هذه القصة عبارة عن سبق صحفي لم يتم نشره بعد .
الماء يسير باتجاه واحد
أخبار الذي صعد إلى السماء:
نزيل عمارة الشرقي يختفي ولا يترك خلفه سوى أساطير غامضة
المحرر يقف في مكان المختفي ويكتشف الكارثة
كتب – يوسف الغالب
في إحدى الصفحات الداخلية المهملة والتي يحكى فيها المسنون ذكريات تنبثق من حناجرهم المكللة بآهات وحسرات ُخضر قرأت ما رواه أحد أولئك المسنين بأن بحيهم عمارة لاتصل إليها الشمس وتظللها سحابة على مدار العام،وكنت أبحث عن تحقيق صحفي اكسب به رضى مدير التحرير الذي طالما نعتني أنني لا أصلح لشيء سوى فبركة الأخبار السهلة التي تبثها الوكالات أو التي تصل عبر الهاتف .
عندما قرأت تلك المقابلة والتي ابتسر المحرر تلك الحكاية في جملة مقتضبة (انبعاث أسطورة من داخل عمارة مهجورة ) حدثتنى نفسي أنني قادر على إنجاز سبق صحفي،وبعد اتصالات عديدة تعرفت على تلك العمارة وتوجهت مباشرة لإجراء هذا الاستطلاع .
لا أحد يعرف مصير نزيل الدور الأرضي من عمارة الشرقي وان ظلت هناك كثير من أقاويل وأخبار يتناقلها الناس عن ذلك النزيل بشيء من القداسة،وقلة هم من يسخرون من حكاياته،ومهما يكن الأمر فان معظم تلك الأقاويل كان يكتنفها غموض كثيف وليس من اليسير كشف الحجب التي تسربل بها .
يقولون :
- أنه صعد إلى السماء !!
هذا هو التفسير الجاهز لحادثة لم تستوعبها الذاكرة الشعبية لأبناء تلك الحارة المغروسة في مؤخرة المدينة والتي تكتظ بمئات الأساطير والطلاسم،وتغدو الأساطير ذات إغراء لا يقاوم خاصة وأنها تحمل المرء من عالم سافر ومضن إلى عالم اللامعقول ..عالم الحلم .. عالم تتحقق فيه كل المستحيلات،فالحياة أسطورة مقلوبة ومن نظر إليها بهذه الصورة اكتشف كل الأسرار المخبأة،وأغلب الظن أن هذه الحادثة كانت بمثابة المخدر الذي يتسلل في الأوردة ليترك ضحاياه مقذوفين بين الحلم والنشوة .
ولم أكن لأصدق تلك الحكايات التي انثالت على مسامعي أثناء إجراء هذا الاستطلاع وإنما كانت تنازعني أفكار شتى :
- لماذا تلغي الذاكرة الشعبية المنطق وتنقاد للأسطورة؟!.. ولماذا يتم فصل الواقع عن ظروفه في البيئات المتخلفة ؟!
وتبادر إلى ذهني الروايات التاريخية وماتصبغه على أبطالها من قوى أسطورية يناقضها ما لدينا من منطق معرفي ،وظل سؤال يحيرني :
- مامدى استخلاص الحقائق من كل هذا الكم الهائل من الحكايات ؟!
وهذا الاستطلاع يهدف في الأساس إلى الاقتراب من تلك الأسطورة التي نمت وتناقلتها الألسن بصور مختلفة ومتباينة .
ولكي لا أغامر في تحقيق فاسد فكرت في أن أقطن تلك الشقة ولأنني أخاف كثيرا فقد قمت باستئجار شخص يقطن تلك الشقة ويحدثني عن تجربته لكن ذلك الشخص غاب ولم أره بتاتا ربما كان أحد ضحايا تلك الأسطورة التي يؤكدها أهل الحارة فحواها ( لا يدخل أحدا تلك الشقة ويعود ) .
في البدء قابل مدير التحرير حماسي بسخرية - وليسمح لي أستاذي محمد عائش بسرد هذا على القراء - ،فحين مددت إليه ورقة أطلب فيها مصورا،فتح فمه لتظهر أسنانه المنضودة ذات البريق الذي طالما منعني خجلي من التحديق بها .. وهش بطريقة مسرحية:
- وأخيرا تحركت..ماذا تود أن تقدم
- موضوع لن أبوح به
- كل ما أخشاه تعميق فكرتي عنك
- سترى موضوعا يستحق أن يظهر إمكانياتي الصحفية .
