كاتب الموضوع :
شرف عبد العزيز
المنتدى :
عالم ماوراء الطبيعة
الخطيئة القاتلة
ما أجمل سكون الليل و سمفونية هدوئه ، حيث يخلو الشارع من المارة ولا يبقى سوى صوت القطط تتراقص تحت الضوء المنبعث من عمود الانارة .
ما أجمل اللوحة الفنية التي رُسمت في سماء تلك الليلة ، و كأنها تناديني كي أخرج لأعانقها عن قرب .
كنت أجلس أرقب المشهد من على نافذتي ، أسمع لبعض الموسيقى الكلاسيكية المنبعثة من الراديو مما أضفى على الجو رومنسية أكثر ، لم أتاملك نفسي و وجدتني أدفع بقدماي نحو معطفي البالي أرتديه ثم أتوجه نحو الباب لأنطلق الى الخارج و أنا أضم جسدي بين يداي اثر البرد القارس ، تارة أرفع رأسي متأملة النجوم التي غطت السماء و تارة أركض خلف القطط التي ملأ الشارع موائها .
لازلت أتمشى حتى وصلت للحديقة العمومية ، المكان الذي قضيت به واحدة من بين أجمل لحظات الصبا ، / آه ليت الزمن يعود يومًا / ، تركت الحرية لعقلي الصغير بأن يسبح بين صفحات الماضي و ليتني ما فعلت ، لقد تدكرت العجوز سوزان و ليلة قمنا بقتلها ، أقصد بالقول أنا و أختي ماريا ، تلك العجوز التي لم تكن تفعل شيئا سوى مضايقتنا و اخافتنا بحكاياتها السخيفة ، كلما جئنا الى الحديقة خلسة من أهلنا ليلا و جدناها هي تحت تلك الشجرة تردد كلماتها الغريبة و تنظر لنا في خبث لتقول : يوما ما سأكون بصمة على دفتر قدركم ..
و أصبحت جزءا من كوابيسنا كلما خلدنا للنوم تسللت لأحلامنا ، و في اليقضة تظل كلماتها ترن في عقولنا تكاد تدفعنا للجنون ، للآن لم أعرف أي سحر تملكني وأختي ماريا حتى أقدمنا على قتل العجوز ، قطع حبل أفكاري صوت وقع أقدام على أوراق الأشجار المتساقطة لألتفت له في ذعر فوجدتها هي الأخرى بالحديقة ، انها ماريا ..
ما هذه المصادفة الغريبة و ما تفعلينه هنا ؟ ..
سألتها و علامات التعجب تعلو وجهي لتجيبني في ذعر تقول : لم أكن لآتي لولا خوفي أن تفعلي ذلك ، أسرعت ربما أستطيع تحذيرك حتى تخرجي من هنا بالوقت المناسب .. ثم جذبتني من يدي لأستوقفها مستفسرة عن الذي تقصده فصارت نبرتها أكثر حدة تقول : تاريخ اليوم هو نفسه التاريخ الذي قتلنا فيه العجوز قبل سبع سنين ، أمس رأيتها في كابوسي تهددني و تقول أنه آن وقت الانتقام ..
ربما ما تقوله أختي يبدو حماقات لشخص واعي لكن رغم ذلك فقد استطاع الخوف أخذ منصبه بداخلي و اللعب على أوثار أعصابي ، لم أحاول التعليق فقط بلعت ريقي و انصعت خلف أختي التي صارت تقودني الى خارج الحديقة و التي أغلق بابها الحديدي فجأة و رافقه صوت من خلفنا يقول : اليوم أضع بصمتي على دفتر قدركما ..
أجل لقد كان هو ، ذلك الصوت الذي لطالما أرعبنا و استفزنا في خبث حتى دفعنا لقتل صاحبته ، انه صوت العجوز سوزان التي كان يهابها كل الأطفال و المراهقين ، تجمدت في مكاني من شدة الهلع و استطعت أن أرى مثله بعيني ماريا التي أخذت ترتجف في ذعر و هي تلتفت للوراء ببطء .. ثم هوت على ركبتيها بعد أن تأكدت أنه لا يوجد شيء ..
