المنتدى :
البحوث الإسلامية
آلام المسلمين وآمالهم عبر القرون
توفي صلى الله عليه وسلم في 7 يونيو 632 م الموافق 11 من الهجرة وأعقب الوفاة خلافة راشدة حتى 661 م-40 هجرية
ثم كان أول ما أصاب الإسلام أن انقلبت الخلافة ملكا
القرن الأول من 40– 101هجرية- من الخلافة للملك :
"الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور" الحج 41
في آخر مدة الخلافة الراشدة حدث اضطراب وفتنة
وفي هذا الاضطراب هجم رجل من الخوارج على الإمام علي رضى الله عنه بالقرب من الكوفة وطعنه في رأسه بسيف مسموم
وبايع المسلمون جميعا معاوية بعد أن تنازل له الحسن منعا لإراقة الدماء مصداقا لنبوءته صلى الله عليه وسلم "يصلح الله به فئتين عظيمتين"
واستحالت الخلافة ملكية..
وفي عهد معاوية عاد على البلاد الرخاء وانقطع النزاع بين القبائل وامتد الإسلام من نهر جيحون إلى النيل.
ونادى بابنه يزيد وليا للعهد ( ولم يكن يعلم فسقه) ..
ولما مات معاوية اشتعلت نار الحرب فقد أرسل مسلمو الكوفة إلى الحسين يعدونه بتأييد اختياره للخلافة إذا جاءهم..
وخرج الحسين من مكة ومعه أسرته وسبعون من أتباعه المخلصين ولما أصبحت تلك القافلة على بعد 25 ميل شمال الكوفة قابلتها قوة من جند يزيد بقيادة عبيد الله وحمل رأس الحسين إلى الكوفة ..
وأقبل عبد الله ينكثه بالقضيب فقال أحدهم : "ارفع قضيبك فطال والله ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع فمه على فمه يلثمه"
وثار على يزيد أيضا عبد الله بن الزبير ولكن جنود يزيد السوريين هزموه؛ وحاصروه في مكة وسقطت الحجارة من مجانيقهم في فناء الكعبة وأحرق الكعبة ..
ومات يزيد وأعقبت موته سنتان ساد فيهما الفوضى وتولى الخلافة فيهما ثلاثة من الخلفاء جاء بعدهم عبد الملك بن مروان فقضى على هذا الاضطراب..
وأخضع قائده الحجاج أهل الكوفة وأعاد حصار مكة ودافع عنها عبد الله وكان في الثانية والسبعين تشجعه أمه أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنها لكنه قتل.
تولى بعد عبد الملك ابنه الوليد واستولى المسلمون على أسبانيا وامتدت رقعة الإسلام من شمالي الهند وأفغانستان وإيران إلى شمال أفريقيا وقبرص.
وقام الحجاج بتجفيف المستنقعات وإصلاح الأراضي والقنوات واستعمل حركات الإعراب.
وأنشأ الوليد أول مستشفى للأمراض المعدية (حميات)وخلفه أخوه سليمان الذي أوصى بالخلافة من بعده لابن عمه مجدد القرن الأول : الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز وهو ابن 37 عاما (717-720 م).
وخلفه أخوه سليمان الذي أوصى بالخلافة من بعده لابن عمه مجدد القرن الأول : الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز ، و هو ابن 37 عاما (717-720 م).
واعتزم عمر أن يكفر في خلافته عن جميع ضروب الفساد التي ارتكبتها الملكية فأحيا الشعائر وتقشف وأمر أهله بذلك ولم يلتفت للشعراء والخطباء بل قرب إليه أتقى العلماء وقام بعزل والي الخراج في مصر لما علم بأنه يستنزف موارد مصر وقبض عليه وأصدر أمرا بوقف تحصيل الخراج لمدة عام ودخل كثير من أقباط مصر في الإسلام بسبب عدل الخليفة معهم..
وعقد الصلح مع الدول الأجنبية واستدعى الحاميات التي كانت قائمة في المدن الإسلامية المعادية للأمويين وشجع غير المسلمين على اعتناق الإسلام..
ولما شكا إليه عماله من أن هذا سيفقر بيت المال قال : والله لوددت أن الناس كلهم أسلموا حتى نكون أنا وأنت حراثين نأكل من كسب أيدينا"..
ولما أراد بعض مستشاريه أن يوقفوا حركة الدخول في الإسلام بأن حتموا الختان على معتنقيه أمرهم عمر بالاستغناء عن الختان..
وحرم على غير المسلمين مناصب الدولة ومنعهم من بناء معابد جديدة
كانت مقاليد الحكم وصلت عن طريق الإرث ولكن لما قام لأخذ بيعته من الناس أعلن لهم" لقد أعفيتكم من بيعتي يا قوم فاتخذوا من شئتم خليفة لكم من دوني" ولم يتول الخلافة حتى أبدى الناس رضاهم..
ورد على الذين كانوا غصبوا أراضيهم و أملاكهم كل ماكانوا غصبوه مما أدى لهبوط إيراده السنوي هو نفسه من 50000 دينار إلى 200 فقط وحرم على عشيرته أموال بيت المال حتى مرتب الخلافة..
ثم أقبل على نظام الحكم فعزل الولاة الظالمين وألغى كل ضريبة بغير حق ومنها إتاوة الري وأرجع لغير المسلمين معابدهم ورد لهم أراضيهم وقمع جميع المعاصي كشرب الخمر..
قال أحد الرواة : أن الناس كانوا يلتقون في زمان الوليد فيسأل بعضهم بعضا عن البناء والمصانع والرياض ، وفي عهد سليمان يسأل بعضهم بعضا عن الجواري ، فلما ولي عمر كان يقول الرجل للرجل : ما وردك الليلة ؟ وكم تحفظ من القرآن ؟ ومتى تختم ؟ وما تصوم؟
كم من طيات العصور الخالية
عظة لأبناء الدهور الآتية
إن الحياة قصيدة أبياتها
أعمارنا والموت فيها القافية
ودعا إلى الإسلام ما جاورت الدولة الإسلامية من الولايات فأسلم غير قليل منها..
وكان في نيته إلغاء طريقة الحكم الوراثي وإعادة نظام انتخاب الخلفاء ولكن بني أمية دسوا له السم حتى مات..
كان عمر نبراسا للخليفة العادل في أي زمان ومكان ..
1. فاقتصد في نفقاته ونفقات أهله
2. أزاح عنه منافقي السلطة والمتكسبين منها
3. اتخذ العلماء الأتقياء مستشارين
4. عقد الصلح مع الدول الأجنبية
5. منع مناصب الدولة عن غير الأتقياء
6. بعث حركة علمية أنتجت للإسلام الأئمة الأربعة ومنع إشاعة العقائد الفاسدة.
[COLOR="rgb(255, 0, 255)"]القرن الثاني من 102 – 241هجرية- نكبة ضياع العلم[/COLOR]
"ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا " الإسراء 41
كثر اللغط وسب الصحابة وتزوير التاريخ في صراع الإمام علي مع معاوية رضى الله عنهما أثناء الدولة الأموية والعباسية ..
وأثار الملاحدة في الدول التي فتحها الإسلام عجاج الجدل في صفات الله وفي الجبرية والقدرية والوحي والعقل..
كما أدى كشف آثار اليونان الفكرية عن طريق التراجم إلى ظهور عالم جديد : عالم كان الناس يفكرون فيه في كل شئ ولا يقيد عقولهم شئ
وافتتن المسلون بالمنطق اليوناني لأر سطو وسلب لبهم بهجة الفلسفة المحببة كما سلبت لب الشباب أيام أفلاطون..
وسرعان ما أخذ صرح العلم يتصدع وينهار وكانت البداية التقريبية لهذا العهد هو الجدل الذي ثار حول موضوع خلق القرآن للمعتزلة وكانت نشأة الفلسفة في الإسلام على يد المعتزلة الذين ينكرون قدم القرآن وانتشرت عقائد المعتزلة أثناء خلافة المنصور وتغلبت في أماكن متفرقة على غيرها من الآراء..
وافتتن المأمون نفسه بهذه النزعة العقلية الآخذة في القوة وبسط عليها حمايته وانتهى الأمر بأن جعل عقائد المعتزلة مذهب الدولة الرسمي تلك المستمدة من الثقافة اليونانية..
وأصدر عام 832م أمرا يفرض فيه على جميع المسلمين بأن يعتقدوا بأن القرآن قد خلق في وقت بعينه وأتى هذا بأمر آخر يقضي بألا يعين قاضيا في المحاكم من لا يعلن قبوله لهذه العقيدة الجديدة أو أن تقبل فيها شهادته..
وصدرت بعد هذين القرارين قرارات أخرى تحتم قبول عقيدة حرية الإرادة (ليست الأحداث مقدرة من عند الله تعالى) وانتهى الأمر بأن جعل رفض هذه العقائد من الجرائم التي يعاقب مرتكبها بالإعدام ..
وتوفي المأمون بعد عام ؛ لكن المعتصم والواثق اللذين توليا الخلافة بعده أصلا هذه الحملة الفكرية ..
وبدا أن صرح الإسلام القائم على القرآن قد أصبح وشيك الانهيار غير أن عاملين اثنين في هذه الأزمة الشديدة جلت النصر النهائي لأهل السنة
1. ولاء الناس لعقائدهم
2. ظهور الأئمة الأربعة مجددي القرن الثاني الهجري..
فكان أن ظهر أبو حنيفة والذي أعلنها قاعدة علمية شرعية أن أفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ثم من أمته أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، وأن معاوية صحابي جليل ، وقد كان الحق مع على في خلافه..
وبدأ الشافعي في المهمة العلمية الجليلة بتنصيف الفقه وإدخال العقلية العلمية في علوم الدين حتى قال عنه ابن حنبل : أنه ما من قلم وضع على ورقة لسطر علم إسلامي إلا وللشافعي فضل فيه.. فبفضل الشافعي (والأئمة الأربعة) تم التحقيق في علوم القرآن والسنة والاجتهاد و التدوين وتم استخراج من أصول الدين صورة تفصيلية لقوانين الإسلام ..
وقاوم الإمام ابن حنبل هذا الاضطهاد الفكري وندد به ولما استعدى لمناقشته في أمر المبادئ الجديدة أجاب عن كل ما وجه إليه من الأسئلة بإيراد شواهد من القرآن تؤيد آراء أهل السنة فضرب حتى أغمي عليه وألقي في السجن..
وكان تعذيبه هذا من العوامل التي مهدت السبيل لرفع راية العلم من جديد .. قال الإمام أبو سهل الصعلوكي: أعلى الله تعالى هذا الدين بعد ما ذهب أكثره بأحمد بن حنبل..
وبذلك أوجد هؤلاء العباقرة (الأئمة الأربعة)مذاهب للفكر بقيت بقوتها تنجب المجتهدين إلى سبع قرون برغم المشاق التي تعرضوا لها من الحكم الملكي..
ومن ذلك العهد الإسلام أصبح العلماء كالمجالس النيابية الآن لايهمهم أغضب الحاكم أم رضي
[COLOR="rgb(255, 0, 255)"]القرن الثالث إلى307 هجرية - نكبة الافتراء على القرآن[/COLOR]
"وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم أكنه أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا" " الإسراء 46
بدأ الضعف السياسي يدب في الدولة بعد أن وصل ذروة ازدهار ه أيام الرشيد ..
فبعد وفاة المتوكل تولى خلفاء ضعاف فبدأ تفكك الخلافة بالدولة الطولونية في مصر..
وظهرت نزعة التصوف والإفراط فيها مثل ابن منصور الحلاج بعد أن كانت معتدلة (كأيام رابعة العدوية وابراهيم بن أدهم) وظهرت منهم طوائف مارقة تخفي تحت ستار العقائد الدينية آراء سياسية ثورية أو تدعو إلى الفوضى الأخلاقية والقانونية ..
ومن بين هذه الطوائف وأخطرها على الإسلام على مدى القرون : طائفة الاسماعيلية ..
فكان الشيعة يقولون إن على رأس كل جيل من أبناء الإمام علي إلى الجيل ال12 إماما وزعيما .. فعين اسماعيل إماما من قبل أبيه جعفر الإمام السادس ويقال أنه أدمن الخمر فخلعه جعفر ورأى بعض الشيعة أن بيعة إسماعيل لا يجوز نقضها وقالوا أنه آخر الأئمة وظلت طائفة الإسماعيلية نحو مائة سنة لايؤبه لها ..
حتى تزعمها ابن ميمون القداح وأرسل المبشرين يدعون إلى عقيدة الطائفة في الخفاء في بلاد الإسلام وكان يقال لمن يدخل في مذهبهم أنه بعد أن يمر بتسعة مراحل ترفع عنه جميع الحجب فيصبح فوق كل قانون..
ولما مات القداح تولى زعامة الإسماعيلية فلاح عراقي حمدان قرمط (القرامطة) وكان يرمي للقضاء على العرب وإعادة الدولة الفارسية وكانت في ظاهر الأمر صوفية وكانوا يقولون بشيوعية النساء وأخذوا يفسرون القرآن تفسيرا مجازيا لا يتقيدون فيه بأقوال أهل السنة ويتحللون من الشعائر الدينية ..
(وقد أسست الطائفة الاسماعيلية الخلافة الفاطمية عام 909 م
فقد دعا أبو عبد الله للمذهب الشيعي في تونس وأنهى حكم الأغالبة واستدعى عبيد الله بن محمد وزعم أنه حفيد عبد الله إمام الإسماعيلية ونادى به ملكا وقال عبيد الله زورا أن نسبه يمتد إلى السيدة فاطمة وسمى أسرته بالأسرة الفاطمية .. وعند محاولتهم دخول مصر كشفت حملتهم عن ميل نسبة كبيرة من المصريين إلى الدعوة الفاطمية بفضل تأثير بعض دعاة المذهب الإسماعيلي في مصر)..
فكان أن ظهر شيخ المفسرين أبو جعفر محمد الطبري
وهو من أصل فارسي ليضع أكمل تفسير للقرآن منذ البعثة النبوية: تفسير الإمام الطبري في أربعين عاما والذي أخرس به أفواه المتأولين كذبا على كتاب الله من الطوائف المارقة..
ومافعله الطبري للإسلام يتلخص في الرؤيا التي رآها أبوه وهو صغير: أن ابنه واقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه مخلاة مملوءة بالأحجار وهو يرمي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له
إن ابنك إن كبر نصح في دينه وذب عن شريعة ربه..
قال السيوطي : كتابه أجل التفاسير فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال والإعراب والاستنباط.. وقال النووي: أجمعت الأمة على أنه لم يصنف مثل تفسير الطبري ..
والطابع المميز لتفسير الطبري: اعتماده على المأثور عن النبي صلي الله عليه وسلم وعلى آراء الصحابة والتابعين ثم أضاف بالمأثور ماعرف في عصره من نحو وبلاغة كما رجع إلى القراءات وتخير منها وعرض كثيرا من آراء الفقهاء واستعان بكتب التاريخ..
ولم يقع فيما وقع فيه مفسري القرآن من تصوير لبعض كلمات القرآن المحيرة تمثيلا وصورا خاطئة تلك التي نعلم الآن تفسيرها على أساس علمي وتثبت الإعجاز العلمي..
فقد أخطأ الكثير من مفسري القرآن في تفسير بعض الآيات التي لم يكن باستطاعتهم أن يفطنوا إلى معناها الدقيق فالتفسير الصحيح لم يكن ممكنا إلا بعد ذلك العصر بكثير ذلك يتضمن أن المعارف اللغوية المتبحرة لا تكفي وحدها لغهم هذه الآيات القرآنية بل يجب بالإضافة إليها امتلاك معارف علمية شديدة التنوع.
ولقد حيرت بعض كلمات القرآن مفسري القرآن إذ لم يكن بمقدورهم أن يتخيلوا مثلا أن كلمة فلك في الفرآن تعني الرحلة الدائرية للقمر والشمس في الفضاء فيضيف الطبري عند التعرض لهذه الكلمات هذا التعليق الحكيم "ونسكت عما لا علم لنا فيه" و هذا يدل على أنه إذا كانت كلمة فلك تعني مفهوما سائدا في العصر الأول لما لقي تفسير هذه الآيات مثل هذا المصاعب ، وعليه فقد قدم القرآن في ذلك العصر مفهوما جديدا لم يتضح إلا بعد قرون عدة وهو مدار الشمس والقمر مما يزيد من قيمة الإعجاز العلمي للقرآن.
كما كتب الطبري إحدى أشهر كتب التاريخ تاريخ الطبري على مدي أعوام طوال..
[COLOR="rgb(255, 0, 255)"]القرن الرابع إلى 456 هجرية (1064 م)- نكبة الشيع والأهواء وإحياء علم الاجتهاد[/COLOR]
"أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض" و" قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا" الإسراء 96
تفشت العصبيات الجنسية والقبلية بعد أن أفلت نجومها بطلوع شمس الإسلام وقد كانت هذه العصبيات رفعت رأسها في العصر الأموي من جديد ثم مافتئت تشتد وتترعرع في المجتمعات الإسلامية
وكان الملوك يستغلون هذه العصبيات لتحقيق مصالحهم الشخصية
- ظهر المذهب الدرزي .
- نهب القرامطة مكة وعادوا بالحجر الأسود .
- توقف الحج خوفا من القرامطة.
- كثرت الفتن بين السنة والشيعة.
- ظهر الرافضة يسبون الصحابة.
- ابتلي الإسلام بالفاطميين.
- وامتد حكمهم من المغرب للشام والحجاز.
وانتشرت بدعهم من احتفالات رأس السنة الهجرية ومولد النبي صلى الله عليه وسلم ومولد علي والحسين وفاطمة وعاشوراء وأول رجب ونصفه وأول شعبان ونصفه ووفاء النيل وتفشى اللهو والانحلال الخلقي
وأنشأ الحاكم بأمر الله دار الحكمة لتكون رمز الدعوة الشيعية ..
وكان الطلاب يتلقون إلى جانب فقه الشيعة علوم الفلك والطب والرياضيات مما غلب عليها الصبغة العلمية خلاف المساجد الفاطمية الأخرى وكان بين أساتذتها ابن الهيثم..
وحسنة أخرى لهم أن أنشأ الأزهر العبد المسيحي سابقا جوهر الصقلي في شعبان 358 ه –972 م..
وفي عام 988 م – 374ه أشار الوزير يعقوب على الخليفة العزيز أن يعلم على حسابه 35 طالبا في الأزهر وبهذا نشأت أقدم جامعة في العالم..
ولما نمت اجتذبت إليها طلابا من جميع أنحاء العالم الإسلامي
وكان كبار العلماء يفدون إلى الأزهر ليعلموا الطلاب النحو والبلاغة والرياضة والعروض والمنطق والحديث والتفسير والشريعة
ولم يكن الطلاب يؤدون أجورا كما لم يكن الأساتذة يتناولون مرتبات بل كانت تعتمد على الأموال الحكومية وهبات المحسنين..
وقد كان الفاطميون أغنى حكام زمانهم حتى أن الحاكم بأمر الله جن من فرط الثراء فأمر بهدم كنيسة بيت المقدس التي فيها قبر المسيح وكان هذا من أسباب قيام الحروب الصليبية ، وعرف بالشذوذ في قراراته وألغى المذهب السني وعم الشيعي وأمر بسب الصحابة ، وقدم مصر عام 1018 م- 405 هـ وفد من الشيعة من فارس بشروا بتأليه الحاكم بأمر الله فهاج الشعب على كبيرهم في الأزهر (وهو محمد الدرزي والذي كان معينا من الحاكم مشرف على شئون الدولة ففر إلى الشام وكون الطائفة الدرزية).
