كاتب الموضوع :
redroses309
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
12 - الوعد المرير
في الصباح وجه ليون عدة اسئلة لتارا و لم يحصل على شيئ ، فأخذ يسأل خدمه واحدا واحدا و كل ما ناله من معلومات هو الرسالة فقط .
- من بعث لك هذه الرسالة ؟
رفضت تارا ان تبوح بإسمه .
- طبعا ، لم تأتك في البريد .
- كلا ، كانت من الشخص الذي ساعدني .
- ما زلت مصممة على الا تعطيني اسمه ؟
تملكته الحيرة كيف استطاعت تارا ان تتصل بالناس مع كل هذه المراقبة .
-هذه أعمال نذلة جرت من وراء ظهري ، و لن يستريح لي بال قبل ان اكتشف سرها .
تطلع فيها ، و كانا بعد في غرفة الجلوس حيث استجوب خدمه .
- تأكدي من اني سأضع عليك رقابة أشد من الآن فصاعدا .
علقت على قوله بهزة كتف دون اي انفعال :
- كل هذا لا يهمني بعد الآن يا ليون . فأنا سجينتك و لن تسنح لي فرصة للهرب لمدة طويلة جدا .
نظرت اليه و هي مستلقية بين ذراعيه .
كانت في السابق تدير له ظهرها .
لكنها هذه المرة ارادت ان تبقى بين ذراعيه اطول مدة ممكنة .
ان تبقى في حماية ذراعين قويتين كلهما دفء و حرارة .
و عندما أتى الصباح طلبت منه ان يبقيها في حماية ذراعيه .
- حتى اذا اعطيتني الوعد لن أثق فيك بعد الآن . أظنك تعرفين هذا .
قالت بهدوء و استسلام تامين :
- سأعطيك الوعد اذا اردت و سأحترمه و في كل الأحوال ، اذا لم تثق بي بعد الوعد فلن استغل استعماله . اذ اني سأعيش كما عشت منذ مجيئي الى هنا .
تغلب عليها البكاء و كأنها غضبت من نفسها لأنها تبكي . هزت يدها امام عينيها و قالت و كأنها تكلم نفسها :
- ما الفائدة من الدموع ؟
- لا أحب ان اراك تبكين .
- لا اعتقد ان بكائي يؤثر فيك .
نهض من مكانه و مشى الى النافذة واضعا يديه في جيوب سرواله .
تأملت ظهره المستقيم و عضلاته القوية .
و أحست بشيئ مثل شعور داخلي لا تفهمه يتحرك فيها .
ما الذي تغير فيه ؟
قبل بضع ساعات كادت تقذف بنفسها من النافذة و كان يمكن ان تموت او تؤذي نفسها .
استغربت من نفسها كيف شعرت بنصر التفوق عليه عندما هددته بالقفز من النافذة اذا لم يخضع لشروطها .
وشعرت بقشعريرة الخوف تسري في عروقها لمجرد التفكير في ذلك .
و عرفت انها لم تكن تستطيع ان تنفذ ما هددته به ، و لكنها أسفت لأن الحظ لم يسعفها كي تصل الى بغيتها .
كانت تريد فرض شروطها و الحصول على مناها في ان تكون بدون مراقبة .
و لكن القدر تدخل و أنقذه من مذلة الهزيمة .
و بينما كانت تتوقع تهديدا أو عقابا أتاها عناق طويل .
كان في حينه خائفا كثيرا ... هل سبب خوفه أعمق مما استطاعت استنتاجه ؟
كانت تعتقد انه يريدها فقط ، و لكن الرعب الذي اصابه و هي تهدد بالقفز يعني اكثر من ذلك بكثير .
و لكن ماذا يعني ؟
التفت نحوها و قال :
- اشعر انك ستحاولين دوما ان تهربي مني يا تارا .
عبست بسبب رتابة صوته ، و بدا لها انه فريسة لليأس . و أضاف يقول :
- لم أصدق أبدا انك ستهربين فعلا .
- و لكنك كنت تصدق انك تستطيع الاحتفاظ بي .
- نعم ، و كنت متأكدا من ذلك .
كانت عيناه تحلمان و عاد فجلس حيث كان سابقا .