- أتمنى ذلك
وللحقيقة كان رؤوفا بي وحفزني كثيرا ولا يتبادر لأحد من القراء أن هذا مديحا فأستاذنا لا يكره شيئا ككرهه للمديح .
خرجت والحماس يشتعل في أطرافي كان على أن أبحث عن من يرشدني إلى مدخل تلك العمارة التي التفت حول نفسها كامرأة أصابها العرى فلم تجد سوى ذراعيها لتستتر بها من العيون الشبقة المحدقة بها..كان دوراننا – أنا والمصور - حول تلك العمارة مثار الريبة من قبل أهل الحي،ولم أجد بدا من مفاتحة المصور بإخراج كأميرته من حقيبتها وكما توقعت استطاعت الكاميرا أن تجذب الكثير صوبنا وجعلت الصبية يتبعوننا من على بعد بفضول متوحش وكنت كلما التفت نحوهم وجدت أعدادهم تتزايد،وإشاراتهم التي يطلقونها تحفز كبار السن للتحديق في وجهينا والتي استحالت في أنظارهم إلى أناس غريبي الأطوار وكلما هممت بمحادثة أحدهم تراجعوا وتقافزوا هاربين لتبتلعهم تلك الأزقة الملتوية .
درنا - أنا والمصور - حول العمارة مرارا وفي كل مرة نعجز في تحديد المدخل،كان منظرنا ملفتا لأهل الحي الذين اكتفوا بالتحديق وان كنت أحس بهمساتهم ونظراتهم المريبة تخترق جمجمتي من الخلف .
في المرة الأخيرة دفعوا شابا نحونا ويظهر من هيئته أنه المتعلم الذي يقدمونه في مثل هذه الحالات.. اقترب منا بحذر وبادرنا بسؤال مرتبك :
- هل باستطاعتي أن أقدم لكما يد العون ؟!
فوجدتها فرصة سانحة لأن أتودد إليه :
- مرحبا.. هل أنت من أبناء هذا الحي ؟!
التفت إلى من كان يراقبه،وهز رأسه بالا يجاب،فاقتربت منه وأطلقت ابتسامتي
- نحن صحفيان
لمعت عيناه،وبدون شعور امتدت يده إلى غترته لإصلاحها وازداد ارتباكه قال متلعثما:
- تكتبون بالجرائد !!
هززت له رأسي مردفا :
- ونحن بحاجة إلى العون في استكمال استطلاعنا
- حارتنا ينقصها الشيء الكثير وهى في حاجة إلى مثل هذا الاستطلاع.. هل تودوا أن تصورا البيارات الطافحة أم أسلاك الكهرباء العارية ،أم أكوام القمامة أم ..
وقبل أن يكمل سرد شكواه ،تداخلت معه :
- لا..لا.. استطلاعنا ينحصر في موضوع آخر
- أي موضوع
- نزيل الدور الأرضي من عمارة الشرقي
ارتبك قليلا وأمعن النظر للخلف ثم أردف:
- سأساعدكما بشرط أن أرى صورتي بالجريدة
فأوعزت للمصور بأن يأخذ له صورة وعندما رأى وميض الفلاش صاح بمن يترقبونه:
- انهما صحفيان وليس كما ظننتما
فنطلق صوبنا مجموعة من الرجال والصبيان بينما وقف علينا رجل مسن يحدق فينا باحتقار ويتحدث بامتعاض لمن التف حولنا :
- لم يوجد الله أكذب من هؤلاء الصحفيين يكتبون الباطل حقا !!
فلم يلتفت إليه أحد حيث كان المجتمعون يتربصون في أي اتجاه ينطلق وميض الفلاش فيتبعونه كقطط تركض خلف حبل متحرك وما أن بدأنا بسرد أسئلتنا حتى انفتحت شهية كل منهم للحديث وكان أول المتحدثين بواب العمارة (رجل يميل إلى البدانة قصير دقيق الملامح ) ..
فبدا حديثه مضحكا بعض الشيء، تنحنح ومسح زبد شدقه بالإبهام والسبابة :
- يقولون : أنه يملك خاتم سليمان !!
