كاتب الموضوع :
redroses309
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
" الفصل الأخير "
14 - لن أقبل بالهزيمة
لم تشك تارا مطلقا في ان زوجها لن يستطيع ان يدخل الى قلبها الخوف طالما هناك من يدافع عنها في شخص ثلاثة رجال بينهم اثنان من بلدها .
و مع ذلك تململت عندما رأت ليون يدخل الحديقة و لم يخفف من احساسها هذا وجود الرجال الثلاثة .
كان ليون يحمل علبة كرتون كبيرة تبتهج أي امرأة بالحصول على محتواها .
و رأت دافوس يسرع اليه و يكلمه ، و لم يتمهل ليون ليستمع الى بقية حديث دافوس فأسرع الخطى .
تعرف تارا انه لا يحسب لظرف كهذا حسابا و لكن وضعه قد يسبب له كثيرا من المضايقات ...
دخل بقامته المديدة فنهض كل من الرجال الثلاثة و قدموا أنفسهم مبينين له سبب وجودهم في بيته .
لم يبدو لتارا أنه تأثر ، و كان طيلة الوقت ينقل نظره من الرجال الى زوجته و بالعكس .
و ركز عينيه مرتين على ديفد و في كل مرة كان يكشر .
اعتزت تارا بثبات جأشه و بثقته في نفسه ، و تأكد لها انه سيكتسحهم بغطرسته التي ورثها عن أجداده الوثنيين .
بعد ان انتهى الشرطيان من الحديث و من القاء الاسئلة التي كان يجيب عليها باقتضاب او لا يجيب ، التفت الى امرأته و قال :
- الواضح انك قلت لهؤلاء الرجال انك تزوجتني بمحض اختيارك .
أجابت باقتضاب :
- نعم ، قلت ذلك .
و أدارت وجهها عنه بالرغم من ان نظراته كانت تخلو من الغطرسة أو الغضب .
بل كان فيها نوع من الحزن .
و هذا ما ارادت تارا ان تتفاداه .
- في هذه الحال ، ليس لديك أي شيئ تشكين أو تتذمرين منه اذن .
قال ديفد بغضب مكبوت :
- بل على العكس . لديها الكثير تشكو منه ! اختطافها يوم حفلة زفافها ...
بساعة واحدة قبل ان تزف الي ...
فالتفت ليون اليه و قال :
- كانت تارا قد وعدتني بالزواج قبل يوم زفافها بمدة طويلة . فهل من المعقول ان تتخلى عني لتتزوجك ؟ هذا شيئ لم أقله ، و هي تعرف في صميم قلبها اني حسنا عملت باختطافها ...
- اذن كانت مخطوبة لك ؟
حدق ديفد و هو لا يصدق في وجه الرجل الذي سرق عروسه ثم الى وجه العروس نفسها .
كان وجهها متوردا و كان العرق يتصبب من جبينها .
قالت :
- هذا غير صحيح . مستحيل . لم اسمع عن هذا الرجل الا عندما كان في المستشفى .
سألها الشرطي الانكليزي عابسا :
- هل هذا صحيح ؟
و سألها الشرطي اليوناني بدوره :
- كنت مخطوبة ؟ اذا صح هذا ... فالخطوبة في اليونان هي بدرجة الزواج تقريبا . و الخطوبة لا تفسخ الا في حالات نادرة .
أجابت تارا بصوت جاف لم تكن تعرفه هي نفسها :
- لم أكن مخطوبة الى السيد بتريديس ابدا .
فقال ليون :
- اني لم أذكر كلمة خطوبة .
و لدهشة الجميع اقترب منها و رفع ذقنها بقوة و قال :
- انت وعدتني بالزواج . و لذا فإني اعتقد انك لن تكذبي يا زوجتي . هل وعدتني ام لم تعديني بالزواج ؟
و هزها من ذقنها مرة اخرى متحديا اياها بنظرة قاسية و حاثا إياها على اعطاء جواب فورا .
- نعم ... نعم . وعدته بأن أتزوجه .
كان صوتها مخنوقا و صعق ديفد عندما سمعها و قال و هو يهز رأسه :
- غير ممكن ! ماذا جرى لك ؟ متى تعرفت عليه ؟
أجابت تارا :
- عندما كان في المستشفى .
كان لون وجهها بلون وجوه الموتى .
