أعلنت الاكاديمية الملكية السويدية في الساعة الواحدة ظهر اليوم, منح جائزة نوبل للآداب لسنة 2008 للكاتب الفرنسي جان - ماري غوستاف لوكليزيو.
هذه المعلومات مستقاة من الإنترنيت :
إمتدحت لجنة نوبل في حيثيات قرارها الكاتب الفرنسي لما أبدعه من روايات المغامرات، وكتب الأطفال وما كتبه من مقالات.
وقال بيان اللجنة أنها إختارت "كاتب الإنطلاقات الجديدة والمغامرة الشعرية والنشوة الحسية ومستكشف بشرية ما وراء الحضارة السائدة".
وسيتسلم لو كليزيو المعروف بروحه الشابة رغم بلوغه الثامنة والستين من العمر, الجائزة وقيمتها المالية في إحتفال بالعاصمة السويدية ستوكهولم في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
وكان لوكليزيو قد إشتهر عام 1980 بعد نشر رواية "الصحراء" التي إعتبرتها الاكاديمية السويدية تقدم "صورا رائعة لثقافة ضائعة في صحراء شمال افريقيا". وتشمل أحدث أعماله Ballaciner وهو عمل إعتبرته الاكاديمية "مقالا شخصيا عميقا حول تاريخ فن السينما". وكتب المؤلف أيضا كتبا للأطفال من بينها لولابي عام 1980 و بالابيلو عام 1985.
وقد سبق أن حصل على عدد من التقديرات الأدبية في وطنه فرنسا منها جائزة لاربو في عام 1972، وجائزة جان جيونو الكبرى عام 1997.
والكاتب من مواليد 1940 في مدينة نيس الفرنسية، وقد قضى سنتين من طفولته في نيجيريا، وقام بالتدريس في جامعات في بانكوك وبوسطن ومكسيكو سيتي.
وتبلغ قيمة الجائزة حوالي 1.4 مليون دولار أمريكي، وهذه هي المرة الأولى التي يحصل عليها كاتب فرنسي منذ عام 1985.
ولد جان ماري غوستاف لوكليزيو في نيس عام 1940 من أب بريطاني ذي أصل بريتوني وموريسي ومن أم فرنسية. قبل إلتحاقه بوالده عام 1948 في نيجيريا، ربته أمه و جدته، حيث كان لتلك المرحلة أكبر تأثير على إتجاهه نحو الكتابة، فقد إكتشف فيها الكتب التي كانت تملأ المنزل العائلي، إضافة إلى أن الجدة كانت تمتلك مخزوناً كبيراً من الحكايات.
عند رحيله إلى نيجيريا للقاء والده الذي كان طبيباً إستعمارياً في الجيش البريطاني - حيث يمضي عاماً - ، يكتب خلال الرحلة البحرية التي أخذته إلى هناك محاولتين روائيتين، سفر طويل، وأورادي الأسود، إستعادهما فيما بعد في عدد من أعماله.
نشر لوكلوزيو عام 1963 روايته الأولى «المحضر الرسمي» التي حصلت على جائزة رنودو. وحصل عام 1964 على دبلوم الدراسات العليا، بعد أن أنجز بحثاً حول «العزلة في أعمال هنري ميشو». ثم أصدر عام 1965 كتابه الثاني «الحمى» الذي كان عبارة عن تسع قصص عن الجنون.
كان عام 1967 عاماً حاسماً في حياته الشخصية والأدبية، حيث أدى خدمته العسكرية في بانكوك من خلال نظام مهام التعاون، غير أنه أرسل فيما بعد إلى المكسيك بعد أن تّم طرده من بانكوك بعد إدلائه بأقوال لصحيفة الفيغارو عن دعارة الأطفال في تايلند. غير أن اكتشافه للمكسيك كان صدمة حقيقية، حيث يبدأ بالعمل على تراث الهنود الحمر. فقد شارك لوكليزيو، ما بين 1970-1974، الشعوب الهندية في مقاطعة دارين البنمية حياتها، حيث كتب عن هذه التجربة :«إنها صدمة حسية كبيرة، صعبة، كان الجو حاراً، وكان عليّ أن أمشي مسافات طويلة على الأقدام. كان عليّ أن أصبح خشناً، صلباً. منذ تلك اللحظة، اللحظة التي لامست فيها هذا العالم لم أعد كائناً عقلياً. أثرت هذه اللاعقلية فيما بعد في كلّ كتبي.»
وهكذا يكرس لوكليزيو العديد من الكتب حول المكسيك والهنود الحمر منها ترجمات عن النصوص القديمة «نبوءات شيلام بالام» (1976) «علاقة ميشوكان» «الحلم المكسيكي» (1985) «أغاني العيد» (1997) «ديغو وفريدا» (1994).
ما بين عام 1978 و1979، أصدر لوكليزيو «المجهول على الأرض»، و«موندو وقصص أخرى» الذي حقق نجاحاً كبيراً في المكتبات، وفي ذات الفترة يصبح عضواً في لجنة قراءة منشورات غاليمار. وفي عام 1980 يمنح جائزة بول موران من قبل الأكاديمية الفرنسية، وينشر « ثلاث مدن مقدسة» و«الصحراء» التي ستحوز على جائزة غونكور.
يعود عام 1981 إلى جذوره الموريسية عبر رحلة إلى جزر موريس ورودريغس. وعن ذلك، يمكننا قراءة العبارة الآتية في «رحلة إلى رودريغس» التي صدرت بعد خمس سنوات: «حتى اللحظة الأخيرة أشعر بهذا الدوار، كما لو أن كائناً ما إنسل إلى داخلي. ربما لست هنا إلا لهذا السؤال، السؤال الذي فُرض أن يطرحه جدّي على نفسه، هذا السؤال الذي هو أصل كلّ المغامرات وكل الرحلات: منّ أنا؟ أو بالأحرى: ماذا أكون أنا.» وقد أنتجت هذه العودة العديد من الأعمال لعل أهمها «الباحث عن الذهب» (1985) «رحلة إلى رودريغس» (1986) «العزلة» (1995).
