لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com





قديم 03-11-08, 08:34 PM   المشاركة رقم: 11
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو راقي


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66537
المشاركات: 740
الجنس ذكر
معدل التقييم: amedo_dolaviga عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 53

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
amedo_dolaviga غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : amedo_dolaviga المنتدى : المخابرات والجاسوسية
افتراضي

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محبة القراءة دائما مشاهدة المشاركة
   روعة جداااااااااا يا اميدو متابعة بحماس على فترات ان شاء الله كل ما اقدر ادخل المنتدى بجد شكرا اوى اوى اوى على الحلقات اللى بجد فى منتهى الروعة

شكرا يا غادة على مرورك الرائع

وربنا معاكي يارب ويوفقك في دراستك
ويارب دايما تفضلي في المنتدى

 
 

 

عرض البوم صور amedo_dolaviga   رد مع اقتباس
قديم 03-11-08, 08:42 PM   المشاركة رقم: 12
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو راقي


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66537
المشاركات: 740
الجنس ذكر
معدل التقييم: amedo_dolaviga عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 53

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
amedo_dolaviga غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : amedo_dolaviga المنتدى : المخابرات والجاسوسية
افتراضي

 

4 - وطننا عيوننا..


* عبر تاريخ الحروب السرية كله لم تخْلُ عملية منظمة واحدة من الخطر.. ومن الخطأ أيضاً..

وكلما تعدَّدت العمليات وتكرَّرت، وازدادت صعوبة وتعقيداً تضاعفت احتمالات الخطر أكثر وأكثر، وتضاعفت معها احتمالات حدوث الأخطاء غير المقصودة..

وفي عمليتنا هذه، أتى الخطأ على شكل انفجار..

ولا أحد يمكنه الجزم حتى هذه اللحظة بطبيعة الخطأ الذي أدّى إلى انفجار القنبلة قبل الموعد المحدَّد لها، فربما يكمن في تركيبها، أو مكوناتها، أو في التعامل معها أثناء محاولة تمويهها..

المهم أنها قد انفجرت في وجوه منفذي العملية الثلاثة: (فضل)، و(حجاج)، (وعادل) في منزل هذا الأخير..

ويروي (فضل) ذكرياته عن هذا الموقف الرهيب، فيقول: "إنه قد استعاد وعيه في مستشفى (العريش) العام، قبل أن يتم نقله إلى مستشفى (دار الشفاء) في (غزة)، حيث أجريت له الإسعافات الأوَّلية، ووضع تحت حراسة مشدَّدة من القوات الإسرائيلية، ومُنِعَ اتصاله بأي مخلوق في ظلّ تلك الحراسة..


كانت عيناه مغطّاتان بالضمادات، وآلام رهيبة تنتشر فيهما، على الرغم من الأدوية والمسكنات، إلا أن كل ما كان يشغل باله هو مصير زميليه (محمد حجاج) و(عادل الفار)..

كان يتمنى من كل قلبه أن يكونا قد نجيا من الانفجار، حتى ولو تم وضعهما تحت حراسة إسرائيلية مشدَّدة مثله..

وهذا ما أخبره به القائمون على التحقيق بالفعل.
.
لقد أخبروه أن زميليه يعالجان في حجرتين أخريين بالمستشفى نفسه، وأن أحدهما، وهو (عادل الفار) بالتحديد، قد أدلى باعترافات تفصيلية، اتهمه فيها هو و(حجاج)، بالاشتراك معه في إعداد القنبلة؛ تمهيداً للقيام بهجمة فدائية على هدف ما..

ولقد أبدى (فضل) دهشته من هذا القول، وأصر على أنه لا يعرف شيئاً عما قاله (عادل)، وأنكر، بل واستنكر تماماً كل الاتهامات المنسوبة إليه.. في الوقت نفسه، كان قائد المجموعة (عبد الحميد الخليلي) يسعى بكل طاقته؛ لإيجاد وسيلة للاتصال بالمناضل (فضل) في محبسه بالمستشفى في أسرع وقت ممكن؛ لإبلاغه بخبر بالغ الأهمية والخطورة..

لقد استشهد (عادل محمد الفار) في الثامن عشر من مايو عام 1972م، وهو تاريخ الليلة التي انفجرت فيها القنبلة في وجوههم..

ويقول (عبد الحميد) عن هذا الموقف: "سقوط الثلاثة كان يعني أن المجموعة قد فقدت خمسين في المائة من طاقتها البشرية دفعة واحدة، وكنت واثقاً من أن الإسرائيليين سيحاولون إيهام (فضل) و(حجاج) بأن (عادل) ما زال على قيد الحياة، حتى يستدرجوهما للبوح بما لديهما من أسرار، لذا كان من المحتّم أن يعرف (فضل) و(حجاج) باستشهاد (عادل)، حتى يمكنهما السيطرة على مجريات التحقيق، وإلقاء التهمة كلها على (عادل)؛ باعتبار أن الانفجار قد حدث في منزله، وبحجة أن كليهما لا يعلم شيئاً عن الأمر.. كانت هذه هي الوسيلة الوحيدة لتجاوز الأمر دون أن ينهار التنظيم كله"..

ومن الواضح أن (عبد الحميد) قد بذل مع زميليه (سعد) و(رشاد) جهداً مضنياً بحق؛ إذ إنهم قد نجحوا في النهاية في توصيل المعلومة إلى (فضل) في الوقت المناسب تماماً..

وعلى الرغم من حزنه العميق على استشهاد زميل كفاحه، إلا أن (فضل) كتم دموعه في أعماقه، وفي عينيه المصابتين، وواصل تظاهره بأنه لا يعلم شيئاً عن مصرع (عادل الفار)، ثم راح ينسج القصة في حزم وإصرار، ويطلب مواجهته بالشهيد (عادل) نفسه؛ ليؤكِّد قصته..