اغرورقت عيناها بالدموع و أخذت تنظر الي تخبرني في صمت أي مصير قدنا نفسينا تجاهه ، دنوت منها ألتمس بعضا من الطمأنينة و ارتمت هي في حضني كأي طفل صغير يسأل حنانا من أمه ، تغير الجو رويدا رويدا و هاهي ذي السماء التي كانت صافية قبل قليل تعكرت و أرسلت أول قطرات المطر و كأن ذلك ما ينقصنا ، كنا نعلم أن العجوز ستظهر في أي لحظة فلم يكن مني سوى أن ألتصق بأختي أتنقل بعيناي في أرجاء المكان لألمح طيفا يتنقل بين الأشجار بسرعة متوجها نحونا الى أن صارت ملامحه واضحة أكثر ، قفزت من مكاني أركض بالاتجاه المخالف و تبعتني اختي ، لا نفعل شيء سوى الركض هنا و هناك بداخل الحديقة بعد أن فقدنا الأمل بأن يفتح بابها ، بينما كانت العجوز تتبعنا بخطوات واثقة و صوتها اللعين يتعالى ..
العجز احساس رهيب ، يقتلك الف مرة في الثانية و خصوصا حين سقطت أرضا و التفت خلفي على صراخ أختي ، لقد أمسكت بها العجوز و أخذت تجرها في الأرض غير مبالية بها كما يجر الحيوان فريسته ، أردت التحرك لانقاذها من قبضة هذا المارد لكن أوصالي لم تطعني فجلست أرقب المشهد بعينان جاحضتان و جسد يرتعش ، بدأت أنادي باسم أختي و أحاول استنهاض نفسي و لم أستطع فصرت أمشي على ركبتاي و يداي ، غير مبالية بالاشواك التي غرست فيهما ، بدأت أحس بجسدي الذي يتثاقل و عيناي تغلق رغما عني ، أجل لقد أغمي علي و لم أفق الا و أنا بين هاته الأربع جدران على هذا السرير ، أرتدي هذا الفستان الطويل الأبيض ، نظرت حولي كأي مجنون ، كأي طفل اطل حديثا على الدنيا و يحاول ادراك ما يجري حوله ..
ثم تذكرت ..
تذكرت أختي و أخذت أناديها بجنون ، بهستيرية لم أعهدها بي من قبل ، واصلت صراخي و ماهي الا لحظات حتى فتح الباب معلنا على امرأتان يرتديان الأبيض يبدو أنهما ممرضتان ، تقدما مني لتمسكني واحدة بكل قوة و رفعت الأخرى يدها لتقوم بحقني ، لم يحتج الأمر مني تفكيرا طويلا و سرعان ما أدركت أني بالمستشفى ..
مرت الأيام علي .. جلسة تلوى الأخرى ، أحاول اقناع طبيبي أني لست مجنونة و أن الذي أرويه عليه حقيقة ، لكن لا أجد منه سوى الصمت و تلك الابتسامة التي يحاول أن يخفي بها عدم تصديقه ، تمر اللحظات هنا ببطء شديد ، تأتي والدتي لزيارتي مرة بالأسبوع تتحدث الي فيها و تتمشى معي بحديقة المستشفى قليلا ، أحس بداخلها العديد من الآهات و كثيرا ما ألمحها تمسح دموعها التي تخونها ..
كم قاس ٍ هذا العالم حين تجد من حولك لا يصدقك و حين تفقد العزيز على قلبك ، صديق الطفولة و رفيق الدرب ، فقدت أختي بحادث مروع ، بكابوس عشته و اياها و فقدت ثقة والدتي بي ، و اليوم جلست بطاولة أنا و أحد محققي المدينة يستفسر عن كيف تمت الجريمة و يتهمني بأني قاتلة أختي ..
صارت الأفكار زحمة بداخل رأسي الصغير و التساؤلات صارت تؤرقني ، هل ما حدث صحيح و العجوز قتلت أختي بينما العالم لم يستطع استيعاب الأمر فاتهمني بالقتل و الجنون ؟؟
أم أنا فعلا مجنونة كما يقولون أتهيأ الأمور و قتلت أختي ؟
يكاد رأسي ينفجر فلست أنا من تُقدم على فعل ذلك و خصوصا أن تلك كانت شقيقتي ، اغلى ما أملك بدنياي ..
اليوم أخط آخر الأسطر و أترك آخر بصمة ..
و اليوم أنا قادمة لأكون أنيستك عزيزتي ماريا فلا تقلقي ..
أختك نورما ..
|