أيد الفاطميون سلطانهم بجمع طائفة الإسماعيلية في جماعة كبرى ذات طقوس واستخدموا أعضاءها في الدسائس السياسية وحرص الفاطميون على اتباع نظام الوراثة عند الإسماعيلية ، وانتقلت طقوس هذه الجماعة إلى أوروبا (فرسان المعبد وغيرها من الجماعات السرية )
واهتم الفاطميون على نشر المذهب الإسماعيلي في الأزهر..
وأما المذاهب السنية فقد وقف فيها الاجتهاد وتجمدت فبعد الأئمة الأربعة فترت همم الناس وتحركت فيهم غريزة التقليد والتعصب حتى أن بعضهم ينزل قول إمامه قول الشارع حتى قال الكرخي : كل آية أو حديث يخالف ما عليه أصحابنا فهو مؤول أو منسوخ!!!
وحدث القول بانسداد باب الاجتهاد وصارت الشريعة هي أقوال الفقهاء،
ومما ساعد ذلك ما قام به الحكام من إنشاء المدارس وقصر التدريس فيها على مذهب وقدرت وظائف للفقهاء على المذاهب ومن خرج عن ذلك لم ينله مرتب..
وأيضا بداء العصبية القبلية هوى الحكم الأموي وإليه يرجع الدور الأكبر في تدمير العرش الأموي في الأندلس عام 1031م – 423 هـ والقضاء على الكيان الإسلامي منها
وظهر هناك ابن حزم من جهابذة علماء الدين ..
وظهر هناك ابن حزم من جهابذة علماء الدين والمؤرخين كما كان وزيرا لآخر الخلفاء الأمويين وتوفي 456ه –1064 م..
ويعد كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل" الذي يتكلم فيه عن اليهودية والزرداشتية والمسيحية والفرق الإسلامية المختلفة من أقدم ما كتب في علم مقارنة الأديان ..
وابتعد عن التعصب الأعمى للمذاهب الفقهية ووصل بمآخذ الأدلة من الكتاب والسنة في سهولة ويسر وعمل على التنبيه على الحكم والفوائد ما أتيحت لذلك فرصة ..
وانتقد بشدة تفرق المسلمين "ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم "& "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ" & "ولاتكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ماجاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم"..
وأكد عموم الرسالة بأنه ليس فيها ما يصعب على الناس اعتقاده أو يشق عليهم العمل به ، وأن مالايختلف باختلاف الزمان والمكان كالعقائد والعبادات جاء مفصلا تفصيلا كاملا فليس لأحد أن يزيد فيه أو ينقص منه
وأن كل مافيها من تعاليم آنما يقصد به حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ النسل وحفظ المال ..
وعلى ضوء الكتاب والسنة سار الصحابة ومن بعدهم ولما جاء أئمة المذاهب الأربعة تبعوا سنن من قبلهم وكانوا ينهون عن تقليدهم ويقولون لا يجوز لأحد أن يقول قولنا من غير أن يعرف دليلنا وصرحوا أن مذهبهم هو الحديث الصحيح..
وهب ابن حزم يصيح بهؤلاء الجامدين من المقلدين دون فهم دونكم النبع الصافي الكتاب والسنة .
[COLOR="rgb(255, 0, 255)"]القرن الخامس إلى505 هجرية (1109 م) - إحياء علوم الدين على الفلسفة.[/COLOR]
"ولاتقف ماليس لك به علم" الإسراء36
"إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم" الإسراء 9
كانت العلوم تسير قدما في طريق الرقي ، فقد افتتح في عهد هارون الرشيد اول مصنع للورق..
وفي 750م – 131 ه ابتدع جابر بن حيان (702-765) الكيميا وقال بالطريقة التجريبية والتي كانت أهم أدوات العقل الحديث ..
وفي القرن التاسع الميلادي اخترع ابن فرناس النظارة والساعة وآلة طائرة..
وفي القرن العاشر (وقيل التاسع) وضع الخوارزمي اسم الجبر على هذا العلم وارتقي به ..
وفي عام 972م –358 هـ نشأت أقدم جامعة في العالم : الأزهر..
وفي القرن الحادي عشر الميلادي –كان دافنشي المسلمين: البيروني (973 – 1048 م ) يبهر العالم بعلمه فلم يكد يخالجه أدنى شك في كروية الأرض ولاحظ أن كل الأشياء تنجذب نحو مركزها وقال : إن الأرض تدور حول محورها مرة في كل يوم وحول الشمس مرة في كل عام..
وفي عام 1000 م – 387 هـ اشتهر ابن الهيثم بكتاب المناظر في البصريات وهو أساس اختراع المجهر والمرقب وهو أعظم كتاب علمي في العصور الوسطى..
(وفي القرون التالية للقرن الخامس الهجري أيضا برز الإدريسي وخريطته هي الأعظم في العصور الوسطى وكان يجزم أيضا بكروية الأرض ..
وكانت أعظم مستشفيات العصور الوسطى مستشفى السلطان قلاوون 1285- 686 ه في القاهرة ).
كما كان معرفة العالم للبوصلة والطباعة والبارود وتكرير السكر (sugar من سكر العربية) والزجاج والأقمشة الفاخرة والورق وزراعة القطن عن طريق المسلمين في الأندلس والحروب الصليبية..
واستيلاء المسيحيين على طليطلة في عام 1085 م – 479 هـ زاد معلومات المسيحيين الفلكية وأبقى على الاعتقاد بكروية الأرض كما قال ول ديورانت..
وأيضا طوروا طواحين الهواء وكانت بداية تطور علم الميكانيكا..
كما كان ترجمة العلماء الإغريق الذي بدأ من عهد المأمون هي التي أبقت على علومهم فوصلت أوربا عن طريق قرطبة وجنوب أسبانيا..
وجملة القول بشهادة الغربيين أن ابن سينا (890-1037 م) أعظم من كتب الطب في العصور الوسطى ( أصبح كتابه القانون ( بعد ترجمته في القرن ال12 ) المعتمد عليه في دراسة الطب في المدارس الأوروبية حتى أواسط القرن ال17)..
والبيروني أعظم الجغرافيين والفلكيين..
وابن الهيثم أعظم علمائها في البصريات ( ولقد ظلت الدراسات الأوروبية للضوء تعتمد على بحوث ابن الهيثم حتى القرن الخامس عشر )..
وابن ماجد أعظم بحاريها (وضع ابن ماجد أهم وثيقة في علم البحر في العصور الوسطى)..
والبيطار أعظم علماء النبات والصيدلة (موسوعة ابن البيطار في علم النبات كانت المرجع حتى القرن ال16 )..
وجابر بن حيان أعظم الكيمائيين فيها ..
وأعظم رياضييها الخوارزمي وعمر الخيام..
وأعظم شعرائها الخيام (فشعره من أكثر مايقرأ من الشعر في العالم (1038-1123)..
وأعظم رحاليها ابن بطوطة (القرن الرابع عشر)
فإذا كان العلم قد ولد بملاحة الأسبان في القرن ال15 وباكتشاف كروية الأرض ودخول الآلة.. وإذا كان العلم قد سارع الخطى في القرن ال16 بفلك كوبرنيكس وبالإيطاليين (دافنشي و جاليليو) .. ثم إذا كان العلم قد تفجر في القرن ال17 بنيوتن .. وانطلق العلم في القرن ال18 بالإنجليز بالمحرك البخاري والثورة الصناعية .. ثم وصل العلم مرحلة البلوغ في القرن ال19 بالأوروبيين بظهور التطعيمات وبالمحرك الكهربي .. ثم وصل عنفوانه في القرن ال20 بالأمريكان والفيزياء النووية وأينشتين وظهور المضادات الحيوية والتكنولوجيا .. فإن بداية العلم الحديث ونشأته جنينا كان على يد المسلمين بإجماع علماء الشرق والغرب من القرن الثامن إلى ال14 الميلادي.
ولكن نظرا لتفشي الفلسفة ونزعة التشكك عند بعض كبار العلماء كان الدين يكافح للاحتفاظ بولاء الطبقات المتعلمة ..
فقد بقي ابن سينا متمسكا بفلسفة أرسطو واسترشد في بحوثه بأرسطو والفارابي والذي كان يدعو إلى تجديد الإسلام بمزيج من الفلسفة اليونانية والمسيحية والتصوف وآراء الشيعة..
وكان رد الفعل الذي نتج من هذه الحركة المتشككة هو ظهور أبي حامد الغزالي أعظم علماء الدين المسلمين..
وكان رد الفعل الذي نتج من هذه الحركة العلمانية (التي كادت أن تودي بالمسلمين كما فعل فكر فولتير في الغرب ) هو ظهور أبي حامد الغزالي حجة الإسلام ومجدد القرن الخامس الهجري..
فاستعان على الفلسفة بجميع فنون العقل والجدل الفلسفي في كتابه تهافت الفلاسفة ليثبت أن العقل يؤدي بالإنسان للتشكك في كل شئ وللإفلاس الذهني والانحطاط الخلقي ..
وإذا كان الفلاسفة يعدون عقلهم إلههم فإن الغزالي يضع الأمور في نصابها حيث يذكر أن العقل ميزان الله في أرضه ولكن المحسوسات تشوش عليه وهناك أمور ليس للعقل سبيل للقطع بها مثل البعث والغيبيات..
وقسم الغزالي الحقائق إلى حقائق تدركها الحواس (ونقد عالم المحسوسات وفقد الثقة بها واتهمها بأنها تجعل النجوم تبدو ضئيلة برغم أنها أكبر من الأرض واستخلص أن الحواس ليست طريقا موثوقا به موصلا إلى الحقيقة )..
ثم حقائق أقوى يدركها العقل (وذكر أن العقل يعتمد على الحواس ولكن في المنام قد يخدع العقل إذن فليس بالعقل وحده تعرف الحقيقة )..
ثم حقائق أقوى يدركها القلب .. إذن فهو القلب لأن العقل لايستطيع معرفة نفسه ولكن الحب والقلب يستطيعان ويصل القلب لأعلى مراتب اليقين عن طريق الزهد والتفكر في صفات الله ومخلوقاته..
وظهرت قدرته على التوفيق بين الدين والعقل وكان هذا سبب شهرته في الغرب بعد تفوق العقل والعلم والتنوير في عصره الأمر الذي فشل الغرب فيه في نهضتهم..
وقد قضى بكتابه تهافت الفلاسفة على الفلسفة في الشرق قضاء مبرما لم تقم لها بعده قائمة ( بالرغم من ظهور ابن رشد في أقصى أركان العالم الإسلامي ) بعد أن كادت تودي بالمسلمين لعلمانية الغرب الآن..
وعاد الغزالي في آخر الأمر عن طريق التصوف إلى العقائد الدينية السليمة في الإحياء ولما توفي عام 1111 م – 505 هـ كانت موجة الإلحاد قد ردت على أعقابها واطمأنت جميع قلوب المؤمنين بل إن رجال الدين المسيحيين أنفسهم قد أثلج صدورهم ماوجدوه في كتبه بعد أن ترجمت إلى اللغات الأجنبية من دفاع حار عن الدين وعرض بليغ لقواعد التقى والصلاح لم يروا له نظيرا بعد أيام أوغسطين..
وأصبح الحديث والقرآن موضع اهتمام العقول الإسلامية من جديد وبدون محاكم تفتيش الغرب كما في عصر النهضة ودون اقتتال كما حدث في حركة لوثر..
وتتلخص أعمال حجة الإسلام في الآتي :
1. أزال الغزالي غلبة الفلسفة اليونانية حتى في أوروبا (منطق أرسطو) وفتخ باب دور النقد العلمي ، ومنه أخذ روجر بيكون في القرن ال13 وفرنسيس بيكون في القرن ال17.
2. أثبت الحجة العقلية لشرائع الدين ووراء العقائد براهين منطقية وأنها ليست كهنوت كالمسيحية غير مفهوم وهو مادعا أوروبا للإلحاد.
3. بين ضآلة اسباب فرقة المذاهب والأمور الدخيلة على العقيدة.
4. العودة من القشور والتقليد إلى الروح والشعور .
5. عرض المقياس الصحيح للأخلاق.
6. كانت دعوة الغزالي الصوفية إعدادا للمسلمين لبذل النفس والنفيس لمصائب القرن الذي يليه والتي بدأت في أواخر القرن الخامس الهجري عام 1096 م – 492 هـ بالحروب الصليبية التي استولت على القدس وذبحت 70000 مسلم.
[COLOR="rgb(255, 0, 255)"]القرن السادس إلى 648 هجرية (1250 م)- فتنة تفرق المسلمين[/COLOR]
"وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا"الإسراء 58
"ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"
في القرن السادس الهجري بدت على العالم الإسلامي أمارات الضعف بعد توزع السلاجقة ملوكا وأمراء في الأنحاء وبسبب التنازع والحروب بينهم برغم أن سلاطين السلاجقة كانوا يعدون من أقدر وأعظم الحكام في العصور الوسطى وهم الجناح العسكري للدولة العباسية وكانوا يعاملون أهل الكتاب معاملة بلغ من تسامحها أن المؤرخين البيزنطيين يحدثوننا عن جماعات مسيحية تطلب إلى الحكام السلاجقة أن يأتوا إليها ليطردوا حكامها البيزنطيين الظالمين..
بدأت الغزوات الصليبية نتيجة زحف الأتراك السلاجقة تتحدى الإسلام وتهدد الجزيرة العربية والدول المجاورة للشام واستولى الصليبيون على القدس وعامة مدن الشام فكانوا أكبر خطر على الإسلام بعد فتنة الردة..
واستنزف المسلمين الحروب دماءهم وساد فيهم جهل الفاطميين والفقر ..
هنالك قيض الله للإسلام عماد الدين زنكي ( 541 هـ – 1147 م ) الذي ولد عبدا رقيقا قارع الصليبيين وهزمهم في معارك كثيرة وقام بعد اغتياله ولده التركي نور الدين وكان يماثله في شجاعته ويفوقه في قدرته ، واحتل مصر بفضل شيركوه وابن أخيه صلاح الدين الكردي بعد أن تعاون الفاطميين مع الصليبيين وفتح الشام ..
وكانت أخبار هذه الحوادث هي التي أثارت أوربا ودفعتها إلى الحرب الصليبية الثانية..
وفي القدس المحتلة كان الفرسان الصليبيون يتنازعون على العرش ونصب ريجنالد نفسه أميرا في الكرك وأعلن عزمه على أن يغزو بلاد العرب ويهدم قبر النبي في المدينة ويدك أبنية الكعبة في مكة..
و هيأ الله لمهمة طرد الصليبيين هذه المهمة العظيمة صلاح الدين
و هيأ الله لمهمة طرد الصليبيين هذه المهمة العظيمة صلاح الدين ملك مصر وهو الرجل الذي أدخل أوربا في عهد جديد تخلت فيه عن سيطرة الكنيسة فكان بذلك معجزة من معجزات الإسلام..
وقد توحد العالم الإسلامي من بين نهر الفرات وبين النيل للمرة الأولى بعد مدة طويلة ليقاتل أوربا وكان صلاح الدين في هذه الأثناء قد قنع بشن بعض الغارات الصغيرة في فلسطين فلما رأى مافعله ريجنالد ثارت حميته الدينية فأخذ ينظم من جديد جيشه وهاجم ريجنالد في قلعة الكرك ولكنه لم يستطع دخول القلعة الحصينة فوقع مع المملكة اللاتينية هدنة بعد أن قتلت سرية مصرية قوة ريجنالد من الفرسان في البحر الأحمر والذين كانوا متجهين للحجاز ..
ولكن ريجنالد نقض الهدنة واعترض قافلة من المسلمين وأسر عددا من أفرادها ومنهم أخت صلاح الدين وقال: إذا كانوا يثقون بمحمد فليأت محمد لينقذهم..
ولم يأت محمد.. ولكن صلاح الدين ثارت ثائرته فأعلن الجهاد على المسيحيين وأقسم ليقتلن ريجنالد بيده..
ونشبت المعركة الفاصلة عند حطين.. وأمر صلاح الدين أن يؤتى له بالملك جاي والدوق ريجنالد فقدم الشراب للملك دليلا على أنه قد عفا عنه أما ريجنالد فقد خيره بين الموت والإسلام فلما رفض قتله..
ولما اقترب من القدس خرج إليه أعيانها فقال لهم : إنه لايرضيه أن يهاجمها وعرض على أهلها أن تكون لهم الحرية في تحصينها ووعدهم بأن يسد ماينقصهم من المال والطعام إلى يوم فإذا حل هذا اليوم فلهم إما أن يقاوموا أو يستسلموا وتعهد في هذه الحال أن يحافظ على أرواح السكان المسيحيين وأموالهم..
ورفض المندوبون هذا العرض ولم يطل حصار المدينة أكثر من 12 يوما ولما أن استسلمت فرض صلاح الدين على أهلها فدية عن كل رجل ونصفها عن كل امرأة وعشرها عن كل طفل ..
وطلب العادل أخو صلاح الدين أن يهدي إليه ألف عبد من الفقراء الذين بقوا من غير فداء فلما أجيب إلى طلبه أعتقهم جميعا ، ثم أعتق صلاح الدين كل من لم يستطع أداء الفدية من كبار السن ومعهم ألفين آخرين وكان ممن افتدوا زوجات وبنات النبلاء الذين أسروا في حطين ورق قلب صلاح الدين فأطلق سراح من كان في أسر المسلمين من أزواجهن وآبائهن..
وبلغت نبل فروسية صلاح الدين أنه لما رأى رتشارد قلب الأسد في إحدى المعارك راجلا بعث إليه بجواد من عنده وقال : إن من العار أن يقاتل هذا الرجل الشهم راجلا.. وحين أصابته الحمى بعث إليه صلاح الدين بالفاكهة والثلج وطبيبه الخاص..
وسمو صلاح الدين على أعدائه في وفائه بوعده جعل المؤرخين المسيحيين يعجبون كيف يخلق الدين الإسلامي الخاطئ في ظنهم رجلا يصل في العظمة هذا الحد حتى أنه لم يترك في خزانته الخاصة بعد موته إلا دينارا واحدا..
ومن مآثر صلاح الدين أيضا:
· قضى على المذهب الشيعي ، فعزل صلاح الدين قضاة مصر الشيعة واستبدلهم بشافعية ، وأنشأ المدارس السنية وساعد على نصرة السنة سلطان العلماء في مصر: العز بن عبد السلام
· شجع العلم .. بنى صلاح الدين مدارس تحفيظ القرآن وكان معلموها يعلمون أبناء الفقراء مجانا نظير رواتب حكومية وشجع قدوم طلاب العلم حيث أعد بالاسكندرية سكنا لكل وافد ومدرسا يعلمه الفن الذي يريده ويجري عليه الرواتب وخصص لهم مستشفى وأجبر الأطباء بعلاج المرضى الذين لايرغبون في العلاج بالمستشفى في منازلهم بالمجان.
· كما تم إصلاح الاقتصاد بتوسيع نظام الري وجبي الزكاة وتوزيعها في الوجوه المقررة في الشريعة وقيام صناعات المنسوجات والزيوت والحديد وفرض رسوما جمركية على بضائع التجار الأجانب وعلى البضائع التي يجلبها التجار من الحجاز واليمن..
وأنشأ نقابات تضم أرباب الحرف وتم الإشراف عليهم للتأكد من توفير المواد الغذائية بأسعار معتدلة وعدم وجود غش في الأسواق..
