العسكرية المصرية في عهد الدولة القديمة
نهاية العصر الجليدي وميلاد الدولة المصرية
كما أسلفنا في الجزء السابق، كان المصريون بالفعل في أرض مصر عند نهاية العصر الجليدي أي بما يقدر بحوالي 10 ألاف عام مضت. وبنهاية العصر الجليدي حدثت تغيرات رئيسية في الطقس بمنطقة الشرق الأوسط، إذ ندرت الأمطار التي غذت الأراضي المصرية لتتحول إلى صحراء، في حين ساهم انخفاض الرطوبة في جفاف المستنقعات غابات البوص التي غطت نهر النيل، وشيئاً فشيئاً، نزح السكان إلى ضفاف النهر مكونين تجمعات بشرية أخذت في التزايد لتتكون أولى القرى وبوادر المدن، وهو ما تطور إلى مقاطعات لاحقاً.
وبذلك نشأت حاجة جديدة لم تكن موجودة سابقاً ، ألا وهو توفير القوة اللازمة للسيطرة على الموارد وانتزاعها من يد تجمعات بشرية أكبر حجماً من الجماعات الصغيرة التي غلبها المصريون للسيطرة على الأراضي المصرية، , وكنتيجة مباشرة أزداد حجم القوات اللازمة لتحقيق الأهداف، وأبرز الصراع بين المقاطعات المصرية الحاجة إلى ظهور التنظيم العسكري والذي أضحى ضرورة للسيطرة على حجم كير من القوات وكذا تنسيق الأعمال القتالية فيما بينها والمناورة بكل أو ببعض تلك القوات، وبرزت الحاجة كذلك إلى تطوير الأسلحة التي سادت في الفترة السابقة والتي كانت بدائية إلى حد بعيد.
ومع توحد الدولة المصرية النهائي، كانت الملامح الرئيسية لتنظيم العسكري المصري قد ظهرت. حيث تكون الجيش أساساً من المشاة، وكان المشاة نوعين لا ثالث لهما في ذلك الوقت.
1- مشاة متخصصون بالاشتباك بعيد المدى: ويتسلحون بالأقواس والسهام والمقاليع وعصي الرمي والرماح.
2- مشاة متخصصون بالقتال المتلاحم : ويتسلحون بالحراب وفئوس الحرب القاطعة والخناجروالمقامع.
وابتكر المصريون نظام الكتائب وهو أقدم شكل تنظيمي عسكري معروف عالمياً، وتتكون الكتيبة من 200 جندي لهم قائد، ويميزهم بين وحدات الجيش علم وشارة خاصة بهم. ولضمان سيطرة القائد التامة على الكتيبة، تم ابتكار سلسلة قيادة مصغرة تتضمن 4 قادة أصاغر يترأس كل منهم فصيلة من 50 جندياً، وتحت قيادة القادة الأصاغر قيادات أصغر يقود كل منها جماعة من 10 جنود .
تأثير الموقع على العسكرية المصرية
وقد تأثر المصريون بالواقع الجغرافي الجديد بشكل سلبي من الناحية العسكرية، إذ عملت الصحاري المحيطة بمصر شرقاً وغرباً، والبحر من الشمال إلى توفير حماية طبيعية ضد الغزو مما أدى إلى ظهور انعزال مصري عسكري عن أسيا حيث الصراعات العسكرية المحتدمة وهو ما أدى إلى تأخر العتاد الحربي المصري عن العتاد الحربي الآسيوي في فترة الدولة القديمة والدولة الوسطي، على كل حال، فقد دخل المصريون في تلك الفترة عصر المعادن وهو ما أنعكس على استخدامهم للنحاس في صنع الأسلحة بجانب الأخشاب وحجر الظران.
أسلحة الرمي
يعود تاريخ أسلحة الرمي إلى فترة ما قبل التاريخ، حيث كان إنسان العصر الحجري بحاجة إلى أدوات تمكنه من قتل طرائده، خاصة الخطيرة منها، من مسافات بعيدة. حيث أن استخدام الحراب في الصيد لطعن الحيوانات وهو أسلوب شاع في العصر الجليدي حيث كانت الكمائن هي الوسيلة النموذجية لصيد الطرائد، غير أن هذه الطريقة جد خطيرة خاص مع الطرائد الضخمة مثل الثيران والوعول وقد عثر على العديد من هياكل إنسان النيادرتال والذي كان يعتمد بشكل أساسي على طريقة الكمائن وهي مصابة بكسور بشعة تماثل الكسور التي تحدث لمصارعي الثيران نتيجة مواجهة الحيوانات البرية من مسافات قريبة. أما اما الإنسان العاقل والذي هو سلفنا نحن فقد استخدم نمطاً جديداً وهو الرمح القابل للرمي والأقواس والسهام والمقاليع القاذفة للأحجار، مما مكنه من الصمود بعد ذوال العصر الجليدي وسيادة غابات السافانا حيث لا كمائن، والطرائد الكثير منها سريع مثل الغزلان، شكلت تلك الأسلحة بدايات أسلحة الرمي التي توفرت لمختلف الأمم ومنها الشعب المصري.
أسلحة الرمي المصرية
رغم تنوع أسلحة الرمي المتاحة لدى المصريين، وهي الأقواس والسهام والمقاليع وعصي الرمي والرماح، إلا أن كل الأنواع الأخرى عدا القوس والسهم ستفقد أهميتها نسبياً مقارنة بالأقواس والسهام فيما ستتراجع عصى الرمي من مرتبة الأسلحة القتالية إلى مرتبة أدوات الصيد.
