الفصل الخامس
5 - فجوة في قلبها
" متى يأتي كايل ؟ لقد وعدنا بأن يكون هنا باكراً !!."
وبختها دايان بلطف :
"امكدّ انه سيصل في التاسعة والنصف .... و عليكِ ان تدعيه بالسيد جنسن يا كورتني ."
تدخلت كارولين توأم كورتني :
" اخبرنا انه يمكننا ان نناديه كايل !! ولقد وعدنا ان يأخذنا الى متحف التاريخ الطبيعي والى مدام نوساود اليوم .
هل نستطيع الذهاب لنتأكد من مجيئه ؟"
" مازال الوقت مبكراً جداً .... اوه حسن جداً ... اذهبا !! ."
وضحكت دايان وهي تهز رأسها باستسلام حين ترجلت التوأم عن كرسيهما متجهتان الى الباب ...
كان الجميع يحيطون بمائدة الافطار قل وجودها في يوم السبت .
فقال جيم :
" يبدو ان كايل هذا اكتشاف هام .... على الاقل بالنسبة لابنتيّ .."
ثم التفت الى ايف مبتسماً :
" اتدركين ان اسم كايل يتردد على مسامعنا كل يوم منذ بضعة اسابيع ؟. "
ارادت ايف ان تحتج .. انه ليس لي ... لكنها ابتلعت الكلمات لانه ما زال رسمياً على الاقل زوجها ...
وها هي عائلة بونيت تكن له حباً كبيراً .. فلِمَ لا تفعل هي هذا ؟؟..
لم تستطع ان تجيب على هذا السؤال ... فجيم ودايان لا يعرفان كايل اكثر مما تعرفه هي .. بل أقل بدرجات .. وهما اكثر استعداداً لاستقباله .. لكنهما ايضاً غير مضطرين الى تحمل الإحساس المخيف الذي يتسلل الي احشائها في كل مره يظهر فيها , وهو شعور لن يفارقها حتى تعرف الحقيقة الكاملة حول علاقتهما .
صرخت الفتاتان ببهجة من الردهة :
" إنه هنا ! كايل هنا ! "
وفكرت إيف انه وصل باكراً , وما لبثت ان احست بموجة قلق , فسارعت الى المرآة وهي تتأمل نفسها بتمعن .
شعرت دايان بتوترها فقالت بلهجة دافئة مطمئنة :
" تبدين رائعة ! "
تنهدت إيف :
" لسة واثقة ابداً انني سأبدو يوماً رائعة في نظر كايل .. فهو لم يسامحني بعد لرفضي تلك الملابس "
لكن الحقيقة ان المسألة لا تتعلق بتلك الملابس فقط , فقضية وظيفتها لم تحل بعد .. فقد التزمت ايف بقرارها بعناد واصرت على الاستمرار بالعمل في المكتبة , ولو ان المصروف الذي عرضه عليها كايل , كان يفوق مرتبها بأضعاف .
خلال الاسابيع الخمسة الماضية , ازدادت معرفتها بكايل عمقاً .. فأعجبت بذكائه ومرحه , وكرمه وصبره , لا بل فوجئت بتلك الصفات . في ظروف اخرى , كانت لتؤكد انها معجبة به كثيراً .. لكن هذه ليست بظروف عادية .. فما زالت حلقة اساسية مفقودة .. وراحت تتسائل ماذا يخفي وراء القناع اللطيف المتمدن التي يبرزه لها , ولبقية العالم .. وماذا عن دوافعه ؟ وسرعان ما أنبها ضميرها لتلك الاسئلة المبالغ فيها , لا بل الظالمه لهما . ففي اعماقها , كانت تعرف انها تحاول ان تجد فيه عيباً كي تبرر مشاعرها الداخلية ..
" صباح الخير ايف .. كيف حالك اليوم ؟"
دفنت ايف افكارها السيئة وراء ابتسامة قصيرة مضيئة ,ردت بها على تحية كايل
"أوه .. انا بخير "
" هل انتِ مستعدة لنزهة في الطبيعة ؟ "
تمكنت اخيراً من تمتمة بضع كلمات وكأنها الموافقة .. لكن الحقيقة كانت غير ذلك
فمنذ وقف كايل عند باب الغرفة وهيناها لاتفارقان جسده الطويل الأسمر ,
لقد كان حقاً جذاباً بشكل قاتل !
واعترفت بهذا في سرها , وهي تعرف ان لا مجال للإنكار ,
فاي امرأة طبيعية تفخر بمرافقة هذا الرجل .
لكن ايف لم تكن بحاجه الى النساء لتثبت مشاعرها , فتذكرت كيف استجابت لكايل بسرعة .
وهي لم تنس طبعاً كيف كبح كايل غزله لها , فاقتصر على قبلات اعتيادية قصيرة نهاية كل زيارة .. ترى , هل كان يقصد ان يشعرها بالاحباط ؟
" حسن جداً .. احضري معطفك إذن , وسنخرج ."
عادت إيف إلى ارض الواقع , فمنحته ابتسامة قصيرة أخرى , وهي تتساءل كيف يمكنه ان يتحكم بصوته وتصرفاته , كي ينجح في اخفاء كل خيوط علاقتهما المعقدة خلف قناع من الاسترخاء السهل , بعيد كل البعد عن حالتها . ترى , أهذا هو مايحسه فعلاً ؟ لابد انه يشعر بشئ ما , وإن لم يكن يعاني من الكرب نفسه الذي يجتاحها .
" هل احضرتما سترتيكما .. أيتها المتوحشتين المرعبتين !"
اخترق صوت كايل افكرها وهو يخاطب التوأم بمداعبة مرحة . وعبثاً, راحت تجاهد لإظهار درجة من الحماس تتناسب وبهجة الفتاتين . ثم احضرت معطفها من المشجب في الردهة.
وظهر كايل الى جانبها :
" دعيني اقوم بهذا .."
تناول المعطف القصير العاجي اللون من يدها استعداداً لتدس ذراعيها فيه .
" شكراً .."
كان يمكن لأي شخص ان يظن ان الحركة الصغيرة التي بدرت عنها , تمثل جهداً عظيماً ... بعد لحظات , نظرت الى صورتها في المرآة بشئ من القلق .. لم يكن لتدفق اللون الى خديها , او لبريق عينيها , أي دخل بجهدها , بل لقربها من هذا الرجل .
بدا شعره الاسود وكأنه يلامس خصلاتها , فيما عيناه العميقتان تلتقيان بعينيها في المرآة .
بلطف وإثارة , لا مس القماش الصوفي على كتفيها , وازاح بنعومة خصلة على الياقة ..
وفجأة , أحست ايف بضربات قلبها تتسارع حتى تبلغ مسمع كايل , وانه يعي السرعة المضطربة لأنفاسها .