بهذه الجملة الفنتازيا بدأ حارس العمارة حديثه،فشجعته على المضي في سرد ما سمع فقال:
- لقد مضى على زمن طويل وأنا أحرس هذه العمارة،وقد سمعت العجب عن ساكن الدور الأول،وقد تناقل حراس العمارة حكايات كثيرة عن هذا النزيل إلا أن أحدا لم يجزم بما سمع وان جاءت معظم الروايات نقلا عن الحارس الذي عاصره فقد روى :
- لم أر في حياتي رجلا أغرب منه فلم يكن يغادر منزله إلا لمما،وغالبا ما يقف خلف النافذة محتميا بستائرها الشفافة فيبدو من الخارج كشماعة الملابس،ولم أكن لأتجرأ على طرق شقته فبعد أن فعلت ذلك - في إحدى المرات أقسمت أن لا أعيد الكرة مهما حدث - . كنت مكلفا من قبل صاحب العمارة بجمع الإيجار الشهري من سكان العمارة وكان الجميع يبادر بدفع الإيجار قبل أن أطرق عليهم الباب إلا نزيل الدور الأول فقد كنت أفاجئ به في أوقات النوم يقف على رأسي مادا رزمة من الأوراق النقدية تفوق سداد الإيجار ولا يلتفت لملاحظتي عن تلك الزيادة وفي أحيان أسمعه كالهمس يقول :
- ما تبقى حلالا لك .
وكنت دائما أقف في منطقة متأرجحة من الوعي فلا أعرف هل أنا في حلم أم واقع،وفي أواخر أحد الأشهر تباطأ عن السداد فبادرته بطرق بابه فظللت أطرق الباب لوقت طويل وعندما يأست وهممت بالعودة سمعت صوتا ثقيلا يأمرني بالدخول فدفعت الباب ودخلت،كنت أسمع الصوت من غير أن أرى محدثي،وفجأة رأيت أوراقا مالية تتحرك في الهواء فوقفت متخشبا ولم أدر إلا وبيد تنحشر بداخل جيبي وتضع النقود وبنفس نبرة ذلك الصوت الثقيل سمعت:
- إياك أن تسألني عن شيء قبل الأوان !!
وأحسست بيد تدفعني للخارج . ومنذ ذلك العهد وهذه الشقة كما هي عليه ..
وصمت صمتا ثقيلا وكمن ينتزع نفسه من عالم مليء بالأغلال تابع :
-……..الآن لا أحد يسكنها وكلما نزل بها أحد غادرها قبل أن يكمل يومه الثالث .
يقولون أن هذه الشقة مسكونة وان الذي يسكنها ملك الجان بعينه .!!
وفي مكان أخر من الحي حدثنا يوسف مبارك –نجار يقطن ذوه هذا الحي من عهد الأشراف وقد نحت وجهه نحتا كبوابة قديمة حافظت على نمنماتها رغم ركض السنوات الطوال – قال :
- في الحقيقة نزيل هذا الدور رجل مبارك وقد سمعت أبي يروى عن جده أنه سمع أناس يقولون :
- لقد صعد إلى السماء !!
حيث يروى أن ذلك النزيل بينما كان يحاول إغلاق نوافذ بيته خوفا من تلك الصواعق التي ضربت المدينة رآه يخرج في ذلك الجو الماطر لملء رداءه بحبات البرد فطرقعت السماء بصاعقة مدوية انفلقت عن طائر غريب له لون الشهب الخاطفة حط عليه وانشب مخالبه بملابسه،وخفق بجناحيه عاليا حتى غاب بين السحب .
وتحدث إبراهيم البار – تقطن أسرته بهذا الحي منذ عام 1371للهجرة – سمعت جدي لأمي في طفولتي يقول :
- لقد خسفت به الأرض !!
وقد وقفنا على تلك الفجوة والتقطنا صورا لها ويطلق على تلك الفجوة بـ(بير العذاب ) وقد رجعت لكتب التاريخ ووثائق البلدية ولم أثر لها على ذكر- وربما ما ذكره إبراهيم البار دخل إلى ذاكرته من خلال التاريخ الشفوي الذي تحتفل به الجماعات الهامشية بحيث تصنع لها تاريخا موازيا للتاريخ الرسمي،مشكلة هذا التاريخ أنه ينتهي بعد زمن قصير لأسباب عديدة قد يكون أهمها وفاة أصحاب ذلك التاريخ أو رواته فهو تاريخ مدون في الصدور وإن ظل باقيا فيتم تناقله بزوائد عديدة تتعدد بتعدد رواته وتنتقل من كونها تاريخا إلى كونها حكايات تسرد لتزيجية الوقت،ويتم ذلك في ظل غياب توثيق التاريخ الشفوي - .
وروى منصور الدرخمي عن أبيه :
- لقد حلق في السماء كطائر برى
وقال رجل رفض ذكر اسمه :
- لقد اختطفته الجن
بينما روى أحد كبار السن أن الرجل أحرق بالكهرباء لآنه حاول أن يطال من أحد الشخصيات المهمة .