و ودت لو تستطيع ان تختفي عن الانظار ريثما تستجمع قواها و تهدئ أعصابها المنهارة و تابعت كلامها قائلة :
- كان يعتقد ان كلا منا خلق للآخر ، و اقنعني في مرة من المرات اننا متلائمان ننسجم مع بعضنا .
- متى كان هذا بحق
السماء ؟
- قبل يوم الزفاف بأسبوع يا ديفد .
- قبل التاريخ الذي عينته لزواجك . و وعدتني أن تتخلى عنك لتتزوجني .
- هذا مستحيل ! أنكري ذلك يا تارا ! تكلمي !
- لا تستطيع انكار ذلك . اعترفت في هذه اللحظة بأنها وعدتني فتزوجتني بمحض اختيارها ، و نحن نتوقع ولادة طفلنا الأول ...
- كلا !
خرجت هذه الكلمة من فم رجل يائس و نهض رافعا يده كمن يريد ان يضرب هذا الرجل الوقح ، و تابع احتجاجه قائلا :
- تارا ، انت لست ...
شعر ديفد ان قواه خارت فارتمى على كرسي و هو ينقل نظره بين ليون و تارا التي وجدت نفسها تقارن بين الرجلين .
كان ديفد ينقصه الكثير من رجولة ليون .
و لكنها أشفقت عليه و تمزق فؤادها من أجله لأنه كان يحبها من كل قلبه و بإخلاص .
و بالرغم من انها تعلم تماما انه يعجز عن انقاذها من هذه الورطة كما تعجز هي ، إلا انها لا تشك في أنه يتألم مما حدث . و بعد فترة قالت بصوت هادئ و هي تنظر الى ديفد :
- اني لا اتوقع و لادة طفل . زوجي ارتكب خطأ في حسابه .
منتديات ليلاس
لم يصدق ليون ذلك و سألها بحدة :
- هل هذا صحيح !
- لا يربطني أي شيئ بك يا ليون . فأنا ذاهبة مع هؤلاء الرجال . ارجو المعذرة ، فاسمحوا لي ان أوضب حوائجي و سأكون جاهزة في أقل من ربع ساعة .
- انتظري يا تارا ! لا تستطيعين تركي ! هل تسمعين ؟
قال الشرطي البريطاني :
- لا شيئ يستطيع منعها من ان تأتي معنا . أنت اخذتها بصورة غير شرعية .
فنظر ليون الى تارا و سألها :
- هل تقدمين شكوى ضدي ؟
- انا ...
تعلثمت . و ارادت ان تسبب له بعض القلق .
و لكنها لا تستطيع ان تقول له بأنها ستتهمه امام الشرطة بينما هي لا تنوي ان تفعل ذلك .
- كثيرا ما قلت انك تودين ان تريني في السجن يا عزيزتي . هل ما زالت هذه الفكرة تراودك ؟
- قد يكون هذا ما تستحق .
- لم تجيبي على سؤالي بعد .
- ليس لدي شكوى ضدك .
دهش الشرطي ستورات فهتف غير مصدق :
- ماذا ؟!
و لكنه لم يضف أي كلمة أخرى .
- و هكذا فإن الفكرة لا تراودك الآن ؟
- كلا .
- مضى زمن طويل منذ ان قلت هذه الكلمات . اما الآن فلا أريد ان أراك في السجن .
فعلق الشرطي مرياكيس قائلا :
- اذن هذه نهاية التحقيق . ان هذه السيدة وعدت ان تتزوجه ثم تخلت عنه و تزوجت شخصا آخر . و يبدو لي انها لا تعرف أيا منهما تختار . و يعتبر الناس من مثلها طائشة فيفقدون احترامهم لها و تبقى عزباء طول حياتها ...
احمرت تارا من هذا الكلام و من احتمال سخرية ليون منها .
و مع ذلك فكل شيئ فيه يجتذبها ، و وقاحته اكثر من أي شيئ آخر .
- انا ذاهبة لتحضير ثيابي .
لم يمض على خروجها ثلاث دقائق حتى كان ليون عندها في الغرفة .
و رأته واقفا يضع يدا على الباب و أخرى في جيبه .
لم تتحمل نظراته و خافت من هذا السكوت الذي يشبه السكون قبل العاصفة .
فقالت و هي تشعر بالخوف لأنه قد ينجح في منعها من الذهاب :
- ماذا تريد !