ما الذي يحدث لها بحق السماء ؟
وكأنها أعشاب جففتها حرارة الصيف .. لا تحتاج سوى لمسة من عود ثقاب لتشتعل . لم تفكر أنها قد تمسي يوماً ما على هذا النحو ...
لكن , كيف لها ان تعرف نفسها حقاً من دون ماضٍِ تتذكره ؟
شعرت ايف بالألم من نظرات كايل , عبر المرآة . وبجهد , دفعت عنها افكارها المضطربة , ثم ارسلت ابتسامة مضيئة لانعكاس عينيه في الزجاج .
" انا مستعدة ! هيا نذهب ! "
كان صوتها مرتفعاً جداً , وكأنه يفضح أمرها. وسرعان ماابتعدت عن كايل , مثلما يبتعد المرء عن نار اصبحت فجأة شديدة الحرارة .
نعم , هذا هو شعورها .. لكن , أحقاً تريد الذهاب في هذه الرحلة ؟
لكن التوأم كانتا تنتظران هذا اليوم على احر من الجمر منذ بداية الاسبوع.
إذن, من الأفضل لها ان تحافظ على رباطة جأشها وتجاهد لتتمتع باليوم الذي ينتظرها .
في النهاية , ألفت الراحة تتسلل اليها فعلاً .. أولاً.. كان التوأم في غاية السعادة لركوب سيارة كايل القوية اللماعة , فصرفت النظر عن التوتر الذي تحس به . وحين وصلوا إلى متحف التاريخ الطبيعي , كان قلقها قد خفّ بشكل كبير , بحيث انها كانت تلحق بالفتاتين من طابق إلى آخر بالحماسة ذاتها التي تظهرانها .. ولم تضعف سوى بعد ساعتين حين بدأ التعب يساورها .
قال كايل :
" فلنأخذ استراحة للقهوة .. وإلا لن نملك طاقة لزيارة " توساود" ".
وفيما هما في الطريق الى متحف الشمع , قالت له ايف :
" انت خبير في التعامل مع الأطفال .. يجب ان اعترف ان لااسئلة التي لاتتوقف تزعج احياناً .. على أن أعترف أنني متأثرة بتصرفك .. فهل تملك خبرة مع الأولاد ؟
وجه إليها نظرة جانبيه من عينيه البنيتين الداكنتين , قبل ان يرد ببطء:
" انا عمّ لابنة أخ في الرابعة من عمرها تمتلكني في لحظة .."
ظللت صوته آثار قاتمة لم تستطيع تفسيرها , فتلوت ايف بعصبية في استجابة غريزية
" واضح انك تحبها كثيراً "
" أجل "
كانت الكلمة الوحيدة جازمة إلى درجة الفظاظة .. ولم يكن ينظر اليها ,
بل كان يحدق في الفتاتين قرب تمثال شمعي لمايكل جاكسون .. وأحست إيف بإنطباع قوي انه لم يكن يراها فعلاً .
هل فتحت جروحاً أخرى ؟ يا إلهي ! ألهذا دخل بتحطم زواجهما ؟
" أكنت .. هل ترغب في الأولاد ؟"
مرة أخرى , اتجهت نحوها تلك العينان البنيتان , ثم سافرتا بعيداً مرة أخرى . رد بتوتر لم يبعث الراحة في إيف :
" لا أعتقد ان هذا سؤال مناسب في هذه المرحلة من علاقتنا "
لكنها أصرت :
" هل رغبت .. وهل تريد ... ؟ "
أحست وكأنها تسير في حقل الغام قد ينفجر في وجهها في أية لحظة :
" أعنى ... لوأننا .. "
وجف صوتا بألم حين استدار كايل ليواجهها
" إن كنتِ تقصدين هل أرغب في ولد منك .. فالرد نعم .. وهذا من أغلى الآماني على قلبي .. كان يجب ان تعرفي هذا .. اللعنة عليك ! "
أحست بالصدمة تخترقها .. وكأن كلمته كانت صفعات عنيفة حقيقية ..
ولم تستطع سوى ان تحدق فيه بذهول وكرب , بينما كان القناع المتمدن ينزلق عن وجهه , ليكشف عن دمار يخفيه .. طعنتها مشاعر كابل القوية كما نصل السكين المثلج ينغرز في القلب .
وبدافع غريزي امتدت يدها لتلامس ذراعه .. كان السكين في قلبها يتوغل عمقاً ,
فيما هو يصد نظرة التعاطف بحركة عنيفة غاضبة .
" ماذا قلت ؟ ماذا ... ؟ "
لكن السؤال لم يكتمل :
" كايل .. ايف .. تعالا لتنظرا .. "
أمسكت كارولين وكورتني ذراعيهما وقد اعمتهما الفرحة عن الجو المتوتر بين الراشدين .
" على المقعد الخشبي امرأة جالسة .. "
" لقد ظننا انها حقيقية وانها نامت .. "
" يجب ان تلقيا نظرة! "
وكما المذهولين يستيقظان ليجدا نفسيهما في شارع مزدحم ,
لم يكن امام كايل وايف أي خيار سوى الخضوع للتوأم , وإلقاء نظرة على تمثال الشمع الذي ابهجهما كثيراً ..
من تلك اللحظة انتفت أي فرصة لحديث جديد . باستثناء الكلمات التي يتبادلها أي راشدين مسؤولين عن فتاتين في العاشرة من عمرهما , تجرانهما من تمثال إلى آخر , مذهولتين بتمثايل البلاط الملكي , ومشاهير أهل السياسة والكتّاب , وأخيراً غرفة الرعب .
قالت ايف مصممة :
" لن أدخل الى هنا .. إذهبا ان اردتما .. لكن لا تلوماني لو داهمتكما كوابيس ليلية ".
قال كايل : " سأعتني بهما .. ولن نتصرف بسوء " .
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يخاطبها فيها مباشرةً . بإمكانها ان تثق به .
ثم تحركوا بعيداً , فيما كل من التوأم تمسك بيد كابل .. لزوجها هذا , غريزة رائعة نحو الأولاد .. أو على الأقل , التوأم .. لقد تصرف طيلة اليوم وكأنه العم او الخال المثالي ,
وقد امضت الفتاتان وقتاً ممتعاً .. لكن , بعد لحظة , تغير مزاجها حين تذكرت ردة فعل كابل على تعليقها منذ قليل .
لكن الذنب كان ذنبها .. فهو لاشك لم يكن مستعداً للحديث عن الأولاد , ولاتستطيع ان تلوم سوى نفسها على تفجر الامور في وجهها .
والمشكلة انها لا تعرف كيف تتصرف مع هذا الرجل .
صحيح انه زوجها قانوناً , إلا انه ما زال مجهولاً بالنسبة لها .....
لاشك في ان هذا الرجل يحتل مكاناً مهماً في حياتها .....