وقال أحد أولئك المصاحبين لليل ويدعى صالح المزروع – كان يعمل عسه،وبعد تقاعده لم يجد مكانا يجلس فيه فواصل السير في الازقة والمنحنيات - :
في ليلة من الليالي المدلهمة،رأيت رجال يحملون برميلا ويصعدون للعمارة،وبعد صعودهم بقليل سمعت صرخة أنارت لها الظلمة وجهها ..وجبنت من تلبية استغاثته،وبعد ان رأيت الجناة يغادرون المكان صعدت،لأجد نزيل الدور الأول قد ألبس درعا نحاسيا ساخنا،وجمدت به كل شيء،وقبل ان استبين ما حدث،كان احد أولئك الجناة قد عاد،وعندما لمحني أقف بجوار تلك الجثة المصبوبة،لم يتراجع بل أقبل علي محذرا :
- هذا رجل نال جزاءه وإياك أن تفتح فمك كي لا تجاوره
وقد مضت سنوات على تلك الحادثة،وأسرده الآن لنه لم يعد بالعمر بقية،فليأتوا أولئك الجناة لنزع روحي التي أبت الخروج بالرغم من هذه الحياة الضنكة،والتي لم تعد قادرة بمدي بقليل من هوائها،فها أنا أجاهد من اجل الحصول على قليل من الهواء يعبر بي هذا الرصيف المتهالك .
إزاء هذا القول أردت أن أستوثق من الشرطة بالبحث في سجلاتهم عن حادث من هذا النوع تم تدوينه في الفترة التي حددها الراوي،لكن محاولتي تعثرت،وتلقيت توبيخا من أحد الضباط،كاد يصل إلى إدخالي غرفة التوقيف – أحمل اسم الضابط والمركز الذي يعمل به لمن أراد إنصافي،فأنا أولا وأخيرا صحفيا أؤدي دورا توعويا في المجتمع كما يؤدي دوره الأمني بالضبط –
مع تلك الروايات المتداخلة،والمتناقضة طرأت بالبال فكرة ألحت على كل تفكيري كانت تتعزز كلما تذكرت أن علي أن لا أغامر في تقديم تحقيق فاسد كانت الفكرة أن أقطن تلك الشقة وخشية ان يعرفني أهل الحارة – بعد رؤيتي بالأمس – فقد تنكرت في هيئة شيخ طاعن في السن وحملت معي بعض الحاجيات البسيطة وانتقلت لداخل تلك الشقة
مبديا عدم الرضى عنها على مسامع السمسار الذي كان يطلق ابتسامته،ولسانه يسيل تحفيزا :
- تأكد أن قليلا من الترتيب سيحيلها إلى تحفة تفاخر بها زملائك
كنت انظر لمحتويات الشقة بازدراء،ورددت عليه ضجرا :
- أأنت متأكد أنها تصلح للسكن .؟!
رد مؤكدا :
- ستجد كل الراحة بداخلها ،فهي تطل على الشارع ويعتبر إجارها زهيدا ولها مميزات ستكتشفها عندما تسكن بها .
كنت راغبا في الوقوف على كل التفاصيل علني أجد شيئا يفيدني في تقديم هذا التحقيق،قبلت العرض،وخرج السمسار فرحا – كنت ميقنا أنها كان يستغفلني في داخله،وربما خامره شعور الظفر لأنه استطاع تأجير هذه الشقة المهملة من سنين طويلة-
مكثت بها ليلتين :
الليلة الأولى :
أخذت أتفقد تلك الشقة :
دهليز معتم ينتهي بباب ذا لون باهت تعيش على زواياه أنسجة عناكب وأرضه نخرت طلاءه ،يكشف عن سيب استقرت على جنباته فتحات لحمام ومطبخ وصالة صغيرة يتغلغل ذلك السيب في جوف الغرفة منتهيا بغرفة انبعثت منها رائحة رخوة دفينة مقززة كأن ساكنيها غادروها من أمد طويل تناثرت أعقاب السجائر وملايات الأسرة في أرضيتها ..وفي مواجهة الداخل لتلك الغرفة استقرت لوحة لسيفينة غارقة لم يتبق على متنها سوى عمود محترق على هيئة شخص يشير للأمام وسماء صافية الا من طائر غريب سقط أسفل قامة امرأة انتصبت في مقدمة اللوحة وبيدها خنجر صدئ .