- هل صحيح انك لست
حاملا ؟
كان كلامه ناعما و كان فيه تحد ولكنها لم تتجاسر على الكذب ، فأجابت :
- نعم ، صحيح . و هذه المرة كان القدر لطيفا معي .
كانت و هي تتكلم تضع اشياءها في حقيبة على السرير و هي شاردة الذهن .
- اني لا أقبل الهزيمة يا تارا.
- يجب ان تقبلها هذه المرة . انا حرة الآن و انت خسرت الجولة الأخيرة !
و عندما كانت تضع بعض الالبسة الداخلية في الحقيبة قالت :
- سأعيدها كلها اليك مع الحقيبة ...
- اخرسي !
أخذ قلبها يخفق بسرعة .
- ماذا يعمل الشرطيان الآن ؟
- لا ادري . يناقشان بعض الاشياء . اما شرطيك الانكليزي فكاد يجن لأنه لا يستطيع توقيفي .
- انا لا ارغب في ان أراك موقوفا .
- لماذا ؟
- لأنني لا أحقد .
وضبت آخر قطعة اخرجتها من الجارور و وقفت مرتبكة لا تدري ما تفعل و سمعت في الخارج عصفورا يزقزق .
- تعالي يا تارا !
لم تجبه ، بل ذهبت الى الخزانة و أخرجت منها فستانا وضعته في الحقيبة و سترة وضعتها على السرير .
و لما استدارت كان ليون واقفا لصقها تقريبا .
ضمها اليه ليجعلها تستسلم كما كانت تفعل كل مرة في السابق .
و همس في اذنها :
- لا تستطيعين التخلي عني . انت لي يا تارا . انت ملك لي .
لن أدعك تذهبين ... ابدا ، ابدا !
- لا تستطيع عمل شيئ الآن .
- انك تغيظينني . هل تعتقدين اني سأسمح لزوجتي ان تتركني ... لتذهب مع رجل آخر ؟
حملقت فيه مستغربة و قالت :
- مع رجل آخر ؟
- هذه السمكة المتكومة على الكرسي في غرفة الجلوس .
لا يلائمك هذا الرجل يا حمقاء ! انت بحاجة الى رجل ! انت بحاجة الي !
- لا احتاج لا اليك و لا اليه . لن أتزوج ابدا ... و قد يعزيك هذا !
- لكنك متزوجة الآن .
- لن أكون زوجة بعد بضعة أشهر !
افلتت منه و ركضت لتطبق غطاء الحقيبة .
و تناولت السترة و الحقيبة و لكنها وجدت ان ليون قد سد عليها الطريق .
- يا لعينة ...
و توقف عندما سمع وقع أقدام مسرعة تصعد السلم .
و فتح الباب فجأة فدخل ثلاثتهم الى الغرفة .
- ماذا جرى ؟
و بدلا من ان تجيب على سؤال ديفد سلمته الحقيبة .
- أبعدني عن هذا المكان .
كانت تبكي كالطفل و ارتمت بين ذراعي ديفد قائلة :
- أريد ان أعود الى انكلترا !
خشيت من ان ليون سيقاوم حتى النهاية .
و لكنها رأت انه تراجع امام ثلاثة رجال و بدا عليه التردد .
- هذه ليست النهاية يا تارا . ستعودين !
كان كلامه كلام رجل واثق من نفسه .
و لكن تارا خرجت من الغرفة يتبعها ديفد و الشرطيان .
كانت على الزورق عندما تكلم ديفد دون ان ينظر اليها :
- لاحظت ان لهذا الرجل سطوة عليك ، أليس كذلك ؟
- نعم يا ديفد و كان ذلك منذ أول لحظة رأيته في المستشفى .
- و مع ذلك لم تقولي شيئا .
- هذه الأشياء لا يتكلم عنها الانسان .
كان كلامها واقعيا و كان فيه نوع من الاعتذار .
- هل حاولت ان تتخلصي من هذه السطوة ؟
- طبعا ، لأني لم أرد الا الزواج منك .
التفتت الى حيث كان الشرطيان واقفين على متن الزورق .
كان الشرطي اليوناني في طريق عودته الى اثينا و الانكليزي الى انكلترا ، و كان هذا الاخير مغتاظا منها لأنها فوتت عليه الفرصة في اقامة دعوى ضد ليون ، و لو لم تكن تزوجت منه لكانت الدعوى أقوى بكثير .
- و الآن لا تريدين ان تتزوجيني .
- انت قد لا ترغب في الزواج مني .