وسطر ابن الأثير أحد جنوده تاريخ الإسلام ليكون حرزا ونبراسا للأمة في أوقاتها الحالكة..
حقق صلاح الدين الوحدة الإسلامية عن طريق كسب الأنصار ومنح المال لهم والإقطاعات ونظم الجيش وحسن علاقته بالامبراطورية البيزنطية وبث الكراهية بينها وبين الصليبيين..
وبرغم زحف أوروبا كلها للقدس لما استفزها البابا للعزو الصليبي وبذل النبلاء وأمراء الشعوب المسيحية وملوك انجلترا وفرنسا كل ما في وسعهم للاستيلاء على القدس فماذا كان مصير هذه الجهود كلها ؟
مات فردريك ورجع الملوك لبلادهم وبقيت القدس في حوزة صلاح الدين وانحسرت ممالك الصليبيين في شريط ساحلي 10 X 90 ميل
لقد وقف العالم المسيحي وقفة رجل واحد إزاء المسلمين ولكنه لم يستطع أن يزحزح صلاح الدين وبرغم إعياء جيشه من طول الجهاد مع عدو قوي فلم يسمع من جندي واحد أنين أو شكاة وعرض ملك الكرد وأرمينيا وقيصر قسطنطينية المساعدة لصلاح الدين فلم يقبل..
لقد كان الإخوة والأبناء والزملاء والولاة والعلماء كلهم متفقين على الجهاد وقاتلوا تحت لوائه وخدموه بكل ماعندهم فكانوا قلبا واحدا
ودحرت الدولة الأيوبية الحملات الصليبية من الثالثة حتى حملة لويس ملك فرنسا 1248 م- 646 هـ التي أسروه بها (السادسة والأخيرة)..
ولما وجد الملك الكامل استنارة ملك ألمانيا وإيطاليا فردريك (وكان أعظم ملوك الغرب استنارة في القرن ال13) صاحبه وأحب فردريك الإسلام وجعل المسلمين خير من يعتمد عليهم في جيشه وأخذ يراسل الكامل ويخبره أنه أعز أصدقائه وأدخل الشعراء المسلمين في بلاطه وأخذ يدرس علوم المسلمين ووافق على شريعة الإسلام و آمن بها أكثر من المسيحية حتى أن البابا اتهمه بالكفر عام 1239 بعد أن كان الألمان يعتبرونه داود ثان سينقذ أورشليم من ورثة صلاح الدين..
وكانت أوربا ترتاع لزيجاته وأراد أن يطلق زوجته بعد عام فأبى البابا فتحداه فيليب وتزوج فحرمه البابا فقال في حسرة :
ما أسعد صلاح الدين الذي ليس من فوقه بابا ..
وهدد بأن يعتنق الإسلام ..
أزال الكامل مذهب الاسماعيلية في مصر..
وظهر ابن رشد 1126 –1198 م (594 هـ) وكان من أعظم أطباء وفلاسفة زمانه فقد كان كموسوعة الطبية واسعة الانتشار في الجامعات المسيحية..
وقد أدت قدرته على التحليل لإذاعة شهرته في أوربا كلها وأكسبته اسم الشارح الأعظم لكتب أرسطو..
وقد حور عقائد أرسطو حتى توفي بحاجات الدين ولكن لجوره على بعض العقائد الإسلامية كان أثر ابن رشد في المسيحية أعظم منه في الإسلام ..
وكانت فضائح الحملة الصليبية مما لايرتاح إليه الدين المسيحي الذي واجه بعد زمن قليل فلسفة ابن رشد القائمة على تحكيم العقل فكانت من أسباب خروج أوربا من عباءة الكنيسة ..
ففي قرطبة كانت مكتبة الخليفة تحتوي على أربعمائة ألف مجلد وكان ابن رشد يعلم بها وبها أيضا كان يتم تناقل العلم اليوناني والهندي والفارسي لهذا السبب كان الكثيرون يسافرون من مختلف بلاد أوربا للدراسة بقرطبة مثلما يحدث في عصرنا أن نسافر إلى الولايات المتحدة لتحسين وتكميل بعض الدراسات..
صدر عن سكرتارية الفاتيكان لشئون غير المسيحيين وثيقة "توجيهات لإقامة حوار بين المسيحيين والمسلمين" وفي الطبعة الثالثة عام 1970: "الواقع أن الإسلام عبر التاريخ لم يكن أكثر تعصبا من المدينة المسيحية عندما كانت المسيحية تكتسب بشكل أو بآخر في هذه المدينة قيمة سياسية"..
ويستشهد المؤلفون بتعابير القرآن التي تبين أن ما يترجمه الفربيون خطأ بالحرب المقدسة يقال باللغة العربية الجهاد : "ليس الجهاد مطلقا ما يعرف بال kherem في التوراة فالجهاد لايسعى إلى الإبادة بل يسعى لأن يمد إلى مناطق جديدة حقوق الله والإنسان " " ولقد كانت أعمال العنف في حروب الجهاد في الماضي تخصع عموما لقوانين الحرب وفي عصر الحروب الصليبية لم يكن المسلمون دائما هم الذين ارتكبوا أكبر المذابح"..
[COLOR="rgb(255, 0, 255)"]القرن السابع إلى 728 هجرية - 1327 م- فتنة الترف والدعة وانتشار البدع[/COLOR]
"واستفزز من استطعت منهم بصوتك" 64 الإسراء
"فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا "
بدأ القرن السابع الهجري (600هـ) ال 13 الميلادي (1204 م ) بقحط وطاعون أهلك ثلث سكان مصر على مدى 3 أعوام..
وأتبع ذلك هجوم المغول على بلاد الإسلام (1219)- (616هـ) وبدأ المغول بحرب خوارزم الإسلامية فذبح في 13 يوم أكثر من مليون نسمة
وأخذ الصليبيون القدس في1229 م – 626 هـ ثانية بعد أن حررها صلاح الدين..
وفي 647 هـ – 1249 م حملة ملك فرنسا الصليبية على مصر
وفي الأندلس سرعان ما تأثرت دولة المرابطين بحياة الترف التي يحياها أمراء قرطبة وأشبيلية وحل لين السلم محل التربية العسكرية الصارمة واكتسبت النساء برقتهن ومفاتنهن سلطانات لا يدانيه إلا سلطان العلماء وذلك تبعا لخطة قام بها الأسبان لدس الجواري السبايا الفاتنات ليقضى المسلمون معهن أكثر الوقت وانغمس الخلفاء في الملذات واغتنم ملوك اسبانيا هذه الفرصة فأخذوا يستولون على دويلات الأندلس واحدة بعد واحدة وارتد المسلمون المغلوبون إلى غرناطة 1252 م – 650 هـ وظلت هي البقية الباقية من الإسلام في أوربا حتى آخر القرن التاسع الهجري .
ودخل هولاكو بغداد 1258 م– 656 هـ وأعمل فيها القتل 40 يوما فتك فيها ب800000 من أهله وهكذا قضى على الخلافة العباسية في آسيا
ودوخت غارات التتر الأمم المسلمة من نهر السند إلى الفرات وكان المسلون قد انحطوا إلى درك هاو لهزائمهم الملازمة لهم وخراب جميع مراكز علمهم وحضارتهم..
ولما ارتد تيار فتوح التتر الدموي خلف وراءه سكانا هلك نصفهم وتحطمت نفوسهم حتى أن المؤرخين المسلمين يذكرون أن ماحدث من الكوارث لم يحدث منذ بدء الخليقة ..
وبعدها سقطت بغداد في أيدي المغول 658هـ – 1260 م
وبدا أنها نهاية الحضارة الإسلامية ..
فقد بلغت الآن الحضارة الإسلامية في القرن ال13 أكثر من 6 قرون ( في حين ظلت الحضارة البابلية 4 قرون و اليونانية قرنان والفارسية قرنان والرومانية 5 قرون و المصرية 6 قرون)..
ولم تكن البلاد والأنفس فقط هي المهددة بل وأهم من ذلك الدين نفسه وكان علماء ذلك العصر قد بلغوا من التقهقر أن المماليك قسموا قانون دولتهم على قسمين أحدهما شخصي حسب حكم الشرع والآخر مدني ومبني على الدستور الجنكيزي ..
وماكان رائجا في البلاد من قانون الشرع الشخصي لم يكن إلا لعامة الرعايا وأما المماليك فكانوا يتبعون حتى في أمورهم الشخصية القانون الجنكيزي في أغلب الأحوال حتى أن المقريزي روى أنهم قد أذنوا في قيام دور البغاء في بلادهم ..
وقد اغتصبوا ثروات مصر والشام وقسموا أرضها إلى 24 قيراطا 4 للسلطان و10 للأمراء المماليك و10 لأجناد المماليك وكذلك قسموا جميع موارد الدولة إلى إقطاعات بين أمرائهم أما أصحاب البلاد فقد حرم عليهم حتى ركوب الخيل وتركت لهم التكايا..
وعاش الفلاح أيام المماليك حياة بائسة كلها ظلم مقيدا بالأرض وتكون من العوام الجهلة والعلماء طلاب الدنيا والملوك الغاشمين اتحاد ثلاثي عجيب لم يكن القيام في وجهه لإصلاح الأمر بأهون من مصافحة الموت
ولم يجترئ على رفع راية الإصلاح في ذلك العصر المظلم إلا رجل واحد فذ هو الإمام ابن تيمية مجدد القرن السابع الهجري..
ولم يجترئ على رفع راية الإصلاح في ذلك العصر المظلم إلا رجل واحد فذ هو الإمام ابن تيمية مجدد القرن السابع الهجري..
لم يحز في نفس معظم من عاصر ابن تيمية من العلماء والصوفية كل هذه النكبة وكانت من نتائج الترف والتفرق أن ضاعت الأندلس للأبد
ولكن روح الإسلام نمت في قلوب أبنائه أمام كل هذه التحديات حتى أنه في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي السابع الهجري كان السؤال : هل يستطيع أحد أن يقف أمام الإسلام واستخلافه وتمكينه في الأرض؟
فإذا كان في القرن الأول بلغت مساحة أراضي المسلمين نصف مساحة العالم المعروف في ذلك الوقت.. ففي القرن السابع الهجري سيطر المسلون على ثلثي العالم وهي مساحة لم تسيطر عليها الامبراطورية الرومانية في عنفوانها..
فمن ناحية الجهاد :
عاد هولاكو إلى منغوليا وبقى جيشه وراءه يتقدم لفتح الشام حتى التقى عند عين جالوت في سوريا بجيش مصري (وصدق حديث أنهم خير أجناد الأرض) يقوده قطز والذي وحد بين مصر والشام والحجاز واليمن 1260 م – 658 هـ وتحطمت أسطورة الجيش الذي لايقهر..
وزفت البشرى إلى كل مكان في بلاد الإسلام وفي أوربا نفسها وابتهجت نفوس الناس على اختلاف أديانهم ومذاهبهم فقد حل الطلسم وذهب الروع ذلك أن معركة حاسمة أخرى دارت رحاها بالقرب من دمشق عام 1302م – 702 هـ في رمضان وكانت عاقبتها أن هزم المغول على يد مصر والشام ونجت بلاد الشام للمسلمين بل كما قال صاحب قصة الحضارة لعلها احتفظت للمسيحية بأوربا.
ودخل أكثر التتار الإسلام بسبب إسلام ملكهم وكانت في المغول قوتان أحدهما كتلة مغول فارس وملكهم هولاكو والثانية مغول القفجاق وقد اعتنق ملك الفقجاق بركة خان الإسلام بسبب تاجرين مسلمين في 1265م – 663 هـ وتزوج بيبرس ابنته.
أما مغول الفرس فقد أسلم ملكهم علاء الدين قازان بن أرعون عام 694هـ – 1293 م.
ثم أقبل حوالي 10000 من جند المغول إلى القاهرة واعتنقوا الإسلام
ولم يحدث أن خضع غالب لعقيدة مغلوب في تاريخ العالم إلا مع المغول والإسلام.
واستردت الفدس في 643 هـ – 1245 م وحررت في 1291م – 690هـ آخر معاقل الصليبيين بعكا..
واعتقل ملك فرنسا وانتهت الحرب الصليبية في 648 هـ- 1250 م ودخل الإسلام اندونيسيا 1267 م – 665 هـ.
أصبح المماليك وهم الأرقاء البيض الذين في العادة من الأتراك أو المغول ملوك مصر وقد كان سلاطين بني أيوب يستخدمونهم في حرسهم الخاص وظلوا يحكمون 267 عاما..
وكانوا هم الذين أنجوا فلسطين من الفرنجة وطردوا آخر محارب صليبي من آسية..
وكانت القاهرة في عهدهم أغنى مدن العالم وقد أصلحت طرقها وقنوات ريها..
ومن ناحية العقيدة :
كثر التصوف بمصر إذ وفد عليه السيد أحمد البدوي وأبو الحسن الشاذلي وأبو العباس المرسي وظهر جلال الدين الرومي شاعر الصوفية (مات في 1273 م – 671 هـ) وكان فيه تصوفا خالصا ولكن تطرف بعض الصوفية فنشأت منهم المجاذيب أو الدراويش..
وبعث الله لإنقاذ روح الدين والعقيدة الصحيحة أمام البدع وظلم المماليك إمام أهل السنة ابن تيمية..
بعث ابن تيمية إلى السجن مرارا وفيه قضى نحبه آخر الأمر ، وقد وفق في توسيع دائرة العمل الذي تركه الإمام الغزالي بوجه أحسن وأتم..
أما عمله التجديدي :
1- كما قال الذهبي: نصر السنة المحضة والطريقة السلفية واحتج لها ببراهين ومقدمات وأمور لم يسبق إليها.
2- أنكر على التقليد الجامد وفتح باب الاجتهاد.
3- جاهد البدع وتقاليد الشرك حتى رفع الذين عاصروه أمره إلى المحاكم وجعلوه يبعث إلى السجن مرارا.
ولكن نداءه لاتباع الإسلام الحالص كان نفخة صور أحدثت في العالم حركة دائمة لانزال نسمع صداها إلى الآن وحلت السنة محل البدع بابن تيمية..
ومضافا إلى هذا جاهد بالسيف التتر فنفث الإمام في قلوب الرؤساء والعامة روح الغيرة والحماس وحرضهم على مقاومة أولئك وأيقظ فيهم حب الجهاد ..
وكما كان علماء الأمة هم قادتها ومرشديها في أمورها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والروحية كانوا أيضا دعاتها إلى الجهاد كلما حدث على الأمة عدوان..
[COLOR="rgb(255, 0, 255)"]القرن الثامن إلى807 هجرية (1405 م)- فتنة التتر الثانية وإحياء السنة النبوية[/COLOR]
"سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا" الإسراء 77
بلغ عدد سلاطين المماليك الشراكسة 25 وامتد حكمهم 134 سنة وأعظمهم برقوق وقايتباي وقنصوة الغوري وآخرهم طومان باي، وكانت السلطنة للقادر منهم على انتزاعها بالقوة استنادا على قوته وغدره لذلك أصبح الحكام طبقة حربية أجنبية عن المصريين وأهل الشام وظلوا منعزلين وحفلت عهودهم بالفتن والمؤامرات..
وغدت مصر قلب العالم الإسلامي وثقافته..
شهد برقوق خطر تيمورلنك (1335 –1405 م =807 هـ) الذي خضعت له نصف آسيا ، وكان السلطان برقوق قد علم بتحركات تيمورلنك واستيلائه على بلاد كثيرة ثم تقدم إلى ملطية لاحتلالها ، وهنا خرجت حملة مصرية من القاهرة عام 1287 م –789هـ وتمكن أمير قبيلة تركمانية من هزيمة فرقة من جيش المغول بقيادة ابن تيمورلنك ، وعرض تيمورلنك على برقوق إطلاق سراح أسراه في خطاب يقطر رعبا مبينا ماكان لهم من رهبة فقال: "إعلموا أنا جند الله مخلوقون من سخطه ، مسلطون على من حل عليه غضبه ،لا نرق لشاكي ، ولانرحم باكي ، قد نزع الله الرحمة من قلوبنا ، فالويل ثم الويل لمن لم يكن من حزبنا ومن جهتنا ، فقد خربنا البلاد وأيتمنا الاولاد وأظهرنا في الأرض الفساد، وذلت لنا أعزتها وملكنا بالشوكة أزمتها ، فخيولنا سوابق ، ورماحنا خوارق ، وسيوفنا صواعق ، وقلوبنا كالجبال ، وجيوشنا كعدد الرمال ، فإن أطعتم أمرنا فلكم مالنا ، وإن أنتم خالفتم فلاتلوموا إلا أنفسكم ، فالحصون منا لاتمنع والمدائن لقتالنا لاتنفع ، ودعاؤكم علينا لايسمع،
فعزيزكم عندنا ذليل ، وكثيركم عندنا قليل ، وقد أوضحنا الخطاب وأسرعوا بالجواب قبل أن تصير كل عين عليكم باكية وينادي المناد : هل ترى لهم من باقية ...والسلام" ..
فكتب برقوق بعزة الدين الذي كان يجاهد باسمه جوابه بعد البسملة :
"قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من بشاء وتذل من تشاء"، حصل الوقوف على ألفاظكم الكفرية ونزعاتكم الشيطانية ، وقد نزع الله الرحمة من قلوبكم فذاك أكبر عيوبكم، وهذه من صفات الشياطين لا السلاطين ، ففي كل كتاب لعنتم وبكل قبيح وصفتم ، نحن المؤمنون حقا لايدخل علينا عيب ولايضرنا ريب، القرآن علينا نزل ، وسبحانه بنا رحيم لم يزل ، ومن أعجب العجب تهديد السباع بالضباع ، نحن خيولنا برقية وسهامنا عربية وسيوفنا يمانية ، وأكفنا شديدة المضارب وصفتنا مذكورة في المشارق والمغارب ، إن قتلناكم فنعم البضاعة وإن قتل منا أحد فبينه وبين الجنة ساعة ، واعلموا أن هجوم المنية عندنا غاية الأمنية ، وإن عشنا عشنا سعداء وإن قتلنا قتلنا شهداء، أبعد أمير المؤمنين تطلبون منا طاعة ؟ لاسمع لكم ولاطاعة ، قل لكاتبك الذي وضع رسالته ووصف مقالته وصل كتابك كضرب رباب أو كطنين ذباب.. "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " والسلام .
وخرج برقوق على رأس جيشه عام 1395 (بعد عام)-797هـ لمحاربته ولكن تيمورلنك كان قد رحل إلى الشرق ، ويذكر مؤرخ بلاط تيمور أن الخيالة المصرية كانت أحسن خيالة العالم.
وبعد وفاة برقوق تقدم تيمورلنك إلى بغداد واحتلها ونهب حلب ودخل بجيوشه دمشق بالخديعة وقتل 10000 طفل دون رحمة وسبى أهل الحرف وساقهم إلى سمرقند (مكان مولده) .
وأمام الضربات المتوالية للإسلام كان السؤال الذي يدور بخلد كل مسلم ويحيره .. من أين جاء الخطأ ؟
ولم تكن سوى عبقرية ابن خلدون لتضع أيدي المسلين على موضع الخطأ
ولم تكن سوى عبقرية ابن خلدون لتضع أيدي المسلين على موضع الخطأ باستقراء التاريخ وإدراك مغزى سنن الله في صعود وانهيار الحضارات
وجلس للتدريس في الأزهر وأقبل الناس عليه وأعجبوا به
فذكر في مقدمته أول ضعف أصاب المسلمين فقال: ان فساد الحكم يتعارض مع سنة الله في الكون لذا إذا رأيت فسادا في الحكم فترقب زوالا واستخلافا لمن هو أعدل
"وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منكم ليستخلفنهم في الأرض"
وأن لابقاء للملك وذلك أن طبيعة الملك من الانفراد بالمجد (الدكتاتورية ) تقتل قوة الناس في الدفاع عن الملك..