ومن ناحيته نجح (فضل) في إبلاغ (حجاج) باستشهاد (عادل) من خلال طبيب تخدير في مستشفى (غزة) يعرفه معرفة قديمة مسبقة، ويثق به ثقة كبيرة..

وعن طريق ذلك الطبيب علم (حجاج) بالأمر، واتفق مع (فضل) على قصة ثابتة، يواجهان بها المحققين بمنتهى الحزم والإصرار..
قصة تقول: إن (حجاج) قد التقى بزميله (فضل) و(عادل) اللذين التقيا مصادفة، قبل هذا بنصف الساعة فحسب، وأصرّ (عادل) على استضافتهما في منزله، وعندما استقر بهما المقام هناك كان (عادل) يحمل لفة ما يجهلان محتواها تماماً، وأن هذه اللفة قد انفجرت فجأة، فأصابهما ما أصابهما..

وواصل الاثنان ترديد قصمتهما تلك طوال الوقت، وأكَّدا أن (عادل) هو المسئول عما حدث، باعتبار أنهما كانا في منزله، وأصرَّا على مواجهته؛ لتأكيد قصتهما، مما أوقع المحققين في حيرة شديدة، خاصة وهم يعلمون أن المواجهة مستحيلة، ويجهلون تماماً أن الاثنين على علم باستشهاد (عادل الفار)..

وعندما ضاق الأمر بالمحققين، بدءوا في استخدام سلاح حقير قذر..

عيون البطلين..

لقد أخبروهما بأن بصرهما سيضيع إلى الأبد، ما لم تنَل عيونهما العلاج المناسب في الوقت المناسب..

وكان ثمن تلقى العلاج، وإنقاذ البصر والعيون، هو الاعتراف بالطبع.. الاعتراف الشامل الكامل، الكفيل بإيقاع باقي أفراد المجموعة، وحرمان الوطن من خدماتهم، في تلك المرحلة الحرجة..

وكجزء من الضغوط الحقيرة، تم نقلهما من المستشفى إلى سجن الرملة، وحالتهم تسوء كل يوم.. بل كل ساعة، والضغط يتواصل.. ويتواصل.. ويتواصل..

وحضر إلى السجن بعض الأطباء، الذين ادعوا أنهم من كبار الإخصائيين، في هذا المجال، وأكَّدوا أن العلاج ممكن، وعودة الإبصار ممكنة، بشرط أن يعترفا..

وكان على (فضل) و(حجاج) أن يختارا..

ويا له من اختيار!!..

عيونهما وإبصارهما مقابل خيانة الوطن، أو ظلام أبدي لا ينتهي ثمناً للإخلاص والوفاء..

ودون أن يلتقيا، اتخذ البطلان قراراً واحداً..

قرار لا يمكن أن يتخذه سوى أبطال حقيقيين..

قرار يقول: لن نشتري عيوننا بخيانة الوطن..

وطننا عيوننا، ولن نبصر سواه ما حيينا..

ومع مرور الوقت، وبعد ستة أشهر، لم يتلقيا خلالها سوى بعض العلاج الموضعي من مراهم الكورتيزون -بناءً على أوامر المخابرات الإسرائيلية- تم الإفراج عن (فضل) و(حجاج) صحياً؛ لعدم ثبوت أية اتهامات عليهما..

وامتزجت فرحة باقي أفراد المجموعة بالكثير من الحذر والقلق..
الحذر؛ لأنهم يعلمون أن الإفراج في واقعة مجرَّد خدعة، لمراقبة الرجلين، وتحديد صداقاتهما واتصالاتهما، كوسيلة للإيقاع بالباقين.. والقلق العارم على مصير عيونهما، التي عانت الكثير والكثير، في ظلّ احتلال بغيض..


في تلك الفترة كان أفراد المجموعة يتعرضون لضغوط عنيفة، واستدعاءات وتحقيقات مستمرة، من قبل المخابرات الإسرائيلية، ولكنهم صمدوا، وثابروا، وصبروا حتى أن العدو لم يجد لمحة واحدة تدينهم..

وعلى الرغم من تلك الضغوط، ومن حصار العدو المستمر لهم، كان من المحتم أن يتواصل عمل المجموعة؛ للتغطية على المعتقلين، وتخفيفاً للضغوط العنيفة عليهما، لذا فقد تواصل إصدار المنشورات، والقيام بعمليات ضد أهداف العدو، في نفس الوقت الذي تم فيه ترتيب زيارة عاجلة لقائد المجموعة (عبد الحميد الخليلي) إلى (القاهرة)..

وهناك في (القاهرة)، وفي دفء جهاز المخابرات الحربية، قدَّم (عبد الحميد) تقريره عما حدث، وأوضح موقف المجموعة، بعد خسارة ثلاثة من أفضل عناصرها، قبل أن يتم اتخاذ قرار عاجل وهام للغاية..

ضرورة إحضار (فضل) و(حجاج) إلى (القاهرة)، بأقصى سرعة ممكنة، لعرضهما على كبار الإخصائيين، وبذل كافة الجهود لعلاجهما وإنقاذ بصرهما..

وعلى الرغم من صعوبة نقل رجلين، تحت مراقبة المخابرات الإسرائيلية مباشرة، إلا أن المخابرات الحربية المصرية أدارت اللعبة على أكمل وجه ممكن، بحيث لم يدرج أسماء الرجلين، في كشوف الصليب الأحمر، إلا قبيل موعد السفر بيوم واحد، على الرغم من أن القواعد كانت تحتم أيامها أن يتم عرض الأسماء كلها قبل أسبوعين على الأقل؛ لمراجعتها، وإصدار الموافقات، أو أوامر المنع بشأنها..

وسافر (فضل) و(حجاج) إلى (القاهرة)، قبل أن تستوعب المخابرات الإسرائيلية الموقف، أو تجد وسيلة للتصرُّف..