اومأ ديفد بالإيجاب . أما هي فاضافت :
- كانت تكون غلطة كبيرة لو تزوجنا ، و لكننا كنا واثقين اننا نحب بعضنا .
لم يعلق على ذلك بشيئ . و لكنها تابعت تقول بالصوت الناعم الذي كان ديفد يعبده :
- انه لمحزن حقا يا ديفد ، و لكن من حظنا اننا اكتشفنا ذلك الآن .
عبس فجأة و أجاب و الألم يحز في قلبه :
- لو لم يختطفك هذا الحيوان لتزوجنا و كنا سعيدين الآن .
- سعيدين لمدة وجيزة فقط .
كلانا متأكد من ذلك . و لكن مع مرور الوقت كنا اكتشفنا خطأنا يا ديفد .
- كيف تقولين ذلك ؟
- لأننا اكتشفنا اننا لا نحب بعضنا .
لم ينكر ذلك بل اكتفى بأن تنهد .
لكنه اقترح عليها ان يذهبا لتناول شيئ من الطعام .
- سيكون هذا آخر ما بيننا .
دخلا الى مطعم الزورق تاركين الشرطيين يتحادثان .
اتفقوا ان يأخذ ديفد و ستورات و تارا الطائرة ليعودوا الى انكلترا .
و لكن قيل لهم ان طائرة المساء كلها محجوزة .
و لا يوجد إلا مكان شاغر واحد في طائرة اليوم التالي .
- هذا يعني اننا سنبقى في الفندق .
تذمر اوسكار من اضاعة الوقت ، أولا في عدم توفيقه بإقامة دعوى و ثانيا في عدم تمكنهم من السفر .
- اقترح ان نزور المدينة طالما نحن في اثينا . لنذهب الى زيارة الأثار في الاكربوليس .
لم يكن ديفد متحمسا لهذه الفكرة .
و لكنه رافقها و في اثناء الجولة قالت تارا ان بإمكانها التجول وحدها .
و أجابها ديفد بشيئ من الأغتياظ :
- اظن انك مسرورة لأنك لم تتمكني من العودة الى انكلترا حالا .
- لا تقل تفاهات يا ديفد .
- ليست تفاهات . يبدو لي انك مسرورة بوجودك في اليونان ... بلده !
تنهدت و لم تقل شيئا ، و تابع ديفد يقول :
- ما زالت له سيطرة عليك رغم بعده عنا بأميال . هل انت أكيدة من عدم حبك له ؟
وجه سؤاله هذا غيظا و احتقارا .
و هذه المرة الأولى التي ترى فيها ديفد بهذا المزاج و لكنها لم تكن تلومه .
- إذا اردت الحقيقة ، اني أحبه .
- كنت أعرف ذلك .
كانت عيناه تنمان عن ازدراء .
- اذن لماذا انت هاربة منه ؟ من الواضح انك تستمتعين بأن تكوني تحت سيطرة الغير .
ذهلت عندما رأيته يرفع رأسك من ذقنك بهذه الطريقة الوحشية ، و ذهلت اكثر عندما لم تحتجي بكلمة أو تقاومي حركته بحركة مماثلة . أي نوع من النساء انت ؟
- لا اعرف . ان شخصية ليون قوية لدرجة اني ... أرى نفسي بلا حول ...
- و تحبين ذلك ؟ هذه جاذبية الرجولة ، هيه ؟ و الى متى تستطيع فتاة مثلك ان تتحمل عبودية يفرضها عليها رجل غريب ؟
- تركته لأني ارفض هذه العبودية . ظننت انك خمنت ذلك مثلما خمنت انني أحبه .
كان وجهها شاحبا . و كانت تتألم لمجرد التفكير في انها لن تستطيع العيش مع ليون . فقط لو انه يحبها ... لو انه يسود عليها دون ان يقسو ... لو يحبها و يمنحها احترامه و حنانه ...
لا تتحمل حياة بدون هذه الاشياء .
و لكن كلمته كانت شريعة تطاع و لا تناقش .
كانت ارادته فوق كل ارادة ، و أوامره تنفذ دون جدل .
و لكن بقدر ما تحبه تارا بقدر ما تحب ان تكون بعيدة عنه .
ضايقتها اعتراضات ديفد على كل ما تقوله أو تفكر فيه .
فاقترحت عليه ان يأخذ المكان الشاغر على الطائرة و يعود الى انكلترا و ستلحق به برفقة الشرطي .