وأن الإصلاح الديني بثورة لم ينجح في تاريخ الإسلام لقوة السلطة غير الدينية إلا أن يكون هناك عصبية قوية للداع..
ثم ذكر ثاني ضعف أصاب المسلمين فقال : إن العرب إذا بعدوا عن الدين صعب انقياد بعضهم لبعض..
وذكر أن سبب الحروب في العالم :إما :
أ) قومية وقد لغاها الدين "الذي خلقكم من نفس واحدة "
ب) الخلاف على الحدود "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"
ج) اللون "صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة "
د)الهدف الاقتصادي "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة"
ه)انفراد بالحكم "إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا".
ثم ذكر ثالث ضعف أصاب المسلمين فقال : إنه كلما مال حال المجتمع إلى الترف أفسد أبدانهم وأخلاقهم لأن الترف :أ)يضيع أموال الدولة ب)يضيع الأخلاق التي بها حياة الشعوب ج) يثبط الناس عن خشونة الجهاد .. "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول".
ثم ذكر رابع ضعف أصاب المسلمين برغم أنه لم يكن قد ظهر بعد فقال : إن المذلة لدولة أخرى والانقياد لها ممحق للأولى لأنه يزيل حضارتها،
وذكر أن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في زيه وسائر أحواله إلا لو كانت له قوة عقيدة كما حدث للتتار حين أسلموا..
وذكر أن فناء الحضارات ليس بفناء الأشخاص وإنما بفناء معتقداتهم وانسياحهم في معتقدات غيرهم .
ثم ذكر خامس ضعف أصاب المسلمين برغم أنه أيضا لم يظهر إلا في القرن التاسع عشر: وأن الحكم الوضعي يورث الناس الذل لأنهم يتعودون الطاعة لأحكام خاطئة أما حكم الله فهر يربي النفس وبجعلها هي رقيبة نفسها..
وذكر السبيل لاسترجاع خلافة الله في الأرض، فذكر أن أخلاق الأمم تختلف بأماكنهم وأفضلهم ما كان في بلاد المسلمين ( ولذا خص تعالى الشام وما حولها بأولي العزم لما في أناسها من اعتدال المزاج نتيجة توسط مناخ جوهم نتيجة أثر جو المكان على أخلاق البشر) .
وذكر أن العرب لايحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية وليس للعرب دول مستقرة إلا بالإسلام .
وأنه لنجاح أي أمة شرطان : عقيدة وعمل في سبيل تلك العقيدة..
وأنه لايوجد في التاريخ من عظم ودام ملكه إلا بالدين..
وأنه إذا أردت أمرا عظيما فشحذ قلوب المسلمين بالدعوة لدينهم لأن الدعوة الدينية تزيد الدولة في أصلها قوة على قوة العصبية الين كانت لها من عددها..
ظهرت عبقرية عبد الرحمن ابن خلدون فقد دعا إلى إعمال العقل واستخدام المنطق والبحث عن أسباب الوقائع والأحداث ،وهو مؤسس علم الاجتماع ، وفيلسوف المؤرخين الذي سبق نظريات العلوم الإنسانية في التاريخ ، فسبق هيجل وروسو وماركس وبعد أن درس التاريخ باستفاضة..
ولاتزال نظرياته وكتبه تدرس إلى الآن بلغات عديدة فترك فلسفة لن تزول في سنن الله في نشوء وزوال الدول..
يقول المؤرخ أرنولد توينبي : إن ابن خلدون آخر نجوم المؤرخين فقد صاغ فلسفة للتاريخ هي بلا ريب أعظم عمل من نوعه ابتكره أي عقل في أي عصر.
وفي عام وفاة ابن خلدون توفي تيمورلنك ليزول خطر المغول .
وأنجب القرن الثامن أيضا العلامة ابن حجر العسقلاني مؤلف ديوان السنة النبوية ومحييها : فتح الباري
[COLOR="rgb(255, 0, 255)"]القرن التاسع إلى 910هـ – 1505 م فتنة ضياع علوم المسلمين ووصول دولة الإسلام لذروة فتوحاتها[/COLOR]
"وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" الإسراء
نشأت وازدهرت الدولة العثمانية برفع شعار الجهاد لنصرة الدين وقد تأسست الدولة العثمانية من قبيلة من تركستان بوسط آسيا هيأت أوضاعها في الأناضول برفع راية الإسلام في آسبا الصغرى ..
وقد وطد الخطر المغولي العلاقات بينها وبين المماليك ..
وتولى السلطان محمد الثاني واستمرت علاقات الود حتى وفاة محمد الفاتح والذي سيطر على البلقان ونشر الرعب في وسط أوربا وأنهى وجود الدولة البيزنطية.
استولى محمد الفاتح 21 عاما (وكانت أمه مسيحية)على عاصمة البيزنطيين 857 هـ – 1453 م بعد أن استأجر صناع المدافع المسيحيين ليصنعوا له أكبر مدفع عرف في العالم بعد أن صرح أمير بيزنطي (كما يذكر ول ديورانت ) بأنه يفضل أن يرى العمامة التركية في القسطنطينية على قبعة الكاردينال الروماني وآثرت الحكومات البلقانية الخضوع للمسلمين الذين لايفرضون ضرائب أكثر ولا يضطهدون الهرطقة.
وزالت الدولة البيزنطية وتسامح محمد الثاني مع النصارى بأن سمح لهم بالعودة إلى القسطنطينية وضمن لهم حرية دينهم وحفظ أملاكهم ودخل الملايين جنوب شرقي أوربا الإسلام.
ولكن بعد الانتصارات المبهرة للعثمانيين دفاعا عن الدين في قلب أوربا نظروا للخلف بعد محمد الفاتح فتراجعوا ووجهوا جهدهم من 1483 م – 888ه لهزيمة المماليك ثم الدولة الصفوية في القرن ال16 في إيران بينما كان الأوربيون يجوبون البحار لمحاصرة تجارة المسلمين والقضاء على مجدهم.
حيث نجح البرتغاليون في الوصول للهند عن طريق رأس الرجاء (بمعونة ابن ماجد) ونقل البضائع من هناك مباشرة في أواخر القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي.
وبدأ البرتغال والإسبان والهولنديون ينشئون قواعد لهم في جنوب شرق آسيا وفي الموانئ والسواحل المطلة على المحيط الأطلسي والمحيط الهندي لتأمين طرق التجارة والتحكم فيها.
فتحولت طرق التجارة الأساسية عن مصر مما أحدث تدهورا كبيرا في أحوالها الاقتصادية بعد أن كانت مصر مركز التجارة العالمية إذ كانت المنتجات الشرقية تأتي من آسيا عبر مصر ثم تنقل إلى أوربا وكان المماليك أهملوا الصناعة وتشغيل الشباب واستسهلوا واعتمدوا على إيرادات طريق التجارة المار بمصر ولم يهتموا بالإنتاج والتصنيع .
وكان ذلك نذيرا بزوال سيطرة البحر المتوسط والإسلام وبدء سيطرة المحيط الأطلنطي والغرب.
وحتى نهاية القرن التاسع كانت الحضارة الإسلامية في صعود رغم الضربات التي تنهال عليها وقد وصلت الحضارة لذروتها بغزو أوربا .
ولكن حينئذ بدأت أوربا في عصر النهضة بينما العثمانيون يتقاتلون مع المماليك والدولة الصفوية تاركين وراء ظهورهم تعاليم دينهم .
وأصبح يهدد المصادر العلمية الإسلامية خطر الزوال بعد غارات التتر وسقوط بغداد والشام.
ويحاول علماء مخلصون الإصلاح فيظهر الإمام السيوطي من القاهرة يوم أن كانت عاصمة الدنيا ومقصد العلماء من كل أرجاء العالم الإسلامي.
ويحاول علماء مخلصون الإصلاح فيظهر الإمام السيوطي من القاهرة يوم أن كانت عاصمة الدنيا ومقصد العلماء من كل أرجاء العالم الإسلامي
والذي يحفظ المصادر العلمية ويضع تفسير الجلالين ويحيى علم التفسير والعودة للقرآن لتصحيح مسار المسلمين ، فيذكر أن في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى في كل نازلة تنزل بالمسلمين..
والقرآن به قوانين للتاريخ فالقرآن خلاصة تجربة البشر كما يرويها في قصصه وكما يصوغها بعض القوانين .. "إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " & " وكان حقا علينا نصر المؤمنين" & "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا" النور 55
"ان القرآن الكريم فيه علم قائم بذاته لكل آية وأنه حوى علم الأولين والآخرين "، ونادى أن يفطن المسلمون لمقومات الحضارة استنادا لإشارات القرآن لمختلف الصنائع والآلات :
مثلا كالحدادة "آتوني زبر الحديد"..
والطب "شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس"..
والهندسة "انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب " & "أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به"..
وألم يكن يدعونا تعالى لأن تكون لنا اليد العليا في البحر حين قال "وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام"..
وقد حبب الله إليه العلم والغوص على حقائقه فكان أعجوبة مصر في أواخر عصرها المملوكي .. وتكاد مؤلفاته أن تكون دائرة معارف شرعية وأدبية وتاريخية ..
وقدم أعمالا تعتبر تصفية للكتب السابقة عليه ويحتمل أنه لولا ماقام به باندثرت بعض الكتب القديمة وما بقيت المصادر العلمية التي كان للسيوطي فضل حفظها وخاصة بعد سقوط بغداد ..
وأدرك العلماء المصريون أن خير وسيلة ينقذون بها الفكر هي جمع المواد الني يتألف منها في كتب على شكل دوائر معارف.. وكان المماليك برغم مساوئهم فضيلة الحرص على نشر العلم ورفعه.
يومها أصبحت مصر حامية للحضارة قصدها كبار العلماء وكانت مصر ملجأ لمن فروا أمام جحافل التتار في العراق وفارس وسوريا وخراسان..
وكما قال طه حسين : (وبذلك دفع التتار الأدب العربي من الشرق إلى مصر ودفعت الصليبية من الغرب (الأندلس) إلى مصر فأوت مصر ما استقبلته وحمته وأحاطته وأتاحت له أن يحيا ويثمر فرفعت به لواء الحياة الإسلامية والأدب العربي حتى جاء سلطان العثمانيين ).
وقد بلغت مصر في هذا العصر الذرى وامتدت حدودها حتى سوريا وأعالي الفرات وشرقي آسيا الصغرى وفرضت سيطرتها على مالطا ووصلت قوتها إلى أن ملك الهند بعث إلى مصر يطلب تفويضا ليكسب ملكه الشرعية
[COLOR="rgb(255, 0, 255)"]القرن العاشر و الحادي عشر إلى 1138 هجرية (1724 م)- فتنة البهائية وردة الهند[/COLOR]
"وأن الذين لايؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما" الإسراء 10
كان السلطان العثماني في أوائل القرن السادس عشر الميلادي تشغله المنافسة الكبرى مع المماليك في مصر والشام وإيران الصفوية، واستهلك هذا الصراع المسلمين وألهاهم عما يدور في أوروبا غير بعيد عنهم من تقدم وتطور.
وكانت فترة حكم العثمانيين امتدادا للنظام الإقطاعي الذي ساد في عصر المماليك بالنسبة لتطور وسائل الإنتاج وتطور المجتمع.
و يذكر للحكام الأتراك دفاعهم عن كل المنطقة وعن الإسلام ضد الاستعمار ، و بالفعل تم تأمين الخليج العربي من خطر سيطرة الأساطيل البرتغالية.
وكان الحكم العثماني يحارب التعليم لضمان أمية الناس فلايطالبون بحقوقهم ، وتخلى العثمانيون عن عادة المماليك في الاهتمام بالعلم ، وبينما كان الأوربيون في عصر النهضة يجددون بنيانهم السياسي والفكري ليتقدموا كان الشرق الذي تمكن منه الأتراك يهوي بسببهم لقاع التخلف.
وفي القرن السابع عشر الميلادي ساعد تحول أوربا من دول إقطاعية زراعية إلى رأسمالية صناعية لظهور فكرة الاستعمار ، و دخلت في معركة كبرى مع الجيش العثماني فأنزلوا به هزيمة قاسية لأول مرة ، وكانت بداية سلسلة من النكسات للدولة العثمانية (1683م ) وفقد العالم الإسلامي لأول مرة سطوته الحربية بعد أن رد الألمان المسلمين عن فيينا.
وفي القرن ال18م في ظل الانتصارات النمساوية والروسية ضد تركيا ونجاحات بريطانيا في الهند اصبح هناك لأول مرة منافسا حقيقيا لسيادة المسلمين في العالم.
أنشأت بريطانيا شركة الهند الشرقية عام 1612 م وبدأ من ذلك الوقت عصر النفوذ البريطاني في تلك المنطقة والسيطرة على طرق التجارة للهند.
و لم يكن غير الأزهر هو الوحيد الذي ظلت العلوم الدينية والدنيوية تدرس فيه ، وأم الأزهر ثلاثة آلاف طالب من ماليزيا شرقا إلى المغرب غربا ليتعلموا الدين.
أما في الشرق الإسلامي فكان الوضع أكثر خطورة بكثير ، فالهند هي القارة التي حكمها المسلمون ألف سنة ،ولئن كان في أسبانيا أندلس فيها عشرون مليونا فإن المسلمين في القارة الهندية اليوم خمسمائة مليون، ولئن كان في الأندلس بقايا شهداء ومسجد قرطبة والحمراء فإن في كل شبر من قارة الهند دما زكيا وحضارة قيمة، وإن فيها آثارا تفوق بجمالها وجلالها الحمراء ويكفي في ذلك (تاج محل ) أجمل بناء علا ظهرَ الأرض..
و لقد مرت بالهند أربع عهود إسلامية ...عهد الفتح الإسلامي ثم عهد الفتح الأفغاني ثم عهد المماليك ثم عهد المغول المسلمون الذين حكموا شبه جزيرة الهند من بنجلاديش لإيران ومن المحيط الهندي جنوبا إلى أفغانستان شمالا.. 3 قرون من القرن العاشر إلى الثالث عشر حتى استولى البريطانيون عليها .
ظلت المفاسد واسترسال الأمراء في اللهو وغيرها من الضلالات التي أصيبت بها الكثير من الدول الإسلامية تنمو في الهند..
و جاء عهد الملك "أكبر" حفيد تيمور لنك....
و كان من اعظم من حكم الهند كلها إلا قليلا و، كان من ملوك المغول المسلمين ، ولكن طال حكمه فكفر بالله ، وبلغت الضلالات في عهده منتهاها وأكره الناس على الكفر وشرع لهم دينا جديدا وأبطل شعائر الإسلام. وكان معه الجيش ومعه الأمراء كان يسود في مجالسه الرأي: أن أمة الإسلام كانت أمية فلا تصلح لأمة مهذبة وأصبحت النبوة والبعث تتخذ سخرية وأصبح القرآن مشكوكا في كونه كلاما إلهيا ولكن التناسخ في رأي القوم أقرب إلى الصواب.
وفي عهد هذا الملك نبتت نابتة المذهب البهائي بأن الدين قد نسخ بدين جديد وكان المقصد وراء ذلك أن يخلط دين المسلمين بديانة الهنادك ليتقوى بها الحكم الملكي حيث كان أغلبية الشعب (برغم الحكم الإسلامي) هندوس ، وهنالك جاء الهندكيون المتملقون من حاشية الملك يروجون للدين الجديد ، وجاء العلماء المسلمون من عباد الدرهم فأقروا الدين الجديد ، وكانت عبادة الملك جزءا من هذا الدين، وراجت التقاليد الهندكية في القصر الملكي ..
وإذا أراد بعض حماة الإسلام الاحتجاج يضرب على لسانه ، وأحل الربا والخمر والميسر ، وجعلت المدارس الإسلامية تخلو وتفقر ، وطفق معظم أهل العلم يغادرون البلاد إلى الخارج ، وانتشر بين عامة الناس الأمراض الخلقية والاعتقادية ، ولم يجدوا نظاما لتربيتهم وتعليمهم الإسلام ، فتسلط عليهم الأوهام والخرافات ولم يكف العلماء المفتونون بعرض الدنيا أن يصادقوا على هذا الخليط العجيب من العقائد بل أصبحوا أحبار هذه الديانة المحدثة>>
وكانت البلاد كلها بيد "أكبر" فمن يقوم في وجهه ومن ينصر الإسلام ومن يدافع عن الدين؟؟؟؟؟؟
وظهر في ذلك الوقت شيخ ضعيف الجسم قليل المال والأعوان لكنه قوي الإيمان بالله كبير النفس والقلب،، قال عنه شيخه في رسالة لأحد أصدقائه (جاء من بلدة سرهندة رجل اسمه أحمد ما شاهدته منه يحملني على رجاء أن يكون هذا الرجل فيما يأتي من الزمان نبراسا ينير الدنيا بضيائه)..
وصدقت النبوءة فكان الرجل الوحيد الذي ينهض لقمع تلك الفتن ونصرة الشرع المحمدي وجاهد وحيدا لإحياء الدين في وجه قوة الحكومة في أمة تبلغ ثلث تعداد المسلمين في العالم فكان هو ثلث الإسلام هو مجدد القرن العاشر الهجري الشيخ أحمد السرهندي ....
[COLOR="rgb(255, 0, 255)"](القرن العاشر والحادي عشر)[/COLOR]
وصدقت النبوءة ، فكان الرجل الوحيد الذي ينهض لقمع تلك الفتن ونصرة الشرع المحمدي وجاهد وحيدا لإحياء الدين في وجه قوة الحكومة في أمة تبلغ ثلث تعداد المسلمين في العالم فكان هو ثلث الإسلام ، هو مجدد القرن العاشر الهجري الشيخ أحمد السرهندي ....
قام هذا الرجل الأرمل الأعزل وخالف علنا تلك المنكرات التي كانت فاحشة في حمى الحكومة ودافع عن الشرع الذي كان مبغوضا عندها، فهبت الحكومة تحاول قهره وإعناته بكل ما تملكه من الوسائل حتى زجت به في السجن إلا أنه نجح على رغم أنفها في صرف تيار الفتنة ، فجعل يتصل بالأمراء الصغار وبالحاشية ويعد لانقلاب شامل ، ليس انقلابا عسكريا بل لانقلاب روحي فكري وكان يرسل الرسائل تلتهب بالحماسة الدينية والعاطفة والإيمان..
وعاد الملك جهانكير – ابن الملك أكبر - الذي كان بعث الشيخ إلى السجن لعدم سجوده له معتقدا للشيخ وأدخل ابنه شاه جهان (صاحب تاج محل) في حلقة مريديه ، ونتج من ذلك أن تحول عناد الحكومة لدين الإسلام احتراما وإعظاما ، وانقضى الدين الجديد للملك أكبر بجميع البدع وأصبحت الحكومة معتقدة بأحكام الإسلام الشرعية.
وولد بعد وفاة الشيخ أحمد بأربع سنين الملك أورنك زيب عالمكير ، وربما لم يكن إلا من آثار الإصلاح الذي قام به الشيخ أن تمكن هذا الشاب الملكي من آل تيمورلنك من تحصيل التربية العلمية والخلقية التي جعلته خادما للشريعة ، وهو حفيد الملك أكبر الذي كان هادما للشريعة..