الأقواس والسهام
الصناعة: تكونت الأقواس في تلك الفترة من الأخشاب والحبال وهو ما يعرف بالقوس البسيط، وكان يصل طول القوس إلى ما يقارب هامة الرجل، أما السهام فكانت أعواد خشبية يوضع لها رؤوس من الحجر المدبب الصلد أو النحاس.
نمط الاستخدام : الوسيلة الأساسية للاشتباك بعيد المدى، وتصبح السهام وسيلة تفوق ساحق إذا ما تم تنسيق وتنظيم استخدامها كوحدة لكل الجيش. ويعتمد تكنيك الرمي على طريقتين: أولهما الرمي الجماعي، حيث يحتشد الرماة في مكان محدد وينتشرون على أبعاد متساوية بما يكفل لهم أن تنزل سهامهم على العدو لتغطي مساحة مشابهة، وفي هذه الحالة يرفع الرماة أقواسهم إلى أعلى ويطلقون زخات الأسهم مجتمعين، ويعتمد مدى الرمي على درجة رفع القوس وهو الأمر الذي يحدده قائد الرماة / وبذلك يستطيعون أن يمطروا مساحة محددة بوابل كثيف من الأسهم وأن يغيروا موقع الرمي من حيث المدى والاتجاه حسب تعليمات قائد الرماة، والحقيقة أن الرمي الجماعي بعيد المدى كان نقطة تفوق ممتازة لأجدادنا أحسنوا استخدامها إلى حد كبير. أما النوع الثاني من الرمي هو الرمي الفردي المباشر وفيه يتواجد الرماة قريباً من الصفوف الأمامية للقوات حيث يقوم كل رامي بانتقاء هدفه من الخصوم والتصويب عليه بشكل مباشر، وكانت يتواجد بعض الرماة عادة من ضمن التكوين العضوي للكتائب المقاتلة فضلاً عن قوات الرماة الخاصة بالجيش ككل.
المقاليع
الصناعة ـ المقلاع سلاح بسيط للغاية مكون من سير جلدي به قطع خاصة لوضع الحجارة والتي يتم انتقائها بحيث تكون ذات ذوايا حادة ، وفكرة المقلاع بسيطة إذ تعتمد على تطويح السير الجلدي ثم إفلات أحدى طرفيه لتطلق الحجر نحو الخصم مما يكسب الحجر قوة اندفاع كبيرة جداً تمكنه من تهشيم جمجمة الخصم بسهولة، وبتقدم الزمن تم استبدال قطع الحجارة بقطع من المعدن لتسبب ضرراً كافياً للأعداء الذين يرتدون الخوذ.
نمط الاستخدام: استخدام المقلاع مبكراً لمحاولة إصابة الخصوم من مسافة بعيدة (تقل كثيراً عن الرمي بالسهام) على أن يحدث الحجر المدبب الزوايا جروح أو كسور قد تكون قاتلة للخصوم، وأشهر من استخدم المقلاع هو داود عليه السلام إذ قتل به جالوت ذو الدروع الحديدة السابغة، على كل، نظراً لظهور وسائل الحماسة من دروع وتروس وخوذ أو حتى الملابس الجلدية السميكة، تم تطوير المقلاع ليقذف المعادن وقد اثبت هذا السلاح كفاءته على الرغم من بساطته واستمر استخدامه لفترات طويلة من التاريخ حتى أن السجلات الرمانية أشارت إلى الاستخدام البارع للمقلاع لجنود قرطاج تحت قيادة حنبعل للمقلاع والخسائر التي يحدثها في صفوفهم. وفي الجيش المصري كان أغلب الجنود يحملون المقلاع إذ أنه لا يشكل عبئاً، ويثبتون في وسطهم كيساً يحمل الذخيرة حيث يمكن لصفوف الجند الأمامية قذف الأعداء به أثناء اقتراب القوات من بعضها ما يلبثون أن يستعملوا السلاح الرئيسي عند الالتحام وهو الحربة والفأس والخناجر المتنوعة.
الرمح
الصناعة:- يصنع الرمح من أخشاب خفيفة ويوضح له رأس صلب صغير من الحجر أو النحاس، ويصلح الرمح للرمي لمسافات معقولة حيث يسبب ضرراً أكثر من السهم بسبب وزنه إذا ما قذف بقوة مناسبة، وفضلاً عن ذلك يصلح الرمح للاستخدام للطعن ولكن بشكل محدود حيث أنه قد ينكسر في حالة استخدامه ضد درع صلب.
نمط الاستخدام:- يعد الرمح من أسلحة الصف الثاني حيث يستخدم لقنص الأعداء أثناء الاشتباكات القريبة وهو يعد متوسط المدى إذا ما قيس بالأسهم، وتراجعت أهمية الرمح مع زيادة معدلات التدريع مع الزمن.
عصي الرمي
الصناعة:- تشبه عصي الرمي المصرية تلك الاسترالية وتتكون من قطعة خشبية على شكل زاوية منفرجة وتصنع من الأخشاب الصلبة.
نمط الاستخدام:- استخدم المصريون عصي الرمي كسلاح حربي في البداية لكن سرعان ما انحصر استخدامه في صيد الطيور نظراً لمحدودية تأثيره بعد انتشار استخدام التروس ودروع الجسم.
نماذج صور أسلحة الرمي
رؤوس سهام حجرية من عهد الدولة القديمة
رأس الرمح
المقلاع
ذخيرة المقلاع
عصى الرمي
صيد الطيور بالمقلاع
نماذج مصغرة لفصيلة من الرماة المصريين
يتبع