وافق ديفد و كان الوضع مربكا .
و بعد ان رحل شعرت ان كل شيئ تركها ، القوة و النشاط و الحيوية .
و لم يخفف الشرطي ستورات من آلامها النفسية بمعاملته البعيدة عن المجاملة و هما يتحدثان اثناء وجبة العشاء :
- كل هذا مضيعة للوقت ! و كان لا يهمني لو اني تمكنت من زوجك هذا بجلبه معي الى انكلترا ! لم نفكر قط انك تزوجته ! فقد قلب هذا خططنا رأسا على عقب .
- يسرني ان ليست هناك قضية ضده .
- هل تحبين هذا المحتال ؟ و اذا كنت تحبينه ، ماذا تعملين هنا ؟
- لا اعرف ...
نظرت اليه جاهدة ألا تبكي أمامه .
- لا تعرفين ؟
و غير صوته و لهجته :
- يجب ان تعرفي ! انت تحبينه !
تجاهلت ذلك و قالت و هي تمسح عينيها بيدها :
- انت متضايق لأنك خسرت القضية ضده . لكن دعني أقل لك هذا يا مستر ستورات : لقد خسرتها لأني انقذت زوجي من المحاكمة بادعائي اني لم أخطف و اني تزوجته باختياري !
كان الذهول واضحا في عينيه :
- انت ... ؟ هل تظنين الناس يصدقونك ؟ لا تنسي ، كنت في طريقك الى المعبد . النساء ! ... كلهن سواء . لا يعرفن ما يردن و لو لبضع دقائق ! تقولين انك تريدين ان ترجعي الى انكلترا بينما خاطفك هذا الذي تريدين العودة اليه !
حولت نظرها عنه عندما قال هذا ، و لكنها أقرت بأن ما قاله من انها ترغب في العودة الى زوجها صحيح .
غير انها قالت :
- سنعود الى الوطن غدا . هل حجزت مكانين لنا فعلا ؟
كان غاضبا عندما أجاب و هو ينظر اليها نظرة خاصة :
- لي رغبة قوية في ان اتركك تتصرفين حسبما شئت .
في النهاية رفعت رأسها و تطلعت فيه :
- هل تفعل هذا ؟ لن تتركني هنا وحدي ...
- طبعا ، لن اتركك وحدك .
في صباح اليوم التالي خرجت تارا لتتجول في المدينة .
و بعد زيارة عدة اماكن انتهت الى ساحة الدستور حيث جلست في قهوة خارجية و تناولت فنجان قهوة .
بعد ذلك ارادت الذهاب الى الاكروبوليس حيث كانت تأمل ان تجد الهدوء و لو لبرهة وجيزة .
تجولت بين خرائب المدينة و تصورت كيف كانت أبنيتها الرخامية في تلك الأيام الغابرة عندما كانت الجماهير تجتمع لاحياء ذكرى أثينا رمز الحكمة .
مضى الوقت و لم تشعر تارا بمروره لولا الجوع نبهها فجأة .
و كانت الشمس عند المغيب عندما عادت الى الفندق .
و ما كادت تدخل البهو حتى سمعت شخصا يناديها ، و التفتت ناحية الصوت رأت نيقولاوس .
- ماذا تعملين هنا ؟ هل ... ليون معك ؟
- انا هربت يا نيقولاوس .
قالت ذلك بصوت رتيب لا حياة فيه .
- هربت ؟ نجحت في الهرب ؟ كيف ؟
لم يبدو مدهوشا و قبل ان تجيبه على سؤاله دعاها للجلوس في زاوية هادئة من القاعة .
قصت تارا كل ما حدث و قص عليها بدوره كيف هرب بعد ان وضع السلم تحت النافذة لئلا يقع في قبضة ليون .
و قال معلقا :
- و ليون أسرع مني و يستطيع ان يسبقني .
- لا ألومك على فرارك ، و لكن لماذا لم تتصل بي بعد ذلك ؟
- فضلت ان أختفي بعض الوقت لأبعد عني الشكوك .
لكن ليون شك في نيقولاوس و لا تعرف لماذا لم يلاحق الموضوع . ربما حاول ان يتعقب نيقولاوس و لكنه لم يعثر عليه . فسألته :
- لماذا انت هنا الآن ؟
تردد قبل الاجابة و حاول عدم النظر اليها عندما قال :
- زورقي في بيراوس الآن .