ولا تنحصر مآثر الشيخ أحمد في أنه أنقذ الحكومة في بلاد الهند من السقوط في حجر الكفر وثنى تيار الفتنة التي كادت تمحق الإسلام في هذه البلد قبل أربعة قرون مضت بل جاء بصنيعين عظيمين كذلك..
أحدهما : أنه طهر معين التصوف الصافي من الأدناس والأكدار التي كانت تسربت إليه من ضلالات الفلسفة والرهبانية والتي كانت سببا في سلبية المسلمين في الشرق والغرب وبعدهم عن تحصيل العلم ومقاومة الاستعمار ذلك التصوف الذي شهر الحرب على العلوم الطبيعية والرياضية وفنونها وصناعاتها بحجة أنها تمنع العلوم الوهبية فحرموا الإسلام من ثمرات هذه العلوم وأورثوا أبناءهم الفقر.
والثاني : أنه خالف كل ما كان رائجا بين العامة من تقاليد الجاهلية أشد المخالفة وبعث حركة نامية لاتباع الشريعة جال ألوف من أعضائها المتدربين في أنحاء الهند وبلاد آسيا الوسطى و بذلوا جهدهم لإصلاح أخلاق العامة وعقائدهم فاستحق بهذا العمل أن يكون مجدد القرن العاشر الهجري.
وبعد إصلاح أحمد لقلوب المسلمين في الهند بقي إصلاح السلطنة لقوالب الكفر في الهند لتعود مسلمة كما كانت فكان أن بعث الله بسادس الخلفاء الراشدين في القرن الحادي عشر الهجري
فكان أن بعث الله بسادس الخلفاء الراشدين في القرن الحادي عشر الهجري
هو السلطان عالمكير أورانك زيب ابن شاهجان بن جهانكير ابن الامبراطور أكبر.....فلما مات أكبر وولي بعده ابنه جهان كير استطاع الشيخ محمد معصوم ابن الشيخ السرهندي أن يشرف على تربية طفل صغير هو أحد حفدة جهانكير.... فقرأ القرآن وجوده والفقه الحنبلي وبرع فيه وبرع في الخط وأتقنه وألم بعلوم عصره وربي مع ذلك على الفروسية ودروب القتال ..
ولما مات جهانكير ولي ابنه شاه جهان في أواخر القرن العاشر السلطنة ، والذي ولي بدوره كلا من أبنائه قطرا من أقطار الهند وكان نصيب هذا الطفل وهو (أورانك زيب) ولاية الدكن ، وكان لشاه جهان زوجة لا نظير لحسنها في الحسن هي ممتاز محل فماتت فرثاها بقطعة فنية من الرخام هي تاج محل .......وتحول حبه إياها حبا لهدا القبر فجن به جنونه، فأقصاه ابنه الأكبر وولي مكانه فنازعه إخوته ... استطاع أورانك زيب أن يغلبهم جميعا..
كان جلوسه على سرير الملك سنة 1068هـ،وكان كل همه إسعاد الناس وإقامة العدل ورفع الظلم وجهاد الكافرين المفسدين في الأرض .....لذلك لبس لأمة الحرب من أول يوم ، وكان يومئذ في الأربعين ونهض بنفسه يقضي على الخارجين ويقمع المتمردين ويجاهد الهندوس والرافضة 27 سنة ، ويفتح البلاد ويقرر العدالة والأمن في الأرض ، وما زال ينتقل من معركة يخوضها إلى معركة ومن بلد يصلحه إلى بلد حتى امتد سلطانه من سفوح الهيملايا إلى سيف البحر في جنوب الهند ..
وكان يملك الهند كلها ودخل على يديه ملايين المنبوذين الإسلام حتى قضى شهيدا في سبيل الله ولكن أورانك زيب حقق مع ذلك من الاصلاح الداخلي مالم يحققه مثله إلا قليلا من الملوك.. فأزال ما كان باقيا من الزندقة التي جاء بها أكبر أبو جده وكانت الضرائب الظالمة ترهق الناس ولا ينال أمراء المجوس لفح نارها ، فأبطل منها ثمانين نوعا ، وسن للضرائب سنة عادلة وأوجبها على الجميع فكان هو أول من اخذها من هؤلاء الأمراء وأصلح الطرق القديمة وشق طرقا جديدا ..
وكان يرسل الحجاج على نفقته وأقام العدل للناس جميعا وكان للامبراطور امتيازات فألغاها وجعل نفسه تابعا للمحاكم العادية..
ووفق إلى أمرين لم يسبقه إليهما احد :
أنه لم يكن يعطي عالما عطية إلا كلفه بعمل من تأليف او تدريس لئلا يأخد مالا ويتكاسل فيجمع كونه أخذ مالا بغير حق وكتم علما .وأنه أول من عمل على تدوين الأحكام الشرعية في كتاب واحد يتخد قانونا فوضعت له وبأمره وإشرافه وتحت نظره الفتاوى التي نسبت له فسميت الفتاوى العالمكيرية ، واشتهرت بالفتاوى الهندية ، ويعد مرجعا في الفقه الحنفي ، وانتشر في كل أنحاء البلاد الإسلامية ..
و ألف كتابا في الحديث وشرحه وترجمه إلى الفارسية ..
وكان يكتب بخطه المصاحف ويبيعها ليعيش بثمنها ..
وكان شاعرا موسيقيا لكنه كره ذلك بعد أن ولي الملك ، وأبطل ما كان للشعراء والموسيقين ..
وكان يصلي الفرائض في أول وقتها لا يترك الجماعة بحال..
كانت بيده مفاتيح كنوز الهند وكان يأكل من كسب يمينه من كتابة المصاحف أو من قبعات يغزلها.. وحين مات لم يكن لديه إلا 300روبية ..
هذا هو الملك الذي قيل عنه سادس الخلفاء الراشدين توفي سنة 1118هـ في إحدى معاركه ,وعمره تسعون سنة بعد أن حكم الهند خمسين سنة ، وكانت حينئذ الهند غرة في جبين الدهر فلولا الله ثم الشيخ أحمد والسلطان أورانك ماكان الآن باكستان وبنجلاديش ونصف بليون مسلم في شبه قارة الهند.
القرن الثاني عشر إلى1205 هجرية (1791 م)- فتنة الوهن وتراجع الحضارة الإسلامية
"قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا" الإسراء 56
"قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لايهدي القوم الفاسقين" التوبة 24
أخذت بريطانيا تدريجيا في السيطرة على المشرق الإسلامي وكان لشركة الهند الشرقية الفضل الأول فبالرغم من أنها شركة تجارية إلا أنها لعبت دورا رأسماليا سياسيا في الهند والخليج فتمكنت من فتح فرع بالبصرة والسيطرة عليها وأن تستولى على كل الهند.
بدأ نجم الدولة العثمانية في الأفول وتعاظم التحدي الأوربي لها وسادت المنازعات أطرافها فزحف الروس على ماوراء القوقاز وابتلعتها وغزا الفرنسيون مصر.
وبرغم التدهور فظل الإسلام في قلوب معتنقيه شامخا بعكس الحضارات البائدة، يقول جوستاف لوبون : " توارت الأمم تحت أعفار الدهر ولم تترك لنا غير أطلال ولكن حين توارى المسلمون لم تزل ديانتهم حية وعناصر حضارتهم".
ويقول ول ديورانت وتوماس أرنولد المؤرخين’في 1678 م : قام المجريون بزعامة أمري توكولي بالاستغاثة بالمسلمين لحمايتهم من قمع النمسا للبروستانتية في المجر وأذاع توكولي إعلانا دعا فيه المسيحيين المحيطين بالمنطقة إلى دعم الهجوم على النمسا ووعدهم بحرية العبادة في حمى المسلمين ففتح الكثير من المدن أبوابه للمسلمين (1683 م ) واستسلم معظم المجر للأتراك لأن البلاد نعمت في ظل الحكم العثماني بحرية دينية أكبر مما نعمت به في ظل الأباطرة الكاثوليك.. وتمتع المسيحيون بتسامح ديني ماكان حاكم مسيحي ليحلم بمنحه للمسلمين في أي بلد مسيحي.. وكانت السلطات في تركيا تتولى حماية الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية ضد أي تحرش أثناء العبادة.. واعتنق كثير من اليونانيين ذوي المواهب العظيمة الإسلام لإدراكهم تفوق المسلمين .. وذلك للسمو الخلقي في المجتمع الإسلامي.
وكانت نسبة معرفة الكتابة والقراءة في تركيا في القرن ال17 م أعلى منها في العالم المسيحي برغم ركود العلم..
ويذكر للأتراك أنهم الذين علموا أوربا التطعيم ضد الجدري وكانت الأستانة في القرن ال18 أروع العواصم الأوربية وأوسعها..
ولما أراد الغرب السيطرة على المسلمين أوحى لهم بأن رابطة الدين تعصب وحاول إبعاد الأمة عن الدين فأنشأ مدرسة في عليكرة في الهند للدهرية ، وتعاون مع مدعي العلم والمدنية الحديثة لذم التعصب الديني واعتباره ضد العلم والمدنية ، لا فرق بين تعصب معتدل وتعصب مرذول، ولم يعلموا أن الرابطة الدينية هي أحكم الروابط وأساس المنافع الوطنية إذ المصلحة واحدة للجميع فغضبة الدين وسيلة الدفاع عن النفس وتقوية أواصر الأخوة بين المسلمين.
وأسباب الاضمحلال عند المسلمين تتلخص في:
· انتقال تجارة غربي أوربا التي تقصد آسيا إذ أصبحت تدور حول أفريقيا بحرا بدلا من طريقها البري الذي يخترق مصر .
· إهمال قنوات الري فظل الفلاحون يتنظرون المطر في ذل ومسكنة.
· تفشي الرشوة والكسل حتى بين الحكام.
· دعة السلاطين الذين آثروا خدور النساء على ساحات الوغى فبدد السلاطين في الحريم ماكانوا في حاجة إليه من طاقة وهمة لضبط الجيش والموظفين فتردوا في مهاوي الكسل والفساد .
· الفشل في ملاحقة العلوم والأسلحة الحربية وركود حركة العلم واندثار المدارس وتبدد خزائن الكتب واستيلاء الطامعين على أوقاف المدارس،
وأيضا انتشر علماء الدنيا الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة وآفة الدين رجاله (وقد امتلأت الأمثال العامية سخرية بهم مثل هاتوا من المزابل حطوا على المنابر)..
وبرغم ذلك فقد ظل هناك علماء لهم تأثير عظيم في نفوس الناس وقيادة أفكارهم ولهم الزعامة الدينية والسياسية بين الجماهير ..وبينما كان الأزهر في مصر يثور بقيادة شيوخه للدفاع عن حقوق الأهالي ضد المماليك الترك تفشت في أهالي وبادية الجزيرة العربية البدع والخرافات
وعادت غرب أفريقية المسلمة لوثنيتها فقد فقدت شعوب المنطقة (نيجيريا ومالي والسنغال وغينيا وموريتانيا) اتجاهها العقيدي الإسلامي وانتكسوا إلى عبادة الأوثان..
فظهر في الأولى مجدد القرن الثاني عشر الهجري محمد بن عبد الوهاب وفي الثانية الشيخ عثمان دان فودي
كان محمد بن عبد الوهاب واحدا من دعاة الإسلام العظام ومن كبار رجال الإصلاح وكان يعمل قاضيا في نجد عاصر تردي البادية في الهمجية والردة عن الإسلام فعزم على إصلاحها فهب مجاهدا بلسانه ليحيي أمة ويصلح جيلا ويفتح طريقا ويربي شبابا ويبني عقولا فكانت خطبه ودروسه ملتقى للفكر ومدرسة للدعوة في أي مكان حل به ، كما كان الشيخ أحمد في الهند أوقف حياته على كشف العلل ومحاربة البدع وأوجه الفساد في لغة واضحة لا غموض فيها ولا التواء يجهر بما يعتقد أنه صواب دون أن يلتفت إلى سخط أحد ..
فحرم لبس الحرير وشرب التبغ وأخذ يدعو إلى مثل ما دعا إليه ابن تيمية قبله ، من التوحيد بالعبادة لله وحده ، وإنكار التوجه إلى أصحاب القباب والقبور ، وإنكار التوسل بالأولياء والأنبياء إلى الله في قضاء الحاجات , وقطع بنفسه شجرة كان يتبرك بها الناس..
وقد بدأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوته في بلده بلين ورفق ثم أخذ يرسل بها إلى أمراء الحجاز وغيره من الأقطار .
وهاجم كل البدع وقد عاصر الصوفية التي انقلبت ولم يبق من رسومها الظاهرة إلا أصوات وحركات يسمونها ذكرا يتبرأ منها كل صوفي ، و أيضا تعظيم قبور المشايخ تعظيما دينيا مع الاعتقاد بأن لهم سلطة غيبية وهذا الاعتقاد هو عين اتخاذ الأنداد وهو مخالف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم..
ولما رأى أهل بلده مثابرته على دعوته ، قاموا باضطهاده ، فتركهم إلى بلدة الدرعية بنجد ، وكان أميرها محمد بن سعود ، فعرض عليه دعوته فقبلها ، وقام بحمايتها ونشرها في بلاد العرب .
في نفس الوقت برز لنا من مسار حركة الإسلام عبر القارة الأفريقية جنوب الصحراء في الغرب حضارة إسلامية ..
فقد تحقق عن طريق القوافل التجارية عبر الصحراء الكبرى أول اتصال بين الشمال الإفريقي وجنوبه وازدهرت الحضارة الإسلامية في مناطق نهري النيجر والسنغال بالقوافل التجارية منذ القرن الثامن الميلادي..
وبوصول الإسلام إلى موريتانيا وجنوب المغرب ظهر المرابطون (وكانوا يسكنون عند حدود السنغال ) الذين استولوا على شمال أفريقيا والأندلس من القرن العاشر الميلادي ..
وقصة ذلك أنه في عصر ملوك الطوائف انقسمت دولة الإسلام بالأندلس إلى أكثر من عشرين دويلة بين صغيرة وكبيرة يحكمها رجال لا هم لهم إلا الدنيا والصراع الداخلي ، ومن أجل تمويل هذه الحروب المدمرة حالف أمراء الطوائف ملوك أسبانيا النصرانية واستغل ملك أسبانيا النصرانية [ألفونسو السادس] ذلك الأمر وأعلن قيام حرب الاسترداد المقدسة واحتل طليطلة سنة 478هـ وأفاق ملوك الطوائف من غفوتهم فاندفعوا لطلب المساعدة من المرابطين وأميرهم 'يوسف بن تاشفين'.
وكانت دولة المرابطين قد تأسست على يد فقيه مجاهد اسمه 'عبد الله بن ياسين الجزولي' الذي جمع بين العلم والورع والزهد والتأثير والشجاعة والبطولة والجهاد كل ذلك في إناء واحد وهو قلبه، وهدى الله عز وجل علي يديه قبائل البربر ..
واتبع الفقيه عبد الله بن ياسين سياسة التربية الشاملة مع أتباعه؛ والتي تقوم علي غرس الإيمان والأخلاق والعقيدة الصحيحة وحب الجهاد في سبيل الله، فنشأت حركة جهادية عارمة وسط قبائل البربر وعملوا على نشر الإسلام بين قبائل غرب ووسط القارة الإفريقية وظل عبد الله بن ياسين وتلاميذه يجاهدون القبائل الوثنية حتى استشهد سنه 451هـ ..
ثم ظهر البطل المقدام 'يوسف بن تاشفين' (ولد سنة 400 هـ) فلما جاءه الصريخ من أهل الأندلس بما جرى لهم من سقوط طليطله وعدوان ألفونسو السادس على المسلمين قرر عبور البحر ونجدة دولة الإسلام بالأندلس، وبالفعل قاد يوسف بن تاشفين تحالفا إسلاميا من البربر والأندلسيين وانتصر على إسبانيا في معركة الإسلام الخالدة 'الزلاقة' وذلك في 12 رجب 974هـ وأعاد للأندلس وحدته وأصبحت الدويلات دولة واحدة قوية صامدة .
إلى أن سقطت هذه الدولة في سنة 1076 م (440 – 542 ه ) ثم تبعها دولة الموحدين من البربر أيضا (541ه – 668ه) ومنهم ظهر ابن رشد وابن طفيل وبذلك جعل الإسلام الأفارقة هم سادة أوربا ..
حتى استعبدوهم الغرب حين أفل نجم الإسلام :
فكان البرتغاليون من أوربا أول من تعرفوا على الشعوب الأفريقية في القرن الخامس عشر الميلادي عن طريق الاسترقاق متسترين وراء نشر الدين المسيحي (وقد تولى ابن ملك البرتغال منصب حاكم المغرب فوسع مجال تجارة الرقيق ونشر الدين المسيحي وحصل على وسام السيد العظيم للقيادة المسيحية)..
ثم أتى من بعدهم الإنجليز في القرن السابع عشر الميلادي والذين قاموا في 20 سنة بنقل أكثر من ربع مليون رقيق من أفريقيا (وحصل القائد البحري لتجارة الرقيق على وسام التقدير من ملكة انجلترا)..
فقارن مافعله الإسلام وما فعله الغرب بأفريقيا..
وفي القرن السادس عشر الميلادي سقطت امبراطورية مالي الإسلامية (حيث نيجيريا والكاميرون حاليا)..
و فى عام 1591 حين جاء غزو السعديين من المغرب لنهب ثروات تلك الدولة وأسر زعمائها وعلمائها وفقدت شعوب المنطقة (نيجيريا ومالي والسنغال وغينيا وموريتانيا) اتجاهها العقيدي الإسلامي وانتكسوا إلى عبادة الأوثان..
و بحلول القرن الثامن عشر ظهرت حركة التجديد الإسلامي بقيادة أحد الشيوخ لإقامة كيانات إسلامية في منطقة الغرب الإفريقي ابتداء من القرن التاسع عشر الميلادي وبذلك استطاع إعادة رسم الخريطة الجغرافية للمنطقة برمتها.. ذاك هو الشيخ عثمان دان فودي
ذاك هو الشيخ عثمان دان فودي
بدأ الدعوة في سنة 1188هـ – 1774م في عمر لم يتجاوز عشرين سنة ، وشد الرحال إلى أماكن مختلفة بعيدة يدعو الناس إلى اعتناق الإسلام وإرشاد المسلمين إلى ترك ممارسات الشرك المتفشية وقام بتنظيم حلقات دراسية ، وتدفقت عليه جماهير غفيرة فتمكن تدريجيا من إزالة تلك الممارسات الموروثة ووجه انتقاداته بادئا إلى الحكام الذين بسطوا أيديهم على أرض الله طغيانا ثم لجنود الحكام وعلماء الدين الذين اشتروا الضلالة بالهدى..
ازدادت شعبيته في غرب أفريقيا فعزم على مواجهة الملوك لإفهامهم حقيقة الإسلام وعرض تطبيق الشريعة ، وتعرض الشيخ وجماعته للتعذيب ولجأ الحكام من ملوك الهاوسا (نيجيريا والنيجر ) إلى إساءة معاملتهم وهددوا بالقضاء عليهم ما لم يمتنعوا عن الدعوة وطالب السلطان بإرجاع الذين دخلوا في الإسلام مؤخرا وإعادتهم كرها إلى ديانتهم السابقة وعدم السماح للنساء بارتداء الحجاب وحاول السلطان اغتيال الشيخ ..