فهي تشعر بالراحة في رفقته , لا بل وتتمتع بوقتها احياناً , مثل هذا اليوم .... الى ان اشعل سؤالها الفظ ذلك الانفجار ,
لكن كايل , الزوج , الحبيب , مسألة مختلفة تماماً ,,,
ومع انها تعرف جيداً ان عليها التفكير بالحب في يوم ما , لكنها تبعد هذه المرحلة بانتظار ان تصبح اكثر قوة واستعداداً لمواجهة الوقائع .
اما الآن فقد اقتربت كثيراً من خرق الصمت الضمني الذي بنياه حول ذلك الموضوع ....منتديات ليلاس
اذن لماذا حولته فكرة انجاب الاولاد الى رجل حساس بهذا الشكل ؟؟
لقد اعلن كايل بصراحة صدمتها انه اراد طفلاً ...
أكان هذا سبباً لعزلتهما ؟ الم ترغب هي في ذلك ؟
انقطعت أفكار ايف المزعجة مع عودة التوأم ...
كانت كارولين تبدو شاحبة بينما كورتني تواصل رأيها بقوة أكبر ..
" كان هذا مقرفاً ."
قالت ايف وهي تعبث بشعر كارولين البني :
" حسن جداً ... لقد حذرتكما ."
" اتمنى لو بقيت معكِ ايف ."
ضمت ايف الفتاة وهي تواسيها :
" لم يكن هناك اناس حقيقيون حبيبتي ,, كلهم تماثيل شمع ...."
ولم تعرف لماذا رفعت نظرها في تلك الللحظة الى العينين السوداوين المتفرستين
فاستعادت الطريقة التي استدار فيها اليها منذ وقت قصير , ليبعث فيها حزناً وانزعاجاً ,,
فعادت تصب اهتمامها على التوأم هرباً من نظراته ..
قال كايل :
"والآن اعتقد ان الوقت حان لنعود الى المنزل ... اليس كذلك ؟
الوقت متأخر وامامنا مسافة طويلة حتى موقف السيارات ."
وجهت كورتني سؤالاً الى كايل :
" اوه ... هل يمكن ان نذهب بقطار النفق ..... "
اضافت التوأم الآخر :
" اوه .. ارجوك ,,, فلا تتاح لنا فرصة الركوب في القطار دائماً ."
قال كايل بكل استعداد :
" طبعاً نستطيع ... لكن عليكما قراءة الخريطة لتخبراني اي طريق نسلك لنصل الى هناك ."
ما ان اخذهما الى المحطة تحت الارض , حتى اخذت الفتاتان تتناقشان حول الطريق .
قالت ايف لكايل فيما الفتاتان تفرران :
" لقد تمتعتا فعلاً .... شكراً لك كثيراً ... مع اننا نسكن خارج لندن تماماً الا ان المال عادة قليل جدا و لا يسمح بكثير من الرحلات الى منتصف المدينة ....
لذا فرحلة بقطار الانفاق مغامرة جديدة .. لقد كان لليوم كله نكهة مميزة ."
رد بكل سهولة :
" كان هذا من دواعي سعادتي ..."
وبتشجيع من صوته الدافئ , تمسكت ايف بشجاعتها :
" كايل ... بالحديث عن كلامنا قبل وقت قصير ."
قاطعها بسرعة ..:
" لا .... يجب ان اعتذر ... لقد نسيت نفسي و بالغت في ردة فعلي ... انا آسف
ثم خاطب الفتاتين :
" هل أخذتما قراراً ؟".
وهكذا انتهى الحديث ... ما من مزيد يقال في هذا الموضوع .
حسن جدا ,
اذا كان هذا ما يريده , قلن تجادل ...
لكنها كانت تعرف في اعماقها ان القلق والاهتمام الذي أثاره كايل لن يزول بمجرد كلمات ....
كان القطار مزدحماً جداً ..
لذا كانوا محظوظين بالوقوع على مقاعد شاغرة ...
وابتسمت ايف بابتهاج لمراقبتهما تتحدثان بحرارة ... ثم استدارت متحمسة الى رفيقها .
لأول مرة كانت البهجة مرسمومة على وجهها بجلاء من دون اس احساس يردعها
" شكراً لكَ مرة أخرى على هذا اليوم !
لقد حولته الى يوم مميز للتوأم !!"
" لقد تمتعُ به كذلك .. واحببت رفقتهما , انهما فتاتان رائعتان ."
ولانت العينان البنيتان القاتمتان و امتلأتا دفئاً ...
أزال برودته السابقة ....
" ولقد تعلقتا بك ايضاً .."
ما ان تلفظت بالكلمات حتى ادركت خطأها ....
رد كايل بنعومة :
" ومااذا عنكِ يا ايف ؟ هل تتعلقين بي كذلك ؟".
باتت شفتا ايف جافتين , فبلتهما بتوتر , وفجأة اختفى صليل عجلات القطار وهو ينطلق في الظلام وضجيج بقية الركاب جولهما , كل هذا ضاع وامسى ضباباً كاذباً ....
" لستُ ادري ... احتاج الى المزيد من الوقت .."
" لم تحتاجي الى اي وقت حين التقينا اول مرة ."
لفحتها انفاس كايل في تذنها ...
" لم تترددي يومها .. واعرف انكِ تتذكرين هذا ..."
كان الاحتجاج حاداً وسريعاً :
" لا !! انا لا اتذكر شيئاً !!."
" لكن لاوعيكِ يتذكر ... اعرف .... لقد قرأته في كتابك .."
اغمضت ايف عينيها امام العر الذي اجتاحها ... بعد ذلك الحديث المتفجر الليلة الاولى التي جاء فيها الى المنزل ,
لم يعد كايل يذكر كتابها ...
لكنها كانت تعرف انه لم ينس .. ولا هي نسيت ,, كم من مرة اعادت قراءة ما كتب , وكم من مرة اشتعلت بشرتها وارتفع الدم الى وجنتيها ....
" كنت يومها شخصاً مختلفاً ,,, ولستُ ادري من انا الان . ما كتبته في الكتاب لا يبدو لي حقيقياً ...انا لا اشعر به ... وبكل تأكيد لا اشعر به نحوك !!."
هذا غير صحيح.... فأنبها ضميرها بحدة ...
عاطفياً كانت قسوتها جارحة لا تعرف ما تفكر او تشعر به ...
لكن جسدياً لم يكن لديها ادنى شك في استجابها لكل ما يشعله كايل فيها ,
لكنها لابد اوحت له بالعكس تماماً , ففجأة جف الدفئ في تعبير كايل , وقست عيناه لتصبحان شظيتين من الثلج الاسود ,
ثم تراجع في مقعده ينزوي عنها جسدياً وفكرياً , فأحست ايف وكأن باباً صفق في وجهها ...
سيطر التوتر على بقيه الرحلة الى المنزل , فامتنت ايف بعمق لوجود التوأم اللتين لم تدركا الصمت بين الراشدين ...