و كان هذه المرة غير مستقر و فاقد الهدوء و لم يبدو انه نفس الرجل المترفع الواثق من نفسه .
لأول مرة رأت تارا فيه شيئا من التواضع أذهلها ، و لكنها لم تبال بذلك مطلقا .
و تواضعه هذا غريب عن طباعه المعروفة بالسيادة و السيطرة اللتين كانتا موضع اعجابها حتى و هي تقاومهما .
و لكنها لاحظت فيه نقصا معينا ... ما هو ؟
جاذبيته ... ؟ نظرت الى يدها و ظنت أنها تحس بشيئ غامض يحدث لها .
تكلمت بصوت هادئ و لطيف :
- قلت لك ان الأنسجام الجسمي ليس كافيا .
أتذكر ؟
- أذكر .
كان جوابه جافا و سريعا .
- الزواج يجب ان يتقوى بالحب .
- كنت تحبين ديفد ام كنت تعتقدين ذلك ؟ و هل تعتقدين حقا انكما كنتما عشتما سعيدين لو تزوجتما ؟
- طبعا .
و لكنها لم تكن متأكدة من اعتقادها هذا اذ داخلها بعض الشك في مستقبلها مع ديفد .
- طبعا ؟ ام انك لست موقنة ؟
كانت عيناه تتفحصان عينيها بإمعان .
كانت حالمة عندما هزت رأسها و نظرت اليه شاردة و هي مصعوقة بالاكتشاف الذي أخذ يحتل ذهنها تدريجيا .
من المستحيل ان تكون قد وقعت في حب هذا المسخ !
في حب هذا اليوناني الغريب الذي لم يفوت اية فرصة ليفرض عليها سيادته و ليهزأ بها أو يبرهن على تفوقه بطريقته الوقحة .
- أنا ... أنا متأكدة من ذلك .
ضحك و رفع حاجبيه :
- من تحاولين ان تقنعي يا تارا ؟
ها هو قد استعاد ثقته في نفسه و تلاشى تواضعه .
هذا هو ليون الذي عرفته و اعتادت عليه ... و الذي أحبته ...
نعم ، أحبته ، و لا يفيدها انكار ذلك مهما حاولت .
فكرت في العيش بدونه .
طبعا سيكون حسنا ! لا آمر و لا مأمور ، و لا سيد يلقي الاوامر فيطاع .
بدونه ستكون حرة ... و لكن هل تريد حقا ان تتحرر ؟
الحياة بدونه ... اغمضت عينيها كي لا ترى طريقا موحشة باردة تمتد امامها بلا نهاية .
كي لا ترى المستقبل المملوء بالذكريات التي ستبقى حية و واضحة .
كلا ! ليست بهذا الجنون لتقع في حبه .
انه وحش و سيبقى كذلك .
و قالت لنفسها :
- لا أحبه ، و حتى ان احببته اكره ان ابقى بجانبه لأنه يؤمن بأن الرجل في هذا الجزء من العالم كل شيئ و المرأة لا شيئ !
- سألتك من تحاولين ان تقنعي .
لم تكن في وضع يمكنها من الكلام .
لكنها اخبرته بكل شيئ و بالآمال التي كانت تجمع بينهما .
تكلمت بحنين المتلهف الى الذكريات عن تأثيث بيتهما الصغير الجميل الذي اشترياه بالتقسيط .
تكلمت عن بهجتها عندما تنهض يوم زفافها و تجد الشمس مشرقة .
- كان ثوب العرس جميلا ...
توقفت لتمسح دمعة نزلت من عينيها و انزلقت على وجنتها الشاحبة .
و لاحظت في نفس الوقت ان ليون ابتلع ريقه كأنه يحاول إزالة شيئ لاصق في حلقه .
و ان يديه كانت تنطبقان و تنفتحان بعصبية تلقائية مما يدل على انفعالات قوية تتحكم به .
فيم كان يفكر ؟
لم تستطع ابدا ان تقرأ افكاره ...
و كادت تختنق من التأثر و هي تقول :
- انت لم تعتبر ان ثوب العرس كان جميلا ... لذلك رميته في البحر .
لم تقصد بهذا الكلام ان تؤنبه أو ان تؤلمه ... و لكنها دهشت عندما لاحظت رعشة في وجهه .