وحين بلغ الشيخ أربعين سنة رأى سيد الأنام محمد عليه الصلاة والسلام ومعه نفر من أصحابه أظهروا له عظيم الترحاب فاستبشر خيرا ومن ذلك التاريخ قرر مواجهة أعداء الله وبعد سنة واحدة أعلن في بلاد الهاوسا الجهاد دفاعا عن النفس والعقيدة..
وخضعت كبريات مماك الهاوسا لنفوذ الجهاد وقامت إحدى أعظم إمبراطورية تحت راية الإسلام في أفريقيا ’دولة صوكتو’التي شملت شمال نيجيريا والجنوب الغربي لجمهورية النيجر والشمال الغربي لجمهورية الكاميرون الحالية فكانت الفترة من 1800 م – 1903 م هي العصر الذهبي لأفريقيا جنوب الصحراء
هؤلاء الصيد قومي فانتسب ** إن تجد أكرم من قومي رجالا
القرن الثالث عشر إلى1314 هجرية (1897 م)- فتنة الولاء لغير الله
"ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات " الإسراء 75
"يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لايهدي القوم الظالمين . فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين" المائدة 51&52
"لايتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه" آل عمران 28
طويت صفحة الأمجاد الإسلامية وزالت هيبة المسلمين وتعزز تفكك عالم الإسلام وتنافست الدول الأوربية على اقتسامها : الفرنسيون والإيطاليون في شمال أفريقيا والفرنسيون في الشام بينما ضمت روسيا الجاليات الأوزبكية وابتلعت ما وراء القوقاز ، وكان للاستعمار الانجليزي نصيب الأسد في الهجمة التي قامت بها أوربا ضد المسلمين فهم في الهند وإيران وأفغانستان والعراق وعدن و مصر والسودان ومن خلال السلطة العثمانية يتدخلون في أغلب أرجاء عالم الإسلام.
وفي 1212 هـ – 1798 م دخلت الحملة الفرنسية مصر وهي امتداد للحملات الصليبية وأول احتلال منذ الفتح الإسلامي لدولة إسلامية, فقام نابليون بدعوة اليهود في الشام لتسهيل دخوله فلسطين ولما سمع حاخام اليهود بالقدس دعوة نابليون قام بتوجيه نداء إلى كافة اليهود بالهجرة إلى فلسطين ليعيدوا هيكل سليمان.
وثار الأزهر ضد الفرنسيين فقصفوه بالقنابل ودخل الفرنسيون الأزهر بخيولهم ودنسوا المصاحف وتفاخر نابليون بأنه كان يقطع كل يوم 30 رأس مصري.
وبدأ التاريخ الحديث للمسلمين وبدأت مظاهر التغير الثقافي في الشرق وبدأ الحكام في الاستانة والقاهرة يستعينون بالغرب لتحديث دولهم فاستقدموا الخبراء الغربيون واستخدمت أنظمة الإدارة الغربية وأرسلت البعثات التعلمية وانتشر اللباس الغربي وأنظمة العمارة وبدأت الثقة في النفس العربية تهتز ..
وشاعت التماثيل التي كانت محرمة وبدأت الترجمة وظهرت الرواية والمسرحية وامتد التأثير الثقافي إلى الترفيه فانتشرت ألعاب الورق والرياضة ..
و من أجل التغريب قام الاستعمار بالآتي:
- بعث نابليون إلى كليبر قائده في مصر "اجتهد في جمع 500 شخصا من المماليك فإذا ماوصل هولاء إلى فرنسا يحتجزون مدة سنة يشاهدون في أثنائها عظمة الأمة الفرنسية ويعتادون على تقاليدنا ولما يعودون إلى مصر يكون لنا منهم حزب يضم إليه غيرهم".
- وظلت وسائل إنتاج الطعام في أيدي المحتلين الذين أدخلوا أنواعا من الزراعات قللت من مساحة الأرض المخصصة لإنتاج المواد الغذائية فقد استغل الأراضي لتنتج المحاصيل الزراعية التي يحتاج إليها الغرب في مصانعه فالجزائر مثلا جعلت أخصب سهولها مزارع للعنب لتمويل مصانع الخمور الفرنسية ، وفي مصر زرعت الأراضي بالقطن وقلصت مساحة زراعة القمح وفي أفريقيا ماشابه.
- إدخال نظام الربا في البنوك.
وكانت الحملة الفرنسية زلزال ثائر مزق خمود وتخلف مصر وأيقظها على دنيا جديدة بها صناعات وعلوم وحضارة مختلفة وحفزها على اللحاق بركب المدنية الحديثة..
وبالفعل في 1234 هـ – 1821 م أنشئت مطبعة بولاق كأول مطبعة كبرى في العالم العربي لتبعث التراث الإسلامي وأمهات كتب التاريخ وإحياء للتراث لم يسبق لها مثيل .. وسافرت المطبوعات للشام والحجاز واليمن والعراق وغيرها مما أحدث طفرة في الوعي الديني والثقافي فقدمت خلال 40 سنة أكثر من 2000 كتاب فيها قسم كبير من عيون الفكر الفرنسي (فحتى أواخر القرن ال18 لم يترجم سوى كتاب طبي واحد عن الزهري و لم تتعد المطبوعات العثمانية من 1728م – 1830 م 40 كتاب أغلبها في الشعوذة)..
وفي 1288هـ – 1871 م تم إنشاء كلية دار العلوم لإحياء اللغة العربية عن طريق الأزهر في وقت التغريب نتيجة تدخل الدول الأجنبية في شئون البلاد وأصبح كل العرب والمبعوثين من الدول الإسلامية في العالم يتلقون العلم فيها و أرسل الأزهر الشيخ رفاعة الطهطاوي ليتعلم بفرنسا علوم الاجتماع وعاد ليفيد تلامذته ويرشدهم إلى الاطلاع على العلوم الحديثة وأسس كلية الألسن لتدريس اللغات الأجنبية وصارت كتبه أول نافذه يطل منها العقل العربي على الحضارة الأوربية وبها عبرت الثقافة العربية من العصور الوسطى إلى عصر التنوير مع دعوته لحماية الدين والاعتزاز به.
وفي 1245هـ – 1830 م احتلت فرنسا الجزائر في أسوأ استعمار لدولة عربية من نهب وقتل..
وفي 1300 هـ – 1882 م احتلت بريطانيا مصر و انحاز الخديو توفيق للإنجليز في احتلالهم وألغى الخديو الجيش المصري بناء على أوامر الانجليز..
وإذا كان في عصور ازدهار الإسلام ذكرنا في كل قرن بضعة من البارزين ففي عصور الانحدار بعث الله برجال عديدين أخذوا بيد الأمة لينتشلوها من الحضيض ويصعدوا بها لما كتب الله لها
وعلى رأس هؤلاء وقائدهم موقظ الشرق ورائد الحركة الإصلاحية وباعث النهضة الإسلامية جمال الدين الأفغاني (م1838 – 1897 م = 1314هـ)..
بدأ الأفغاني تيار السلفية العقلانية المستنيرة وتجسد فكره في تحرير العقل والإصلاح الديني والجهود العملية للإمام محمد عبده ( 1849 – 1905 م ) وكان جناحه في المشرق العربي عبد الرحمن الكواكبي (المفكر السوري الذي كتب في الصحف يهاجم الحكم العثماني وكان يدفع للثورة والتحرر ابتغاء التقدم ) وفي المغرب العربي عبد الحميد بن باديس .. ومن حول هؤلاء عرفت الأمة أقوى تيارات التجديد واليقظة في عصرها الحديث وأكثرها أصالة ومستقبلية أيضا .
والأفغاني هو أول من صاغ المشروع الإصلاحي الحديث الإسلام في مواجهة الاستعمار في الخارج والقهر في الداخل..
ولأن الاستعمار الانجليزي كان له نصيب الأسد في هجمة أوربا على ديار الإسلام كان تركيز الأفغاني ضدهم فوضع انطلاقا من عقيدة الجهاد مهمة التصدي للاستعمار الانجليزي في إطار الفروض الدينية حتى لو تخاذلت السلطة..
"فكلنا نعلم أن جميع المسلمين يرون من فروض دينهم السعي في معاكسة سير الإنجليز ولايحتاجون إلى أمر سلطاني فإن الشريعة تطالب كل شخص بصيانة وطنه وتبيح الموت دونه".
"أنرضى ونحن المؤمنون وقد كانت لنا الكلمة العليا أن تضرب علينا الذلة وأن يستبد في ديارنا من لايحترم شريعتنا ".
"إن على المصريين أن يقتدوا بالأفغان (في حربهم للإنجليز ) لينقذوا بلادهم وعلى الفلاحين خصوصا أن يمنعوا الحكومة ( الإنجليزية) كل ماتطلب منهم ".
وينبه الأفغاني إلى أن نهج التيار الغربي أن يلجأ الشرقي أن يقف موقف الأوربي في نهايته.. " هو نهج الضعفاء فمسيرة الغرب في الحضارة قد أكسبته مرانا وقوة وجعلته عملاقا في الدروب التي تطور فيها فإذا تعلقنا ونحن الضعاف بثمراته كنا أضعف منه ومن هنا يأتي خطر الأسواق فالتعلق بسلع الغرب الصناعي ستجعلنا نغير شكل حياتنا بمصنوعات ليست من إنتاجنا الأمر الذي سيدمر حرفنا وستقف بلادنا عند إنتاج المواد الخام التي تصدرها رخيصة للغرب ثم تستوردها مصنوعات غالية ولاتتقن علوم الحضارة قبل قطف ثمرتها".
ومن الغريب وبعد عشرات السنين يؤيد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي – تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003(نحو إقامة مجتمع المعرفة) ما ذكره الأفغاني فيقول التقرير : ( إن أولى المحاولات للتحديث العلمي في الوطن العربي كما هو معروف هي تلك التي قام بها محمد علي في النصف الأول من القرن التاسع عشر ولقد تعثرت هذه المحاولة أمام عقبات ستتكرر أكثر من مرة مع محاولات اخرى فيمابعد, كانت هذه التجربة ضحية لوهمين سيعاد الوقوع فيهما مع الأسف في كثير من البلاد النامية الوهم الأول : هو توجيه الاهتمام نحو نتائج العلم دون تأمين الوسائل لإعداده وتشييد بنية أساسية قوية للبحث وتشييد الثقافة العلمية والتقانية للمجتمع بكامله .. أما الوهم الثاني فهو نتيجة للأول وهو الاقتناع بإمكانية الاستغناء عن البحث الأساسي لأسباب مالية أو تجارية)
(ورغم أن البلدان العربية استثمرت أكثر من 2500بليون دولار بين عامي 1980 و 1997 في بناء المصانع والبنية التحتية فإن معدل الناتج المحلي الإجمالي للفرد قد انخفض بالفعل خلال تلك الفترة فهذه الاستثمارات لم تؤد إلى انتقال حقيقي للتقانة لأن ما تم نقله هو وسائل الإنتاج لا التقانة ذاتها.. وقد عمق من هذه المشكلة الاعتقاد الخاطئ بإمكانية بناء مجتمع المعرفة من خلال استيراد نتائج العلم دون الاستثمار في إنتاج المعرفة محليا والركون في تكوين الكوادر العلمية على التعاون مع الجامعات ومراكز البحث في البلدان المتقدمة معرفيا دون خلق التقاليد العلمية المؤدية لاكتساب المعرفة عربيا).
(فالاستثمار في وسائل الإنتاج لايعني نقلا حقيقيا للتقانة وامتلاكا لها بل يعني زيادة في القدرات الإنتاجية فحسب. وهي زيادة محكومة بفترة زمنية محددة سرعان ماتبدأ بالتلاشي التدريجي نتيجة تقادم التقانة وبطلانها فتصبح المنتجات والخدمات التتي تولدها عديمة الجدوى من الناحية الاقتصادية وغير قادرة على المنافسة في السوق المحلية في حين تخضع نشاطات الإنتاج العالمية المماثلة في الدول المتقدمة لعملية تطوير تقاني مستمر من قبل نظم الابتكار الخاصة بها).
وقاد الأفغاني معارك حربية ضد المتعاونين مع الإنجليز في أفغانستان..
بل قد مارس نشاطه في الهند في أول حياته حتى ضاقت به الحكومة البريطانية وأخرجته منها فوجه نداءه الشهير إلى الهنود بأنهم لو كانوا ذبابا لطن آذان بريطانيا ولم يجئ السلطان الغزنوي (الذي أدخل الإسلام ) للهند باكيا يذرف الدمع بل فاتحا شاهرا السلاح..
وطلب من الخديو توفيق اشتراك الأمة المصرية في حكم البلاد (مجلس نيابي) فلم يرض وكانت بداية الثورة العرابية وتصدى عرابي لهجمات الانجليز حين احتلوا مصرا ، ولكن وقعت خيانة في جيش عرابي من أحد قواده وانهزم الجيش المصري ونفي عرابي والشيخ محمد عبده و، هيأ الأفغاني نفرا من بنيه لنشأة الحزب الوطني الذي قاده مصطفى كامل كما أن تلميذه سعد زغلول قاد ثورة 1919..
وذاع نقده لسياسة بريطانيا حتى أنها نشرت في جرائد انجلترا حتى تدخل قنصل انجلترا فرحل عن مصر وكانت الشرطة الانجليزية في الهند تستدعي المشتبه فيه بقراءه جريدة العروة الوثقى ( والتي يحررها تلميذه محمد عبده والتي مهمتها مناهضة بريطانيا) وفيها روح الأفغاني فإذا أثبتها نفي..
ثم اندلعت ثورة المهدي في السودان بفضل تعاليمه عام 1303 هـ – 1885 م وفتكت ب 10000 جندي بريطاني مرة وأخرى ب25000 تحت مشاهير قواد الإنجليز وهي الحركة التي نشرت معارف الدين بين العامة وأخذت تحث الناس على معارضة ظلم الأتراك الحاكمين وبعث الإسلام من جديد فصهرت السودانيين في بوتقة واحدة وخلقت منهم شعبا واحدا للمرة الأولى في التاريخ.
وتدخل الانجليز في مصر بحجة قمع الثورة فاستمر في الكتابة في موضوع السودان حتى استدعاه تشرشل إلى لندن وعرض عليه تتويجه سلطانا على السودان فرفض لأن بريطانيا تعطي ما لا تملك لمن لايستحق كما فعل بلفور في وعده والأولى ببريطانيا إصلاح أيرلندا فأعجب به الإيرلنديون الأحرار..
ثم انتقد استبداد الشاه لما عاش في طهران وأيد أحرار إيران للانقلاب وقامت ثورة من مريديه أخمدها الشاه.
ومن أعمال الأفغاني موقفه من التراث الغربي السلبي مثل مذهب دارون وفولتير وروسو .. فيسأل الأفغاني دارون عن سبب اختلاف الأشجار في بقعة واحدة وزمان واحد يروى بماء واحد وكيف يطلع كل جزء على مقاصد الأجزاء الأخرى والتطور يحتاج لهرمونية تناسق؟
وقد قال بفكرة التطور الكثير من المسلمين قبل داروين وجعلوها إثباتا لوحدة الخالق بوحدة المخلوق "وقد خلقكم أطوارا" نوح 14 ، وقال المعري :
والذي حارت البرية فيه **حيوان مستحدث من جماد
وكذلك قال به جلال الدين الرومي والمسعودي والجاحظ وسعدي الشيرازي شاعر الفرس المسلم ..
ويقال : " من خلال العمل اكتسبت اليد البشرية هذه الدرجة من الإتقان الذي استطاعت من خلاله أن تنتج لوحات رافايللو وموسيقى بتهوفن ".. فإذا كان هذا هو استمرارية النمو البيولوجي فأين النمو الروحي والرسم عمل روحي فقد أبدع رافائيل لوحاته ليس بيده ولكن بروحه وكتب بتهوفن أعظم أعماله بعد أن أصيب بالصمم ها نحن أمام جانبين منفصلين من وجود الإنسان وهذا معنى "خلق فسوى وقدر فهدى"،
والهداية المكتسبة في الجينات هي التي تهدي سمك السلمون و الثعبان في العالم لأن يقطع آلاف الأميال عبر البحار ليلتقي في نقطة واحدة يضع بها نسله ثم يموت فيرجع النسل إلى نفس الموطن الأم للوالدين لكل صنف في مختلف القارات لايضل..
والهداية هي التي فرقت بين الحيوان والإنسان فالحيوان إذا استولى على فريسة لم يتركها ولكن الإنسان يعتق الرقاب ويسعى الحيوان للذة ويهرب من الألم والإنسان يصوم في اليوم الشديد الحرارة وقانون الغاب البقاء للأقوى وقانون الإنسان التواصي بالمرحمة.. "وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة".
وفي المغرب العربي كان الجناح الغربي للأفغاني عبد الحميد بن باديس( 1889م – 1940 م) الذي ولد بالجزائر.. تلك البلد التي لم يقف الفرنسيون عند اغتصاب أرضها وثروتها وحريتها بل أراد سحق الهوية القومية للشعب ومسح الإسلام فسعوا إلى إحلال الفرنسية محل العربية وأغلقوا أكثر من ألف مدرسة ، وبعد قرن وربع من احتلالهم كانت الأمية 91 % و أصبح الطابع الإسلامي محظورا وأعلن الكاردينال لافيجري في احتفالهم بمرور قرن على الاحتلال : "ان عهد الهلال في الجزائر قد غبر وبدأ عهد الصليب إلى الأبد"..
وعندها ظهرت جمعية باديس..
وحين عرض على ابن باديس البقاء في الحرمين أثناء حجه قال : "نحن لن نهاجر نحن حراس الإسلام والعربية والقومية في هذا الوطن" ..
وأعد خطة لتنفيذ برنامج لإعداد جيل من الرجال يواجهون الاستعمار ويعيدون الجزائر إلى الإسلام وتنتهي غاية هولاء الرجال عند تسليم الأمانة لجيل ثائر يعلن الثورة ويستخلص الاستقلال من المستعمرين ومكث ابن باديس 18 عاما يعد هذا الجيل قائلا : أنا لا أؤلف الكتب وإنما أريد صنع الرجال .. فكان يعظ في المساجد ويجوب القرى والمدن وأنشأ 170 مدرسة لتعليم العربية غير الكتاتيب التي اقتربت من المدارس الابتدائية ..
وقامت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وقبل وفاته كان قد وضع وطنه بيد الجيل الذي أعاده إلى طريق الإسلام والذي صنع الجيل الذي أعلن الثورة على فرنسا وحقق بدماء المليون شهيد استقلال الجزائر المسلم فأثبت أن الإسلام لن يضيع إذا كان له حراس من أمثال ابن باديس.
وفي 1252 هـ – 1837 م ظهرت الدعوة السنوسية لمحمد بن علي السنوسي الذي يتصل نسبه إلى علي بن أبي طالب وولد في الجزائر وتعلم في الأزهر وظهرت دعوته لإصلاح العالم الإسلامي في ليبيا وبسبب قوة مذهبه ولاه السلطان العثماني ليبيا (وكان عمر المختار من جنوده ولاه القيادة فيما بعد) ..
وكان فارسا معاديا للاستعمار يقسم يومه نصفين أحدهما لطلب العلم وثانيها للتدرب على الفروسية .. وبعد احتلال فرنسا للجزائر استلهم فكرة الاستعداد للجهاد ضد الاستعمار مع تحدي العثمانيين فأخذ يسهم في ثورات الجزائر وأقام الزوايا في ليبيا والحجاز واليمن وهي نموذج للمجتمع الذي أخذ السنوسي يعده لنفسه وأتباعه..
وفي مصر وتونس وكانت بيوت لعابري السبيل والفقراء ومخزن المؤن ولها أرض زراعية وآبار جوفية يصرف محصولها على الفقراء وتعليم الصغار ونشر الإسلام بأفريقيا ..
وكان العمل بأرض الزاوية وصناعاتها الحرفية يوم الخميس أما الفروسية فكان الجمعة فنشروا الإسلام في النيجر والكونغو والكاميرون وصبغوا الحزام الإسلامي لجنوب الصحراء فكانوا كتيبة الصدام الإسلامية التي تصدت في شمال أفريقيا وقلبها للزحف الاستعماري وقد قاوموا الغزو الإيطالي لليبيا والفرنسي للسودان فهو نموذج القائد المسلم الذي تستدعيه المرحلة التاريخية والبيئة التي ظهر فيها وكما يقول عنه الرحالة هاملتون" فلقد تحلى بكل ما ينبغي أن يتصف به القديس العربي من صفات".
القرن الرابع عشر إلى1417 هجرية (1996 م)- نكبة حكماء صهيون
"وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا"الإسراء 4
لم يكن كتاب تنجيم إلا أنه يمكن استقراء تاريخ هذا القرن منه , هو أخطر كتاب ظهر في العالم , وظهر في أوائل القرن العشرين , يقول سرجي نيلوس الذي أبرز بروتوكولات حكماء صهيون إلى النور: ’إن عودة رأس الأقعى(رمز اسرائيل) إلى صهيون لايمكن أن تتم إلا بعد تنحط قوى كل ملوك أوربا’.
- وتحقق ماتنبأ به نيلوس بالحرب العالمية الأولى التي أعلن بعدها وعد بلفور بعد أن مول اليهود جانبا من نفقات بريطانيا في الحرب العالمية الأولى:
في 1334 هـ – 1916 م عين الشريف حسين بن علي أمير مكة ملكا للحجاز بعد تعاونه مع الإنجليز ضد العثمانيين في الحرب وبسبب موالاته للإنجليز سقطت القدس وفلسطين تحت الاحتلال البريطاني ، ودخل جيش الإنجليز وجيش الأمير حسين في العام التالي القدس
وفي 1920 م – 1339 هـ يقنع تشرشل الأسرة الهاشمية والتي كانت تملك سوريا بعدم المقاومة وأن يتولى حكم شرق الأردن ثم العراق (فيصل بن الحسين صاحب العرش الهاشمي والذي رسخ الاحتلال الانجليزي للعراق وعبد الله بن الحسين الذي رسخ الاحتلال الانجليزي للأردن والذي أيد بريطانيا ووقف معها في الحرب العالمية ).
- وبالحرب العالمية الثانية التي قامت بعدها دولة اسرائيل :
في 1948م كانت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى وكانت القوات العربية مسلحة تسليحا رديئا بفعل فساد الحكومات وخسر العرب وأصر الملك عبد الله (ملك الأردن ) على قيادة الجيوش فانتهت بنكبة كبيرة شرد على أثرها الفلسطينيون وقاد الحرب الإنجليز عند طرفيها العربي واليهودي فقد كان قائد الفيلق العربي الأردني هو جلوب الإنجليزي .
ويقول نيلوس’ وتظهر القسطنطينية كأنها المرحلة الأخيرة لطريق الأفعى قبل وصولها لأورشليم’.
- وبالفعل بعد قيام وعد بلفور بعدة سنوات أسقط الأسباني اليهودي الأصل أتاتورك الخلافة .
أيضا استطاع سرجي نيلوس العالم الروسي التنبأ بتحطم القيصرية في روسيا ونشر الشيوعية.
وتتلخص البروتوكولات في الآتي:
1- الاستيلاء على العالم بالإرهاب:
- في 1334 هـ – 1916 م تمت اتفاقية سايكس بيكو (وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا) لتقسيم أملاك الدولة العثمانية التي هزمت في الحرب باستيلاء فرنسا على الشام وبريطانيا على العراق وإمارات الخليج وهي من أكثر الاتفاقيات جلبا للعار على الحكومتين المتشدقتين بمبادئ الحرية ثم قسم الفرنسيون الشام لسوريا ولبنان والبريطانيون لفلسطين والأردن بنهر الأردن.
- وفي 1367 هـ – 1948 م بدأ الإرهاب الإسرائيلي بمذبحة دير ياسين ورفض الصليب الأحمر وبريطانيا التدخل واستمر بعد ذلك الإرهاب فدمرت إسرائيل المفاعل النووي العراقي في 1402هـ – 1981 م واعتدت على لبنان وذبحت سكان مخيم صبرا وشاتيلا ردا على جهاد الفدائيين الفلسطينيين في 1403هـ- 1982 م ثم مذبحة الحرم الإبراهيمي ل29 مسلم أثناء الصلاة وأخيرا مذبحة جنين.
2 - هدم الأديان عن طريق المذاهب الاجتماعية والسياسة والبيولوجية :
مع الحط من كرامة رجال الدين مع شغل الناس بالصناعة والتجارة والضرورات المادية ولايوجد عقل يلاحظ أنه في كل حالة وراء كلمة التقدم يختفي ضلال وزيغ عن الحق ماعدا الحالات التي تشير فيها هذه الكلمة إلى كشوف علمية إذ ليس هناك إلا حق واحد ولامجال فيه للتقدم :
اضطرمت معارك التحرير باسم الإسلام ثم إذا تحقق للمسلمين ما أرادوا يعود الإسلام أول ضحية من ضحايا قادتهم فلما غزا اليونان آسيا الوسطى بعد الحرب العالمية هب مصطفى يقتحم بنفسه الجيوش وفي يده مصحف: أيها الأتراك هل تعلمون ما هذا الكتاب الذي بيدي – إنه المصحف الشريف- إنكم إذا لم تخرجوا معي للحرب مع اليونان فلن يكون لهذا الكتاب بقاء في هذه الأرض(على قلة عتادهم الحربي وإمكاناتهم المادية وكان اليونان يساندها الحلفاء) وطردوا اليونان من أرضهم ثم كان من أتاتورك ما كان..
ثم بعد المليون شهيد في الجزائر ومعونة الدول الإسلامية في تحريرها كان أول ما بشر به المسلمون بعد الاستقلال أن الجزائر ستكون جمهورية اشتراكية ..
وفي ديسمبر 1991 حققت الجبهة الإسلامية للإنقاذ نتائج ممتازة في الانتخابات لعضوية الجمعية الوطنية .. وفي يناير 1992 حل العسكريون الجبهة الإسلامية للإنقاذ وأنشأوا نظاما علمانيا كان في حقيقته باعتراف الغرب (برنارد لويس) ديكتاتورية بشعة حظي بإيماءات الموافقة من باريس وواشنطن ، أعقب ذلك صراع مرير ودموي واتهامات متبادلة بارتكاب المذابح وفي سنة 1997 قدرت منظمة العفو الدولية عدد الضحايا بثمانين ألفا ..
وكذلك باكستان وتونس وغيرهم ففي 1374 هـ – 1955 م استقلت تونس بعد إعلان الأزهر بدعوة المسلمين لمقاطعة فرنسا اقتصاديا وثقافيا وسياسيا وخروج المتطوعين المسلمين للجهاد مع تونس ضد فرنسا ثم يعلن السيد بورقيبة أن صوم رمضان يخفض الإنتاج ويأمر المشتغلين بحقول الإنتاج بعدم الصيام.
3- هدم الحكومات غير الموالية :
- في 1334 هـ – 1916 م أرغمت أوربا ملك الحبشة على التنازل عن عرشه لإعلانه الإسلام ورغبته في إعلان دولته دولة إسلامية وإعلان الجهاد ضد الأوربيين وأخذت الحكومة الجديدة في اضطهاد المسلمين.
4- إغراء الملوك باضطهاد الشعوب :
- وفي 1413هـ – 1993 م قامت مذابح البوسنة والهرسك 3 سنوات ثم كوسوفو والتهم الصرب ثلاثة أرباع أرض البوسنة أمام عدم رغبة المجتمع الدولي في السماح للبوسنة بالدفاع عن نفسه في أكبر وصمة عار للغرب في القرن العشرين.
- وفي 1399 هـ – 1979 جاهد الأفغان الروس والحزب الشيوعي من 1979 – 1990 م حتى انسحبت روسيا بعد استشهاد مليون أفغاني وخراب البلاد.
- وفي 1409 هـ – 1990 م الهند تحبط محاولة لقيام كشمير المسلمة وتضطهد المسلمين.
- وفي 1412 هـ – 1992 حذرت فرنسا وأمريكا الجزائر من فوز الجبهة الإسلامية في الانتخابات الحرة والديمقراطية .
- ثم اضطهاد السوفيت للشيشان.
5 – إغراء الحكومات بالتحكم في المال المتدفق في أيديهم واحتكار الصناعة والتجارة :
- تعلن الجامعة العربية في 1951م – 1370 هـ بفرض الحصار الاقتصادي على إسرائيل وعدم التعامل مع أي شركة دولية تتعامل مع اسرائيل مع عمل اتفاقيات مع الدول لتعويضها عما كانت تستورده من اسرائيل ولكن رفع الحصار الاقتصادي بعد معاهدة كامب ديفيد.
6- وبالسيطرة على الحكم بالدستور والمذاهب :
(فالدستور ليس أكثر من مدرسة للفتن والمشاحنات الحزبية مما يضعف نفوذ الحكومة والمذاهب مثل الديمقراطية والقومية والعلمانية).
7- إغراء الشعوب بالتمرد على الحكومات بإغراقهم في الشهوات :
فيزيد إفساد الاقتصاد (وبتشجيع العمال على السهر أمام وسائل الإعلام) ونشر مبادئ الحرية بأن تولد الصحافة الضجر بين الجمهور وتهيج عواطفهم وتثير المجادلات الحزبية الفارغة.. وبالبطالة فهي الخطر الأكبر للحكومة (ويذكر البروتوكول 23 العلاج فيقول : ويضادها اشتغال الشعب في الصناعات المحلية).
- وتم استعمار العقول بدلا من البلدان خاصة في التعليم والتربية وتشجيع الثقافة غير الأخلاقية.
8- إلقاء بذور الخلاف والشغب في كل الدول عن طريق الجمعيات السياسية والدينية والفنية والرياضية ونشر التطرف والإباحية :
وضعنا القوى كل واحدة منها ضد غيرها ووضعنا أسلحة في أيدي كل الأحزاب وكدول بالقوميات ويشجع على ذلك الفقر والبخل والتعصب الديني والقبلي وحب النقد.
- في 1395هـ – 1975 م قامت الحرب الأهلية اللبنانية بقيام اسرائيل باصطناع الفتنة متحالفة مع فصائل لبنانية للقيام بدولة مستقلة في الجنوب فتحرشت بالفلسطينيين اللاجئين للبنان بعد طردهم من الأردن وظلت الحرب لعام 1985م.
- في 1401 هـ – 1980 م اندلعت الحرب بين العراق وإيران على خلاف على الحدود لمدة 8 سنوات تأكل من اقتصاد الشعبين وأدت إلى مقتل وتعويق حوالي مليون مسلم من كلا الدولتين.
عن ثوبان قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها مازوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي أن لايهلكها بسنة عامة وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال : يامحمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا" رواه مسلم.
تحقق الكثير من البروتوكولات وبدا المسلمون كما قال الشاعر :
بدوي أورق الصخـــــــــــر له ** وجرى بالسلسبيل البلقع
فإذا النخوة والكبــــــــر على ** ترف الأيام جــــــــرح موجع
وهانت الخيل على فرسانها ** وانطوت تلك السيوف القطع
ولكن..
ولد في هذه الفترة "رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا" ..
غيروا ماخطط حكماء صهيون لحكم العالم
فظهر بعد الحرب العالمية الأولى أول من بدد حلم حكماء صهيون:
الشيخ عز الدين القسام :
أحد أبرز رجال المقاومة الإسلامية في القرن العشرين ولد 1871م وهو سوري تعلم بالأزهر وأخذ العلم عن محمد عبده ، ووضع نواة من عرب فلسطين لتحمل مسئولية الثورة ، وكان يرأس جمعية الشبان المسلمين..
فكانت ثورة القسام الشرارة الأولى للمقاومة الفلسطينية للإنجليز ، وحين استشهد أثناء مقاومته للإنجليز اعتبر رجاله استشهاده قبس أشعل نيران الثورة الفلسطينية الكبرى 1936- 1939 م..
و لا يوجد في غير الإسلام رجل من وطن يدافع عن قضية وطن آخر فلا تجد في تاريخ إنجلترا مثلا فرنسيا يدافع عن قضاياهم أو العكس ولكنه الإسلام ..
[line]
وظهر في أوائل الثلاثينات في الاسماعيلية ثاني كابوس لحكماء صهيون :
وهي جمعية الإخوان بالإمام الشهيد حسن البنا .. وهو تلميذ رشيد رضا والذي هو تلميذ محمد عبده ..
وقد أراد البنا تحقيق حلم الأفغاني لتأسيس حزب إسلامي فأسس الإخوان ، حيث بعث المرشد العام الدعوة في المساجد والأماكن العامة، وقام الإخوان بنشاط واسع في الميادين التعليمية والاجتماعية والدينية في المدن والأرياف ، واستطاعوا أن يمدوا نشاطهم للدول العربية الأخرى ، بل وفي الهند ظهرت في نفس الوقت جماعة أبو الأعلى المودودي الإسلامية تنادي بماينادي به الإخوان.
اغتيل المرشد العام 1949 – 1368 هـ بسبب إرساله كتائب الإخوان للجهاد ضد العصابات الصهيونية في فلسطين في حرب 1948 ..
وظلت وصاياه العشر نبراس جماعته: قم للصلاة متى سمعت النداء & طالع أو استمع ولاتصرف جزءا من وقتك في غير فائدة & تكلم الفصحى & احذر الجدل & والمزاح & ورفع الصوت & والغيبة & وتعرف على من تلقاه & عاون غيرك على الانتفاع بوقته..
كما أنه أرسى للأجيال التي تليه كيف يكون التعامل مع العدو ولو كان دولة عظمى:
قال في كيفية التعامل مع المحتل الإنجليزي لمصر ومع كل محتل
»إننا نحن المصريون نطالب بجلاء القوات البريطانية عن الوطن العربي والإسلامي وفي نفس الوقت لا نزال نتعامل معهم ونجاملهم وليس هذا الأسلوب بمخرجهم من بلادنا ، إننا في حاجة إلى شعور بالبغض ينبع من قلوبنا ومن فقه عقيدتنا .. ثم قال :» إننا يجب أن نرضع أطفالنا كراهية وبغض الإنجليز وسنجعل من قنوتنا في الصلاة : اللهم رب العالمين وأمان الخائفين ومذلّ المتكبرين وقاصم الجبارين ، تقبل دعاءنا واجب نداءنا و أنلنا حقّنا وردّ إلينا حريتنا ، اللهم إن هؤلاء الظالمين قد طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ، اللهم فرّق جمعهم وفلّ حدّهم وشتت شملهم واجعل بأسهم بينهم شديدا واهزمهم وانصرنا عليهم« ، ثم قال »سوف نعلم أولادنا الحرية والوطنية كما نعلمهم السورة من القرآن }إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم....{« .
وقال حسن البنا يوم حاول السفير الإنجليزي في مصر أن يغريه بالمال بواسطة شيك مفتوح بعثه إليه يريد به شراءه وشراء موقفه الوطني الأصيل فمزقه قائلا :» إن اليد التي تمتد لا تستطيع أن ترتد«..
واستمرت الجماعة في عملها رغم حظرها وشاركوا في مقاومة القوات البريطانية في القناة فقاموا بعد هزيمة 48 بتفجير القنابل في معسكرات الجيش البريطاني 1948 .
وقد صورهم أعداؤهم بالعنف والتعصب الأعمى ، قال كانتول سميث : ’إن حركة الإخوان كانت لبناء مجتمع حديث على أساس العدالة وتحارب الفساد الذي لحق بالمجتمع العربي وبنوا لأنفسهم صناعات حديثة يملكونها وأسسوا اتحادات تجارية’.
وكانت الأولوية في أهداف الحركة :
1- إعادة الشعب إلى العقيدة الصحيحة والعمل على عودة الإسلام إلى مكان السيادة.
2- ومحاربة آثار التغريب وتحقيق استقلال المسلمين في المجالات الحضارية.
وعلاقة الجماعة بالحكومة يلخصه قول البنا " من أيد الفكرة الإسلامية وعمل لها واستقام في نفسه وفي بيته وتمسك بتعاليم القرآن كنا له مؤيدين".
ومن الجماعة ظهر أعظم شيوخها الشيخ محمد الغزالي فاستعان بالكتاب والصحيفة والإذاعة والتلفاز في تبليغ مايريد فأثمر ذلك كتبا عدة في ميدان الفكر الإسلامي ..
وكان الشيخ الغزالي واحدا ممن امتدت إليهم يد البطش فأودع المعتقل الطور مع كثير من إخوانه وظل به حتى خرج من المعتقل في سنة 1369هـ – 1949 م ليواصل عمله وهو أكثر حماسا للدعوة وأشد صلابة
وفي هذ ه الفترة ظهر كتاب "من هنا نبدأ" زعم فيه المؤلف أن الإسلام دين لا دولة ولاصلة له بأصول الحكم وأمور الدنيا وبشر بالاشتراكية و قد أحدث الكتاب ضحة هائلة وهلل له الكارهون للإسلام وقد تصدى الغزالي لصديقه خالد محمد خالد وفند دعاوي كتابه في كتاب من هنا نعلم ( وقد رحع الكاتب الإسلامي خالد عن كل سطر قاله فيما بعد في كتاب دين ودولة).
وحتى إذا أعلنت الدولة عن نيتها في تغيير قانون الأحوال الشخصية في مصر وتسرب اإلى الرأي العام بعض مواد القانون التي تخالف الشرع قال الشيخ كلمته بما أغضب الحاكمين ، وزاد من غضبهم التفاف الشباب حول الشيخ ونقده بعض الأحوال العامة فضيق عليه وأبعد عن الجامع الذي يخطب به وجمد نشاطه فاضطر إلى السياحة في الأرض وذهب إلى الجزائر وطور هناك الجامعة ووضع المناهج العلمية وزود عدد كلياتها ووضع التقاليد الجامعية ، وكان له حديث أسبوعي في التلفاز يترقبه الجزائريون فأكمل الجهود التي بدأها زعيم الإصلاح عبد الحميد بن باديس.
أما الكابوس الأكبر للصهيونية فكان مدخرا لهم في السبعينات :
في 6 أكتوبر 1973 كان الجنرال إليعازر رئيس جهاز المخابرات الاسرائيلية يذيع تصريحا صحفيا في تل أبيب: "أبدا لن تكون هناك حرب على اسرائيل".
وأثناء إذاعة التصريح دخل رائد اسرائيلي الغرفة وناوله تلغرافا ما إن قرأه عازر حتى غادر الغرفة دون أن ينبس ببنت شفة..
بدأت مصر وسوريا الحرب حرب رمضان ..
ومن فوق الأزهر الشريف غداة معركة العبور أعلن شيخ الأزهر عبد الحليم محمود أنها حرب في سبيل الله , وأن من مات فيها فهو شهيد ومن لم يشارك فيها وهو مستطع مات على شعبة من شعب النفاق , وقام بقيادة كتائب الدعوة الإسلامية للالتحام بصفوف المجاهدين وحمل الرؤيا التي رأى فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلى القائد ليبلغه أن الجيش سينتصر لأنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم يعبر مع الجيش وصدق الشيخ وصدقت الرؤيا : وكان النصر.
بلغ عدد القتلى الاسرائيليين في اليوم الأول 500 وأكثر من 1000 جريح وبرغم من أنه بعد عدة أيام تمكنت اسرائيل من استرجاع قوتها والقيام بهجمة مضادة لكن الحرب لم تغادر مخيلة إسرائيل للأبد ، كما يعبر ضابط الموساد فكتور الذي يذكر أيضا أن الحرب أثرت على وجدان اسرائيل وغيرت فكرها بل فكر غيرها من البلدان بأنها " القوة التي لا تقهر".
أيقظ السفير الاسرائيلي كيسنجر في الساعة الثالثة صباح يوم 9/10 ليخبره أن اسرائيل في 4 أيام فقدت خمس سلاحها الجوي وربع دباباتها وكأنه تحقيق لقوله تعالى : "ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لايجدون وليا ولا نصيرا".
تعترف المصادر الاسرائيلية أن مستشار الأمن القومي اليهودي الأصل كيسنجر تدخل لإنقاذ اسرائيل من الهزيمة المحققة من اليوم الرابع للحرب واستطاع أن يقنع رئيسه نيكسون بضرورة فتح مصانع الطائرات ونقل إنتاجها إلى مواقع القتال مباشرة.
وقد اعتمد المسلمون على أنفسهم أولا فحتى العلاقة مع موسكو لم تكن سبب النصر فحتى في زمن تحسن العلاقة بين مصر والاتحاد السوفيتي فقد كان ذلك على مستوى القادة اما على المستوى الأدنى فقد كان هناك عدم ثقثة خاصة بين العسكريين نظرا لتعارض القيم الروحية والعقائدية وكأنه تحقيق لقوله تعالى : "وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا".
وكانت من أكثر المؤثرات السياسية هي الوحدة العربية ومشاركة كل بقدراته ، واحتل سلاح البترول مكان الصدارة في أدوات الصراع في مرحلة مابعد الحرب مما دفع العديد من دول أوربا واليابان لتأييد العرب..
اجتمع وزراء البترول العرب مدينين أمريكا لدعمها لاسرائيل وقررت أن يتناقص إنتاج البترول ابتداء من سبتمبر 73 (كان الاجتماع في 17 أكتوبر) عدا الدول التي تساند العرب مما أحدث دويا هائلا في العالم مما انعكس على الدول الصناعية الكبرى على الصعيد الاقتصادي..
وفي 20 أكتوبر أعلنت أمريكا دعمها لاسرائيل ب 2و2 بليون دولار وعندها أعلنت الدول العربية وعلى رأسها الملك فيصل قرارها الأقوى والأجرأ والتاريخي من" دول نامية" إلى "دول عظمى" بحظر تصدير البترول لأمريكا والدول المؤيدة لاسرائيل خاصة هولندا في 4 نوفمبر وكأنه تحقيق لقوله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم".. وهنا وقف العالم واتجه ببصره مشدوها إلى المسلمين غير مصدق أن لازال بهم روح وقلب ينبض.
القرن الخامس عشر إلى الآن - نكبة اليأس
"إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" يوسف
"ولاتهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" آل عمران 139
"فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم " محمد 35
بلغت قوة أعداء الإسلام وضعف المسلمين أن غلب اليأس عليهم
"إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" يوسف
"ولاتهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" آل عمران 139
في 8 ديسمبر 1987 قامت شاحنة جيش اسرائيلية مع عدة عربات في غزة بقتل 4 من العرب وإصابة 17 آخرين .في اليوم التالي أغلق ساكنوا غزة الطرق بكاوتش محروق , ألقوا الحجارة وعبوات حارقة وعصى حديد على القوات الاسرائيلية ..
في 18 ديسمبر بعد صلاة الجمعة اندفع الشباب الفلسطيني من مساجد غزة مواجهين القوات الاسرائيلبة في الشوارع .. قتل 3 عرب بالرصاص واقتحمت القوات مستشفى الشفا بغزة معتقلين العشرات من الجرحى العرب متهجمين على الأطباء والتمريض حين حاولوا حماية المرضى..
وبدأت الانتفاضة........
اتهم تقرير من 1000 صفحة من الفرع السويدي لجمعية " إنقاذ أطفال العالم" والممول من شركة فورد في 16 مايو 1990 اسرائيل بالعنف المتكرر والشديد غير الواعي لأطفال فلسطين..
تم تسجيل مابين 50000 إلى 13000 مصاب منهم على الأقل 6500 طفل مصاب بأعيرة نارية وقيل ان أغلب القتلى من الأطفال لم يشتركوا في رمي الحجارة ، وخمس القتلى تم إطلاق النار عليهم إما في المنازل أو على بعد 30 قدم من المنزل..
لا تزال الانتفاضة مشتعلة ، ولايبدو لها نهاية في يوليو 1990 ، وتبعا للأسوشيتد برس قتل 722 فلسطيني ومات 45 اسرائيلي..
في أول سنتين للانتفاضة فقدت اسرائيل 1 بليون دولار فقط في الإنتاج و600 مليون دولار في التسليح لخمد الانتفاضة.
يوجد أكثر من 600.000 فلسطيني في قطاع غرة الذي يبلغ 146 ميل مربع منهم 60.000 يسافرون اسرائيل يوميا للعمل في أعمال وضيعة عائدين كل ليلة لمنازلهم حيث محرم عليهم البيات هناك.
يقول ضابط الموساد المتقاعد فيكتور أوستروفسكي في كتابه "عن طريق الخداع "1990: ’تواجه اسرائيل الآن أكبر خطر , خطر لايمكن مواجهته... فلايزال الفلسطينيون يهاجمون في اسرائيل’.
وفي 1421 هـ –2000 م قامت الانتفاضة الثانية
"فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم " محمد 35
بلغت قوة أعداء الإسلام وضعف المسلمين أن غلب اليأس عليهم..
من سنوات قليلة شن التحالف الغربي الحرب على العراق دون تفويض من مجلس الأمن الدولي .
وردا على سؤال في مؤتمر صحفي في لاهاي في 11 مارس 2003 قال الأمين العام للأمم المتحدة : (إذا خرجت الولايات المتحدة وقوى أخرى عن المجلس وقامت بعمل عسكري فلن يكون هذا متمشيا مع الميثاق).
وتولى تحفيز أصحاب القرار السياسي في الغرب حزب أراد أن يلتف حول مبادئه الشعب الأمريكي هو حزب المحافظين الجدد الذي استغل الصحوة الإسلامية ليجعلها هدفا له بعد سقوط الشيوعية في نزعة وطنية ذات طابع يميني متعصب ، وذلك في سبيل تجميع الناس على قضية واحدة ، حدث هذا في القرن التاسع عشر ، ومع الحربين العالميتين وعادت من جديد عام 1967 م..
بل وجعل الأصولية المسيحية له الدور الأكبر في حياة الأمريكيين الفردية والجماعية بعد أن لم يكن للدين حضور في المجالات العامة ..
واستولى الحزب على مقاعد عدة ، وأصبح للبعد الديني دور أهم في تشكيل السياسة منذ الرئيس ريجان ، بل وأعلن الرئيس بوش الصغير صراحة بأن مهاجمة بغداد هي حرب صليبية (أي دينية).
أحد الطقوس في البيت الأبيض وليس في أي مكان آخر هو أن يبدأ الاجتماع بالصلاة ، فيقوم رامسفيلد بأمر الرئيس بالتوسل إلى الله ويخفض كل من في الغرفة رءوسهم.. هكذا تصف مجلة دير شبيجل الألمانية الوضع في البيت الأبيض..
أما صحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية فتذكر في عدد يوليو 2005أن ’اليوم حصل الاندماج الصريح بين الخطابين القومي والديني’ في أمريكا ، وأن عقيدة المحافظين الجدد ’ترتكز على ثالوث : الله (من الصعب أن تكون محافظا دون أن تكون متدينا) والأمة والحرب’.
أمريكا تريد أن تقدم نفسها للإنسانية بوصفها المدينة الفاضلة والمبشرة بأورشليم..
و يقول بوش’هناك سبب واحد فقط لوجودي في البيت الأبيض وليس في البار لقد عرفت طريق الإيمان لقد وجدت الله’..
ويعد جراهام بل أحد مؤسسي التيار الأصولي الجديد في أمريكا أستاذا لبوش ..
و تشير الإحصائيات أن أمريكا أكثر تدينا من أوربا..
والتحالف بين الأصوليين في أمريكا والكيان الصهيوني منبعه الاعتقاد المشترك فيما تقوله التوراه وعقائد شعب الله المختار وعودة المسيح لتأسيس مملكة الله على الأرض ليحكم العالم من أورشليم بعد المعركة الفاصلة هرمجدون .. والكارثة ان هذا التيار الأصولي يؤمن بالكيان الصهيوني ويكن عداوة موغلة في الوحشية للعرب والمسلمين ..و ينظر الأصوليون اليهود والإنجيليون إلى حرب 67 باعتبارها معجزة إلهية ولايسمونها بغير حرب الأيام الستة رمزا لإعجازها.
يقول الكاتب البريطاني ج ك شيسترتون عن أمريكا: إنها أمة بروح كنيسة، وأن كل رئيس أمريكي يبدو في وقت ما كراعي للكنيسة.
وفي كتاب بوش ’مهمة للأداء’ : لم أكن أستطيع أن أصبح حاكما مالم أؤمن بخطة إلهية تنسخ كل الخطط البشرية’.
عن جابر بن عبد الله فقال : يوشك أهل العراق أن لايجبى إليهم قفيز ولادرهم ، قلنا : من أين ذاك ؟ قال : من قبل العجم يمنعون ذاك (مقاطعة أمريكا للعراق حتى أخذت المجاعة بأطفالهم ثم احتلوها) ، ثم قال : يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدي ، قلنا : من أين ذاك ؟ قال : من قبل الروم (الآن تعزم أمريكا على تكرار نفس فعلتها بسوريا) ، ثم سكت هنيهة ، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مبشرا بالنصر): "يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا لايعده عدا" رواه مسلم.
[COLOR="rgb(255, 0, 255)"]خاتمة..[/COLOR]
لو شاء الله أن تسقط حضارة المسلمين كما سقطت حضارات من قبلهم ومن عاصرهم
- لسقطت بعد قرنين إذ جرى على الحضارة الإسلامية ما أهلك اليونانيون بعد قرنين وهو ضياع العلم ، وتهدمت الأركان الثلاثة : الإنسان الشريف والأمة والبعث كإيمان فوقعوا في أيدي الرومان عبيدا ، وكانت العقيدة من أقوى العوامل في تدعيم المبادئ الأخلاقية ولكن حين خسر الرجل اليوناني دينه بتفشي تنديد أبيقور بالدين وقوله أنه يتعارض مع متعة الحياة.. أما في الإسلام فانظر للقرن الثاني الهجري وإحياء العلوم بالأئمة الأربعة.
- وبعد 3 قرون جرى على الحضارة الإسلامية ما أهلك الفرس بعد 3 قرون وهو تحريف الشهنامة وتعاليم زردشت ، فقد كان أول تعليم ديني عندهم الصدق والأمانة كما في الشهنامة حتى ظهر مزدك الفيلسوف الدهري وأشاع الصفات البهيمية.. أما في الإسلام فانظر للقرن الثالث الهجري وحفظ تفسير القرآن.
- وبعد 4 قرون جرى على الحضارة الإسلامية ما أهلك الرومان بعد 5 قرون من الشيع والأهواء والفرق.. أما في الإسلام فانظر للقرن الرابع الهجري وجهاد سيف الغزنوي وقلم ابن حزم.
- وبعد 7 قرون جرى على الحضارة الإسلامية ما أهلك البابليون بعد 4 قرون من غفلة الناس عن الحرب بالتجارة والدعة وسوء الحكم واضطراب أحوال الجيش وعدم ولاء رجال الأعمال وأنانيتهم .. فقد عاش المسلمون بين المطرقة والسندان يواجهون الزحف الصليبي على جناحه الغربي في الأندلس والشام وزحف التتار على جناحه الشرقي فكان أكبر تحد عرفه المسلمون ، وبعث الله بابن تيمية والمماليك ليذكروا الناس بالله ويضع النصر على أكفهم واستحضر المسلمون قوله تعالى:"الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا" آل عمران 173
- وبعد 9 قرون جرى على الحضارة الإسلامية ما أهلك الأشوريين بعد 10 قرون من أن حياتها الاقتصادية كان جل اعتمادها على ما يصل لها من الخارج وعلى الفتوحات التي تأتيها بالمغانم ولكن انظر للقرن التاسع الهجري.
- وبعد 10 قرون جرى على الحضارة الإسلامية ماأهلك المصريين القدماء بعد 6 قرون من فساد الكهنة ف، قد امتص الكهنة كل ما في مصر من مصادر الحياة ، وكان كل قرار يصدره الكهنة يصبغ بالصبغة المقدسة، وأسست الامبراكورية المصرية حكومة دينية راكدة ليصبح الملوك بعد رمسيس الثاني خداما للكهنة ، وكان خراج البلد يتدفق في خزائن الهياكل والكهنة ، وجاع الشعب لكي يتخم الكهان (الإله آمون) ، وكذلك شاع عند المسلمين علماء الدنيا حتى شاع المثل المصري"هاتوا من المزابل حطوا على المنابر" ..ولكن انظر للقرن العاشر الهجري ودور الأزهر في مصر وأحمد السرهندي في الشرق ومحمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية.
[COLOR="rgb(255, 0, 255)"]وأخيرا نورد من التاريخ القديم هذه القصة عن آلام المسلمين..[/COLOR]
بينما كانت الأميرة ابنة هولاكو تتجول في شوارع البلاد المسلمة التي غزاها أبوها رأت أحد علماء الدين فلما علمت أمره أمرت أن يأتوها به مربوط الرجلين واليدين بعمامته منزوع الحذاء والجورب ففعلوا فلما وضعوه أمامها قالت له : أنت رجل الدين ، فقال : نعم ، قالت : إن الله يحبنا ولايحبكم فقد نصرنا عليكم ولم ينصركم علينا وقد علمت أن الله تعالى قال " والله يؤيد بنصره من يشاء " .
فلم يجب العالم واشترط لأن يجيب على كلامها شرطا وهو أن يفكوا قيده وأن يجلس على كرسي مثلها فهددته فلم يستجب لتهديدها ثم وافقت على شرطه فأعادت عليه الكلام فقال لها : أتعرفين راعي الغنم.
قالت : كلنا يعرفه
فقال : أليس عنده من غنم؟
قالت : نعم
قال : ألا يحتاج ذاك الراعي إلى بعض من الكلاب؟
قالت : نعم
قال : و ما عمل الكلاب ؟
قالت : يحرس له غنمه ويعيد له الغنم الشاردة
قال : حتى ولو أصابها بجروح إذا امتنعت وأبت
قالت : نعم
قال لها : إنما مثلنا ومثلكم كذلك . فالله تعالى هو الراعي ، ونحن الغنم ، وأنتم الكلاب ، فلما شردنا عن أوامر ربنا سلط الله تعالى الكلاب علينا ليردونا إليه مرة أخرى.
- ومن التاريخ الحديث هذه القصة عن آمال المسلمين:
في شهر يوليو 2002 كان المتوقع أن تقيم آيات محمد الأخرس حفل زفافها كأي فتاة في العالم، ولكنها أبت إلا أن تُزف ببدلة الدم التي لا يُزف بها إلا مثلها؛ لتصنع مجد شعبها الفلسطيني بنجاحها في قتل وإصابة عشرات المحتلين الصهاينة في عملية بطولية ناجحة نفذتها فتاة في قلب الكيان الصهيوني.
وفي بيت متواضع في مخيم الدهيشة أقيم عزاء الشهيدة آيات الأخرس، ولكن بزغاريد وغناء تطرب له الآذان على بُعد أمتار من المنزل، و والدة الشهيدة الصابرة المحتسبة تستقبل المهنئات لها، وقالت عنها: "استيقظت آيات مبكرة على غير عادتها، وإن لم تكن عينها قد عرفت النوم في هذه الليلة، وصلّت صلاة الصبح، وجلست تقرأ ما تيسر لها من كتاب الله، وارتدت ملابسها المدرسية، وأخبرتني أنها ذاهبة للمدرسة لتحضر ما فاتها من دروس، فاستوقفتها؛ فاليوم الجمعة عطلة رسمية في جميع مدارس الوطن! ولكنها أخبرتني أنه أهم أيام حياتها، فدعوت الله أن يوفقها ويرضى عنها".
وتكمل الأم: وما كدت أكمل هذه الجملة حتى لاحظت بريق عينيها وكأني دفعت بها الأمل، ووهبتها النجاح في هذه الكلمات، فنظرت إليّ بابتسامتها المشرقة، وقالت: هذا كل ما أريده منك يا أمي، وخرجت مسرعة تصاحبها شقيقتها إلى المدرسة.
الشهيدة "الأخرس" من مواليد 20-2-1985، طالبة في الصف الثالث الثانوي، عُرفت بتفوقها الدراسي؛ حيث حصلت على تقدير امتياز في الفصل الأول لعام الشهادة، ورغم معرفتها بموعد استشهادها فإنها واصلت مذاكرة دروسها، وقضت طوال ساعات آخر ليلة تذاكر دروسها بل وأوصت زميلاتها بضرورة الاهتمام بالدراسة، والحرص على إكمال مشوارهن التعليمي مهما ألمَّ بهن من ظروف وأخطار.
ولكن طبيعتها الأنثوية كانت أكبر عائق أمامها، فقضت أيامها شاردة الذهن غارقة في أحلام الشهادة حتى نجحت الشهيدة وفاء إدريس بتنفيذ أول عملية استشهادية تنفذها فتاة فلسطينية، وزادت رغبتها في تعقب خطاهم.
وأكدت والدة الأخرس قولها: "ما فائدة الحياة إذا كان الموت يلاحقنا من كل جانب؟ سنذهب له قبل أن يأتينا، وننتقم لأنفسنا قبل أن نموت".
يقول ابن الرومي في إحدى مصاب المسلمين المشابهة :
وا حيائي منهم إذا ما التقينا ** وهم عند حاكم الحكــــــــــام
أي عــــــــذر لنا وأي جـواب ** حين ندعى على رؤوس الأنام
ياعبادي أما غضبتم لوجهي ** ذي الجلال العظيـــــم والإكرام
إن من لم يغر على حرماتي ** غير كفء لقاصـــــــرات الخيام
وا حيائي من النبي إذا مـــا ** لامني فيهم أشـــــــــد الملام
أمتي أين كنتـــم إذ دعتني ** حــــــــــــــرة من كرائم الأقوام
صرخت يا محمـــــــداه فهـلا ** قام فيها رعـــــاة حقي مقام
لم أجبها إذ كنت ميتــا فلولا ** كان حي أجابهـــــا عن عظام
انفروا أيها الكـــــــرام خفافا ** وثقالا إلى العبيد الطغــــــــــام
أدركوا ثأرهـــم فذالك لديهم ** مثل رد الأرواح في الأجســـام
لا تطيلوا المقام عن جنة الخلد ** فأنتم في غير دار مقـــــام
فاشتروا الباقيات بالعرض الأد ** نى وبيعوا انقطــــاعه بالدوام
اللهم اجعلنا ممن يزيدون آمال المسلمين
ولا تجعلنا ممن يزيدون آلامهم
آمين
(انتهى آلام المسلمين وآمالهم عبر القرون)
|