فتابعتا الحديث الهادر حول مباهج اليوم دون كابح فيما هي متصلبة في مقعدها ...
ما ان وصلوا الى المنزل حتى سارعت الفتاتان الى الداخل وهما تكطران والديهما بحديث مبهج , وكل واحدة منهما تنافس الاخرى للفت الاهتمام الى ان اسكتتهما دايان بنفاذ صبر .
" اصمتا لدقيقة واحدة ايتها المتوحشتان !
كايل ... يبدو انهما امضتا وقتاً رائعاً ...
كيف يمكن ان اشكرك ؟
الن تدخل لتشرب الشاي ؟".
هز كايل رأسه الاسود الشعر بحزم , وقال بغموض :
" لن اتجاوز مذة الترحيب بي ... لدي اعمال اقوم بها .... "
ولم يذكر زيارة اخرى .. ادركت ايف هذا وهو يستدير نحو سيارته وصدمها الالم و خيبة الامل اللذين تسببت بهما ..
وفيما هي تقاوم المشاعر المؤلمة التي ايقظها فيها رحيل كايل , استدار فجأة ليواجهها :
" سآخذكِ الى العشاء ليلة الغد ... كإحتفال مبكر لعيد ميلادك ... لقد وعدتكِ باصطحابكِ الى مكان مميز , سآتي لآخذكِ في الثامنة .."
" اذا شئت "
كان رها مريراً ,, في الواقع ليست هذه بدعوة ابداً ..
بل لكانه يأمرها ... مع ذلك , فقد راح قلبها يخفق استجابة لإعلانه المتحجر , فعرفت ان مثل هذه التفاصيل لا تهم ,
يكفي انه يرغب في رؤيتها مجدداً .
كانت تتوقع ان يكون اليوم التالي قاتماً وموحشاً ,
فإذا به فجأة مشرقاً وصافياً ,
وكأن الشمس اشرقت فجأة من خلف غيمة كثيفة سوداء .
وأكدت له :
" ساكون حاضرة ."
وفيما هي تراقب السيارة تبتعد راحت تتسائل ان كان سيعود ابداً لو لم يتذكر وعده لها ....
تكلكها الخوف في القطار , وخشيت ان تبعده كلماتها الى الابد لاسيما للألم العظم ا لذي كانت تحتويه ...
هل تحتاج فعلاً الى ذلك الوقت الذي اصرّت عليه ؟
اليس في الواقع انها على وشك خسارة قلبها لمصلحة كايل .؟
ام انها تقصد انها ستخسره مجدداً ؟
لن تستطيع ان تجد رداً بسهولة ..
لكن في اعماقها كانت تعرف ان الامر لا يهم في كلتا الحالتين ....
فهي ما زالت لا تتذكر كايل جنسن زوجاً .....
ولا تتذكر ما كانت عليه علاقتهما من قبل ,
لكنها تعرف انه لو خرج من حياتها الآن , فيحدث فجوة عميقة ضخمة , من المستحيل ردمها ...
6 الهدية المكسورة !!
عند تمام الساعة الثامنة في الليلة التالية ، نزلت ايف إلى الطابق السفلي وما أن رأتها كارولين حتى صرخت باهتياج :
(( واو 00ايف ! تبدين كعارضة أزياء ))
استدارت ايف على نفسها فوق الدرجة الأخيرة من السلم :
(( هل أعجبك ؟ ))
دخل جيم إلى باب غرفة الجلوس يستطلع صراخ ابنته ، وما إن رأى ايف حتى صفر لها إعجاباً 00وقال :
(( مثير 00للإعجاب 000تبدين مذهلة تماماً 00فتاة لعيد ميلاد ))
انحنت ايف بتحية سريعة : (( شكراً لك 00سيدي اللطيف ))
خرجت دايان من المطبخ لتقف إلى جانب ايف ن وهي تتفحص مظهرها برضا :
(( ألست مسرورة لأننا دفعناك لشراء هذا الفستان ؟!))
كانت ايف قد شاهدت الفستان في محل أزياء محلي وأحبته ، منذ أسابيع 00لكنه كان بعيداً عن متناول يدها وفق ميزانيتها المحدودة ، لكن منذ أسبوع ذكر كايل عشاء عيد ميلادها 00ولحسن الحظ 00اكتشفت أن الفستان لا يزال في المحل ، لا بل معروض للبيع بأسعار مخفضة 00وحين أعلن جيم ودايان أن فرق السعر سيكون هدية عيد ميلادها ، لم يعد من قرار آخر تتخذه 0
سألت :
(( ألا تعتقدين أنه رسمي جداً لمثل هذه الليلة ؟ ))
ولم يكن ما تعنيه حقاً 00
(( لا00لا اعتقد هذا ))
انبأتها لهجة صديقتها أنها تعرف ما تعنيه (( صدقيني حبي 00سوف تسلبين عقله ))
ولهذا السبب بالذات تراها تشعر بالقلق 0 اعترفت ايف بهذا لنفسها ، وهي تلقي نظرة شك أخرى على انعكاس صورتها في المرايا 0
هل تريد حقاً أن تحدث هذا التأثير على كايل ؟ هل تريده أن ينظر إليها كامرأة ؟ والأكثر من هذا 00كامرأة أنثوية مثيرة ؟
ارتجفت ايف مع قشعريرة إدراك تسللت إلى ظهرها 00فلو كانت وكايل ، رجل وزوجته فمن الواضح إذن ، أنهما تشاركا علاقة حميمة 000لكن المشكلة الآن أنها لا تتذكر أبداً مثل هذه التفاصيل الحميمة 00ولذا فهي بريئة ولو فكرياً على الأقل ، وانكمشت معدتها بعصبية 00لن تستطيع مواجهة كايل على هذا النحو ، يجب أن تغير ملابسها ، لكن في تلك االلحظة بالذات أنبأها إقفال باب السيارة في الشارع أن الوقت تأخر كثيراً 00وبع برهة ن تصاعد صوت كورتني عالياً حتى غلب رنين جرس الباب 00
((كايل هنا ))
بالرغم من الدفء الذي يغمر الغرفة ن أحست ايف برجفة برد 0إذن ، لقد جاء 0 راحت نبضاتها تتسارع فجأة فيما وجهها موشح بلون وردي ن فعرفت كم يعني لها وصوله ن ففي أسابيع قصيرة أصبح مهماً جداً في حياتها 00وفي هذه الأثناء ، قررت أن تشعره بترحيبها ، وتحاول أن تمحو كل التوتر الذي برز بينهما بالأمس 00وهكذا ، وضعت بتصميم ابتسامة على وجهها ، وفتحت الباب 0