وفي (القاهرة)، وفور وصلهما، تم عرض الرجلين على كبار الأطباء والإخصائيين، في طب وجراحة العيون، وأجريت لهم كل الفحوص والدراسات اللازمة، قبل أن تجمع التقارير النهائية على أمر مؤسف للغاية..

العلاج بالكورتيزون لستة أشهر كاملة، أصاب عيونهما بأضرار بالغة، وأدّى إلى ضمور العصب البصري، وفقدان الإبصار..
نهائياً..

وعلى الرغم من صعوبة الخبر ومرارته، استقبله الرجلان بصبر وصلابة، وأعلنا معاً الأمر نفسه، دون اتفاق مسبق..
وطننا عيوننا، وإيماننا بصرنا، ونحتسب ما أصابنا لوجه الله (سبحانه وتعالى)، ونصرة الوطن فحسب..
يا له من موقف!..
ويا لها من كلمات!..

وتحت رعاية وعناية المخابرات الحربية المصرية، استكمل البطلان علاجهما من باقي إصاباتهما، وصحَّح الأطباء المصريون بعض العمليات، التي أجريت لهما بوساطة أطباء العدو، ثم انخرطا في الحياة المدنية، وقدَّمت لهما أجهزة الدولة كل المساعدات الممكنة، وواصل (فضل) شق طريقه في الحياة، بكل الإيمان والحزم، فأكمل دراسته، حتى حصل على ليسانس الآداب بتقدير جيِّد فيما بعد..


أما قائد المجموعة (عبد الحميد)، فقبل أن يعود من (القاهرة)، كان قد حصل على خطة العمل في المرحلة القادمة، وتحدَّدت له الأهداف والأولويات، وطرق الاتصال والتحرُّك، وخصوصاً عندما تحين ساعة الصفر، ويصبح للمجموعة دورها القوي الفعَّال في تحقيق النصر وقهر المستحيل!..

وعاد (عبد الحميد) إلى (العريش)، وهو يحمل حماساً بلا حدود في أعماقه، استشفه رفيقاه في وضوح، عندما اجتمع بهما، وراح يخبرهما بما لديه، وإن دفعه حذره الفطري إلى الاحتفاظ لنفسه ببعض التفاصيل، التي بدت له من الخطورة بحيث لا ينبغي أن يعلم بها سواه..

ومن بين هذه التفاصيل عبارة أخبره بها ضابط المخابرات المسئول عن العملية قبيل انصرافه مباشرة: "في أية لحظة، سيأتيك من يخبرك أنه يحمل رسالة من (أبي ياسر)، وسيعني هذا أنه من طرفنا، وأنه يحمل إليك بعض الأشياء الهامة جداً"..

وحدد (عبد الحميد) لرفيقيه أهداف المرحلة القادمة، التي تتجه إلى زيادة عدد أفراد المجموعة، والتوسَّع في جمع المعلومات، عن طرق وتحرُّكات العدو في (سيناء) بأكملها..

ودون أن يفصح أحدهم عما يدور في أعماقه، أدرك ثلاثتهم أن ساعة الصفر تقترب، وأن حلم التحرير قد دنا من شاطئ الحقيقة..

وبكل الحماس، الذي أطلقته الفكرة في أعماقهم، انطلقوا لتنفيذ تلك الأهداف الجديدة..

في البداية وقع اختيارهم على (عدنان شهاب)؛ بحكم صلاته المتعدِّدة بعائلات المدينة، وبعشائر وقبائل بدو (سيناء)..

تم اختيار (عدنان) بإجماع الآراء، وبثقة أثبت أنه أهل لها، عندما أدّى دوره بمهارة وإيمان وإتقان واقتدار في كل ما طُلب منه، حتى أن المجموعة قد فوّضته في اختيار العناصر التي تعاونه على أداء مهمته على خير وجه، ممن يثق فيهم، وفي وطنيتهم وأدائهم..
ولكن بشرط واحد..
ألا يعلموا شيئاً عن باقي أفراد المجموعة..

وفي هذا أيضاً أدّى (عدنان) دوره بنجاح يستحقُّ الإعجاب، واستقطب بعض العناصر الوطنية من خيرة أبناء المدينة، مثل الصيدلى (محمود أحمد حمودة الأزعر)، و(جمال مسلم حسونة)، والحاج (محمود مصطفى العزازي)..

وبكل براعة وإخلاص قدَّم هؤلاء الرجال العديد من الخدمات والمعلومات عن العدو، وعن تحركاته وتنقلاته في قلب (سيناء)، مما كان له أكبر الأثر في استكمال الصورة، والتعامل مع العدو في اللحظات الحاسمة..

في تلك الفترة، وحتى عودة (عبد الحميد) من (القاهرة) في المرة الثانية كانت المجموعة تعتمد في اتصالاتها على جهاز إرسال لاسلكي يعمل بالبطارية، ويحتاج إلى تكلفة تشغيل مرتفعة، ويعاني من كثير من الأعطال، كما كانت تفتقر إلى التمويل المادي اللازم بعد أن رفض أفرادها -وبمنتهى الإصرار- تقاضي أية أموال من جهاز المخابرات أو حتى من المسئولين، واعتمدت في تمويلها على تبرعات واشتراكات أعضائها، ومساهماتهم المتواضعة المستمرة، حتى أن (فضل) الذي كان طالباً أيامها أصرّ على دفع اشتراكه ونصيبه من التمويل، من مصروفه الشخصي حتى ولو قضى الشهر كله مفلساً..

كانوا جميعاً صورة مشرِّفة للكفاح والنضال والجهاد في سبيل الله (سبحانه وتعالى) والوطن..

ولأنهم يرفضون تقاضي أية أموال سائلة طلب قائد المجموعة من المخابرات تزويدهم بجهاز لاسلكي آخر يعمل بالكهرباء، وعدد من أقلام التفجير الموقوتة، وبعض المواد الناسفة القوية؛ للقيام بالعمليات اللازمة في المرحلة التالية..

