كاتب الموضوع :
redroses309
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
8 - عذاب في الفردوس
عندما نزلت تارا من غرفة نومها كان هناك ضيفان و صلا قبل غيرهما و استقبلهما ليون .
و كان ستاماتي عند الباب و تناول من الفتاة معطفها الفرو .
حملقت تارا في جمال هذه الفتاة التي لا يبدو فيها اي عيب و التي عرفت فيها عارضة الازياء التي تكلم عنها ليون .
كانت الفتاة طويلة و ساحرة في لباسها المكون من فستان صمم ليبرز مفاتن جسمها .
و رأت فيها رمزا لتفوق الانوثة .
و كلما قارنت فستانها بفستان الفتاة ودت لو تختفي عن الانظار نظرا للفرق الكبير بين الاثنين .
صمم ليون فستان هذه الفتاة كنموذج رائع يضفي جمالا على جمال وجهها و جسمها كما يراهما هو .
فهمت الآن شعور زوجها و حماقتها في اتلاف الثوب الذي اراده ان يكون ارقى نماذجه تصميما .
رأت تارا البريق في عيني ليون و هو ينظر الى الفتاة ثم اليها .
- الين ، أعرفك على تارا زوجتي .
مدت الفتاة يدها و هي تلقي نظرة فاحصة بعينيها السوداوين على ثوب تارا .
بالطبع لن تستطيع تارا ان تقرأ افكار إلين التي تعرف كيف تخيفها عند اللزوم .
صافحت تارا تلك اليد و هي تشعر باحساس جليدي يلف جسمها ، فقد احست تارا بعداء هذه الفتاة نحوها على الفور .
- لي الشرف .
قالت إلين ذلك و التفتت الى ليون لتهنئه :
- انها فاتنة حقا ! كانت دهشتنا جميعا كبيرة ، و لم أصدق عندما اتصلت بي لتزف الي الخبر .
رد ليون على ذلك بابتسامة باردة .
ثم عرف زوجته على رفيق الفتاة ،
نيقولاوس كاليرجيس .
كان متوسط القامة ، له شعر اسود كاليل و عينان كستنائيتان .
يناهز الثامنة و العشرين و يملك سفينتي ركاب و مزارع زيتون شاسعة .
تناول يد تارا و احتفظ بها مدة اطول من اللازم .
التقت عيناها بعينيه و تولاها شعور لم تفهم سببه .
إلا انها رأت في عينيه نظرة صداقة فورية كما رأتها في شفتيه الممتلئتين .
- انا سعيد بالتعرف عليك يا تارا .
قالها باخلاص و هو يقفز بنظره من إلين الى ليون .
و توجه بالكلام الى تارا مرة اخرى :
- كيف استطعت التغلب على مناعة هذا الاعزب العنيد ؟
تورد وجهها و لكنها لم تجب ، و هي تعي تماما ان نظرة إلين المترفعة تعني ان ليون لم يتزوجها لنباهتها و ذوقها السليم .
تضايقت تارا داخليا من احتمال نقد إلين لأنها لا تظهر بالشكل الذي يليق بالمقام و هي زوجة لأشهر مصمم أزياء .
وصل ضيفان آخران بعد خمس دقائق و انضما الى باقي الضيوف في غرفة الجلوس حيث كانوا يتناولون المقبلات .
الضيفان رجل و امرأته و هما اكبر سنا بكثير من إلين و نيقولاوس ، و قد احبتهما تارا كما احبت ضيفين آخرين هما جوليا و كرستاكيس ميتاس . لم تمل للاشتراك في الحديث فكانت تتسمع فقط .
و كان آخر الضيوف الذين وصلوا أغني و لوكيس اماخيس ، و أغني هذه لها من العمر خمس و اربعون سنة . و دهشت تارا عندما علمت بأن أغني متساوية مع زوجها حقا و ودت لو تعرف كيف رفعت نفسها الى هذا المستوى في بلد يضع المرأة دون مستوى الرجل .
و عندما قدم ليون زوجته الى لوكيس للتعارف قال هذا الأخير و هو يبتسم في وجهها :
- هذا مثير حقا . ليون متزوج ... و لم يعلم اي من اصدقائه لا من قريب او بعيد بنيته في الزواج .
كان لفظه و هو يتكلم الانكليزية كلفظ زوجته اقرب الى اليونانية منه الى الانكليزية بعكس إلين و ليون اللذين يتكلمانها بطلاقة .