أعلنت بخفة كانت بعيدة عن (( توقيت ممتاز ))الاحساس بها
كان الصمت الذي تلى تحيتها ، قصير جداً 00قصير إلى درجة أنا لو لم تكن متأثرة جداً بكل ما حولها ، لشكت في صمتها 0 أما كايل ، فبعد أن استعاد وعيه ، قدم لها باقة كبيرة من الورد : (( عيد ميلاد سعيد 00ولو قبل يومين 000))
((اوه 00كايل 00كم هي جميلة 00))
أفلتت صيحة ابتهاج بعفوية شكرت الله لأن صوتها يبدو طبيعيا أكثر من قبل ، كانت فعلا ممتنة للورود ، لا سيما أنها استخدت عطرها كعذر تخفي رأسها في جمالها العطر ، وتجنبت النظر إلى كايل 0
ولم يخف عليها في اللحظة التي فتحت فيها الباب ، التغير الذي مر على وجهه وأضاء عينيه ، وأحست في الممر بنظراته تتفرسها من رأسها الأشقر اللماع ، ثم تتحرك ببطء نزولاً على وجهها المتورد 0
ارتاحت ايف لاجتماع عائلة بينيت كلها لتحية كايل 000وإلا ، من يدري ماذا يمكن أن يحدث ؟ ففي اللحظة التي التقت فيها عيناعا بعيني كايل ، بدأت استجابة مشوقة تتفتح في اعماقها 0
قال :
(( أنا مسرور أنها اعجبتك 000))
بدا صوته خشناً وأجشاً 00وكأن أوتار صوته مجروحة 00كان يتكلم فيما عيناه متشابكتان بعينيها 00وما لبث خدا ايف أن تلونا بلون أحمر يشبه احمرار الورد 0
ارتفع صوت كارولين سخطاً وخيبة أمل ، ليكسر حدة الجو المشحون :
(( هه !! زهور !! كنت واثقة أنك ستهديها شيء مميزاً ))
وتبدد التوتر 00وتناهى إلى مسامعه ايف صوت كايل المرتجف يقول : (( أنا آسف لخيبة أملك كارو 000في المرة القادمة سأجيء بالألماس ))
وما لبث أن استعاد صوته ورباطة جأشه :
(( إضافة إلى هذا ، هذه هدية مبكرة 00وكما تعرفين يوم مولد ايف يوم الأربعاء ))
((إذن ، ستقدم لها هدية مناسبة يومها ؟ ))
(( سأفعل ))
أخيراً وجدت ايف القوة لترفع وجهها الحار عن درع العطر 0 فاتجهت نظرة نصف ضاحكة ، نصف مقيمة نحو خديها المحمرين ، ثم سأل كايل :
(( لو اشتريت الألماس لك ايف 00فهل تقبلين ؟ ))
كان سؤاله ينطوي على ما هو أكثر بكثير , فجأة احست كأنهما أصبحا وحدهما في الغرفة 00فأدركت أن خلف سؤاله مجموعة من التلميحات والمضاعفات 0
منتديات ليلاس
حثها كايل بصوت أجش ( ( ايف ؟ ))
لم تعرف كيف تجيبه ، كانت غرائزها البدائية تحثها على الاستجابة 00لكن هل تستطيع أن تثق بهذه المشاعر ؟ منذ ثوان مضت ، لأقدمت على ذلك دون تردد 00لكنها الآن ، ترددت لبرهة أطول بقليل 00وسمحت للمنطق أن يقاوم 0
وأخيراً تمتمت : (( اسألني هذا يوم الأربعاء ))
قرأت في عبوسه السريع أنه لم يكتف بردها 00لكنه لم يملك سوى أن يقبل 0 سيما و أن ايف في تلك اللحظة ، أشاحت بنظرها عنه ، واستدارت نحو المطبخ 0
(( سأضع الباقة في الماء 00))
وبينما هي تبحث عن مزهرية مناسبة ، قامت باستجماع أفكارها ، ثم نفضت عنها المزاج العاطفي الغريب ، الذي استبد بها منذ وصول كايل 0
لكن دايان اعترضت طريقها : (( اوه لا 000لن تفعلي هذا 00سأهتم بها 00اذهبي في طريقك 00وامضي وقت جميلاً ))
(( سأعود الساعة 00))
دفعتها صديقتها إلى الباب : ((اوه 00هيا أخرجي 00أنا لست والدتك ! وتعرفين أنك لن تستيقظي من النوم غداً في ساعة مبكرة 00فغداً يوم إجازة ))
تمتم كايل ، وهو يفتح لها باب السيارة : (( محاولة جيدة 00لكني لا أنقلب إلى ذئب مفترس عند منتصف الليل ))
بالرغم من صوته الناعم ، التقطت ايف الغضب الذي كان يتخلل كلماته 0
قالت : لم أكن اعني 000))
لكنه اقفل الباب في وجهها موقفاً محاولة التفسير 0
لعل هذا أفضل 00ودار كايل حول السيارة حتى وصل إلى مقعد السائق 00على أي حال ، لن تعرف السبيل إلى الشرح من دون الخوض في دوامة من التعقيدات لم تكن مستعدة للتعامل معها 0
وماذا يمكن أن تقول ؟ أشعر بالقلق من قضاء أمسية معك . و أنا لا أثق في نفسي ؟ ستكون هذه هي الحقيقة على الأقل ، و أصابها التوتر لمجرد التفكير باستجابة كايل لكلامها 0
سألت بارتباك وهي تريد أن تكسر الصمت المزعج : (( إلى أين نحن ذ ذاهبان ))
بدا وجه كابل في نور المساء ، مشبوبا ً بالظلال 0 وسرعان ما القى عليها نظرة جانبية سريعة قبل أن يرد : (( إلى مكان أعرفه 00هادئ جداً 00وخاص جداً ))
(( إذن ، هل يسمحون لك بالدخول ؟ ))
وأشارت إلى قميصه ياقة الأخضر المفتوحة 00ثم تمنت على الفور على الفور لو أنها لم تفعل ، إذ وقع نظرها على عنه الطويل وصدره المكشوف تحت النور ، وأحست فجأة بحرارة حارقة ن وكأنها أسير حمى مشتعلة 0
وفيما كان كايل (( من دون ربطة عنق 00))يعبس بسؤال صامت ن أكملت بصعوبة