يقع عام 1988 في مواجهة مع الأوساط الصهيونية في فرنسا التي عدته مشبوهاً على غرار جان جينيه بعد أن نشر جزءاً من روايته نجمة تائهة التي كان يعمل على كتابتها في مجلة الدراسات الفلسطينية، متناولاً فيه مأساة اللاجئين الفلسطينيين والمراحل الأولى من تشكل المخيم الفلسطيني.
وقد تتابعت إصدارات لوكلوزيو، حيث أصدر «الربيع وفصول أخرى» ( 1989) «أونيتشا و نجمة تائهة» (1993) «سمكة من ذهب» (1997) «صدفة» (1999)، «قلب يحترق» (2001) «ثورات» (2003).
يمثل لوكليزيو في أعماله الكاتب الذي يبحث عن صوت الآخر، سعياً إلى رفض أساطير العالم الغربي الزائفة المدمرة والهارب من معطياتها وشروطها: «من خلال علاقتي بالهنود غيّرت الصورة التي أحملها عن الزمن. قبل ذلك، كنت مذعوراً بكثير من الأشياء التي لم تعد ترعبني: الخوف من الموت، المرض، القلق من المستقبل. ذلك لم يعد يرعبني الآن... ترعبني فكرة أن أطفالي يمكنهم أن يعرفوا المرض أو الموت، كذلك الحروب العبثية أو الوحشية مثل التي عشناها، وكذلك إحتمال وقوع الكوارث البيئية. إن مسئوليتنا أمام أجيال المستقبل مسؤولية كاملة. إذا تعلمنا العيش مثلما يعيش الهنود الأميركيون أو مثل هؤلاء سكان الصحراء، بالتأكيد لن يكون لدينا هذا القدر من الكوارث. بالتأكيد لن نكون بالدرجة ذاتها من الكمال التقني، ولكننا لن نهدر بهذه السهولة فرصتنا للحياة....... هناك ضرورة ملحة لسماع أصوات أخرى، للإنصات إلى أصوات لا ندعها تجيء إلينا، أصوات أناس لا نسمعهم لأنهم إستهين بهم لوقتٍ طويل، أو لأن عددهم ضئيل، ولكن لديهم الكثير من الأشياء لنتعلمها.»
كان لوكليزيو أحد الكتاب الغربيين الذين اقتحموا العالم الهامشي للمجتمع المعاصر، ليكشف عن التعايش ما بين قسوة الحياة ورقة المشاعر والعواطف، ناقلاً هذا الهامش إلى قلب الحياة (ولعل سمكة من ذهب تمثل أنموذجاً على ذلك).
ولعل معظم شخصياته الرّوائية ترحل في عالم من التيه والتطواف، التطواف الذي يؤسس وجود الشخصية ويبرهن على حريتها. وغالباً ما تكون هذه الشخصيات شخصيات مراهقين، أنقياء جداً.. وفي الوقت ذاته، قساة جداً. ينطلقون في الحياة، عليهم واجب التغلب على الصعاب لإنقاذ العالم وأنفسهم من التدمير والفساد. وكذلك فإن الحضور القوي للشخصيات النسائية يثير الاهتمام، إنهن من ينقلن الذاكرة والتجربة والنقاء.
في روايته «سمكة من ذهب»، التي أصدرها عام 1997، يتابع لوكليزيو سيرة فتاة مغربية ، ليلى، في مقتبل العمر، تنتمي إلى بني هلال إختطفت وهي لا تتجاوز السادسة من عمرها. جالت في رحلتها الطويلة عوالم مختلفة من الملاحة في المغرب، إلى الولايات المتحدة، مروراً بفرنسا، لتعود في النهاية إلى قبيلة بني هلال في الصحراء جنوب المغرب حيث تصل إلى المكان الذي تتذكر ملامحه قبل إختطافها، بغية أن تجد حلاً لمأساة لبست حياتها.
تجدر الإشارة هنا إلى أن لوكليزيو أصدر مع زوجته ذات الأصل الصحراوي المغربي، في العام ذاته، كتاب «أناس الغمام» ليرويا فيه حكاية رحلتهما في الصحراء الغربية. يقول لوكليزيو فيه: «كنت أذهب نحو المجهول، فيما كانت جيما تعود نحو ماضيها».
كتبت فصول سمكة من ذهب بقدرة عالية على السرد كما لو أنها كانت شلالاً يتدفق بلا توقف. عن ذلك يقول لوكليزيو: «كانت سمكة من ذهب حكاية لا ينبغي لها أن تستغرق أكثر من خمسة عشر صفحة، غير أنها أصبحت رواية بالرغم عني. لم أستطع فعل شيء، لدرجة أن فصولاً لم أحسب لها حساباً كتبت فيها. لا أتكلم تماماً على الشخصيات التي أفلتت، ولكن عن الحكاية نفسها، عن النص الذي تضّخم فجأة. يدفعني ذلك لأن أسأل إن لم يكن ذلك يشبه نوعاً من الغزو الجرثومي. إن للخيال جانب يشبه الغانغرينا.. جانب غازٍ. »
في سمكة من ذهب يظل لوكليزيو وفياً لكتابته ولروحه: روح تفلت من هذا العالم كي تجد ملجأها الوحيد في الفطرة الأولى .