- هل تعود الى هيدرا عن قريب ؟
- نعم ... هل تفكرين في العودة الى هيدرا ؟
هزت رأسها ، و لكنها لم تكن متأكدة من انه اقتنع .
مضت برهة سكوت ،
ثم قال :
- هل تحبين ليون يا تارا ؟
وجد نيقولاوس صعوبة في توجيه هذا السؤال .
تطلعت اليه بعينين دامعتين و تمنت لو يسرع الخادم في تقديم طلبها حتى تبلل جفاف حلقها .
- نعم . اني احب ليون . و لكني لا استطيع البقاء معه يا نيقولاوس . انا انكليزية و اريد ان يحبني زوجي . معظم الحياة الزوجية في اليونان تمضي بلا حب ، أو ان الحب يأتي من جانب واحد فقط هو جانب الزوجة . لأن النساء هن اللواتي يقعن في حب ازواجهن .
كان كلامها كله مرارة .
- انا انكليزية و الحب ضروري لي ... الحب من طرف زوجي .
- انت حزينة بسبب كل هذا يا تارا ؟
- طبعا انا حزينة .
لاحظت تعبيرا غريبا في عينيه و لكنها لم تعر ذلك أي أهمية ، و قالت :
- أية امرأة تحب زوجها لا تحزن اذا هي تركته ؟ ان حياتي تكون سعيدة لو أحبني ليون . طبعا انا حزينة .
و بذلت جهدا كبيرا لتمنع نفسها من البكاء .
قال نيقولاوس :
- استطيع ان احبك كثيرا ، لكن يبدو ألا مجال لذلك . هذا ما أراه الآن .
- كان لطفا عظيما عندما أبديت استعدادك لمساعدتي .
- لكني لم أتوصل الى اية نتيجة . هل غضب ليون ؟
- لا تسألني . كاد يقتلني !
- انه حاد الطباع .
و بينما كانت ترتعد بعض الشيئ ابتسم نيقولاوس ابتسامة خفيفة و قال :
- ليون يجتذب النساء في كل الأوقات . اما المهذبون مثلي فليسوا مرغوبين .
- ستجد الزوجة الصالحة لك في يوم من الأيام يا نيقولاوس .
هز كتفيه و تحول الى موضوع آخر :
- ستترك إلين هيدرا و ستسكن في اثينا .
تسارعت دقات قلبها و سألت فورا :
- صحيح ؟ اذن انتهت العلاقة بينها و بين ليون ؟
- انتهت . لا تنسي ان ليون متزوج الآن . اليونانيون يعتبرون الزواج أبديا .
تكلمت تارا و كان صوتها بلا حياة هذه المرة ايضا :
- في نيتي ان أطلقه .
أتى الخادم بطلبهما و كانت تارا تشعر بظمأ شديد .
قال نيقولاوس :
- الطلاق لا يعجبه ...
و توقف فجأة عن الكلام و قد قطب جبينه و من ثم قال و هو ينظر الى ساعته :
- دعينا نغير موضوع حديثنا ... قلت ان الطائرة لا تقلع قبل منتصف الليل ؟
- نعم . هذا اذا اتى الشرطي و رافقني و آمل انه لن يهملني .
- هل تحبين تمضية بعض الوقت على زورقي ؟
- يجب ان اكون في المطار عند الحادية عشرة إلا ربعا . لن يكون لدي الوقت الكافي اذ علي ان أبقى هنا في انتظار المستر ستورات .
أشكر لك لطفك يا نيقولاوس و لكني لم آكل بعد .
- يمكننا تناول شيئ على الزورق فإن بحارتي ماهرون في الطبخ .
كان متلهفا للحصول على جوابها : لا تستطيع ان تخاطر بالوقت ، فقد يحدث حادث و يؤخرها على الطائرة .
و لكنها في نفس الوقت لا تريد ان تخيب آمال نيقولاوس فابتسمت له موافقة .
استقلا تاكسيا و كانا الآن على ظهر اليخت الفاخر الذي ذكرها بيخت ليون الجميل ... و بالخوف الذي استولى عليها عندما صعدت اليه .
- اذهبي الى غرفة الاستقبال و سألحق بك بعد لحظة .
ارادت ان تسأله أي اتجاه تأخذ .
و لكن اين غرفة الاستقبال ؟ و لماذا هذا الظلام ... هذا الزورق ...
- مساء الخير يا تارا .