(( أوه 00هذا ))
لسبب ما ، بدا أنه يتسلى بتوترها والتوى فمه عند الزاوية 0
((لا 00ما من مشكلة 00فأنا معروف هناك ))
فيما بعد ، أخذت ايف تفكر بسذاجتها وقلة درايتها 00لكنها لم تشك ، ولو للحظة واحدة ، بما كان يجول في ذهنه 00لقد صدقت أنهما يتجهان إلى قلب لندن ، نحو مطعم فخم غالي الثمن ، وحين تابع كايل القيادة دون توقف ، نظرت حولها بمزيج من الدهشة والخوف ، فجأة وصلت السيارة إلى منحدر ، ثم توقف في مرآب للسيارات تحت الأرض
خرجا من السيارة ن وقادها كايل إلى مصعد قريب ن فسألته مترددة (( أين نحن ؟ هل المسافة بعيدة إلى المطعم ؟ ))
ضغط كايل زر المصعد لينطلق بسرعة إلى الأعلى : (( أبداً 00كما قلت لك أريد أن آخذك إلى مكان مميز ، حيث لا يزعجنا أحد ))
أنهى كلامه مع توقف المصعد ، وفجأة انفتحت الأبواب 0 خطت ايف نحو ر
ردهة رخامية ، ونظرت حولها بشيء من الارتباك ، ثم حل عليها الإدراك أخيراً حين أخرج كايل مفتاحاً من جيبه ودسه بالباب المقابل 0
أعلنت بسخرية لاذعة : (( مكان تعرفه !1))
لا عجب أنه لم يبالي بثيابه العادية 0
(( مكان هادئ وخصوصي ! ))
هز كايل كتفه دون اكتراث لسخطها ، ثم فتح الباب ، وتراجع إلى الوراء ليتركها تتقدمه إلى الغرفة 0
للحظة ، استشاطت غضباً للطريقة التي خدعها بها ، وودت لو تبدي عنادها ، وتدق كعبيها بالأرض ، ثم ترفض أن تتحرك 00لكن الفضول تغلب على غضبها ، فخطت إلى الأمام نحو غرفة جلوس ضخمة 0
على عكس الظلام الذي ساد في الخارج ، كانت الأنوار والألوان أول ما وقع نظرها عليه 00بين الوهج الساحر للخشب المصقول ، واللون الأخضر والأزرق الذي يشع من الأثاث الناعم ، والسجاد المتألق كالجوهر، أحست ايف بالدهشة ، فلم تتوقع أن هذا المنزل مسكن مؤقت لرجل أعمال أمريكي 0 في الحقيقة ، كان للغرفة إحساس دافئ ساكن ، خال من أي انطباع عصري 0
راقبها كايل بصمت ، وهي تتطلع حولها ، من دون أن يعلق كانت تعرف أن عينيه لم تفارق وجهها 0
سألها أخيراً وقد انتهت من تفحص المكان : (( هل أعجبك ؟ ))
ردت بحماس حقيقي (( إنه جميل ! ))
وفيما هي تدير وجهها إليه ، اضطربت أفكارها بقلق 0
قال كايل :
(( غرفة الطعام من هنا 000))
لو أنه لاحظ تغيير مزاجها 00إلا أنه مضى يفتح باباً يكشف عن غرفة أخرى أصغر حجماً ، مزينة بألوان فاتحة كتلك التي استخدمت في غرفة الجلوس 00وفي وسطها طاولة معدة سلفاً ، بأدوات فضية لامعة ، وكريستال رائع ، مع شمعدان وزهور 00
قال لايف : (( لم أعد الطاولة 000ولا الوجبة كذلك 00أعرف كيف أطهو ، لكن ليس بالمستوى المطلوب لهذه الليلة 00لذا طلبت من مطعم أن يوفر لي كل التحضيرات 00كل ما علي أن أفعله هو تسخين الحساء ، ومراقبة جهاز التوقيت 00مما يذكرني 000))
رفع كمه للوراء ، ونظر إلى الساعة الذهبية الرقيقة في معصمه :
(( أمامنا حوالي العشرين دقيقة 00لذا دعيني آخذ سترتك ، حتى تتمكني من الاسترخاء ، هل ترغبين في شراب معين فيما أنت تنتظرين ؟ ))
قاومت لتخفي توترها : (( بكل سرور ))
وبسرعة خلعت سترتها وأعطتها له من بعيد ، وهي خائفة من ردة فعلها 00
((مياة غازية أرجوك 00))
((لم لا تجلسين 00سأحضر الشراب )9
حين عاد كانت تجلس في المقعد الذي أشار إليه 00بدت متصلبة وقد اختارت الجلوس على حافته ن فيما الانزعاج ظاهر على وجهها 0
سأل بحدة :
((ما الأمر ؟ هاك 000ربما هذا يساعدك ))
أخذت ايف الكأس ، واحتست جرعة من المياه الفوراة ، فاستجمعت شجاعتها بحيث وجدت القوة الداخلية لتستدير إلى كايل وتواجه نظرته المتفحصة 0
سألت :
(( وهل من المفترض أن أعرف هذا المكان ؟ أهو واحد آخر من مخططاتك لشفائي ؟ إذا كان الأمر هكذا ، فإنك لم تنجح 000أنا لا أذكر هذه الشقة أبداً ))
رد بنعومة وهو يتهالك على مقعد مقابل :
(( لا 00لم تكن هذه هي فكرتي أبداً 00ولو كانت فعلاً ، لما جئت بك إلى هنا ، 00فأنت لم تري هذا المكان من قبل ))
((لم أره ؟ ))
لم تستطع إخفاء دهشتها 0
التوى فمه بسخرية (( لا 00لقد بعت المكان القديم منذ سنة 00كان جوه 00لا يعجبني 000))
جو مشحون بالذكريات لا يريدها 0 حاولت ايف أن تستند إلى الوراء براحة أكبر ، لكنها لم تستطع أن تسترخي جيداً ، ومع أن كايل نفى ظنونها السابقة ، إلا أنها ظلت تفكر أنه ما أحضرها إلى هنا ،ن إلا لسبب خاص يفكر به 0
قال كايل :
(( كنت أتسأل عن أمر 000))
ضربت لهجته العفوية على أعصاب ايف المتوترة 0
سألت متصلبة : (( وما هو ؟ ))
لكنها ندمت على سؤالها حين رأت ابتسامته الساخرة 0