ولأنه يعلم أن المخابرات ستزوِّده حتماً بكل ما طلب في أسرع وقت ممكن راح (عبد الحميد) ينتظر وصول الرسالة، في نفس الوقت الذي راح فيه ومجموعته يواصلون كتابة وطباعة وتوزيع المنشورات القوية، التي تبشِّر المواطنين بقرب ساعة النصر والتحرير، وتكشف أمامهم أساليب العدو في الوقيعة بينهم، وتؤكِّد لهم أن الاحتلال أمر مؤقَّت، لن يدوم أبداً، وأن (سيناء) ستعود كلها حتماً إلى (مصر)، عندما يهبّ جيشها ليثبت جدارته، ويؤكِّد وجوده، ويرفع راية النصر عالية خفَّاقة..

في الوقت نفسه قامت المجموعة ببعض الهجمات على سلطات الاحتلال، رافعة شعاراً قوياً في مواجهة العدو..
شعار يقول: "إما الانسحاب، أو الهزيمة والاندحار"..

ووسط كل هذا، وبينما يواصل عمله الحكومي في بلدية (العريش)، وجد (عبد الحميد) مواطناً يتقدَّم إليه؛ لإنهاء بعض الأعمال الخاصة برسوم المياه والكهرباء، ويطلب توصيل الكهرباء إلى منزله الجديد..

وعلى الرغم من أن الأمر يحتاج إلى دقائق قليلة فحسب لإنجازه لاحظ (عبد الحميد) أن المواطن يتلكأ على نحو ملحوظ ولكنه لم يتدخل وتركه على راحته حتى خلا المكتب تماماً، وعندئذ مال المواطن نحوه، وهو يقول: "لدي رسالة من (أبي ياسر).. رسالة هامة، أرجو تحديد موعد ومكان استلامها"..

وبكل دهشة الدنيا، حدَّق (عبد الحميد) في وجه ذلك المواطن..
لقد كان يتوقع بالطبع وصول رسول من قبل المخابرات الحربية يحمل كلمة السر المتفق عليها مع الرسالة، ولكنه وعلى الرغم من ثقته التامة في كفاءة المخابرات المصرية لم يتصوَّر لحظة أن تبلغ البراعة هذا الحد المدهش..

فالرسول الذي حمل الرسالة من (القاهرة) كان الحاج (صبّاح حمدي يعقوب الكاشف)، الذي شارف الستين من العمر -آنذاك- والذي يحمل وجهاً ملائكياً هادئاً، بشعره الأشيب، ولحيته البيضاء الكثيفة..

وتسلَّم (عبد الحميد) الرسالة من الحاج (صبّاح)، وكانت تحوي جهاز اتصال لاسلكي جديد يعمل بالكهرباء، وعدد من أقلام التوقيت، ومجموعة من المواد الناسفة، المموَّهة بأشكال مختلفة..

وفي الوقت نفسه عرض عليه الحاج (صبّاح) التعاون في أية مهمة تُسند إليه، وأبدى استعداده التام للتضحية بكل غالٍ ونفيس، وبذل كل ثمين وعظيم، حتى الحياة نفسها إذا ما اقتضى الأمر في سبيل الله والوطن..

كان الرجل، على الرغم من كبر سنه قوياً حازماً، يمتلك عزة نفس، وإباء، ورغبة حقيقية في العمل والكفاح من أجل إنهاء الاحتلال، واستعادة (سيناء) لحريتها وانتمائها..

ومن أعمق أعماقه شعر (عبد الحميد) بمنتهى التقدير والاحترام للحاج (صباح)، ولكنه أشفق عليه في الوقت ذاته من أن يواجه ما يواجهونه من خطر، أو يتكبَّد ما يتكبدونه من جهد وعناء وشقاء بلا حدود..

وبكل ما يحمله له صافح (عبد الحميد) الحاج (صبّاح الكشاف)، وشكره على عرضه الكريم، ومبادرته الطيبة، وأخبره أنه يدخره لوقت الحاجة، وأن دوره العظيم في نقل مثل هذه الرسائل من (القاهرة) لا يقل أهمية وخطورة عما تقوم به المجموعة كلها من جهد..

وعن طريق الحاج (صبّاح) توالت الرسائل من (القاهرة)، وكان الرجل -على الرغم من كبر سنه، وضعف قوته- يتميَّز دوماً خلال عمليات التسليم والتسلُّم بالروح العالية، والثقة المفرطة، والشجاعة والإقدام، مع حرص دائم وذكي على سرية الأمر، ودقة القيام بعمليات المناورة والتمويه..

باختصار، كان يستحق -وعن جدارة- ذلك اللقب الذي وصفته به يوماً عندما تحدَّثت عن المجموعة على شاشة التليفزيون..
لقب (عمر المختار) مصر..

المهم أن الرسائل قد توالت، وتوالت معها عمليات المجموعة، التي كبَّدت العدو خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات، ومنشوراتها التي راحت تبث روح الحماسة في قلوب المواطنين، وروح اليأس في قلوب الأعداء..

وطوال الوقت راح جهاز الاتصال اللاسلكي الكهربي الجديد يبثّ المعلومات، ويستقبل التعليمات والرسائل من (القاهرة) في الأوقات المخصصة والمحدَّدة لهذا..
ثم وصلت رسالة هامة من (القاهرة)..

رسالة تطلب من المجموعة كلها بذل المزيد من الجهد والنشاط بكل فروعها؛ لرصد أية تحركات غير طبيعية للعدو في المنطقة، وإبلاغها إلى (القاهرة) أوَّلاً بأوَّل..

كانت قوات العدو أيامها تقوم بمناورات وتدريبات شبه روتينية، ولم ترصد المجموعة أية تحركات غير طبيعية، ولكنها أبلغت (القاهرة) بهذا باعتباره توضيحاً للأمور والموقف..