سمعت صوتا ناعما و لكن ساخرا .
و أحست كأنه ضربة سكين تخترق صدرها فدارت على نفسها .
- و هكذا اختطفك مرة ثانية ... بمساعدة صديقي الحميم نيقولاوس .
كان واقفا بالباب و كله هدوء و ثقة .
- يمل الانسان من تكرار العملية نفسها كل مرة .
حاولي ان تسببي لي ازعاجا آخر و ستجدين اني لن اكون مسؤولا عما قد اعمل . تعالي الى هنا !
و لكنها بدل ان تستجيب الى طلبه همت ان تهرب من الغرفة او أن تقذف بنفسها الى الماء فتسبح الى البر .
إلا ان يدا قوية أمسكت بها و منعتها من الحركة و وضعتها وجها لوجه مع زوجها ... و هالها ما رأت فهتفت ذاهلة :
- اذن هذا الزورق لك .
و قبل ان تضيف اي شيئ شدها اليه و لكن بألطف طريقة ممكنة و قال :
- حبيبتي ، احببت ان أمازحك بتخويفك قليلا و لكني رأيت الرعب يدب فيك . لا تخافي مني بعد الآن يا عزيزتي و يا حبي ...
تلاشى صوته تدريجيا و لم يجد التعبير الملائم فاكتفى بأن يضمها بين ذراعيه و ان يسمعها دقات قلبه .
أصابها ذهول لا يوصف امام هذه المعجزة .
و لا يهم كيف حدثت .
المهم هو ان احساساتها كانت تتجاوب بعمق مع هذه اللحظات الثمينة و كانت و هي تقبض على ياقة سترته بكل قوتها تقول بصوت كاد يكون صراخا :
- لا أفهم يا ليون . لا أفهم كيف حدث ذلك ؟ لا استطيع ان أصدق . قل لي ان هذا حقيقي ، انك ... انك تحبني .
بكت و كان البكاء يختلط بصوتها . و سمعته يهمس :
- كم أحبك ... انا مجنون بحبك !
عانقها عناقا طويلا و استسلمت له استسلاما حالما كله حنان و عطف .
و في النهاية سألته :
- كيف حصل كل ذلك ؟
فقادها الى غرفة الاستقبال حيث كانت الاضواء الخافتة اكثر ملاءمة لتبادل حديث هادئ في جو تزينه باقات من الأزهار العطرة و موسيقى يونانية ناعمة ترافق تمايل الزورق على سطح الماء .
كان ليون و تارا جالسين و أصابعهما متشابكة .
كان هو المتكلم . علمت عن اشياء كثيرة ، منها خوفه الكبير عندما رآها في النافذة تهدده بأن تقذف بنفسها و غضبه الذي تلا ذلك و كان نتيجة لهذا الخوف .
ثم اطلعها على شكه في نيقولاوس و كيف صمم على ان ينتزع منه الحقيقة عند عودته من جزيرة خيوس .
و كيف حصل عليها و هدده ليون باجراءات صارمة لو نجح في مشروعه لأنه كان يحب امرأته .
اما الجزء التالي من معلومات ليون فكان يتعلق بخبر فاجأها . و هو ان الشرطي الانكليزي ستورات ارتأى ان يتصل به هاتفيا ليقول له ان تارا كذبت كيلا تكون سببا في تقديمه الى المحاكمة .
- عندما قال لي انك كنت تؤكدين مجيئك معي بمحض اختيارك عرفت انك تحبينني . و مجرد كونك ارتكبت كذبة لتنقذيني برهان قاطع على حبك لي . لا افهم يا حبيبتي كيف احببتني بالرغم من كل معاملاتي السيئة لك .
تنهد طويلا و في ملامحه ندم حقيقي على كل ما بدر منه .
- كنت دائما ارفض ان اقع في الحب . و كنت اكره اصرارك على الحب و العناية و ايمانك بأن لا سعادة في زواج بلا حب . و في النهاية اقتنعت بهذا كله .
حتى في هذه اللحظة كان يشعر بقشعريرة الخوف و هو يفكر باحتمال سقوطها .
و لكن فرحة بعودتها كان شيئا مذهلا .
و تابع حديثه يقول :
- كنت اطلب حبك و كنت واعيا بمعاملتي لك .
- لكنك قلت ان ذلك كان لمصلحتنا ، و فعلا كان .