و سألت أغني ليون اذا كانا قد تعارفا مدة طويلة .
و لاحظت تارا ان المتكلمة توجهت بنظراتها الى الفتاة الجميلة التي كانب تجلس منزوية على كرسي قرب النافذة و ورائها الستائر المذهبة التي زادت من جمالها الساحر .
اجاب ليون :
- كانت مدة التعارف قصيرة ، و كانت لحظة من تلك اللحظات التي يحدث فيها الانجذاب المتبادل من اول نظرة .
قال ذلك و هو ينظر الى زوجته التي كانت تعرف ان ذرة من كلامه لم تكن صحيحة .
و الصحيح هو ان الذي انجذب و هي التي نفرت منه عند النظرة الاولى .
و تابع ليون كلامه قائلا بصوته العذب :
- و لهذا السبب لم يكن امامنا سوى الزواج .
اطبقت إلين شفتيها و مالت الى الامام فتناولت سيكارة من العلبة .
تساءلت تارا كم من المرات قامت إلين بهذه الحركة قبل الآن .
و اسرع ليون فأشعل لها السيكارة .
و لاحظت تارا كيف تقابلت أعينهما .
و لكنها لم تلاحظ فيها اي تعبير خاص .
كانت حفلة العشاء هانئة و كان نيقولاوس الجالس قبالة تارا يحادثها معظم الوقت بالرغم من النظرات الخفية التي كان ليون يرميه بها .
رأت تارا تلك النظرات إلا انها لم تعبأ بها فتابعت حديثها مع نيقولاوس الذي فضلته على الضيوف الستة .
و ما اتت السهرة على نهايتها حتى قام بينهما نوع من الرباط لم يعرفا مدى قوته أو تأثيره في هذه المرحلة .
إلا ان تارا كانت متأكدة من انهما سيلتقيان مرة ثانية ... و لكن وحدهما ...
وكما توقعت كان ليون غاضبا .
اذ ما ان رحل آخر الضيوف حتى عاتبها على استفراد نيقولاوس دون باقي الضيوف في الحديث .
و اتجهت تارا بفكرها الى إلين التي استفردت زوجها في عدة مناسبات و غازلته بغاية لفت نظره الى الفارق بين مظهرها ومظهر زوجته .
غضبت تارا هي الأخرى دون ان تعرف الدافع ، فهي لا تغار من الالفة الموجودة بينه و بين إلين الجميلة .
- قمت بمتطلبات المجاملة اللطيفة . الا تتوقع مني ذلك ؟
- كنت اتوقع منك ذلك تجاه الجميع . و لكنك كرست وقتك لنيقولاوس فقط .
- اي عمل اقوم به لا يعجبك . اعلمني و لو مرة واحدة بعمل يروق في عينيك حتى اسجله .
- انتبهي . مزاجي لا يتحمل اي شيئ الآن .
- كان نيقولاوس لطيفا و ظريفا ، و في كل الاحوال اظرف من صديقتك إلين .
لم يظهر على وجهه اي انفعال غير انه سألها :
- الم تهتمي بإلين ؟
- كلا ، لم اهتم . كانت تنظر الي كأني أدنى منها مستوى .
- هذا بسبب فستانك ...
- و من اشترى هذا الفستان لي ؟
- و لكن ليس لمناسبة كمناسبة هذه الليلة . و لكل مناسبة فستانها الخاص ، و هذا ما يجب ان تتعلميه .
- هذا سخيف . يلبس الانسان ما يروق له .
- انت زوجتي و يجب ان تكوني مثالا للغير ، و ان يكون ملبسك في منتهى الكمال شكلا و لونا و زيا .
- هذا حديث الخبراء ! كنت فتاة عاملة دفعتني الى هذه البيئة ... التي اكرهها !
- كاذبة !
كان مزاجه هادئا و متزنا مما اثار اعجاب تارا .
كم تتمنى لو تحظى بقوة ارادة كقوة ارادته في ضبط الاعصاب .
- اشعر اني اريد ان اذهب للفراش .
- هذه مبادرة تعجبني .
لم تفكر في ما فكر به و قالت بغضب ظاهر :
- اريد ان ابقى وحدي ... و لو مرة واحدة .
- كاذبة !
و لم يترك لها الوقت لتتكلم اذ اخذها بين ذراعيه و عانقها بضراوة قائلا :
- نعم يجب ان نذهب للفراش .
وقفت تارا عند النافذة تنظر الى الافق البعيد .
هناك ما وراء الافق ، وطنها انكلترا و ديفد ... اخذت افكارها تجول هنا و هناك و تذكرت شيئا قالته إلين عندما كانتا جالستين معا على الديوان في احدى لحظات الحفلة :
- لم يتوقع اي منا ان يتزوج ليون بهذه السرعة ، و الكل يأمل ألا يندم على ذلك .
كان هذا الكلام مع صراحته دون اي تأثير على تارا .
ان علاقة إلين بليون اكثر من عارضة ازياء بمصمم ازياء .
تبين لها الآن كيف كان الضيوف ينظرون اليها بلطف و اعجاب و ربما يتساءلون عما وجد ليون في هذه الانكليزية حتى يتزوجها بهذه الصورة المفاجئة .
و كان نيقولاوس وحده الذي انسجم مع تارا منذ اللحظة الاولى و ربطت اسمه بفكرة الهرب .
قال لها اثناء الحديث انه يملك يختا متينا و هو موجود في الميناء .
و تمنت لو تستطيع ان تميز يخته بين الزوارق و اليخوت الراسية هنالك .
و أملت في ان يعيدها هذا اليخت يوما ما الى حريتها .
كان الميناء يتلألأ بأنوار الزوارق و اليخوت و في خارجه تحوم زوارق الصيد .
و حين يطل القمر من بين الغيوم يحول سطح الماء الى مرآة لامعة تتخللها ظلال يلعب بها النور في سحر طبيعي خلاب .
كان من سمى هذه بجزيرة الفردوس على حق .
فتحت تارا النافذة فوصل الى أنفها أريج الازهار الذي كان يختلط برائحة شجر الصنوبر .
و فجأة رأت نفسها تنتقل الى عالم لا نهاية له حيث لا توجد اشياء حقيقية او اشياء حسية .
ديفد ليس موجودا و الهرب لم تعد له تلك الاهمية .
كما لم تعد اهمية للماضي او للمستقبل .
و لكن في الوقت نفسه احست بوجود شيئ حقيقي في الغرفة .
استدارت و رأت زوجها واقفا على مسافة قصيرة منها بوجهه الجميل و قده الرشيق .
و لاحظت ان عباءة النوم التي كان يرتديها لم تكن مزررة من الامام فكشفت عن صدره .
تلون وجهها عندما واجهها بسؤال وجدت فيه قوته السحرية كلها :
- ألست مستعدة لي يا زوجتي ؟
تنهدت و هزت رأسها بالنفي .
و لكنها لم تقاومه عندما جذبها اليه .
- هل ما زلت عند قولك بأنك تفضلين البقاء وحدك الليلة ؟
كانت عيناه تأكلانها أكلا و ابتسامته تدل على انه يتوقع كالعادة ان يتغلب على اية مقاومة قد تبدر عنها .
كانت تكره هذه النظرة كما تكره ضعفها و استسلامها لسطوته السحرية .
و تشمئز من شعوره بالنصر على ارادتها و حرية التلاعب بها كالعجينة دون ان يلقى منها حتى ارادة في صده .
- اجيبيني يا تارا !
كان يصر على سماع ردها .
رفعت اليه عينين رأى فيهما توسلا كي يتابع ما هو ناو عليه .
- لا يا ليون ... لا اريد ان ... ان ابقى وحدي ...
* * *
ماذا جرى لها ؟ سألت نفسها هذا السؤال عندما امرها زوجها بارتداء لباس سباحة من نوع خاص فأطاعته .
اذا كانت تقاومه في السابق بعقلها اصبح عقلها مستسلما لجسمها الآن و مع مرور الزمن و تكرار هذه الطاعة العمياء تخشى تارا الا تستطيع ابدا الرجوع الى الوراء .
تعرف قوة جاذبيته لها و قوة جاذبيتها له و هذا هو موضع ضعفها .
اذ انها تقاومه في وضح النهار و لا تفكر بمقاومته في هدوء الليل ، و لكن مقاومتها بدأت تخف حتى في وضح النهار .
و ليون يعرف متى و كين يجعلها تطيع كعبدة بلا روح .
و يعرف انها عندما تكون بين ذراعيه تطيع كل امر يصدره اليها .
و لكن هل يعرف انها تخافه و تخاف استبداد اوامره في النهار ؟
امرها الان و في وضح النهار بأن ترتدي لباس السباحة و رأت عينيه تحدرانها من الرفض ، ففكرت بضعف مقاومتها الجسدية و الالم الذي تشعر به كلما هزتها يداه القويتان من كتفيها .
و مع ذلك كانت تتصدى له .
اما الآن فقد وصلت مقاومتها الى ادنى حد تستسلم ليس فقط بالجسم بل بالعقل و الروح ايضا .
و لأنها عبست عندما أراها ثوب سباحة اصغر من قبضة يدها اراد ان ينتقم منها و يبرهن لها على انه هو السيد المطاع .
فأرغمها على ان تلبسه امامه .
اعجبه الثوب و قال لها :
- انزلي الى الحديقة الآن ، و لكن لا تتعرضي للشمس كثيرا .
سألته اذا كان سيأتي هو ايضا ، و تمنت ان يرفض لأنها تفضل ان تبقى وحدها في الحديقة ، فالوحدة بلسم لها عندما تختلي بذكرياتها الماضية .
بدا لها في كثير من الاحيان انها تستطيع ان تنسى ديفد و مأساة اختطافها و زواجها بالقوة .
و لكنها لم تستطع هضم فكرة ان يتخذها ليون مرافقة له اذا هي رفضت الزواج منه فيقذف بها الى الشارع متى شاء اذا ضجر منها .
فاذا كان ليون لا يجد فرقا بين امرأة في بيته تكون زوجة له و امرأة تسلية ، فلماذا تزوجها اذن ؟
منتديات ليلاس
قطع صوته تأملاتها عندما قال انه مشغول في مكتبه .
و لكنه كان ينظر اليها بتشوق ، و رنت في اذنها عباراته التي تقول بان جسمها ملك له و له الحق في التصرف به كيفما يشاء .
و تساءلت اذا كانت نظراته تعني انه يفكر في امتلاكه لها في تلك اللحظة .
اذا كان هو مستعدا فلم تكن لها اية رغبة في ذلك .
و لكي تتخلص منه اخذت تبحث عن عباءة الحمام .
و عوضا عن ان يدلها عليها اخذها وضمها اليه و لم يتركها .
كانت متمددة على كرسي بحري طويل عند المسبح حيث يصل الى سمعها أزيز الحشرات في اغصان الاشجار و صوت معول البستاني و هو يعمل هنا و هناك من حولها و هو يراقبها كي لا تهرب حتى في ثوب الحمام و العباءة التي لا تستر كثيرا .
مضى عليها نصف ساعة و هي مسترخية متناعسة عندما افاقت على صوت زوجها .
- رائعة ! رائعة جدا !
ابتسم و لأول مرة ترى على وجهه هذه الابتسامة .
- هل استطيع مجالستك ؟
- من يمنعك ؟
و اشارت بيدها الى كرسي طويل آخر يبعد عنها قليلا .
لم تعجبه طريقتها في استقباله و قال بعد ان تلاشت الابتسامة :
- لا تكوني كالكلبة . من الواضح اني غير مرغوب فيي هنا .
قال ذلك و جلس .
كان لابسا سروال السباحة و قميصا بسيطا لا يغطي عضلات ذراعيه و صدره .
حتى و هو في هذا اللباس كان مميزا .
نظرت الى عينيه الحادتين و وجهه البرونزي و فكيه اللذين يذكرانها بفكي تمثال اغريقي قديم .
و نظرت الى فمه و شفتيه الممتلئتين .
و دون ان تفكر وجدت نفسها تقارن بينه و بين ديفد ، و لم ترى فيهما نقاطا مشتركة ... لا يستطيع الانسان ان يقارن النمر بالجمل .
فكرت في ان توجه له سؤالا يراودها منذ مدة :
- لماذا تزوجتني يا ليون ؟
و لما اكتفى بالنظر اليها بحدة دون ان يجيب ، اضافت :
- لم تكن بحاجة الى الزواج .
كانت تتفحصه بانتباه كبير .
- كنت تمتلكني حتى قبل الزواج ، و كان في امكانك و انا في قبضتك ان تتسلى بي بغير زواج و تتخلص مني متى وجدت واحدة غيري .
كان ينظر الى البستاني الذي له وجه لا يدل على اي انفعال او عاطفة .
- الاحتفاظ بك من دون زواج كان مستحيلا في هذه الظروف .
- ماذا تعني بذلك ؟
- لا تنسي اني اختطفتك . فاذا ابقيتك في بيتي بغير زواج و من ثم تخلصت منك تستطيعين سجني . اما الآن فلا مجال لك باتهامي بأي شيئ و لذا كان الزواج ضمانة تحميني من المتاعب .
- ماذا تعني بقولك انه ليس لدي اي قضية او شكوى
ضدك ؟
- انت تزوجتني بارادتك و انت الآن زوجتي ... ماذا تستطيعين ان تفعلي فيما لو تمكنت من الافلات مني ؟
- سأذهب الى الشرطة طبعا .
- هذا لن يفيدك لأنك وعدتني بالزواج ، أنسيت ؟ و تزوجتني و لم تحتجي او حتى تتذمري .
- انت لست بهذا الذكاء كما تعتقد . سأنال منك يوما .
- اما زلت تحلمين بالهرب ؟
- طبعا .
- ما أحمقك ! ألم تفكري بأنك حامل ؟
نظرت اليه و الدم يصعد الى وجهها .
- كلا ، لا ... ماذا يؤكد لك ذلك ... ؟
- انا لست ابن البارحة . انت سجينة هنا يا تارا ... الى الابد .
كادت تبكي لأن تأكيده أخافها .
وبدأت تصدقه بالرغم من ميلها الى انكار هذه الحقيقة .
اين العدالة في كل هذا ؟ لماذا فرض عليها القدر هذا الزواج الملعون ؟
- لو تعلم كم اكرهك و تقدر ذلك لتركتني اذهب حالا .
تجاهل زوجها بكاءها و نحيبها و شبهها بطفلة تبكي ، الا انه شعر بشيئ من العطف نحوها و رأت الشريان إياه يتحرك في عنقه . فقال :
- اذا وعدتني بما اريد يا تارا فسأطلق لك كل الحرية على هذه الجزيرة . اما و الحال كما هي عليه الآن ، لا اسمح لك و لو بشبر واحد خارج بيتنا . كوني عاقلة و عديني .
- انت قلت انني سجينتك ... بدون اي شك ، فلماذا تصر على الوعد ؟
- لا اريد ان اجازف بأي شيئ قبل ولادة الطفل . لأني اعرف تماما انك لن تتخلي عن طفلك و اعرف ايضا انك اذا وعدت فلن تحيدي عن وعدك ، و قلت ذلك سابقا .
اخذت تتأمل فيما قال . لو تستطيع الهرب قبل ولادة الطفل ... قالت لنفسها : " لن ألد طفلا ! سيدمر ذلك حياتي ... و لن يقبل ديفد طفل رجل آخر و لن يتزوجني " .
قال ليون متحولا الى موضوع آخر :
- انا ذاهب الى اثينا في الاسبوع القادم ، و سآخذك معي اذا اعطيتني هذا الوعد .
كان ينظر اليها بعينين متسائلتين و فيهما أمل بأنها سترد بالايجاب .
هزت رأسها و قالت انها لن تتمسك بأي وعد .
- انت أعند امرأة التقيت بها . اريد ان آخذك معي .
قالت باحتقار :
- لماذا كل هذا الازعاج ... ؟ الا تستطيع ان تجد احدى شعلاتك القديمات و تدعوها لتأتي معك ؟
لمعت عينا ليون كجمرتين تشتعلان .
- عودي الى البيت !
نهض و انهضها معه .
- سئمت كل هذا . ستشعرين بثقل يدي على جلدك بسبب ما قلت الآن .
كان يجرها جرا و كانت تعرف ان البستاني يتبعهما بنظره .
فلم تحاول تارا ان تقاوم .
الا ان قلبها كان يدق بسرعة هائلة و وجهها يشحب خوفا من ان يضربها بالرغم من انه لم يلجأ الى هذه الوسيلة مهما هدد .
لم تتوقع رحمة او شفقة هذه المرة بعد خبرتها السابقة مع بطشه .
فكرت في ان تتوسل اليه و لكن التوسل يقرفها .
و يقرفها اكثر من ذلك عندما تنكمش على نفسها من الخوف .
دخلا غرفة النوم و أغلق الباب خلفه بعنف .
و وقف امامها بقامته الطويلة و منكبيه العريضين و وجهه المخيف .
و لما تركها ابتعدت عنه و ركضت نحو النافذة و ظهرها الى الحائط كحيوان يحاصره عدوه و يستعد للانقضاض عليه .
رأت انه من الافضل ان تتوسل اليه اذ انها فقدت شجاعتها .
- ليون ... ارجوك ... لا تؤذني !
- تعالي الى هنا !
قصف صوته كالرعد و احست ان قلبها سيتوقف .
فوضعت يدها عليه و الدموع تهطل من عينيها بغزارة .
اطبق أسنانه و اشار الى قدميه :
- هنا ! أقسم بالله ، سأجعلك تندمين اذا لم تأتي !
- أ ... أنا ... لا استطيع ... اوه ، ليون ، ارجوك ...
لم يقل شيئا . و لكنه استمر يشير الى المكان عند قدميه .
كان السكون في الغرفة يزيد من عذابها و ذلها و غطى العرق جبينها و يديها .
- سأفعل كل ما تطلبه مني ...
توقفت عن الكلام .
و رغم ان ما ستفعله الآن هو اصعب شيئ لديها فقد اعتذرت لما قالت ، و لكنها لم تتوقف عن البكاء ما دام بقي خوفها منه قائما .
و بقي اصبعه يدل على نفس الموضع .
بدأت تجر نفسها جرا و الرعب يثقل مشيتها .
كان يبدو عليه انه مستعد لا لضربها فحسب بل لقتلها .
وفجأة تساءلت لماذا هذه المبالغة في غضبه ... أقر بأن له صديقات ، فلماذا ثار و غضب لمجرد قولها هذا له ؟ و قال لها ايضا انه يحترمها اكثر من أي امرأة اخرى .
فهل يعني غضبه انه يريد ان ينساهن ؟ تملكت منها هذه الفكرة فتابعت مشيتها و هي تحملق فيه متناسية انه ربما يمسك بها و يضربها .
و اذا كانت نيته ان ينساهن ، فهذا يعني انه ... لا ، هذا غير ممكن ، غير ممكن انه بدأ يتقرب اليها و يستحبها ... الم يقل مرارا و تكرارا انه لا يؤمن بالحب ؟
- و اخيرا ، قررت ان
تعتذري ؟
فقد صوته قليلا من قوته و رأت ان غضبه كان أقل حدة .
- لقد انقذت نفسك .
بدأت اعصابها تتمدد و تسترخي و ضربات قلبها تخف .
- اظهرت حكمة و تعقلا ، و بالفعل هذا خير ما عملت .
كانت انظاره تحتويها كليا كالهواء المحيط بكل شيئ .
شدها اليه بقوة و قال :
- قلت لك انك انقذت نفسك من الضرب ... و لكن ليس من عناقي !
ظلت تبكي و تتألم من هذه المعاملة غير الانسانية ، و كان بكاؤها ناعما و هي بين ذراعيه ، مستسلما للهزيمة امام المنتصر ، السيد ، المستبد .
و في لحظة الألم و المذلة قررت ألا تعاكسه و هو بهذه القوة التي كادت تهلكها و جعلت صدغيها تضربان مثل الطبل .
لماذا تسلك هذا المسلك ؟ كانت غريزتها في البقاء تستوجب المقاومة و الأخذ بالثأر .
الكرامة هي التي تدفعها للقتال و لكن زوجها عراها من كل كرامة عندما دفعها الى الاعتذار له .
- سأروضك . فاذا كان اليونانيون لا يتحملون العصيان من الرجال فكيف بالحري من النساء ؟ انت امرأة لي في هذا البلد و بهذه الصفة ستقدمين لي كل طاعة و احترام .
ورفع رأسها لتنظر في عينيه و قال :
- هل كلامي واضح ... يا زوجة ؟
اجابته بصوب بدا غريبا حتى في سمعها هي :
- نعم . نعم يا ليون . كلامك واضح تماما .
- هذا حسن ! ربما سيكون عيشنا معا اكثر هدوءا بعد الآن .
كانت تخضع له و تستسلم بمذلة لم تعرفها من قبل .
- انت تريدينني .
أرغمها على قول ذلك و هي تعرف ان كل حركة و كل كلمة يقصد منها اذلالها و اخضاعها و كسر عنفوانها .
حملها و مددها على السرير و في لحظة لم ينتبه لها فرت من بين يديه كالغزال و احتمت في الغرفة الثانية .
و لكن لسوء حظها كان مفتاح الباب من جهته هو و لم يكفها الوقت لفتح الباب و نزع المفتاح .
اذ كان ليون أسرع منها فحملها الى السرير مرة ثانية حيث فقدت كل روح للمقاومة و عادت عبدة له لا حول لها و لا قوة ...
*******************
|