(( ألا زلت ترين خطراً في كل ما أفعله ؟!! حقاً حبية قلبي 000سالهذا العقل الصغير المرتاب الذي تمتلكينه ))
ردت ايف بحدة ن وقد آلمها وصفها بالعقل الصغير :
(( قد أكون تسرعت ببعض الأمور في لقائنا الأول 000لكن الأمور مختلفة تماماً الآن 00وأنا مختلفة ))
عبست بشدة حين ارتفع حاجبه الأسود ، وكأنه يسألها كيف عرفت هذا 0 سألت :
((إذن ، ماذا تريد أن تعرف ؟ ))
(( كنت أتسأل فقط 000هل تريدين مني أن أتصل ببعض أصدقائنا القدامى 00أناس من 00))
(( من الماضي تعني ؟ لا 00لا أعتقد هذا لكن شكراً للعرض ))
(( لكن ألا تظنين 000))
قالت بحدة :
(( كايل 00أرجوك لا تفعل 00بات كل شيء أكثر صعوبة مما تصورت يوماً 0 صعب علي أن أتقبل أنك تعرفني جيداً ، في حين لا أستطيع تذكر شيء عنك ، فكيف إذا واجهت أي مخلوق آخر في الوقت الحاضر ؟ ))
(( لكن ألا يساعدك لقاء شخص آخر 00ألن يحث ذاكرتك ، مثلاً ؟ ))
(( لاأظن ذلك ، على أي حال إذا كنت لا أستطيع أن أتذكر زوجي 00فكيف لي أن أتذكر إنسان آخر ؟!! قد أخبرتني أن أعز صديقة لي ، سوزان قد هاجرت إلى نيوزيلندة ))
حين أخبرها كايل أن سوزان ، التي شاركتها شقة صغيرة قبل أن تلتقي به ، لم تعد تعيش في انكلترا ، أصيبت ايف بصدمة 000فقد كانت تأمل أن يدور حديث بين امرأة وصديقتها ، ليطيعها نظرة داخلية على العلاقة التي تربطها برجل يدعي أنه زوجها 0
(( دع عنك الأمر أرجوك ، فأمامي ما يكفي لمواجهته الآن 00))
ظنت ايف أن كايل سيجادلها أكثر ، لكنه هز رأسه بصمت ثم توقف 0
(( هل تحتاج أية مساعدة ؟ ))
هز رأسه (( أعتقد أنني أستطيع تدبر الأمور ، وأن أسخن الحساء بنفسي ))
مع ذلك ، تقدمت ايف نحو المطبخ خلفه ، ثم راحت تتفحص خشب السنديان المتناسق برضا وإعجاب 0
(( المكان لطيف 00وعملي 00لكنه ليس فعال 00هل كنا نقيم حفلات كثيرة حين كنا متزوجين ؟ ))
والتقطت جزر من قصة سلطة محضرة وقضمتها 0
عبس كايل لاستخدامها صيغة الماضي ، لكنه أجاب وعيناه على وعاء الحساء الذي يحركه :
(( كنا نقيم دائماً حفلات عمل 000لكن مع الأصدقاء ، كان الأمر أكثر عفوية ، ولو أننا بالطبع ، كنا نرغب في قضاء الكثير من الوقت وحدنا 0
التفتت العينان الأبنوسيتان إلى وجه ايف بنظرة مؤثرة ، بحيث كادت ايف تختنق بالجزر الذي تأكله 0
سألت ، وهي تهدف أن تتلهى عن أفكارها 00وأفكاره :
(( ماذا سنتناول كطعام ؟ )9
(( حساء البقلة المائية ، سلمون وتوت العليق ))
هذا هو طعامها المفضل ، إذن ؟ لقد خطط للوجبة بحذر شديد 0 ومدت يدها اليسرى لتأخذ قطعة جزر أخرى 00فجأة تسمرت في مكانها وهي ترى أصبعها خالياً من أي خاتم ؟ فخطرت لها فكرة جديدة 0
(( أين هو خاتم الزواج ؟ ))
جمدت يد كايل وهي تمسك الملعقة الخشبية 000وأحست ايف بالتوتر يتصاعد في جسمه الطويل ، ويشد كل عضلة منه 00وفجأة أخذ الحساء يغلي ن فأطفأ النار ، ليتحرك ويصبه في قصعة محضرة 0
بعد أن أكمل مهمته ، تمتم بنبرة ناعمة تخالف ردة فعله الأولى ، فيما لا يزال يدير ظهره :
(( إنه معي ))
- معك ؟ لماذا ؟ وهل تركته هو الآخر ؟))
تمنت لو يستدير 00كان من الصعب جداً أن تتكلم معه وهي لا تستطيع أن ترى وجهه0
وضع القصعة على الصينية ن وهو يركز على عمله 00ثم قال :
(( لم ترتديه لبعض الوقت 00فهو لم يكن يناسب مقاس أصبعك تماماً ))
ثار فضول ايف :
(( لم يكن يناسبه ؟ كيف هذا ؟ ))
أخيراً استدار كايل ليواجهها ، لكن تعابير وجهه بدت حيادية 000
(( لقد سمنت قليلاً 00تعالي تناولي هذا ، فيما هو ساخن ))
حمل الصينية إلى غرفة الطعام وهو يتكلم ، من دون أن يترك لايف أي خيار سوى أن تلحق به ن لو أن وزنها ازداد هكذا ، فلا بد أنها خسرته مرة أخرى عنما وجدت نفسها في المقهى !!
سألها كايل فجأة فيما هي تتقدم إلى جانبه :
(( لماذا تسألين عن الخاتم ؟ هل تريدين استرجاعه ؟))
لم تستطع ايف التفكير بالجواب ، لم تكن المسألة مسألة خات ن وهي تعرف هذا 00
سألت مترددة (( وهل تريدني 00أن استرجعه ؟ ))
(( ياله من سؤال غبي !!))
وصفق كايل الصينية فوق الطاولة ، غير مهتم بالحساء فوق حافة القصعة ، ثم استدار إليها ونيران الغضب تشتعل في عينيه 0
كانت كل كلمة تطعنها كخنجر حاد :
(( وماذا تظنين أنك تفعلين هنا ؟ لماذا تظنين أنني جئت أبحث عنك أصلا ؟ لو لم أكن أريدك ، لتركتك ، ولسعدت برحيلك 00لكنني لم أفعل بل أمضيت الأسابيع الأخيرة أحاول استعادتك إلى حياتي 000))
(( لكن لماذا ؟ لماذا تريدني ان أعود ؟ ))
تراجع رأس كايل بحدة إلى الوراء ، وبدت عيناه عميقتين فارغتين بشكل غريب ، فاضطربت ايف حين أدركت أنه مرتبك للمرة الأولى 0
أخيراً قال : (( أنت زوجتي !!))