وجاء الرد من (القاهرة) بضرورة متابعة العمل نفسه، ومواصلة عمليات الرصد والمراقبة، وإيقاف كل العمليات والأنشطة الأخرى من كتابة وطباعة وتوزيع المنشورات في المدينة إلى عمليات إعداد واستخدام المتفجرات ومهاجمة أهداف العدو..

كان المطلوب إذن هو التفرُّغ التام لمهمة الرصد والمراقبة وحدها..
وشعر الكل أن هذا يعني الكثير..
والكثير جداً..
هناك حتماً تطوّر ما في الأمور..
تطوّر هام..
وخطير..
إلى أقصى حد..
ثم تأكَّد هذا الشعور الذي راودهم جميعاً مع وصول الرسالة اللاسلكية التالية، والتي كانت تعني حدوث تطوّر أكثر خطورة..
أكثر بكثير..
جداً..


* * *

 
 

 

عرض البوم صور amedo_dolaviga   رد مع اقتباس
قديم 14-11-08, 02:42 PM   المشاركة رقم: 13
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو راقي


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66537
المشاركات: 740
الجنس ذكر
معدل التقييم: amedo_dolaviga عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 53

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
amedo_dolaviga غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : amedo_dolaviga المنتدى : المخابرات والجاسوسية
افتراضي

 

5 - وبدأت المعركة..


* فجأة وعبر جهاز الاتصال الكهربي الجديد، وصلت إلى مجموعة (العريش) رسالة لاسلكية عاجلة وخطيرة..
خطيرة جداً..

رسالة تبلغهم أن استقبال رسائلهم في (القاهرة)، مفتوح طوال الأربع والعشرين ساعة يومياً، لأجل غير محدود..
وفجرَّت تلك الرسالة حماساً منقطع النظير في نفوس الجميع بلا استثناء، وأكَّدت لهم ما شعروا به من الرسالة السابقة أيضاً..
لقد اقتربت ساعة الحسم..
وساعة النصر..

وانطلق الجميع يعملون بنشاط جم، وحماس لا مثيل له، منذ وُلِدَتْ مجموعة (العريش) وفروعها..

الكل راح يكثّف المراقبة الدقيقة لمختلف المحاور، التي تتحرَّك عليها قوات العدو في (سيناء)، وتم وضع نظام دقيق للرصد والمتابعة، نفذته المجموعة بتفوق واقتدار غير مسبوقين، وبأطنان من الجهد والعرق، حتى أن مجموعة (عدنان الشهابي) كانت تعمل طوال الأربع والعشرين ساعة بلا انقطاع تقريباً..

طاقة هائلة، تلك التي تفجَّرت في العروق والعقول، وخفقت مع القلوب، لتدفع الأجساد إلى العمل بلا توقّف، مع شعور الأفراد بقرب الحسم والمواجهة..

ولقد صدقت توقعات الجميع، وآن أوان لعب حرب التحرير يوم السبت السادس من أكتوبر 1973م..

وفي ذلك اليوم، وصلت الرسالة المنتظرة من (القاهرة)..
"إلى الحاج (منتصر).. نحن في انتظاركم.."

كان هذا هو الاسم الحركي للمجموعة، والذي يرتبط بكلمة النصر، شعار المرحلة الحاسمة، ويعني مع الرسالة البدء في توجيه ضربات قوية، إلى أهداف تم تحديدها مسبقاً، ومنح كل منها اسماً حركياً.. ومع وصول الرسالة قفز الحماس إلى ذروته، وتفجَّر النشاط في العروق، واستقبل الرجال بفورة من اللهب الرسالة التالية..

"إلى الحاج (منتصر).. نفذ (شلبي)"..
وكان هذا يعني توجه أول ضربة، إلى كوبري السكة الحديد، كما تم الاتفاق عليه وتحديده من قبل..

ووفقاً للنظام المتبع، التقى أفراد المجموعة في المكان المخصص لاجتماعاتهم، وتعانقوا في فرح وسعادة، ثم قام (عبد الحميد)، قائد المجموعة بتجهيز العبوة الناسفة المناسبة للهدف، وتم تحديد ساعة التنفيذ وموعد التفجير، ثم اختار (عبد الحميد) للمهمة اثنين من أكفأ رجال التنظيم، مساعده الأوَّل (سعد)، و(رشاد حجاب)، الذي يتسم بالإقدام والجرأة، وسرعة وخفة الحركة..

وتم تنفيذ المهمة، على الرغم من الحراسة المشدَّدة، التي أحاط بها العدو الكوبري في ظلّ ظروف الحرب، وقيام المجموعة نفسها بمهاجمته من قبل..

وفي الموعد المحدَّد تماماً، انفجرت العبوة الناسفة، ودمَّرت تماماً الطرف الشرقي للكوبري؛ لتعزل إمدادات العدو عن محطة السكة الحديد، المزوَّدة بوسائل نقل وشحن الأسلحة والمعدات إلى جبهة القتال..

واضطر العدو إلى نقل حركته إلى محطة (الأبطال)، مما كلفه جهداً ووقتاً مضاعفين، باعتبارها غير مجهَّزة لمثل هذه الأمور..
وكلنا نعلم كم تساوي الدقائق في زمن القتال، فما بالك بالساعات، وبحالة التوتر والعصبية التي أصابت العدو، ودفعته إلى وضع حراسة مكثفة على طول خط السكة الحديد من (العريش) إلى (إسرائيل)، مما كان يعني خسارة رهيبة للعدو، الذي يعاني دوماً من نقص عدد الأفراد، ويفتقر في قتاله إلى العنصر البشري..



ومع نداء آخر، ورسالة لاسلكية تالية، قامت المجموعة بتدمير كابل الاتصالات الرئيسي الذي يربط مركز التنصت والقيادة الإسرائيلية في (العريش) بداخل (إسرائيل) مباشرة، ولقد تم تدميره في موضعين مختلفين، وبفارق زمني ساعة واحدة، بحيث حدث الانفجار الثاني أثناء محاولة العدو لإصلاح ما دمره الانفجار الأوَّل..

