعى وجدت فريستها بعد طول صبر ٍ و انتـظار
سيف .. النار بدأت تصل ها هنا ..سيف
أرجوك ..اللعنة ..آه .. سيف ..
كان سيف في هذه الأثناء في كابينة هاتف عمومي قرب بيت الطبيب يكلم الممرضة لين على الهاتف ..
كانت لين تضحك ملء شدقيها وسيف يقول لها بصوت ٍ رتيب :
حفلة الشواء انتهت .. لقد كنت ِ أذكى مما تصوره عقلي المجنون بك ..
- ألم أقل لك ياحبيبي .. لا يقدر على الأفعى سوى أفعى مثلها ؟
لقد رتبت ُ كل شيء بعناية وذكاء ٍ شديدين .. إنهم يحترقون الآن في النار التي لعبوا بها ...
- الحب أعمى لكنه ليس أخرسا ً على كل حال ..لقد سمعتها بأذني ؛ ولم أكن بحاجة لأن أسمع أصلا ً فأنا أعلم بأن الخيانة والغدر ممزوج ٌ بدمها كالسم الممزوج بدم الأفاعي ..
- أنتظرك َ الآن للإحتفال بهذه النهاية والسعادة تغمرني .. لقد أعددت ٌ لك كيكة التوت الأزرق التي تحبها وفيها شمعة واحدة سنطفأها نحن الإثنين إعلانا ً بولادة حبنا الأبدي ..
وضعت لين سماعة الهاتف وذهبت إلى المطبخ لتعد الكيكة وبعض أصناف الشراب ..لكنها لم تكن تنوي إعداد الكيكة بالطريقة التي وعدت بها سيف فكما كانت تقول دائما ً لنفسها وهي تعد طعام العشاء للطبيب المغدور " للأفاعي دائما ً طريـقـتهم الخاصة في إعداد الطعام " ...
استوى سيف في سيارته وسحب صورة سالي من تابلوه السيارة ..نظر إليها شذرا ً وبدون مبالاة ..قرب الصورة من أنفه ليشتم رائحة ً طالما عشعشت في مخيلته ؛ ثم نفض رأسه بقوة وكأنه يطرد ذكرى مريرة من بقايا ذاكرته المتعـَـبة ...
رمق الصورة لآخر مرة ثم رمى بها من النافذة وانطلق بسيارته لا يلوي على شي ء وهو يتمـتم بصوت خافت :
" يـبـدو أني قـد مللت ُ رائحة عـطر الأفاعي " ....
|