ردت ساخطة : (( زوجتك ؟ ومن تظن نفسك ؟ أنت لا تمتلكني 00أنا لست عبده !! ))
كان صوتها مرتجفاً دون أدنى شك ، وراحت تكافح لتخفي ردة فعل أكثر غموضاً 00فمع أنها تستنكر بغضب لهجة التملك في كلماته القاسية (( أنت زوجتي )) إلا أنها لا تستطيع أن تنكر الصدمة الكهربائية العنيفة التي سرت في جسمها ما إن أعلن هذا الرجل القوي أنه مصمم على المطالبة بها كزوجة له 0
(( لقد رأيت الوثيقة ))
اشتعلت عينا ايف بنار زرقاء ، فوق خدين أحمرين :
(( لقد ناقشنا هذا من قبل 00قطعة ورق لا تعني شيئاً من دون الالتزام العاطفي )
سألها بنعومة خطيرة : (( وأنت تظنين أن لا وجود لتورط عاطفي ؟ ))
لكن ايف لم تنتبه إلى الإنذار الذي لمحت إليه لهجته الناعمة المنذرة بالشر :
(( أنا لم أر أي شيء منه ! ))
وأحست أن بدنها يقشعر تحت تأثير لمساته 0
((إذن 00هذا ما تريدينه 00))
وتحرك نحوها ، ثم رفع يده إلى خدها ، خفيفة كلمة خيوط العنكبوت على وجهها ، وتمتم :
((أوه ايف 000أنت عمياء جداً 000لا تستطيعين رؤية ما يواجهك 000أيعقل أن تسأليني لماذا أريد عودتك ؟!! لكنك تعرفين الرد ، لقد قلت لك 00))
((لا 00لم تقل شيئاً 000))
(( أوه ايف 000لكنني قلت 00ليس حرفياً ربما 000لكن أردتك أن تعودي 000نحن رائعان معاً 00أنا وأنا زوجان سعيدان 000وما كان يجب أن نفترق ))
لكنه كان لا يزال يفي أشياء وأشياء ملحة ، فأحست ايف معها وكأن روحها تكاد تخرج من جسدها قال : (( دعيني أعلمك ايف كيف كنا 000وكيف يمكن أن نكون مجدداً ))
وفجأة أفاقت ايف من سباتها 0
لم يعد يهمها إن كانا متزوجين أو عاشا معاص لمدة ثلاث سنوات 000بدا الأمر بالنسبة لها ، وكأن شيئاً لم يكن 00كانت تحس وكأنها بريئة خائفة 0
(( لا 000))
أفلتت منها الهمسة الضعيفة ، كخيط رفيع 00لكن كايل التقطها وتصلب على الفور
سألها بنعومة : ( لا ؟ ))
لم تعرف أش إشارة ظهرت على وجهها ، لكن طغى على وجه كايل لون أسود ، وانعكس في عينيه لمعان محموم 0
قال بلهجة مختلفة : (( أوه 00لا ايف 000لقد فات الأوان لتغيري رأيك الآن 000لقد فات الأوان كثيراً 000))
( فات الوقت كثيراً 000)9ثم تمتم مرة أخرى
رفع رأسه ينظر إلى عينيها البنفسجيتين الواسعتين :
(( هكذا يجب أن نكون00ايف ! هكذا كنا ، وهكذا سنكون مجدداً 00وليذهب إلى 000الماضي 00من يدري ؟ ربما سينجح هذا حين لم ينجح أي شيء آخر ))
لكن ايف كانت قد تجاوزت مرحلة التركيز على كلامه 00أرادته أن يصمت 0
كانت عيناه تلمعان وهو يراقبها 00فأغمضت عيناها 000وفضلت أن تركز على مشاعرها 0
قال لها بصوت خشن :
(( لقد انتظرت طويلاً لهذا 00! طويلاً جداً 000و 000أوه 00أيف لا أستطيع الانتظار أكثر من هذا !!))
همست : (( إذن 000لا تنتظر ! أرجوك كايل 0000لا تنتظر 000)) عادت إلى وعيها ببطء شديد 0 وسكنت في حالة سبات ، وهي غير قادرة على الحركة أو التفكير 0 إلى جانبها تناهت إليها أنفاس كايل ، فأدارت رأسها نحوه لتراه مسترخياً 0
قال :
(( لعلك تتذكرين الآن ؟ ))
وفجأة رن صوته في نفسها حتى قطع مزاجها الحساس ، كما يقطع نصل السكين في الحرير 0
سألت هامسة :
(( ماذا تعني ؟ ))
وسمعت ضحكته المنخفضة :
(( أوه 00ايف 00حبيبة قلبي 00تعرفين تماماً ما أعني 00سألتك وطلبت منك أن تتذكري 00وتكسري الجدار الذي بنيته حول نفسك ، وتستيقظي من حالة ( الجمال النائم ) الذي كنت فيه منذ سنتين ))
(( تحاول أن تذكرني !1))
تصلبت ايف مصعوقة برعب ، وقد تدمر مزاجها المتكاسل تماماً 00وبات وجهها أصفر كوجه الأموات ، وأضرمت عيناها الزرقاوان بلون البانسيه الداكن ، كرباً 00وراحت تستعيد مجدداً كلمات كايل :
((00من يدري ؟ ربما سينجح هذا حين لم ينجح أي شيء آخر ))
تمسك الآلم بحنجرة ايف 000حتى كاد يخنقها فاضطرت إلى اخراج الكلمات بالقوة 0
(( كانت هذه تجربة !! هذا ما كان يشغل تفكيرك طوال الوقت 00بل لهذا جئت بي إلى هنا ؟!! إلى مكان لا يزعجنا فيه أحد ! كيف تمكنت من هذا ؟))
بدا القرف في صوتها 0 لكن كايل رد بلا مبالاة باردة :
(( كان هذا يستحق التجربة 000لا شيء غيره نجح ))
(( يستحق 000))
وخذلها صوتها 00فيما عيناها تحترقان بالدموع 00دونما رحمة ، أخمدت الدموع في مهدها وهي تصمم ألا تدع كايل يرى الجرح الرهيب 0
سألها كايل :
(( ماذا تفعلين ؟ !))
(( وماذا يبدو لك أنني أفعل ؟ أنا راحلة ، لا أطيق أن أبقى معك لحظة أطول ))
قال بسخرية :
(( حسن جداً 00نحن نبالغ في ردة فعلنا 00أليس كذلك؟ ))
فما كان منها إلا أن شدت أسنانها لتمنع رغبة متوحشة في ضربه 00
(( ايف 00لقد كنا معاً 000))
لكنها لم تستطع أن تتركه يكمل جملته بل ارتفع صوتها بحدة :
(( كنا معاً ؟ هذه تجربة بدم بارد 000))
(( حسناً جداً 00يبدو أنني أضعت جهودي سدى 00لم أنجح 00))
فجأة ابتسم بشكل صارم 00ولف عيناه لمعان مثير 00
(( لعلنا نحاول مرة أخرى ))
لم تستطع ايف أن تصدق قوله :
(( أبداً ))
أي نوع من الحيوانات هو ؟
(( لم تنجح 000لقد مررت بتجربة مهينة ، للاشيء !))
أكملت صائحة :
(( لكنها لن تتكرر ثانية !! أبداً 00هل تسمع ؟ ))
وأسرعت ايف إلى الباب ، ثم استدارت في اللحظة الأخيرة لترمي كلمات الوداع في وجهه البارد :
(( لكنني سأقول لك شيء 00سيد كايل جنسن 00إذا كان هذا النوع هو الزواج الذي كنته 00إذن لا يدهشني أنني تركتك !! ))
ومن دون أن تجرء على النظر إليه مرة أخرى ، ركضت تخرج من الغرفة وهي لا تفكر سوى بالخروج من الشقة ، لتختبئ في مكان مظلم حيث تستطيع أن تداوي جروحها بسلام0