ثم تم توجيه ضربة قوية إلى محول الكهرباء الرئيسي الذي يغذي قوات ومعسكرات العدو في منطقة (الريسة) شرق (العريش)، وبعدها ضربة أخرى في منطقة محطة (الأبطال)..

وكان (سعد عبد الحميد محمود) هو القاسم المشترك في كل العمليات، هذا بالإضافة إلى دوره الأساسي في كل ما يتعلَّق بالمجموعة، فهو الذي قدَّم مقراً لتخزين مستلزمات العمل، من متفجرات وأدوات طباعة، وكل ما يتعلَّق بهما، وصفاته الشخصية، التي جعلت قائد التنظيم يعتبره مساعده الأوَّل، ويعتمد عليه في كل الأمور بالغة الأهمية والخطورة..


وطوال الوقت، ومع تطوّر الأحداث لم تتوقَّف النداءات الكودية والشفرية المتفق عليها، سواء عبر جهاز الاتصال اللاسلكي، أو شبكة الإذاعة، إلى (الحاج منتصر)، أو (عبد الودود عبد الصمد)، أو (أبو محمد)، أو (أبو أماني)، وكلها أسماء حركية لرئيس المجموعة، حيث تطالبه الرسائل والنداءات بالمزيد من المعلومات، أو بتدمير أهداف جديدة..

ولأن الرسائل تتوالى بلا انقطاع، طرح (عبد الحميد) الحذر جانباً، ووضع مقعداً إلى جوار الراديو، وراح يتابع الاتصالات بلا نوم أو راحة، حتى شعر باقي أفراد المجموعة بالإشفاق عليه، وطالبوه بالإفطار في شهر رمضان، إلا أنه رفض في إصرار، وواصل مهمته على أكمل وجه دون كلل أو ملل..

ومن الأحداث التي يذكرها (عبد الحميد الخليلي) عن تلك الفترة أن والده الذي كان يبلغ السبعين من عمره تقريباً آنذاك لم يكن قد تصارح مع ابنه أبداً بشأن ما يحدث، إلا أن قلب الأب الذي ينبض في صدره كان يشعر بما يحدث، لذا فعندما تضاعف الجهد على (عبد الحميد)، وغفت عيناه إلى جوار الراديو، كان يستيقظ ليجد والده إلى جواره يبلغه بما تردَّد عبر الراديو، مدعياً أنه لا يفهم ما يحدث..
ولكنهما لم يتواجها قط..
في تلك الفترة على الأقل..

ومع التطوّر السريع للأحداث تضاعف حماس ونشاط أفراد المجموعة، وإن حملت أعماقهم بعض الخوف على هذه الانتصارات المتوالية، مما دفعهم إلى المزيد والمزيد من الجهد والعمل المضاعف..

وأثناء المعارك، رصدت المجموعة رتلاً من المجنزرات والمدرّعات، والدبَّابات الثقيلة، تتحرَّك ليلاً في اتجاهين.. بعضها نحو المحور الأوسط، والبعض الآخر نحو المحور الشمالي..
وعلى الفور، وعبر جهاز الاتصال اللاسلكي تم إبلاغ هذه المعلومة إلى (القاهرة)..

ولأن المعلومة قد وصلت في الوقت المناسب، تمكَّنت القوات المصرية من القضاء على لواء مدرَّع بالكامل، وأسر قائده (عساف ياجوري)..

ثم كان التدخَّل الأمريكي..

فذات صباح، وبينما المعارك محتدمة ومستمرّة، استيقظ سكان (العريش) على دويّ كالرعد في السماء، مع ضباب كثيف من ناحية البحر، مما دفع مجموعة (العريش) إلى السعي لرصد منطقة الساحل بسرعة فائقة..

وهناك بدت الطائرات الأمريكية ذات اللون الأبيض واضحة جلية، وبعضها يتجه من البحر إلى مطار (العريش)، في حين ينطلق البعض الآخر إلى جبهة القتال مباشرة..
ولأوَّل مرة بدأ القلق يتسلَّل إلى أفراد المجموعة..
القلق الشديد..
فذلك اللون الأبيض يميِّز طائرات البحرية الأمريكية، التي اشتركت مباشرة في المعركة..

ومن منطقة (رمانة) وصلت معلومات أخرى بوصول طائرات من البحر تقوم بإنزال الجنود الذين يتم نقلهم فوراً بوساطة عربات عسكرية إسرائيلية إلى جبهة القتال مباشرة..

(أمريكا) لم تكتفِ إذن بإرسال الطائرات والأسلحة والمعدات إلى (إسرائيل) عبر جسر جويّ لا ينقطع، وإنما دفعت جنودها وطياريها أيضاً إلى جبهة القتال مباشرة..

(مصر) إذن لم تعُدْ تُحارب (إسرائيل) وحدها..
لقد أصبحت تحارب الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً..

وبسرعة قام (عبد الحميد) بتشفير هذه المعلومات، وإرسالها فوراً إلى (القاهرة)..

وفي (القاهرة)، أدركت المخابرات الحربية أن تلك الطائرات ذات اللون الأبيض تتبع الأسطول السادس الأمريكي وحاملات طائراته مباشرة..

وتأكيداً للمعلومات الواردة من المجموعة، انطلقت طائرتا استطلاع إلى المنطقة، وعادتا تحملان تأكيداً حاسماً قاطعاً إلى القيادة السياسية والعسكرية، لتتخذ قراراتها المناسبة في هذا الشأن..
وحتى الثاني والعشرين من أكتوبر، عندما صدر قرار وقف إطلاق النار، لم تتوقف مجموعة (العريش) عن إرسال المعلومات، ورصد تحركات العدو، والقيام بالعمليات الفدائية، التي تؤرقه، وتعيق حركته طوال الوقت..