- أرى ان نغير الموضوع . و علي الآن ان اذهب الى مكتبي حيث سأعمل حوالي الساعتين و سألقاك بعدها في الحديقة .
نهض و رفعت تارا رأسها فأمالته الى الوراء و سألته بعد فترة وجيزة :
- هل تخليت عن بحث القضية ... اعني قضية محاولتي في الهروب ؟
نظر اليها طويلا و جال بنظره على وجهها ثم أجاب :
- ستنجلي الحقيقة بكاملها يوما ، اما الآن ...منتديات ليلاس
و رفع يديه و رماهما الى أعلى دلالة على اليأس أو الفشل .
- لا يبدو ان هناك شيئا نكسبه من الاستمرار في التحري . و من الطبيعي ان تصيبني الدهشة اذ لم يكن أحد الخدم متورطا . و لا أدري اذا كان هناك شخص تعرفينه خارج البيت ...
و فجأة توقف و تطلع فيها و سألها :
- هل زارك أحد أثناء
غيابي ؟
- زائر ؟
عرفت انه شك في زائر معين لأنها تحادثت مع نيقولاوس معظم وقت العشاء . و ارادت ان تكسب الوقت فقالت :
- قلت ان زائرا أتى ليراني ؟
صرخ اسم الزائر في وجهها .
- نيقولاوس ! نيقولاوس زارك ، أليس كذلك ؟
هزت رأسها نفيا و تذكرت إلين و هي تدخن عندما زارتها فقالت :
- إلين كانت هنا .
ربما ينسى نيقولاوس و يتلهى بموضوع إلين .
- إلين ؟ هل هي التي ساعدتك ؟ لا أعتقد انها تستطيع تحريك السلم .
سألته بلهجة لاذعة :
- ما الذي يجعلك تفترض ان إلين ترغب في مساعدتي على الهرب ؟
و أضافت :
- قد تساعدني . من يدري ... فقد تفيد من إبعادي عن طريقها . الا تعتقد ذلك يا ليون ؟ ما هذا الشجار الذي فصل بينكما و جعلك تتزوجني غيظا و انتقاما ؟
كان هذا السؤال مفاجأة لم يتوقعها فسألها :
- هل كلمتك عن شجارنا ؟
- نعم ، كلمتني .
- و هل قالت شيئا آخر ؟
كان متلهفا للمزيد ، و لكن تارا رأت الحديث عن الفتاة التي كرهتها من أول نظرة بغير طائل .
- أفضل الا أقول شيئا . لننس الأمر من فضلك .
- ألم تقل ما هو سبب مجيئها ؟
- كانت تريد ان تراك بصدد عرض الأزياء القادم الذي سيقام في اثينا . و اعتقد انها ستتصل بك حالما تعلم بعودتك ، و عندها يمكنك ان تسألها عما قالت لي .
ظهر عبوس في وجه ليون و نظر اليها كمن يريد ان يتكلم الا انه ادار ظهره ليذهب .
و قال لها انه قد يتأخر عن موعد الغداء ثم خرج و أغلق الباب وراءه بهدوء .
مضى اسبوع آخر و كل شيئ على ما هو عليه .
و تمنت تارا لو تستطيع ان تنبه نيقولاوس الى ان ليون يشتبه فيه بتقديم المساعدة لها .
لن تقابله في أي حال لأن نيقولاوس الذي أوشك ان يقع في الجرم المشهود و هو يضع السلم تحت النافذة ترك الجزيرة على زورقه و ذهب الى جزيرة خيوس حيث سيقيم اسبوعا أو اسبوعين عند صديق له .
طرأ بعض التغيير على ليون و أصبحت حياة تارا اكثر بهجة قليلا .
صحيح انها ما زالت تحلم و تخطط للهرب لكن المراقبة عليها أخذت تخف .
- هل تشعرين بالأستقرار الآن ؟ تبدين لي اكثر انشراحا .
كان الجو بينهما جو إلفة و تقارب و هذه هي الساعة الأولى التي امضياها مستمتعين بالسباحة دون أي توتر اعصاب .
نظرت اليه باهتمام كبير و ابتسمت استجابة لابتسامته التي اعطتها انطباعا بأنه ربما بدأ بالاهتمام بها او ربما وقع في حبها .