وكان ثمة صنم التحف بغطاء شوكي - يجاور النافذة المطلة للشارع الخارجي - نحت بشكل رائع لشخص كأن الموت اقتاته للتو ظلت عيناه متقدة وهاربة بضوئها صوب البعيد ويده مرفوعة وكأنها تحاول دفع كارثة اجتاحته مباغتة.
وجدت نفسي محاصر برائحة دفينة وذلك التمثال يقترب من الحركة إلا انه صب بنحاس داكن،شيء ما يغريك ان تتأكد أنه تمثال وليس كائن تصلبت مفاصله وبقى على هذه الهيئة …وكانت هناك ورقة صغيرة مثبته على الحائط كتب عليها مواعيد لزيارة الدكتور وعلى أطرافها كلمات متناثرة ( ما هو الحب ؟ الالتزام – البحث عن الخلاص – مسدس – صباح – الموعد المحدد 1-1-1400 – وصية - ) كلمات ليس بينهم رابط وقد سقطت بعض تلك الكلمات من على الورقة وتمددت فوق الحائط ذو اللون الباهت :
هنا اخترت أن يكون قبري،لا أحد يصدق حجم الكارثة التي عشتها،ولن يجرؤ أحد على الحديث عنها،أمران تقاسماني :حبيبتي ووطني،وكل منهما أسلمني لهذا المصير ..هل أنا محتاج للتوضيح ..أنا سأموت الآن بعد أن اخترت هذه الميتة،سوف أصب على جسدي رصاص ذائب وسأظل كتمثال يكشف عورة الواقع ربما يأتي أحد في الزمن القادم لينبش سيرتي ويعرف المأساة..بي كثير من العته ..لماذا لا أقول الكارثة التي عشتها مادمت ميتا ميتا وهذه مشكلة أخرى فأنا أخشى على أناس لازالوا أحياء أخشى عليهم من البطش ..هل تكفي هذه الجملة ؟
الليلة الثانية :
وقفت أمام تلك اللوحة،ومددت يدي كان اللون الأحمر ينز وكم كانت مفاجأتي ضخمة لقد كان دما راعفا،أصابتني الرعشة والذهول،وشعرت بفؤادي يهوى للأسفل،وأنا أتلمس طراوة ذلك الدم وقبل أن أفيق كان صوتا ثقيلا يتردد في جنبات الغرفة :
- ما الذي جاء بك ؟
لم ينتظرني صاحب الصوت كي أجيب بل أحسست بيد تلامس كتفي وتهزني:
- سوف أتركك لتكتب ما شاهدت وإياك والتدليس
أحسست بيد تجذب جسدي اتجاه ذلك الصنم ذو الرداء الشوكي وكلمات تتردد عنيفة :
- لقد قتلوني ،سوف تجد الدليل هنا
سمعت خطوات سريعة تغادر المكان وتطفأ الأنوار وسمعت خرير ماء يتدفق بغزارة حتى خيل لي أن طوفان سيدك المدينة ..أحسست بالمياه تغمرني من كل جانب،وكلما حاولت رفع صوتي باستغاثة محمومة تحجر صوتي داخل حنجرتي فأجدف بيدي بكل قوة ومن بعيد أرى المياه تغمر المدينة وتجرفها نحو البحر من غير أن يرتفع أي صوت باستغاثة،كل شيء يتحرك صوب البحر بصمت واستسلام .. وعاد الصوت ثقيلا متوعدا :
- بلغ عني .. سوف أتى هكذا
والتفت يد حول عنقي لتجذبني من وسط تلك الأمواج العاتية،وغبت عما حولي لأستيقظ في الصباح واهما أنني كنت احلم وقبل أن يستقر هذا اليقين كانت ملابسي المبللة تعكر ذلك الاطمئنان،وبقع من المياه تجمعت في زوايا الشقة،فأيقنت أن محبسا من محابس المياه قد فتح في غفلة مني وقبل أن أتمكن من طمأنة نفسي بالدوران على تلك المحابس كان الصوت الثقيل يجوب أرجاء المكان :
- أولم تيقن بمقدمي ..أخبر عني ..أخبر أولئك الغافلين أنني سوف أتي كما رأيت
خرجت راكضا بينما كانت الحارة غارقة في نومها وأنوار الأزقة تجاهد ببسالة في دفع ليل هطل بكثافة .
تنويه :
لازلت أحتفظ بهذا التحقيق من غير أن أتمكن من نشره منذ عشرين عاما .
يوسف
***********************
تحقيق غريب والله اعلم ماهو حقيقة هذا الرجل الغامض
اتمنى ان تشاركوني بقصصكم الكريمة
تحياتي للجميع