وبعد وقف إطلاق النار وصلت رسالة لاسلكية من (القاهرة) تطالب المجموعة بإيقاف نشاطها، والتزام الحيطة والحذر خلال المرحلة القادمة..

والتزمت المجموعة بأوامر (القاهرة) على الرغم من خرق وقف إطلاق النار المستمر، وتحركات العدو التي لا تتوقَّف على المحور الشمالي والأوسط للجبهة..

وفي الثامن من نوفمبر 1973م، رصد بعض أفراد المجموعة أعداداً ضخمة من الدبابات والمجنزرات، ومختلف المعدات والآليات الثقيلة تتحرَّك نحو الجبهة مباشرة..

وهنا قرَّرت المجموعة تجاوز الأوامر الصادرة من (القاهرة)، وإجراء اتصال لاسلكي، لإبلاغ هذه المعلومات الخطيرة فوراً..
وتوجه أفراد المجموعة إلى نقطة الاتصال، الكائنة في منزل والدة (سعد)؛ وراحوا يعدون المعلومات، التي يقوم (عبد الحميد) بتشفيرها، تمهيداً لإرسالها إلى (القاهرة)، و...

وفجأة، اقتحمت قوات العدو الإسرائيلي المكان، وارتفعت فوهات مدافعهم الآلية، في شراسة متحفزة، نحو أفراد المجموعة..

ولم يكن هناك مجال للإنكار، أو لنسج قصة وهمية؛ فالإسرائيليون اقتحموا الحجرة، وبها جهاز اللاسلكي، والمعلومات المشفَّرة، وغير المشفَّرة، وأفراد المجموعة..

وتم إلقاء القبض على الجميع، وانطلق ضباط المخابرات الإسرائيلية يفتشون الحجرة والمنزل كله في شراسة ما بعدها شراسة..

كان هناك جيش كامل، من الجنود والضباط الإسرائيليين يحيط بالمنزل في تحفُّز كامل، كما لو أنهم يلقون القبض على كتيبة كاملة من الفدائيين، وليس على عدد محدود من الأفراد..
وفي المنزل عثروا على مجموعة من أقلام التوقيت، أثارت رجال المخابرات الإسرائيلية أكثر وأكثر..

وبعدها انقسم الضباط مع الجنود إلى مجموعتين، إحداهما اقتادت (سعد) إلى منزله، في شارع 23 يوليو، في حين اقتادت المجموعة الثانية (عبد الحميد)، إلى منزله في شارع الشهيد (محمد الخليلي)..

وتم تفتيش المنزلين بمنتهى الدقة والوحشية، وتم الاستيلاء على كل المشغولات الثمينة، وكل الأوراق والأجهزة، مع تدمير كل ما تبقى كعادة الإسرائيليين في مثل هذه الأحوال..
ثم تم نقل المجموعة إلى مبنى المخابرات الإسرائيلية في العريش، والذي يحتله (نزل الشباب) حالياً..
وهناك، بدأت التحقيقات، وبدأ الاستجواب..
وبدأ التعذيب..

ويقول الحاج (سعد) أن الأيام الأولى كانت تحوي الكثير من الضرب والتعذيب العنيف، والقليل جداً من الاستجواب، حتى أنه والحاج (عبد الحميد) قد فقدا تماماً الإحساس بالزمان والمكان، ولم يعد باستطاعتهما معرفة كم مرّ عليهما من وقت هناك...

وفي الوقت نفسه، لم تتوقَّف أجراس الهاتف ونداءات اللاسلكي أبداً، كما تم عرضها على أعداد كبيرة من ضباط الجيش الإسرائيلي الذين راحوا يردون إلى المبنى برفقة ضباط المخابرات، دلالة على ما سببته لهم المجموعة من خسائر جسيمة.

وبعد فترة لم يتمكن أحدهم من تحديدها بالضبط، تم نقل المجموعة إلى سجن (غزة) المركزي معصوبي الأعين، ومقيِّدي الأيدي خلف الظهور في سيارة نقل عسكرية..

وفور وصولهم إلى سجن (غزة)، بدأت حلقة جديدة من التحقيقات، سبقها وتخللها وأعقبها عديد من صنوف التعذيب والإكراه، والضغوط النفسية والجسدية...

والمؤلم أن الإسرائيليين قد منحوا القسط الأكبر من التعذيب والإهانات والعنف للحاج (صباح الكاشف) دون احترام لكبر سنه، أو ضعف جسده..

ولكن الرجل -رحمه الله- كان مثالاً حياً للبطولة والصلابة والشهامة، عندما تحمّل العذاب والتعذيب الوحشي بكل رجولة وحزم دون أن تلين عزيمته، أو يعترف بحرف واحد مما لديه..

وأثناء الاستجواب والعنف، شعر قائد المجموعة (عبد الحميد) أن الإسرائيليين لا يعلمون شيئاً عما فعلوه طوال السنوات الماضية، وأن معلوماتهم تقتصر فقط على نشاط المجموعة، أثناء حرب أكتوبر، وأراد أن يبلغ الحاج (سعد) بهذا، حتى تقتصر اعترافاتهم على فترة الحرب وحدها دون غيرها..

كان أحدهما سجين زنزانة منفردة في بداية ممر السجن، والآخر نزيل زنزانة منفردة أخرى في نهاية الممر، وتفصلهما مسافة كبيرة نسبياً، تمنعهما من تبادل أية أحاديث، دون أن يلتقطها الإسرائيليون، الذين زوَّدوا زنزانتيهما بأجهزة تنصُّت دقيقة أيضاً..
لذا فقد ابتكرا صديقا وزميلا العمر وسيلة فطرية عبقرية ومدهشة، لتبادل الحديث في هذا الشأن.