- اعترف بأني اكثر ارتياحا الآن .
قالت ذلك مقتنعة بأنه يحب سماع شيئ من هذا القبيل دون ان يمنعها ذلك عن التفكير في طريقة للهرب .
كان في تلك الاثناء ينظر الى شعرها و وجهها و شكلها و يعجب بلون بشرتها التي اكتسبت لون الدراق العسلي . و علق على كلامها قائلا :
- انا مسرور بما تشعرين . تستطيعين ان تجعلي من حياتنا نعيما لو انك أقررت بالأمر الواقع و هو انك زوجتي مدى الحياة .
- و استسلم لك كسيد مطاع ؟
لم يعجبه جوابها الذي خرج من فمها كالسهم .
- لا أريد ان اسيطر عليك ، و لكن اذا أثرت غضبي فستلاقين ما لا يعجبك .
لم يعد الجو منسجما بينهما . تبلبل فكرها و أخذ قلبها ينبض بسرعة و قالت و هي تجفف رجليها :
- قولك بأنك لا تريد السيطرة علي يبدو شاذا على سمعي يا ليون ، اذ ان اعمالك و تهديداتك المتكررة تناقض اقوالك .
- انت دفعتني الى معاملتك بهذا الشكل . و ...
لكنها قاطعته و قالت :
- قاومتك عند ما كنت تلتهمني بنظراتك الآن هل تتوقع غير ذلك من المرأة ؟
- انت امرأتي و لي حقوق الزوج .
نبرة الأمر و النهي لم تتغير . و رأت نفسها عاجزة عن الرد عليه منطقيا و لم تدر سببا لذلك .
- انا امرأتك بالاكراه ، و لا افهم قولك بأن لك حقوقا علي .
- كل الرجال لهم حقوقهم على زوجاتهم .
- كلا ، ليس كلهم .
هزت رأسها بقوة و قالت بحزم :
- فقط اولئك الذين لم يتمدنوا يفرضون تلك الحقوق .
- تقولين اني لم اتقدم في الحياة ؟
توقعت ان يقول أشياء أشد إيلاما من ذلك .
و لما رأت تعابير وجهه ظنت انه لا يرغب في الاساءة اليها .
- في كثير من طرقك انت تطبق المدنية الغربية و لكن مواقفك من النساء و الزواج ما زالت متأخرة . و في رأيي انك لن تجد سعادتك الزوجية إلا في زوجة يونانية مثلك تأتيك من القرى النائية حيث التقاليد ما زالت قائمة .
كان صوتها و هي تتكلم رصينا و معتدلا .
و رأت و هي تتطلع في عينيه السوداوين انها تحبه و انها تكون سعيدة معه لو عرف ما تريده منه .
و ليون لا يختلف عن كثير من الرجال الذين يفضلون الحب على الرغبة .
و كمعظم الرجال لا يفهم ان المرأة لا تستطيع فصل الأثنين .
و هذا هو أحد اسرار الطبيعة الغامضة ... و هو ان الرجال و النساء يختلفون في نظرتهم الى الشيئ نفسه .
فالمرأة تشعر بالحاجة الى الحب لترتمي في أحضان الرجل و الى مبادرة الرجل لها بالشعور ذاته .
و كما لو كان ليون يقرأ ما في فكرها قال :
- بما اني متزوج الآن فلا أرى كيف استطيع ان اتزوج فتاة يونانية من تلك القرى النائية التي ذكرتها .
- تأكد يا ليون اننا لن ننهي أيامنا معا .
كان صوتها حزينا ، و لما لم يعلق بشيئ قالت :
- في اليابان القديمة كانت المرأة تؤكد على حب الرجل لها قبل ان تقبل به زوجا .
و لذا كان الرجل يرسل اليها في صبيحة اليوم التالي ما يرمز الى حبه لها ، و اذا لم تتسلم هذا الرمز فلن يكون زواج أو اية علاقة بينها و بين الرجل .
فتح ليون عينيه على وسعهما استغربا و قال :
- لا اصدق هذا .
- اعرف انك لن تصدقه .
شعرت تارا بمرارة في قلبها .
و اغتاظ ليون بسبب ما قالت و لم يعلق بشيئ ، بل نهض و تركها .
***********************
|