- ربما لاتقبلين بتفكيري ، و لكني أصارحك يا عزيزتي اني كنت خائفا ... خائفا جدا ... عندما تأكدت من أني احبك .
و بعد ان توقف قليلا تابع حديثه ليشرح لها كيف طلب من نيقولاوس ان يرافقه الى بيراوس و كيف خططا ان يبقى نيقولاوس في الفندق حتى يصادفها .
- و لكن هذا يحيرني . لماذا لم تأت انت شخصيا .
- خشيت إن انت رأيتني ان تهربي . و كنت ستركضين حتى تهلكي و تختفي عن الأنظار . و معنى هذا انه سيتوجب علي ان ابحث عنك من جديد . و لكني كنت واثقا من اني سأجدك . ألم أقل لك انني لن اتركك تذهبين و انك لي الى الأبد ؟
- نعم ، قلت هذا .
- كانت هذه الوسيلة افضل . ان تأتي الى زورقي بدعوة من نيقولاوس .
- كان نيقولاوس مقنعا جدا . لم يبد عليه أي ارتباك .
- حذرته كي يكون حريصا ، و كم تكون خيبتنا كبيرة لو انك لم تأتي .
- برهن نيقولاوس بعمله هذا على انه كان مدينا لك .
- كان مترددا في بداية الأمر . و اشترط للقيام بهذه العملية ان يتأكد من حبك لي ، و قال ان حبي لك لا يكفي . اذ سيكون خائنا لك اذا اتى بك الى الزورق دون ان يتأكد من انك ترغبين في الرجوع . لأنه بذلك يكون قد حكم عليك بالسجن في بيتي ... كما كنت تسمين ذلك في اكثر من مناسبة .
ضحك ليون عند هذه العبارة فضحكت تارا معه .
- فهمت الآن لماذا كانت اسئلته رقيقة . اراد التأكد من حبي لك قبل ان يدعوني الى زورقه !
- كان من المفروض ان يقول ان الزورق له ، أليس كذلك ؟
- آه يا ليون . اني احب نيقولاوس لما قام به !
- ماذا قلت ؟
فضحكت تارا من جديد :
- انت تفهم ما اقول . و أحبك انت ايضا طبعا .
- اشكر لك كلماتك اللطيفة ! أعيدي هذه الكلمات بطريقة اكثر شاعرية بعد العشاء الفخم الذي يهيأ لنا .
- قال نيقولاوس ان بحارته سيتدبرون هذا الأمر !
- كل هذا جزء من الخدعة ، و نجحت الخدعة .
و ضمها اليه برقة فاستجابت له بعفوية .
و سألته بلهفة :
- متى بدأت تشعر بأنك تحبني ؟
- هذا سؤال من المستحيل الاجابة عليه .
نظر اليها بعينيه السوداوين طويلا ثم قال :
- لا ادري اذا كان حبا من النظرة الأولى . فما من امرأة اجتذبتني كما اجتذبتني انت في المستشفى فأقسمت ان تكوني لي .
هزت رأسها دهشة . لم يخطر لهما في حينه ان يتساءلا ما اذا كان ذلك حبا من النظرة الأولى .
- ظننت أنها مجرد رغبة يا ليون .
- و هكذا ظننت انا ايضا ، و لكن ...
هز رأسه قائلا ان ذلك لا اهمية له الآن طالما انه يحبها .
- اتذكرين الآن كيف كنت تجنين غضبا عندما أقول لك ما أقول ؟ و كنت اعرف حتى في تلك اللحظة اني لن اصادق اية امرأة اخرى في حياتي ، و هذا ما يجعلني اعتقد بأنني أحببتك منذ البداية .
- كنت اؤمن احيانا انك قد تقع في حبي . و لكنني وجدت بعد ذلك اني مخطئة .
- من المؤسف ان لا احد منا كان يتكلم عن احساساته الحقيقية ، و كنت اعرف ان الحب يأتيك تدريجيا لأنك فتاة لا تستسلم للرجل لمجرد المتعة .
تعانقا مجددا و رأى كل منهما انه ما يزال هناك الكثير يتكلمان عنه .
الا انهما فضلا البقاء صامتين يستمتعان بهدوء البحر من حولهما ، و بالتفكير في الأيام المقبلة المليئة بالحب على جزيرة هيدرا ... و اسمها الآخر جزيرة الفردوس .
****************
تمــــــــــــــــ بحمد الله ـــــــــــــــــــت
|