فمن زنزانته هتف الحاج (سعد): "هو الله".. وهنا أجابه (عبد الحميد)، بهتاف آخر: "لا من بعد ولا من قبل"..

وفهم الرجلان المعنى بعد سنوات وسنوات من الزمالة والصداقة..
فهم كل منهما أنه عليهما الحديث عن نشاط أكتوبر وحده، لا ما قبله، ولا ما بعده..

الحاج (سعد) وجد وسيلة أخرى طريفة، يتحدَّث عنها قائلاً: "كنت أحياناً أتظاهر بنسيان بعض التفاصيل، وباحتياجي لمراجعتها مع الحاج (عبد الحميد)، فيرسل المحققون الإسرائيليون لاستدعائه، وعندئذ ألتقي به، وأصافحه، ونتبادل بعض الكلمات السرية، التي لا يعرفها سوانا، والتي يفهم كل منا معناها جيِّداً، دون أن يفهم الإسرائيليون منها شيئاً، على الرغم من أنهم كانوا جميعاً يتحدثون العربية بمنتهى الإجادة".

وهكذا، انتصر الذكاء المصري الفطري على العقول الإسرائيلية المحترفة المدرَّبة، التي حاولوا إيهامنا لسنوات وسنوات أنها عبقرية متميِّزة لا تُقهر ولا تنهزم أبداً..

وهذا يؤكِّد رأي الحاج (عبد الحميد) الذي لا يمل ترديده أبداً..
"الإسرائيليون ليسوا أبداً بالبراعة التي يوحون للعالم بها"..

وفي حديثه عن فترة السجن والتعذيب، يروي الحاج (عبد الحميد)، قصة كان شعري يزداد شيباً لسماعها..

يروي أن والده قد زاره في السجن، وقد تجاوز السبعين من العمر، فأخفى هو كفيه، اللذين اسودّا وتورَّما من شدة التعذيب خلف ظهره، خشية أن يراهما والده، وهو يتوقَّع منه أن يلومه ويقرِّعه على توريط نفسه في أمر خطير كهذا دون أن يستشيره أو يطلب موافقته..

واقترب (عبد الحميد) من والده، وهو يقدِّم قدماً، ويؤخِّر أخرى، وخفق قلبه بقوة عندما رآه والده، وهبّ من مقعده بحركة فتية، لا تتناسب مع أعوام عمره السبعين، وانتظر صراخه الغاضب، وثورته العارمة، و...

ولكن الأب الذي نما في تراب هذا الوطن، وأكل وشرب من خيره رفع قبضته أمامه في حزم، وارتفع معها صوته، بمنتهى القوة والعزم، وهو يهتف بابنه:
- إياك أن تحني رأسك لمخلوق واحد..

ويحكي (عبد الحميد) أن قشعريرة قوية قد سرت في جسده، وهو يحدِّق مبهوراً في والده، الذي تابع بنفس القوة والعزم، ودون أن يخشى رد فعل الإسرائيليين:
- ما فعلته يستوجب الفخر والزهو، فإياك أن تشعر بذرة واحدة من الخزي أو العار، وإياك أن تحني رأسك لمخلوق واحد هنا.. المؤمن لا يحني رأسه إلا لله (سبحانه وتعالى) وحده.

الواقع أن الرواية فجَّرت ألف انفعال وانفعال في أعماقي إلا أنها لم تدهشني، فكما يقولون دوماً، من الطبيعي أن يكون هذا الشبل من ذاك الأسد..

المهم أن فترة السجن والعنف، والاستجواب، والتعذيب قد انتهت بصدور لائحة الاتهام، التي حوت سبع تهم، أخطرها التجسُّس في زمن الحرب، وأقلها حيازة جهازي إرسال لاسلكي، وأسلحة، ومفرقعات، ومواد ناسفة شديدة التفجير..

ومع صدور لائحة الاتهام أو الادعاء، انتقلت القصة كلها إلى مرحلة جديدة ودقيقة جداً..
إلى المحاكمة.. الإسرائيلية.


* * *

 
 

 

عرض البوم صور amedo_dolaviga   رد مع اقتباس
قديم 18-11-08, 01:57 AM   المشاركة رقم: 14
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري
عاشقة ليلاس



البيانات
التسجيل: Jun 2006
العضوية: 7104
المشاركات: 38,769
الجنس أنثى
معدل التقييم: Eman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميعEman عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 25417

االدولة
البلدUnited_States
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Eman غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : amedo_dolaviga المنتدى : المخابرات والجاسوسية
افتراضي

 

الله عليكم يا أبطال مصر..
تحية لجميع جنودكم البواسل..
في انتظار التكملة يااميدو..
يعطيك ربي ألف عافية..

 
 

 

عرض البوم صور Eman   رد مع اقتباس
قديم 18-11-08, 08:18 AM   المشاركة رقم: 15
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو راقي


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66537
المشاركات: 740
الجنس ذكر
معدل التقييم: amedo_dolaviga عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 53

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
amedo_dolaviga غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : amedo_dolaviga المنتدى : المخابرات والجاسوسية
افتراضي

 

شكرا يا ايمان على مرورك وردك الجميل جدا ونورتي الموضوع بجد

واتمنى يكون عجبك

 
 

 

عرض البوم صور amedo_dolaviga   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أجهزة المخابرات العالمية, محكمة أمن الدولة, أسرار المخابرات المصرية, المخابرات الألمانية, المخابرات المصرية, المخابرات المغربية, المخابرات الباكستانية, المخابرات العامة الروسية, المخابرات العامة الفرنسية, المخابرات الإسرائيلية, الموساد, البوليس السري النازي, الجستابو, السيكوريتاتيا, جاسوس, جهاز المخابرات الأمريكي, جهاز المخابرات البريطانية, جهاز المخابرات السوفيتية, جواسيس, حقيقة المخابرات المصرية
facebook




جديد مواضيع قسم المخابرات والجاسوسية
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 05:24 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية