كاتب الموضوع :
**أميرة الحب**
المنتدى :
الارشيف
الفصل الأول
تركت سارة القلم الحبري يسقط باهمال من بين أناملها المرتجفة،لا ليس اليوم،لارغبة لها بكتابة أحذاث النهار في كتاب مدكراتها،انها متألمة ومحبطة ولاسبيل لنقل الوصف الدقيق بين سطور اوراقها البيضاء...
فركت وجهها المورد من شدة حرارة جهاز التدفئة،انه فصل الشتاء وهذا النهار على غير عادتها انتقلت الى درجة أعلى في جهاز التدفئة،تشعر وكأن كل حركاتها آلية...وكأن أنفاسها تلعب في صدر شخص آخر غيرها.
اليوم شديد البرودة،السماء سوداء وكأنها تعكس احباطها وقلقها،عادة وفي نهار سبت مماثل تخرج برفقة صديقاتها الى المقهى القريب من ساحة " سان كاترين" في مدينة بوردو الفرنسية،بالرغم من أن أغلبية رفيقاتها فرنسيات غير متحجبات الا انهن لم يرين فيها أي دافع للانتقاظ أو الشذوذ.
آلفنها كما هي...
جميلة لحد الفتنة..
محتشمة لحد ما...الفتيات في سنها تجاوزن الأمر منذ سنوات مضت.
وذلك المزيج بين أب عربي وأم فرنسية كان يشد الانتباه اليها.
هزت سارة كتفيها باستهجان وهي تتذكر والدتها..
انها بالطبع تتمتع بكل ما وهبه لها رفيقها الحالي من ثراء ورخاء
بينما تنسى أحيانا أن لها ابنة لاتسكن بعيدا عن منزلها الفخم
بالنسبة لها ..سارة...ولدت في ضروف غير ملائمة...ومع شخص غير مناسب.
زواجها الأول من " محمد طلعت" جعلها تقضم أصابعها ندما الى الأن.
كان زواج تكلل بالفشل الدريع.
ماكان على كريستسن "والدة سارة" أن تتحدى والديها اللذين عارضاها في فكرتها المجنونة بالزواج من مسلم..
تنهذت سارة بيأس وغادرت مكتبها الصغير في زاوية غرفة الجلوس الصغيرة.أرادت الخروج وبأي دوامة من أفكارها الكئيبة.
عليها أن تفكر في أشياء أكثر سرورا مثل..مهنتها مثلا...انها طالبة في معهد الفنون الجميلة بالاظافة انها خبيرة تجميل حصلت على الجائزة الكبرى في سن مبكرة وتتقاضى أجرا محترما على عملها،وأيظا..وأيظا أنها تدفع ايجار الشقة بدون مساعدة والديها،بالاضافة الى مهلات الدفع لسيارتها "الكوكسنسل الجميلة" وتأمينات المسكن والسيارة،وتأمينات الصحة...الى غير ذلك.
قفزت من مكانها عندما رن جرس الهاتف،" السلام عليكم.."
تعرفت فورا على صوت صديقها المقرب اللبناني الأصل.
" السلام عليكم ورحمة الله...لا أسمعها باستمرار هذه الجملة،كيف حالك؟
" ايهاب أنا حقا سعيدة بالمكالمة،لكنني مازلت غير مركزة على حركاتي،مازالت أعاني من الاظطراب..."
" أمي ترغب بمعرفة ان كنت تريدين المجيء لتناول العشاء معنا"
والدة ايهاب اعتنقت الاسلام منذ زواجها بوالد ايهاب،ومنذ وفاة هذا الأخير لم تتخلى " كنزة" اسمها بعد الاسلام عن تطبيقاتها الشرعية،بل ازدادت ايمانا وكانت لاتتردد في حفظ بعض الكتب المهمة التي تتكلم عن الدين الحنيف باللغة الفرنسية لسارة.
" ايهاب انا ممتنة لوالدتك،لكنني لست محطمة العزيمة الى هذه الدرجة وسأكون رفيقة سيئة للمساء..أفضل أن أبقى وحدي"
بعد لحظات أعادت السماعة مكانها وتوجهت للحمام لتجدد وضوئها وتصلي العشاء.
وهي في سريرها بعدما فشلت أن تجد أي فيلم ممتع في القنوات الأجنبية...تعدر عليها الوصول الى السبات المريح.
وأقطبت عندما سمعت هدير المحرك القوي يمزق سكون الليل..انها سيارة الجاكوار ثانية...يونس أحب هذا النوع من السيارت،وكم تأسفت لأنه لايستطيع الحصول على ترف مماثل..
" سوف أحصل عليها..." كان يطرر دوما وعيناه السوداوين تلمعان بتحد " والدي لم يكن بالفطنة وانساق وراء أنانيته باستغلال كل مالديه لمتعته الخاصة دون التفكير فينا..."
" لا تكن قاسيا على والدك.." محاولاتها للتخفيف عليه لم تكن مجدية البتة.
" عشنا مثل الأيتام فيما هو يتلذذ بثروته مع باقي النساء...تعرفين ياسارة؟أنه بامكاني الحصول على سيارة مماثل فقط بفرقعة اصابعي..."
" لكنك فتى صلب وتفضل الحصول على ماتشتهيه من مجهوذك الخاص..."
" بالطبع لأثبت لذلك الرجل أنه وبالرغم من اهماله لنا,..أصبحت رجلا ولافضل له علي"
" لا حولة ولاقوة الابالله...يونس لا تتكلم هكذا علينا الاحسان لوالدينا مهما كاناسيئيين أو شاذين عن القاعدة"
نظر اليها بسخرية وأعاد كلماته بقسوة" ذلك الرجل لافظل له علي...ليس والدي البتة"
صمتت سارة وبقيت تحدق لهذا الوجه الرائع التصميم وهذه النفس التي لوثتها الكراهية حتى الجذور،يونس رجل حياتها،انهما مخطوبان منذ سن السابعة عشر وهي تعشقه بكل حسناته وأخطائه.
من والدين مغربيين،عاش يونس في مسكن وضيع مع أمه وأشقائه الثلاث في نواحي باريس،انفصل أبوه الميسور الحال ولم يدفع يوما لهم مايتوجب عليه،فكانت المساعدات الاجتماعية والهلال الاحمر من يهتم بملبسهم ومأكلهم وحتى دفع الايجار...
- أكره هذه المدينة الكبيرة ... هذه كلمات يونس الروتينية التي يرددها دوما كلما ضاقت الدنيا به.
- كن مؤمنا بالله...
- اللعنة ياسارة من أنت لتكلميني عن الله؟بقد ولدت مسلما وأعرف الله والرسول أكثر منك...أنظري الى نفسك أمك مسيحية تعيش حياة مرتزقة فيما والدك هجرك منذ العشر سنوات وعاد الى المغرب وأعاد بناء حياته مع امرأة لاتعترض على أقواله بشىء...حتى أنك لاتتكلمين جيدا العربية.."
" ما فعله والدي ووالدتي من شأني اذا ما كنت تهذف لاللنقاش بل للسخرية مني..."
تصرفاته المتمردة ازدادت حدة مع مرور الوقت،أمله في الحصول على عمل بعد التخرج أجهظه الانتظار واليأس،وأمله ببرهنة لوالده أنه وصل الى ماأراده وبدون دعمه قد فشل تماما..
- يجب أن ننفصل...كلماته الخالية من أي تعبير قد انغرست في قلبها وكأنها خنجر حاد.
- لا..لاتفعل ذلك بي أنا أحبك.قالت سارة من بين دموعها - يونس لاتدع اليأس يفرق بيننا
- ليس اليأس يا حبيبتي سارة بل لأنك فتاة رائعة تستحق من هو أفظل مني...أرجوك لاتبكي واسمعيني...لقد فشلت تماما
- انك في الواحدة والعشرين فقط من عمرك..أستطيع الانتظار..وشهقت من شدة نحيبها - سوف أموت ان تركتني..لا أملك في هذه الدنيا سواك...كما سبق وقلت لي،أمي لاتهتم سوى بنفسها وأبي تركني منذ سنوات،لقد بنيت آمالا كبيرة على مستقبلنا،فكرت بأننا سنتجاوز أخطاء والدينا ونحى بسعادة معا..
- أنت رومانسية وحالمة بطبعك يا سارة،كما أنك ذكية ورائعة الجمال...سأنذم على قراري حتما بعد عدة سنوات لأن الطبيعة لن تمنح امرأة كل مافاضت به لك...لن أحب فتاة أخرى كما أحبك...لكنني أحتاج أن أكون حرا لأفكر جديا بمستقبلي
- قلت بأنني مستعدة للانتظار
- لا...لا..لاتربطي نفسك بي ياسارة...أنت في التاسعة عشر من عمرك وستشكريني يوما ما.
غرست سارة وجهها في الوسادة وهي تنتحب،كم كنت مخطئا بحكمك يايونس،وكم عذبتني بحكمك القاسي،لقد مر أكثر من الخمس سنوات،والى الأن لم أستطع بناء حياتي مع آخر...مازلت أبحث عنك وأفكر بك.
- يالله ساعدني بنسانه...
صلت سارة في نفسها،وفجأة لم تستطع الاحتمال أكثر فبكت وبكت وأفرغت الأحزان من قلبها.شهاقها ونحيبها جعلاصدرها يضيق وأصابتها نوبة ضيقة عنيفة،فبحتث عن بخاخها وأخدت منه نفسا عميقا قبل أن تعود أنفاسها الى طبيعتها.لما تفكر برجل هجرها وبسهولة وقد وضع مستقبله وحياته قبلها؟ اين كبريائها وكرامتها من كل هطا؟لما تبكي عليه بعد خمس سنوات من الضياع؟ انه لايستحق ...لايستحق جمعة واحدة من عينيها...
لكنه صوت محرك الجاغوار
انها الجاغوار السبب
ما ان لمحتها حتى قدر عليها استعادة الذكريات المؤلمة من جديد.
|